الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منهج المؤلف في الكتاب
قد انتهج المؤلف في هذا الكتاب منهجاً بين بعضه في مقدمته، حيث ذكر فيها أنه سوف يشرح المشكل، ويقيد المهمل، ويحل المقفل، من كتاب التيسير، معتمداً في شرحه على كتاب التبصرة، والكافي مع كلام من غيرهما، كالجامع، والتحبير/للداني، وكتاب الإقناع / الإبن الباذش وكتاب سيبوية، ومعافي القرآن / للأخفش، وغيرذلك مما دعت إليه ضرورة التفسير، مبيناً الموافقة والمخالفة بين التيسير والتبصرة والكافي.
قال رحمه الله تعالى: (
…
فدونك زيا من الدر النثير والعذب النمير في شرح مشكلات، وقيد مهملات، وحل مقفلات اشتمل عليها كتاب التيسير، متبعاً بالموافقة والمخالفة على الأسلوب الوافي فيما بينه، وبين كتاب التبصرة والكتاب الكافي، إلى كلام من غيرهما دعت إليه ضرورة التفسير. هـ).
ولكونه - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - لا يفسر إلا المشكل من ألفاظ التيسير فقد ترك ما لا إشكال فيه كما صرح بذلك في بعض الأبواب في ختام باب الإِدغام الكبير (وباقي كلامه بين وقد أتيت على جميع ما ظهر لى في الباب والحمد لله وحده الذي أحاط بكل شيء علما.)
وسوف تقف على أن المؤلف قد وفى بما وعد به، فشرح المشكل وحل المقفل وبين المتفق عليه، والمختلف فيه بين الأئمة الثلاثة، الداني ومكي، وابن شريح، فمن شرح المشكل وحل المقفل قوله عند لفظ الداني:
(فذكرت عن كل واحد من القراء روايتين) اعلم أن الروايات التي ذكر أربع عشرة والرواة الثلاثة عشر، وسبب ذلك أن أبا عمر الدوري الذي يروى عن اليزيدي عن أبي عمرو هو بعينه واسمه الذي يروي عن الكسائي.
ومن تقييد المطلق قوله عند نص الداني .. (والباقون يحققون الهمزة في ذلك كله).
ليس هذا على إطلاقه لأن أبا عمرو يسهل كل ما يذكر من الهمزات السواكن، وحمزة إذا وقف يسهل كل ما ذكر من الساكنة والمتحركة
ومن الموافقة قوله في نهاية الكلام على الهمزة المفردة (والشيخ والِإمام يوافقان الحافظ على كل ما في هذا الباب).
ومن أمثلة الموافقة والمخالفة قوله في باب البسملة .. (اعلم أن المواضع باعتبار البسملة في مذهب الحافظ أربعة:
- موضع تترك فيه باتفاق وهو: أول براءة. سواء بدئ بها أو قرئت بعد غيرها.
- وموضع تثبت فيه باتفاق وهو: أول كل سورة يبدأ بها إذا لم يقرأ قبلها غيرها سوى براءة.
- وموضع يخير فيه باتفاق وهو: الإبتداء برؤس الأجزاء التي في أثناء السور.
- وموضع فيه خلاف وهو: ما بين السور فأثبت البسملة فيه قالون وابن كثير وعاصم والكسائي وتركها الباقون.
وافقه الشيخ والامام في الموضع الأول على الترك.
وفي الموضع الثاني على الإثبات. وخالفاه في الموضع الثالث
فقالا: يعوذ عند الإِبتداء برؤس الأجزاء لا غير
هذا وقد استنبطت من خلال دراستي للكتاب أن مؤلفه - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -:
1 -
يبدأ قبل شرحه لنص التيسير بتوطئة، وهي عبارة عن خلاصة الكلام في الباب ثم يأتي بالنص مبيناً ما فيه من غموص.
ولنستمع إليه وهو يحدثنا في باب هاء الكناية:
(اعلم أن هذه الهاء إن وقف عليها فلها مثل ما لسائر الحروف من الِإسكان والروم والإِشمام. كما يأتي في بابه بحول الله تعالى: فإن وصلت هذه الهاء فهى ثلاثة أقسام:
- قسم اتفق القراء على صلة حركته.
- وقسم اتفقوا على ترك صلة حركته.
- وقسم اختلفوا فيه.
وضابط ذلك أن ينظر إلى الحرف الواقع بعدها، فإن كان ساكناً فهى من المتفق على ترك صلته سواء تحرك ما قبلها أو سكن، وإن كان الحرف الواقع بعدها متحركاً، فهناك يعتبهر ما قبلها. فإن كان متحركاً فهى من المتفق على صلته، وإن كان ساكناً فهى من المختلف فيه، يصلها ابن كثير، ويختلس حركتها الباقون.
وبهذا الإسم بدأ الحافظ فقال .. (كان ابن كثير يصل هاء الكناية عن الواحد المذكر .. إلى آخر كلامه).
قوله (عن الواحد) متعلق بالكناية وقوله (بواو) متعلق بيصل وقوله (فإذا وقف حذف تلك الصلة) يريد والحركة التي في الهاء، وقوله (لأنها زيادة) تقليل للحذف.)
2 -
يكشف عن وجوه القراءات وعللها وحججها.
قال - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - .. (وجه قراءة الجماعة في ترك الصلة إذا سكن ما قبل الهاء - يعني هاء الكناية - أن الهاء عندهم لضعفها روهنها في حكم العدم فلو وصلوها لكانوا كأنهم قد جمعوا بين ساكنين فتركوا الصلة كذلك، ولا ينكر كون الحرف الضعيف قد حكم له بحكم المعدوم.
ألا ترى أن سيبويه قال في: (اسطاع) إنما هي أطاع. زادوا السين عوضاً عن ذهاب حركة العين يريد من أجل ذهاب حركة العين من العين إذ الحركة لم تذهب من الكلمة رأساً وإنما هي في الطاء، فإن أصل الكلمة (أطوع) مثل (أكرم)، فلما نقلت الحركة وقلبت الواو ألفا صارت الألف عرضة للحذف، عند سكون ما بعدها نحو أطعت، فلما توهنت الواو بالإسكان والقلب عوض منها السين، وإن كانت الألف تحرز مكانها ولم يكن ذلك من الجمع بين العوض والمعوض منه لكون الألف في حكم المعدوم لضعفها وتعرضها للحذف.
ووجه قراءة ابن كثير اعتبار الأصل اذ الهاء حرف متحرك فقد فصل بحركته بين الساكنين مع الهاء وإن كانت ضعيفة فإنها تحرز في حكم اللفظ ما يحرزه الضاد باستطالته، والسين بتفشيه، والقاف بقلقلته. وتصحيح ذلك يظهر في أوزان الشعر إذ هو معيار لتحقيق ذلك ولا فرق بين الهاء وغيرها من الحروف في حكم الوزن. والله أعلم.
3 -
أثبت الفروق بين نسخ التيسير، مع التنبيه على تصحيف في بعضها. يقول - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - .. (يثبت في كثير من نسخ التيسير بإثر البسملة والتصلية.) قال أبو عمرو بن سعيد بن عثمان الداني:"والذي رويته ترك ذلك وإثبات الخطبة. بإثر البسملة والتصلية وهو قوله الحمد لله المنفرد بالدوام."
قال الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - (وألزم اليزيدي أبا عمرو إدغامه) وفي بعض النسخ (أبا عمر) بضم العين وفتح الميم، وهو اسم الدوري، وهو تصحيف، والصحيع (أبا عمرو) بفتح العين وإسكان الميم، وهو اسم الإمام ابن العلاء، ويدل على صحة ذلك قوله:(فدل على أنه يرويه عنه بالإِظهار.) يريد: فدل هذا الإِلزام على أن اليزيدي يرويه عن أبي عمرو بالإِظهار
4 -
حصر الأمثلة القرآنية المندرجة تحت النصوص التي تعرض لشرحها من التيسير، وهو يدل على قوة حفظه، حتى كأن القرآن زوي له فهو ينظر إليه كما ينظر إلى كنهه - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - رحمة واسعة قال: اعلم أن الهاء يدغمها أبو عمرو في مثلها إن كانتا من كلمتين سواء كانت الأولى ضميراً أو غير ضمير، وسواء كان قبلها حرف متحرك أو ساكن، وإن كانت في الأسماء موصولة حذفت الصلة ثم أسكنها في جميع ذلك وأدغمها.
وجملته في القرآن أربعة وتسعون حرفاً، منها حرف حرف في ثلاث وعشرين سورة، ففي النساء (وكلوه هنيئاً) وفي الأنعام (قل إن هدى الله هو الهدى) وفي الأعراف (لأخيه هارون) وفي سورة يونس (سبحنه هو الغنى) وفي سورة هود عليه السلام (غيره هو أنشاكم) وفي المؤمنون (وأخاه هرون)
…
الخ، ومنها حرفان حرفان في عشر سور ففي الأنفال (وتوكل على الله إنه هو السميع العليم)(فإن حسبك الله هو الذي أيدك) .. الخ.
ومنها أربعة في سورتين ففي سورة يوسف عليه السلام (كيدهن إنه هو السميع العليم)(بهم جميعاً إنه هو العليم)(ربي إنه هو الغفور)(لما يشاء إنه هو العليم)
…
الخ.
ومنها خمسة بالتوبة وهي (وكلمة الله هي العليا)(إن الله هو التواب)
…
الخ.
ومنها سته في ثلاث سور ففي البقرة (فيه هدى)(فتاب عليه إنه هو التواب)(فتاب عليكم إنه هو التواب)(وهدى الله هو الهدى (لا تتخذوا أيات الله هزوا)(جاوزه هو).
إذا تعرض لمسألة فيها خلاف، وكان الراجح والمعتمد عند القراء أحد هذه الأقوال وهو الذي اعتمده، بين الراجح، وأحال الكلام على الأقوال الأخرى إلى مصدر من مصادر القراءات المعتمدة التي استوعبت ذلك خوفاً من الإِطاله.
قال: ولما كان المعول على الجهر - أي بالإستعاذة - لم أطول بما ورد في الاخفاء من التفصيل والخلاف، ومن أحب الوقوف على ذلك فلينظره في كتاب الإِقناع لأبي جعفر بن الباذش رضي الله عنه.
6 -
قد يستطرد لمناسبة ما: فيرى أن الإِستطراد أبعده عن نص التيسير، فيعزم على القفول إلى لفظ الحافظ في التيسير قائلا:(وأرجع إلى كلامه في التيسير).
قال - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - بعدما سرد الأفعال المجزومة المستثناة من قاعدة الِإبدال عند السوسي: (اعلم أن هذه المواضع قد اشتملت على قوله تعالى .. (من يشأ الله يضلله) في الأنعام و (فإن يشأ الله يختم) في الشورى. وهذان الموضعان من أبين الدلائل على صحة ما تقدم من كون أبي عمرو يسهل الهمزة في هذا الباب في الوصل والوقف، وأن قول من زعم أنه يسهلها في الوصل دون الوقف غلط
…
وقد نص ابن شريح - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - على هذه المواضع كلها حرفا حرفاً وذكر فيها هذين الموضعين ....
وإنما ذكرت هنا ذكر ابن شريح لهذين الموضعين في عدد المستثنيات لأن صاحب هذه المقالة المردودة يعتصم بمذهب ابن شريح، ويستدل على ذلك بمفهومات له في الكتاب الكافي تنزه ابن شريح رحمه الله أن تكون خطرت بباله قط، فضلاً عن أن يكون قصدها، وأضربت عن ذكرها هنا صونا للمداد والقرطاس
عن استعمالهما في الهذيان .... وأرجع إلى كلام الحافظ في التيسير).