الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وغيرهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"1.
وبالجملة: فعلى المسلم أن يقتدي برسوله صلى الله عليه وسلم في جميع أقواله وأفعاله، وفي صورته، وسيرته. وفي هذا المقدار كفاية لمن له هداية، والله ولي التوفيق، وبيده أزمة التحقيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، كتبها في شهر شوال سنة 1377 هـ.
1 مسلم: الأقضية (1718) ، وأحمد (6/180 ،6/256) .
الباب السابع: لباس الشرطة
وهو محرم، لمشابهته لباس الإفرنج، وفي الحديث:"من تشبه بقوم فهو منهم" 1، وقد تعاهد العلماء مع الملك أن لا يلبس الشرطة هذا الزي المشهور، من برنيطة وغيرها 2.
ثم بدئ به شيئا فشيئا حتى تم، فهم يسيرون بذلك بين أظهر المسلمين، لتعم المعصية كل من رآهم، ويشابهون الإفرنج في المشية، بالضرب بالرجل على الأرض، والإشارة باليد إلى الوجه بدل السلام، وغير ذلك.
نسأل الله أن يوفق ولاة المسلمين، فيزيلوا هذا المنكر عن بلادهم.
ومن نصائح المشايخ في ذلك ما يلي:
1 أبو داود: اللباس (4031) .
2 وانظر ما قاله الشيخ محمد بن إبراهيم في صفحة 76/ج/4 وصفحة 231/ج/6 من فتاويه رحمه الله في ذلك.
قال المشائخ، رحمهم الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد اللطيف، وصالح بن عبد العزيز، ومحمد بن إبراهيم، إلى: جناب عالي الجناب، حضرة الإمام: عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل، سلمه الله تعالى، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وموجب الكتاب، هو: النصيحة لكم، والشفقة عليكم، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم:"الدين النصيحة، قالها ثلاثا، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم"1.
وأعظم ما ننصحك به، عما رأيناه وسمعناه، من المنكرات الفظيعة الشنيعة التي تنقص الإسلام والدين.
منها: اللباس الذي هو شعار الإفرنج، والترك، والأعاجم، ولم يعهد عن الصحابة والتابعين، وأئمة الإسلام تخصيص جندهم بلباس خاص، غير اللباس المعتاد للرعية؛ ولما أحدث بنو العباس السواد، أنكر عليهم العلماء، الإمام أحمد وغيره.
وذكر شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم، في مخالفة أصحاب الجحيم: أن تغيير اللباس بسواد، أو غيره، خلاف ما عليه المسلمون، وأنه من البدع والمنكرات.
وأن كل زي اختص به الكفار، يحرم على المسلمين استعماله وموافقتهم فيه؛ وكل شيء مختص بالكفار، من
1 مسلم: الإيمان (55)، والنسائي: البيعة (4197 ،4198)، وأبو داود: الأدب (4944) ، وأحمد (4/102) .
لباس وغيره، يحرم اتخاذه واستعماله، لأن اتخاذه واستعماله ينقص دين المسلم، وهو محرم، والمشابهة توجب التأثير في المشابه به، ذكر ذلك شيخ الإسلام.
ومنه: تعليمات الجند، التي هي من زي المشركين، والأعاجم، وكذلك المزيكة، والبرزان، التي طقت هذه الأيام في "العود" كل عصرية، وصار الناس والعوام والنساء يذهبون إليها ويحضرونها.
وهي كلها من شعائر الإفرنج، والترك، والأعاجم، الذين هم أعداء هذه الملة الإسلامية، ولم يعهد عند أحد من أئمة الإسلام المتقدمين والمتأخرين، الذين هم القدوة; وليس القدوة قوانين الإفرنج والترك والأعاجم، ولا التشبه بهم من دين الإسلام.
وآخر من نصر هذه الدعوة وقام بها، أوائلكم وأوائلنا، رحمهم الله; وذلك ما يقارب القرنين، لم يفعلوا شيئا من هذه الأمور، لأنهم يعتقدون تحريم مشابهة المشركين في كل شيء.
وأنت حفظك الله، الواجب عليك مراقبة الله وخوفه، وعدم الخروج عن المشروع، والاقتداء بالسلف الصالح; وأولئك الذين أيد الله بهم هذا الدين، إنما لباسهم وجندهم البياض المعتاد بوطنهم.
ولم يخصوا جندهم بلباس، وزي من زي الأعاجم، وغيرهم من أعداء الدين، وهذه دسيسة ممن يريد كيد الإسلام وأهله، يريدون بها تمرين الناس، وعدم وحشتهم ممن رؤيت عليه واستعملها.
وذكر شيخ الإسلام أن المشابهة في الأعمال الظاهرة تجر إلى الموافقة في الأعمال الباطنة قسرا. ولا حملنا على هذه النصيحة، إلا خروج من عهدة الكتمان، وبراءة لنا يوم نقف بين يدي الديان.
ونحن نبرأ إلى الله أن نوافق على هذه الأفعال، وعدم السكوت عن الإنكار، والبراءة منها ظاهرا وباطنا، ونبرأ إلى الله من فعلها، وإقرارها، لأن إقرارها من إقرار شعار الكفر والشرك.
فعليك بتقوى الله واغتنام الأعمال الصالحة قبل الوفاة، والأخذ بما ينجيك يوم الوقوف بين يديه، وليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال; وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم سنة 1358 هـ.
[قول الشيخ حمود التويجري في لبس البرنيطة التي هي من لباس الإفرنج]
وقال الشيخ: حمود بن عبد الله التويجري: 1 ومن التشبه بأعداء الله تعالى: لبس البرنيطة التي هي من لباس الإفرنج، ومن شابههم من أمم الكفر والضلال، وتسمى أيضا: القبعة.
وقد افتتن بلبسها كثير من المنتسبين إلى الإسلام، في كثير من الأقطار الإسلامية، ولا سيما البلدان التي فشت فيها الحرية الإفرنجية، وانطمست فيها أنوار الشريعة المحمدية.
ومن ذلك أيضا: الاقتصار على لبس السترة والبنطلون ; فالسترة قميص صغير يبلغ أسفله إلى حد السرة، أو يزيد عن ذلك قليلا، وهو من ملابس الإفرنج; والبنطلون: اسم للسراويل الإفرنجية، وقد عظمت البلوى بهذه المشابهة الذميمة، في أكثر الأقطار الإسلامية.
ومن جمع بين هذا اللباس، وبين لبس البرنيطة فوق رأسه، فلا فرق بينه وبين رجال الإفرنج، في الشكل الظاهر; وإذا ضم إلى ذلك حلق اللحية، كان أتم للمشابهة الظاهرة، و "من تشبه بقوم فهو منهم" 2 كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ليس منا من تشبه بغيرنا"3.
والحديث الذي رواه الإمام أحمد في الزهد، عن
1 في كتابه الإيضاح والتبيين.
2 أبو داود: اللباس (4031) .
3 الترمذي: الاستئذان والآداب (2695) .
عقيل بن مدرك قال: "أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل: قل لقومك لا يأكلوا طعام أعدائي، ولا يشربوا شراب أعدائي، ولا يتشكلوا شكل أعدائي؛ فيكونوا أعدائي، كما هم أعدائي".
وما رواه أبو نعيم في الحلية، عن مالك بن دينار قال:"أوحى الله إلى نبي من الأنبياء، أن قل لقومك: لا تدخلوا مداخل أعدائي، ولا تطعموا مطاعم أعدائي، ولا تلبسوا ملابس أعدائي، ولا تركبوا مراكب أعدائي؛ فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي".
فإن ادعى المتشبهون بأعداء الله تعالى أنهم إنما يلبسون البرنيطات لتكون وقاية لرؤوسهم من حر الشمس، ويلبسون البنطلونات والقمص القصار لمباشرة الأعمال، قيل: هذه الدعوى حيلة على استحلال التشبه المحرم، والحيل لا تبيح المحرمات.
ومن استحل المحرمات بالحيل فقد تشبه باليهود، كما في الحديث الذي رواه ابن بطة بإسناد جيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود؛ فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل". والدليل على تحريم التشبه بأعداء الله تعالى، ما في حديث عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم.
وقد ورد الأمر بمخالفة أهل الكتاب في لباسهم، والأمر للوجوب؛ وترك الواجب معصية، فروى الإمام أحمد بإسناد
حسن، عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشيخة من الأنصار، فذكر الحديث، وفيه: فقلنا يا رسول الله، إن أهل الكتاب يتسرولون، ولا يتزرون، فقال:"تسرولوا واتزروا، وخالفوا أهل الكتاب"1.
وروى الإمام أحمد أيضا وأبو داود الطيالسي، ومسلم والنسائي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ ثوبين معصفرين، فقال:"إن هذه من ثياب الكفار، فلا تلبسهما"2.
وفي رواية لمسلم، قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم عليَّ ثوبين معصفرين، فقال:"أأمك أمرتك بهذا؟ قلت: أغسلهما؟ قال: بل أحرقهما"3. وفي رواية للنسائى عنه رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوبان معصفران، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "اذهب فاطرحهما عنك ; قال أين يا رسول الله؟ قال: في النار" 4.
وهذا الحديث الصحيح، صريح تحريم ثياب الكفار على المسلمين ; وفيه دليل على المنع من لبس البرنيطات وغيرها من ملابس أعداء الله تعالى، كالاقتصار على لبس البنطلونات، والقمص القصار، وغير ذلك من زي أعداء الله تعالى، وملابسهم، لوجود علة النهي فيها.
وفي غضب النبي صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وأمره بطرح ثوبيه في النار، أبلغ زجر عن مشابهة الكفار في زيهم ولباسهم، وكذلك في قوله صلى الله عليه وسلم:
"أأمك
1 أحمد (5/264) .
2 مسلم: اللباس والزينة (2077)، والنسائي: الزينة (5316) ، وأحمد (2/207) .
3 مسلم: اللباس والزينة (2077) .
4 النسائي: الزينة (5317) .
أمرتك بهذا؟! " 1 أبلغ ذم وتنفير من التشبه بأعداء الله تعالى، والتزيِّي بزيهم.
وقد جعل الله سبحانه وتعالى للمسلمين مندوحة عن مزاحمة أعداء الله تعالى في لباسهم، والتشبه بهم؛ فمن أراد وقاية لرأسه، ففي لباس المسلمين ما يكفيه، ومن أراد ثيابا للأعمال فكذلك؛ ومن أراد ثيابا للزينة والجمال فكذلك؛ ومن رغب عن زي المسلمين ولم يتسع له ما اتسع لهم من الملابس المباحة، فلا وسع الله عليه في الدنيا ولا في الآخرة.
قال الشيخ أحمد محمد شاكر في الكلام على حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: هذا الحديث يدل بالنص الصريح على حرمة التشبه بالكفار، في اللبس وفي الهيئة، والمظهر، كالحديث الآخر الصحيح؛ و "من تشبه بقوم فهو منهم"2.
ولم يختلف أهل العلم منذ الصدر الأول في هذا - أعني: في تحريم التشبه بالكفار - حتى جئنا في هذه العصور المتأخرة، فنبتت في المسلمين نابتة ذليلة مستعبدة، هجيراها وديدنها: التشبه بالكفار في كل شيء، والاستخذاء لهم، والاستعباد.
ثم وجدوا من الملتصقين بالعلم المنتسبين له من يزين لهم أمرهم، ويهون عليهم أمر التشبه بالكفار، في اللباس والهيئة، والمظهر والخلق، وكل شيء؛ حتى صرنا في أمة ليس لها من مظهر الإسلام إلا مظهر الصلاة والصيام
1 مسلم: اللباس والزينة (2077) .
2 أبو داود: اللباس (4031) .
والحج، على ما أدخلوا فيها من بدع، بل من ألوان من التشبه بالكفار أيضا.
وأظهر مظهر يريدون أن يضربوه على المسلمين هو: غطاء الرأس الذي يسمونه: "القبعة، البرنيطة"، وتعللوا لها بالأعاليل والأباطيل، وأفتاهم بعض الكبراء المنتسبين: أن لا بأس بها إذا أريد بها الوقاية من الشمس، وهم يأبون إلا أن يظهروا أنهم لا يريدون بها إلا الوقاية من الإسلام.
فيصرح كتابهم ومفكروهم بأن هذا اللباس له أكبر الأثر في تغيير الرأس الذي تحته، ينقله من تفكير عربي ضيق، إلى تفكير إفرنجي واسع! ثم أبى الله لهم إلا الخذلان، فتناقضوا، ونقضوا ما قالوا من حجة الشمس، إذ وجدوا أنهم لم يستطيعوا ضرب هذه الذلة على الأمة.
فنزعوا غطاء الرأس بمرة، تركوا الطربوش وغيره، ونسوا أن الشمس ستضرب رؤوسهم مباشرة، دون واسطة الطربوش، ونسوا أنهم دعوا إلى القبعة، وأنه لا وقاية لرؤوسهم من الشمس إلا بها.
ثم كان من بضع سنين أن خرج الجيش الإنجليزي المحتل للبلاد، من القاهرة والإسكندرية; بمظهره المعروف؛ فما لبثنا أن رأيناهم ألبسوا الجيش المصري والشرطة المصرية، قبعات كقبعات الإنجليز.
فلم تفقد الأمة في العاصمتين، وفي داخل البلاد، منظر
جيش الاحتلال الذي ضرب الذلة على البلاد سبعين سنة، فكأنهم لم يصبروا على أن يفقدوا مظهر الذل الذي ألفوه واستساغوه، وربوا في أحضانه.
وما رأيت مرة هذا المنظر البشع، منظر جنودنا في زي أعدائنا وهيئتهم، إلا تقززت نفسي، وذكرت قول عميرة بن جعل الشاعر الجاهلي، يذم قبيلة تغلب:
إذا ارتحلوا عن دار ضيم تعاذلوا
…
عليهم وردوا وفدهم يستقيلها
انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
وما ذكره رحمه الله تعالى من تشبه الجيش المصري، والشرطة المصرية، بالجيش الإنجليزي، ليس هو مما انفرد به المصريون، بل قد شاركهم فيه كثير من المسلمين والمنتسبين إلى الإسلام؛ فألبسوا جيوشهم وشرطهم مثل لباس الإفرنج، ولم يبالوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم:
"من تشبه بقوم فهو منهم" 1 فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وهذا التشبه القبيح، والانحراف عن زي المسلمين والتزيي بزي أعداء الله تعالى، كله من آثار بطانة السوء، كما في الحديث الصحيح، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما بعث الله من نبي، ولا استخلف، إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه; فالمعصوم من عصم الله تعالى" 2 رواه البخاري، والنسائي.
1 أبو داود: اللباس (4031) .
2 البخاري: الأحكام (7198)، والنسائي: البيعة (4202) ، وأحمد (3/39 ،3/88) .
ولهما أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من وال إلا وله بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف، وتنهاه عن المنكر; وبطانة لا تألوه خبالا؛ فمن وقي شرها فقد وقي؛ وهو من التي تغلب عليه منهما" 1 هذا لفظ النسائي.
وقد رواه الإمام أحمد بنحوه، وعنده في آخره:"ومن وقي شر بطانة السوء، فقد وقي - يقولها ثلاثا -؛ وهو مع الغالبة عليه منهما"2.
وقد رواه البخاري في الأدب المفرد، والترمذي، والحاكم، وفيه قصة لأبي الهيثم بن التيهان رضي الله عنه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، على شرط الشيخين ولم يخرجاه; ووافقه الذهبي في تلخيصه.
وروى البخاري أيضا والنسائي، عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما بعث من نبي، ولا كان بعده من خليفة، إلا وله بطانتان، بطانة تأمره بالمعروف، وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالا؛ فمن وقي بطانة السوء فقد وقي" 3 هذا لفظ النسائي.
وإذا علم هذا، فالواجب على المسلمين كافة: أن يبعدوا كل البعد عن مشابهة أعداء الله تعالى، والتزيي بزيهم في اللباس وغيره؛ ويجب على ولاة الأمور أن
1 النسائي: البيعة (4201) .
2 الترمذي: الزهد (2369)، والنسائي: البيعة (4201) ، وأحمد (2/289) .
3 النسائي: البيعة (4203) .
ينزعوا لباس الإفرنج عن جيوشهم وشرطهم، ويلبسوهم لباس المسلمين.
وينبغي لهم أن يحترزوا من شر بطانة السوء، ممن يأمرهم بالمنكر، ويحضهم عليه، ويبعدوهم عنهم غاية البعد. والله المسؤول: أن يوفق ولاة أمور المسلمين لما فيه الخير والصلاح، وأن يأخذ بنواصيهم إلى الحق إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وقال في تدريبهم:
ومن التشبه بأعداء الله تعالى: تدريب الجنود على الأنظمة الإفرنجية، وتشكيلهم بشكل أعداء الله تعالى، في اللباس، والمشي، وغير ذلك من الإشارات والحركات المبتدعة.
وقد فشا هذا التشبه المذموم، في كثير من المنتسبين إلى الإسلام؛ والدليل على تحريمه: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم" 1، وقوله في الحديث الآخر:"ليس منا من تشبه بغيرنا"2.
فأما تعلم الرمي وما يتبع ذلك من استعمال الآلات الحربية الحادثة في هذه الأزمان، من برية، وبحرية، وجوية، فذلك مطلوب مرغب فيه للجهاد في سبيل الله، ومكافحة أعداء الله.
قال الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ
1 أبو داود: اللباس (4031) .
2 الترمذي: الاستئذان والآداب (2695) .
رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [سورة الأنفال آية: 60] الآية.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ألا إن القوة الرمي" 1 قالها ثلاث مرات، رواه الإمام أحمد، ومسلم، والدارمي، وأهل السنن إلا النسائي، من حديث عقبة بن عامر، رضي الله عنه.
[من التشبه بأعداء الله تعالى: الإشارة بالأصابع عند السلام]
وقال الشيخ حمود أيضا: ومن التشبه بأعداء الله تعالى: الإشارة بالأصابع عند السلام، وكذلك: الإشارة بالأكف مرفوعة إلى جانب الوجه، فوق الحاجب الأيمن، كما يفعل ذلك الشرط وغيرهم، وكذلك ضرب الشرط بأرجلهم عند السلام.
ويسمون هذا الضرب المنكر، والإشارة بالأكف: التحية العسكرية، وهي: تحية مأخوذة عن الإفرنج وأشباههم من أعداء الله تعالى، وهي بالهزء والسخرية أشبه منها بالتحية.
ولكن ما الحيلة فيمن غيرت طباعهم المدنية الإفرنجية؟ وأثرت فسادا كثيرا في أخلاقهم وأفعالهم، حتى صاروا يستحسنون من أفعال الإفرنج وغيرهم من الأعاجم، ما يستقبحه أولو العقول السليمة والفطر المستقيمة.
وهذه التحية المستهجنة من جملة المنكر الذي ينبغي تغييره والنهي عنه، لحديث عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم"2.
1 مسلم: الإمارة (1917)، والترمذي: تفسير القرآن (3083)، وأبو داود: الجهاد (2514)، وابن ماجه: الجهاد (2813) ، وأحمد (4/156)، والدارمي: الجهاد (2404) .
2 أبو داود: اللباس (4031) .
رواه الإمام أحمد، وأبو داود، وصححه ابن حبان، وغيره من الحفاظ.
وفي جامع الترمذي، عن عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود، ولا بالنصارى، فإن تسليم اليهود: الإشارة بالأصابع، وتسليم النصارى: الإشارة بالأكف"1.
وروى الحافظ أبو يعلى، والطبراني في الأوسط، والبيهقي في شعب الإيمان، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تسليم الرجل بأصبع واحدة يشير بها فعل اليهود" قال الهيثمي: رجال أبي يعلى رجال الصحيح، وقال المنذري: رواته رواة الصحيح.
وفي رواية للبيهقي: "لا تسلموا تسليم اليهود والنصارى، فإن تسليمهم إشارة بالكفوف، والحواجب" قال البيهقي: إسناده ضعيف، قلت: له شاهد مما تقدم، وما يأتي، وهو ما رواه النسائي بسند جيد، عن جابر رضي الله عنه مرفوعا:"لا تسلموا تسليم اليهود، فإن تسليمهم بالرؤوس، والإشارة".
وفي مستدرك الحاكم من حديث ابن جريج عن محمد بن قيس بن مخرمة، عن المسور بن مخرمة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"هدينا مخالف لهديهم" يعني المشركين.
قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه،
1 الترمذي: الاستئذان والآداب (2695) .
ووافقه الذهبي في تلخيصه، وقد رواه الشافعي في مسنده، من حديث ابن جريج، عن محمد بن قيس بن مخرمة مرسلا، ولفظه:"هدينا مخالف لهدي أهل الأوثان والشرك".
إذا علم هذا، فقد اختص الله تبارك وتعالى المسلمين بأفضل التحيات وأكملها وأزكاها، وهو السلام الذي علمه الله تبارك وتعالى لآدم أبي البشر، حين نفخ فيه الروح، وأخبره أنه تحيته، وتحية ذريته من بعده.
كما في الصحيحين والمسند، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعا، فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك - نفر من الملائكة جلوس - فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك، وتحية ذريتك; فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله; فزادوه: ورحمة الله
…
" 1 الحديث.
وقد شرع الله تبارك وتعالى لهذه الأمة: أن يسلم بعضهم على بعض، بهذه التحية المباركة الطيبة، فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [سورة النور آية: 27] .
وقال تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [سورة النور آية: 61] قال سعيد بن
1 البخاري: أحاديث الأنبياء (3326)، ومسلم: الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2841) ، وأحمد (2/315) .
جبير، والحسن البصري، وقتادة، والزهري، يعني: فليسلم بعضكم على بعض.
وفي جامع الترمذي عن أبي تميمة الهجيمي، عن رجل من قومه قال: طلبت النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث، وفيه: فقال - يعني النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا لقي الرجل أخاه المسلم، فليقل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"1.
وفيه أيضا عن أبي تميمة الهجيمي، عن أبي جري جابر بن سليم الهجيمي، رضي الله عنه قال:"أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: عليك السلام، فقال: لا تقل عليك السلام، ولكن قل: السلام عليكم" 2 قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وبهذا السلام المبارك الطيب يسلم الرب تبارك وتعالى على المؤمنين إذا دخلوا الجنة، كما قال تعالى:{سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [سورة يس آية: 58]، وقال تعالى:{تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} [سورة الأحزاب آية: 44] .
وروى ابن ماجه في سننه، وابن أبي حاتم، والبغوي في تفسيريهما عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور، فرفعوا رؤوسهم، فإذا الرب تعالى قد أشرف عليهم من فوقهم، فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة، قال: وذلك قول الله تعالى: {سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [سورة يس آية: 58] 3") .
1 الترمذي: الاستئذان والآداب (2721) .
2 الترمذي: الاستئذان والآداب (2722) .
وبهذا السلام المبارك الطيب، تسلم الملائكة على المؤمنين إذا دخلوا الجنة، كما قال تعالى:{وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [سورة الرعد آية: 23-24] ، وقد تقدم تسليمهم على آدم بهذا السلام المبارك الطيب.
وكما أن السلام هو تحية المسلمين فيما بينهم في الدنيا، فكذلك هو تحيتهم فيما بينهم في الدار الآخرة، كما قال تعالى:{دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ} [سورة يونس آية: 10]، وقال تعالى:{وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ} [سورة إبراهيم آية: 23] .
وإذا علم فضل السلام، وأنه تحية المسلمين في الدارين، فليعلم أيضا أنه لا أسفه رأيا ممن رغب عن ذلك، واستبدل عنه بإشارات الإفرنج وضربهم بالأرجل شبه البغال والحمير، إذا أحست بشيء يدبُّ على أرجلها.
ومن توقف في هذه المشابهة، فلينظر إلى البغال والحمير إذا كانت في مواضع القردان، فجعلت تضرب بأرجلها، ولينظر إلى ضرب الشرط بأرجلهم عند أداء تحيتهم العسكرية، حتى يرى تمام المشابهة، من أحد الجنسين للآخر.
بل ضرب الشرط بأرجلهم أفحش وأنكر من ضرب
البغال والحمير بأرجلها; وكفى بالتحية العسكرية مهزأة ومنقصة عند كل عاقل سالم، من أمراض المدنية الإفرنجية وأدناسها.
والله المسؤول: أن يوفق ولاة أمور المسلمين، لمنع هذه الأفعال المخالفة للشريعة المحمدية.
[من التشبه بأعداء الله قيام الشرط وغيرهم من أعوان الملوك وخدامهم على الملوك وهم قعود]
وقال: ومن التشبه بأعداء الله تعالى: قيام الشرط وغيرهم من أعوان الملوك وخدامهم على الملوك وهم قعود; وقيام الرجال للداخل عليهم على وجه التعظيم له والاحترام.
وقد ورد النهي عن ذلك، والتشديد فيه، كما في صحيح مسلم عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه قال: "اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد، وأبو بكر يسمع الناس تكبيره; فالتفت إلينا فرآنا قياما، فأشار إلينا فقعدنا، فصلينا بصلاته قعودا; فلما سلم، قال: إن كدتم آنفا لتفعلون فعل فارس والروم، يقومون على ملوكهم وهم قعود، فلا تفعلوا
…
" 1 الحديث.
وقد رواه ابن ماجه في سننه بإسناد مسلم، ورواه البخاري في الأدب المفرد عن عبد الله بن صالح قال: حدثني الليث، قال: حدثني أبو الزبير، عن جابر رضي الله عنه فذكره بمثله، وإسناده حسن.
وقد بوب عليه البخاري بقوله: باب قيام الرجل للرجل
1 مسلم: الصلاة (413)، والنسائي: السهو (1200)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (1240) ، وأحمد (3/334) .
القاعد، ثم قال البخاري، رحمه الله تعالى، في الأدب المفرد: باب من كره أن يقعد ويقوم له الناس.
حدثنا موسى - يعني ابن إسماعيل التبوذكي – قال: حدثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، رضي الله عنه قال: "صرع رسول الله صلى الله عليه وسلم من فرس بالمدينة على جذع نخلة، فانفكت قدمه، فكنا نعوده في مشربة لعائشة رضي الله عنها، فأتيناه وهو يصلي قاعدا، فصلينا قياما.
ثم أتيناه مرة أخرى وهو يصلي المكتوبة قاعدا، فصلينا قياما، فأومأ إلينا أن اقعدوا، فلما قضى الصلاة، قال: إذا صلى الإمام قاعدا، فصلوا قعودا، وإذا صلى قائما فصلوا قياما، ولا تقوموا والإمام قاعد، كما تفعل فارس بعظمائهم" إسناده صحيح، رجاله كلهم من رجال الصحيحين.
وقد رواه أبو داود في سننه عن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، ووكيع، عن الأعمش، فذكره بنحوه، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
وفي المسند وسنن أبي داود وابن ماجه، عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال:"خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئا على عصا، فقمنا إليه، فقال: لا تقوموا كما تقوم الأعاجم، يعظم بعضها بعضا"1.
قال المنذري في الترغيب والترهيب: وإسناده حسن، فيه
1 أبو داود: الأدب (5230) ، وأحمد (5/253 ،5/256) .
أبو غالب، واسمه حزور، ويقال: نافع; ويقال: سعيد بن الحزور، فيه كلام طويل ذكرته في مختصر السنن وغيره، والغالب عليه التوثيق، وقد صحح له الترمذي وغيره.
قلت: وقد وثقه الدارقطني، وقال ابن مفلح في الآداب: أبو غالب مختلف فيه، وحديثه حسن، وقد بوب أبو داود على هذا الحديث، وعلى حديث معاوية الآتي بقوله: باب الرجل يقوم للرجل يعظمه بذلك.
وقال البخاري، رحمه الله تعالى، في الأدب المفرد: حدثنا موسى بن إسماعيل - يعني التبوذكي – قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن حميد، عن أنس رضي الله عنه قال: ما كان شخص أحب إليهم رؤية من النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا إليه، لما يعلمون من كراهيته لذلك، إسناده صحيح على شرط مسلم.
وقد رواه الإمام أحمد، والترمذي، وقال: هذا حديث حسن، صحيح غريب; وبوب الترمذي على هذا الحديث، وعلى حديث معاوية الآتي، بقوله: باب كراهية قيام الرجل للرجل.
وقال أبو داود في سننه: حدثنا موسى بن إسماعيل - يعني التبوذكي - حدثنا حماد - يعني ابن سلمة - عن حبيب بن الشهيد، عن أبي مجلز، قال: خرج معاوية رضي الله عنه على ابن الزبير، وابن عامر، فقام ابن عامر، وجلس ابن الزبير.
فقال معاوية لابن عامر: اجلس فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أحب أن يتمثل له الرجال قياما، فليتبوأ مقعده من النار" 1 إسناده صحيح، على شرط مسلم.
وقد رواه الترمذي في جامعه، فقال: حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا قبيصة - يعني ابن عقبة - حدثنا سفيان - يعني الثوري - عن حبيب بن الشهيد، عن أبي مجلز، قال: خرج معاوية فقام عبد الله بن الزبير وابن صفوان حين رأوه.
فقال: اجلسا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من سره أن يتمثل له الرجال قياما، فليتبوأ مقعده من النار"2.
قال الترمذي: وفي الباب عن أبي أمامة رضي الله عنه وهذا حديث حسن; قلت: رجاله كلهم من رجال الصحيحين، فهو على هذا صحيح على شرط الشيخين.
ثم رواه الترمذي عن هناد، عن أبي أسامة حماد بن أسامة، عن حبيب بن الشهيد، عن أبي مجلز، بكسر الميم وإسكان الجيم، واسمه: لاحق بن حميد السدوسي، عن معاوية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، وهذا الإسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد رواه الإمام أحمد في مسنده من طرق، عن حبيب بن الشهيد، وأسانيده كلها صحيحة.
وقال البخاري، رحمه الله تعالى، في الأدب المفرد: باب قيام الرجل للرجل تعظيما.
حدثنا آدم - يعني ابن أبي إياس – قال: حدثنا شعبة،
1 الترمذي: الأدب (2755)، وأبو داود: الأدب (5229) .
2 الترمذي: الأدب (2755)، وأبو داود: الأدب (5229) .
وحدثنا حجاج - يعني ابن منهال – قال: حدثنا حماد - يعني ابن سلمة – قال: حدثنا حبيب بن الشهيد، قال: سمعت أبا مجلز يقول: إن معاوية رضي الله عنه خرج، وعبد الله بن عامر، وعبد الله بن الزبير قعود.
فقام ابن عامر، وقعد ابن الزبير - وكان أرزنهما -، قال معاوية رضي الله عنه قال النبي: صلى الله عليه وسلم "من سره أن يمثل له عباد الله قياما، فليتبوأ بيتا في النار" 1 إسناداه صحيحان على شرط مسلم.
قال ابن الأثير في قوله: "من سره أن يمثل له الناس قياما، فليتبوأ مقعده من النار" 2 أي: يقومون له قياما وهو جالس، يقال مثل الرجل يمثل مثولا، إذا انتصب قائما، وإنما نهى عنه، لأنه من زي الأعاجم، ولأن الباعث عليه الكبر، وإذلال الناس.
وقال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى، في الكلام على قول النبي: صلى الله عليه وسلم "إذا صلى الإمام جالسا فصلوا جلوسا، وإذا صلى الإمام قائما فصلوا قياما، ولا تفعلوا كما يفعل أهل فارس بعظمائها"3.
في هذا الحديث: أنه أمرهم بترك القيام الذي هو فرض في الصلاة، وعلل ذلك بأن قيام المأمومين مع قعود الإمام، يشبه فعل فارس والروم بعظمائهم في قيامهم وهم قعود.
ومعلوم أن المأموم إنما نوى أن يقوم لله لا لإمامه،
1 الترمذي: الأدب (2755)، وأبو داود: الأدب (5229) ، وأحمد (4/91) .
2 الترمذي: الأدب (2755)، وأبو داود: الأدب (5229) .
3 مسلم: الصلاة (413)، والنسائي: السهو (1200)، وأبو داود: الصلاة (602)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (1240) ، وأحمد (3/300) .
وهذا تشديد عظيم في النهي عن القيام للرجل القاعد، ونهي أيضا عما يشبه ذلك، وإن لم يقصد به ذلك.
وفي هذ الحديث أيضا: نهي عما يشبه فعل فارس والروم، وإن كانت نيتنا غير نيتهم، لقوله:"فلا تفعلوا" فهل بعد هذا في النهي عن مشابهتهم، في مجرد الصورة غاية؟! انتهى.
وقال النووي: فيه النهي عن قيام الغلمان والتباع على رأس متبوعهم الجالس لغير حاجة؛ وأما القيام للداخل، إذا كان من أهل الفضل والخير، فليس من هذا، بل هو جائز؛ قد جاءت به أحاديث، وأطبق عليه السلف والخلف.
قلت: في آخر هذا الكلام نظر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان أفضل الخلق وخيرهم، ومع هذا فقد نهى أصحابه عن القيام له إذا خرج عليهم، وأخبرهم: أن ذلك من فعل الأعاجم، يعظم بعضهم بعضا.
وقال أنس رضي الله عنه: "لم يكن شخص أحب إليهم من النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا، لما يعلمون من كراهيته لذلك"، "ولما قام ابن عامر لمعاوية رضي الله عنه لما خرج عليهم، أمره أن يجلس، وحدثهم بما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم من التشديد في ذلك".
وهذه أحاديث صحيحة، فيجب العمل بها; ومن قال: إنها محمولة على القيام على الملوك وهم قعود، وما أشبه
ذلك فقد أبعد النجعة، وخالف ما دلت عليه هذه الأحاديث من النهي عن القيام للداخل ونحوه، على وجه التعظيم والاحترام.
وقد رد ابن القيم رحمه الله تعالى على من قال بهذا القول، فقال في تهذيب السنن، على قول المنذري: وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي الزبير رضي الله عنه أنهم لما صلوا خلفه صلى الله عليه وسلم قياما وهو قاعد، فأشار إليهم فقعدوا، فلما سلم قال:"إن كدتم آنفا لتفعلون فعل فارس والروم، يقومون على ملوكهم وهم قعود، فلا تفعلوا"1.
قال ابن القيم، رحمه الله تعالى: حمل أحاديث النهي - يعني حديث معاوية، وحديث أبي أمامة - على مثل هذه الصورة ممتنع، فإن سياقها يدل على خلافه، وأنه صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن القيام له إذا خرج عليهم.
ولأن العرب لم يكونوا يعرفون هذا، وإنما هو من فعل فارس والروم، ولأن هذا لا يقال له قيام للرجل، إنما هو قيام عليه، ففرق بين القيام للشخص المنهي عنه، والقيام عليه، المشبه لفعل فارس والروم، والقيام إليه عند قدومه الذي هو سنة العرب، وأحاديث الجواز تدل عليه فقط، انتهى.
1 مسلم: الصلاة (413)، والنسائي: السهو (1200)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (1240) ، وأحمد (3/334) .
وذكر ابن القيم أيضا: حديث معاوية رضي الله عنه ثم قال: وفيه رد على من زعم أن معناه: أن يقوم الرجل للرجل في حضرته وهو قاعد، فإن معاوية روى الخبر لما قاما له حين خرج.
قال: وأما الأحاديث المتقدمة: فالقيام فيها عارض للقادم، مع أنه قيام إلى الرجل للقائه، لا قيام له، وهو وجه حديث فاطمة; فالمذموم: القيام للرجل; وأما القيام إليه للتلقي إذا قدم، فلا بأس به، وبهذا تجتمع الأحاديث، والله أعلم، انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
والأحاديث التي أشار إليها أنها قد تقدمت: ستأتي في القسم الثالث، وهي حديث عائشة رضي الله عنها، في قيام النبي صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة، وقوله للأنصار:"قوموا إلى سيدكم" 1 وحديث عائشة رضي الله عنها، في قيام النبي صلى الله عليه وسلم إلى فاطمة إذا دخلت عليه، وقيامها إليه إذا دخل عليها.
إذا علم هذا؛ فالقيام على ثلاثة أقسام:
أحدها: القيام على الرجل وهو قاعد، كما يفعله الشرط وغيرهم من أعوان الملوك مع الملوك، وهذا هو الذي ورد النهي عنه، في حديث جابر، رضي الله عنه الذي تقدم ذكره، ولا أعلم نزاعا في كراهته والمنع منه.
ويستثنى من هذا: مسألة واحدة، وهي: ما إذا قدم على الإمام رسل من الأعداء، وخيف منهم أن يغدروا به،
1 البخاري: الجهاد والسير (3043)، ومسلم: الجهاد والسير (1768)، وأبو داود: الأدب (5215) ، وأحمد (3/22 ،3/71) .
فلا بأس أن يقوم بعض أعوانه على رأسه بالسلاح، كما فعل المغيرة بن شعبة، رضي الله عنه في صلح الحديبية، فإنه كان قائما بالسلاح على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه رسل قريش، والحديث بذلك في صحيح البخاري، ومسند الإمام أحمد، وغيرهما.
القسم الثاني: القيام للداخل ونحوه، إعظاما له واحتراما، لا لقصد المعانقة أو المصافحة؛ وفي كراهة هذا، والمنع منه نزاع بين العلماء، والصحيح المنع منه، لما تقدم عن أبي أمامة، وأنس ومعاوية، رضي الله عنهم في ذلك.
وأحاديثهم، وإن كانت واردة في هذا القسم، فعمومها يشمل القسم الأول أيضا، لأن كلا منهما من أفعال الأعاجم، وتعظيم بعضهم بعضا; والمسلم منهي عن التشبه بالأعاجم; وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من تشبه بقوم فهو منهم" 1، وفي الحديث الآخر:"ليس منا من تشبه بغيرنا"2.
وقد فرّق بعض العلماء بين القيام لأهل الفضل والفقه، وبين القيام لغيرهم، فأجازوه لأهل الخير، ومنعوه لغيرهم، وهذا تفريق لا دليل عليه، وقد تقدم رد ما قاله النووي في ذلك.
وقال إسحاق بن إبراهيم: خرج أبو عبد الله على قوم في المسجد فقاموا له، فقال: لا تقوموا لأحد، فإنه مكروه. وقال أحمد أيضا في رواية مثنى: لا يقوم أحد لأحد.
وقال حنبل، قلت لعمي: ترى للرجل أن يقوم للرجل
1 أبو داود: اللباس (4031) .
2 الترمذي: الاستئذان والآداب (2695) .
إذا رآه؟ قال: لا يقوم أحد لأحد، إلا الولد لوالده، أو أمه، فأما لغير الوالدين فلا، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
وظاهر هذه الروايات أنه لا فرق بين القيام لأهل الفقة والدين، وبين القيام لغيرهم; وقد روي عن الإمام مالك نحو هذا; قال ابن القاسم في المدونة، قيل لمالك: الرجل يقوم للرجل، له الفضل والفقه؟ قال: أكره ذلك; ولا بأس أن يوسع له في مجلسه.
قال: وقيام المرأة لزوجها حتى يجلس، من فعل الجبابرة، وربما يكون الناس ينتظرونه، فإذا طل، قاموا، فليس هذا من فعل الإسلام.
وقال الحافظ بن حجر في فتح الباري: محصّل المنقول عن مالك: إنكار القيام، ما دام الذي يقام لأجله لم يجلس، ولو كان في شغل نفسه.
فإنه سئل عن المرأة تبالغ في إكرام زوجها فتلقاه وتنزع ثيابه، وتقف حتى يجلس؟ فقال: أما التلقي فلا بأس به، وأما القيام حتى يجلس، فلا، فإنه من فعل الجبابرة، وقد أنكره عمر بن عبد العزيز. انتهى.
قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى: أبو بكر، والقاضي، ومن تبعهما فرقوا بين القيام لأهل الدين وغيرهم، فاستحبوه لطائفة، وكرهوه لأخرى، والتفريق في مثل هذا بالصفات، فيه نظر.
قال: وأما أحمد، فمنع منه مطلقا لغير الوالدين، فإن
النبي صلى الله عليه وسلم سيد الأئمة، ولم يكونوا يقومون له، فاستحباب ذلك للإمام العادل مطلقا، خطأ، وقصة ابن أبي ذئب مع المنصور، تقتضي ذلك; وما أراد أبو عبد الله - والله أعلم - إلا لغير القادم من سفر.
فإنه قد نص على أن القادم من السفر، إذا أتاه إخوانه، فقام إليهم وعانقهم، فلا بأس به، وحديث سعد يخرّج على هذا، وسائر الأحاديث; فإن القادم، يتلقى، لكن هذا قام فعانقهم، والمعانقة لا تكون إلا بالقيام.
وأما الحاضر في المصر، الذي قد طالت غيبته، والذي ليس من عادته المجيء إليه، فمحل نظر؛ فأما الحاضر الذي يتكرر مجيئه في الأيام، كإمام المسجد، أو السلطان في مجلسه، أو العالم في مقعده، فاستحباب القيام له، خطأ، بل المنصوص عن أبي عبد الله هو الصواب. انتهى.
وقصة أبي ذئب التي أشار إليها الشيخ، قد ذكرت له مع المهدي، وأنه لما حج دخل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، "فقال المسيب بن أبي زهير، لابن أبي ذئب: قم، هذا أمير المؤمنين، فقال ابن أبي ذئب: إنما يقوم الناس لرب العالمين; فقال المهدي: دعه، فلقد قامت كل شعرة في رأسي".
وقد سئل الشيخ أيضا: عن النهوض الذي يعده الناس من الإكرام والاحترام، عند قدوم شخص معتبر، هل يجوز. أم لا؟ وإذا كان يغلب على ظن المتقاعد عن ذلك أن القادم
يخجل، أو يتأذى باطنه، وربما أدى ذلك إلى بغض ومقت وعداوة؟
فأجاب، رحمه الله تعالى: لم يكن من عادة السلف، على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، أن يعتادوا القيام للداخل المسلم، كما يردون عليه السلام، كما يعتاد كثير من الناس؛ بل قد قال أنس بن مالك رضي الله عنه:"لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا؛ لما يعلمون من كراهته لذلك".
ولكن ربما قاموا للقادم من مغيبه تلقيا له، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام لعكرمة، وقال للأنصار - لما قدم سعد ابن معاذ -:(قوموا إلى سيدكم) ، وكان سعد متمرضا بالمدينة، وكان قد قدم إلى بني قريظة شرقي المدينة.
والذي ينبغي للناس أن يعتادوا ما كان السلف عليه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم خير القرون، وخير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، فلا يعدل أحد عن هدي خير الخلق، وهدي خير القرون، إلى ما دونه؛ وينبغي للمطاع أن يقرر ذلك مع أصحابه، بحيث إذا رأوه لم يقوموا، ولا يقوم لهم في اللقاء المعتاد.
فأما القيام لمن قدم من سفر ونحو ذلك تلقيا له، فحسن; وإذا كان من عادة الناس إكرام من يجيء بالقيام، ولو ترك ذلك، لاعتقد أن ذلك بخس لحقه، أو قصد لخفضه، ولم يعلم العادة الموافقة للسنة، فالأصلح أن يقام
له لأن في ذلك إصلاح ذات البين، وإزالة للتباغض والشحناء.
وأما من عرف عادة القوم الموافقة للسنة، فليس في ترك ذلك إيذاء له، وليس هذا القيام هو القيام المذكور، في قوله صلى الله عليه وسلم "من سره أن يتمثل له الرجال قياما، فليتبوأ مقعده من النار" 1، فإن ذلك أن يقوموا له وهو قاعد، ليس هو أن يقوموا لمجيئه إذا جاء، ولهذا فرقوا بين أن يقال: قمت إليه، وقمت له; والقائم للقادم قد ساواه في القيام، بخلاف القائم للقاعد.
وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى بهم قاعدا في مرضه، وصلوا قياما، أمرهم بالقعود، وقال:"لا تعظموني كما تعظم الأعاجم بعضها بعضا"، فقد نهاهم عن القيام في الصلاة وهو قاعد، لئلا يتشبهوا بالأعاجم، الذين يقومون لعظمائهم وهم قعود.
وجماع ذلك: أن الذي يصلح: اتباع عادة السلف وأخلاقهم، والاجتهاد في ذلك بحسب الإمكان؛ فمن لم يعتد ذلك، أو لم يعرف أنه العادة، وكان في ترك مقابلته بما اعتاده الناس من الإكرام مفسدة راجحة، فإنه يدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما، كما تحصل المصلحة بتفويت أدناهما. انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
وقال أيضا في - الفتاوى المصرية: ينبغي ترك القيام
1 الترمذي: الأدب (2755)، وأبو داود: الأدب (5229) .
في اللقاء المتكرر المعتاد، ونحوه؛ لكن إذا اعتاد الناس القيام، وقدم من لا يرى كرامته إلا به، فلا بأس به، فالقيام دفعا للعداوة والفساد، خير من تركه المفضي إلى الفساد؛ وينبغي مع هذا أن يسعى في الإصلاح على متابعة السنة. انتهى.
القسم الثالث: القيام إلى القادم لمعانقته، أو مصافحته، أو إنزاله عن دابته، ونحو ذلك من المقاصد الجائزة، وهذا القيام جائز قد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله أصحابه بحضرته.
كما في جامع الترمذي عن عائشة رضي الله عنها، قالت:"قدم زيد بن حارثة المدينة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فأتاه، فقرع الباب، فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عريانا يجر ثوبه، والله ما رأيته عريانا قبله ولا بعده، فاعتنقه وقبله" 1 قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
قولها عريانا: تريد أنه عليه الصلاة والسلام، كان ساترا ما بين سرته وركبته، ولكنه سقط رداؤه عن عاتقه، فكان ما فوق سرته وما تحت ركبته عريانا، قال الطيبي: وكان هذا من شدة فرحه، حيثما لم يتمكن من تمام التردي بالرداء حتى جره، وكثيرا ما يقع مثل هذا. انتهى.
وروى البيهقي وغيره: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل عليه عكرمة بن أبي جهل مسلما مهاجرا، قام إليه فرحا بقدومه".
وروى أبو داود، والترمذي، والنسائي عن عائشة،
1 الترمذي: الاستئذان والآداب (2732) .
رضي الله عنها، قالت:"ما رأيت أحدا كان أشبه سمتا وهديا، ودَلًّا برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة رضي الله عنها، كانت إذا دخلت عليه قام إليها، فأخذ بيدها وقبلها وأجلسها في مجلسه، وكانت إذا دخل عليها قامت إليه، وأخذت بيده وقبلته وأجلسته في مجلسها" قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن أهل قريظة لما نزلوا على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه أرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم فجاء على حمار; فقال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: "قوموا إلى سيدكم"1.
وفي رواية لأحمد عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال أبو سعيد فلما طلع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قوموا إلى سيدكم، فأنزلوه فقال عمر رضي الله عنه: سيدنا الله; قال: أنزلوه، فأنزلوه" 2 الحديث. قال الحافظ بن حجر: سنده حسن.
قلت: وفي هذه الرواية، بيان المراد من الأمر بالقيام إلى سعد رضي الله عنه، ففيه رد على من استدل به، على جواز القيام المنهي عنه.
قال الحافظ بن حجر: هذه الزيادة - يعني قوله فأنزلوه - تخدش في الاستدلال بقصة سعد على مشروعية القيام المتنازع فية. انتهى.
وفي الصحيحين وغيرهما، في قصة كعب بن مالك
1 البخاري: الجهاد والسير (3043)، ومسلم: الجهاد والسير (1768)، وأبو داود: الأدب (5215) ، وأحمد (3/22 ،3/71) .
2 البخاري: الجهاد والسير (3043)، ومسلم: الجهاد والسير (1768)، وأبو داود: الأدب (5215) ، وأحمد (3/22 ،3/71) .
رضي الله عنه لما تاب الله عليه، قال:"وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد، وحوله الناس، فقام طلحة بن عبيد الله يهرول، حتى صافحني وهنأني"1. الحديث.
فهذا وما أشبهه من القيام، جائز، كما دلت عليه هذه الأحاديث؛ وهو قيام إلى الشخص، لا له؛ والقيام إلى الشخص من فعل العرب، والقيام له، أو عليه من فعل العجم. وقد تقدم قول ابن القيم، رحمه الله: أن المذموم القيام للرجل، وأما القيام إليه للتلقي إذا قدم، فلا بأس به، وقد روي عن أحمد، رحمه الله تعالى، ما يوافق هذا.
قال أبو جعفر محمد بن أحمد بن المثنى: أتيت أحمد بن حنبل، فجلست على بابه انتظر خروجه، فلما خرج قمت إليه، فقال لي: أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أحب أن يتمثل الناس له قياما، فليتبوأ مقعده من النار"؟ فقلت له: إنما قمت إليك لا لك، فاستحسنه.
1 البخاري: المغازي (4418)، ومسلم: التوبة (2769)، وأبو داود: الجهاد (2773) ، وأحمد (6/387) .
[فصل في أن من أبشع المنكرات تصفيق الرجال في بعض الأوقات]
فصل
ومن أبشع المنكرات تصفيق الرجال في بعض الأوقات.
قال الشيخ: حمود التويجري: ومن التشبه بأعداء الله تعالى، ما يفعله كثير من الجهال، من التصفيق في المجالس والمجامع عند رؤية ما يعجبهم من الأفعال، وعند سماع ما يستحسنونه من الخطب والأشعار، وعند مجيء الملوك والرؤساء إليه، وهذا التصفيق سخف ورعونة، ومنكر مردود من عدة أوجه:
أحدها: أن فيه تشبها بأعداء الله تعالى من المشركين، وطوائف الإفرنج، وأشباههم فأما المشركون فقد قال الله تعالى عنهم:{وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [سورة الأنفال آية: 35] : قال أهل اللغة وجمهور المفسرين: المكاء: الصفير; والتصدية: التصفيق، وبهذا فسره ابن عمر وابن عباس، رضي الله عنهم.
فأما ابن عمر رضي الله عنهما، فرواه ابن جرير عنه; وفيه:"أنه حكى فعل المشركين فصفر وأمال خدّه وصفق بيديه"، وروى ابن أبي حاتم عنه رضي الله عنه أنه قال:"إنهم كانوا يضعون خدودهم على الأرض، ويصفقون، ويصفرون".
وأما ابن عباس، رضي الله عنهما، فرواه ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الفرج ابن الجوزي عنه; ولفظ ابن أبي حاتم قال:"كانت قريش تطوف بالبيت عراة، تصفر وتصفق".
والمكاء: الصفير; والتصدية: التصفيق; وكذا روي عن مجاهد، ومحمد بن كعب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، والضحاك، والحسن، وقتادة، وعطية العوفي، وغيرهم.
قال ابن عرفة، وابن الأنباري: المكاء، والتصدية ليسا بصلاة، ولكن الله تعالى أخبر أنهم جعلوا مكان الصلاة التي أمروا بها، المكاء والتصدية، فألزمهم ذلك عظيم الأوزار.
وروى الإمام أحمد، والنسائي، والبيهقي، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر قريشا أنه أسري به إلى بيت المقدس، قالوا: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: نعم، قال: فمن بين مصفق، ومن بين واضع يده على رأسه متعجبا للكذب"1.
وأما الإفرنج وأضرابهم، من أعداء الله تعالى، فقد ذكر المخالطون لهم أن التصفيق من أفعالهم في محافلهم، إذا أعجبهم كلام، أو فعل من أحد، صفقوا تعجبا وتعظيما لذلك القول أو الفعل؛ وقد أخذ سفهاء المسلمين عنهم هذا الفعل السخيف، تقليدا لهم، وتشبها بهم.
وقد تقدم حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم"2. وتقدم أيضا حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى" 3 وفي هذين الحديثين دليل على المنع من
1 أحمد (1/309) .
2 أبو داود: اللباس (4031) .
3 الترمذي: الاستئذان والآداب (2695) .
التصفيق، لما فيه من التشبه بأعداء الله تعالى.
ويدل على المنع أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: "خالفوا المشركين" 1 متفق عليه من حديث ابن عمر، رضي الله عنهما، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"هدينا مخالف لهديهم" يعني المشركين، رواه الحاكم في مستدركه، من حديت ابن جريج، عن محمد بن قيس بن مخرمة، عن المسور بن مخرمة، رضي الله عنهما، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في تلخيصه، ورواه الشافعي في مسنده، من حديث ابن جريج عن محمد بن قيس بن مخرمة مرسلا، ولفظه:"هدينا مخالف لأهل الأوثان والشرك".
ومن المقرر عند الأصوليين: أن الأمر بالشيء نهي عن ضده; وعلى هذا فالأمر بمخالفة المشركين هو في الحقيقة: نهي عن موافقتهم، والتشبه بهم فيما يفعلونه من التصفيق وغيره من زيهم وأفعالهم السيئة; وكذا إخباره صلى الله عليه وسلم بأن هدي المسلمين مخالف لهدي أهل الشرك، يقتضي منع المسلمين من التصفيق، وغيره من أفعال المشركين; والله أعلم.
وقد روي: أن التصفيق من أعمال قوم لوط; فروى ابن عساكر في تأريخه، عن الحسن مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"عشر خصال عملها قوم لوط، بها هلكوا، وتزيدها أمتي بخلة" فذكر الخصال ومنها التصفيق.
الوجه الثاني: أن التصفيق من خصائص النساء، لتنبيه الإمام إذا نابه شيء في صلاته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في
1 البخاري: اللباس (5892)، ومسلم: الطهارة (259) .
الحديث الصحيح: "إنما التصفيق للنساء" 1 رواه مالك، وأحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.
وقد أتى صلى الله عليه وسلم في هذه الجملة الوجيزة، بالحصر والاستغراق، والاختصاص، فدل على أنه لا مدخل فيه للرجال بحال; وعلى هذا فمن صفق من الرجال، فقد تشبه بالنساء، فيما هو من خصائصهن.
وقد "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء" 2 رواه الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي، والبخاري، وأهل السنن، إلا النسائي، من حديث بن عباس، رضي الله عنهما، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وروى ابن ماجه في سننه بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن المرأة تتشبه بالرجال، والرجل يتشبه بالنساء" 3 ورواه الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي بنحوه، وصححه ابن حبان والحاكم، والنووي، وغيرهم، وقال الحاكم: على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وأقره الذهبي في تلخيصه.
وروى الإمام أحمد أيضا: عن عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس منا من تشبه بالرجال من النساء، ولا من تشبه بالنساء من الرجال" 4 في إسناده رجل مبهم، وبقية رجاله ثقات، وقد
1 البخاري: الأذان (684)، ومسلم: الصلاة (421)، والنسائي: السهو (1183)، وأبو داود: الصلاة (940)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (1035) ، وأحمد (5/335)، ومالك: النداء للصلاة (392) .
2 البخاري: اللباس (5885)، والترمذي: الأدب (2784)، وأبو داود: اللباس (4097)، وابن ماجه: النكاح (1904) ، وأحمد (1/251 ،1/330) .
3 ابن ماجه: النكاح (1903) .
4 أحمد (2/199) .
رواه الطبراني فأسقط الرجل المبهم، قال الهيثمي: فعلى هذا رجال الطبراني كلهم ثقات.
الوجه الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على الرجال لما صفقوا في الصلاة، لأنهم فعلوا فعلا لا يجوز للرجال فعله، ولا يليق بهم، وإنما يليق بالنساء؛ وقد قرن الإنكار ببيان العله في ذلك، فقال:"إنما التصفيق للنساء" 1 فهذه الجملة تفيد منع الرجال من التصفيق البتة، وأنه ينبغي الإنكار على من صفق منهم.
الوجه الرابع: أن التصفيق لم يكن من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من هدي أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، ولم يكن من عمل التابعين وتابعيهم بإحسان، وإنما حدث في المسلمين في أثناء القرن الرابع عشر من الهجرة النبوية، لما كثرت مخالطة المسلمين للإفرنج، وأعجب جهال المسلمين بسنن أعداء الله وأفعالهم الذميمة.
وقد رأى الإمام أحمد، وأهل السنن من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" 2 قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح; وصححه ابن حبان والحاكم، وقال: ليس له علة، ووافقه الذهبي في تلخيصه.
وفي رواية للحاكم: "عليكم بما تعرفون من سنة نبيكم
1 البخاري: الأذان (684)، ومسلم: الصلاة (421)، والنسائي: السهو (1183)، وأبو داود: الصلاة (940)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (1035) ، وأحمد (5/335)، ومالك: النداء للصلاة (392) .
2 أبو داود: السنة (4607)، والدارمي: المقدمة (95) .
والخلفاء الراشدين المهديين، وعضوا على نواجذكم بالحق" قال الحاكم: صحيح على شرطهما جميعا، ولا أعرف له علة، ووافقه الذهبي في تلخيصه.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب أبلغ الخطب، ويخطب البلغاء بحضرته، وينشد فحول الشعراء عنده أفخم الشعر وأجزله، ولم ينقل أن أحدا من أصحابه صفق عند سماع خطبة ولا قصيدة.
وكذلك الخلفاء الراشدون بعده، كانوا يخطبون أبلغ الخطب، ويخطب عندهم البلغاء، وتنشد عندهم الأشعار الجيدة، ولم ينقل عنهم، ولا عن غيرهم من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يصفقون عند التعجب والاستحسان.
وإنما نقل عن كفار قريش أن بعضهم صفقوا تعجبا لما أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أسري به إلى بيت المقدس، فهؤلاء هم سلف المصفقين عند التعجب والاستحسان. وسلفهم الآخر: الإفرنج، وأشباههم من أعداء الله تعالى؛ وكل امرئ يهفو إلى ما يناسبه، ومن تشبه بقوم فهو منهم.
ولهم أيضا سلف ثالث من شر السلف، وهم: قوم لوط، فقد روى ابن عساكر في تأريخه عن الحسن البصري مرسلا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عشر خصال عملها قوم لوط، بها هلكوا، وتزيدها أمتي بخلة" فذكر الخصال، ومنها التصفيق.
وللمصفقين أيضا سلف رابع من شر السلف، وهم:
جهال المتصوفة ومبتدعوهم. قال الحافظ أبو الفرج بن الجوزي، رحمه الله تعالى: إذا طرب أهل التصوف لسماع الغناء، صفقوا، ثم ساق بإسناده إلى أبي علي الكاتب قال: كان ابن بنان يتواجد، وكان أبو سعيد الخراز يصفق له.
قال ابن الجوزي، رحمه الله تعالى: والتصفيق منكر يطرب، ويخرج عن الاعتدال، وتتنزه عن مثله العقلاء، ويتشبه فاعله بالمشركين فيما كانوا يفعلونه عند البيت من التصدية؛ وهي التي ذمهم الله عز وجل لها فقال:{وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [سورة الأنفال آية: 35]، فالمكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق.
قال: وفيه أيضا تشبه بالنساء; والعاقل يأنف من أن يخرج عن الوقار، إلى أفعال الكفار، والنسوة. انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
وقال الشيخ: عز الدين بن عبد السلام، في "قواعد الأحكام": وأما الرقص والتصفيق، فخفة ورعونة، مشهبة لرعونة الإناث، لا يفعلها إلا أرعن، أو متصنع كذاب؛ كيف يأتي الرقص المتزن بأوزان الغناء، ممن طاش لبه، وذهب قلبه؟!
وقد قال عليه السلام: "خير القرون، قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" 1 ولم يكن أحد من هؤلاء الذين يقتدى بهم يفعل شيئا من ذلك إلى أن قال:
وقد حرم بعض العلماء التصفيق على الرجال
1 البخاري: الشهادات (2652)، ومسلم: فضائل الصحابة (2533)، والترمذي: المناقب (3859)، وابن ماجه: الأحكام (2362) ، وأحمد (1/378 ،1/442) .
بقوله صلى الله عليه وسلم "إنما التصفيق للنساء" 1، ولعن عليه الصلاة والسلام المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء؛ ومن هاب الإله، وأدرك شيئا من تعظيمه، لم يتصور منه رقص، ولا تصفيق، ولا يصدر التصفيق والرقص، إلا من غبي جاهل، ولا يصدران من عاقل فاضل.
ويدل على جهالة فاعلهما: أن الشريعة لم ترد بهما في كتاب، ولا سنة، ولم يفعل ذلك أحد من الأنبياء، ولا من أتباع الأنبياء، وإنما يفعل ذلك الجهلة السفهاء، الذين التبست عليهم الحقائق بالأهواء، وقد مضى السلف، وأفاضل الخلف، ولم يلابسوا شيئا من ذلك، انتهى.
وقال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية، رحمه الله تعالى: وأما اتخاذ التصفيق، والغناء، والضرب بالدفوف، والنفخ في الشبابات، والاجتماع على ذلك دينا، وطريقا إلى الله تعالى، وقربة فهذا ليس من دين الإسلام،
وليس مما شرعه لهم نبيهم صلى الله عليه وسلم ولا أحد من خلفائه، ولا استحسن ذلك أحد من أئمة المسلمين؛ بل ولم يكن أحد من أهل الدين يفعل ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عهد أصحابه، ولا تابعيهم بإحسان، ولا تابعي التابعين. انتهى.
والغرض منه قوله: إنه لم يكن أحد من أهل الدين يفعل ذلك، يعني: التصفيق وما ذكر معه، لا على عهد
1 البخاري: الأذان (684)، ومسلم: الصلاة (421)، والنسائي: السهو (1183)، وأبو داود: الصلاة (940)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (1035) ، وأحمد (5/335)، ومالك: النداء للصلاة (392) .
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا على عهد أصحابه، ولا تابعيهم بإحسان، ولا تابعي التابعين.
وقال الشيخ أيضا في موضع آخر: وأما الرجال على عهده - يعني: على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يكن أحد منهم يضرب بدف، ولا يصفق بكف.
بل قد ثبت عنه في الصحيح، أنه قال:"إنما التصفيق للنساء" 1، ولعن المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء; ولما كان الغناء والضرب بالدف، والكف، من عمل النساء، كان السلف يسمون من يفعل ذلك مخنثا. انتهى.
وقال العلامة ابن القيم، رحمه الله تعالى، في كتاب الإغاثة: والله سبحانه لم يشرع التصفيق للرجال، وقت الحاجة إليه في الصلاة، إذا نابهم أمر، بل أمروا بالعدول عنه إلى التسبيح، لئلا يتشبهوا بالنساء؛ فكيف إذا فعلوه، لا لحاجة، وقرنوا به أنواعا من المعاصي قولا، وفعلا. انتهى.
وقال الحليمي: يكره التصفيق للرجال، فإنه مما يختص به النساء، وقد منعوا من التشبه بهن، كما منعوا من لبس المزعفر لذلك، انتهى. قال الأذرعي: وهو يشعر بتحريمه على الرجال.
قلت يعني: أن مراد الحليمي بالكراهة: كراهة التحريم، لأن التشبه بالنساء حرام على الرجال، والمتشبه بهن ملعون، واللعن لا يكون إلا على كبيرة من الكبائر.
1 البخاري: الأذان (684)، ومسلم: الصلاة (421)، والنسائي: السهو (1183)، وأبو داود: الصلاة (940)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (1035) ، وأحمد (5/335)، ومالك: النداء للصلاة (392) .