المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل دواء اللواط] - الداء والدواء = الجواب الكافي - ط دار المعرفة

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ]

- ‌[الْقُرْآنُ شِفَاءٌ]

- ‌[الدُّعَاءُ يَدْفَعُ الْمَكْرُوهَ]

- ‌[دعاء الغافل]

- ‌[فَصْلٌ الدُّعَاءُ مِنْ أَنْفَعِ الْأَدْوِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِلْحَاحُ فِي الدُّعَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ آفَاتِ الدُّعَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ أَوْقَاتُ الْإِجَابَةِ]

- ‌[فَصْلٌ ظُرُوفُ الدُّعَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ شُرُوطُ الدُّعَاءِ الْمُسْتَجَابِ]

- ‌[فَصْلٌ الدُّعَاءُ وَالْقَدَرُ]

- ‌[فَصْلٌ مُغَالَطَةُ النَّفْسِ حَوْلَ الْأَسْبَابِ]

- ‌[فَصْلٌ الَّذِينَ اعْتَمَدُوا عَلَى عَفْوِ اللَّهِ فَضَيَّعُوا أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ]

- ‌[فَصْلٌ الِاغْتِرَارُ بِالدُّنْيَا]

- ‌[فَصْلٌ الْفَرْقُ بَيْنَ حُسْنِ الظَّنِّ وَالْغُرُورِ]

- ‌[فَصْلٌ الرَّجَاءُ وَالْأَمَانِيُّ]

- ‌[فَصْلٌ ضَرَرُ الذُّنُوبِ فِي الْقَلْبِ كَضَرَرِ السُّمُومِ فِي الْأَبْدَانِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ آثَارِ الْمَعَاصِي]

- ‌[فَصْلٌ تَوَالُدُ الْمَعَاصِي]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعْصِيَةُ تُضْعِفُ إِرَادَةَ الْخَيْرِ]

- ‌[فَصْلٌ إِلْفُ الْمَعْصِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ هَوَانُ الْعَاصِي عَلَى رَبِّهِ]

- ‌[فَصْلٌ شُؤْمُ الذُّنُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعْصِيَةُ تُورِثُ الذُّلَّ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُفْسِدُ الْعَقْلَ]

- ‌[فَصْلٌ الذُّنُوبُ تَطْبَعُ عَلَى الْقُلُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ الذُّنُوبُ تُدْخِلُ الْعَبْدَ تَحْتَ لَعْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ حِرْمَانُ دَعْوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ مَا رَآهُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم مِنْ عُقُوبَاتِ الْعُصَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ الذُّنُوبُ تُحْدِثُ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ]

- ‌[فَصْلٌ الذُّنُوبُ تُطْفِئُ الْغَيْرَةَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُذْهِبُ الْحَيَاءَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُضْعِفُ فِي الْقَلْبِ تَعْظِيمَ الرَّبِّ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُنْسِي اللَّهَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُخْرِجُ الْعَبْدَ مِنْ دَائِرَةِ الْإِحْسَانِ]

- ‌[فَصْلٌ الْعَاصِي يَفُوتُهُ ثَوَابُ الْمُؤْمِنِينَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُضْعِفُ الْقَلْبَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُزِيلُ النِّعَمَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُلْقِي الرُّعْبَ وَالْخَوْفَ فِي الْقُلُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُمْرِضُ الْقُلُوبَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُعْمِي الْبَصِيرَةَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُصَغِّرُ النَّفْسَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي فِي سِجْنِ الشَّيْطَانِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُسْقِطُ الْكَرَامَةَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعْصِيَةُ مَجْلَبَةٌ لِلذَّمِّ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعْصِيَةُ تُؤَثِّرُ فِي الْعَقْلِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُوجِبُ الْقَطِيعَةَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالرَّبِّ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تَمْحَقُ الْبَرَكَةَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعْصِيَةُ تَجْعَلُ صَاحِبَهَا مِنَ السَّفَلَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُجَرِّئُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْدَاءَهُ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُضْعِفُ الْعَبْدَ أَمَامَ نَفْسِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُعْمِي الْقَلْبَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي عَدُوٌّ لَدُودٌ]

- ‌[فَصْلٌ ثَغْرُ الْأُذُنِ]

- ‌[فَصْلٌ ثَغْرُ اللِّسَانِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعْصِيَةُ تُنْسِي الْعَبْدَ نَفْسَهُ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُزِيلُ النِّعَمَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعْصِيَةُ تُبَاعِدُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْمَلِكِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعَاصِي مَجْلَبَةُ الْهَلَاكَ]

- ‌[فَصْلٌ الْعُقُوبَاتُ الشَّرْعِيَّةُ عَلَى الْمَعَاصِي]

- ‌[فَصْلٌ عُقُوبَاتُ الذُّنُوبِ شَرْعِيَّةٌ وَقَدَرِيَّةٌ]

- ‌[فَصْلٌ الْقَطْعُ لِإِفْسَادِ الْأَمْوَالِ]

- ‌[فَصْلٌ الْعُقُوبَاتُ الْقَدَرِيَّةُ]

- ‌[الْعُقُوبَاتُ الْقَدَرِيَّةُ عَلَى الْقُلُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ الْعُقُوبَاتُ الْقَدَرِيَّةُ عَلَى الْأَبْدَانِ]

- ‌[فَصْلٌ بَعْضُ عُقُوبَاتِ الْمَعَاصِي]

- ‌[فَصْلٌ أَصْلُ الذُّنُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ الذُّنُوبُ كَبَائِرُ وَصَغَائِرُ]

- ‌[فَصْلٌ الْحَقُّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْحَقُّ فِي الْمَسْأَلَةِ]

- ‌[فَصْلٌ شِرْكُ الْوَسَاطَةِ]

- ‌[فَصْلٌ شِرْكُ مَنْ جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ]

- ‌[فَصْلٌ الشِّرْكُ فِي الْعِبَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الشِّرْكُ فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ وَالْإِرَادَاتِ وَالنِّيَّاتِ]

- ‌[فَصْلٌ الشِّرْكُ فِي اللَّفْظِ]

- ‌[فَصْلٌ الشِّرْكُ فِي الْإِرَادَاتِ وَالنِّيَّاتِ]

- ‌[فَصْلٌ حَقِيقَةُ الشِّرْكِ]

- ‌[فَصْلٌ سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ الشِّرْكُ وَالْكِبْرُ]

- ‌[فَصْلٌ الْقَوْلُ عَلَى اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ]

- ‌[فَصْلٌ الظُّلْمُ وَالْعُدْوَانُ]

- ‌[فَصْلٌ جَرِيمَةُ الْقَتْلِ]

- ‌[فَصْلٌ جَرِيمَةُ الزِّنَى]

- ‌[فَصْلٌ مَدْخَلُ الْمَعَاصِي النَّظْرَةُ]

- ‌[فَصْلٌ الْخَطْرَةُ]

- ‌[فَصْلٌ اللَّفْظَةُ]

- ‌[فَصْلٌ الْخُطْوَةُ]

- ‌[فَصْلٌ عُقُوبَةُ اللِّوَاطِ]

- ‌[فَصْلُ عُقُوبَةِ اللِّوَاطِ وَعُقُوبَةِ الزِّنَى]

- ‌[فَصْلُ وَاطِئِ الْبَهِيمَةِ]

- ‌[فَصْلُ اللِّوَاطِ وَالسِّحَاقِ]

- ‌[فَصْلُ دَوَاءِ اللِّوَاطِ]

- ‌[فَصْلُ تَوْحِيدِ الْمَحْبُوبِ]

- ‌[فَصْلُ خَاصِّيَّةِ التَّعَبُّدِ]

- ‌[فَصْلٌ: آخِرُ مَرَاتِبِ الْحُبِّ]

- ‌[الشِّرْكُ فِي الْمَحَبَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ أَنْوَاعُ الْمَحَبَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ كَمَالُ الْمَحَبَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَحَبَّةُ وَالْخُلَّةُ]

- ‌[فَصْلٌ إِيثَارُ الْأَعْلَى]

- ‌[فَصْلٌ إِيثَارُ الْأَنْفَعِ]

- ‌[فَصْلٌ أَقْسَامُ الْمَحْبُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ الْحُبُّ أَصْلُ كُلِّ عَمَلٍ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَحَبَّةُ الْمَحْمُودَةُ وَالْمَحَبَّةُ الْمَذْمُومَةُ]

- ‌[فَصْلٌ الْحُبُّ أَصْلُ الْحَرَكَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْحُبُّ لِلَّهِ وَحْدَهُ]

- ‌[فَصْلٌ آثَارُ الْمَحَبَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَحَبَّةُ أَصْلُ كُلِّ دِينٍ]

- ‌[فَصْلٌ عِشْقُ الصُّوَرِ]

- ‌[فَصْلٌ عِشْقُ اللُّوطِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ دَوَاءُ الْعِشْقِ]

- ‌[فَصْلٌ مَقَامَاتُ الْعَاشِقِ]

- ‌[الْمَحَبَّةُ النَّافِعَةُ]

- ‌[فَصْلٌ كَمَالُ اللَّذَّةِ فِي كَمَالِ الْمَحْبُوبِ وَكَمَالِ الْمَحَبَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْحُبُّ الَّذِي لَا يُنْكَرُ وَلَا يُذَمُّ]

- ‌[فَصْلٌ مَحَبَّةُ الزَّوْجَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ أَقْسَامُ النَّاسِ فِي الْعِشْقِ]

- ‌[فَصْلٌ حَدِيثُ مَنْ عَشِقَ فَعَفَّ]

الفصل: ‌[فصل دواء اللواط]

الْآثَارِ الْمَرْفُوعَةِ: " «إِذَا أَتَتِ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَهُمَا زَانِيَتَانِ» " وَلَكِنْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِذَلِكَ، لِعَدَمِ الْإِيلَاجِ، وَإِنْ أُطْلِقَ عَلَيْهِمَا اسْمُ الزِّنَى الْعَامُّ، كَزِنَى الْعَيْنِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالْفَمِ.

وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا: فَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ حُكْمَ التَّلَوُّطِ مَعَ الْمَمْلُوكِ كَحُكْمِهِ مَعَ غَيْرِهِ، وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ تَلَوُّطَ الْإِنْسَانِ بِمَمْلُوكِهِ جَائِزٌ، وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [سُورَةُ الْمَعَارِجِ: 30] .

وَقَاسَ ذَلِكَ عَلَى أَمَتِهِ الْمَمْلُوكَةِ فَهُوَ كَافِرٌ، يُسْتَتَابُ كَمَا يُسْتَتَابُ الْمُرْتَدُّ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ، وَتَلَوُّطُ الْإِنْسَانِ بِمَمْلُوكِهِ كَتَلَوُّطِهِ بِمَمْلُوكِ غَيْرِهِ فِي الْإِثْمِ وَالْحُكْمِ.

[فَصْلُ دَوَاءِ اللِّوَاطِ]

فَصْلُ

دَوَاءِ اللِّوَاطِ

فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ مَعَ هَذَا كُلِّهِ دَوَاءٌ لِهَذَا الدَّاءِ الْعُضَالِ؟ وَرُقْيَةٌ لِهَذَا السِّحْرِ الْقَتَّالِ؟ وَمَا الِاحْتِيَالُ لِدَفْعِ هَذَا الْخَبَالِ؟ وَهَلْ مِنْ طَرِيقٍ قَاصِدٍ إِلَى التَّوْفِيقِ؟ وَهَلْ يُمْكِنُ السَّكْرَانَ بِخَمْرِ الْهَوَى أَنْ يُفِيقَ؟ وَهَلْ يَمْلِكُ الْعَاشِقُ قَلْبَهُ وَالْعِشْقُ قَدْ وَصَلَ إِلَى سُوَيْدَائِهِ؟ وَهَلْ لِلطَّبِيبِ بَعْدَ ذَلِكَ حِيلَةٌ فِي بُرْئِهِ مِنْ سُوَيْدَائِهِ؟ وَإِنْ لَامَهُ لَائِمٌ الْتَذَّ بِمَلَامِهِ ذِكْرًا لِمَحْبُوبِهِ، وَإِنْ عَذَلَهُ عَاذِلٌ أَغْرَاهُ عَذْلُهُ، وَسَارَ بِهِ فِي طَرِيقِ مَطْلُوبِهِ، يُنَادِي عَلَيْهِ شَاهِدُ حَالِهِ بِلِسَانِ مَقَالِهِ:

وَقَفَ الْهَوَى بِي حَيْثُ أَنْتِ فَلَيْسَ

لِي مُتَأَخَّرٌ عَنْهُ وَلَا مُتَقَدَّمُ

وَأَهَنْتِنِي فَأَهَنْتُ نَفْسِي جَاهِدًا

مَا مَنْ يَهُونُ عَلَيْكِ مِمَّنْ يُكْرَمُ

أَشْبَهْتِ أَعْدَائِي فَصِرْتُ أُحِبُّهُمْ

إِذْ كَانَ حَظِّي مِنْكِ حَظِّي مِنْهُمْ

أَجِدُ الْمَلَامَةَ فِي هَوَاكِ لَذِيذَةً

حُبًّا لِذِكْرِكِ فَلْيَلُمْنِي اللُّوَّمُ

وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالسُّؤَالِ الْأَوَّلِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الِاسْتِفْتَاءُ، وَالدَّاءُ الَّذِي طَلَبَ لَهُ الدَّوَاءَ.

قِيلَ: نَعَمْ، الْجَوَابُ مِنْ رَأْسٍ:" «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ دَاءٍ إِلَّا جَعَلَ لَهُ دَوَاءً،» عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ ".

وَالْكَلَامُ فِي دَوَاءِ دَاءِ تَعَلُّقِ الْقَلْبِ بِالْمَحَبَّةِ الْهَوَائِيَّةِ مِنْ طَرِيقَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: حَسْمُ مَادَّتِهِ قَبْلَ حُصُولِهَا.

ص: 177

وَالثَّانِي: قَلْعُهَا بَعْدَ نُزُولِهِ، وَكِلَاهُمَا يَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَمُتَعَذِّرٌ عَلَى مَنْ لَمْ يُعِنْهُ اللَّهُ، فَإِنَّ أَزِمَّةَ الْأُمُورِ بِيَدَيْهِ.

فَأَمَّا الطَّرِيقُ الْمَانِعُ مِنْ حُصُولِ هَذَا الدَّاءِ، فَأَمْرَانِ:

مَنَافِعُ غَضِّ الْبَصَرِ

غَضُّ الْبَصَرِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّ النَّظْرَةَ سَهْمٌ مَسْمُومٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ، وَمَنْ أَطْلَقَ لَحَظَاتِهِ دَامَتْ حَسَرَاتُهُ، وَفِي غَضِّ الْبَصَرِ عِدَّةُ مَنَافِعَ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ امْتِثَالٌ لِأَمْرِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ غَايَةُ سَعَادَةِ الْعَبْدِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ فِي دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ أَنْفَعُ مِنَ امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ، وَمَا شَقِيَ مَنْ شَقِيَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا بِتَضْيِيعِ أَوَامِرِهِ.

الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ أَثَرِ السَّهْمِ الْمَسْمُومِ - الَّذِي لَعَلَّ فِيهِ هَلَاكَهُ - إِلَى قَلْبِهِ.

الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ يُورِثُ الْقَلْبَ أُنْسًا بِاللَّهِ وَجَمْعِيَّةً عَلَيْهِ، فَإِنَّ إِطْلَاقَ الْبَصَرِ يُفَرِّقُ الْقَلْبَ وَيُشَتِّتُهُ، وَيُبْعِدُهُ عَنِ اللَّهِ، وَلَيْسَ عَلَى الْقَلْبِ شَيْءٌ أَضَرُّ مِنْ إِطْلَاقِ الْبَصَرِ، فَإِنَّهُ يُورِثُ الْوَحْشَةَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ.

الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ يُقَوِّي الْقَلْبَ وَيُفْرِحُهُ، كَمَا أَنَّ إِطْلَاقَ الْبَصَرِ يُضْعِفُهُ وَيُحْزِنُهُ.

الْخَامِسَةُ: أَنَّهُ يُكْسِبُ الْقَلْبَ نُورًا، كَمَا أَنَّ إِطْلَاقَهُ يُلْبِسُهُ ظُلْمَةً، وَلِهَذَا ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ آيَةَ النُّورِ عُقَيْبَ الْأَمْرِ بِغَضِّ الْبَصَرِ، فَقَالَ:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [سُورَةُ النُّورِ: 30] .

ثُمَّ قَالَ إِثْرَ ذَلِكَ: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} [سُورَةُ النُّورِ: 35] .

أَيْ مَثَلُ نُورِهِ فِي قَلْبِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ الَّذِي امْتَثَلَ أَوَامِرَهُ وَاجْتَنَبَ نَوَاهِيَهُ، وَإِذَا اسْتَنَارَ الْقَلْبُ أَقْبَلَتْ وُفُودُ الْخَيْرَاتِ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، كَمَا أَنَّهُ إِذَا أَظْلَمَ أَقْبَلَتْ سَحَائِبُ الْبَلَاءِ وَالشَّرِّ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، فَمَا شِئْتَ مِنْ بِدَعٍ وَضَلَالَةٍ، وَاتِّبَاعِ هَوًى، وَاجْتِنَابِ هُدًى، وَإِعْرَاضٍ عَنْ أَسْبَابِ السَّعَادَةِ، وَاشْتِغَالٍ بِأَسْبَابِ الشَّقَاوَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكْشِفُهُ لَهُ النُّورُ الَّذِي فِي الْقَلْبِ، فَإِذَا نَفَذَ ذَلِكَ النُّورُ بَقِيَ صَاحِبُهُ كَالْأَعْمَى الَّذِي يَجُوسُ فِي حَنَادِسِ الظَّلَامِ.

السَّادِسَةُ: أَنَّهُ يُورِثُ فِرَاسَةً صَادِقَةً يُمَيَّزُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالصَّادِقِ وَالْكَاذِبِ،

ص: 178

وَكَانَ شُجَاعٌ الْكِرْمَانِيُّ يَقُولُ: مَنْ عَمَّرَ ظَاهِرَهُ بِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ، وَبَاطِنَهُ بِدَوَامِ الْمُرَاقَبَةِ، وَغَضَّ بَصَرَهُ عَنِ الْمَحَارِمِ، وَكَفَّ نَفْسَهُ عَنِ الشُّبَهَاتِ، وَاغْتَذَى بِالْحَلَالِ، لَمْ تُخْطِئْ لَهُ فِرَاسَةٌ وَكَانَ شُجَاعًا لَا تُخْطِئُ لَهُ فِرَاسَةٌ.

وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ يَجْزِي الْعَبْدَ عَلَى عَمَلِهِ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ عَمَلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ لِلَّهِ شَيْئًا عَوَّضَهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ، فَإِذَا غَضَّ بَصَرَهُ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، عَوَّضَهُ اللَّهُ بِأَنْ يُطْلِقَ نُورَ بَصِيرَتِهِ، عِوَضًا عَنْ حَبْسِ بَصَرِهِ لِلَّهِ، وَيَفْتَحُ عَلَيْهِ بَابَ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ، وَالْمَعْرِفَةِ وَالْفِرَاسَةِ الصَّادِقَةِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي إِنَّمَا تُنَالُ بِبَصِيرَةٍ، فَقَالَ تَعَالَى:{لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [سُورَةُ الْحِجْرِ: 27] .

فَوَصَفَهُمْ بِالسَّكْرَةِ الَّتِي هِيَ فَسَادُ الْعَقْلِ، وَالْعَمَهِ الَّذِي هُوَ فَسَادُ الْبَصِيرَةِ، فَالتَّعَلُّقُ بِالصُّوَرِ يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْلِ، وَعَمَهَ الْبَصِيرَةِ، وَسُكْرَ الْقَلْبِ، كَمَا قَالَ الْقَائِلٌ:

سَكْرَانُ سُكْرُ هَوًى وَسُكْرُ مُدَامَةٍ

وَمَتَّى إِفَاقَةُ مَنْ بِهِ سُكْرَانِ

وَقَالَ الْآخَرُ:

قَالُوا جُنِنْتَ بِمَنْ تَهْوَى فَقُلْتُ لَهُمْ

الْعِشْقُ أَعْظَمُ مِمَّا بِالْمَجَانِينِ

الْعِشْقُ لَا يَسْتَفِيقُ الدَّهْرَ صَاحِبُهُ

وَإِنَّمَا يُصْرَعُ الْمَجْنُونُ فِي الْحِينِ

السَّابِعَةُ: أَنَّهُ يُورِثُ الْقَلْبَ ثَبَاتًا وَشَجَاعَةً وَقُوَّةً، فَجَمَعَ اللَّهُ لَهُ بَيْنَ سُلْطَانِ النُّصْرَةِ وَالْحُجَّةِ، وَسُلْطَانُ الْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ، كَمَا فِي الْأَثَرِ:" الَّذِي يُخَالِفُ هَوَاهُ، يَفِرُّ الشَّيْطَانُ مِنْ ظِلِّهِ ".

وَضِدُّ هَذَا تَجِدُ فِي الْمُتَّبِعِ لِهَوَاهُ - مِنْ ذُلِّ النَّفْسِ وَوَضَاعَتِهَا وَمَهَانَتِهَا وَخِسَّتِهَا وَحَقَارَتِهَا - مَا جَعَلَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِيمَنْ حَصَاهُ.

كَمَا قَالَ الْحَسَنُ: " إِنَّهُمْ وَإِنْ طَقْطَقَتْ بِهِمُ الْبِغَالُ، وَهَمْلَجَتْ بِهِمُ الْبَرَاذِينُ، إِنَّ ذُلَّ الْمَعْصِيَةِ فِي رِقَابِهِمْ، أَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُذِلَّ مَنْ عَصَاهُ ".

وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْعِزَّ قَرِينَ طَاعَتِهِ، وَالذُّلَّ قَرِينَ مَعْصِيَتِهِ، فَقَالَ تَعَالَى:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ الْمُنَافِقُونَ: 8] .

وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 139] .

ص: 179

وَالْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ، وَقَالَ تَعَالَى:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [سُورَةُ فَاطِرٍ: 10] .

أَيْ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلْيَطْلُبْهَا بِطَاعَةِ اللَّهِ وَذِكْرِهِ مِنَ الْكَلِمِ الطَّيِّبِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ.

وَفِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ: " إِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ " وَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ فَقَدْ وَالَاهُ فِيمَا أَطَاعَهُ فِيهِ، وَلَهُ مِنَ الْعِزِّ بِحَسَبِ طَاعَتِهِ، وَمَنْ عَصَاهُ فَقَدْ عَادَاهُ فِيمَا عَصَاهُ فِيهِ، وَلَهُ مِنَ الذُّلِّ بِحَسَبِ مَعْصِيَتِهِ.

الثَّامِنُ: أَنَّهُ يُسْدَلُ عَلَى الشَّيْطَانِ مَدْخَلُهُ مِنَ الْقَلْبِ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ مَعَ النَّظْرَةِ وَيَنْفُذُ مَعَهَا إِلَى الْقَلْبِ أَسْرَعَ مِنْ نُفُوذِ الْهَوَاءِ فِي الْمَكَانِ الْخَالِي، فَيُمَثِّلُ لَهُ صُورَةَ الْمَنْظُورِ إِلَيْهِ وَيُزَيِّنُهَا، وَيَجْعَلُهَا صَنَمًا يَعْكُفُ عَلَيْهِ الْقَلْبُ ثُمَّ يَعِدُهُ وَيُمَنِّيهِ، وَيُوقِدُ عَلَى الْقَلْبِ نَارَ الشَّهْوَةِ، وَيُلْقِي عَلَيْهَا حَطَبَ الْمَعَاصِي الَّتِي لَمْ يَكُنْ يُتَوَصَّلُ إِلَيْهَا بِدُونِ تِلْكَ الصُّورَةِ، فَيَصِيرُ الْقَلْبُ فِي اللَّهَبِ.

فَمِنْ ذَلِكَ اللَّهَبِ تِلْكَ الْأَنْفَاسُ الَّتِي يَجِدُ فِيهَا وَهَجَ النَّارِ، وَتِلْكَ الزَّفَرَاتُ وَالْحَرْقَاتُ، فَإِنَّ الْقَلْبَ قَدْ أَحَاطَتْ بِهِ النِّيرَانُ بِكُلِّ جَانِبٍ، فَهُوَ فِي وَسَطِهَا كَالشَّاةِ فِي وَسَطِ التَّنُّورِ، وَلِهَذَا كَانَتْ عُقُوبَةُ أَصْحَابِ الشَّهَوَاتِ لِلصُّوَرِ الْمُحَرَّمَةِ: أَنْ جُعِلَ لَهُمْ فِي الْبَرْزَخِ تَنُّورٌ مِنَ النَّارِ، وَأُودِعَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِيهِ إِلَى يَوْمِ حَشْرِ أَجْسَادِهِمْ، كَمَا أَرَاهَا اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَامِ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ.

التَّاسِعَةُ: أَنَّهُ يُفَرِّغُ الْقَلْبَ لِلْفِكْرَةِ فِي مَصَالِحِهِ وَالِاشْتِغَالِ بِهَا، وَإِطْلَاقُ الْبَصَرِ يُنْسِيهِ ذَلِكَ وَيَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فَيَنْفَرِطُ عَلَيْهِ أَمْرُهُ وَيَقَعُ فِي اتِّبَاعِ هَوَاهُ وَفِي الْغَفْلَةِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ، قَالَ تَعَالَى:{وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [سُورَةُ الْكَهْفِ: 28] .

وَإِطْلَاقُ النَّظَرِ يُوجِبُ هَذِهِ الْأُمُورَ الثَّلَاثَةَ بِحَسَبِهِ.

الْعَاشِرَةُ: أَنَّ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْقَلْبِ مَنْفَذًا وَطَرِيقًا يُوجِبُ انْتِقَالَ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ، وَأَنْ يَصْلُحَ بِصَلَاحِهِ، وَيَفْسُدَ بِفَسَادِهِ، فَإِذَا فَسَدَ الْقَلْبُ؛ فَسَدَ النَّظَرُ، وَإِذَا فَسَدَ النَّظَرُ؛ فَسَدَ الْقَلْبُ، وَكَذَلِكَ فِي جَانِبِ الصَّلَاحِ، فَإِذَا خَرِبَتِ الْعَيْنُ وَفَسَدَتْ؛ خَرِبَ الْقَلْبُ وَفَسَدَ، وَصَارَ كَالْمَزْبَلَةِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ النَّجَاسَاتِ وَالْقَاذُورَاتِ وَالْأَوْسَاخِ، فَلَا يَصْلُحُ لِسُكْنَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَمَحَبَّتِهِ وَالْإِنَابَةِ إِلَيْهِ، وَالْأُنْسِ بِهِ وَالسُّرُورِ بِقُرْبِهِ فِيهِ، وَإِنَّمَا يَسْكُنُ فِيهِ أَضْدَادُ ذَلِكَ.

فَهَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى بَعْضِ فَوَائِدِ غَضِّ الْبَصَرِ نُطْلِعُكَ عَلَى مَا وَرَاءَهَا:

ص: 180