المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل مدخل المعاصي النظرة] - الداء والدواء = الجواب الكافي - ط دار المعرفة

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ]

- ‌[الْقُرْآنُ شِفَاءٌ]

- ‌[الدُّعَاءُ يَدْفَعُ الْمَكْرُوهَ]

- ‌[دعاء الغافل]

- ‌[فَصْلٌ الدُّعَاءُ مِنْ أَنْفَعِ الْأَدْوِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِلْحَاحُ فِي الدُّعَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ آفَاتِ الدُّعَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ أَوْقَاتُ الْإِجَابَةِ]

- ‌[فَصْلٌ ظُرُوفُ الدُّعَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ شُرُوطُ الدُّعَاءِ الْمُسْتَجَابِ]

- ‌[فَصْلٌ الدُّعَاءُ وَالْقَدَرُ]

- ‌[فَصْلٌ مُغَالَطَةُ النَّفْسِ حَوْلَ الْأَسْبَابِ]

- ‌[فَصْلٌ الَّذِينَ اعْتَمَدُوا عَلَى عَفْوِ اللَّهِ فَضَيَّعُوا أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ]

- ‌[فَصْلٌ الِاغْتِرَارُ بِالدُّنْيَا]

- ‌[فَصْلٌ الْفَرْقُ بَيْنَ حُسْنِ الظَّنِّ وَالْغُرُورِ]

- ‌[فَصْلٌ الرَّجَاءُ وَالْأَمَانِيُّ]

- ‌[فَصْلٌ ضَرَرُ الذُّنُوبِ فِي الْقَلْبِ كَضَرَرِ السُّمُومِ فِي الْأَبْدَانِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ آثَارِ الْمَعَاصِي]

- ‌[فَصْلٌ تَوَالُدُ الْمَعَاصِي]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعْصِيَةُ تُضْعِفُ إِرَادَةَ الْخَيْرِ]

- ‌[فَصْلٌ إِلْفُ الْمَعْصِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ هَوَانُ الْعَاصِي عَلَى رَبِّهِ]

- ‌[فَصْلٌ شُؤْمُ الذُّنُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعْصِيَةُ تُورِثُ الذُّلَّ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُفْسِدُ الْعَقْلَ]

- ‌[فَصْلٌ الذُّنُوبُ تَطْبَعُ عَلَى الْقُلُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ الذُّنُوبُ تُدْخِلُ الْعَبْدَ تَحْتَ لَعْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ حِرْمَانُ دَعْوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ مَا رَآهُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم مِنْ عُقُوبَاتِ الْعُصَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ الذُّنُوبُ تُحْدِثُ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ]

- ‌[فَصْلٌ الذُّنُوبُ تُطْفِئُ الْغَيْرَةَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُذْهِبُ الْحَيَاءَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُضْعِفُ فِي الْقَلْبِ تَعْظِيمَ الرَّبِّ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُنْسِي اللَّهَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُخْرِجُ الْعَبْدَ مِنْ دَائِرَةِ الْإِحْسَانِ]

- ‌[فَصْلٌ الْعَاصِي يَفُوتُهُ ثَوَابُ الْمُؤْمِنِينَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُضْعِفُ الْقَلْبَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُزِيلُ النِّعَمَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُلْقِي الرُّعْبَ وَالْخَوْفَ فِي الْقُلُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُمْرِضُ الْقُلُوبَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُعْمِي الْبَصِيرَةَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُصَغِّرُ النَّفْسَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي فِي سِجْنِ الشَّيْطَانِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُسْقِطُ الْكَرَامَةَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعْصِيَةُ مَجْلَبَةٌ لِلذَّمِّ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعْصِيَةُ تُؤَثِّرُ فِي الْعَقْلِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُوجِبُ الْقَطِيعَةَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالرَّبِّ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تَمْحَقُ الْبَرَكَةَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعْصِيَةُ تَجْعَلُ صَاحِبَهَا مِنَ السَّفَلَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُجَرِّئُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْدَاءَهُ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُضْعِفُ الْعَبْدَ أَمَامَ نَفْسِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُعْمِي الْقَلْبَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي عَدُوٌّ لَدُودٌ]

- ‌[فَصْلٌ ثَغْرُ الْأُذُنِ]

- ‌[فَصْلٌ ثَغْرُ اللِّسَانِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعْصِيَةُ تُنْسِي الْعَبْدَ نَفْسَهُ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُزِيلُ النِّعَمَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعْصِيَةُ تُبَاعِدُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْمَلِكِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي مَجْلَبَةُ الْهَلَاكَ]

- ‌[فَصْلٌ الْعُقُوبَاتُ الشَّرْعِيَّةُ عَلَى الْمَعَاصِي]

- ‌[فَصْلٌ عُقُوبَاتُ الذُّنُوبِ شَرْعِيَّةٌ وَقَدَرِيَّةٌ]

- ‌[فَصْلٌ الْقَطْعُ لِإِفْسَادِ الْأَمْوَالِ]

- ‌[فَصْلٌ الْعُقُوبَاتُ الْقَدَرِيَّةُ]

- ‌[الْعُقُوبَاتُ الْقَدَرِيَّةُ عَلَى الْقُلُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ الْعُقُوبَاتُ الْقَدَرِيَّةُ عَلَى الْأَبْدَانِ]

- ‌[فَصْلٌ بَعْضُ عُقُوبَاتِ الْمَعَاصِي]

- ‌[فَصْلٌ أَصْلُ الذُّنُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ الذُّنُوبُ كَبَائِرُ وَصَغَائِرُ]

- ‌[فَصْلٌ الْحَقُّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْحَقُّ فِي الْمَسْأَلَةِ]

- ‌[فَصْلٌ شِرْكُ الْوَسَاطَةِ]

- ‌[فَصْلٌ شِرْكُ مَنْ جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ]

- ‌[فَصْلٌ الشِّرْكُ فِي الْعِبَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الشِّرْكُ فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ وَالْإِرَادَاتِ وَالنِّيَّاتِ]

- ‌[فَصْلٌ الشِّرْكُ فِي اللَّفْظِ]

- ‌[فَصْلٌ الشِّرْكُ فِي الْإِرَادَاتِ وَالنِّيَّاتِ]

- ‌[فَصْلٌ حَقِيقَةُ الشِّرْكِ]

- ‌[فَصْلٌ سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ الشِّرْكُ وَالْكِبْرُ]

- ‌[فَصْلٌ الْقَوْلُ عَلَى اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ]

- ‌[فَصْلٌ الظُّلْمُ وَالْعُدْوَانُ]

- ‌[فَصْلٌ جَرِيمَةُ الْقَتْلِ]

- ‌[فَصْلٌ جَرِيمَةُ الزِّنَى]

- ‌[فَصْلٌ مَدْخَلُ الْمَعَاصِي النَّظْرَةُ]

- ‌[فَصْلٌ الْخَطْرَةُ]

- ‌[فَصْلٌ اللَّفْظَةُ]

- ‌[فَصْلٌ الْخُطْوَةُ]

- ‌[فَصْلٌ عُقُوبَةُ اللِّوَاطِ]

- ‌[فَصْلُ عُقُوبَةِ اللِّوَاطِ وَعُقُوبَةِ الزِّنَى]

- ‌[فَصْلُ وَاطِئِ الْبَهِيمَةِ]

- ‌[فَصْلُ اللِّوَاطِ وَالسِّحَاقِ]

- ‌[فَصْلُ دَوَاءِ اللِّوَاطِ]

- ‌[فَصْلُ تَوْحِيدِ الْمَحْبُوبِ]

- ‌[فَصْلُ خَاصِّيَّةِ التَّعَبُّدِ]

- ‌[فَصْلٌ: آخِرُ مَرَاتِبِ الْحُبِّ]

- ‌[الشِّرْكُ فِي الْمَحَبَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ أَنْوَاعُ الْمَحَبَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ كَمَالُ الْمَحَبَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَحَبَّةُ وَالْخُلَّةُ]

- ‌[فَصْلٌ إِيثَارُ الْأَعْلَى]

- ‌[فَصْلٌ إِيثَارُ الْأَنْفَعِ]

- ‌[فَصْلٌ أَقْسَامُ الْمَحْبُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ الْحُبُّ أَصْلُ كُلِّ عَمَلٍ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَحَبَّةُ الْمَحْمُودَةُ وَالْمَحَبَّةُ الْمَذْمُومَةُ]

- ‌[فَصْلٌ الْحُبُّ أَصْلُ الْحَرَكَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْحُبُّ لِلَّهِ وَحْدَهُ]

- ‌[فَصْلٌ آثَارُ الْمَحَبَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَحَبَّةُ أَصْلُ كُلِّ دِينٍ]

- ‌[فَصْلٌ عِشْقُ الصُّوَرِ]

- ‌[فَصْلٌ عِشْقُ اللُّوطِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ دَوَاءُ الْعِشْقِ]

- ‌[فَصْلٌ مَقَامَاتُ الْعَاشِقِ]

- ‌[الْمَحَبَّةُ النَّافِعَةُ]

- ‌[فَصْلٌ كَمَالُ اللَّذَّةِ فِي كَمَالِ الْمَحْبُوبِ وَكَمَالِ الْمَحَبَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْحُبُّ الَّذِي لَا يُنْكَرُ وَلَا يُذَمُّ]

- ‌[فَصْلٌ مَحَبَّةُ الزَّوْجَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ أَقْسَامُ النَّاسِ فِي الْعِشْقِ]

- ‌[فَصْلٌ حَدِيثُ مَنْ عَشِقَ فَعَفَّ]

الفصل: ‌[فصل مدخل المعاصي النظرة]

بَلْ إِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنَعَ وَبَخِلَ، وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزِعَ، إِلَّا مَنِ اسْتَثْنَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ النَّاجِينَ مِنْ خَلْقِهِ، فَذَكَرَ مِنْهُمْ:{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ - إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ - فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [سُورَةُ الْمَعَارِجِ: 29 - 31] .

فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ أَنْ يَأْمُرَ الْمُؤْمِنِينَ بِغَضِّ أَبْصَارِهِمْ، وَحِفْظِ فُرُوجِهِمْ، وَأَنْ يُعْلِمَهُمْ أَنَّهُ مُشَاهِدٌ لِأَعْمَالِهِمْ، مُطَّلِعٌ عَلَيْهَا، {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [سُورَةُ غَافِرٍ: 19] .

وَلَمَّا كَانَ مَبْدَأُ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الْبَصَرِ جُعِلَ الْأَمْرُ بِغَضِّهِ مُقَدَّمًا عَلَى حِفْظِ الْفَرْجِ، فَإِنَّ الْحَوَادِثَ مَبْدَؤُهَا مِنَ الْبَصَرِ، كَمَا أَنَّ مُعْظَمَ النَّارِ مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ، فَتَكُونُ نَظْرَةٌ، ثُمَّ تَكُونُ خَطْرَةٌ، ثُمَّ خُطْوَةٌ، ثُمَّ خَطِيئَةٌ.

وَلِهَذَا قِيلَ: مَنْ حَفِظَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ أَحْرَزَ دِينَهُ: اللَّحَظَاتِ، وَالْخَطَرَاتِ، وَاللَّفَظَاتِ، وَالْخُطُوَاتِ.

فَيَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَكُونَ بَوَّابَ نَفْسِهِ عَلَى هَذِهِ الْأَبْوَابِ الْأَرْبَعَةِ، وَيُلَازِمَ الرِّبَاطَ عَلَى ثُغُورِهَا، فَمِنْهَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْعَدُوُّ، فَيَجُوسُ خِلَالَ الدِّيَارِ وَيُتَبِّرُ مَا عَلَا تَتْبِيرًا.

[فَصْلٌ مَدْخَلُ الْمَعَاصِي النَّظْرَةُ]

فَصْلٌ

مَدْخَلُ الْمَعَاصِي

وَأَكْثَرُ مَا تَدْخُلُ الْمَعَاصِي عَلَى الْعَبْدِ مِنْ هَذِهِ الْأَبْوَابِ الْأَرْبَعَةِ، فَنَذْكُرُ فِي كُلِّ بَابٍ مِنْهَا فَصْلًا يَلِيقُ بِهِ.

النَّظْرَةُ

فَأَمَّا اللَّحَظَاتُ: فَهِيَ رَائِدُ الشَّهْوَةِ وَرَسُولُهَا، وَحِفْظُهَا أَصْلُ حِفْظِ الْفَرْجِ، فَمَنْ أَطْلَقَ بَصَرَهُ أَوْرَدَ نَفْسَهُ مَوَارِدَ الْمُهْلِكَاتِ.

وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّمَا لَكَ الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الْأُخْرَى» .

وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم: «النَّظْرَةُ سَهْمٌ مَسْمُومٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ، فَمَنْ غَضَّ بَصَرَهُ عَنْ مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ لِلَّهِ، أَوْرَثَ اللَّهُ قَلْبَهُ حَلَاوَةً إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ» هَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ.

ص: 152

وَقَالَ: «غُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ» ، وَقَالَ:«إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَجَالِسُنَا مَا لَنَا بُدٌّ مِنْهَا، قَالَ: فَإِنْ كُنْتُمْ لَا بُدَّ فَاعِلِينَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ، قَالُوا: وَمَا حَقُّهُ؟ قَالَ: غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الْأَذَى وَرَدُّ السَّلَامِ» .

وَالنَّظَرُ أَصْلُ عَامَّةِ الْحَوَادِثِ الَّتِي تُصِيبُ الْإِنْسَانَ، فَالنَّظْرَةُ تُوَلِّدُ خَطْرَةً، ثُمَّ تُوَلِّدُ الْخَطْرَةُ فِكْرَةً، ثُمَّ تُوَلِّدُ الْفِكْرَةُ شَهْوَةً، ثُمَّ تُوَلِّدُ الشَّهْوَةُ إِرَادَةً، ثُمَّ تَقْوَى فَتَصِيرُ عَزِيمَةً جَازِمَةً، فَيَقَعُ الْفِعْلُ وَلَا بُدَّ، مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ، وَفِي هَذَا قِيلَ: الصَّبْرُ عَلَى غَضِّ الْبَصَرِ أَيْسَرُ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى أَلَمِ مَا بَعْدَهُ.

قَالَ الشَّاعِرُ:

كُلُّ الْحَوَادِثِ مَبْدَاهَا مِنَ النَّظَرِ

وَمُعْظَمُ النَّارِ مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ

كَمْ نَظْرَةٌ بَلَغَتْ فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا

كَمَبْلَغِ السَّهْمِ بَيْنَ الْقَوْسِ وَالْوَتَرِ

وَالْعَبْدُ مَا دَامَ ذَا طَرْفٍ يُقَلِّبُهُ

فِي أَعْيُنِ الْعِينِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْخَطَرِ

يَسُرُّ مُقْلَتَهُ مَا ضَرَّ مُهْجَتَهُ

لَا مَرْحَبًا بِسُرُورٍ عَادَ بِالضَّرَرِ

وَمِنْ آفَاتِ النَّظَرِ: أَنَّهُ يُورِثُ الْحَسَرَاتِ وَالزَّفَرَاتِ وَالْحَرَقَاتِ، فَيَرَى الْعَبْدُ مَا لَيْسَ قَادِرًا عَلَيْهِ وَلَا صَابِرًا عَنْهُ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْعَذَابِ، أَنْ تَرَى مَا لَا صَبْرَ لَكَ عَنْ بَعْضِهِ، وَلَا قُدْرَةَ عَلَى بَعْضِهِ.

قَالَ الشَّاعِرُ:

وَكُنْتُ مَتَى أَرْسَلْتَ طَرْفَكَ رَائِدًا

لِقَلْبِكَ يَوْمًا أَتْعَبَتْكَ الْمَنَاظِرُ

رَأَيْتَ الَّذِي لَا كُلُّهُ أَنْتَ قَادِرٌ

عَلَيْهِ وَلَا عَنْ بَعْضِهِ أَنْتَ صَابِرُ

وَهَذَا الْبَيْتُ يَحْتَاجُ إِلَى شَرْحٍ، وَمُرَادُهُ: أَنَّكَ تَرَى مَا لَا تَصْبِرُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ:" لَا كُلُّهُ أَنْتَ قَادِرٌ عَلَيْهِ " نَفْيٌ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْكُلِّ الَّذِي لَا يَنْتَفِي إِلَّا بِنَفْيِ الْقُدْرَةِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ.

وَكَمْ مَنْ أَرْسَلَ لَحَظَاتِهِ فَمَا قَلَعَتْ إِلَّا وَهُوَ يَتَشَحَّطُ بَيْنَهُنَّ قَتِيلًا، كَمَا قِيلَ:

يَا نَاظِرًا مَا أَقْلَعَتْ لَحَظَاتُهُ

حَتَّى تَشَحَّطَ بَيْنَهُنَّ قَتِيلَا

وَلِي مِنْ أَبْيَاتٍ:

مَلَّ السَّلَامَةَ فَاغْتَدَتْ لَحَظَاتُهُ

وَقْفًا عَلَى طَلَلٍ يَظُنُّ جَمِيلًا

مَا زَالَ يُتْبِعُ إِثْرَهُ لَحَظَاتِهِ

حَتَّى تَشَحَّطَ بَيْنَهُنَّ قَتِيلًا

ص: 153