المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

التشديدُ للتعديةِ والباءُ مزيدةٌ للتأكيدِ كقوله: {وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً} [البقرة: - الدر المصون في علوم الكتاب المكنون - جـ ١١

[السمين الحلبي]

الفصل: التشديدُ للتعديةِ والباءُ مزيدةٌ للتأكيدِ كقوله: {وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً} [البقرة:

التشديدُ للتعديةِ والباءُ مزيدةٌ للتأكيدِ كقوله: {وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً} [البقرة: 25] وهي مبالَغَةٌ في «وَسَطْن» انتهى. وقولُه: «وهي مبالَغَةٌ» يناقِضُ قولَه أولاً «للتعدية» ؛ لأن التشديدَ للمبالغة لا يُكْسِبُ الفعلَ مفعولاً آخر تقول: «ذَبَحْتُ الغنم» مخففاً ثم تبالِغُ فتقول: «ذَبَّحْتها» مثقلاً، وهذا على رأيِه قد جَعَله متعدياً بنفسِه بدليلِ جَعْلِه الباءِ مزيدةً فلا يكون للمبالغة.

ص: 89

قوله: {إِنَّ الإنسان} : هذا هو المُقْسَم عليه و «لرَبَّه» متعلِّقٌ بالخبرِ، وقُدِّمَ للفواصلِ. والكَنُوْدُ: الجَحُوْد. وقيل: الكَفورُ النعمةِ وأُنْشِد:

4‌

‌6

28 - كَنُوْدٌ لِنَعْماءِ الرجالِ ومَنْ يَكُنْ

كَنُوْداً لِنَعْماءِ الرجالِ يُبَعَّدِ

وعن ابن عباس: هو بلسانِ كِنْدَةَ وحَضْرَمَوْتَ العاصي، وبلسان ربيعةَ ومُضَرَ الكَفورُ، وبلسانِ كِنانةَ البخيل. وأنشد أبو زيد:

4629 -

إنْ تَفْتْني فلم أَطِبْ عنك نَفْساً

غيرَ أنِّي أمنى بدَيْنٍ كَنُودِ

ص: 89

قوله: {لِحُبِّ} : اللامُ متعلِّقَةٌ ب «شديدٌ» وفيه وجهان، أحدهما: أنها المعدِّيةُ. والمعنى: وإنَّه لقَويٌّ مُطيقٌ لِحُبِّ

ص: 89

الخير يقال: هو شديدٌ لهذا الأمرِ، أي: مُطيقٌ له والثاني: أنها للعلةِ، أي: وإنَّه لأجلِ حبِّ المالِ لَبخيلٌ. وقيل: اللامُ بمعنى «على» . ولا حاجةَ إليه، وقد يُعَبَّرُ بالشديدِ والمتشدِّدِ عن البخيل قال:

4630 -

[أرى] الموتَ يَعْتامُ الكرامَ ويَصْطَفي

عَقيلةَ مالِ الفاحشِ المتشدِّدِ

وقال الفراء: «أصلُ نَظْمِ الآية أَنْ يقالَ: وإنه لشديدُ الحُبِّ للخير، فلما قَدَّم» الحُبّ «قال: لشديد، وحَذَفَ مِنْ آخرِه ذِكْرَ» الحُبِّ «؛ لأنه قد جرى ذِكْرُه، ولرؤوسِ الآي كقولِه: {فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} [إبراهيم: 18] والعُصُوف للريح لا لليوم، كأنه قال: في يومٍ عاصفِ الريحِ» .

ص: 90

قوله: {إِذَا بُعْثِرَ} : في العاملِ فيها أوجهٌ أحدُها: «بُعْثِرَ» نقله مكي عن المبرد وتقدَّم تحريرُ هذا قريباً في السورةِ قبلَها. والثاني: أنه ما دَلَّ عليه خبرُ «إنَّ» أي: إذا بُعْثر جُوزوا. والثالث: أنه «يَعْلَمُ» ، وإليه ذهب الحوفيُّ وأبو البقاء. ورَدَّه مكيُّ قال:«لأنَّ الإِنسانَ لا يُرادُ منه العِلْمُ والاعتبارُ ذلك الوقتَ، وإنما يَعْتَبِرُ في الدنيا ويعلَمُ» وقال الشيخ: «وليس بمتَّضِحٍ لأنَّ المعنى: أفلا يعلَمُ الآن.

ص: 90

وكان قد قال قبل ذلك:» ومفعولُ يَعْلَمُ محذوفٌ وهو العاملُ في الظرفِ، أي: أفلا يعلم مآلَه إذا بُعْثِرَ «انتهى. فجَعَلَها متعديةً في ظاهرِ قولِه إلى واحدٍ، وعلى هذا فقد يُقال: إنها عاملةٌ في» إذا «على سبيلِ أنَّ» إذا «مفعولٌ به لا ظرفٌ إذ التقديرُ: أفلا يَعْرِفُ وقتَ بَعْثَرَةِ القبورِ. يعني أَنْ يُقِرَّ بالبعثِ ووقتِه، و» إذا «قد تصرَّفَتْ وخَرَجَتْ عن الظرفيةِ، ولذلك شواهدُ تقدَّم ذِكْرُها في غضونِ هذا التصنيفِ. الرابع: أنَّ العاملَ فيها محذوفٌ، وهو مفعولٌ» يَعْلَمُ «كما تقدَّم تقريرُه، أي: يعلمُ مآلَه إذا بُعْثِرَ. ولا يجوزُ أن يعملَ فيه» لَخبيرٌ «لأنَّ ما في حَيِّز» إنَّ «لا يتقدَّمُ عليها.

وقرأ العامَّةُ» بُعْثِرَ «بالعين مبنياً للمفعولِ. والموصولُ قائمٌ مقامَ الفاعلِ. وابن مسعودٍ بالحاء. وقرأ الأسود بن يزيد ومحمد بن معدان» بُحِثَ «من البحث. ونصر بن عاصم» بَعْثَرَ «مبنياً للفاعل وهواللَّهُ تعالى أو المَلَكُ. والعامَّةُ» حُصِّل «مبنياً للمفعولِ كالذي قبلَه. ويحيى بن يعمر ونصرُ بن عاصم وابن معدان» حَصَّلَ «مبنياً للفاعلِ. ورُوِي عن ابن يعمرَ ونصرٍ أيضاً» حَصَلَ «خفيفةَ الصادِ مبنياً للفاعل بمعنى: جَمَعَ ما في الصحفِ تَحَصُّلاً، والتحصيلُ: جَمْعُ الشيء، والحُصولُ اجتماعُه. وقيل: التحصيلُ التمييزُ. ومنه قيل للمُنْخُل: مُحَصِّل. وحَصَل الشيءُ مخفَّفاً: ظَهَر واستبانَ، وعليه القراءةُ الأخيرةُ.

ص: 91

قوله: {إِنَّ رَبَّهُم} : العامَّةُ على كَسْرِ الهمزةِ لوجودِ اللامِ في خبرِها. والظاهرُ أنَّها معلِّقَةٌ ل «يَعْلَمُ» فهي في محلِّ نصب، ولكن لا يَعْمَلُ في «إذا» خبرُها لِما تقدَّم؛ بل يُقَدَّرُ له عاملٌ مِنْ معناه كما تقدَّم. ويدلُّ على أنها مُعَلِّقَةٌ للعِلْمِ لا مستأنفةٌ قراءةُ أبي السَّمَّال وغيرِه «أنَّ ربَّهم بهم يؤمئذٍ خبيرٌ» بالفتح وإساقطِ اللامِ، فإنَّها في هذه القراءةِ سادَّةٌ مَسَدَّ مفعولَيْها. ويُحْكَى عن الخبيثِ الروحِ الحَجَّاج أنه لما فَتَح همزةَ «أنَّ» استدرك على نفسِه فتعمَّد سقوطَ اللامِ. وهذا إنْ صَحَّ كُفْرٌ. ولا يُقالُ: إنها قراءةٌ ثابتةٌ، كما نَقَلْتُها عن أبي السَّمَّال، فلا يكفرُ، لأنه لو قرأها كذلك ناقِلاً لها لم يُمْنَعْ منه، ولكنه أسقطَ اللامَ عَمْداً إصلاحاً للِسانِه. وأجمعَ الأمةُ على أنَّ مَنْ زاد حرفاً في القرآن أو نَقَصَه عَمْداً فهو كافِرٌ، وإنما قلتُ ذلك لأنِّي رأيتُ الشيخَ قال:«وقرأ أبو السَّمَّال والحجَّاج» ولا يُحْفَظُ عن الحجَّاجِ إلَاّ هذا الأثرُ السَّوْءُ، والناسُ يَنْقُلونه عنه كذلك، وهو أقلُّ مِنْ أَنْ يُنْقَلَ عنه.

و «بهم» و «يومئذٍ» متعلِّقان بالخبرِ، واللامُ غيرُ مانعةٍ من ذلك، وقُدِّما لأَجْلِ الفاصلةِ.

ص: 92