الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الباب الثاني في تحريم التتن بأنواعه]
الباب الثاني: تحريم التتن بأنواعه وغيره، وقد كثر استعماله في هذا العصر، حتى استعمله بعض صبيان المدارس تبعا لمعلميهم من أهل الخارج، فعسى الله أن يمنع أهل الإسلام من هذه الرذيلة المضرة بالدين والبدن وغيرهما، ويوفق علماء المسلمين مع ولاة الأمر على منعه من الخارج، وأن لا يزرع في المملكة؛ فهم سُراة الإسلام، وحماته، وإليك نصائحهم في ذلك.
[فتوى الشيخ محمد بن إبراهيم في تحريم التتن وذكر الأدلة وكلام العلماء]
قال الشيخ: محمد بن إبراهيم آل الشيخ، رحمه الله 1.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد: فقد سئلت عن حكم التنباك الذي أولع بشربه كثير من الجهال والسفهاء، مما يعلم كل أحد تحريمنا إياه، نحن ومشائخنا ومشائخ مشائخنا ومشائخهم، وكافة المحققين من أئمة الدعوة النجدية، وسائر المحققين سواهم من العلماء في عامة الأمصار، من لدن وجوده بعد الألف بعشرة أعوام أو نحوها حتى يومنا هذا، استنادا على الأصول الشرعية والقواعد المرعية.
1 وقد طبعت مفردة، وانتشرت ولله الحمد، وهي موجودة وغيرها حول هذا الموضوع، في الجزء 12 من فتاويه رحمه الله.
وكنت رأيت عدم إجابة السائل لذلك، لكن نظرا إلى أن للسائل حقا، وإلى فشو تعاطي هذا الخبيث بما لا يخطر على البال، آثرت الجواب على ذلك.
فأقول: لا ريب في خبث الدخان ونتنه، وإسكاره أحيانا وتفتيره، وتحريمه بالنقل الصحيح، والعقل الصريح، وكلام الأطباء المعتبرين.
أما النقل الصحيح فقول الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [سورة الأعراف آية: 157] .
وفي الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كل مسكر خمر، وكل خمر حرام" 1، ولمسلم:"وكل مسكر حرام" 2، وروى أبو داود والترمذي وحسنه، عن عائشة موفوعا:"كل مسكر حرام، وما أسكر الفرق منه، فملء الكف منه حرام"3. وكل من الآية الكريمة، والأحاديث الصحيحة دال على تحريمه، فإنه خبيث، مسكر تارة ومفتر أخرى؛ لا يماري في ذلك إلا مكابر للحس والواقع.
ولا ريب أيضا في إفادتها تحريم ما عداه من المسكرات والمفترات. وروى الإمام أحمد وأبو داود عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل
1 مسلم: الأشربة (2003)، والترمذي: الأشربة (1861)، وأبو داود: الأشربة (3679)، وابن ماجه: الأشربة (3390) ، وأحمد (2/29) .
2 مسلم: الأشربة (2003)، وأبو داود: الأشربة (3679) ، وأحمد (2/16 ،2/31 ،2/104) .
3 البخاري: المغازي (4343)، ومسلم: الأشربة (1733)، والنسائي: الأشربة (5595 ،5597 ،5602 ،5604)، وأبو داود: الأشربة (3684)، وابن ماجه: الأشربة (3391) ، وأحمد (4/410 ،4/415 ،4/417)، والدارمي: الأشربة (2098) .
مسكر ومفتر" 1.
قال الحافظ الزين العراقي: إسناده صحيح، وصححه السيوطي في الجامع الصغير.
وفيه من إضاعة المال، واستهلاك المبالغ الطائلة المسببة لضلع الدِّين، الحامل على بيع كثير من ضروريات الحياة في هذا السبيل، ما لا يسع أحدا إنكاره، وفي الصحيحين عن النبي عليه أنه قال:"إن الله حرم عليكم: عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعا وهات. وكره لكم: قيل وقال وكثرة السؤال، وإضاعة المال"2.
يوضحه ما سنذكره من كلام العلماء، من أرباب المذاهب الأربعة: فممن ذكر تحريمه من فقهاء الحنفية: الشيخ محمد العيني، ذكر في رسالته تحريم التدخين، من أربعة أوجه.
أحدها: كونه مضرا للصحة، بإخبار الأطباء المعتبرين؛ وكل ما كان كذلك يحرم استعماله اتفاقا.
ثانيها: كونه من المخدرات المتفق عليها عندهم، المنهي عن استعمالها شرعا، لحديث أحمد عن أم سلمة:(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر) ، وهو مفتر باتفاق الأطباء؛ وكلامهم حجة في ذلك وأمثاله، باتفاق الفقهاء سلفا وخلفا.
ثالثها: كون رائحته الكريهة تؤذي الناس الذين لا
1 أبو داود: الأشربة (3686) ، وأحمد (6/309) .
2 البخاري: الأدب (5975)، ومسلم: الأقضية (593) ، وأحمد (4/246 ،4/254)، والدارمي: الرقاق (2751) .
يستعملونه، وعلى الخصوص في مجامع الصلاة ونحوها؛ بل وتؤذي الملائكة المكرمين.
وقد روى الشيخان في صحيحيهما، عن جابر مرفوعا:"من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا، وليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته" 1 ومعلوم: أن رائحة التدخين ليس أقل كراهية من رائحة الثوم والبصل.
وفي الصحيحين أيضا عن جابر رضي الله عنه أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الناس ; وفي الحديث عنه عليه الصلاة والسلام، أنه قال:"من آذى مسلما فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله" رواه الطبراني في الأوسط، عن أنس رضي الله عنه بإسناد حسن.
رابعا: كونه سرفا، إذ ليس فيه نفع مباح خال عن الضرر، بل فيه الضرر المحقق، بإخبار أهل الخبرة، ومنهم أبو الحسن المصري الحنفي قال ما نصه: الآثار النقلية الصحيحة، والدلائل العقلية الصريحة، تعلن بتحريم الدخان.
وكان حدوثه في حدود الألف، وأول خروجه بأرض اليهود والنصارى والمجوس. وأتى به رجل يهودي، يزعم أنه حكيم، إلى أرض المغرب، ودعا الناس إليه. وأول من جلبه إلى البر الرومي رجل اسمه "الانكلين" من النصارى، وأول من أخرجه ببلاد السودان المجوس، ثم جلب إلى مصر والحجاز، وسائر الأقطار.
1 البخاري: الأذان (855)، ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (564)، وأبو داود: الأطعمة (3822) ، وأحمد (3/400) .
وقد نهى الله عن كل مسكر، وإن قيل إنه لا يسكر فهو يخدر ويفتر أعضاء شاربه، الباطنة والظاهرة، والمراد بالإسكار: مطلق تغطية العقل، وإن لم تكن معه الشدة المطربة. ولا ريب أنها حاصلة لمن يتعاطاه أول مرة، وإن لم يسلم أنه يسكر فهو يخدر ويفتر.
وقد روى الإمام أحمد وأبو داود، عن أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " (نهى عن كل مسكر ومفتر"1. قال العلماء: المفتر ما يورث الفتور والخدور في الأطراف، وحسبك بهذا الحديث دليلا على تحريمه؛ وأنه يضر بالبدن والروح، ويفسد القلب، ويضعف القوى، ويغير اللون بالصفرة.
والأطباء مجمعون على أنه مضر، ويضر بالبدن والمروءة والعرض والمال، لأن فيه التشبه بالفسقة، لأنه لا يشربه غالبا إلا الفساق، والأنذال، ورائحة فم شاربه خبيثة.
ومن فقهاء الحنابلة: الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، قدس الله أرواحهم، قال في أثناء جوابه على التنباك، ما نصه: وبما ذكرنا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام أهل العلم، يتبين لك تحريم "التتن" الذي كثر في هذا الزمان استعماله.
وصح بالتواتر عندنا والمشاهدة إسكاره في بعض الأوقات، خصوصا إذا أكثر منه، أو تركه يوما أو يومين لا يشربه ثم شربه، فإنه يسكر ويزيل العقل، حتى إن صاحبه
1 أبو داود: الأشربة (3686) ، وأحمد (6/309) .
يحدث عند الناس، ولا يشعر بذلك، نعوذ بالله من الخزي وسوء البأس.
فلا ينبغي لمن يؤمن بالله واليوم الآخر: أن يلتفت إلى قول أحد من الناس، إذا تبين له كلام الله، وكلام رسوله، في مثله من المسائل؛ وذلك لأن الشهادة بأنه رسول الله تقتضي طاعته فيما أمر، والانتهاء عما عنه نهى وزجر، وتصديقه فيما أخبر.
[جواب الشيخ أبا بطين عن التنباك]
وأجاب الشيخ: عبد الله أبا بطين رحمه الله، عن التنباك بقوله: الذي نرى فيه التحريم لعلتين: إحداهما: حصول الإسكار فيما إذا فقده شاربه مدة ثم شربه، وإن لم يحصل إسكار، حصل تخدير وتفتير، وروى الإمام أحمد حديثا مرفوعا أنه صلى الله عليه وسلم "نهى عن كل مسكر ومفتر"1.
والعلة الثانية: أنه منتن مستخبث عند من لم يعتده، واحتج العلماء بقوله:{وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [سورة الأعراف آية: 157] . وأما من ألفه واعتاده فلا يرى خبثه، كالجعل لا يستخبث العذرة.
ومن فقهاء الشافعية: الشيخ الشهير بالنجم الغزي الشافعي، قال ما نصه: والتوتون الذي حدث، وكان حدوثه بدمشق سنة خمس عشرة بعد الألف، يدعي شاربه أنه لا يسكر، وإن سلم له فإنه مفتر؛ وهو حرام، لحديث أحمد بسنده عن أم سلمة، قالت:(نهى رسوله الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر) .
1 أبو داود: الأشربة (3686) ، وأحمد (6/309) .
قال: وليس من الكبائر تناوله المرة أو المرتين، بل الإصرار عليه يكون كبيرة كسائر الكبائر.
وقد ذكر بعض العلماء أن الصغيرة تعطى حكم الكبيرة بواحد من خمسة أشياء؟ أحدها: الإصرار عليها. والثانية: التهاون بها، وهو الاستخفاف وعدم المبالاة بفعلها، والثالثة: الفرح والسرور بها. والرابعة: التفاخر بها بين الناس. والخامسة: صدورها من عالم، أو ممن يقتدى به.
وأجاب الشيخ خالد بن أحمد من فقهاء المالكية بقوله: لا تجوز إمامة من يشرب التنباك، ولا يجوز الاتجار به ولا بما يسكر.
وممن حرم الدخان ونهى عنه من علماء مصر: الشيخ أحمد السنهوري الحنبلي، وشيخ المالكية إبراهيم اللقاني؛ ومن علماء المغرب: أبو الغيث القشاش المالكي؛ ومن علماء اليمن إبراهيم بن جمعان، وتلميذه أبو بكر الأهدل؛ ومن علماء الحرمين المحقق عبد الملك العصامي، وتلميذه محمد بن علان شارح رياض الصالحين، والسيد عمر البصري.
وفي الديار الرومية الشيخ: محمد خواجة، وعيسى الشهادي الحنفي؛ ومكي بن فروخ; والسيد سعد البلخي المدني، ومحمد البرزنجي المدني الشافعي، وقال: رأيت من يتعاطاه عند النزع، يقولون له قل: لا إله إلا الله،
فيقول: هذا تتن حار.
كل هؤلاء من علماء الأمة وأكابر الأئمة أفتوا بتحريمه، ونهوا عنه وعن تعاطيه. وأما العقل الصريح: فلما علم بالتواتر والتجربة والمشاهدة، ما يترتب على شاربه غالبا، من الضرر في صحته وجسمه وعقله، وقد شوهد موت وغشي وأمراض عسرة كالسعال المؤدي إلى مرض السل الرئوي، ومرض القلب والموت بالسكتة القلبية، وتقلص الأوعية الدموية بالأطراف وغير ذلك، مما يحصل به القطع العقلي أن تعاطيه حرام.
فإن العقل الصريح يقضي ولا بد بتعاطي أسباب الصحة والحصول على المنافع، كما يقضي حتما بالامتناع من أسباب المضار والمهالك، والمبالغة في مباعدتها، لا يرتاب في ذلك ذو لب البتة.
ولا عبرة بمن استولت الشبهة والشهوة، على أداة عقله، فاسعتبدته وأولعته بالأوهام والخيالات، حتى بقي أسيرا لهواه مجانبا أسباب رشده وهداه.
وأما كلام الأطباء، فإن الحكماء الأقدمين مجمعون على التحذير من ثلاثة أشياء، ومتفقون على ضررها. أحدها: النتن، وهو: الروائح المستخبثة بجميع أجناسها وأنواعها؟ الثاني: الغبار، الثالث: الدخان، وكتبهم طافحة بذلك.
وأما المتأخرون منهم، الذين أدركوا هذه الشجرة الخبيثة، فنلخص ما ذكروه من أضراره، وما اشتمل عليه من الأجزاء، والعناصر التي نشأت عنها أضراره الفتاكة.
وهذا ملخص ما ذكروه:
قالوا: هو نبات حشيشي مخدر، مر الطعم، وبعد التحقيق والتجربة، ظهر أن التبغ بنوعيه: التوتون، والتنباك، من الفصيلة الباذنجانية، التي تشتمل على أشر النباتات السامة، كالبلادونا، والبرش والبنج، وهما مركبان من أملاح البوتاس، والنوشادر، ومنه مادة صمغية، ومادة حريفة تسمى "نيكوتين" قالوا: وهي من أشد السموم فعلا.
وله استعمالات، أحدها: استعماله استنشاقا بالفم، وهو أقبح استعمالاته وأشدها ضررا، وهو من المخدرات القوية، فتسري مواده السامة في الأمعاء سريعا، وتحدث تأثيرا قويا في الأعصاب البدنية.
والثانية: استعماله استنشاقا مسحوقا مع أجزاء منبهة وهو مضر أيضا لاحتوائه على مواد سامة.
والثالث: استعماله تدخينا من طريق السيجارة وهي أعظم أدوات التدخين، لأن الدخان يصل إلى الفم حارا، ومن طريق النارجيلة، والقصبة المعروفة بالغليون.
وقد أثبت الأطباء له مضارا عظيمة، وقالوا: إنها تكمن في الجسم أولا، ثم تظهر فيه تدريجيا؛ وذكروا أن الدخان
الذي يتصاعد عن أوراق التبغ المحترقة، يحتوي على كمية وافرة من المادة السامة، هي "النيكوتين"؛ فإذا دخل الفم والرئتين، أثر فيهما تأثيرا موضعيا وعموميا، لأنه عند دخوله الفم، تؤثر المادة الحريفة السامة التي فيه، في الغشاء المخاطي، فتهيجه تهييجا قويا، وتسيل منه كمية زائدة من اللعاب، وتغير تركيبه الكيماوي بعض التغير، بحيث تقلل فعله في هضم الطعام، وكذلك تفعل في مفرز المعدة، كما فعلت في مفرز الفم فيحصل حينئذ عسر الهضم.
وعند وصول الدخان إلى الرئتين، على طريق الحنجرة، تؤثر فيهما المادة الحريفة، فتزيد مفرزهما، وتحدث فيهما التهابا قويا مزمنا، فتهيج السعال حينئذ لإخراج ذلك المفرز الغزير، الذي هو: البلغم، ويتسبب عن ذلك تعطيل الشرايين الصدرية، وعروض أمراض صدرية يتعذر البرء منها.
وما يجتمع على باطن القصبة من آثار التدخين الكريهة الرائحة، يجتمع مثله على القلب، فيضغط على فتحاته، ويصد عنه الهواء، فيحصل حينئذ عسر التنفس، وتضعف المعدة، ويقل هضم الطعام، ويحصل عند المباشر له الذي لم يعتده دوار، وغثيان، وقيء، وصداع، وارتخاء العضلات- وهي الأعصاب- ثم سبات، وهي: كناية عن حالة التخدير، الذي هو من لوازم التبغ المتفق عليه، وذلك لما يحويه من المادة السامة.
ومن اعتاده حصل عنده من فساد الذوق، وعسر
الهضم، وقلة القابلية للطعام، ما لا يخفى. والإكثار منه يفضي إلى الهلاك، إما تدريجا، وإلا في الحال، كما وقع لأخوين تراهنا على أيهما يدخن أكثر من الآخر، فمات أحدهما قبل السيجارة السابعة عشرة، ومات الآخر قبل أن يتم الثامنة عشرة.
ومن مضاره: تخريب كريات الدم، وتأثيره على القلب بتشويش انتظام ضرباته، ومعارضته القوية لشهية الطعام، وانحطاط القوة العصبية عامة، ويظهر هذا بالخدور، والدوار، الذي يحدث عقب استعماله لمن لم يألفه.
ويحكي الأستاذ مصطفى الحماصي عن نفسه مرة أنه قال: كنت أمشي يوما مع أحد طلبة العلم، فعرج على بائع دخان اشترى منه سيجارتين، أشعل إحداهما، وأقسم علي يمينا غليظا، أن آخذها منه وأستعملها.
قال: فتناولت السيجارة أجذب في دخانها وأنفخه من فمي، دون أن يتجاوز الفم للداخل، رأى هو ذلك، فقال: ابتلع ما تجذبه، فإن قسمي على هذا.
لم أمانع وفعلت ما قال نفسا واحدا، والله ما زدت عليه، وإذ دارت الأرض حولي دورة، تشبه دورة المغزل، فبادرت إلى الجلوس على الأرض، وظننت بنفسي أني انتهيت، وظننت بصاحبي الظنون. وبكل تعب وصلت إلى بيتي وأنا راكب، وهو معي يحافظ علي، وبعد ذلك مكثت
إلى آخر اليوم التالي تقريبا، حتى أحسست بخفة ما كنت أجده.
فحكيت هذا لكثير من الناس، أستكشف ما كان يخبو لي في السيجارة؛ فأخبروني أن الدخان يعمل هذا العمل، في كل من لم يعتده، فقلت إذا كان نفس واحد فعل بي كل هذا، فماذا تفعله الأنفاس التي لا تعد، كل يوم يجتذبها معتاد الدخان، خصوصا المكثر منه؟ اهـ.
ومنها: إحداث الجنون المعروف بالتوتوني، وهو أن من يتركه بعد استعماله، يختل نظام سيره في أعماله وأشغاله حتى يدخنه، فإذا دخنه سكن حاله.
وقد ذكر جمع من أكابر العلماء وجهابذة الأطباء، أن من العقل فضلا عن الشرع، وجوب اجتناب التدخين حفظا للصحة، ودفعا لدواعي الضعف، الجالب للهلاك والدمار، وخصوصا ضعيف البنية، وكبير السن الذي ليست عنده قوة لمكافحة الأمراض، وأصحاب المزاج البلغمي.
ولذلك يتركه كثير من الناس، خوفا من ضرره، وكراهية لرائحته، وقد يعلقون طلاق نسائهم على العود إليه، يريدون بذلك تركة نهائيا، فإذا حمل إليهم وقت الحاجة إليه، لم يستطيعوا الإعراض عنه أبدا، بل يقبلون عليه بكلياتهم كل الإقبال، ولو طلقت نساؤهم.
فله سلطان عظيم على عاشقيه، وتأثير على العقل،
وذلك أن شاربه يفزع إلى شربه إذا نزل به مكدر، فيتسلى ويذهل العقل بعض الذهول، فيخف حزنه، والله أعلم، وصلى الله على عبده ورسوله محمد، وعلى الله وصحبه وسلم. قال ذلك وأملاه رحمه الله في 4/6 / سنة 1383هـ.
[جواب الشيخ السعدي عن حكم شرب الدخان والإتجار به]
وسئل الشيخ: عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمة الله، عن حكم شرب الدخان والإتجار به؟
فأجاب: أما الدخان، شربه، والاتجار به، والإعانة على ذلك، فهو حرام؛ لا يحل لمسلم تعاطيه شربا، واستعمالا، واتجارا؛ وعلى من كان يتعاطاه أن يتوب إلى الله توبة نصوحا، كما يجب عليه أن يتوب من جميع الذنوب.
وذلك أنه داخل في عموم النصوص الدالة على التحريم، داخل في لفظها العام، وفي معناها، وذلك لمضاره الدينية، والبدنية، والمالية، التي يكفي بعضها في الحكم بتحريمه، فكيف إذا اجتمعت؟
أما مضاره الدينية، ودلالة النصوص على منعه وتحريمه، فمن وجوه كثيرة، منها: قوله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [سورة الأعراف آية: 157] وقوله: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [سورة البقرة آية: 195] وقوله: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ
إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [سورة النساء آية: 29] .
فهذه الآيات وما أشبهها حرم الله بها كل خبيث أو ضار؛ فكل ما يستخبث أو يضر فإنه لا يحل؛ والخبث والضرر يتعرف بآثاره، وما يترتب عليه من المفاسد.
فهذا الدخان له مفاسد وأضرار كثيرة محسوسة، كل أحد يعرفها؛ وأهله من أعرف الناس بها، ولكن إراداتهم ضعيفة، ونفوسهم تغلبهم، مع شعورهم بالضرر؛ وقد قال العلماء: يحرم كل طعام أو شراب فيه مضرة.
ومن مضاره الدينية: أنه يثقل على العبد العبادات، والقيام بالمأمورات، خصوصا الصيام، وما كره العبد للخير فإنه شر؛ وكذلك يدعو إلى مخالطة الأراذل، ويزهد في مجالس الأخيار كما هو مشاهد؛ وهذا من أعظم النقائص، أن يكون العبد مؤالفا للأشرار، متباعدا عن الأخيار.
ويترتب على ذلك: العداوة لأهل الخير والبغض لهم، والقدح فيهم، والزهد في طريقهم، ومتى ابتلي به الصغار والشباب سقطوا بالمرة، ودخلوا في مداخل قبيحة، وكان ذلك عنوانا على سقوط أخلاقهم؛ فهو باب لشرور كثيرة، فضلا عن ضرره الذاتي.
وأما أضراره البدنية فكثيرة جدا، فإنه يوهن القوة ويضعفها، ويضعف البصر؛ وله سريان ونفوذ في البدن والعروق، فيوهن القوى، ويمنع الانتفاع الكلي بالغذاء، ومتى اجتمع الأمران اشتد الخطر وعظم البلاء.
ومنها: إضعاف القلب، واضطراب الأعصاب، وفقد شهية الطعام، ومنها: السعال، والنزلات الشديدة، التي ربما أدت إلى الاختناق، وضيق التنفس؛ فكم له من قتيل أو مشرف على الهلاك. وقد قرر غير واحد من الأطباء المعتبرين أن لشرب الدخان الأثر الأكبر في الأمراض الصدرية، وهي: السل وتوابعه، وله أثر محسوس في مرض السرطان؛ وهذه من أخطر الأمراض وأصعبها.
فيا عجبا لعاقل حريص على حفظ صحته، وهو مقيم على شربه، مع مشاهدة هذه الأضرار أو بعضها؟ ! فكم تلف بسببه خلق كثير! وكم تعرض منهم لأكثر من ذلك! وكم قويت بسببة الأمراض البسيطة حتى عظمت، وعز على الأطباء دواؤها! وكم أسرع بصاحبه إلى الانحطاط السريع من قوته وصحته!.
ومن العجب أن كثيرا من الناس يتقيدون بإرشادات الأطباء في الأمور التي هي دون ذلك بكثير، فيكف يتهاونون بهذا الأمر الخطير؟ ! ذلك لغلبة الهوى، واستيلاء النفس على إرادة الإنسان، وضعف إرادته عن مقاومتها، وتقديم العادات على ما تعلم مضرته.
ولا تستغرب حالة كثير من الأطباء الذين يدخنون، وهم يعترفون بلسان حالهم، أو لسان مقالهم بمضرته الطبية، فإن العادات تسيطر على عقل صاحبها وعلى إرادته، ويشعر كثيرا أو أحيانا بالمضرة، وهو مقيم على ما يضره.
وهذه المضار التي أشرنا إليها إشارة، مع ما فيه من تسويد الفم، والشفتين، والأسنان، وسرعة بلائها وتحطمها وتآكلها بالسوس، وانهيار الفم والبلعوم، ومداخل الطعام والشراب، حتى يجعلها كاللحم المنهار المحترق، تتألم مما لا يتألم منه.
وكثير من أمراض الالتهابات ناشئة عنه، ومن تتبع مضاره، وجدها أكثر مما ذكرنا.
وأما مضاره المالية: فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن إضاعة المال، وأي إضاعة أبلغ من حرقه في هذا الدخان، الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، ولا نفع فيه بوجه من الوجوه؛ حتى إن كثيرا من المنهمكين فيه، يغرمون فيه الأموال الكثيرة، وربما تركوا ما يجب عليهم من النفقات الواجبة؛ وهذا انحراف عظيم، وضرر جسيم، فصرف المال في الأمور التي لا نفع فيها منهي عنه، فكيف بصرفه بشيء محقق ضرره؟!
ولما كان الدخان بهذه المثابة: مضر بالدين، والبدن، والمال، كانت التجارة فيه محرمة، وتجارته بائرة غير رابحة. وقد شاهد الناس أن كل متجر فيه، وإن استدرج ونما له المال في وقت ما، فإنه يبتلى بالقلة في آخر أمره، ويكون عواقبه وخيمة. ثم إن النجديين- ولله الحمد- جميع علمائهم متفقون على تحريمه ومنعه، والعوام تبع للعلماء؛ فلا يسوغ ولا يحل
للعوام أن يتبعوا الهوى، ويتأولوا، ويتعللوا أنه يوجد من علماء الأمصار من يحلله ولا يحرمه؛ فإن هذا التأويل من العوام لا يحل باتفاق العلماء، فإن العوام تبع لعلمائهم، ليسوا مستقلين.
وليس لهم أن يخرجوا عن أقوال علمائهم، وهذا واجبهم، كما قال تعالى:{فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [سورة النحل آية: 43] . وما نظير هذا التأويل الفاسد الجاري على ألسنة بعض العوام- اتباعا للهوى، لا اتباعا للحق والهدى- إلا كما لو قال بعضهم: يوجد بعض علماء الأمصار لا يوجبون الطمأنينة في الصلاة، فلا تنكروا علينا إذا اتبعناهم، أو يوجد من يبيح ربا الفضل، فلنا أن نتبعهم، أو يوجد من لا يحرم أكل ذوات المخالب من الطير، فلنا أن نتبعهم.
ولو فتح هذا الباب، فتح على الناس شر كبير، وصار سببا لانحلال العوام عن دينهم؛ وكل أحد يعرف أن تتبع مثل هذه الأقوال المخالفة لما دلت عليه الأدلة الشرعية، ولما عليه أهل العلم، من الأمور التي لا تحل ولا تجوز.
والميزان الحقيقي هو: ما دلت عليه أصول الشرع وقواعده؛ وقد دلت على تحريم الدخان، لما يترتب عليه من المفاسد والمضار المتنوعة. وكل أمر فيه ضرر على العبد في دينه أو بدنه أو ماله، من غير نفع، فهو محرم، فكيف إذا تنوعت المفاسد، وتجمعت؟ ! أليس من المتعين شرعا وعقلا وطبا، تركه والتحذير منه، ونصيحة من يقبل النصيحة؟
فالواجب: على من نصح نفسه، وصار لها عنده قدر، وقيمة، أن يتوب إلى الله عن شربه، ويعزم عزما جازما، مقرونا بالاستعانة بالله، لا تردد فيه ولا ضعف عزيمة، فإن من فعل ذلك أعانه الله على تركه، وهون عليه ذلك.
ومما يهون عليه الأمر، أن يعرف أن من ترك شيئا لله، عوضه الله خيرا منه. وكما أن ثواب الطاعة الشاقة، أعظم مما لا مشقة فيه، فكذلك ثواب تارك المعصية إذا شق عليه الأمر وصعب، أعظم أجرا، وأعظم ثوابا. فمن وفقه الله وأعانه على ترك الدخان، فإنه يجد المشقة في أول الأمر، ثم لا يزال يسلو شيئا فشيئا، حتى يتم الله عليه نعمته، فيغتبط بفضل الله عليه، وحفظه وإعانته، وينصح إخوانه بما ينصح به نفسه، والتوفيق بيد الله.
ومن علم الله من قلبه صدق النية، في طلب ما عنده، بفعل المأمورات، وترك المحظورات، يسره لليسرى، وجنبه العسرى، وسهل له طرق الخير كلها.
فنسأل الله الذي بيده أزمة الأمور أن يأخذ بنواصينا، ونواصي إخواننا إلى الخير، وأن يحفظنا وإياهم من الشر، إنه جواد كريم، رؤوف رحيم. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. كتبها رحمه الله سنة 1376هـ وقد طبعت مفردة، وانتشرت والحمد لله.
[قول الشيخ إبراهيم بن عبد الباقي 1 خطران يهددان الأمم الإسلامية]
وقال الشيخ: إبراهيم بن عبد الباقي: خطران يهددان الأمم الإسلامية ليس شيء أدعى إلى الشجن، وأحس بالأسف، من تلك الموجات العاتية، التي انحدرت من الغرب إلى الشرق، من انحلال في الأخلاق، وولوغ في الفساد، وجحود ما كان لأمتنا من مجد تليد، وشرف رفيع، وحياة كلها حشمة ووقار، وعفة وإباء.
فلقد دخل الأجانب بلادنا ضيوفا، فاستعمروها باسم الإصلاح، ونشروا المجون والفسوق باسم الحريات، وشيدوا المراقص والملاهي باسم الترفية عن الأجسام، وأحلوا الربا باسم الاقتصاد، حتى انحلت أخلاق الأمة، وعم الفساد في الأسرة، وانتشر الوباء في المجتمع، فتبدلت سعادتها شقاء، ورخاؤها تعاسة.
ولم يكفهم هذا كله، بل جلبوا إلينا الخمور والمخدرات، التي قضت على الشباب والكهول والشيوخ، وزينوها لهم؛ حتى عم خطرها في كل مجتمع وناد، وأصبحوا لا غنى لهم عنها في مجالسهم ومحافلهم؛ فأضرت بصحتهم، وأضعفت عزيمتهم، وأوهنت قوتهم، وأسقطت كرامتهم.
1 في كتابه "البيان في الخطابة وتصحيح الإيمان".
وبددت ثروتهم إلى جيوب تجار المواد السامة، غنيمة باردة، ولقمة سائغة. فكم من أسرة كانت ناعمة البال، قريرة العين، رغيدة العيش، متقلبة في أعطاف النعيم، أصبحت في ذل وشقاء، وفقر وإملاق، من جراء هذا الوباء!
ولو كنا ممن ينتفع بالذكريات، ويستفيد من العظات، لأخذنا حذرنا، وأمنا مكرهم، وظفرنا بما لهم من علوم، وما استفادوا من حضارة، وضع أساسها، ورفع قواعدها، الإسلام في الأندلس.
ولكننا- ويا للأسف- أحسنا الظن بهم في العهود الغابرة، وعمينا عن قول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [سورة آل عمران آية: 118] ، فوقعنا في محنة لا زلنا نتجرع غصصها، ونتذوق مرارتها.
أليسوا هم الذين أبادوا دولة الإسلام في الأندلس؟ ومحوا صحيفة أمة عاشت ثمانية قرون في قلب أوروبا؟ ولا تزال ذكراها حية في صدر كل مسلم غيور. أليسوا هم الذين أضعفوا روح التعليم بين أفراد الشعب، حتى انتشر الفقر والمرض والجهل فينا؟ أليسوا هم الذين ظاهروا اليهود على أهل فلسطين فشردوهم أليسوا هم
الذين غلوا أيدينا عن الانتفاع بمعادن أرضنا؟ فحظروا علينا أن نستخرج معادنها، ونستخدمها في شؤون بلادنا.
يا قومنا، لا تبددوا جهودكم في التجارب، ولا تفسدوا أموركم بالتردد، ولا تختلفوا بينكم فتذهب ريحكم، ولا تحسنوا ظنكم بعدو دينكم; واعلموا أن العدو واقف لكم بالمرصاد، يترقب الشتات والفرقة، فيفسد عليكم أمركم، ويلبس عليكم دينكم. ولقد صدق الله:{وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [سورة البقرة آية: 217]، {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [سورة التوبة آية: 105] حتى يقيكم من الأعداء، وينقذكم من أسر الاستعمار.
والخطر الثاني: وهو التبغ، أي: الدخان، والمخدرات.
قبل أن نتحدث عن الدخان، أوثر أن أبدي كلمة قصيرة عن الحشيش، لأنه أعظم جرما، وأشد فتكا بالجسم، وأعظم حرمة، لأني وجدت الدروس العملية فيه، أكثر مني بيانا، وأفصح لسانا.
إذ أن متعاطيه لا يكاد يصل إلى درجة الشيخوخة، حتى تتبدل صحته سقما، وقوته ضعفا، ونضرته ذبولا، وأعصابه اضطرابا، وكثيرا منهم يموت بالسكتة القلبية. وكذلك الأفيون، فهو: أشد ضررا منه، إذ إن مدمنه
يصاب بفقر في دمه، وإمساك معوي حاد، واضطراب في الأعصاب، وضعف في الذاكرة. وكذلك باقي المخدرات الأخرى.
ومثل ذلك الدخان؛ فالدخان: نبات خشبي، تابع لفصيلة الباذنجان: مخدر، مر الطعم، كريه الرائحة، يبلغ ارتفاع شجرته مترا تقريبا، وأوراقه تشبه أوراق القلقاس.
واستعماله على أنواع خمسة: الأول: يدخن بواسطة ما يسمونه: "الشيشة" وما يماثلها، والثاني: يستعمل تدخينا بواسطة ورق رقيق جدا.
والثالث: يستعمل سعوطا في الأنف، بعد أن يدق ناعما، ويوضع عليه جزء من أملاح النطرون، وقد يوضع عليه أجزاء أخرى تكسبه رائحة زكية.
والرابع: يستعمل مضغا بأن يوضع مع جزء صغير من النطرون في الفم.
والخامس: ما يستعمل بواسطة "جوزة" بعد أن يضاف إليه جزء من العسل. وهو في جميع استعمالاته حرام، وترجع حرمته إلى الأضرار التي تنجم عنه، وتلك الأضرار، اقتصادية واجتماعية وجسمانية.
أما الاقتصادية فلا مرية فيها؛ وقد أطبقت شرائع الله على حرمة ضياع المال. وأما الاجتماعية فلأن مدمنه يغتصب حقوق أسرته ليشبع شهوته منه، سيما إذا كان فقيرا. أما أضراره الجسمانية، فحسبي فيها ما قرره الأطباء،
ونشروه في المجلات، وأذاعوه في المجتمعات، وها هي ذي أقوالهم بالنفي، حينما سئلوا عن المكيفات النافع منها والضار، وعن تعليل إقبال الناس على المكيفات؟ وهل يمكن الاستغناء عن جميعها؟ وما هي أحسن طريقة لتخليص مدمن المكيفات؟.
قال الدكتور: سليمان عزمي وزير الصحة الأسبق:
(أ) كلا، بل كلها ضارة؛ وضررها شديد، ويختلف ضررها حسب نوعها ودرجة تعاطيها. والمكيفات الثقيلة، مثل: الكوكايين، والحشيش، والأفيون، أضر بحالة الشخص النفسية والحسية.
(ب) ويدخل في إقبال الناس على المكيفات التقليد الأعمى والمحاكاة، وتأثير البيئة، وضعف إرادة الشخص، وقوة إرادة من يؤثر عليه.
(ج) نعم، ممكن، وقد رأيت بعيني آلافا من الناس، لم يتذوقوا في حياتهم شيئا منها. كما أنني أعرف كثيرا ممن يتعاطونها، ثم أقلعوا عنها. وإرشادات طبية، ومنها ما يحتاج إلى العلاج بالمصحات بواسطة الأطباء.
وقال الدكتور: محمد سليمان مدير مستشفى الملك سعود سابقا:
(أ) لا أعتقد أن هناك مكيفات نافعة أبدا، حتى الدخان.
(ب) إني أرجعه إلى استهتار متعاطي المكيفات بالقيم الأخلاقية، التي عليها معول الأمم، ثم إلى البيئة، وعدم مراقبة الآباء لأبنائهم، ولا سيما في دور المراهقة.
(ج) يمكن الاستغناء عن جميع المكيفات، وإن كنت أعتقد أن الدخان يحتاج إلى إرادة غير عادية من جانب المريض للاستغناء عنه.
(د) قوة إرادة كفيلة بتخليصة من جميع المكيفات، وإنه ليحزنني أن أرى حكومتنا تسمح بوضع إعلانات مضاءة عن الخمر؛ إن في هذا تحريضا لا تستقيم معه دعوة محاربة الخمور.
ولنا في حكومتنا الرشيدة أمل كبير، في منع الإعلانات عنها، والضرب على أيدي المتجرين بها وشاربيها، كما ضربت على أيدي العابثين بحقوقها.
وقال غيره: يقبل الناس على المكيفات، لأسباب أهمها: التقليد، وكثرة المعاشرة لقرناء السوء، وضعف إرادة الشخص؛ ولا أعتقد أن هناك عادة يستعصي إبطالها والاستغناء عنها.
ولا شك، فإن ذوي العزيمة الصادقة، يستغنون عن جميع المكيفات؛ أما المدمنون فيفضل علاجهم في مصحات خاصة. وكذا أجمع المحقون من العلماء على تحريم المكيفات، ومنها الدخان.
وقال الدكتور: إسماعيل رشدي، مفتش صحة الغربية، في أدب المحلى:"التنباك، والدخان": هو نبات سمته العرب الطباق، وبتحليله: اتضح أنه يحتوي على مادة سامة، إذا وضع منها نقطتان في فم الكلب، مات في الحال، وخمس نقط تكفي منها لقتل جمل. والأمم المتوحشة تمضغه، وهذه الطريقة أكبر الطرق ضررا، لدخوله في المعدة مع الريق؛ وقد انتشر استعمال الطباق بين الأمم، على ما به من الضرر.
وقد أثبت الأطباء أن الطباق يؤثر على القلب فيحدث فيه خفقانا، وفي الرئتين فيحدت سعالا، وفي المعدة فينشئ فيها ضعفا في شهوة الأكل، وفي العينين فيحدث فيهما رمدا، وفي المجموع العصبي فتورا.
أسباب التدخين، والمخدرات: مما لا شك فيه أن تعاطي التبغ والدخان، وسائر المخدرات، بادئ بدء، لا تكون إلا بالتكلف واحتمال المكروه والألم، لأنها مكروهة بالطبع، كما أخبر المجربون.
وإنما يتكلفون طلبا للذة متوهمة، يقلد بها الشارب غيره، ثم يصير المؤلم بالتعود ملائما بإزالته للألم المتولد منه إزالة مؤقتة؛ ذلك بأن هذه الأشياء سموم مكروهة في نفسها.
ومتى أثر سمها في الأعصاب، بالتنبيه الزائد وغيره، أعقب ذلك ضده من الفتور والألم، وهما يطاردان بالعودة إلى
الشراب، كما قال أحد المدمنين في السكر: داوني بالتي كانت هي الداء، اهـ من المنار.
هذا وقد أثبت العلم الحديث أن النيكوتين الذي اشتمل عليه التبغ، مادة سامة، أشد فتكا من المورفين، والأستركنين، والكوكايين، لهذا لم يستطع الطب أن يستخدمه لصالح البشر كدواء، كما استخدم غيره من السموم، ولو أن العلم استخدمه في قتل الحشرات، والأوبئة التي تصيب بعض الأشجار.
وقال الدكتور "دمرداش أحمد":
ولم أر في عيوب الناس عيبا
…
كنقص القادرين على التمام
لا أظن الجنس البشري منذ الخليقة، ضعف واستكان أمام عدو من أعدائه، كما فعل أمام تدوين التبغ، كما أسرته هذه العادة، وأوثقته، وأذلت كبرياءه.
استوى في ذلك صغار العمال الكادحين، الذين يقتطعون من أقواتهم وأقوات عيالهم، وكبار الأطباء والفلاسفة المنكوبين الذين ضاءت عبقرياتهم، وكشفوا هذه الآفاق البعيدة، في مختلف العلوم والفنون.
وقد كان السائد المعروف أن التدخين باعتدال قليل الضرر، أو عديمه، للشخص السليم؛ ولكن البحوث العلمية المتصلة في السنوات الأخيرة أثبتت أن الضرر الذي يحدثه التدخين لم يخطر أبدا على بال مدخن.
وإليك الحقائق التي أثبتتها هذه البحوث: قال الأستاذ: "ريموند بالمير" يتتبع عشرين ألف حالة، منهم مسرفون ومعتدلون وممتنعون، أنشأ لكل منهم سجلا خاصا بجامعة "جون هوبكنز" أثبت فيه كل ما يتعلق بصحتهم وأمراضهم وعوائدهم.
وبدأت أبحاثه سنة 1919 م، وانتهت سنة 1945 م بالنتيجة الآتية: يؤثر تدخين التبغ على حياة الإنسان أثرا بالغا، فتقصر هذه الحياة قصرا بينا، يتناسب مع كمية التبغ، والممتنعون أطول أعمارا من المعتدلين، والمعتدلين أطول من المسرفين اهـ. كثير من الناس، وربما كانوا متعلمين، يبيحون التدخين، وتعاطي الحشيش، ويتعلق بالأول الأحكام الخمسة، وهذا جهل بدين الإسلام، لم يحرم شيئا إلا إذا كان فيه ضرر، أو يؤدي إلى الضرر.
مثال المؤدي إلى الضرر: النهي عن الأخلاط، والخمر القليل الذي لا يسكر، كما جاء في الحديث الذي رواه أحمد عن جابر مرفوعا:"ما أسكر كثيره فقليله حرام" 1، ودليل ذلك حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم "لا ضرر ولا ضرار" 2، وكذلك الحديث:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر" 3، ودليل ذلك من القرآن الكريم، من سورة الأعراف: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ
1 الترمذي: الأشربة (1865)، وأبو داود: الأشربة (3681)، وابن ماجه: الأشربة (3393) ، وأحمد (3/343) .
2 ابن ماجه: الأحكام (2340) .
3 أبو داود: الأشربة (3686) ، وأحمد (6/309) .
وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [سورة الأعراف آية: 33] .
فالإثم في الآية الشريفة كما جاء في كتب اللغة، هو: الضرر؛ وأي ضرر أكبر من إتلاف الصحة، وإحراق المال، وهضم حق الزوجة لمن كان له زوجة، وحق الأولاد لمن كان له أولاد؛ وذلك لأن المال الذي بيده ليس خاصا به، بل لزوجته وأولاده فيه حقوق.
يتبين من هذا أن أضراره أربعة: جسماني، واقتصادي، واجتماعي، وتبذير، والله تعالى يقول:{إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} [سورة الإسراء آية: 27] .
رأي علماء الفقه في تحريم الدخان
قال العلامة الشيخ: محمد فقهي الحنفي: وجه تحريم الدخان من أربعة أوجه.
الأول: كونه مضرا، بإخبار الأطباء؛ وفي الحديث الذي رواه ابن حبان في صحيحه، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال قال رسوله الله صلى الله عليه وسلم "لا ضرر ولا ضرار"1.
والثاني: كونه من المفترات، وقد (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر) ، رواه الإمام أحمد في مسندة عن أم سلمة.
والثالث: كون رائحته كريهة تؤذي من لا يستعمله،
1 ابن ماجه: الأحكام (2340) .
ولا سيما في مجامع الصلاة وغيرها، بل تؤذي الملائكة، وعن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أكل الثوم أو البصل أو الكراث فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم" 1 أخرجه الشيخان.
ومعلوم أن رائحة الدخان ليست أقل خبثا من رائحة الثوم والبصل، وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من آذى مسلما فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله تعالى" أخرجه الطبراني في الأوسط.
وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [سورة الأعراف آية: 157]، قال بعض المتشرعين: إن الدخان من الخبائث.
والرابع: كونه إسرافا إذ لا نفع فيه، بل ضرره محقق؛ وكذلك أفتى\ ابن عابدين في الدر المختار، وفي شرح الوهابية للشرنبلالي بمنع الدخان وشربه، وغيرهم من الأئمة الذين وجدت هذه الشجرة في زمانهم، لأنها وجدت بعد الهجرة النبوية بألف سنة تقريبا، والله أعلم.
وقال الشيخ: عبد الله بن سليمان بن حميد: مما حدث في هذا الزمان من البدع الشنيعة والعادات الخبيثة: شرب الدخان، المعروف بالتتن والتنباك، على اختلاف أجناسه وصفات استعماله؛ قد تكلم العلماء الأعلام في تحريمه
1 مسلم: المساجد ومواضع الصلاة (564) ، وأحمد (3/387) .
وبالغوا في الزجر عنه، وذكروا الأدلة القاطعة من الكتاب والسنة والإجماع والطب والعقل.
وخلاصة ما استدلوا به، قوله تعالى:{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [سورة الأعراف آية: 157] فهذه الآية دلت بمنطوقها على تحريم كل خبيث، والدخان خبيث.
[جواب الشيخ عبد الله بن سليمان بن حميد عن استعمال القات]
وسئل الشيخ: عبد الله بن سليمان بن حميد عن القات؟ فأجاب بقوله: فأقول مستعينا بالله تعالى: إن القات المعروف في هذه الجهات، المستعمل في كثير من نواحيها، هو بلية من البلوى ومصيبة من المصائب، لأنه لا يعود على مستعمله بفائدة، لا في دينه، ولا في بدنه. بل إنه مخل بالبدن والدين والدنيا، فقد شاهدنا كثيرا من مستعمليه مبتلى بنحالة الجسم، وأمراض الباسور، ومخل بالصحة، ومحطم للأضراس، ودائما آكله في سلس البول لا يطهر منه أبدا، هذا ما علمته من مضاره بالبدن.
أما مضرته بالمال فشيئ محسوس للصغير والكبير، فقد تبلغ قيمة قبضة اليد منه عشرة ريالات إلى خمسة عشر؛ ويضطر متعاطيه إلى ترك قوت عياله الضروري، ويشتري ما يسد به شدقه منه بالغا ما بلغ، وعياله يتضاغون جوعا، الأمر
الذي لا يرتضيه دين، ولا خلق، ولا إنسانية.
وأما مضرته من جهة الخلق والدين، فإن بعض أهل المحلة يجتمعون عليه، من نصف النهار إلى غروب الشمس وبعضهم يجلس إلى نصف الليل، عكوفا على أكله، مشتغلين بالقيل والقال، والخوض بالباطل، والخيبة والنميمة، والكلام الذي لا فائدة فيه.
وتمر بهم صلاة الظهر والعصر والمغرب، لا يصلونها جماعة؛ والمشهور منهم بالتقى يصليها قضاء. فأصبح الناس أسارى لهذه المادة الخبيثة، ولا يستطيع متعاطيه تعاطي أي عمل خلال أكلها، وقد استحكمت عليهم هذه الشهوة، فهذا بعض مما تحتوي عليه شجرة القات.
أما حكمه في الحل والحرمة، فالنزاع بين المتأخرين فيه كثير، والقول بتحريمه هو الصواب، لما اشتمل عليه من المضار الدينية والدنيوية، ولما ثبت من أنه مخدر ومفتر، وقد يسكر في بعض الأحيان.
وجميع ما قيل في الحشيش من الخصال المذمومة، فهي موجودة في القات، مع زيادة التهالك عليه، وبذل المال الكثير فيه، وكل مضر بالإنسان في بدنه، أو عقله أو ماله، فهو حرام.
وفي الحديث: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" 1، وفي الحديث أيضا: "البر ما اطمأنت إليه النفس وانشرح
1 الترمذي: صفة القيامة والرقائق والورع (2518)، والنسائي: الأشربة (5711)، والدارمي: البيوع (2532) .
له الصدر، والإثم ما حاك في صدرك وترددت عنه النفس، وإن أفتاك الناس وأفتوك" 1.
وبناء على ما تقرر، فالذي نراه تبرئة للذمة، ومكافحة للضرر الناشئ من هذه الشجرة، أن يمنع ورودها منعا باتا من البلاد المجاورة، وعدم السماح لمن يريد زراعتها من الأهالي؛ وبذلك ترفع المفسدة، وتحصل المصلحة. والله المستعان، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم في 25/4/1368 هـ.
[قول الشيخ عبد الرحمن بن فريان عن أهمية النصيحة والتعاون على البر والتقوى]
وقال الشيخ: عبد الرحمن بن فريان 2:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فإن من نصح لشخص وأرشده ودله، وأمره بالخير فقد أحبه، ومن لم ينصح لشخص، أو دله وسهل له طريق الشر، فقد أبغضه وغشه وخدعه.
وأن الواجب الديني، يأمر بإسداء النصيحة للمسلم، ويأمر بالتعاون على الخير، وينهى عن التعاون على ضده; يقول تعالى، وهو الحكيم العليم، وبقوله يهتدي المهتدون:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [سورة المائدة آية: 2] .
ويقول نبيه صلى الله عليه وسلم "الدين النصيحة ثلاثا،
1 أحمد (4/227 ،4/228)، والدارمي: البيوع (2533) .
2 طبعت سنة 1381 هـ وانتشرت.
قيل: لمن يا رسول الله: قال؟ لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم" 1.
ويقول صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"2.
قف يا أخي: وتأمل هذه النصوص الشرعية والمنشورات السماوية، هدانا الله وإياك طريق الخير، وجنبنا جميعا طرق الضلال والهلاك.
إن من الواجب عليك أيها المسلم أن تأخذ بيدي إلى طريق الحق والهدى، وأن آخذ بيدك إذا تأخرت، وتكاسلت، إلى طريق الحق والهدى، وأن نكون جميعا متعاونين على البر والتقوى، دعاة إلى ربنا عز وجل نلتمس رضاه، ونلتمس جنته، نخشى من غضبه وعذابه، ونحب من أحب، ونعادي من عادى، لأنه لذلك خلقنا، وبه أمرنا؛ لم نخلق لنأكل ونشرب وننكح فقط، لأن هذه صفة بهيمية، إذا بقي الإنسان لا يهمه إلا الأكل والشرب والنزوان، فقد اتصف بهذه الصفة البهيمية، ولم يلتفت إلى ما خلق له، وهي: عبادة الله، كما قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات آية: 56]3.
فهذه هي الحكمة في خلقنا وإيجادنا. وربنا سبحانه وبحمده، من رحمته لعباده أن أرسل إليهم رسوله، وأنزل عليهم كتابه، ليخرجهم من الظلمات إلى النور، لأن الكتاب والسنة هما الهدى والنور، والشفاء النافع لمن تمسك بهما، ويا خيبة وخسارة من أعرض عنهما.
1 مسلم: الإيمان (55)، والنسائي: البيعة (4197 ،4198)، وأبو داود: الأدب (4944) ، وأحمد (4/102) .
2 البخاري: الإيمان (13)، ومسلم: الإيمان (45)، والترمذي: صفة القيامة والرقائق والورع (2515)، والنسائي: الإيمان وشرائعه (5016) ، وأحمد (3/272)، والدارمي: الرقاق (2740) .
3.
قال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً} [سورة فصلت آية: 44]، وقال تعالى:{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً} [سورة الإسراء آية: 82] .
ومن رحمته سبحانه بعباده: أن أحل لهم الطيبات، من المأكولات، والمشروبات، والملبوسات، وغير ذلك، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [سورة البقرة آية: 172]، وقال تعالى:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [سورة الأعراف آية: 32] .
وقال في وصف نبيه صلى الله عليه وسلم {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [سورة الأعراف آية: 157] .
وإنه ليسوؤنا كثيرا، بل ويسوء كل مسلم: ما حصل على بعض المسلمين من النقص في أمر دينهم خاصة، وتهاونهم به، وما تبلورت به أفهامهم، من ضعف نظرهم فيما يصلحهم، وإغضائهم، بل ومحبتهم فيما لا ينفعهم، بل يضرهم في أمر دينهم. فإن ثمرة حياة الإنسان هي ما اكتسب من الأعمال الصالحة التي ترضي ربه، ليست ما جمع من درهم ودينار، ورئاسة وجاه وغير ذلك؛ فإني أنصح كل مسلم عن
تعاطي هذه الشجرة الخبيثة ألا وهي: "الدخان" التتن المنتن، فوالله ما دخل على مسلم بخير؛ بل غير فطرهم، وأفسد أخلاقهم، هو وغيره من الرذائل.
فلقد والله فتح علينا أعداؤنا باب كل رذيلة. قل لي بالله واصدق أيها المسلم: أي خير في هذا الدخان بجميع أنواعه؟ أي نفع يرجع لصاحبه منه؟ وأنصف إذا قلت، ولا تنخدع بمروجي بضائعهم، الذين دلسوا وكذبوا على الناس، وأبرزوا دعايات كاذبة، تدل على سخافتهم وغشهم للمسلمين. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
مع العلم بأن الشرع المطهر نهى عن الغش والخيانة؛ قال صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا"1. وهذا الدخان لا يشك عاقل أنه من الخبائث.
ويكفي دليل في تحريم الخبائث بطريق العموم، قوله عز وجل في صفة عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [سورة الأعراف آية: 157] . فلله الحمد والمنة على بعثة هذا النبي الكريم، فإنها أكبر النعم. وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن كل مخدر ومفتر، كما في سنن أبي داود، والنهي يقتضي التحريم كما نص على ذلك العلماء رحمهم الله أخذا بقوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [سورة الحشر آية: 7] .
1 مسلم: الإيمان (101) ، وأحمد (2/417) .
وقد ثبت تخديره وتفتيره لديهم، وذلك محقق إذا أبطأ عنه صاحبه ثم شربه، أو أكثر منه، أنه يسكر ويغيب عقله 1؛ وقد حرم الله علينا كل مسكر، وفي الحديث الآخر:"ما أسكر كثيره فقليله حرام"2.
وهذا الدخان بجميع أنواعه حرام لشربه وتعاطيه، حرام بيعه وشراؤه، حرام توريده وتدخيله، حرام زرعه وصناعته، لأنه من التعاون على الإثم والعدوان؛ وقد نهى الرب سبحانه عن التعاون على الإثم والعدوان، والنهي يفيد التحريم، ولا يصرف عن ذلك إلا بدليل.
والخمر تسمى أم الخبائث، ويجلد صاحبها؛ وقد كان العلماء رحمهم الله يرون إقام الحد على شارب الدخان، كما يقام الحد على شارب الخمر بثمانين جلدة، لأجل ثبوت إسكاره عندهم.
والحدود كما يعلم: كفارات لأهل الذنوب، وفي إقامتها فضل كبير، كما في الحديث:"حد من حدود الله، يقام في أرض الله خير من أن يمطروا أربعين صباحا" 3، وفي لفظ "أربعين خريفا"، وفي التهاون بها خطر عظيم. في الحديث:"إذا بلغت الحدود السلطان، فلعن الله الشافع والمشفع" 4، وفيه أيضا: "من حالت شفاعته دون حد
1 تبع في ذلك بعض علماء أهل الدرعية كما هو مثبت في رسائلهم.
2 الترمذي: الأشربة (1865)، وأبو داود: الأشربة (3681)، وابن ماجه: الأشربة (3393) ، وأحمد (3/343) .
3 ابن ماجه: الحدود (2538) .
4 مالك: الحدود (1580) .
من حدود الله، فقد ضاد الله في أمره" 1 وفي لفظ (فقد ضاد الله في أرضه) .
أيها المسلم، إن هذه الشريعة المطهرة، جاءت- ولله الحمد- بتحصيل المصالح، ودرء المفاسد، وإحلال الطيبات لما فيها من المنافع، وتحريم الخبائث، لما فيها من المضار.
وكما نهت الشريعة عما كان ضررا كله، فقد نهت أيضا عما كان ضرره أكبر من نفعه، كما قال تعالى في الخمر:{يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [سورة البقرة آية: 219] .
وهذا في أول الإسلام، ثم نهى عنها تدريجيا وهذا من حكمة هذه الشريعة لتعلق قلوب الحديث عهدهم بكفر بالخمر. ثم نهى عنها نهيا باتا كما في سورة المائدة، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [سورة المائدة آية: 90] ، وحرمت الخمر لما فيها من الضرر الكبير، ولأنها أم الخبائث.
ولقد اتفق الأطباء المنصفون، والكيميائيون المحققون، على خبث هذا الدخان ومضرته؛ ولا يزالون يحذرون منه، ويبينون أضراره، ولا تغتر أيها العاقل بمن يتعاطاه منهم، فإن حب الشيء يعمي ويصم، بل قد يرى المكروه حسنا، كما قال تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ
1 أبو داود: الأقضية (3597) ، وأحمد (2/70) .
فَرَآهُ حَسَناً} [سورة فاطر آية: 8] .
وقال الشاعر:
يُقضَى على المرء في أيام محنته
…
حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن
وهكذا الإنسان إذا لم يكن عنده وازع إيماني حال ارتكابه للمعصية، فإنه يفعلها لشهوة أو شبهة أو لهما معا. وأذكر لك بعض كلام الأطباء في الدخان، لا لأستدل على حكمه، فإن الشرع كاف شاف لمن تمسك به ولكن أذكره تنزلا مع الخصم الذي ابتلي بتقليد من يراه من أهل العلم الجديد والحضارة.
قال الدكتور: "دمرداش أحمد" لا أظن الجنس البشري منذ بدء الخليقة ضعف أمام عدو من أعدائه، كما فعل أمام تدخين التبغ، كما أسرته هذه العادة وأوثقته وأذلت كبرياءه، استوى في ذلك صغار الكادحين، وكبار الأطباء، والفلاسفة المفكرين، الذين أضاءت الكون عبقرياتهم، وكشفوا هذه الآفاق البعيدة، في مختلف العلوم والفنون
…
إلى أن قال: والبحوث العلمية أثبتت أن الضرر الذي يحدثه الدخان، لم يخطر على بال مدخن.
وقال الدكتور: "إسماعيل رشدي" مفتش صحة الغربية في أدب المحلى: "التنباك والدخان" نبات سمته العرب: الطباق، وبتحليله اتضح أنه يحتوي على مادة سامة، إذا وضع منها نقطتان في فم كلب مات في الحال، وخمس نقاط منها تكفي لقتل جمل، والأمم المتوحشة تمضغه، وهذه أكثر الطرق ضررا، لدخوله في المعدة مع الريق. وقد نشأ
استعمال الطباق بين الأمم على ما فيه من ضرر.
وقد أثبت الأطباء أن الطباق يؤثر في القلب فيحدث الخفقان، وفي الرئتين فيحدث سعالا، وفي المعدة فينشئ فيها ضعفا في شهوة الأكل، وفي المجموع العصبي فتورا، اهـ.
وقال أحمد علي الشحات: للتدخين من الأضرار الاقتصادية، والصحية، ما يستحق الدراسة وعمق البحث.
وقد تكلم غير هؤلاء من الأطباء في أضرار الدخان والنهي عنه، بما يطول ذكره؛ فتبين بهذا أنه ضار على الإنسان الذي يتعاطاه، في دينة، وفي صحته، وفي ماله.
فهو هادم للصحة، محرق للجوف، محدث لموت السكتة، محدث لداء السرطان، محدث للسعال، محرق للرئة، مسود للشفتين والأضراس، ونفاد أيضا للمال في مضرة الدين والبدن.
وقد سحب أعداؤنا ثروتنا، واكتسحوا أموالنا في هذا الضرر علينا، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال، ونهى الرب سبحانه وتعالى عن أكل المال بالباطل، فلو أن هذا المبتلى بهذا الدخان، ينفق من ماله كل يوم ريالين أو نحوها، قدر ما ينفق في هذا الضار عليه، فيعطيها الفقير والمسكين، لكان أنفع له عند ربه. أين أنتم يا عباد الله! يا معشر المسلمين! يا معشر
المصلحين! يا معشر المعلمين والمتعلمين! كونوا عباد الله إخوانا، واحذروا صحبة الأشرار، فإن صحبتهم عار ودمار.
وفي الحديث: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"1. أيها الناس؛ خذوا على أيدي سفهائكم، يبارك لكم في أعمالكم، وجهوا شبيبتكم إلى الخير ولا تهملوهم، فيتولاهم أعداؤكم فيفسدوا أخلاقهم، ويصرفوا وجهتهم، ويغيروا فطرتهم فتخسروهم.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه"2.
يا عباد الله، ما هو المسوغ لكم السكوت عن هذه المنكرات التي قد ظهرت وانتشرت من ترك صلاة الجماعة، وظهور الأغاني، وشرب الدخان في الأسواق والمقاهي والدوائر، وغير ذلك، وسفور النساء، ووجود الصور، وغير ذلك من المنكرات؟ !.
أليس إذا ظهر المنكر ولم يغير، يخشى أن تعم العقوبة؟ كما في الحديث لما قيل له صلى الله عليه وسلم:"أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: (نعم إذا كثر الخبث" 3 وقال: "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه، أوشك أن يعمهم الله بعقابه"4.
عباد الله، لا تتخلوا عن إنكار المنكرات، ساعدوا
1 الترمذي: الزهد (2378)، وأبو داود: الأدب (4833) ، وأحمد (2/303 ،2/334) .
2 البخاري: الجنائز (1358)، ومسلم: القدر (2658)، والترمذي: القدر (2138) ، وأحمد (2/233 ،2/275 ،2/393) .
3 البخاري: أحاديث الأنبياء (3346)، ومسلم: الفتن وأشراط الساعة (2880)، والترمذي: الفتن (2187)، وابن ماجه: الفتن (3953) ، وأحمد (6/428 ،6/429) .
4 ابن ماجه: الفتن (4005) .
الهيئات ولو بإنكاره بالكلام على قدر الاستطاعة، فلو أن صاحب المنكر يصاح عليه من كل جانب كما يصاح باللص أو بالمخالف لنظام المرور، لانْفشل صاحب المنكر وقلت المنكرات.
ولكن مع الأسف الشديد كل يعرض ويسند الأمر إلى غيره، ويقول: الواجب على النواب؛ وهذا في الحقيقة لا يجوز، لقوله صلى الله عليه وسلم:"من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" 1، وفي لفظ:"وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل"2.
أيها الناس، تنبهوا واعملوا بأمر ربكم، ونصوص نبيكم صلى الله عليه وسلم؛ واغتنموا حياتكم، واذكروا الموت هادم اللذات وما بعده، ولا بد أن يأتيكم، {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [سورة آل عمران آية: 185] . حاولوا منع الرذائل، وما يفسد الأخلاق، ومنها: الدخان، عن دخوله بلدانكم، وتناصحوا فيما بينكم، ولا تغتروا بالباطل لكثرة أهله، ولا تزهدوا في الحق لقلة أهله، ولا تأخذكم في الله لومة لائم.
وادعوا لأئمتكم بالخير والصلاح، والهداية والتوفيق؛ فإن هذا شيء أمر به ربكم عز وجل {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [سورة غافر آية: 60] {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [سورة محمد آية: 7] .
1 مسلم: الإيمان (49)، والترمذي: الفتن (2172)، والنسائي: الإيمان وشرائعه (5008 ،5009)، وأبو داود: الصلاة (1140) والملاحم (4340)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (1275) والفتن (4013) ، وأحمد (3/10 ،3/20 ،3/49 ،3/52 ،3/54 ،3/92) .
2 مسلم: الإيمان (50) .
ونرجو الله أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، ويجعلنا وإياكم من أنصاره، وأن يصلح قلوب الجميع، وأن يوفق إمام المسلمين وولي عهده، لما فيه الخير والصلاح، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم 1.
فصل في تحريم الخمر
سواء كان من عنب، أو تمر، أو ذرة، أو غيرها، وإن كان تحريمه أغلظ من التتن، فإنما قدمناه لكثرة انتشاره في هذا العصر؛ وتحريم الخمر بنص الكتاب والسنة وقد أوضحه العلماء في مؤلفاتهم من الحديث والفقه.
قال الشيخ: عبد الله بن محمد بن حميد، رحمه الله: حرم الإسلام الخمر تحريما قاطعا، ولم يستثن حالا من الأحوال، ولا أباحه، ولا أجازه لهضم الطعام، ولا رضيه لتقوية الشهوة عليه، ولا لإكثار دم في جسم، ولا لغير ذلك.
بل عمم التحريم، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
1 وفي 11/11 سنة 1404 هـ جاء تعميم من ديوان رئاسة مجلس الوزاء، لمنع التدخين في مكاتب الوزارات، والمصالح الحكومية، والمؤسسات العامة، وفروعها، وكافة الوحدات التابعة لها، ووضع لوحات تحمل عبارات المنع، ومتابعة تنفيذه بدقة.
إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [سورة المائدة آية:] .
"وقد سأل طارق بن سويد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر؟ فقال: إنا نصنعها للدواء؟ فقال: لا، ولكنها داء" 1 فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لا دواء فيها، وأثبت ضررها بما فيها من الداء.
فكم فيها من رذائل ومفاسد، طرحها غير واحد من أطباء الإفرنج وغيرهم.
فقد قال: بنتام الإنجليزي: من محاسن الشريعة الإسلامية: تحريم الخمر، فإن من شربها من أبناء افريقيا، يؤول أمر نسله إلى الجنون، ومن استدامها من أهل أوروبا، زاغ عقله، فليحرم شربها على الإفريقيين، ويعاقب عقابا صارما الأوروبيون، وليكن العقاب مقيدا بمقدار الضرر.
وقال هنري الفرنسي في كتابه: "خواطر وسواغ في الإسلام": إن أحد سلاح يستأصل به الشرقيون، وأمضى سيف يقتل به المسلمون، هو: الخمر، وإدخالها عليهم، ولقد جردنا هذا السلاح على أهل الجزائر، حين دخلناها، فأبت شريعتهم الإسلامية أن يتجرعوه، فتضاعف نسلهم، وكثر عددهم. ولو أنهم استقبلونا، كما استقبلنا قوم من منافقيهم، بالتهليل والترحيب، وشربوها، لأصبحوا أذلاء لنا، كتلك القبيلة التي تشرب خمرنا، وتحملت إذلالنا.
1 مسلم: الأشربة (1984)، والترمذي: الطب (2046)، وأبو داود: الطب (3873) ، وأحمد (4/317 ،6/398) .
وقال الطبيب: كيلوج الأمريكي: يمنع التداوي بالخمر، إذ بان له أن ضررها في الجسم عند التداوي، أكثر من نفعها بالشفاء المؤقت، لما تفعل بالأمعاء وباقي الأحشاء من الضرر.
وقال أيضا: لما فشت الخمر في بلادنا، أغرم بها قوم، حتى أخربت البيوت، وأذهبت العقول، ونحن نرقب من الخروج من مأزقنا. وكلام الأطباء من الألمان، والروس، وغيرهم، في الخمر ومضاره، وما يترتب عليه من الأدواء، أكثر من أن يحصر.
ولكن هجمت على المسلمين المدنية الزائفة بخيلها ورجلها، وشاركتهم في الأموال والأولاد؛ وبهجومها لم يبق للدين في النفوس أثره، ولا في القلوب سطوته، فانحسر عن المدن إلى القرى، ثم انحاز إلى أطراف البلاد، وهى تطارد الدين.
وتحكيم المدينة بلا علم ضلال، والعلم الناقص عناء ووبال، والبلاهة- كما قال بعضهم- خير من الفطانة، والجهلاء أفضل من الأذكياء المغرورين. فإما الدين كله، وإما العلم كله.
ونحن أخذنا من الديانات أسماءها، ومن العلوم قشورها، فخسرنا الصفقتين وربحنا الرذيلتين، وسبقنا المتدينون، وفاتنا من الفرنجة العلماء العاملون. فويل ثم ويل