الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: {مِنْ أَهْلِ الكتاب} : متعلِّقٌ بمحذوفٍ، لأنه حالٌ مِنْ فاعل «كفروا» .
قوله: {والمشركين} : العامَّةُ على قراءةِ «المشركين» بالياء عطفاً على «أهل» قَسَّمَ الكافرين إلى صِنْفَيْن: أهلِ كتابٍ ومشركين. وقرئ «والمشركون» بالواو نَسَقاً على «الذين كفروا» .
قوله: {مُنفَكِّينَ} خبرُ يكون. ومُنْفَكِّينَ اسمُ فاعلٍ مِنْ انْفَكَّ. وهي هنا التامَّةُ، فلذلك لم يَحْتَجْ إلى خبرٍ. وزعم بعضُهم أنها هنا ناقصةٌ وأنَّ الخبرَ مقدرٌ تقديره: منفكِّين عارفين أَمْرَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ: «وحَذْفُ خبرِ كان [وأخواتِها] لا يجوزُ اقتصاراً ولا اختصاراً، وجعلوا قولَه:
46
1
- 2-. . . . . . . . . . . . . . . . . .
…
يَبْغي جِوارَكِ حينَ ليسَ مُجِيرُ
أي: في الدنيا ضرورةً» قلت: وَجْهُ مَنْ منع ذلك أنه قال: صار الخبرُ مطلوباً من جهتَيْن: مِنْ جهة كونِه مُخْبَراً به فهو أحدُ جُزْأي الإِسناد، ومِنْ حيث كونُه منصوباً بالفعلِ. وهذا مُنْتَقَضٌ بمعفولَيْ «ظنَّ» فإنَّ كلاًّ منهما فيه المعنيان المذكوران، ومع ذلك يُحْذَفان - أو أحدُهما - اختصاراً، وأمَّا الاقْتصارُ ففيه خِلافٌ وتفصيلٌ مرَّ تفصيلُه في غضونِ هذا التصنيفِ.
قوله: {حتى تَأْتِيَهُمُ} : متعلقةٌ ب «لم يكنْ» أو ب «مُنْفَكِّين» .
قوله: {رَسُولٌ} : العامَّةُ على رفعِه بدلاً من «البيِّنة» : إمَّا بدلَ اشتمالٍ، وإمَّا كلٍ مِنْ كل على سبيلِ المبالغة، جَعَلَ الرسولَ نفسَ البيِّنة، أو على حَذْفِ مضافٍ، أي: بَيِّنَةُ رسولٍ. ويجوزُ رَفْعُه على خبرِ ابتداء مضمرٍ، أي: هي رسولٌ. وقرأ عبد الله وأُبَيّ «رسولاً» على الحالِ من البيِّنة. والكلامُ فيها على ما تقدَّم من المبالغة أو حذف المضافِ.
قوله: {مِّنَ الله} يجوزُ تعلُّقُه بنفس «رسولٌ» أو بمحذوفٍ على أنه صفةٌ ل «رسول» وجَوَّز أبو البقاء وجهاً ثالثاً وهو: أَنْ يكونَ حالاً مِنْ «صُحُفاً» والتقدير: يتلُو صُحُفاً مطهَّرة منزَّلةً مِنْ الله، يعني كانت في الأصل صفةً للنكرة فلَّما تقدَّمَتْ عليها نُصِبَتْ حالاً.
قوله: {يَتْلُو} : يجوزُ أَنْ يكونَ صفةً ل «رسول» ، وأَنْ يكونَ حالاً مِنْ الضمير في الجارِّ قبلَه إذا جَعَلْتَه صفةً ل «رسول» .
قوله: {فِيهَا كُتُبٌ} : يجوزُ أَنْ تكونَ جملةً صفةً ل «صُحُفاً» ، أو حالاً مِنْ ضمير «مُطَهَّرَة» وأَنْ يكونَ الوصفُ أو الحالُ الجارَّ والمجرورَ فقط، و «كُتُبٌ» فاعلٌ به، وهو الأحسنُ.
قوله: {مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} : العامَّةُ على كَسْرِ اللامِ اسمَ فاعلٍ، وانتصب به «الدّينَ» والحسن بفتحِها على معنى: أنهم يُخْلِصون هم أنفسهم في نياتهم، وانتصب «الدينَ» على أحدِ وجهَيْن: إمَّا إسقاطِ الخافضِ، أي: في الدين، وإمَّا على المصدر من معنى: ليَعْبُدوا، كأنه قيل: ليَدينوا الدينَ، أو ليعبدوا العبادةَ، فالتجوُّز: إمَّا من الفعلِ، وإمَّا في المصدر، وانتصابُ «مُخْلِصِين» على الحال مِنْ فاعل «يعبدون» .
قوله: {حُنَفَآءَ} حالٌ ثانيةٌ أو حال من الحالِ قبلَها، أي: من الضمير المستكنِّ فيها. وقوله: {وَمَآ أمروا} ، أي: وما أُمِروا بما أُمِروا به إلَاّ لكذا وقرأ عبد الله «وما أُمِروا إلَاّ أَنْ يَعْبُدوا» أي: بأَنْ يَعْبدوا. وتحريرُ مثلِها في قوله {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ العالمين} [الآية: 71] في الأنعام.
وقوله: {وَذَلِكَ دِينُ القيمة} أي: الأمَّةُ أو المِلَّةُ القيمةُ، أي: المستقيمة. وقيل: الكتبُ القَيِّمة؛ لأنها قد تقدَّمَتْ في الذِّكْرِ، قال
تعالى: {فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} [البينة: 3]، فلَّما أعادها أعادَها مع أل العهديةِ كقوله:{فعصى فِرْعَوْنُ الرسول} [المزمل: 16] وهو حسنٌ، قاله محمد بن الأشعت الطالقاني وقرأ عبد الله:«وذلك الدِّين القيمةِ» ، والتأنيثُ حينئذٍ: إمَّا على تأويلِ الدٍّين بالمِلة كقوله:
4613 -
. . . . . . . . . . . . . . . . . .
…
سائِلْ بني أسدٍ ما هذه الصَوْتُ
بتأويل الصيحة، وإمَّا على أنها تاءُ المبالغةِ كعَلَاّمة.
قوله: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ} : كما مَرَّ في أول السورة. وقولُه: «في نارِ» هذا هو الخبرُ، و «خالدين» حالٌ من الضمير المستكنِّ في الخبر.
قوله: {البرية} : قرأ نافعٌ وابن ذَكْوان «البَريئة» بالهمزِ في الحرفَيْن، والباقون بياءٍ مشدَّدةٍ. واخْتُلِف في ذلك الهمز، فقيل: هو الأصلُ، مِنْ بَرَأ اللَّهُ الخَلْقَ ابتدأه واخترعَه فيه فعليةٌ بمعنى
مَفْعولةٌ، وإنما خُفِّفَتْ، والتُزِمَ تحفيفُها عند عامَّةِ العربِ. وقد ذَكَرْتُ أنَّ العربَ التزمَتْ غالباً تخفيفَ ألفاظٍ منها: النبيُّ والخابِيةَ والذُّرِّيَّة والبَرِيَّة. وقيل: بل البَرِيَّةُ دونَ همزةِ مشتقةٌ مِنْ البَرا، وهو الترابُ، فهي أصلٌ بنفسِها، فالقراءتان مختلفتا الأصلِ متفقتا المعنى. إلَاّ أنَّ ابنَ عطيةَ غَضَّ مِنْ هذا فقال:«وهذا الاشتقاقُ يَجْعَلُ الهمزةَ خطأً وهو اشتقاقٌ غيرُ مَرْضِيّ» انتهى. يعني أنَّه إذا قيل بأنَّها مشتقةٌ من البَرا وهو الترابُ فمَنْ أين يجيْءُ في القراءةِ الأخرى؟ وهذا غيرُ لازم لأنهما قراءتان مُسْتقلَّتان، لكلٍ منهما أصلٌ مستقلٌ، فقيل: مِنْ بَرَأَ، أي: خَلَق، وهذه مِنْ البَرا؛ لأنَّهم خُلِقوا مِنْه، والمعنى بالقراءتين شيءٌ واحدٌ، وهو جميعُ الخَلْقِ. ولا يُلْتَفَتُ إلى مَنْ ضَعَّف الهمزَ من النحاةِ والقُرَّاءِ لثبوتِه متواتِراً.
وقرأ العامَّةُ «خيرُ البَرِيَّة» مقابلاً لشَرّ. وعامر بن عبد الواحد «خِيارُ» وهو جمع خَيِّر نحو: جِياد وطِياب في جمع جَيِّد وطَيِّب، قاله الزمخشري.
قوله: {خَالِدِينَ} : حالٌ عاملُه محذوفٌ، أي: دَخَلوها أو أُعْطُوها. ولا يجوزُ أَنْ يكونَ حالاً مِنْ «هم» في «جزاؤهم»
لئلا يلزَمَ الفصلُ بين المصدرِ ومعموله بأجنبي. على أنَّ بعضَهم أجازه منهم، واعتذروا: بأن المصدرَ هنا غيرُ مقدَّرٍ بحرفٍ مصدري. قال أبو البقاء: «وهو بعيد» وأمَّا «عند» فيجوز أَنْ يكونَ حالاً مِنْ «جزاؤهم» ، وأَنْ يكونَ ظرفاً له. و «أبداً» ظرفُ زمانٍ منصوبٌ بخالدين.
قوله {رِّضِىَ الله عَنْهُمْ} يجوزُ أَنْ يكونَ دعاءً مستأنفاً، وأَنْ يكونَ خبراً ثانياً، وأَنْ يكونَ حالاً بإضمار «قد» عند مَنْ يلتزمُ ذلك.
قوله: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ} : أي: ذلك المذكورُ مِنْ استقرارِ الجنةِ مع الخلودِ ورِضا الله عنه لِمَنْ خَشِيَ به.
قوله: {إِذَا زُلْزِلَتِ} : «إذا» شرطٌ، وجوابُها «تُحَدِّثُ» وهو الناصبُ لها عند الجُمهورِ. وجَوَّز أبو البقاء أَنْ يكونَ العاملُ فيها «يَصْدُرُ» وغيرُهم يجعلُ العاملَ فيها ما بعدَها ويَليها، وإنْ كان معمولاً لها بالإِضافةِ تقديراً، واختاره مكي، وجَعَلَ ذلك نظيرَ «مَنْ» و «ما» يعني أنَّهما يَعْملان فيما بعدَهما الجزمَ، وما بعدَهما يعملُ فيهما النصبَ، ولو مثَّل بأَيّ لكان أوضحَ. وقيل: العاملُ فيها مقدَّرٌ، أي: يُحْشَرون. وقيل: اذكُرْ، وحينئذٍ تَخْرُج عن الظرفية والشرط.
قوله: {زِلْزَالَهَا} مصدرٌ مضافٌ لفاعلِه. والمعنى: زِلْزالَها الذي تَسْتَحقه ويَقْتضيه جِرْمُها وعِظَمُها. قال الزمخشري: «ونحُوه: أكرِمِ التقيَّ إكرامَه، وأَهِنِ الفاسِقَ إهانتَه، أو زِلْزالَها كلَّه» والعامَّةُ بكسر الزايِ.
والجحدريُّ وعيسى بفتحِها. فقيل: هما مصدران بمعنى. وقيل: المكسورُ مصدرٌ، والمفتوحُ اسمٌ. قال الزمخشري:«وليس في الأبنية فَعْلال بالفتح إلَاّ في المضاعَفِ» قلت: وقد جَعَلَ بعضُهم المفتوحَ بمعنى اسمِ الفاعل نحو: صَلْصَال بمعنى مُصَلْصِل، وقد تقدَّم ذلك. وقوله:«ليس في الأبنية فَعْلال» يعني غالباً، وإلَاّ فقد وَرَدَ:«ناقةٌ خَزْعال» .
قوله: {مَا لَهَا} : ابتداءٌ وخبرٌ، وهذا يَرُدُّ قول مَنْ قال: إنَّ الحالَ في نحو {فَمَا لَهُمْ عَنِ التذكرة مُعْرِضِينَ} [المدثر: 49] لازِمَةٌ لئلا يصيرَ الكلامُ غير مفيدٍ، فإنه لا حالَ هنا.
قوله: {يَوْمَئِذٍ} : أي: يومَ إذ زُلْزِلَتْ. والعاملُ في «يومئذٍ» «تُحَدِّثُ» إنْ جَعَلَتْ «إذا» منصوبةٌ بما بعدها أو بمحذوفٍ، وإن جَعَلْتَ العاملَ فيها «تُحَدِّثُ» كان «يومئذٍ» بدلاً منها، فالعاملُ فيه العاملُ فيها، أو شيءٌ آخرُ لأنه على نيةِ تكرارِ العاملِ. خلافٌ مشهورٌ.
قوله: {بِأَنَّ رَبَّكَ} : متعلِّقٌ ب «تُحَدِّثُ» أي: تُحَدِّثُ. ويجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بنفسِ «أخبارَها» وقيل: الباءُ زائدةٌ، وأنَّ وما في حَيِّزها بدلٌ من «أخبارَها» وقيل: الباءُ سببيةٌ، أي: بسبب إيحاءِ اللَّهِ تعالى إليها. وقال الزمخشري: «فإنْ قلتَ: أين مفعولاً»
تُحَدِّثُ «؟ قلت: حُذِفَ أَوَّلُهما، والثاني:» أخبارَها «، وأصله: تُحَدِّث الخلقَ أخبارَها. إلَاّ أنَّ المقصودَ ذِكْرٌ تَحْديثِها الأخبارَ لا ذِكْرُ الخَلْقِ تعظيماً لليوم. فإنْ قلت: بمَ تَعَلَّقَتِ الباءُ في قولِه» بأنَّ ربَّك «؟ قلت: بتُحَدِّثُ؛ لأنَّ معناه: تُحَدِّثُ أخبارَها بسببِ إيحاءِ رَبِّك. ويجوزُ أَنْ يكونَ المعنى: تُحَدِّثُ ربَّك بتحديثِ أنَّ ربَّك أوحى لها أخبارَها، على أنَّ تَحْديثَها بأنَّ ربَّك أوحى لها تَحْديثٌ بأخبارِها، كما تقول: نَصَحْتَني كلَّ نصيحة بأَنْ نَصَحْتَني في الدين» قال الشيخ: «وهو كلامٌ فيه عَفْشٌ يُنَزَّه القرآنُ عنه» . قلت: وأيُّ عَفْشٍ فيه مع صِحَّته وفصاحتِه؟ ولكنْ لَمَّا طالَ تقديرُه مِنْ جهةِ إفادتِه هذا المعنى الحسنَ جَعَله عَفْشاً وحاشاه.
ثم قال الزمخشريُّ: «ويجوزُ أَنْ يكونَ» بأنَّ ربَّك «بدلاً مِنْ» أخبارَها «كأنه قيل: يومئذٍ تُحَدِّثُ بأخبارِها بأنَّ ربَّك أوحى لها؛ لأنَّك تقول: حَدَّثْتُه كذا، وحَدَّثْتُه بكذا» قال الشيخ: «وإذا كان الفعلُ يتعدَّى تارةً بحرفِ جرٍّ، وتارةً يتعدى بنفسِه، وحرفُ الجرِّ ليس بزائدٍ، فلا يجوزُ في تابِعه إلَاّ الموافقةُ في الإِعرابِ فلا يجوز:» استغفَرْتُ الذنبَ العظيمِ «بنصبِ» الذنبَ «وجَرِّ» العظيم «لجواز أنَّك تقولُ» من الذنب «، ولا» اخْتَرْتُ زيداً الرجالَ الكرامِ «بنصبِ الرجالَ» وخَفْضِ الكرامِ «، وكذلك لا يجوزُ اَنْ تقولَ:» استغفرتُ من الذنبِ العظيمَ «بنصبِ» العظيمَ «وكذلك في» اخْتَرْتُ «فلو كان حرفُ الجر زائداً جاز الإِتباعُ
على موضعِ الاسمِ بشروطهِ المحررةِ في علمِ النحوِ تقول:» ما رأيتُ مِنْ رجلٍ عاقلاً «لأنَّ» مِنْ «زائدةٌ،» ومِنْ رجل عاقلٍ «على اللفظِ، ولا يجوز نَصْبُ» رجل «وجَرُّ» عاقل «على جوازِ مراعاةِ دخولِ» مِنْ «، وإنْ وَرَدَ شيءٌ مِنْ ذلك فبابُه الشِّعْرُ» انتهى. ولا أَدْري كيف يُلْزِمُ الزمخشريَّ ما أَلْزَمَه به من جميعِ ِالمسائلِ التي ذكَرَها، فإنَّ الزمخشريِّ يقول: إنَّ هذا بدلٌ مِمَّا قبلَه، ثم ذَكَرَ مُسَوِّغَ دخولِ الباءِ في البدلِ: وهو أنَّ المُبْدَلَ منه يجوزُ دخولُ الباءِ عليه، فلو حَلَّ البدلُ مَحَلَّ المبدلِ منه ومعه الباءُ، لكان جائزاً؛ لأنَّ العاملَ يتعَدَّى به، وذَكَرَ مُسَوِّغاً لخُلُوِّ المبدلِ منه من الباءِ فقال:«لأنَّك تقول: حَدَّثْتُه كذا وحَدَّثْتُه بكذا» وأمَّا كَوْنُه يَمْتنعُ أَنْ تقولَ: «استغفَرتُ الذنبَ العظيمِ» بنَصْبِ «الذنبَ» وجرِّ «العظيمِ» إلى آخرِه، فليس في كلامِ الزمخشريِّ شيءٌ منه البتةَ.
ونظيرُ ما قاله الزمخشريُّ في بابِ «استغفر» أَنْ تقولَ «استغفرْتُ اللَّهَ ذنباً مِنْ شَتْمي زيداً» فقولك: «مِنْ شَتْمي» بدلٌ مِنْ «الذنب» وهذا جائزٌ لا مَحالةَ.
قوله: {أوحى لَهَا} في هذه اللامِ أوجهٌ، أحدُها: أنها بمعنى إلى، وإنما أُوْثِرَتْ على «إلى» لموافقةِ الفواصلِ. وقال العجَّاج في وَصْف الأرض:
4614 -
أَوْحَى لها القرارَ فاستقرَّتِ
…
وشَدَّها بالرَّاسياتِ الثُّبَّتِ
الثاني: أنَّها على أصلِها، و «أوحى» يتعدَّى باللامِ تارةً وب «إلى» أخرى، ومنه البيتُ المتقدمُ، الثالث: أنَّ اللامَ على بابها من العلةِ،
والموحى إليه محذوفٌ، وهو الملائكةُ، تقديرُه: أوحى إلى الملائكةِ لأجلِ الأرضِ، أي: لأَجْلِ ما يَفْعَلون فيها.
قوله: {يَوْمَئِذٍ} : إمَّا بدلٌ مِنْ يومئذٍ «قبلَه، وإمَّا منصوبٌ ب» يَصْدُرُ «وإمَّا منصوبٌ ب» اذْكُرْ «مقدراً.
قوله: {أَشْتَاتاً} حالٌ مِنْ» الناس «وهو جمع شَتَّ، أي: متفرِّقين في الأمنِ والخوفِ والبياضِ والسوادِ.
قوله: {لِّيُرَوْاْ} متعلِّقٌ ب» يَصْدُرُ «وقيل: ب» أوحى «وما بينهما اعتراضٌ. والعامَّةُ على بنائِه للمفعولِ. وهو مِنْ رؤيةِ البصرِ فتعدَّى بالهمزِة إلى ثانٍ، وهو» أعمالَهم «وقرأ الحسن والأعرج وقتادة وحمادة بن سَلَمة - وتروى عن نافع، قال الزمخشري:» وهي قراءةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم «- مبنياً للفاعل والمعنى: جزاءَ أعمالِهم.
قوله: {خَيْراً} ، {شَرّاً} : في نصبِهما وجهان، أظهرهما: أنهما تمييز للمِثْقال فإنه مقدارٌ. والثاني: أنهما بدلان مِنْ «مثقالَ»
قوله: {يَرَهُ} جوابُ الشرط في الموضعين. وقرأ هشام بسكونِ هاء «يَرَهْ» وَصْلاً في الحرفَيْن. وباقي السبعةِ بضمِّها موصولةً بواوٍ وَصْلاً،
وساكنةً وَقْفاً كسائرِ هاءِ الكنايةِ، هذا ما قرَأْتُ به. ونَقَل الشيخُ عن هشام وأبي بكر سكونَها، وعن أبي عمرو ضمُّها مُشْبعة، وباقي السبعةِ بإشباعِ الأولى وسكونِ الثانية. انتهى. وكان ذلك لأجلِ الوقفِ على آخرِ السورةِ غالباً. أمَّا لو وَصَلوا آخرَها بأولِ «العادِيات» كان الحكمُ الإِشباعَ هذا مقتضى أصولِهم كما قَدَّمْتُه وهو المنقولُ.
وقرأ العامَّةُ «يَرَهُ» مبنياً للفاعلِ. وقرأ ابن عباس والحسين بن علي وزيد بن علي وأبو حيوة وعاصم والكسائي في رواية «يُرَه» مبنياً للمفعول. وعكرمة «يَراه» بالألفِ: إمَّا على تقديرِ الجزمِ بحَذْفِ الحركةِ المقدرة، وإمَّا على تَوَهُّمِ أنَّ «مَنْ» موصولةٌ، وتحقيق هذا مذكورٌ في أواخِر يوسف. وحكى الزمخشري أن أعرابياً أَخَّر «خيراً يَرَهُ» فقيل له: قَدَّمْتُ وأَخَّرْتَ، فأنشد:
4615 -
خذا بَطْنَ هرشى أوقَفاها فإنَّه
…
كِلا جانِبَيْ هرشى لَهُنَّ طريقُ
انتهى. يريدُ أنَّ التقديمَ والتأخيرَ سواءٌ، وهذا لا يجوزُ البتةَ فإنه خطأٌ لا يُعْتَقَدُ به قراءةً.
والذَّرَّة قيل: النملةُ الصغيرةُ. وأصغرُ ما تكونُ قضى عليها حَوْلٌ قال امرؤ القيس:
4616 -
من القاصراتِ الطَرْفِ لو دَبَّ مُحْوِلٌ
…
من الذَّرِّ فوق الإِتْبِ منها لأَثَّرا