الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب التسمية
اعلم أن التسمية مصدر سمى يسمى كالتهنئة والتسلية، ثم إن التسمية تقال بمعنيين:
أحدهما وضع الإسم على المسمى كقولك: سميت ابني محمدا:
تريد: جعلت هذه الكلمة اسماً له وعلامة يعرف بها. وحاصل هذا المعنى إنشاء وضع الإِسم على المسمى.
والمعنى الثاني، ذكر الإِسم الموضوع على المسمى بعد استقرار الوضع كما يقول الرجل لصاحبه: إن فلاناً يفعل كذا فاحذره ولا تسمني: أي لا تذكر اسمي له، وعلى هذا حديث أُبّي رضي الله عنه حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن فقال: آلله سماني لك. قال: الله سماك لي" (1).
وعلى هذا المعنى الثاني وقع تبويب الحافظ لأنه يريد: أن يبين مذاهب القراء في المواطن التي يذكرون فيها اسم الله تعالى الذي قد ثبت واستقر أنه سمى به نفسه فقال: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وعبر الشيخ والإِمام بالبسملة بدل التسمية (2).
والبسملة مصدر (3) جمعت حروفه من {بِسْمِ اللَّهِ} كالحوقلة من
(1) انظر: صحيح البخاري 6/ 217 مطبعة / محمد على صبيح.
(2)
انظر: التبصرة ص 245 - والكافي ص 7.
(3)
بسمل يبسمل، وبسمل من باب النحت، وهو: أن يختصر من كلمتين فأكثر كلمة واحدة. والنحت كثير في كلام العرب ومع كثرته غير مقيس ومن المسموع: (سمعل) إذا قال سلام عليكم و (حوقل) إذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.
{لا حول ولا قوة إلا بالله} والحسبلة من {حسبي الله. تقول في الفعل بسمل ومعناه قال: بسم الله. ويجري في تصاريفه مجرى دحرج وكذلك حوقل وحسبل ونحوهما.
اعلم أنه لما كانت البسملة منقولة في المصحف بخط المصحف بلفظ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وهو نص ما في بطن سورة النمل أيضًا، لذلك (1) لم يقع في لفظها اختلاف، ولم يحتج الحافظ ولا غيره أن يقول:(المختار في لفظها كذا). بخلاف ما مر في الإستعاذة.
واعلم أن المواضع باعتبار البسملة في مذهب الحافظ أربعة:
- موضع تترك فيه باتفاق، وهو أول براءة سواء بدئ بها أو قرئت بعد غيرها
- وموضع ثبتت فيه باتفاق وهو أول كل سورة يبدأ بها إذا لم يقرأ قبلها غيرها. سوى براءة.
- وموضع يخير فيه باتفاق وهو: الإبتداء برؤوس الأجزاء التي في أثناء السور (2).
= (وبسمل) إذا قال: - بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ و (هلهل) إذا قال: لا غله إلا الله و (حمدل) إذا قل: الحمد لله و (حيعل) إذا قال: حي على الصلاة.
انظر: الكشف جـ 1 ص 14 وإبراز المعاني من حرز الأماني للإِمام عبد الرحمن أبي شامة المتوفى سنة 665 هـ ص 64 ط الحلبي.
(1)
في (ت) و (كذلك) وهو تحريف والصواب ما أثبته كما في باقي النسخ.
(2)
ولا فرق في ذلك بين براءة وغيرها، واستثنى بعضهم وسط براءة فألحقه بأولها في عدم جواز الإتيان بالبسملة لأحد من القراء. قال ابن الجزري في الطيبة:(ووسط أخير وفيها يحتمل).
والمراد بأواسط السور ما بعد أوائلها ولو بآية أو كلمة. انظر: المهذب في القراءات العشر وتوجيهها من طريق طيبة النشر للدكتور/ محمد سالم محيسن ج 1 ص 33 ط / مكتبة الكليات الأزهرية.
- وموضع فيه خلاف وهو: ما بين السور، فأثبت البسملة فيه قالون، وابن كثير، وعاصم، والكسائي، وتركها الباقون. وافقه الشيخ والإِمام في الموضع الأول على الترك، وفي الموضع الثاني على الإِثبات.
قال الإِمام: إلا حمزة فإنه لا يبسمل له إلا في أول فاتحة الكتاب خاصة (1) وخالفاه في الموضع الثالث، فقالا: يعوذ عند الإِبتداء برؤوس الأجزاء لا غير (2) وأما في الموضع الرابع فاختار الإِمام فيه الفصل بالتسمية للجماعة سوى حمزة (3).
وذكر الشيخ أنه قرأ على أبي عدي (4) لورش (5) بالفصل وعلى أبي الطيب (6) بتركه، وأن اختيار (7) الشيوخ ترك الفصل لأبي عمرو، وابن عامر (8).
(1) انظر: الكافي ص 14.
(2)
انظر: التبصرة ص 249 والكافي ص 14.
(3)
انظر: الكافي ص 13، 14.
(4)
هو: عبد العزيز بن علي بن محمد (أبو عدي) مقريء، محدث، يعرف بابن الإِمام وكان شيخ القراء بمصر. روى عنه طاهر بن غلبون وأبو محمد مكي وغيرهما، توفى سنة 381 هـ غاية النهاية ج 1 ص 394.
(5)
هو: عثمان بن سعيد المصري ويكنى أبا سعيد وورش لقب به لشدة بياضه، توفي بمصر سنة 197 هـ تقدمت ترجمته ص
(6)
هو: (أبو الطيب) عبد المنعم بن غلبون. أستاذ، ماهر، كبير، ولد بحلب، وانتقل إلى مصر وسكنها وأقرأ الناس بها وله كتاب (الإرشاد في السبع) روى القراءة عن إبراهيم بن عبد الرزاق وغيره. ت 389 هـ.
غاية النهاية ج 1، ص 470.
(7)
في (الأصل)(س)(أختار) وهو تحريف والصحيح ما أثبته كما في (ت) و (ز).
(8)
هو: عبد الله بن عامر اليحصبي ويكنى أبا عمران. وهو من التابعين توفى سنة 118 هـ تقدمت ترجمته ص
وذكر في كتاب الكشف أن الذي اختاره لنفسه الفصل بين كل سورتين بالتسمية (1). وأرجع إلى لفظ الحافظ رحمه الله.
(م) قوله: (اختلفوا في التسمية بين السور فكان إبن كثير (2) وقالون (3) وعاصم (4) والكسائي (5) يبسملون بين كل سورتين في جميع القرآن) (6).
(ش) وجه هذا المذهب اتباع الخط، ولا خلاف في إثبات التسمية في جميع المصاحف بين السور، ولما روى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:(اقرءوا ما في المصحف)(7).
(م) قوله: (ما خلا الأنفال وبراءة فإنه لا خلاف في ترك التسمية
بينهما) (8).
(ش) إنما لم يفصلوا هنا بالتسمية اتباعاً للخط: إذ لا خلاف في تركها في جميع المصاحف بين الأنفال وبراءة. واختلف في سبب ذلك: فحكى الحافظ في إيجاز البيان (9) أن ابن عباس سأل عليا رضي الله عنهما: لِم لم تكتب التسمية في أول براءة؟ فقال: لأن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أمان
(1) انظر: التبصرة ص 247: الكشف ج 1 ص 21.
(2)
هو: عبد الله بن كثير الداري هو من التابعين توفى سنة 120 هـ تقدمت ترجمته ص.
(3)
هو: عيسى بن مينا المدني يكنى أبا موسى توفي سنة 220 هـ بالمدينة تقدمت ترجمته ص
(4)
هو: عاصم أبي النجود ويكنى أبا بكر وهو من التابعين توفي بالكوفة سنة 127 هـ تقدمت ترجمته ص
(5)
هو: على بن حمزة النحوي ويكنى أبا الحسن توفى سنة 189 هـ، تقدمت ترجمته ص
(6)
انظر: التيسير ص 17.
(7)
انظر: الكشف ج 1 ص 15.
(8)
انظر: التيسير 17.
(9)
يوجد منه نسخة مخطوطة في باريس رقم 592 وذكره ابن الجوزي في البداية والنهاية ج 1 ص 505.
وبراءة نزلت بالسيف ليس فيها أمان (1).
وحكى الشيخ في كتاب الكشف عن مالك: إنما ترك من مضى أن يكتبوا في أول براءة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لأنه سقط أولها يعني: نسخ، وحكى نحوه عن عثمان رضي الله عنه (2) وحكى عن ابن عجلان أنه قال: بلغني أن براءة كانت تعدل سورة البقرة أو قريبا منها فلذلك لم يكتب في أولها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: يريد ابن عجلان أنه نسخ منها ما نقص منها (3) وحكى أيضاً عن أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه أنه قال: لم يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في براءة شيئاً، وكانت قصتها تشبه قصة الأنفال وكانت من آخر ما نزل، فلذلك لم يكتب بينهما بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (4).
وقال أبي رضي الله عنه: كان رسول الله يأمرنا في أول كل سورة ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ولم يأمرنا في سورة براءة بشيء فلذاك ضمت إلى الأنفال فلم يكتب بينهما بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وكانت أولى بها لشبهها بها (5).
وحكى عن ابن لهيعة (6) يقولون: إن براءة من الآنفال فلذلك لم يكتب في أوله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (7)، ومثله عن الليث (8).
(1) انظر: الكشف ج 1 ص 19، والبرهان في علوم القران للزركشي ج 1 ص 263.
(2)
هو: محمد بن عجلان: روى عن أبيه وأنس وعكرمة وسواهم، وعنه السفيانان وبشر بن المفضل والقطان وآخرون، وثقة ابن عيينة وغيره، (ت سنة 148 هـ). تذكرة الحفاظ ص 165.
(3)
انظر زاد المسير لإبن الجوزي ج 3 ص 390 والدر المنثور ج 3 ص 207 والكشف ج 1 ص 21.
(4)
انظر: الكشف ج 1 ص 20.
(5)
انظر: الكشف ج 1 ص 20.
(6)
هو: عبد الله بن لهيعة قاضي مصر وعالمها ومحدثها، حديث عن عطاء ابن أبي رباح وعبد الرحمن ابن الأعرج وغيرهما، وعنه ابن المبارك وابن وهب وسواهما توفى سنة 174 هـ - تذكرة الحفاظ للإِمام الذهبي 237.
(7)
انظر: الكشف ج 1 ص 21.
(8)
هو: الليث بن سعد شيخ الديار المصرية وعالمها،
(م) قوله: (وكان الباقون فيما قرأنا لهم لا يبسملون بين السور)(1).
(ش) وجه هذا المذهب التنبيبه على أن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لست بآية من أول كل سورة خلافاً لما حكى عن ابن المبارك (2) وعن الشافعي رحمه الله (3) في أحد قوليه إنها آية من أول كل سورة والجمهور على خلافه: أن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لم يثبت كونها من القرآن إلا في بطن سورة النمل خاصة (4) فان قيل لهم فلم أثبتها هؤلاء في الإِبتداء بأوائل السور؟ قيل: لقصد التبرك كما كتبت في أوائل السور لذلك، ولم يعيدوا قراءتها بين السور بحصول التبرك في أول السورة التي بدأ القاريء. والله أعلم.
(م) قوله: (وأصحاب حمزة يصلون آخر السورة بأول الأخرى)(5).
= حديث عن عطاء ابن أبي رباح ونافع العمري والزهري وغيرهم، وعنه ابن وهب وسعيد ابن أبي مريم، ومحمد بن عجلان، إمام حجة توفي سنة 175 هـ. تذكرة الحافظ 224.
(1)
انظر: التيسير ص 17.
(2)
هو: عبد الله بن المبارك، أحد المجتهدين الأعلام، أخد القراءة عرضاً عن أبي عمرو بن العلاء، وردت الرواية عنه في حروف القرآن وسمع سليمان التيمي وحميد الطويل (ت سنة 181 هـ)
تذكرة الحافظ 274 وغاية النهاية ج 1 ص 476.
(3)
هو: محمد بن الأدريس بن العباس عثمان شافع بن السائب ابن هاشم بن المطلب بن عبد مناف. الإِمام العلم (أبو عبد الله) الشافعي رضي الله عنه، أحد أئمة الإسلام أخذ القراءة عرضاً عن إسماعيل عبد الله بن قسطنطين المكي، وروى القراءة عنه محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، ولد سنة خمسين ومائة بغزة وتوفى بمصر سنة أربع ومائتين. غاية النهاية ج 2 ص 95/ 96.
(4)
أي في قوله تعالى: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} الآية 30 من سورة النمل - 27.
(5)
انظر: التيسير ص 17.
(ش) ذكر الشيخ مثل هذا (1) ولم أجد للإِمام فيه قولا، وذكر أبو جعفر بن الباذش أن من يأخذ له بوصل السورة بالسورة لا يلتزم (2) الوصل ألبته، بل آخر السورة عنده كآخر آية، وأول السورة الأخرى كأول آية أخرى، فكما لا يلتزم له ولا لغيره وصل رأس آية بأول آية أخرى كذلك لا يلتزم له وصل السورة بالسورة حتم، قال: أبو جعفر بين لي هذا أبو الحسن بن شريح، وقد خولف فيه (3).
(م) قوله: (ويختار في مذهب ورش وأبي عمرو وابن عامر السكت بين السورتين عن غير قطع)(4).
(ش) يريد بقوله (من غير قطع) أن لا يطول السكت بينهما، بل يكون يسيراً، وقد فسر ذلك ابن فيره في قصيدته فقال:
*وسكتهم المختار دون تنفس* (5) البيت.
والمراد بهذا السكت الإِشعار بانفصال السورة من السورة، وذكر الشيخ السكت عن ورش وأبي عمرو، وابن عامر مطلقاً، ولم يصفه بطول ولا قصر (6) وذكره (7) الإِمام في قراءة أبي عمرو خاصة، فقال: والبغداديون
(1) الكشف ج 1 ص 13
(2)
في الأصل (لا يلزم) وفي باقي النسخ ما أثبته.
(3)
انظر: التيسير ص 17، 18.
(4)
انظر: التيسير ص 17، 18.
(5)
وتمام البيت: وبعضهم في الأربع الزهر بسملا.
(6)
انظر التبصرة ص 247.
(7)
في (الأصل) و (ز) و (ذكر) وهو تحريف والصواب ما أثبته كما في (س) و (ت).
يأخذون في قراءة أبي عمرو بسكتة خفيفة بين السور (1) وقد تقدم اختيار الشيخ والإِمام الفصل بالبسملة (2). ويظهر والله أعلم أنه لا يلزم أن يكون اليسكت بين السورتين يسيراً ولابد، بل جوز ذلك وجوز أيضاً أن يكون على حد السكت في المواقف.
إذ الكلام في أواخر السور تام ولا تعلق لآخر السورة بأول أخرى في حكم من أحكام الإِعراب إلا ما قيل في آخر سورة الفيل، وأول سورة قريش أن لام الجر في (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ) (3) متعلق بقوله تعالى:{فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} (4) وهو بعيد للفصل بينهما بالبسملة (5).
(م) قوله: (وابن مجاهد (6) يرى (7) وصل السورة بالسورة وتبين الإِعراب وترك السكت أيضاً) (8).
(ش) حكى الشيخ السكت عن ابن مجاهد (9) وقد تقدمت فائدته (10) وأما الوصل ففائدته تبيين الإِعراب في آخر حرف من السورة، ويظهر
(1) انظر: الكافي ص 14.
(2)
انظر: ص 47، 48
(3)
الآية 1 من سورة قريش - 106.
(4)
الآية 5 من سورة الفيل - 105.
(5)
قال أبو شامة: والإشارة بقولهم (دون تنفس) إلى عدم الإطالة المؤذنة با الإعراض عن القراءة، وإلا فلأواخر السور حكم الوقف على أواخر الآيات وفي أثنائها من الوقوف التامة والكافية، فما ساغ ثم من السكوت فهو سائغ هنا وأكثر. والله أعلم.
أنظر: إبراز المعاني ص 67.
(6)
هو: أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد التميمي. الحافظ الأستاذ (أبو بكر) البغدادي. شيخ الصنعة وأول من سبع السبعة، ولد سنة 245 هـ قرأ على عبد الرحمن بن عبدوس عشرين ختمة وعلى قنبل المكي وعبد الله بن كثير وغيرهم. توفي يوم الأربعاء وقت الظهر 20 عن شعبان سنة 324 هـ. الغاية ج 1 ص 139 - 142.
(7)
في (ت)(يروى).
(8)
انظر: التيسير ص 18.
(9)
انظر: التبصرة ص 248.
(10)
انظر: ص 52.
أن هذا السكت المذكور إنما يفعل على إرادة الوصل لكنه من رآه قصد به الإِشعار بانفصال سورة من أخرى.
وهو نظير سكت حفص في المواضع الأربعة المذكورة في أول سورة الكهف (1) وعلى هذا فمن أراد تمكين السكت بين السور لقصد الوقف فلا حرج كما تقدم في الأخذ لحمزة. والله تعالى أعلم.
(م) قوله: (وكان بعض أشياخي يفصل في مذهب هؤلاء بالتسمية إلى آخره)(2)
(ش) ذكر في إيجاز البيان (3) أنه قرأ بالتسمية بين هذه السور (4) على ابن خاقان (5) وعلي بن غلبون وقرأ على أبي الفتح (6) بترك التسمية وذكر أنهم حكوا ما قرأ به عليهم عن أشياخهم.
(1) وهي: (عوجا) جزء من الآية (1) من سورة الكهف - 18. و (مرقدنا) جزء من الآية (52) من سورة يس - 36. و (من راق) جزء من الآية (27) من سورة القيامة - 75. و (بل ران) جزء من الآية (14) من سورة المطففين - 83. وقد أشار الشاطبي لهذه المواضع بقوله:
وسكته حفص دون قطع لطيفة
…
على ألف التنوين في عوجا بلا
وفي نون من راق ومرقدنا ولا
…
م بل ران والباقون لا سكت موصلا
(2)
انظر التيسير ص 18.
(3)
يوجد منه نسخة مخطوطة في باريس رقم 592. وذكره ابن الجزري في طبقات القراء ج 1 ص 503.
(4)
أي بين: المدثر والقيامة، وبين الإنفطار والمطففين، وبين الفجر والبلد وبين العصر والهُمزة.
(5)
هو: خلف بن إبراهيم بن محمد بن جعفر بن حمدان بن خوقان (أبو القاسم) المصري الخاقاني، الأستاذ، الضابط في قراءة ورش وغيرها. قرأ على أحمد بن أسامة التجيبي وأحمد بن أبي الرجاء وغيرهما. قرأ عليه الحافظ أبو عمرو الداني وعليه أعتمد في قراءة ورش في التيسير وغيره. مات سنة 402 هـ بمصر.
غاية النهاية ج 1 ص 271.
(6)
هو: فارس بن أحمد بن موسى بن عمران (أبو الفتح) - الحمصي. الأستاذ الكبير، الضابط الثقة. ولد سنة 333 هـ وتوفي سنة 401 هـ. غاية النهاية 2/ 5.
ووجه من فصل في هذه المواضع الأربعة أنه استثقل اتصال (لا)(1) النافية بقوله تعالى: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} (2) وبقوله تعالى: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي} (3) لما في ذلك من إيهام النفي لما قبلها، وكذلك استثقلوا اتصال (ويل) (4) بالإِسم العظيم في قوله تعالى:{وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} (5) وبقوله تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (6) ففصلوا بالتسمية ليندفع هذا الإستثقال. وهذا النظر ضعيف لوجهين:
أحدهما أنه كان يلزم أن يفصل بين التسمية وأوائل السور إذ الإِستثقال في
قولك: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لا) مثل الإِستثقال في قولك (هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ لَا) وكذلك في اتصال (ويل) بالتسمية مثل ما في اتصاله بآخر السورة قبله.
والوجه الثاني أنا نجد في أثناء السورة مثل هذا التركيب ولا يلزم فيه الفصل، بل وقد لا يجوز في بعض المواضع كقوله تعالى:{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ} (7).
فوقعت (لا) بعد اسم (الله) تعالى وبعد (الحي القيوم). وقوله تعالى: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (8) {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي
(1) جزء من قوله تعالى: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} الآية (1) من سورة القيامة - 75.
وبعض من قوله جل وعلا: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} الآية (1) من سورة البد - 90.
(2)
الآية (56) من سورة المدثر - 74.
(3)
الآية (30) من سورة الفجر - 89.
(4)
جزء من قوله تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} الآية (1) من سورة الهمزة - 104.
وجزء من قوله تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} الآية (1) من سورة المطففين - 83.
(5)
الآية (19) من سورة الإنفطار - 82.
(6)
الآية (3) من سورة العصر - 103.
(7)
الآية (255) من سورة البقرة - 2 - .
(8)
الآية (7) من سورة الممتحنة - 60 - .
الدِّينِ} (1) فوقعت (لا) بعد (غفور رحيم). وكقوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} (2) فوقعت (لا) بعد (فبهدلهم اقتده)، وكقوله تعالى:{إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (3){وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} (4) ولا يمنع أحد الوصل في هذه المواضع ونحوها (5) ولو امتنع فيها الوصل لم يحصل الخلاف في قوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} في الوصل. وقد استقريء في هذا الحرف أربع قراءات (6) في السبع كما هو مذكور في موضعه في فرش الحروف - والله تبارك وتعالى أعلم.
(1) الآية (8) من سورة المتحنة - 60 - .
(2)
الآية (90) من سورة الأنعام - 6 - .
(3)
الآية (44) من سورة المرسلات - 77 - .
(4)
الآية (55) من سورة المرسلات - 77 - .
(5)
والحاصل: أن التفرقة بين هذه السور وغيرها مما ذكروه ضعيفة نقلا ونظرا، ومذهب الأكثرين عدم التفرقة، ولكن الذى استقر عليه الأمر في الإقراء اعتبار قبح اللفظ في السور الأربعة تبعا للقائلين به إلا أنه لا يحتاج دفعة إلى ما ذكروه من الفصل بالبسملة، بل الساكت يجرى على أصله والواصل له السكت فقط، والمبسمل يسقط له من أوجه البسملة وصلها بأول السورة. وهذا هو المأخوذ به.
انظر: غيث النقع في القراءات السبع بهامش سراج القارئ للإِمام: علي النوري الصفاقسي ص 377.
(6)
وهي كالآتي:
1 -
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو البصرى وعاصم (اقتده) بإثبات الهاء ساكنة وصلا ووقفا.
2 -
وقرأ حمزة والكسائي بحذفها وصلا وإثباتها ساكنة وقفا
3 -
وقرأ هشام بإثباتها مكسورة مع الإِشباع وصلا، وبإثباتها ساكنة وقفا
4 -
وقرأ ابن ذكوان بإثباتها مكسورة مع الإشباع وصلا وإثباتها ساكنة وقفا.
انظر: التيسير ص 105.
(م) قوله: (ويسكت بينهن سكتة في مذهب حمزة)(1).
(ش) لما ثبت عن حمزة أنه كان يترك التسمية بين السور في جميع القرآن، وأنه قال: القرآن كله عندي كسورة واحدة فإذا قرأت (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) في أول فاتحة الكتاب أجزأني (2) فلذاك لم يفصلوا له بالتسمية لئلا يخالفوه فيما ثبت عنه وفصلوا له بالسكت، وكان يلزم على هذا أن يفصلوا بالسكت بدل التسمية في قراءة ورش، وأبي عمرو، وابن عامر، لا سيما وقد حكى الحافظ في المفردات أن الرواية ثبتت بنقل اللفظ عن أبي عمرو: أنه كان يترك التسمية بين السور في جميع القرآن، وذكر في إجاز البيان أن عامة أهل الأداء من مشيخة المصريين رووا عن أسلافهم عن أبي يعقوب (3) عن ورش أنه كان يترك التسمية بين كل سورتين في جميع القرآن.
(م) قوله: (وليس في ذلك أثر يروى عنهم)(4).
(ش) يريد: ليس في الفصل بين هذه السور الثماني بالسكت لحمزة بالتسمية لورش وأبي عمرو وابن عامر رواية عن حمزة ولا عن الآخرين.
(م) قوله: (ولا خلاف في التسمية في أول فاتحة الكتاب) إلى قوله (أو من لم يفصل)(5).
(ش) قد تقدم أن الإِمام استثنى من ذاك قراءة حمزة وأنه لا يبسمل إلا في أول فاتحة الكتاب خاصة (6) ويريد الحافظ بقوله (في مذهب من
(1) انظر: التيسير ص 18.
(2)
انظر: الكافي ص 14.
(3)
هو: الأزرق بن يار 1402. وروى عنه أحمد بن جبير. غاية النهاية ج 2 ص 408.
(4)
انظر: التيسير ص 18.
(5)
انظر: التيسير ص 18.
(6)
انظر: ص 47.
فصل) قالون، وابن كثير، وعاصماً، والكسائي، لأنهم الذين يفصلونه بالتسمية بين السور، ويريد (بمن لم يفصل) الباقين.
(م) قوله: (فأما الإِبتداء برؤوس الأجزاء إلى قوله (في مذهب الجميع)(1).
(ش) قد تقدم أن مذهب الشيخ والإِمام عند الإبتداء بالاجزاء ترك التسمية والإكتفاء بالتعوذ خاصة (2).
(م) قوله: (القطع عليها إذا وصلت بأواخر السور غير جائز)(3).
(ش) اعلم أن الممكن في التسمية باعتبار وصلها وفصلها من السورة التي قبلها ومن السورة التي بعدها أربعة أوجه:
أحدها: فصل التسمية من السورة التي قبلها ووصلها بالتي بعدها.
الثاني: وصلها بما قبلها وبما بعدها. ولا خلاف في جواز هذين الوجهين.
الثالث: وصلها بالسورة التي قبلها وفصلها من التي بعدها. ولا خلاف في منع هذا الوجه.
الرابع: فصلها مما قبلها ومما بعدها.
قال الشيخ رحمه الله لما ذكر التكبير في آخر التبصرة: (ولا يجوز الوقف على التكبير دون أن يصله بالبسملة ثم بالسورة المؤتنفة)(4).
وقال في كتاب التذكرة: (ولا يقف علي التكبير ولا على البسملة)
(1) انظر: التيسير ص 18.
(2)
انظر: ص 47.
(3)
انظر التيسير: ص 18.
(4)
انظر: التبصرة ص 735.
وقال في كتاب الكشف ما نصه: (إنه أتى بالتسمية على إرادة التبرك بذكر (اسماء)(1) الله وصفاته في أول الكلام، ولثباتها للإِستفتاح في المصحف فهى للإِبتداء بالسورة فلا يوقف على التسمية دون أن توصل بأول السورة) (2) وقال في التكبير في كتاب الكشف ما نصه:(وليس لك (3) أن تصل التكبير بآخر السورة وتقف عليه، ولا لك أن تقف على التسمية دون أول السورة في كل القرآن).
فحاصل هذه المقالات يقتضى أن مذهبه المنع، وأما الحافظ فنص هنا على منع الوجه الثالث وسكت عما عداه، ومفهومه يعطى جواز الوجهين الأولين والرابع. وقال في المفردات في رواية قالون خاصة ما نصه:(والإِختيار أن يقطع على أواخر السور ويبتديء بالبسملة موصولة بأوائل السور، ولا يقطع على البسملة ألبتة إلا إذا لم يوصل بأواخر السور) وهذا القول يعطى جواز الوجه الرابع كالوجهين الأولين.
وأما الإِمام فنص في الكافي على الوجوه الثلاثة ولم يتعرض لهذا الرابع (4).
وقال الحافظ في المفردات في فصل التكبير عن البزي: (ولا سبيل إلى الوقف على البسملة والإِبتداء بالسورة المبتدأة: لأن البسملة إنما وضعت في أوائل السور ولم توضع في خواتمها (5).
(1) ما بين القوسين من الكشف ج 1 ص 13.
(2)
انظر: الكشف ج 1 ص 13.
(3)
انظر: الكشف ج 2 ص 393.
(4)
انظر: الكافي ص 14.
(5)
والحاصل أن أوجه البسملة التي تتصور عند من يبسمل بين السورتين أربعة:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ثلاثة جائزة في القراءة وواحد ممنوع.
فالأول: عن الأوجه الجائزة الوقف على آخر السورة وعلى البسملة لأن الوقف على كل منهما تام.
الثاني: الوقف على آخر السورة الأولى ووصل البسملة بأول السورة الثانية.
الثالث: وصل آخر السورة بالبسملة مع وصل البسملة بأول التالية.
والوجه الرابع الممنوع هو: وصل البسملة بآخر السورة والوقوف على البسملة، وإنما منع لأن البسملة لأوائل السور لا لأواخرها. ولكون هذا الوجه ممنوعا نهى عنه الشاطبي بقوله:
ومهما تصلها مع أواخر سورة
…
فلا تقفن الدهر فيها فتثقلا
انظر سراج القارئ المبتديء وتذكار المقريء المنتهى للإِمام علي بن عثمان القاصح ص 30.