المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قوله: ‌ ‌{القارعة مَا القارعة} كقولِه تعالى: {الحاقة مَا الحآقة} [الحاقة:‌ ‌ - الدر المصون في علوم الكتاب المكنون - جـ ١١

[السمين الحلبي]

الفصل: قوله: ‌ ‌{القارعة مَا القارعة} كقولِه تعالى: {الحاقة مَا الحآقة} [الحاقة:‌ ‌

قوله: ‌

‌{القارعة

مَا القارعة} كقولِه تعالى: {الحاقة مَا الحآقة} [الحاقة:‌

‌ 1

2] وكقولِه: {وَأَصْحَابُ اليمين مَآ أَصْحَابُ اليمين} [الواقعة: 27] وقد تقدَّما وقد عَرَفْتَ مِمَّا نقله مكي أنه يجوزُ رَفْعُ «القارعة» بفعلٍ مضمرٍ ناصبٍ ل «يومَ» وقيل: معنى الكلامِ على التحذير. قال الزجاج: «والعرب تُحَذِّر وتُغْري بالرفع كالنصبِ. وأنشد:

4631 -

لَجَديرون بالوفاءِ إذا ق

لَ أخو النجدةِ السِّلاحُ السِّلاحُ

قلت: وقد تقدَّم ذلك في قوله: {نَاقَةَ الله} [الشمس: 13] فيمَنْ رفعَه. ويَدُلُّ

ص: 93

على ذلك قراءةُ عيسى {القارعةَ ما القارعةَ} بالنصب، وهو بإضمارِ فعلٍ، أي: احذروا القارعةَ و» ما «زائدةٌ. والقارعةُ الثانيةُ تأكيدٌ للأولى تأكيداً لفظياً.

ص: 94

قوله: {يَوْمَ يَكُونُ} : في ناصبِه أوجهٌ، أحدُها: مضمرٌ يَدُلُّ عليه «القارعةُ، أي: تَقْرَعُهم يومَ يكون. وقيل: تقديرُه: تأتي القارعةُ يومَ. الثاني: أنَّه» اذْكُرْ «مقدَّراً فهو مفعولٌ به لا ظرفٌ. الثالث: أنَّه» القارعة «قاله ابنُ عطية وأبو البقاء ومكي. قال الشيخ:» فإنْ كان يعني ابنُ عطيةَ عني اللفظَ الأولَ فلا يجوزُ للفَصْلِ بين العاملِ، وهو في صلةِ أل، والمعمولِ بأجنبيٍ وهو الخبرُ، وإن جَعَلَ القارعةَ عَلَماً للقيامة فلا يعملُ أيضاً، وإنْ عنى الثاني والثالثَ فلا يَلْتَئِمُ معنى الظرفيةِ معه «. الرابع: أنه فعلٌ مقدرٌ رافعٌ للقارعةِ الأولى، كأنه قيل: تأتي القارعةُ يومَ يكون، قال مكيٌّ. وعلى هذا فيكونُ ما بينهما اعتراضاً وهو بعيدٌ جداً منافرٌ لنَظْم الكلام. وقرأ زيد بن علي» يومُ «بالرفع خبراً لمبتدأ محذوفٍ، أي: وقتُها يومُ يكونُ.

قوله: {كالفراش} يجوزُ أَنْ يكونَ خبراً للناقصةِ، وأَنْ يكونَ حالاً

ص: 94

مِنْ فاعلِ التامَّةِ، أي: يُوْجَدُون ويُحْشَرونَ شِبْهَ الفَراشَ، وهو طائرٌ معروفٌ وقيل: هو الهَمَجُ من البعوضِ والجَرادِ وغيرهما، وبه يُضْرَبُ المَثَلُ في الطَّيْشِ والهَوَجِ يقال:» أَطَيْشُ مِنْ فَراشة «وأُنْشد:

4632 -

فَراشَةُ الحُلْمِ فِرْعَوْنُ العذابِ وإنْ

يُطْلَبُ نَداه فكَلْبٌ دونَه كَلْبُ

وقال آخر:

4633 -

وقد كانَ أقوامٌ رَدَدْتُ قلوبَهُمْ

عليهم وكانوا كالفَراشِ من الجهلِ

والفَراشةُ: الماءُ القليل في الإِناءِ، وفَراشة القُفْلِ لشَبَهها بالفَراشة. وفي تشبيه الناسِ بالفَراشِ مبالغاتٌ شتى منها: الطيشُ الذي يلْحَقُهم، وانتشارُهم في الأرض، ورُكوبُ بعضِهم بعضاً، والكثرةُ والضَّعْفُ والذِّلَّةُ والمجيءُ مِنْ غيرِ ذَهابٍ. والقَصْدُ إلى الداعي من كل جهةٍ، والتطايرُ إلى النار. قال جرير:

4634 -

إنَّ الفرزدقَ ما عَلِمْتَ وقومَه

مثلُ الفَراشِ غَشِيْنَ نارَ المُصْطَلي

ص: 95

والعِهْنُ تقدَّم في سأل.

ص: 96

قوله: {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} : أي: هالكةٌ، وهذا مَثَلٌ. يقولون لمَنْ هَلَكَ:«هَوَتْ أمُّه» لأنه إذا هَلَكَ سَقَطَتْ أمُّه ثُكْلاً وحُزْناً. وعليه قولُ الشاعر:

463 -

5- هَوَتْ أمُّه ما يَبْعَثُ الصبحُ غادياً

وماذا يَرُدُّ الليلُ حين يَؤُوْبُ

وقرأ طلحة «فإمُّه» بكسرِ الهمزة. نَقَل ابنُ خالَوَيْه عن ابنِ دريد أنها لغةٌ. والنحويون لا يُجيزون ذلك إلَاّ إذا تقدَّمها كسرةٌ أو ياءٌ. وقد تقدَّم تحقيقُ هذا في سورةِ النساء، واختلافُ القُرَّاء فيه.

ص: 96

قوله: {مَا هِيَهْ} : مبتدأ وخبرٌ سادَّان مَسَدَّ المفعولَيْن ل «أَدْراك» وهو من التعليقِ و «هي» ضميرُ الهاويةِ، إنْ كانت الهاويةَُ كما قيل اسماً ل دَرَكَةٍ مِنْ دَرَكاتِ النار، وإلَاّ عادَتْ على الداهية المفهومةِ من الهاويةِ. وأسقط هاءَ السكتِ حمزةُ وَصْلاً. وقد تقدَّم تحقيقُ هذا في الحاقة. و «نارٌ» خبرُ مبتدأ مضمرٍ، أي: هي نارٌ.

ص: 96

قوله: {حتى زُرْتُمُ} : «حتى» : غايةٌ لقولِه «أَلْهاكم» وهو عطفٌ عليه.

ص: 97

قوله: {ثُمَّ كَلَاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} : جعله الشيخُ جمالُ الدينُ بنُ مالك من التوكيدِ اللفظي مع توسُّط حرفِ العطفِ. وقال الزمخشري: «والتكريرُ تأكيدٌ للرَّدْعِ والردِّ عليهم، و» ثم «دالَّةٌ على أنَّ الإِنذارَ الثاني أبلغُ من الأولِ وأشدُّ، كما تقولُ للمنصوح: أقولُ لك ثم أقولُ لك لا تفعَلْ» انتهى. ونُقِل عن عليّ كرَّمَ اللَّهُ وجهَه: «كلَاّ سوف تعلمون في الدنيا، ثم كلاًّ سوف تعلمون في الآخرة» فعلى هذا يكونُ غيرَ مكرَّرٍ لحصولِ التغايُرِ بينهما لأجل تغايُرِ المتعلِّقَيْنِ. و «ثُمَّ» على بابها من المُهْلة. وحُذِفَ متعلَّقُ العِلْمِ في الأفعالِ الثلاثةِ لأنَّ الغَرَضَ الفِعْلُ لا متعلَّقُه. وقال الزمخشري: «والمعنى: لو تعلمون الخطأَ فيما أنتم

ص: 97

عليه إذا عانَيْتُمْ ما تَنْقَلبون إليه» فقَدَّر له مفعولاً واحداً كأنه جَعَله بمعنى عَرَفَ.

ص: 98

قوله: {لَوْ تَعْلَمُونَ} جوابُه محذوفٌ. أي: لَفَعَلْتُم ما لا يُوصف. وقيل: التقديرُ: لرَجَعْتُمْ عن كُفْرِكم. وعلم اليقين: مصدرٌ. قيل: وأصلُه: العلمَ اليقينَ، فأُضِيِف الموصوفُ إلى صفتِه. وقيلَ: لا حاجةَ إلى ذلك؛ لأنَّ العِلْمَ يكونُ يقيناً وغيرَ يقينٍ، فأُضِيفَ إليه إضافةُ العامِّ للخاصِّ. وهذا يَدُلُّ على أنَّ اليقينَ أخصُّ.

وقرأ ابن عباس «أأَلْهاكم» على استفهام التقريرِ والإِنكارِ. ونُقِل في هذا: المدُّ مع التسهيل، ونُقِلَ فيه تحقيقُ الهمزتَيْن من غيرِ مَدّ.

ص: 98

قوله: {لَتَرَوُنَّ} هذا جوابُ قَسَم مقدَّرٍ. وقرأ ابن عامر والكسائي «لتُرَوْنَّ» مبنياً للمفعول. وهو منقولٌ مِنْ «رأى» الثلاثي إلى «أرى» فاكتسَبَ مفعولاً آخر فقام الأولُ مقامَ الفاعلِ. وبقي الثاني منصوباً. والباقون مبنياً للفاعلِ جعلوه غيرَ منقولٍ، فتعدى لواحدٍ فقط، فإنَّ الرؤيةَ بَصَريَّةِ. وأمير المؤمنين، وعاصم وابن كثير في روايةٍ عنهما بالفتح في الأولى والضمِّ في الثانية، يعني «لَتُرَوُنَّها» ومجاهد وابن أبي عبلة والأشهب بضمها فيهما. والعامَّةُ على أن الواوَيْن لا يُهْمزان؛ لأنَّ

ص: 98

حركتَهما عارضةٌ، نَصَّ على عدمِ جوازِه مكيُّ وأبو البقاء، وعَلَّلا بعُروضِ الحركةِ.

وقرأ الحسن وأبو عمرو بخلافٍ عنهما بهمزِ الواوَيْن استثقالاً لضمةِ الواوِ. قال الزمشخري: «وهي مستكرهَةٌ» يعني لِعُروض الحركةِ عليها إلَاّ أنَّهم قد هَمَزوا ما هو أَوْلى بعَدَمِ الهمزِ من هذه الواوِ نحو: {اشتروا الضلالة} [البقرة: 16] ، هَمَزَ واوَ «اشتَروْا» بعضُهم، مع أنها حركةٌ عارضةٌ وتزولُ في الوَقْفِ، وحركةُ هذه الواوِ، وإنْ كانت عارضةً، إلَاّ أنها غيرُ زائلةٍ في الوقفِ فهي أولى بَهْمزِها.

ص: 99

قوله: {عَيْنَ اليقين} : مصدرٌ مؤكِّدٌ. كأنه قيل: رؤيةَ العين، نفياً لتوَهُّمِ المجازِ في الرؤيةِ الأولى. وقال أبو البقاء:«لأنَّ رأى وعايَنَ بمعنىً» .

ص: 99