الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذا استقام قضى على تلك المحظورات، فأقول:
[الباب الأول في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
الباب الأول
أوجب الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأثنى على من قام به، فقال تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة آل عمران آية: 104]، وقال:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [سورة التوبة آية: 71]، وقال:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [سورة آل عمران آية: 110]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" 1، وفي رواية:"وليس وراء ذلك حبة خردل من إيمان" 2، وقال صلى الله عليه وسلم "لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنه على الحق أطرا، أو ليعمنكم الله بعقاب من عنده"3.
1 مسلم: الإيمان (49)، والترمذي: الفتن (2172)، والنسائي: الإيمان وشرائعه (5008 ،5009)، وأبو داود: الصلاة (1140) والملاحم (4340)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (1275) والفتن (4013) ، وأحمد (3/10 ،3/20 ،3/49 ،3/52 ،3/54 ،3/92) .
2 مسلم: الإيمان (50) .
3 أبو داود: الملاحم (4336) .
ويأتي من النصائح ما فيه كفاية.
[نصيحة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد]
وأبدأ بنصيحة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد، لتصويره الواقع فيها، فقال رحمه الله تعالى 1:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله بن محمد بن حميد، إلى كافة إخواننا المسلمين، وفقني الله وإياهم للعمل بما يرضيه، وجنبنا أسباب سخطه ومناهيه، آمين. سلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
وبعد: فلا يخفى ما أصيب به الإسلام والمسلمون، من الشرور والفتن، والدواهي والمحن، وأن الإسلام قد أدبر وآذن بالوداع، والنفاق قد أشرف وأقبل باطلاع. والإسلام بدأ يرتحل من عقر داره، لتقصير أهله إذ لم يشرحوا للناس محاسنه وفضائله وحكمه وأسراره؛ ولم يقوموا بالدعوة إليه، بغرس محبته في القلوب بذكر ما تقدم؛ فإن الآيات القرآنية الدالة على الدعوة أكثر من آيات الصوم والحج اللذين هما ركنان من أركان الإسلام الخمسة.
والاجتماع المأمور به، في قوله تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً} [سورة آل عمران آية: 103] تهدمت مبانيه،
1 نقلت من الطبعة الثالثة في مؤسسة النور.
والائتلاف والتعاون ذهب وذهبت معانيه، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
نرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي هو ركن من أركان الإسلام، في قول طائفة، من العلماء، ضعف جانبه، وكثر في الناس مجانبه، وتنوعت مقاصد الخلق، وتباينت آراؤهم؛ فالمنكر للمنكر في هذه الأزمنة، يقول الناس فيه: ما أكثر فضوله، وما أسفه رأيه! وربما غمزوه بنقص في عقله؟ ومن سكت وأخلد، قيل: ما أحسن عقله، وما أقوى رأيه، في معاشرته للناس، ومخالطته لهم!
والله قد جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فرقا بين المؤمنين والمنافقين، فأخص أوصاف المؤمنين، المميزة لهم عن غيرهم، هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ورأس الأمر بالمعروف: الدعوة إلى الإسلام، وإرشاد الناس إلى ما خلقوا له، وتبصيرهم بما دل عليه كتاب ربهم وسنة نبيهم، وتحذيرهم من مخالفة ذلك.
قال الإمام الغزالي، في قوله تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [سورة التوبة آية: 71] : وصف الله المؤمنين بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، والذي هجر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، خارج عن هؤلاء المؤمنين. انتهى، وفي قوله تعالى:{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} [سورة الأعراف آية: 165] ما يدل على أن الناجي هو
الذي ينهى عن السوء، دون الواقع فيه والمداهن.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الأساس الأعظم للدين، والمهم الذي بعث الله لأجلة النبيين، ولو أهمل لأضمحلت الديانة، وفشت الضلالة، وعم الفساد، وهلك العباد; إن في النهي عن المنكر حفاظ الدين، وسياج الآداب والكمالات، فإذا أهمل أو تسوهل فيه، تجرأ الفساق على إظهار الفسوق والفجور، بلا مبالاة ولا خجل.
ومتى صار العامة يرون المنكرات بأعينهم، ويسمعونها بآذانهم، زالت وحشتها وقبحها من نفوسهم؛ ثم يتجرأ الكثيرون، أو الأكثر على ارتكابها، ولكن يا للأسف! استولت على القلوب مداهنة الخلق، وانمحت عنها مراقبة الخالق، حيث اندرس من هذا الباب عمله وعلمه، وانمحى معظمه ورسمه، واسترسل الناس في اتباع الأهواء والشهوات.
ولا شك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حفظ للشريعة، وحماية لأحكامها، تدل عليه- بعد إجماع الأمة، وإرشاد العقول السليمة إليه- الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، مثل قوله تعالى:{لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ?يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} [سورة آل عمران آية: 113-114] ، فدلت الآية الكريمة على عدم صلاحهم بمجرد الإيمان
بالله واليوم الآخر، حيث، لم يشهد لهم بذلك إلا بعد أن أضاف إليها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقد ذم سبحانه وتعالى: من لم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فقال تعالى:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [سورة المائدة آية: 78-79] وهذا غاية التشديد، ونهاية التهديد، فبين سبحانه وتعالى: أن السبب للعنهم هو: ترك التناهي عن المنكر، وبين أن ذلك بئس الفعل.
ولا شك، أن من رأى أخاه على منكر ولم ينهه عنه، فقد أعانه عليه، بالتخلية بينه وبين ذلك المنكر، وهو عدم الجد في إبعاد أخيه عن ارتكابه. قال ابن عباس رضي الله عنه:"لعنوا في كل لسان على عهد موسى في التوراة، ولعنوا على عهد داود في الزبور، ولعنوا على عهد عيسى في الإنجيل ولعنوا على عهد نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن".
{لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْأِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ?} [سورة المائدة آية: 63]
قال القرطبي: وبخ سبحانه وتعالى علماءهم في تركهم نهيهم، فقال:{لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [سورة المائدة آية: 63] ، كما وبخ من سارع في الإثم، بقوله:{لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سورة المائدة آية: 62]، وقال: ودلت الآية على أن تارك النهي عن المنكر كمرتكب المنكر. ا. هـ.
فإن الأمة في عهد استقامتها وتمسكها بالسنن، لا تطيق أن ترى بين أظهرها عاصيا ولا معصية؛ فإذا رأت شيئا من ذلك ثارت ثورة الأسد، ولم تهدأ إلا إذا أذاقت المجرم ما يليق به، وما يستحق على قدر جريمته، تفعل ذلك غيرة على دينها وطلبا لمرضاة ربها. والمجرمون إذا رأوا ذلك، كفوا عن إجرامهم وبالغوا في التستر، إذا أرادوا تلويث أنفسهم بما يرتكبون.
فإذا لم تستقم الأمة، ولم تراع سنن دينها، ضعفت غيرتها، أو انعدمت انعداما كليا في نفوسها؛ إذ لو شاهدت ما شاهدت من المعاصي، إما أن يتحرك بعض أفرادها حركة ضعيفة، لا يخاف معها العاصي، ولا ينزجر عن معصيته؛ بم وإما أن يتفق الجميع على الإغماض عن ذلك العاصي، فيفعل ما يشاء بدون خوف ولا خجل، وإذاً يرفع ذوو الإجراء رؤوسهم غير هيابين، ولا خجلين من أحد.
ولقد وصلنا إلى حد ماتت فيه الغيرة الدينية عند كل أحد، حتى من يرجى ويظن أنهم حماة الإسلام، وأبطال الدين، مما جعل العصاة يمرحون في ميادين شهواتهم، ويفتخرون بعصيانهم، بدون حسيب ولا رقيب؛ ولو شئت لقلت- ولا أخشى لائما- نحن في زمن علا فيه واعتز أرباب الرذائل، وأصبحت الدولة لهم. وأهل الفضيلة، المتمسكون بأهداب دينهم، عندما ينكرون على المجرمين إجرامهم، يكونون كالمضغة في الأفواه
البذيئة، ترميهم بكل نقيصة، وأقل ما يقولون: إنهم متأخرون، جامدون في بقايا قرون الهمجية، يبتسمون ويقهقهون، ويغمزون بالحواجب والعيون، ويخرجون ألسنتهم سخرية واستهزاء بهم، ويضحكون من عقولهم، لما راجت الرذيلة في هذا العصر هذا الرواج.
وما درى هؤلاء المرذولون، أنهم في غاية من السقوط والهمجية، التي ليست دونها همجية، لفساد عقولهم، وبعدهم عن معرفة أوامر دينهم ; وناهيك لو قام كل منا بما عليه من الدعوة إلى الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإرشاد الناس وعظتهم، وتذكيرهم بما فيه صلاحهم واستقامتهم، لاستقر الخير والمعروف فينا، وامتنع فشو الشر والمنكر بيننا، {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [سورة الأنفال آية: 25] .
وقد صرح العلماء رحمة الله عليهم بأنه يجب على الإمام أن يولي هذا المنصب الجليل، والأمر الهام، الذي هو في الحقيقة مقام الرسل، محتسبا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويكون ذا رأي وصرامة، وقوة في الدين، وعلم بالمنكرات الظاهرة، كما قال تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة آل عمران آية: 104] .
فدلت الآية الكريمة على أنه يجب على المسلمين أن تقوم منهم طائفة بوظيفة الدعوة إلى الخير، وتوجيه
الناس، وعظتهم وتذكيرهم إلى ما فيه صلاحهم، واستقامة دينهم، وأن يكونوا على المنهج القويم، والصراط المستقيم.
والمخاطب بهذا كافة المسلمين، فهم المكلفون، لا سيما الإمام الأعظم، وأن يختاروا طائفة منهم، تقوم بهذه الفريضة الهامة، التي هي أحد أركان الإسلام في قول طائفة من العلماء. قفا نبك على رسوم علوم الدين والإسلام الذي بدأ يرتحل من بلاده، ولكن يا للأسف على منام القلوب، وقيام الألسنة بالقول، والتأويه على الإسلام، بما لا حقيقة له، لقد انطمس المعنى وذهب اللب، وما بقي إلا قشور ورسوم.
واكتفى الكثيرون من الإسلام بمجرد الانتساب إليه، بدون أن يعملوا به، ويقوموا بالدعوة إليه تحذيرا وإنذارا، وأمرا ونهيا، وتبصيرا للناس بدينهم؛ بذكر فضله وعظمته، وإيضاح أسراره وحكمه، وغرس العقيدة الحقة في قلوبهم، فهذا واجب المسلمين بعضهم لبعض، كل على قدر استطاعته ومقدرته.
هذا، وأسأل الله أن يوفق المسلمين، وولاة أمورهم، لما فيه صلاحهم، وصلاح دينهم، وأن يجمع كلمتهم على الحق، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله على محمد، وآله وصحبه وسلم تسليما إلى يوم الدين.
[كلمة وجهها الشيخ محمد بن إبراهيم إلى المسلمين في أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
وقال الشيخ: محمد بن إبراهيم، رحمه الله 1
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن إبراهيم، إلى إخواننا المسلمين، جعلنا الله وإياهم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو القطب الأعظم في الدين، والمهم الذي ابتعث الله له الأنبياء والمرسلين؛ فلو طوى بساطه، وأهمل علمه وعمله لفشت الضلالة وشاعت الجهالة، وخربت البلاد، وهلك العباد. قال الله تعالى:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [سورة الروم آية: 41] . فنعوذ بالله من اندراس هذا المهم العظيم، واستيلاء المداهنة على القلوب، وذهاب الغيرة الدينية.
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو عنوان الإيمان، ودليل السعادة والفلاح، قال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ
1 من مطبوعات الإدارة العامة للإفتاء سنة 1376هـ.
وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [سورة التوبة آية: 71] .
وقال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة آل عمران آية: 104] .
وقال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [سورة آل عمران آية: 110]، وقال تعالى:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [سورة المائدة آية: 78-79]
وهذا غاية في التغليظ، إذ علل استحقاقهم اللعنة، باستهانتهم بأمر الله، وتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وروى أبو داود، والترمذي من حديث عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنه على الحق أطرا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم يلعنكم كما لعنهم" 1
وعن حذيفة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده،
1 أبو داود: الملاحم (4336) .
لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذابا من عنده، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم" 1
وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله فيه يقول: "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه، يوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده" 2 رواه ابن ماجه، والترمذي وصححه.
وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوحى الله إلى جبريل عليه السلام أن اقلب مدينة كذا وكذا بأهلها؟ قال: يا رب، إن فيهم عبدك فلانا، لم يعصك طرفة عين، قال: فقال: اقلبها عليه وعليهم، فإن وجهه لم يتمعر في ساعة قط".
وعن جرير مرفوعا: "ما من قوم يكون بين أظهرهم من يعمل بالمعاصي، هم أعز منه وأمنع، لم يغيروا عليه، إلا أصابهم الله بعذابه " 3 رواه أحمد وغيره، وفي مراسيل الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم "لا تزال هذه الأمة تحت يد الله وفي كنفه، ما لم يمال قراؤها أمراءها، وما لم يزك صلحاؤها فجارها، وما لم يهن خيارها أشرارها. فإذا هم فعلوا ذلك، رفع الله يده عنهم، ثم سلط عليهم جبابرتهم، فيسومونهم سوء العذاب، ثم ضربهم الله بالفاقة والفقر".
وذكر ابن أبي الدنيا عن إبراهيم بن عمر الصنعاني
1 الترمذي: الفتن (2169) .
2 الترمذي: الفتن (2168)، وابن ماجه: الفتن (4005) .
3 أبو داود: الملاحم (4339)، وابن ماجه: الفتن (4009) ، وأحمد (4/363) .
قال: "أوحى الله إلى يوشع بن نون أني مهلك من قومك أربعين ألفا من خيارهم، وستين ألفا من شرارهم، قال: يا رب، هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟ قال: إنهم لم يغضبوا لغضبي، وكانوا يواكلونهم ويشاربونهم".
وذكر الإمام أحمد من حديث ابن عمر مرفوعا: "لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم، فيسومونكم سوء العذاب، ثم يدعوا خياركم، فلا يستجاب لهم، لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليبعثن الله عليكم من لا يرحم صغيركم، ولا يوقر كبيركم".
وفي الطبراني، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما طفف قوم مكيلا، ولا بخسوا ميزانا، إلا منعهم الله القطر، وما ظهر في قوم الزنى، إلا ظهر فيهم الموت. وما ظهر في قوم الربا إلا سلط الله عليهم الجنون. ولا ظهر في قوم القتل يقتل بعضهم بعضا، إلا سلط الله عليهم عدوهم. ولا ظهر في قوم عمل قوم لوط، إلا ظهر فيهم الخسف؟ وما ترك قوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا لم ترفع أعمالهم، ولم يسمع دعاؤهم".
وفي الصحيح من حديث أبي سعيد، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف
الإيمان" 1، وفي رواية: "وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل" 2 وعن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المدهن في حدود الله والواقع فيها، مثل قوم استهموا سفينة، فصار بعضهم في أسفلها، وصار بعضهم في أعلاها، فكان الذين في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها. فتأذوا به، فأخذ فأسا فجعل ينقر أسفل السفينة. فأتوه فقالوا: ما لك؟ قال: تأذيتم بي، ولا بد لي من الماء. فإن أخذوا على يديه أنجوه، ونجوا أنفسهم، وإن تركوه أهلكوه، وأهلكوا أنفسهم" 3 رواه البخاري.
والأحاديث في الحث على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، كثيرة جدا. فاتقوا الله عباد الله، وهبوا من رقدتكم، واستيقظوا من غفلتكم، وقوموا بأمر ربكم، ومروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، وتناصحوا فيما بينكم، وتواصوا بالحق، وتواصوا بالصبر.
وكل إنسان مسؤول بحسبه، وعلى قدر طاقته واستطاعته، ففي الحديث:"ما منكم من أحد إلا وهو على ثغر من ثغور الإسلام، فالله الله أن يوتى الإسلام من قبله" وعلى الآمر بالمعروف أن يستعمل أنجع الوسائل، لإزالة المنكر وتغييره.
قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
1 مسلم: الإيمان (49)، والترمذي: الفتن (2172)، والنسائي: الإيمان وشرائعه (5008 ،5009)، وأبو داود: الصلاة (1140) والملاحم (4340)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (1275) والفتن (4013) ، وأحمد (3/10 ،3/20 ،3/49 ،3/52 ،3/54 ،3/92) .
2 مسلم: الإيمان (50) .
3 البخاري: الشهادات (2686)، والترمذي: الفتن (2173) ، وأحمد (4/268 ،4/269 ،4/270 ،4/273) .
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [سورة النحل آية: 125]
كما أن عليه أن يصبر ويحتسب إذ أوذي في الله، أو أسمع ما يكره، قال تعالى، حاكيا عن لقمان في وصيته لابنه:{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [سورة لقمان آية: 17] . والقائم في هذا الأمر ستكون له العاقبة الطيبة والذكر الجميل، قال تعالى:{وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [سورة الأعراف آية: 128] .
وعلى الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يقوم بذلك على الغني والفقير، والقريب والبعيد، والشريف والوضيع، ولا يخاف في الله لومة لائم، ففي حديث عائشة رضي الله عنها:"إنما أهلك بنو إسرائيل أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" 1
وتحرم الشفاعة لأهل الجرائم، فعن ابن عمر مرفوعا:"من حالت شفاعته دون حد من حدود الله، فقد ضاد الله في أمره"2. وفي الموطأ: "إذا بلغت الحدود السلطان، فلعن الله الشافع والمشفع" 3، وفي الصحيح من حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله من آوى محدثا" 4. أعاذنا الله وإياكم من أسباب غضبه وأليم عقابه، وهدانا وإياكم صراطه المستقيم. وصلى الله على نبينا محمد،
1 البخاري: أحاديث الأنبياء (3475)، ومسلم: الحدود (1688)، والترمذي: الحدود (1430)، والنسائي: قطع السارق (4898 ،4899 ،4902 ،4903)، وأبو داود: الحدود (4373)، وابن ماجه: الحدود (2547) ، وأحمد (6/162)، والدارمي: الحدود (2302) .
2 أبو داود: الأقضية (3597) ، وأحمد (2/70) .
3 مالك: الحدود (1580) .
4 مسلم: الأضاحي (1978)، والنسائي: الضحايا (4422) ، وأحمد (1/108 ،1/118 ،1/152) .
وآله وصحبه أجمعين، 18\9 سنة 1376 هـ.
[حث الشيخ صالح الخريصي العلماء والرؤساء على القيام بما أوجب الله عليهم من الأمر والنهي]
وقال الشيخ: صالح بن أحمد الخريصي، رحمه الله 1:
بعد حمد الله والثناء عليه، والتحذير من حلول العقوبات، فيا معشر العلماء، والرؤساء، والأمراء، ومن ولاه الله أمرا من أمور المسلمين، قوموا بما أوجب الله عليكم، من الأمر والنهي، والدعوة والإرشاد، والتعليم، والتحذير، والإنذار؛ وذودوا الخلق عن المراتع الوخيمة، والأعمال السيئة الذميمة؛ فإنكم مسؤولون أمام الله تبارك وتعالى عن ذلك؛ فأعدوا للسؤال جوابا، وللجواب صوابا، قبل أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله.
واعلموا أن الله قد أخذ عليكم الميثاق، وأن عليكم من الواجب ما ليس على غيركم؛ فإنكم قادات الناس، ودعاة الناس ورعاتهم؛ فإن أصيبوا فبسببكم، وسبب تفريطكم وإهمالكم. والأمر ظاهر لا خفاء فيه، أما علمتم أن الله تبارك وتعالى إذا أطيع رضي، وإذا رضي بارك، وليس لبركته نهاية؟ وإذا عصي غضب، وإذا غضب لعن، ولعنته تبلغ السابع من الولد.
فيا عباد الله، أما ظهرت المنكرات وانتشرت في ناديكم، وفي حاضرتكم وبواديكم؟! فلم يشمئز منها قلب،
1 وقد نشرت أكثر من مرة ولم تؤرخ.
ولم يتمعر منها وجه، ولم تنكرها فطرة 1 فأين الغيرة الدينية؟ وأين الأنفة الإسلامية؟ وأين الشهامة العربية؟ وأين الغريزة الإيمانية؟
أما هذه الصلاة تقام، هي أعظم شعائر الإسلام، وتصلى، وكل على سبيله؟ أما هذه الأغاني تشاع وتذاع في الإذاعات، والسينمات، من غير نكير؟ أما هذا السفور من بعض النساء قد ظهر وانتشر، ولم يؤمرن بالتحجب والتستر؟
أما تغارون؟ أما تستحيون؟ وهو أعظم داعية إلى الخناء والفجور؟ أما هذه بناتكم يلبسن لباس الإفرنج، ويتزيين بزيهم، من غير مبالاة ولا مخافة؟! أما هذا من المنكرات والسخافة؟ لأن من تشبه بقوم فهو منهم؟ أما أمركم الله بتأديبهن وصيانتهن وأمرهن ونهيهن؟ قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [سورة التحريم آية: 6] أي: مروهم وانهوهم وعلموهم.
أما هذا التتن الخبيث يشرب في كثير من الشوارع، من غير استتار ولا خفاء، ولا منكر ولا رادع؟ أما هذه المصورات المحرمة تصور جهارا، لا يخشى مصورها ومتخذها عتابا ولا إنكارا؟ أما هذه اللحى تحلق علانية في وسط النهار، مع أن حلقها مثلة ومنقصة وعار، ولا يوجد من ينكر ويغار؟!.
1 إلا من شاء الله وهم قليلون.
وهذه الأشياء وأضعافها، وأضعاف أضعافها ظاهرة في أسواقكم من غير استتار، أتنكرون وتقولون: إنها ليست ظاهرة، فليس الخبر كالعيان؟ أم تقرون وتقولون: لا قدرة لنا؟ كلا والله إن لكم السلطة التامة، والقدرة النافذة، التي لم تكن لغيركم.
ولكن احذروا عقوبة الله وتغييره، فإنه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فإذا غير العباد غير عليهم، جزاء وفاقا. فتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم ترحمون، وقوموا لله مثنى وفرادى بقوة وثبات، وليأخذ بعضكم على يد بعض، حتى يرجع الأمر إلى نصابه، ويكون على السداد والصواب، لتفوزوا غدا بثوابه، وتأمنوا من نقمته وعقابه.
وعلى سامع هذه الكلمة أن يلقي إليها السمع وهو شهيد، وينظر بطرفه إلى الواقع، حتى يتبين له أن ما قلته ليس فيه مجازفة، ولا خروج عن الحالة التي نحن عليها، وأن الهدف والمطلوب، هو: إصلاح حالتنا الراهنة، ومعالجتها مادام العلاج يفيد، قبل أن يحال بيننا وبين ما نحاول ونريد.
والله المسؤول المرجو الإجابة أن يصلح أئمتنا وعلماءنا وقضاتنا، وأن يجعلهم لأهل الخير أئمة وقادة، وأن يجعل لهم العمل بذلك سجية وعادة، وأن ينصر دينه، ويعلي كلمته.
[فصل فيمن يتولى الحسبة متبرعا أو بعقد]
فيمن يتولى الحسبة، سواء كان متبرعا، أو بعقد من ولاة الأمر، فيتعين عليه الأمر والنهي أبلغ ممن سواه؛ ويتأكد التعين عليه، إذا كان له على ذلك رزق من بيت المال؛ بل كل من رأى منكرا فعليه تغييره، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرا فليغيره
…
" 1 الحديث.
وقال شيخ الإسلام: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يتم إلا بالعقوبات الشرعية، فإن الله يزع بالسلطان، ما لا يزع بالقرآن. وإقامة الحدود واجبة على ولاة الأمور، وذكر ما ليس فيه حد، فالتعزيز فيه بحسب خفة الذنب وعظمته، وكثرته وقلته، وبحسب حال الشخص؛ فمنهم من تعزيره بالكلام، ومنهم من تعزيره بالحبس، أو الضرب، أو النفي؛ وصاحب الحسبة كالشاهد.
وقال هو والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله تعالى، وغيرهما: يشترط في الآمر والناهي أن يكون عالما فيما يأمر به، عالما فيما ينهى عنه، حليما، فيما يأمر به، حليما فيما ينهى عنه، صابرا على ما ناله من الأذى، وإلا أفسد أكثر مما يصلح.
وفي عصر الشيخ: عبد الله، وكذا من قبله من سلفنا، الذين يأمرون وينهون متطوعة، لهم علم وحلم، وصبر، وأمر نافذ. وفي هذا العصر أغدقت عليهم الأرزاق،
1 مسلم: الإيمان (49)، والترمذي: الفتن (2172)، والنسائي: الإيمان وشرائعه (5008 ،5009)، وأبو داود: الصلاة (1140) والملاحم (4340)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (1275) والفتن (4013) ، وأحمد (3/10 ،3/20 ،3/49 ،3/52 ،3/54 ،3/92) .
وضعفوا عما تعلق في رقابهم؛ وإن أمروا أو نهوا، فعلى الضعيف مع كسل كثيف.
وأما المترفون وحواشي بعض الرؤساء، وحواشي بعض العلماء، فإياهم وإياهم، فلو قيل لأحدهم وهو جار المسجد: لم تحضر الجماعة، أو: ليس من عادتك فعل الصلاة، أو قيل لأولياء تلك المتبرجات امنعوهن من ذلك، أو أنكرت بدعة وبلغ الأمر إلى رئيس، فإما الفصل من الوظيفة، أو الحبس، أو الإبعاد من البلد. وكثيرا ما يضاف إلى أهل الحسبة بوساطات ونحوها، ممن لا ينبغي أن يضاف إليهم.
وجرت بدع في هذا العصر، وهي: سير بعض أهل الحسبة في الأسواق، بطقطقة ما له صوت، ورفع الصوت بالصلاة الصلاة، قبيل الأذان، وبعده الذي هو أعظم شعائر الإسلام، فيضعفون مكانته في القلوب، ويقل أن يجاب أو يستجاب له، إذ هو تعظيم رب العالمين، والشهادة له بالوحدانية، والشهادة لرسوله بالرسالة، والمناداة إلى تلك الفريضة، بحي على الصلاة، أي: هلموا وأقبلوا إلى عبادة ربكم في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، ثم يختتم بلا إله إلا الله، التي يدخل بها الكافر في الإسلام، ويقول المستمع كما يقول المؤذن، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد.
رجعنا إلى من يسند إليه بعض التعزيرات، وهم بعض الشرط الذين قد يضافون إلى رجال الحسبة، وليست فيهم
الخصال التي لا بد أن يكون لأهل الحسبة، بل انتفت من وجوه: الأول: الزي الظاهر زي الأعاجم في اللباس، الذي لم يكن في المسلمين قبل.
الوجه الثاني: شرب أكثرهم التتن. الوجه الثالث: أكثرهم يحلق اللحى أو أكثرها، ويأتي ذكر تحريمهما. الرابع: قد اشتهرت خيانتهم، فهم يأمرون العاصي بإنكار ما نسب إليه، وإن كان قد اعترف قبل، وعلم ذلك منه أهل الحسبة، ولا يجوز أن يولى على المسلمين الخائن من الشرط وغيرهم.
والخامس: يجب على المحتسبين أن يغيروا المنكرات على القوي والضعيف، وأن لا يسلكوا مسلك أهل الكتاب. ومن أراد النجاة إذا وقف بين يدي جبار السماوات والأرض، فالطريق واضح.
[رسالة الشيخ عبد الله بن حميد إلى ولي العهد في تقصير كثير من المسؤلين في الدين]
وقال الشيخ: عبد الله بن محمد بن حميد، رحمه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله بن محمد بن حميد، إلى حضرة المكرم: صاحب السمو ولي العهد، ورئيس مجلس الوزراء، فيصل بن عبد العزيز، أعزه الله بطاعته، وأمده بعنايته، آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده: لا يخفى على سموكم الكريم، ما قد حصل في هذه الأوقات الأخيرة، من النقص الكبير في الدين، وعدم الاكتراث بأوامره ونواهيه، من كثير من المسؤولين في الدولة، على ما أعطاهم الله من النعم الوافرة في الأبدان، وفي الأموال والجاه. ومع ذلك لم يعطوا هذه النعم حقها من الشكر، ولم يحصل عندهم أي غيرة على الدين، ولم يتأثروا بما أصيب به الإسلام من النقص الكبير، ولم يظهر منها كراهية لذلك، بل الكثير منهم- عياذا بالله- أصبحوا ضدا للدين وأهله، وصمدوا صمودا منكرا أمام الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.
ولا يخفى: أن مثل أولئك، لا تبرأ الذمة بتوليتهم أعمال المسلمين، فإذا كان هذا بالنسبة للمسؤولين في الدولة، فكيف بمن سواهم، الذين هم من الرعاع، الذين يقول في وصفهم أمير المؤمنين علي رضي الله عنه:(وسائر الناس همج رعاع أتباع كل ناعق) ؟!
الذين لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق، فهم اتباع كل ناعق ضد الدين، أتباع كل ناعق ضد السياسة، أتباع كل ناعق ضد الأخلاق وحسن السيرة، أتباع كل ناعق ضد الأمن والطمأنينة.
أتباع كل ناعق ضد الملوكية والولايات الشرعية، أتباع كل ناعق بالفتن، أتباع كل ناعق بالحرية المزعومة الغربية، أتباع كل ناعق بسقوط المروءات، أتباع كل ناعق وإن جهلوا غاية الناعق، ومبدأه ومقاصده، كما يقول المفتون في قبره: سمعت الناس يقولون شيئا فقلته.
فإذا كانت هذه أحوال البعض من الناس، ثم صار كثير من المسؤولين في الدولة مثلهم، متى تستقيم الأحوال؟ متى تتم الأمور؟ متى تقوم دعائم الدين؟ متى تتمكن أسس الملك؟ إن الدين والملك أخوان، فمن كان ضد الدين فهو ضد ملوك الإسلام وأهله؛ ومن كان ضد ولاة الأمور فهو ضد الدين، وإن تظاهر بالنصرة للإسلام؛ لأن الإسلام ينهاه عن كل ما يمس السياسة الرشيدة؛ والإسلام يقول:(من فارق الجماعة قيد شبر فمات، فميتته ميتة جاهلية) والإسلام يقول: (من أهان إمام المسلمين أهانه الله)، والإسلام يقول:(السلطان ظل الله في أرضه، فمن خرج على الإمام يريد نصرة الإسلام بزعمه فهو كاذب، ما لم يعين ما أخل به الإمام، ويناصحه سرا مرارا، ثم يعلن له ذلك عند العجز عنها في السر) .
ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه سيكون عليكم ولاة تعرفون منهم وتنكرون، قال رجل: أفلا تنابذهم يا رسول الله؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة" 1 فهذه سياسة الإسلام للشعوب مع ولاة أمورها، لما يترتب- على منازعة الوالي من ذهاب الإسلام، وتسلط الأعداء، وإراقة الدماء، والفوضى، وانتهاك الأعراض، وسلب الأموال، كما هو مشاهد الآن في كثير من البلاد العربية وغيرها. كل انقلاب يحدث، يذهب فيه عشرات الألوف من الناس، كما هو مشاهد الآن في مصر، والعراق، وسوريا، واليمن، والجزائر، وغيرها نسأل الله السلامة.
وبما أنه قد علم أن الدين والملك أخوان، يقوى هذا بقوة صاحبه، ويضعف بضعفه، كان من المتعين على ملوك الإسلام، التمسك بالدين وحمايته، وصيانته عن كل ما يناقضه أو ينقصه، لا سيما مثلكم.
فإنه لم يبق الآن من ملوك الإسلام، من يؤمل فيهم النصرة للدين سوى هذه الأسرة الميمونة؛ ولا تزال هي محط أنظار العالم الإسلامي، كيف لا وأنتم حماة الحرمين الشريفين، وحماة قبلة المسلمين، في مشارق الأرض ومغاربها؛ وأسلافكم الأفاضل، هم كانوا حماة الدين، ومنارا ساطعا لرفع راية التوحيد.
فلذا يجب عليكم امتثال أوامر الدين، وإقامة الحدود
1 مسلم: الإمارة (1854)، والترمذي: الفتن (2265)، وأبو داود: السنة (4760) ، وأحمد (6/295 ،6/321) .
الشرعية، والاتباع للسياسة الإسلامية، وتوقير العلماء، وإظهار المنزلة العالية لهم بين الناس، وإزالة المنكرات، وقمع المفسدين، لأنكم متى عملتم بهذا صار العلماء ورجال الدين ألسنة لكم، ودعاة على رؤوس المنابر في تأييدكم.
وعامة الناس يحترمون العلماء، وينظرون ماذا يقولون في كل وقت، خصوصا في هذه البلاد، سوى أنه يوجد ثلة من المنحرفين، سفهاء الأحلام، طياشة العقول، يجنحون للحريات، ويميلون للفوضى، ويشعلون نار الفتنة، ويسممون أفكار النشء الصغير بنواديهم الخليعة، وتمثيلياتهم الماجنة؛ فهؤلاء هم الآن أقلية مستضعفون، إلا أنهم إن تركوا استفحل شرهم، وعظم خطرهم على الدين والسياسة.
فالواجب قمعهم، وإيقافهم على حدهم، والأخذ على أيديهم، في تطبيق الحدود الشرعية عليهم، وإلزامهم أوامرها، فإنهم متى كان لهم من الأمر شيء، لم يرعووا إلى سنة أو كتاب، ولم يروا حقا لوال من ولاة الأمور، ولم يحترموا عالما بعلمه، ولم يكرموا شيخا لكبره، ولم يرحموا صغيرا لصغره.
وإنه لمن واجب العلماء نحو أئمتهم، مناصحتهم، وإبداء ما يرونه مخلا بالدين، وبيان ما يجب على الملوك فعله، وما يجب عليهم اجتنابه، وأنه في هذه الأيام قد
حدثت أمور منكرة، لا يقرها شرع، ولا يرضاها عقل، ولا تقبلها فطرة سليمة.
فيجب عليكم الوقوف أمامها، ومنعها منعا باتا، غيرة لله، وحماية لدينه، وإعلاء لكلمة الحق، فإن هذا هو سبب نصرتكم على أعدائكم، وتمكينكم في الأرض، وبقاء عزكم وملككم:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [سورة الحج آية: 40]، {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [سورة محمد آية: 7] .
ومن أهم ما يجب المبادرة إلى رفعه وإزالته، أو دفعه وعدم إقراره، هو: وجود هذه السينماآت التي انتشرت في أكثر الأماكن، وما يعرض فيها من صور خليعة، وأمراض أخلاقية فتاكة، تقتل ما في الإنسان من رجولية، أو مروءة أو ديانة. إنها والله فخ نصبه لنا أعداؤنا، ليذهبوا ما فينا من حماسة أخلاقية، امتاز بها المسلمون على غيرهم، وقد أدركوا ما يريدون من كثير من أبناء المسلمين بسببها، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
ومنها: وجود التلفزيون، وفشوه في كثير من البلاد، كما هو في المقاطعة الشرقية. ومنها: وجود بعض المنكرات في الأسواق، كآلات الطرب فى بيعها علنا، واستعمالها مجاهرة. ومنها: أصوات النساء والأغاني، منطلقة من هذه البلاد المقدسة، باسم مكة المكرمة، التي يجب أن تصان عن هذه الأمور.
بل الواجب أن تحارب مثل هذه الأشياء، وأن تعمل كل ما في وسعها لمحو هذه الأمور المنكرة عن إذاعات المسلمين; فليتها كانت كفافا لا علي ولا ولي. ومنها: عدم مراقبة الصحف المحلية، من الناحية الدينية، فكل جاهل يكتب ويفتي في مسائل هامة، ويخالف القرآن والسنة، ويحل ويحرم ويكذب على العلماء، وينقل نقولات خاطئة بلا خجل ولا حياء، ثم يترك ولا يوقف عند حده.
ومنها: عدم تعزيز جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا هو أهمها، بل هو الأساس لكل ما سبق، وإنه لمن أعظم الفروض: القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعزيزه بكل ممكن؛ وهو الآن قد ذهب إلا مسماه، وذلك يرجع لعدة عوامل.
منها: أنهم سلبوا سلطتهم، بكونهم لا يؤتمنون على التحقيقات مع المجرمين، ولا يتولون شيئا من ذلك، ثم يسند هذا إلى الشرطة. فهل الشرطة أعلم منهم بأحكام الشريعة؟ أو أقرب منهم إلى العدل والإنصاف؟ أو أشد تحريا لأداء الأمانة وبيان الواقع منهم؟!
ومنها: أن هذا العمل كسر شوكتهم، وحطم لمعنويتهم أمام الجمهور، حتى أصبحوا كلا شيء أمام الجمهور، بل شيء ولكنه محتقر. ومنها: أنه متى تكلم شخص ضدهم وتبين خطؤه عليهم وكذبه وافتراؤه، لم يحصل أي ردع من قبل الحكومة.
وغير خاف على سموكم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو قوام الدين، وأن قوام الملك والدولة هو التمسك بالدين؛ فإن الناس متى جهلوا دينهم أضاعوا حد الله وحقوق عباده، وجمهور الناس اليوم- ولله الحمد- في كفة أهل العلم، ويحبونهم ويحبون ولاتهم، ويوالونهم ويدعون لهم، ويتمنون لهم الهدوء والطمأنينة، إلا أنهم يلومونهم في بعض الأشياء التي تمس الدين، وكذلك يلومون طلبة العلم أكثر من لومهم الحكومة.
ويقولون لنا: أنتم المقصرون، ولم تتكلموا مع الحكومة، ولم تبلغوها الواقع على حقيقته، وقد كثر علينا اللوم منهم مشافهة ومكاتبة، ونسبوا كل هذا التحلل إلينا، بل يقولون: كل هذا التقصير إنما هو من العلماء، أما الحكومة فهي لم تقف أمامهم ضد ذلك.
ونحن نكتب هذه الكلمة، نصحا لكم حيث أوجب الله ذلك علينا، ونصحا للأمة، وخروجا من معرة الكتمان، ومعذرة إلى الله سبحانه، ثم إلى خلقه.
والله المسؤول أن يمن علينا وعليكم بالهداية والتوفيق لما يحب ويرضى، وأن يجعلنا وإياكم من أنصار دينه الذين يغضبون لغضبه ويرضون لرضاه، آمين. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[رسالة الشيخ عبد الله بن حميد في أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم واجبات الدين]
وقال أيضا الشيخ: عبد الله بن محمد بن حميد، رحمه الله 1.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الناصح الأمين، وآله وصحبه والتابعين. وبعد: فقد كثر الخوض في هذه الأيام، حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر ذلك في بعض الصحف المحلية؛ وتجرأ بعض الكتاب وأكثروا من الكلام الذي لم يستمد من كتاب الله وسنة رسوله، إنما هو أفكار وآراء مجردة عن الدليل الشرعي، فلذا رأينا: أنه من المتعين التنبيه على هذا الموضوع، وبيان مكانته من الشريعة، على سبيل الاختصار، والاكتفاء ببعض الأدلة التي تبين الحق لطالبيه، وتقيم الحجة على المعاند.
فأقول: لا شك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم واجبات الدين، بل هو من آكد الأصول الإسلامية وأوجبها، وقد ألحقه بعضهم بالأركان التي لا يقوم بناء الإسلام إلا عليها؛ وهو من فروض الأعيان عند طائفة من العلماء، وعند آخرين من فروض الكفاية؛ فلا يسقط عن المكلفين إلا إذا قام به طائفة منهم تحصل بها الكفاية؛ وهذا
1 نشرت في جريدة البلاد وغيرها سنة 1382 هـ.
شيء معلوم من الكتاب والسنة وكلام العلماء، حتى إنه لشدة اهتمامهم به، يذكرونه في كتب العقائد والتوحيد.
وإليك شيء من الأدلة، قال الله تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [سورة آل عمران آية: 104] وقال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [سورة آل عمران آية: 110] وقال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [سورة المائدة آية: 78-79] .
فأنت ترى الآية المذكورة أولا، صريحة بالأمر للمسلمين أن تكون منهم أمة تدعو الناس إلى الخير، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؛ والأمر متقرر عند الأصوليين أنه يقتضي الوجوب ما لم يصرفه صارف؛ ولم يوجد في هذا الأمر ما يصرفه، بل وجد ما يؤكده، فتعين وجوبه.
والآية الثانية أيضا: دالة على أن هذه الأمة خير الأمم، وهذه الخيرية إنما حصلت لها بهذا الوصف، وهو: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال مجاهد:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [سورة آل عمران آية: 110] : كنتم خير الناس للناس، على هذا الشرط: أن تأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر وتؤمنوا بالله، وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [سورة آل عمران آية: 110] ، "قال: كنتم خير الناس للناس، تجيئون
بهم في السلاسل، فتدخلونهم الجنة".
فتأمل: كيف عبر بذكر السلاسل، ومن المعلوم أن السلاسل من أقوى ما يقاد بها الممتنع عن الدخول في الشيء، فتكون هذه القيادة، هي السبب في دخولهم الجنة، وسلامتهم من العذاب، وبسببها كانوا هم خير الناس للناس.
والآية الثالثة دلت على شدة وعيد من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن بني إسرائيل لما تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعنوا على ألسنة رسلهم؛ واللعن هو: الطرد والإبعاد عن الله وعن رحمته، وأي عقوبة أعظم من هذه؟
وجاء عن "ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ} الآية [سورة المائدة آية: 78] . قال: (لعنوا بكل لسان، لعنوا على عهد موسى في التوراة، ولعنوا على عهد داود في الزبور، ولعنوا على عهد عيسى في الإنجيل، ولعنوا على عهد محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن".
وجاء عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل من بني إسرائيل كان إذا رأى أخاه على الذنب نهاه تعذيرا، فإذا كان من الغد لم يمنعه ما رأى أن يكون أكيله وخليطه وشريبه، فلما رأى الله ذلك منهم، ضرب قلوب بعضهم على بعض، ولعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى بن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون".
قال: "والذي نفسي بيده: لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنه على الحق أطرا، أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض، ثم يلعنكم كما لعنهم"1. فانظر: كيف حث الناصح الأمين صلى الله عليه وسلم أمته على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأكده بعده تأكيدات، أكده بنون التوكيد الثقيلة، وبين عقوبته وهو: اللعن كما لعن من قبلهم.
ثم تأمل كيف بين صلى الله عليه وسلم صفة النهي عن المنكر ودرجاته، ووضح وجوبه، وأتى بالصيغة الدالة على العموم، ليشمل عموم المسلمين؟ فقال:"من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه"2.
فكيف مع هذه الصراحة الواضحة يتجاسر أحد ممن ينتمي إلى الإسلام، على مصادمتها وردها علنا، على صفحات الجرائد، أليس هذا ردا على القرآن؟ أليس هذا تهجما على الرسول؟ أليس هذا تضليلا لعلماء المسلمين؟ أليس هذا نقضا لركن من أركان الشريعة؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ما الذي حمل بعض الكتاب على هذا التهجم، أبغضا وكراهية للدين؟ أم جهلا بشرائعه وتعاليمه؟ أم شرقا بدعوته وسننه القويمة؟ أم عجزا عن أداء واجباته؟!
1 الترمذي: تفسير القرآن (3047)، وأبو داود: الملاحم (4336)، وابن ماجه: الفتن (4006) .
2 مسلم: الإيمان (49)، والترمذي: الفتن (2172)، والنسائي: الإيمان وشرائعه (5008 ،5009)، وأبو داود: الصلاة (1140) والملاحم (4340)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (1275) والفتن (4013) ، وأحمد (3/10 ،3/20 ،3/49 ،3/52 ،3/54 ،3/92) .
فليتهم إذ عجزوا عنهما كفوا ألسنتهم وأقلامهم، ولم يقفوا أمام من قاموا بأداء هذا الواجب، ألم يبلغهم حديث ابن عمر رضي الله عنهما:"لينقضن الإسلام عروة عروة، حتى لا يقال في الأرض: الله الله" 1 "لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيسومونكم سوء العذاب، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم" 2، "ولتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليبعثن الله عليكم من لا يرحم صغيركم ولا يوقر كبيركم".
وفي مسند الإمام أحمد مرفوعا: "أيها الناس إن الله يقول: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوني فلا أحيبكم، وتستنصروني فلا أنصركم، وتسألوني فلا أعطكم" 3، وفي حديث ابن عباس:"وما ترك قوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا لم ترفع أعمالهم، ولم يسمع دعاؤهم".
فكيف مع وجود هذه الآيات البينات، وهذه الأحاديث يتظاهر أناس بتهجين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحط من قدر من قام به، والنداء بإلغاء هذه الطائفة، وتخطئتهم، وانتقادهم بأشياء إما غير واقعية وهم فيها مصيبون، بل هي من واجباتهم.
أينكر عليهم الضرب والتعزير في موضعه المشروع؟ أليس هذا هو امتثال قول النبي الكريم: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده" 4 ألم يفعل ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟ ألم يرجم
1 أحمد (4/232) .
2 أحمد (5/391) .
3 ابن ماجه: الفتن (4004) ، وأحمد (6/158) .
4 مسلم: الإيمان (49)، والنسائي: الإيمان وشرائعه (5008) ، وأحمد (3/20 ،3/49 ،3/54) .
الزاني؟ ألم يقطع يد السارق؟؟ ألم يجلد ويغرب الزاني؟ ألم يفعل ذلك خلفاؤه الراشدون، ويستمر عمل المسلمين على هذا؟
"ألم يأمر عمر رضي الله عنه بالهجوم على البيت الذي قيل له إن فيه خمرا؟ ألم يحرق البيت ويؤدب صاحبه؟ ألم يسمه فويسقا؟ وكان يدعى رويشدا، ألم يحبس على مجرد تهمة؟ " ألم يكن هذا صنيع ملوك الإسلام كلهم.؟ يسندون أمر الحسبة إلى طائفة معينة تتولى القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ ألم يذكر العلماء في كل مذهب باب التعزير، وهو التأديب في كل معصية لا حد فيها ولا قصاص؟.
وإليك شيئا من كلام الإمام ابن القيم رحمه الله، المتوفى عام 751هـ في بيان بعض من واجباتهم، قال: وأما ولاية الحسبة فخاصتها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيما ليس من خصائص الولاة والقضاة، وأهل الديوان ونحوهم. فعلى متولي الحسبة أن يأمر العامة بالصلوات الخمسة في مواقيتها ويعاقب من لم يصل بالضرب والحبس. وإنه لمن العجب العجاب أن يستدل أحد الكتاب، على عدم صلاحية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باستنكار رجل أجنبي رأى أحد أعضاء الهيئة وهو يأمر
الناس بالذهاب إلى الصلاة، ويوقفهم بكلامه وقرعه بعصاه. الله أكبر يا للإسلام ويا للعقول الصحيحة، أيدفع بهذا الاستنكار كلام الله وكلام رسوله، وإجماع الأمة؟!
كيف يليق بهذا الكاتب، أن يتفوه بمثل هذا الاستدلال الساقط؟ أين هذا الكاتب من قوله عليه السلام:"ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيؤم الناس، ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار" 1 الحديث، رواه مسلم عن أبي هريرة.
ثم إن هؤلاء الكتاب، ينتقدون هذه الطائفة- أي الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر- بإعفائهم اللحى وعدم حلقها، وينتقدونهم بالتسوك. الله أكبر، كيف ينتقدون من يعمل بالسنة النبوية؟ !
ألم تكن هذه صفتة صلى الله عليه وسلم؟ ألم يكونوا بهذا العمل متمسكين بسنته صلى الله عليه وسلم في أمره بذلك، وفي فعله وفي تقريره؟ كيف أصبح المعروف عند قوم منكرا والمنكر معروفا؟ !!
ويرحم الله العلامة أبو الوفاء بن عقيل المتوفى عام 513 هجرية، حيثما يقول في فنونه: من أعظم منازع الإسلام، وآكد قواعد الأديان: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتناصح؛ فهذا أشق ما يحمله المكلف، لأنه مقام الرسل، حيث يثقل صاحبه على الطباع، وتنفر منه نفوس
1 البخاري: الأحكام (7224)، ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (651)، والنسائي: الإمامة (848)، وأبو داود: الصلاة (548)، وابن ماجه: المساجد والجماعات (791) ، وأحمد (2/424)، ومالك: النداء للصلاة (292)، والدارمي: الصلاة (1274) .
أهل اللذات، ويمقته أهل الخلاعة، وهو إحياء السنن وإماتة البدع.
إلى أن قال: لو سكت المحقون، ونطق المبطلون، لتعود النشء ما شاهدوا، وأنكروا ما لم يشاهدوا؛ فمتى رام المتدين إحياء سنة، أنكرها الناس وظنوها بدعة، وقد رأينا ذلك، فالقائم بها يعد مبتدعا مبدعا. انتهى كلامه رحمه الله.
أسأله تعالى: أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلا، ويرزقنا اجتنابه، ويعصمنا من الزيغ والبدع وإخواننا المسلمين، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على محمد وآله وصحبه.
[رسالة الشيخ عبد الله بن حميد إلى كافة هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
وقال أيضا، رحمه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله بن محمد بن حميد، إلى كافة هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرهم من إخواننا، وفقنا الله وإياهم للعمل بما يرضيه، وجنبنا أسباب سخطه ومناهيه، آمين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: فإن من المتعين علينا وعليكم، التناصح في دين الله، والتذكير بنعم الله وأيامه، فإن في ذلك من المصالح النافعة العامة، ما لا يحيط به علما إلا الله، وقد رأينا كما رأى غيرنا من انتقاض عرى الإسلام عروة عروة، وبدو اختفاء معالمه.
وما غلب على أكثر الخلق من الإعراض عما خلقوا له، واشتغالهم بالفاني عن الباقي، وظهور سلطان حب الدنيا، واستيلاؤه على القلوب، وفشو المنكرات، وتتابع ظهورها، بدون مغير لها ولا منكر؛ وهذا مما يدل على أن الإسلام قد بدأ مرضه في هذه الديار، وأن أوامره ونواهيه خف وقعها في النفوس.
فالواجب على كل مسلم أن يهتم بهذا الأمر أشد الاهتمام، ويبذل كل ما يقدر عليه، في سبيل إصلاح دين المسلمين، من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ولا يختص بواحد دون آخر. فإن جميع بني آدم لا تتم مصالحهم في الدنيا ولا في الآخرة، إلا بالاجتماع، والتعاون، والتناصر، على جلب ما ينفعهم، ودفع ما يضرهم وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح، في حين أن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر لم يبق فيه إلا رسوم قليلة، وهو باب عظيم به قوام الأمر وملاكه.
وإذا لم يؤخذ على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله بعقابه {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [سورة النور آية: 63] . وإنه لمن آكد قواعد الأديان، وأعظم منافع الإسلام، وهو مقام الرسل حيث يثقل صاحبه على الطباع وتنفر منه نفوس أهل اللذات، ويبغضه أهل الخلاعة؛ وبه تحيا السنن وتموت البدع، فلو سكت
المحقون، ونطق المبطلون، لتعود النشء ما شاهدوا، وأنكروا ما لم يشاهدوا.
فينبغي لطالب الآخرة، والساعي في تحصيل رضى الله عز وجل أن يعتني بهذا المقام، فإن نفعه عظيم، لا سيما وقد ذهب معظمه، ويخلص لله نيته، ولا يهاب من ينكر عليه لارتفاع مرتبته، فإن الله تعالى، قال:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [سورة الحج آية: 40]، {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [سورة العنكبوت آية: 69] .
وإنما الأجر على قدر النصب، فلا يتركه لصداقته ومودته، ومداهنته، وطلب الوجاهة عنده، ودوام المنزلة لديه، فإن صداقته ومودته، توجب عليه حرمة وحقا، ومن حقه أن ينصحه ويهديه إلى مصالح آخرته، وينقذه من مضارها؛ وصديق الإنسان ومحبه من سعى في عمارة آخرته، وإن أدى ذلك إلى نقص في دنياه.
وعدوه من يسعى في ذهاب أو نقص آخرته، وإن حصل بسبب ذلك نفع في دنياه؛ وإنما كان إبليس عدو لنا لهذا. وكانت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، أولياء للمؤمنين، لسعيهم في مصالح أخراهم وهدايتهم إليها.
والأمر بالمعروف: اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله، وتقرب إليه، وإحسان إلى الناس، وكل ما ندب إليه الشرع وحث عليه ورغب فيه؛ فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيه صلاح للعباد في المعاش والمعاد،
ولا يتم ولا يستقيم لهم حال بدونه؛ وهو أن أمور الناس لا تستقيم، ولا تنتظم أحوالهم في الدنيا ولا في الآخرة، إلا بطاعة الله ورسوله، بالامتثال لأوامره، والانتهاء عن زواجره.
وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: سمت هذه الأمة، وارتفعت على غيرها من الأمم:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [سورة آل عمران آية: 110] . ومراتبة ثلاث: باليد، واللسان، والقلب، وثالثها أضعفها إيمانا. فعدم إنكار المنكر بالقلب؛ دليل على ذهاب الإيمان.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: (هلك من لم يعرف المعروف وينكر المنكر بالقلب) يشير رضي الله عنه إلى أن معرفته المعروف والمنكر بالقلب، فرض لا يسقط عن أحد، فمن لم يعرفه هلك. ومتى سكت الإنسان عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تطلبا لرضى الخلق واستجلابا لمودتهم، فهو أخبث حالا من الزاني والسارق وشارب الخمر.
قال ابن القيم رحمه الله: ليس الدين بمجرد ترك المحرمات، بل والقيام مع ذلك بالأمور المحبوبة لله عز وجل كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيله، والنصرة لله ورسوله وكتابه ودينه، والنصح لعباده؛ وأقل الناس دينا، وأمقتهم لله من ترك هذه الواجبات، وإن زهد في الدنيا جميعها.
والداعي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تارة طلب الثواب من الله والتقرب لله بذلك، وتارة خوف العقاب والإثم في تركه، وتارة الغضب لله إذا انتهكت محارمه، وتارة النصيحة للمسلمين والرحمة بهم، والشفقة عليهم، ورجاء إنقاذهم مما أوقعوا فيه أنفسهم من التعرض لسخط الله وعقوبته، في الدنيا والآخرة.
وتارة يحمل عليه إجلال الله وإعظامه ومحبته، وأنه أهل أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر، وأن يفتدى من انتهاك محارمه بالنفوس والأموال، فمن لاحظ ما تقدم، هان عليه ما يلقاه من الأذى في الله عز وجل كما قال بعض السلف:"وددت أن الخلق كلهم أطاعوا الله ورسوله، ولو قرض لحمي بالمقاريض".
فالنهي عن المنكر حفاظ الدين، وسياج الآداب والفضائل، فإذا ترك تجرأ الفساق على إظهار فسقهم وفجورهم، ومتى صارت الدهماء يرون المنكرات بأعينهم ويسمعونها بآذانهم تزول وحشتها وقبحها من قلوبهم، ثم يتجرأ الكثيرون أو الأكثرون على اقترافها فيعظم البلاء ويشتد الخطب.
وناهيك لو قام كل واحد منا بنصيحة الآخر، دعوة وأمرا ونهيا، لامتنع فشو الشر فينا والمنكرات، واستقر الخير والمعروف بيننا {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [سورة الأنفال آية: 25] .
غير أن الناصح الداعي، والآمر الناهي، ينبغي أن يوطن نفسه على الصبر، ويثق بالثواب من الله عز وجل؛ ومن وثق بالثواب من الله، لم يجد مس الأذى، وهان عليه كل ما يلاقيه في سبيل ذلك.
وحين لم يرد بعمله إلا وجه الله والدار الآخرة، فإن الله يحفظه من بأس الصائلين والمعتدين، وذلك ببركة إخلاصه وحسن مقصده وقوة توكله على الله.
فإن من أخلص لله النية أثر كلامه في القلوب القاسية فلينها، وفي الألسن الذربة فقيدها، وفي يد السلطة فعقلها، ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم، 19\2\1378 هـ.
[رسالة من صالح الخريصي إلى من يراه من المسلمين في الحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
وقال الشيخ: صالح بن أحمد الخريصي، رحمه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
من صالح بن أحمد الخريصي، إلى من يراه من إخواننا المسلمين وفقنا الله وإياهم لما يرضيه، وجنبنا وإياهم أسباب سخطه ومناهيه، آمين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: تعلمون ما أوجبه الله علينا وعليكم، وعهده إلينا نبينا صلى الله عليه وسلم من التعاون على البر والتقوى، ونصيحة بعضنا
البعض، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة؛ وبالقيام بهذه الأمور على وجهها تتم سعادتنا بالدنيا والآخرة، قال الله عز وجل وبقوله يهتدي المهتدون:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [سورة السجدة آية: 24]، وقال تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة آل عمران آية: 104] .
وقال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [سورة التوبة آية: 71] ،
وقال تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [سورة الحج آية: 40-41]، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [سورة محمد آية: 7] ، وقال صلى الله عليه وسلم "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" 1، وفي رواية:"وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل"2.
1 مسلم: الإيمان (49)، والترمذي: الفتن (2172)، والنسائي: الإيمان وشرائعه (5008 ،5009)، وأبو داود: الصلاة (1140) والملاحم (4340)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (1275) والفتن (4013) ، وأحمد (3/10 ،3/20 ،3/49 ،3/52 ،3/54 ،3/92) .
2 مسلم: الإيمان (50) .
فإذا بلغ الإنسان إلى غاية لا يعرف قلبه المعروف، ولا ينكر المنكر، فلا خير فيه؛ لكن هذا الواجب يختلف باختلاف درجات أهله ومنازلهم.. فعلى العلماء من واجب التبليغ والنصيحة وبذلها والقيام بواجبها ما ليس على غيرهم، فإن الله أخذ عليهم الميثاق ليبيننه للناس ولا يكتمونه، وأخذ عليهم أن لا يقولوا عليه إلا الحق.
وعلى أهل الحسبة- وهم النواب- من الحق الواجب من القيام بما في رقابهم ما ليس على آحاد الناس؛ فإنهم مسؤولون أمام الله يوم القيامة عما استرعاهم عليه وأسند إليهم؛ والعذر منتف، والحجة قائمة، لأن الولاية بحمد الله مساعدة على حسب الحال.
وعلى أئمة المساجد والمؤذنين ما ليس على غيرهم، من تفقد جماعتهم، وإرشادهم وتعليمهم، والقيام على المتخلف منهم، ورفع أمره إلى أهل الحسبة؛ فإن الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن.
ومن لم يقم بهذه الوظيفة على وجهها، فليتق الله وليعاف المسلمين من شره، فإن بقاءه على هذه الحالة نقص ظاهر عليه وعلى جماعته؛ كما أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل أحد بحسبه، والرجل مسؤول عن أهل بيته ومن تحت يده، ومسؤول عن جاره.
وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [سورة التحريم آية: 6]، ومعنى الآية: مروهم وانهوهم، وعلموهم وأرشدوهم، وخذوا على أيديهم، كما قال صلى الله عليه وسلم:"لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنه على الحق أطرا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم يلعنكم كما لعنهم"1.
وقال في حق الأهل والعيال: "ولا ترفع عنهم عصاك أدبا، وأخفهم في الله عز وجل" 2 وقال: "ما نحل والد ولده" 3 أي أعطاه عطية "أفضل من أدب حسن" 4 وقال: "لأن يؤدب أحدكم ولده خير من أن يتصدق بصاع" 5، وورد "أن الجار يتعلق بجاره، ويوقفه بين يدي الله عز وجل ويقول: يا رب، سل هذا لما خانني؟ فيقول: يا رب ما خنته في أهل ولا مال، ويقول: رآني على ذنب كذا وكذا، فلم يأمرني ولم ينهني" معناه: رآني على فعل محظور، أو ترك مأمور.
وقال صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما فقال: أنصره إذا كان مظلوما، فكيف أنصره إذا كان ظالما؟ قال: "تحجزه وتمنعة من الظلم" 6 فهذا نصره في الحقيقة، فإذا أمرته ونهيته وأدبته فقد نصرته؛ وإذا تركته فقد خنته وغششته، وتحملت تبعته يوم القيامة؛ وهو كالغريق في
1 أبو داود: الملاحم (4336) .
2 أحمد (5/238) .
3 الترمذي: البر والصلة (1952) ، وأحمد (3/412) .
4 الترمذي: البر والصلة (1952) ، وأحمد (3/412) .
5 الترمذي: البر والصلة (1951) .
6 البخاري: المظالم والغصب (2444)، والترمذي: الفتن (2255) ، وأحمد (3/99 ،3/201) .
البحر؛ وقيامك عليه، كإخراجه وإنقاذه من الغرق؛ وسكوتك عنه كتركه غريقا سواء بسواء.
فاتق الله في أخيك المسلم، وخذ على يده بكل ما تقدر عليه، من نصحه وإرشاده، وأمره ونهيه؛ ولا تدعه يفترسه الشيطان وأنت تنظر.
فيا معشر العلماء، ويا أهل الحسبة، ويا معشر الأئمة والمؤذنين، ويا أهل الحل والعقد، ويا معشر المنتسبين إلى الخير، اتقوا الله في أنفسكم، وخذوا على أيدي إخوانكم، ولا تأخذكم في ذلك لومة لائم، وذودوهم عن مرتع الهلكة، فليس هذا زمن الإحجام والتأخر، بل هذا زمن الإقدام والتقدم، وأعدوا للسؤال جوابا، وللجواب صوابا.
{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [سورة الأنفال آية: 25] ، واحذروا ما جرى على الأمم الماضية، والقرون الخالية، من العقوبات والمثلات، قال تعالى:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [سورة هود آية: 102] .
ولا يغرنكم ما بسط عليكم من النعم التي لا يحصيها عدد، ولا ينهيها أمد، من صحة الأبدان، وأمن في الأوطان، وبسط في الرزق وخفض في العيش؛ فإنها إذا لم تكن على استقامة، سريعة الذهاب، وشيكة التغير والانقلاب.
وما أخذ قوم إلا عند سلوتهم وغرتهم ونعمتهم، فلا تغتروا بالله، قال الله عز وجل {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [سورة الأنعام آية: 44] .
فاستجلبوا نعم الله واستديموها بالقيام بما أوجب عليكم، واستدفعوا نقمه بذلك؛ فإنها ما استجلبت نعم الله واستدفعت نقمه بمثل ذلك، قال الله تعالى {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} [سورة الأعراف آية: 165] .
وقال تعالى: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} [سورة هود آية: 116]، وقال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [سورة الرعد آية: 11] ، فإذا غيروا غير عليهم جزاء وفاقا؛ وما ربك بظلام للعبيد.
وقد ورد في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والذي نفسي بيده، إن المعروف والمنكر خليقتان تنصبان للناس يوم القيامة، فأما المعروف فيبشر أصحابه ويعدهم الخير، وأما المنكر فيقول: إليكم إليكم، وما يستطيعون له إلا لزوما" 1 رواه أحمد، والبيهقي في شعب الإيمان. وعن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه سيصيب أمتي في آخر الزمان من سلطانهم شدائد، لا ينجو
1 أحمد (4/391) .
منها إلا رجل عرف دين الله، فجاهد عليه بلسانه ويده".
وتعلمون أن هذا الواجب لا يسقط عن أحد، ولو كان من أعبد الناس؛ بل لا تنفعه عبادته إلا بقيامه بهذا الواجب العظيم، كما في حديث جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أوحى الله إلى جبريل أن أقلب مدينة كذا وكذا بأهلها، فقال يا رب: إن فيهم عبدك فلانا لم يعصك طرفة عين، فقال: اقلبها عليه وعليهم، فإن وجهه لم يتمعر فيّ ساعة".
وعن عدي بن عدي الكندي، قال: حدثنا مولى لنا، أنه سمع جدي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم، وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك، عذب الله العامة والخاصة" 1 رواه في شرح السنة. وذلك أن المعصية إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها، وإذا ظهرت ولم تغير ضرت العامة والخاصة؛ وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح.
ومن أعظم المعروف الذي ينبغي الأمر به والتحريض عليه: الصلاة في جماعة؛ فإن كثيرا من الناس استخف بها، ولم يبال بها، ومعلوم أن التخلف عنها عظيمة من العظائم؛ ولولا أنه عظيمة لما هم النبي صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوت المتخلفين عن الجماعة بالنار. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "ولقد رأيتنا وما يتخلف
1 أحمد (4/192) .
عنها إلا منافع معلوم النفاق"، وقال عمر رضي الله عنه: "ما بال أقوام يتخلفون عن الصلاة جماعة، فيتخلف بتخلفهم آخرون، ليحضرن المسجد أو لأبعثن إليهم من يجافي رقابهم، ثم قال رضي الله عنه: احضروا الصلاة، احضروا الصلاة، احضروا الصلاة) .
فاتقوا الله عباد الله، وأمروا بالصلاة جماعة، وانهوا من تخلف عنها، فإن لم تفعلوا تكونوا آثمين، ومن أوزارهم غير سالمين.
[وصية عبد الله بن سليمان بن حميد إلى المسلمين بتقوى الله]
وقال الشيخ: عبد الله بن سليمان بن حميد، رحمه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله بن سليمان بن حميد، إلى من يراه ويسمعه من إخواننا المسلمين، سلك الله بنا وبهم طريق أهل السعادة، وجنب الجميع أسباب الشقاوة، آمين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: تعلمون أن من الواجب علينا لكم، النصيحة، والذكرى تنفع المؤمنين؛ فنوصيكم بوصية الله لعباده وهي: التقوى، ومراقبة الله في السر والعلانية، والشكر لنعمه والصبر على بلائه، والاستغفار عند مخالفة أمره؛ فإن هذه الأمور إذا رزقها العبد عنوان سعادته. والتقوى، هي: فعل ما أمر الله به وترك ما نهى عنه،
وقوام التقوى: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [سورة المائدة آية: 2] وقال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [سورة آل عمران آية: 110] .
وقال صلى الله عليه وسلم "من رأى منكرا فليغيره بيده.." 1 الحديث، وقال:"يا أيها الناس، مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا الله فلا يستجيب لكم، وتستغفروه فلا يغفر لكم"2.
والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة، وكلها تدل بمنطوقها ومفهومها، أنه يتعين على كل مسلم، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومساعدة من قام به، كل على حسب حاله.
فتارك إنكار المنكر، مع القدرة على إنكاره، كمرتكبه؛ وهو من الفاسقين، الداخلين في الوعيد؟ وبالتعاون على إنكار المنكر، يقوم الدين، ويتم الخير، وتستقر النعم، وتبقى الآداب والأخلاق الفاضلة؛ وبتركه ومداهنة أهله، ينتشر الفساد، ويظهر الفجور، فتعم العقوبة، والعياذ بالله من غضبه.
ومما يجب الاهتمام به على الجميع: معرفة دين الإسلام؛ فأصل كل بلاء وفساد، هو: الجهل بالدين والإعراض عن تعلمه، وأكثر الناس وإن تكلموا بالشهادتين لفظا، فقد جهلوها معنى.
1 مسلم: الإيمان (49)، والترمذي: الفتن (2172)، والنسائي: الإيمان وشرائعه (5008)، وأبو داود: الصلاة (1140)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (1275) والفتن (4013) ، وأحمد (3/10 ،3/20 ،3/49 ،3/52 ،3/54 ،3/92) .
2 ابن ماجه: الفتن (4004) ، وأحمد (6/158) .
فيجب على الناصح لنفسه أن يتعلم ما يعرف به ربه، ودينه، ونبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ويؤدي به عبادته، ويصحح به معاملته؛ وهذا أمر واجب، لا عذر لأحد بجهله، والله يقول:{وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} [سورة الإسراء آية: 72] .
ومما يجب الاهتمام به: الصلاة، فهي عمود الإسلام، وآكد أركانه بعد الشهادتين، ومن تركها فقد كفر، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع؛ وهي آخر ما يفقد من الدين، ولا عذر لأحد في التخلف عن صلاة الجماعة في المسجد إلا من عذر الله.
لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" وجار المسجد، هو الذي يسمع النداء. وقد هم صلى الله عليه وسلم بإحراق بيوت المتخلفين عن صلاة الجماعة بالنار؛ ولم يرخص في ترك الجماعة، ولا لأعمى بعيد الدار، وليس له قائد، وبينه وبين المسجد واد كثير السباع والهوام.
وقد شرعت صلاة الجماعة مع الخوف، وحضور العدو وقتاله؛ وكثير من الناس يتهاونون بصلاة الجماعة، ولا يبالون بحضورها مع فراغهم وصحتهم، كسلا وعدم رغبة في الخير؛ فيجب الإنكار على هؤلاء، وتأديبهم إذا لم تنفع فيهم النصيحة.
ومما يجب في الصلاة: إتمام الركوع والسجود،
والطمأنينة في جميع أركانها، وعدم مسابقة المأموم لإمامه؛ ولا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، وهي: أم القرآن. وكثير من الأئمة والمأمومين لا يحسنون قراءة الفاتحة، ويحرفونها؛ ومن حرف معانيها بطلت صلاته. فتنبهوا لهذا، وتعلموا ما يجب عليكم في صلاتكم؛ فمن قبلت صلاتة قبل سائر عمله؛ ومن ردت صلاته رد سائر عمله. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
[فصل في تعاون المسؤلين مع أهل الحسبة]
فصل
ومن تعاون المسؤولين مع أهل الحسبة:
ما جاء في خطاب رئيس مجلس الوزراء في 28/ 12/ 1385 هـ المبلغ بخطاب رئيس الحرس الوطني بتاريخ 7/1/ 1386 هـ إلى وزير الإعلام وهذا نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
صاحب المعالي وزير الإعلام، تقدم بعض الغيورين على عقيدتهم وبلادهم بملاحظات حول ما يكتب في الصحف، ويذاع في الإذاعة، وأنه في حاجة إلى الإصلاح، طبق ما يساير نهضتنا الإسلامية؛ وأشاروا إلى وجود دور للسينماء وأن الناس أقبلوا عليها، رغم أن بعض ما يعرض فيها سموم قاتلة، وكثير من الكتب الداعية إلى الإباحية والإلحاد، بالمكتبات،
وقد أقبل الشباب عليها بصورة مرعبة.
كما أن بعض المدرسين يتكاسلون عن أداء الصلاة، والأسواق مليئة بالبائعين في أوقات الصلاة. وأشاروا إلى وجود تبرج في الأسواق، وأن ذلك دعوة جريئة، وتحريض على التآمر والتقليد، ولأن ذلك إن صح وقوعه فإنه يستدعي النظر.
لذلك نرى أن على كل جهة أن تقوم بواجبها فيما يخصها، وملاحظة منع السفور والتبرج، مع أخذ تعهد على كل شخص يتم التعاقد معه، باحترام أنظمة البلاد وتقاليدها؛ كما يجب تدعيم الرقابة على الكتب بمفتشين؛ من كبار طلبة العلم الموثوقين، ممن اتسعت آفاقهم، وصحت مداركهم، وأن لا يذاع أو ينشر في الصحف إلا ما يتفق عليه أنظمتنا وعقيدتنا وتقاليدنا.
أما السينماء فلا يسمح لذويها بعرضها في أماكن عامة مطلقا، ومن يقبض عليه يجازى بمصادرة الآلة والأفلام، والسجن والجلد؛ وقد زودت جميع الوزارات والإدارات بصورة من هذا التنبيه على الموظفين بأداء الصلاة في أوقاتها جماعة. انتهى.
فيصل بن عبد العزيز رئيس مجلس الوزراء.