المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثامن: المكس - الدرر السنية في الأجوبة النجدية - جـ ١٥

[عبد الرحمن بن قاسم]

الفصل: ‌الباب الثامن: المكس

وفيما قاله هؤلاء المحققون كفاية في بيان قبح التصفيق من الرجال، وذم من يتعاطى ذلك منهم.

ص: 405

‌الباب الثامن: المكس

الباب الثامن: حكم المكس 1

فهو محرم أخذه على المسلمين بالكتاب والسنة والإجماع، وجائز أخذه على المشركين بالإجماع، ولم يكن يؤخذ على المسلمين في عصر هذه الدعوة إلى وفاة الشيخ عبد الله.

ولم يكن يؤخذ في عصر الخلفاء الراشدين، ولا الأئمة المهديين، وسواء سمي بالجمرك، أو الرسوم، أو التأمينات; أو غير ذلك.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [سورة النساء آية: 29] وغيرها.

وقال صلى الله عليه وسلم: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام" 2 حتى قال شيخ الإسلام: لا يجوز لولي أمر المسلمين، أن يسبك لهم سكة من ذهب أو فضة، إلا بقدر أجرة السبك.

ويدل أيضا على عظم إثم المكس، وأنه أعظم من الزنى، قوله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يصلي على الزانية، التي رجمت حتى ماتت، فقال عمر: تصلي عليها وقد زنت؟ قال:

1 وتقدم في الجزء التاسع، قول عدد من المشائخ فيه.

2 البخاري: الحج (1739) ، وأحمد (1/230) .

ص: 405

"أرأيت أن قد جادت بنفسها لله؟! لقد تابت توبة، لو تابها صاحب مكس، لغفر له"1.

فدل هذا الحديث على أن المكس أعظم من الزنى، لأن هذا من الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا; والعجب أن لو هرب صاحب سيارة، أو جمال، أو حمار، لطارت الجنود خلفه، ولو ترك فريضة لم يلتفت إليه!

وقال الشيخ: محمد بن إبراهيم، رحمه الله 2:

المكوس حرام، ولا تخلط مع الفيء، ولا مع الزكاة، ولا مع الفيء الخاص; بل كل له مصرف، هذه يتولاها من جباها، والحلال له مستحقون، والحرام شأنه به الذي جباه; لكن لو توخى بها أشياء فيها نفع خفف عنه; فإن أسوأ الدنانير، دينار يجيء من غير محله، ويدفع في غير محله، يجيء معصية ويبذل معصية.

رحمة الله على الوالد كتب لفيصل رسالة، قال: اعلم أن الأموال التي تجيء ثلاثة أقسام;: الزكاة، والفيء، والمكوس، فيجب أن يعطى كلَّا حكمه.

وقوله: المكوس، مراده التي جباها من جباها، وعصى بذلك; المقصود من ذكر كلام الوالد: أنه لا يخلط هذا مع هذا، فالفيء لأناس مخصوصين، والزكاة لأناس.

فالذي يحتوي عليه بيت مال المسلمين أشياء عديدة، بل

1 مسلم: الحدود (1695)، وأبو داود: الحدود (4442) ، وأحمد (5/348)، والدارمي: الحدود (2324) .

2 في الجزء السادس من فتاويه.

ص: 406

أوسع من ذلك: أن الذي يجبيه الولاة أشياء:

أحدها: الزكاة.

الثاني: ما يدخل مدخلا شرعيا وليس بزكاة، كالخمس وخمسه، وكأموال الكفار التي تصل إلى المسلمين بغير إيجاف خيل ولا ركاب، فيصرف في المصالح، وإذا فضل شيء فهو لعموم المسلمين، وهو الفيء.

الثالث: المكوس، فإنها كثيرا ما يأخذ الولاة بغير حق، بل بظلم، ولكنها تعد في جملة ما يدخل على جنس الحكومات الإسلامية، فمنها ما هو شرعي، ومنها ما هو ظلم، ولكن يتعلق به أحكام مع أنه ظلم.

منها: أنه إذا وضع معصية، فإنه يجب أن يعدل فيه; فيؤخذ على ولد الملك، وطالب العلم وغير ذلك، ويدخل ذلك في المظالم المشتركة; ومن ذلك: أن الأئمة إذا أخذوا شيئا من هذه الأموال، واجب عليهم أن يردوها.

فإذا جهلت أربابها، حل لمن أعطيها من الجيش، فكل مال يجهل صاحبه، مصرفه الفيء، فالشيء الذي من المكوس إذا تاب الإمام فأراد ردّه إلى أربابه، وأهله لا يعرفون، فيجوز أن يعطى لأحد مستحقي الفيء.

ص: 407

وقال الشيخ:

عبد الله الخليفي: فصل: في ردّ بدع الرسوم

قال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} [سورة البقرة آية: 170] .

قال بعض المفسرين: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرشد الناس إلى العمل بالقرآن، ويهديهم إليه، ويقول لهم: اتركوا رسوم الشرك والبدع، الرائجة فيكم، فيقولون: لو اتبعنا هذا القرآن، لذهب منا اتباع أسلافنا، بل نسلك مسلك الآباء، في الإتيان بالرسوم والمراسم; لأن هذا الطريق لو كان قبيحا، لما سلكه أكابرنا.

فأنزل الله هذه الآية، ورد فيها عليهم، وسفههم، وسجل عليهم بالحماقة بأن لو كانوا - آباءهم - جاهلين لا يشعرون شيئا، لا يفهمون قولا; أفهؤلاء يسلكون مسلكهم والحال هذه؟!

مع أنهم لا يختارون سبل الآباء في أمور دنياهم فيما فيه نقصانهم، كما أن أبا أحد، لو اتجر البز فلم يربح فيه، لا يؤثر ولده هذه التجارة قطعا، علما منه بأن فيها ضررا، وكذا، لو وقع والد أحد في البئر، لا يقع ولده فيه أبدا، ظنا منه أن في هذا هلاكه.

فيا لله العجب من هذا القوم؟! كيف يتبع الآباء في أمور الدين، ولا يتبعهم في أمور الدنيا؟! مع أن أمر الدين أهم وأعظم، وأحرى بالتحقيق والتدقيق، وأمر الدنيا هين ليّن،

ص: 408

لا يعود بضرر في الإيمان إن لم يقع كما أراد؟!

فلا أدري ما هذا الإسلام؟ يتركون الرسوم التي جاء بها الرسول، وأمر بها الله تعالى، ويختارون رسوم الآباء والأجداد، فهل رسوم الأسلاف أحق بالاتباع؟ أو شرع الله ورسوله؟!

فهذه الآية الكريمة: دليل على رد الرسوم المبتدعة والمراسيم المحدثة، والأمور الموضوعة التي راجت في الناس، وجاءت من أسلافهم السفهاء، كما تدل على رد التقليد فيها.

ومثل هذه الآية قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [سورة المائدة آية: 104] الآية: يعني: من التحليل والتحريم، اهـ، ملخصا من كتاب الدين الخالص، لصديق خان.

ص: 409

وقال أيضا رحمه الله:

فصل في رد بدع التشبه بغير أهل الإسلام

عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم" 1 رواه الإمام أحمد، وأبو داود; قال الإمام صديق، رحمه الله في كتابه "الدين الخالص":

هذا الحديث من جوامع الكلم، ويوانع الثمار، لأنه قد عم المشبه والمشبه بهم من كان، وأينما كان، ولم يخص نوعا من أنواع التشبيه، لا قوما من الأقوام المشبه بها.

فتحصّل من ذلك: أن كل متشبه بآخر في كل شيء، حقيرا كان أو جليلا، ظاهرا كان أو باطنا، له حكم المتشبه به، في الكراهة والحرمة، والكفر؛ وتفصيل ذلك يطول.

وقد كفى لبيان بعضها شيخ الإسلام ابن تيمية الحراني، رحمه الله، في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم، مخالفة أصحاب الجحيم"، وأتى فيه بأشياء تشبهت بها هذه الأمة، على غير الملة الإسلامية والأمة المحمدية، واستوعب غالبها، ولعله فاته أشياء كثيرة لم تكن في زمنه، وظهرت بعده في هذه الأزمنة المتأخرة، واتسع الخرق على الراقع، إلى أن قال، رحمه الله:

وقد أفرط الناس المسلمون في هذا العصر في التشبه بالمبتدعين والفاسقين، إلا ما شاء الله؛ وعم بذلك البلاد، حتى لم يبق شخص، ولا دار، ولا محلة، ولا بلد، ولا

1 أبو داود: اللباس (4031) .

ص: 410

إقليم، إلا وقد دخل فيه هذا الداء العضال، وعدّوه من أسباب الجمال والكمال.

ثم قال: وهذا الحديث يفيد ذم هذا التشبه، إذا كان بأهل غير الإسلام من أهل الكتاب وغيرهم; فهكذا يفيد بمفهومه المخالف أن التشبه بالصلحاء، وبأهل الله ورسوله، من المحدثين، والفقهاء، والقراء، ونحوهم، إذا لم يكن ذلك منه رياء وسمعة، وشهرة في الناس، بل كان هذا منه إخلاصا بالدين لله عز وجل وإيثارا لسنة سيد المرسلين، في اللباس، والطعام، والفراش، والصلاة، والصيام، وغير ذلك، مما أورد به الشرع الشريف، كان هذا المتشبه في عداد من تشبه بهم، ونفعه ذلك; اهـ; والله الموفق.

وقال الشيخ: صالح الخريصي، في رسالة للملك عبد العزيز آل سعود، بعد أن وعظه، وأخبره بما عليه من مسؤوليات؛ وأنه باتباعه هذه الشريعة المحمدية، ظاهرا وباطنا، يحصل له العز والتمكين.

فهنا كلمة من أخيك، ما بعث وحث عليها إلا إكمال النصح، فإن مسألة الرسوم اليوم، من الله عليكم وحباكم، وأعطاكم ووسع عليكم من واسع فضله، فارحموا عباد الله يرحمكم الله، وأوسعوا عليهم وتصدقوا عليهم بهذه الرسوم إن الله يجزي المتصدقين، وأنتم بإمكانكم نفع الفقير وتودّون نفعه،

ص: 411

وهذه الرسوم تؤخذ منه، لأن الغني سالم منها، يأخذه فائدة مع الرسوم، وتبقى على الفقير.

واسلموا من إثمه وعقوبته، فإني أرجو لكم بذلك السنا والرفعة في الدنيا والآخرة، فإن الفقراء أكثرهم في أزمة، وأنتم تحبون إيصال الخير إليهم.

[فصل في تبين تحريم المكس]

فصل إذا تبين تحريم المكس من الكتاب والسنة والإجماع، فقد فرض الله على عباده المسلمين الزكاة؛ وفيها، وفيما أخرج الله للمسلمين من المعادن غنى عنه، وقد تقدمت الأدلة على تحريمه; وأما الزكاة فقد قرنها الله في كتابه بالصلاة، في غير ما موضع; وفي السنة ما هو مشهور ويأتي.

وقال إمام هذه الدعوة، الشيخ: محمد بن عبد الوهاب، للأمير محمد بن سعود، رحمهما الله، لما علم منه إقباله على الدين ونصرته واتباع شرعه في الزكاة، وفيما يفيء الله غنى، فوافقه على ذلك.

ويجدر بولاة الأمور أن يقتفوا بآبائهم، وقد فاض عليهم من المال ما لا يخطر ببال من الزكاة ومعادن وغيرها.

ص: 412

[رسالة الشيخ محمد بن إبراهيم إلى سكان الهجر في الحث على أداء الزكاة]

وقال الشيخ: محمد بن إبراهيم، رحمه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

من محمد بن إبراهيم، إلى من يراه من إخواننا المسلمين، من سكان الهجر وتابعيهم، من البوادي وغيرهم، من البادية والحاضرة.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فنصيحة لكم، وشفقة عليكم، وحذرا من إثم الكتمان، كتبت إليكم بهذه الكلمات، فأقول:

قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [سورة البينة آية: 5] .

وقال تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [سورة التوبة آية: 5]، وقال تعالى:{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [سورة التوبة آية: 11] .

وروى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة؛ فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحق

ص: 413

الإسلام، وحسابهم على الله تعالى" 1.

وفي صحيح مسلم عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا"2.

وروى البخاري ومسلم من حديث ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان"3.

وقال أبو بكر الصديق، رضي الله عنه لما ناظره من ناظره، في قتال مانع الزكاة:"لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإنها قرينتها في كتاب الله. والله لو منعوني عناقا، وفي رواية عقالا، كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه".

فهذه النصوص تدل على أن أداء الزكاة أحد أركان الإسلام، وأنها قرينة الصلاة، وهما جميعا، قرينتا التوحيد، وأنه يجب قتال من امتنع عن أدائها، حتى يؤديها.

ولهذا جاء الوعيد الشديد، والتغليظ الأكيد في حق مانعها، كما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة، صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جبينه وظهره،

1 البخاري: الإيمان (25)، ومسلم: الإيمان (22) .

2 مسلم: الإيمان (8)، والترمذي: الإيمان (2610)، والنسائي: الإيمان وشرائعه (4990)، وأبو داود: السنة (4695)، وابن ماجه: المقدمة (63) ، وأحمد (1/27 ،1/51) .

3 البخاري: الإيمان (8)، ومسلم: الإيمان (16)، والترمذي: الإيمان (2609)، والنسائي: الإيمان وشرائعه (5001) ، وأحمد (2/26) .

ص: 414

كلما بردت أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد؛ فيرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار.

قيل يا رسول الله: فالإبل؟ قال: ولا صاحب إبل لا يؤدي حقها، ومن حقها حلبها يوم ورودها، إلا إذا كان يوم القيامة، بطح لها بقاع قرقر، لا يفقد منها فصيلا واحدا، تطؤه بأخفافها، وتعضه بأفواهها، كلما مر عليه أولاها، رد عليه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار.

قيل يا رسول الله: فالبقر والغنم؟ قال: ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة، بطح لها بقاع قرقر، لا يفقد منها شيئا، ليس فيها عقصاء، ولا جلحاء، ولا عضباء، تنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها، كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار".

والأحاديث دلت على أخذ الزكاة من المواشي عينا، فتؤخذ من الإبل تارة غنما، وتارة أسنانا من الإبل، على حسب ما ورد، كما تؤخذ الغنم من الغنم، والبقر من البقر، والنقد من النقد، والبر من البر، إلى آخر أنواع الأموال الزكوية؛ إلا أن أخذ القيمة جوزه بعض أهل العلم، بشرط المصلحة في ذلك; وبشرط عدم النقص عن القيمة التي تساويها حينئذ.

ص: 415

إذا عرف هذا، فإن كثيرا من العمال الموكول إليهم أخذ الزكاة من أرباب الأموال، لا يقومون بالواجب، إذا قبضوا منهم القيمة فيقبض بعضهم نصف القيمة، أو ثلثيها فقط، أو قريبا من ذلك.

وهذا لا يبرئ ذمة أرباب الأموال، ولا يحل لهم ما ترك من قيمة زكاة أموالهم، بل هي عليهم حرام، ويبقون غير مؤدين لهذا الركن العظيم من أركان الإسلام؛ ولا يسقط هذا بمفارقة العامل لهم، ولا بمضي سنة.

بل هذا دَيْن في رقاب أرباب الأموال، ولا يجوز لولاة المسلمين إقرارهم، على بقائها في ذممهم، كما يتعين على ولاة الأمور أن يوصوا من يبعثون في قبض الزكاة، بتقوى الله، واستيعاب جميع القيمة عندما تؤخذ القيمة، والاستقصاء في ذلك.

كما يجب عليهم أن يقوموا حول هذه العبادة العظيمة، وسائر فرائض الدين، بما يخرجون به من عهدة ما ولاهم الله عليه؛ وهو سائلهم عنه يوم القيامة.

فإن أهم مقاصد الولاية: إقامة دين الله، وإلزام الخاصة والعامة من المسلمين بالتزام فرائضه، ولا سيما: التوحيد، والصلاة، والزكاة، وأن يعاقبوا المتهاونين بأمر الله ورسوله، والمتساهلين بفرائض الدين، العقوبة التي تردع العصاة، والغواة عن عصيانهم وغيهم، وأن يوصلوا الزكاة إلى أربابها المستحقين لها، وهم

ص: 416

الأصناف الثمانية المذكورون في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [سورة التوبة آية: 60] .

ودفعها إلى غير هؤلاء لا يبرئ الذمة، ولا يعتبر شرعا أداء للزكاة، كما أن على العمالة مخافة الله وتقواه فيما ائتمنوا عليه، بأن لا يأخذوا أكثر من الواجب، ولا يتركوا من الواجب شيئا، فيكونوا قد خانوا الله ورسوله، وخانوا ولي أمرهم، وخانوا أرباب الزكاة من الفقراء والمساكين ونحوهم وغشوا أرباب الأموال، حيث أرسلوا ليعينوهم على أنفسهم ويطهروهم بقبضها منهم.

كما يجب على أرباب الأموال: تقوى الله وخشيته، والخوف من أن يموت أحدهم وزكاة الإسلام في ذمته، ولا تقضى بعده؛ بل يلقى الله بها يوم القيامة وهي في ذمته.

والله أسأل أن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ص: 417

[رسالة الشيخ صالح الخريصي في الحث على تقوى الله والشفقة على المحتاجين]

وقال الشيخ: صالح بن أحمد الخريصي، رحمه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد: فقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [سورة الحشر آية: 18]، وقال تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [سورة المائدة آية: 2]، وقال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [سورة الحجرات آية: 10] .

وقال تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ} [سورة البقرة آية: 110]، وقال تعالى:{إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ} [سورة التغابن آية: 17] والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا.

والغرض: أن الله تبارك وتعالى أمر المؤمنين أن يقوموا بحقه الذي أوجبه عليهم، وبحقوق بعضهم على بعض، من شفقة بعضهم على بعض، ورحمة بعضهم بعضا، ومواساة بعضهم بعضا، كما وصفهم في قوله:{رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [سورة الفتح آية: 29]، {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [سورة المائدة آية: 54] .

وقال: صلى الله عليه وسلم "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر"، 1 وقال صلى الله عليه وسلم "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" 2

1 البخاري: الأدب (6011)، ومسلم: البر والصلة والآداب (2586) ، وأحمد (4/270) .

2 البخاري: الصلاة (481)، ومسلم: البر والصلة والآداب (2585)، والترمذي: البر والصلة (1928)، والنسائي: الزكاة (2560) ، وأحمد (4/404) .

ص: 418

وقال: "من فرّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا، فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"1.

لا سيما مع الضعيف الملهوف، فقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ذر رضي الله عنه:"وتسعى بشدة ساقيك إلى اللهفان المستغيث، وترفع بشدة ذراعيك مع الضعيف"2.

وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تحل المسألة إلا لأحد ثلاثة: لذي دم موجع، أو غرم مفظع، أو فقر مدقع" 3، وفي الحديث:"إن الصدقة لتدفع ميتة السوء، وتطفئ الخطيئة"4.

وفي الحديث: "باكروا بالصدقة، فإن البلاء لا يتخطاها"، وفي الحديث:"ما نقص مال من صدقة؛ بل تزده، بل تزده" 5، وفي الحديث:"صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وأهل المعروف في الدنيا، هم أهل المعروف في الآخرة، وأول من يدخل الجنة أهل المعروف".

جعلنا الله وإياكم منهم بمنه وكرمه، إنه جواد كريم رؤوف رحيم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين. حرر في ذي الحجة سنة 1375 هـ.

وفي هاتين الرسالتين كفاية، فلو تتبعنا ما لعلماء هذا العصر من النصائح في ذلك، لخرج بنا عن المقصود.

1 مسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2699)، والترمذي: الحدود (1425)، وأبو داود: الأدب (4946)، وابن ماجه: المقدمة (225) ، وأحمد (2/252) .

2 أحمد (5/168) .

3 أبو داود: الزكاة (1641)، وابن ماجه: التجارات (2198) ، وأحمد (3/114) .

4 الترمذي: الزكاة (664) .

5 الترمذي: الزهد (2325) ، وأحمد (4/231) .

ص: 419