المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الخامس: التصوير - الدرر السنية في الأجوبة النجدية - جـ ١٥

[عبد الرحمن بن قاسم]

الفصل: ‌الباب الخامس: التصوير

‌الباب الخامس: التصوير

وهو محرم بالكتاب والسنة والإجماع، ولم يستعمل في أول هذه الدعوة المباركة، إلى عصر الشيخ عبد الله وطبقته، ولم يستعمل في عصر الخلفاء الراشدين، ولا الأئمة المهديين، وقد استولوا على مشارق الأرض ومغاربها.

وإنما استعمل في هذا العصر، مشابهة لأهل الخارج، ولتولية الخونة المرتشية; ولا يجوز أن يستعمل الخائن على أمر من أمور المسلمين؛ ومن الباطل أن يلزم به كل موظف وفقير ومتعلم، حتى إن صغار المتعلمين يصورون، ويعلمون التصوير، اتباعا لبرنامج الخارج!!.

والتصوير: أصل شرك العالم، لا سيما المعظمين، قال تعالى:{وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً} [سورة نوح آية: 23-24] .

قال ابن عباس رضي الله عنه: "هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم، أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا، وسموها بأسمائهم، ففعلوا ولم تعبد، حتى إذا هلك أولئك، ونسي العلم عبدت".

وقال ابن القيم: قال غير واحد من السلف: لما ماتوا

ص: 295

عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم".

وقال تعالى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [سورة لقمان آية: 11] وفي الصحيحين عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة"1.

وفيهما عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أشد الناس عذابا يوم القيامة، الذين يضاهئون بخلق الله"2.

قال النووي: قيل هذا محمول على صانع الصورة لتعبد، وهو صانع الأصنام ونحوها، فهذا كافر، وهو أشد الناس عذابا. وقيل: هو فيمن قصد المعنى الذي في الحديث، من مضاهاته خلقه، واعتقد ذلك فهو كافر أيضا، وله به من شدة العذاب ما للكافر، ويزيد عذابه بزيادة كفره.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم" 3 متفق عليه، ولهما عنه صلى الله عليه وسلم:"من صور صورة كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ"4.

ولهما عن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم

1 البخاري: التوحيد (7559)، ومسلم: اللباس والزينة (2111) ، وأحمد (2/259 ،2/391 ،2/527) .

2 البخاري: اللباس (5954) ، وأحمد (6/36) .

3 أحمد (2/26) .

4 البخاري: البيوع (2225) والتعبير (7042)، والترمذي: اللباس (1751)، والنسائي: الزينة (5359) ، وأحمد (1/246) .

ص: 296

رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر، وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل، فهتكه وتلون وجهه، وقال:"أشد الناس عذابا عند الله الذين يضاهئون بخلق الله" 1 القرام: الستر الرقيق.

وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يخرج عنق من النار، فيقول: إني وكلت بكل من دعا مع الله إلها آخر، وبكل جبار عنيد، وبالمصورين" 2 قال الترمذي: حسن صحيح، وقال صلى الله عليه وسلم:"الذين يصورون هذه الصور، يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم" 3 متفق عليه.

وقال ابن عباس رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل مصور في النار، يجعل الله له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم" 4، وقال صلى الله عليه وسلم:"لعن الله المصورين"؛ قال ابن القيم: فالمصور أحد الملاعين الداخلين تحت لعنة الله ورسوله.

وهذا يدل على أن التصوير من أكبر الكبائر، لأنه جاء فيه من الوعيد واللعن، وكون فاعله أشد الناس عذابا، ما لم يجئ في غيره من الكبائر.

[جواب الشيخ محمد بن إبراهيم عما كتبه أبو الوفاء محمد درويش بشأن التصوير]

وقال الشيخ: محمد بن إبراهيم، رحمه الله تعالى 5:

وجه إلي سؤال عما كتبه فضيلة الشيخ أبو الوفاء

1 البخاري: اللباس (5954)، والنسائي: الزينة (5356) ، وأحمد (6/36) .

2 الترمذي: صفة جهنم (2574) ، وأحمد (2/336) .

3 البخاري: النكاح (5181) ، وأحمد (6/246)، ومالك: الجامع (1803) .

4 مسلم: اللباس والزينة (2110) ، وأحمد (1/308) .

5 ردا على محمد درويش، كما في رسالته "الصور والتصوير" طبعت سنة 1385 هـ.

ص: 297

محمد درويش، في مجلة الهدي النبوي، بشأن التصوير الشمسي، من الفتوى بجوازه مطلقا، مؤكدا للجواز ومستدلا عليه بما رواه مسلم عن بسر بن سعيد، حينما قال بسر لعبد الله الخولاني، وقد رأى سترا فيه صورة في بيت زيد: ألم يخبرنا زيد عن الصور يوم الأول؟ فقال عبد الله: ألم تسمعه حين قال: إلا رقما في ثوب؟ !

وبقوله تعالى: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} 1 مقررا ذلك بقوله: لا يريد إلا أنه جعل أجسامكم في صورة حسنة× فالتصوير في الحقيقة لا يطلق إلا على المجسمات.

وجوابي عن ذلك، أن أقول: تصوير ما له روح لا يجوز، سواء في ذلك ما كان له ظل وما لا ظل له، وسواء كان في الثياب والحيطان، والفرش والأوراق وغيرها.

هذا هو الذي تدل عليه الأحاديث الصحيحة، كحديث مسروق الذي في البخاري، قال سمعت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أشد الناس عذابا يوم القيامة، المصورون" 2

وحديث عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الذين يصنعون هذه الصور، يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم"3.

وحديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال سمعت

1 سورة غافر آية: 64.

2 البخاري: اللباس (5950)، ومسلم: اللباس والزينة (2109)، والنسائي: الزينة (5364) ، وأحمد (1/375) .

3 البخاري: اللباس (5951)، ومسلم: اللباس والزينة (2108)، والنسائي: الزينة (5361) ، وأحمد (2/20 ،2/55 ،2/141) .

ص: 298

محمدا صلى الله عليه وسلم يقول: "من صور صورة في الدنيا، كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ" 1: فهذه الأحاديت الصحيحة وأمثالها دلت بعمومها على منع التصوير مطلقا، ولو لم يكن في الباب سواها، لكفتنا حجة على المنع الإطلاقي.

فكيف وقد وردت أحاديث ثابتة، ظاهرة الدلالة على منع تصوير ما ليس له ظل من الصور، منها حديث عائشة، رضي الله عنها، وهو في البخاري:"أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير. فقام النبي صلى الله عليه وسلم بالباب، فلم يدخل، فقلت: أتوب إلى الله مما أذنبت. فقال: ما هذه النمرقة؟ فقلت: لتجلس عليها، وتوسدها، قال: إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم، وإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه الصور"2.

ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي في السنن، وصححه الترمذي، وابن حبان، ولفظه:"أتاني جبريل فقال: أتيتك البارحة، فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه على الباب تماثيل، وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب، فمر برأس التمثال الذي على باب البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة، ومر بالكلب فليخرج، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم"3.

ومنها: ما في مسلم عن سعيد بن أبي الحسين، قال:

1 البخاري: التعبير (7042)، ومسلم: اللباس والزينة (2110)، والنسائي: الزينة (5358) ، وأحمد (1/241 ،1/246 ،1/350) .

2 البخاري: اللباس (5957)، ومسلم: اللباس والزينة (2107) ، وأحمد (6/246)، ومالك: الجامع (1803) .

3 الترمذي: الأدب (2806)، وأبو داود: اللباس (4158) ، وأحمد (2/305) .

ص: 299

"جاء رجل إلى ابن عباس، رضي الله عنهما، فقال: إني رجل أصور هذه الصور، فأفتني فيها، فقال له: ادن مني، فدنا منه. ثم قال: ادن مني، فدنا منه. ثم قال: ادن مني، فدنا منه، حتى وضع يده على رأسه، وقال: أنبئك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسوله الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة يصورها نفس، فتعذبه في جهنم" وقال: "إن كنت فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له".

ومنها: ما في سنن أبي داود، عن جابر رضي الله عنه:"أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه زمن الفتح- وهو بالبطحاء- أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها، فلم يدخلها النبي صلى الله عليه وسلم حتى محيت كل صورة فيها"1.

ومنها: ما بوب له البخاري بقوله: باب نقض الصور، وهو حديث عمران بن حطان: أن عائشة رضي الله عنها، حدثته:"أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يترك في بيته شيئا فيه تصاليب إلا نقضه"2.

ومن هذه الأحاديث وأمثالها أخذ الأئمة الأربعة وسائر السلف، إلا من شذ، منع التصوير، وعموم المنع في سائر الصور، سواء ما كان مجسدا، وما كان مخططا في الأوراق وغيرها، كالمصور في أصل المرآة وغيرها، مما يعلق في الجدران، ونحو ذلك.

1 أبو داود: اللباس (4156) ، وأحمد (3/335 ،3/383) .

2 البخاري: اللباس (5952) ، وأحمد (6/52) .

ص: 300

أما تعلق من خالف ذلك بحديث: "إلا رقما في ثوب" 1، فهو شذوذ عما كان عليه السلف والأئمة، وتقديم للمتشابه على المحكم؛ إذ يحتمل أن المراد باستثناء الرقم في الثوب، ما كانت الصورة فيه غير ذوات الأرواح، كصورة الشجر ونحوه، كما ذكر الإمام أبو زكريا النووي وغيره.

واللفظ إذا كان محتملا، فلا يتعين حمله على المعنى المشكل، بل ينبغي أن يحمل على ما يوافق الأحاديث الظاهرة في المنع، التي لا تحتمل التأويل; على أنه لو سلم بقاء حديث:"إلا رقما في ثوب" 2 على ظاهره، لما أفاد إلا جواز ذلك في الثوب فقط.

وجوازه في الثوب لا يقضي جوازه في كل شيء، لأن ما في الثوب من الصور، إما ممتهن، وإما عرضة للامتهان، ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا بأس بفرش الفرش التي فيها التصاوير، استدلالا بما في حديث السنن الذي أسلفنا، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:"ومر بالستر فليقطع، فليجعل منه وسادتان منبوذتان توطآن" 3 إذ وطؤها وامتهانها مناف ومناقض لغرض المصورين في أصل الوضع، وهو تعظيم المصور، والغلو فيه، المفضي إلى الشرك بالمصور.

ولهذه العلة والعلة الأخرى، وهي المضاهاة

1 البخاري: اللباس (5958)، والنسائي: الزينة (5349)، ومالك: الجامع (1802) .

2 البخاري: اللباس (5958)، والنسائي: الزينة (5349)، ومالك: الجامع (1802) .

3 الترمذي: الأدب (2806)، وأبو داود: اللباس (4158) .

ص: 301

بخلق الله، جاء الوعيد الشديد، والتهديد الأكيد، في حق المصورين.

وأما جعل الآية الكريمة، وهي قوله تعالى:{وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} 1 معارضة لما دلت عليه النصوص النبوية بعمومها تارة وبظاهرها أخرى، فهذا من أفحش الغلط، ومن أبين تحريف الكلم عن مواضعه.

فإن التصوير الشمسي، وإن لم يكن مثل الجسد من كل وجه، فهو مثله في علة المنع، وهي: إبراز الصورة في الخارج، بالنسبة إلى المنظر؛ ولهذا يوجد كثير من المصورات الشمسية ما هو أبدع في حكاية المصور، بحيث يقال في الواحدة من الصور: هذه صورة فلان طبق الأصل.

وإلحاق الشيء بالشيء لا يشترط فيه المساواة من كل الوجوه، كما هو معلوم؛ هذا لو لم تكن الأحاديث ظاهرة في التسوية بينهما، فكيف وقد جاءت أحاديث عديدة واضحة الدلالة في المقام؟!

وقد زعم بعض مجيزي التصوير الشمسي أنه نظير ظهور الوجه في المرآة ونحوها من الصقيلات، وهذا فاسد; لأن ظهور الوجه في المرآة ونحوها، شيء غير مستقر، وإنما يرى بشرط بقاء المقابلة، فإذا فقدت المقابلة فقد ظهور الصورة في المرآة ونحوها.

بخلاف الصورة الشمسية، فإنها باقية في الأوراق

1 سورة غافر آية: 64.

ص: 302

ونحوها، مستقرة؛ وإلحاقها بالصورة المنقوشة باليد أظهر وأوضح، وأصح من إلحاقها بظهور الصورة في المرآة ونحوها.

فإن الصورة الشمسية، وبدو الصورة في الأجرام الصقيلة ونحوها، يفترقان في أمرين: أحدهما: الاستقرار والبقاء; والثاني: حصول الصورة عن عمل ومعالجة، فلا يطلق لا لغة ولا عقلا ولا شرعا، على مقابل المرآة ونحوها أنه صور ذلك.

ومصور الصورة الشمسية، مصور لغة وعقلا وشرعا؛ فالمسوي بينهما مسوٍّ بين ما فرق الله بينه؛ والمانعون منه قد سووا بين ما سوى الله، وفرقوا بين ما فرق الله بينه، وكانوا بالصواب أسعد، وعن فتح أبواب المعاصي والفتن أنفر وأبعد.

فإن المجيزين لهذه الصور، جمعوا بين مخالفة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفث سموم الفتنة بين العباد، بتصوير النساء الحسان، العاريات الفاتنات، في عدة أشكال وألوان، وحالات يقشعر منها كل مؤمن صحيح الإيمان، ويطمئن إليها كل فاسق وشيطان، فالله المستعان، وعليه التكلان.

[قول الشيخ صالح البليهي في تحريم التصوير]

وقال الشيخ صالح البليهي في تحريم التصوير، وأنه لا فرق بين المجسم وغيره:

ص: 303

قبل كلام كل متكلم، يجمل بنا أن نذكر الحجة من قول الناصح الأمين صلى الله عليه وسلم، ثم نشرح ذلك بالأدلة، على أنه لا فرق، ثم نتحف القارئ بقول البعض من جهابذة العلماء، وفرسان الشريعة، ليكون ذلك نبراسا وهدى للمهتدي، وحجة على المعتدي.

والسبب في ذلك أن البعض من أهل الوقت يعتقد أن التحريم في التصوير واقتنائه خاص بما له ظل، دون ما عداه؛ ولا يعتقد هذا المعتقد مع ظهور الحجة وبيان المحجة، إلا جاهل أو مرتاب; فنسأله جل شأنه أن يهدينا وإياهم إلى الحق والصواب.

وسبب آخر هو: كثرة التصوير، وكثرة اقتنائه.

فمن ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أنه عليه السلام قال:"إن الذيق يصنعون الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم" متفق عليه، ولفظه لمسلم.

وفي المتفق عليه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون" 1، وفيهما أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفس، فتعذبه في جهنم"2.

وفي صحيح البخاري، عن أبي زرعة قال: دخلت مع

1 البخاري: اللباس (5950)، ومسلم: اللباس والزينة (2109)، والنسائي: الزينة (5364) ، وأحمد (1/375) .

2 مسلم: اللباس والزينة (2110) ، وأحمد (1/308) .

ص: 304

أبي هريرة دارا بالمدينة، فرأى في أعلاها مصورا يصور، فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا حبة، أو ليخلقوا ذرة" 1، زاد مسلم "أو ليخلقوا شعيرة"2.

والذي في صحيح مسلم: دخلت مع أبي هريرة في دار مروان، فرأى فيها تصاوير.

وعن عائشة رضي الله عنها، قالت:"قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر، وقد سترت بقرام لي على سهوة لي فيها تماثيل، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم هتكه، وقال: أشد الناس عذابا يوم القيامة، الذين يضاهئون بخلق الله. قالت: فجعلناه وسادة أو وسادتين" 3 متفق عليه، ولفظه للبخاري.

وعنها رضي الله عنها: "أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخله، فعرفت في وجهه الكراهية; فقلت: يا رسول الله أتوب إلى الله، وإلى رسوله، ماذا أذنبت؟

فقال رسول الله: ما بال هذه النمرقة؟ قلت اشتريتها لك، لتقعد عليها وتوسدها، فقال عليه السلام: إن أصحاب هذه الصور يوم القيامة يعذبون، فيقال لهم: أحيوا ما خلقتم" 4، وقال: "إن البيت الذي فيه الصور، لا تدخله الملائكة" 5 والسياق للبخاري.

وعن أبي طلحة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

1 البخاري: اللباس (5953)، ومسلم: اللباس والزينة (2111) ، وأحمد (2/232 ،2/391 ،2/527) .

2 مسلم: اللباس والزينة (2111) ، وأحمد (2/232) .

3 البخاري: اللباس (5954)، ومسلم: اللباس والزينة (2107)، والنسائي: الزينة (5357) ، وأحمد (6/36) .

4 البخاري: البيوع (2105) .

5 البخاري: البيوع (2105)، ومسلم: اللباس والزينة (2107) ، وأحمد (6/246)، ومالك: الجامع (1803) .

ص: 305

"لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة" 1 متفق عليه.

وعن حيان بن حصين قال قال لي علي رضي الله عنه: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبرا مشرفا إلا سويته" 2 رواه مسلم; وفي سنن أبي داود، عن علي رضي الله عنه مرفوعا:"لا تدخل الملائكة بيتا فية صورة، ولا كلب، ولا جنب"3.

وفي البخاري عن ابن عمر قال: "واعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جبرائيل أن يأتيه فراث عليه حتى اشتد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج فلقيه جبريل فشكا عليه، فقال: إنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة" 4

وروى أحمد عن علي رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فقال: أيكم ينطلق إلى المدينة، فلا يدع فيها وثنا إلا كسره، ولا قبرا إلا سواه، ولا صورة إلا لطخها. فقال رجل: أنا يا رسول الله. قال: فانطلق ثم رجع، فقال: يا رسول الله، لم أدع وثنا إلا كسرته، ولا قبرا إلا سويته، ولا صورة إلا لطختها. ثم قال عليه السلام: من عاد إلى صنع شيء من هذا فقد كفر بما أنزل على محمد" 5 وجود المنذري إسناده.

وعن صفية بنت شيبة، قالت:"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بلَّ ثوبا وهو في الكعبة، ثم جعل يضرب التصاوير التي فيها".

1 البخاري: بدء الخلق (3225)، ومسلم: اللباس والزينة (2106)، والترمذي: الأدب (2804)، والنسائي: الصيد والذبائح (4282) والزينة (5347 ،5348)، وابن ماجه: اللباس (3649) ، وأحمد (4/30) .

2 مسلم: الجنائز (969)، والترمذي: الجنائز (1049)، والنسائي: الجنائز (2031)، وأبو داود: الجنائز (3218) ، وأحمد (1/96) .

3 النسائي: الطهارة (261)، وأبو داود: اللباس (4152) ، وأحمد (1/83 ،1/107 ،1/139)، والدارمي: الاستئذان (2663) .

4 البخاري: اللباس (5960) .

5 مسلم: الجنائز (969)، والترمذي: الجنائز (1049)، والنسائي: الجنائز (2031)، وأبو داود: الجنائز (3218) ، وأحمد (1/87) .

ص: 306

قال في مجمع الزوائد: رواه الطبراني، ورجاله ثقات.

وفي مسند أبي داود الطيالسي، عن أسامة، قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة، ورأى صورا، فدعا بدلو من ماء، فجعل يمحوها، ويقول:"قاتل الله قوما يصورون ما لا يخلقون".

وفي تاريخ مكة للأزرقي، عن عبد المجيد بن أبي روّاد:"أن الفضل دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة يوم الفتح، وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم فأتى بذنوب من ماء زمزم ليطمس به الصور التي في الكعبة".

وفي الكتاب المذكور من حديث الزهري: "أنه عليه السلام دخل البيت يوم الفتح، وأرسل الفضل بن عباس، فجاء بماء زمزم، ثم أمر بثوب فبلّ بالماء، فأمر بطمس تلك الصور".

ونقل في شفاء الغرام، عن أبي قانع بسنده عن مسامع ابن شيبة عن أبيه، قال:"دخل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة، فصلى فيها ركعتين، ورأى فيها تصاوير، فقال: يا شيبة اكفني هذا، فاشتد ذلك على شيبة، فقال له رجل: اطله بزعفران ففعل".

والأحاديث الواردة في هذا الباب كثيرة جدا. والأدلة على أنه لا فرق في التحريم بين المجسد وغيره كثيرة، فنذكر البعض منها، ليظهر الحق ويستنير:

ص: 307

الدليل الأول: أن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عامة، ومن ادعى التفرقة فعليه الدليل.

الدليل الثاني: أن العلة في مضاهاة خلق الله موجودة في المجسد وغيره.

الدليل الثالث: أحاديث عائشة في شأن قرامها ظاهرة الدلالة، في عدم الفرق فيما له ظل، وفيما لا ظل له.

الدليل الرابع: علة الافتتان موجودة في المجسد وغيره، سواء كانت العلة عبادة أو غيرها.

الدليل الخامس: حديث علي حين بعثه عليه السلام: "أن لا يدع قبرا مشرفا إلا سواه، ولا صورة إلا طمسها" 1، فقوله عليه السلام:(إلا طمستها) ظاهر الحديث العموم، بل هو في التي لم تكن مجسدة أصرح، لأنه لم يقل أن لا تدع صورة إلا كسرتها، أو أزلتها.

الدليل السادس: حديث علي لما بعث عليه السلام الرجل إلى المدينة، أن لا يدع فيها صورة إلا لطخها، صريح في التي لم تكن مجسدة، فالطمس لا يزيل المجسد؛ وأيضا الرسول عليه السلام فرق بين الكسر واللطخ.

الدليل السابع: حديث أسامة، حيث دعا عليه السلام بدلو من ماء فجعل يمحوها; وجه الدلالة: أنها لو كانت مجسدة لم يزلها الماء، وهذا معروف لدى كل عاقل مريد

1 مسلم: الجنائز (969)، والترمذي: الجنائز (1049)، والنسائي: الجنائز (2031)، وأبو داود: الجنائز (3218) ، وأحمد (1/96) .

ص: 308

للحق;

الدليل الثامن: حديث الفضل بن العباس، والحجة فيه كالذي قبله.

الدليل التاسع: حديث صفية، وحديث الفضل الآخر: لما جاء بماء زمزم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بثوب فبلّ بالماء، فأمر بطمس الصور; ومن المعروف والمتقرر: أنها لو كانت مجسدة لم يزلها الماء القليل الموجود في الثوب.

يوضحه: أن الصور الموجودة في الكعبة على جدرانها، معمولة بالنقوش والأصباغ، بدليل ما قاله أحمد تيمور باشا، في كتابه "التصوير عند العرب" قال فيه: وكان التصوير على الجدران معروفا عند العرب في الجاهلية والإسلام، وكانت الكعبة المكرمة مصورة الجدران، فلما فتحت مكة أزيلت تلك الصور.

الدليل العاشر: حديث شيبة حين أمره عليه السلام بإزالتها، واقترح عليه من حضر أن يطلاها بزعفران، وهذا واضح، فلو كانت مجسدة لم يكتف بذلك.

الدليل الحادي عشر: معلوم أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال، فلو كانت الصورة التي لم تكن مجسدة مباحة، لم يأمر عليه السلام بإتلافها، وإتلاف ما هي فيه أو إفساده.

الدليل الثاني عشر: إنكار أبي هريرة للصور التي رآها في دار مروان، بدليل ما قاله القسطلاني في إرشاد الساري، على حديث أبي هريرة، قال: وظاهره يتناول ما له

ص: 309

ظل وما ليس له ظل، فلذا أنكر أبو هريرة ما نقش في سقف الدار; انتهى.

وأما ما ورد: "إلا رقما في ثوب" فأجاب عنه النووي، قائلا: وجوابنا وجواب الجمهور عنه: أنه محمول على رقم على صورة الشجر وغيره، مما ليس بحيوان.

وقد قدمنا أن هذا جائز عندما أجاب عنه ابن العربي المالكي، بأنه منسوخ بأحاديث المنع، وأجاب عنه كثير من العلماء: بأنه محمول على ما إذا كان الرقم في ثوب أو بساط، أو نحو ذلك مما يداس ويمتهن.

وللصور والتصاوير عقوبات في الدنيا والآخرة؛ فمن عقوبات ذلك: منع دخول الملائكة للبيت الذي فيه صورة، الذين دخولهم رحمة وبركة وطمأنينة وأنس، وفي الآخرة الوعيد الشديد، والعذاب الأكيد.

وإليك أيها الأخ النبيل ما قاله الفطاحلة من العلماء، الذين هم القدوة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

فمن ذلك: ما قاله الإمام النووي، في المجلد السابع من شرح مسلم: قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: تصوير صورة الحيوان، حرام شديد التحريم، وهو من الكبائر، لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث.

وسواء صنعه بما يمتهن أو بغيره، فصنعته حرام بكل حال، لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى; وسواء ما كان في

ص: 310

ثوب أو بساط، أو درهم أو دينار، أو فلس، أو إناء، أو حائط، أو غيرها.

وأما تصوير صورة الشجر ورحال الإبل، وغير ذلك مما ليس فيه صورة حيوان، فليس بحرام، هذا حكم نفس التصوير.

وأما اتخاذ المصور فيه صورة حيوان، فإن كان معلقا على حائط، أو ثوبا ملبوسا، أو عمامة ونحو ذلك مما لا يعد ممتهنا، فهو حرام، إلى أن قال: ولا فرق في هذا كله، بين ما له ظل وما لا ظل له، هذا تلخيص مذهبنا في المسألة. وبمعناه قال جماهير العلماء، من الصحابة والتابعين ومن بعدهم; وهو مذهب الثوري، ومالك، وأبي حنيفة، وغيرهم.

وقال بعض السلف: إنما ينهى عما كان له ظل، ولا بأس بالصور التي ليس لها ظل، وهذا مذهب باطل; فإن الستر الذي أنكر النبي صلى الله عليه وسلم الصورة فيه، لا يشك أحد أنه مذموم، وليس لصورته ظل، مع باقي الأحاديث المطلقة في كل صورة.

وقال الزهري: النهي في الصورة على العموم، وكذلك استعمال ما هي فيه، ودخول البيت الذي هي فيه، سواء كانت رقما في ثوب أو غير رقم، وسواء كانت في حائط أو ثوب أو بساط، ممتهن أو غير ممتهن، عملا بظاهر الأحاديث. انتهى.

ص: 311

وقال ابن حجر في فتح الباري، على حديث ابن عباس، قلت: ويؤيد التعميم فيما له ظل، وفيما لا ظل له، ما أخرجه أحمد من حديث علي، ثم ساق الحديث المتقدم.

وقال ابن حجر أيضا: وصحح ابن العربي أن الصورة التي لا ظل لها إذا بقيت على هيئتها حرمت، سواء مما كانت يمتهن أم لا؛ وإن قطع رأسها أو مزقت هيئتها جاز.

وقال الحافظ أيضا، في شرح حديث عائشة: قال ابن بطال: في هذا الحديث دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم كان ينقض الصورة، سواء كانت مما له ظل أم لا، وسواء كانت مما توطأ أم لا، سواء في الثياب، وفي الحيطان وفي الفرش، والأوراق وغيرها. انتهى.

وقال القسطلاني على حديث أبي هريرة المتقدم: وظاهره يتناول ما له ظل، وما ليس له ظل؛ فلذا أنكر أبو هريرة ما نقش في سقف الدار، وقال القسطلاني في موضع آخر: ويحرم تصوير حيوان على الحيطان، والسقوف، والأرض، ونسج الثياب. انتهى.

وقال الذهبي رحمه الله: وأما الصور فهي كل مصور من ذوات الأرواح، سواء كانت لها أشخاص منتصبة، أو كانت منقوشة في سقف، أو جدار، أو موضوعة في نمط، أو منسوجة في ثوب أو مكان; فإن قضية العموم تأتي عليه،

ص: 312

فليجتنب; ويجب إتلاف الصور لمن قدر على إتلافها، أو إزالتها. انتهى.

وقال الشوكاني على حديث ابن عباس: وظاهر قوله: كل مصور، وقوله: بكل صورة صورها، أنه لا فرق بين المطبوع في الثياب، وبين ما له جرم مستقل، ويؤيد ذلك ما في حديث عائشة المتقدم.

إلى أن قال: فهذه الأحاديث قاضية بعدم الفرق بين المطبوع من الصور والمستقل لأن اسم الصورة صادق على الكل، إذ هي كما في كتب اللغة: الشكل، وهو يقال لما كان منها مطبوعا على الثياب شكلا. انتهى.

وقال صديق، رحمه الله، في السراج الوهاج، على حديث ابن عباس: وهذا الحديث في معناه يدل على تحريم تصوير الحيوان، وهو حرام شديد التحريم، وهو من الكبائر؛ وسواء صنعه بما يمتهن أو بغيره، فصنعته حرام بكل حال.

إلى أن قال: ومن أشراط الساعة القريبة، عموم البلوى بالتصوير في هذا العصر، حتى لم يبق شيء من المآكل والمشارب، والأثواب، والمراكب، وكل شيء يستعمله الإنسان، من كتب، وأواني، ودراهم، ودنانير، وغيرها، وتعذر الاحتراز عنها، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وقال المعصومي في عقد الجوهر الثمين: إن تصوير

ص: 313

صور الحيوانات ذوات الأرواح حرام وكبيرة، فلا يجوز فعله، سواء كانت مجسمة أو منقوشة، صنعها باليد أو بمكينة فوتوغرافيا؛ وأما تمثيل صور الأشجار وغير ذي الروح، فلا بأس، وإن كان الأولى الترك.

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز بعدما ذكر بعض الأحاديث الواردة في هذا الموضوع: وهذه الأحاديت وما جاء في معناها، دالة دلالة ظاهرة على تحريم التصوير لكل ذي روح، وأن ذلك من كبائر الذنوب المتوعد عليها بالنار.

وهي عامة لأنواع التصوير، سواء كان للصورة ظل أم لا، وسواء كان التصوير في حائط أو ستر، أو قميص، أو مرآة، أو قرطاس، أو غير ذلك، إلى آخر كلامه، حفظه الله 1.

وما سمعت من الأحاديث والأدلة، وكلام العلماء سابقا، هو الذي يشفي العليل، ويروي الغليل، لمن تخلى عن التعصب والهوى، لا بكلام فلان وفلتان وعلان، الذين كلامهم لا يروي ولا يجدي، ويزيد الطين بلة، ويلصق بالشك شكوكا.

فعلى المسلم الناصح لنفسه أن يحارب الصور في قوله وفعله واعتقاده، ويجب إتلاف ما قدر عليه منها، لأنها معصية ومنكر، وإنكار المنكر واجب; وعليه أن لا يدع شيئا

1 في الجواب المفيد في حكم التصوير.

ص: 314

منها يدخل مسكنه، وإن عمت البلوى بشيء منها، فيجتهد في إزالتها أو طمسها، لأن التصوير معصية، وإقرارها في البيت رضى، والرضى بالمعصية معصية، ومن يتق الله يجعل له مخرجا.

ومما يؤسف له أن الكثير من أبناء المسلمين فتنوا بالمجلات والمصورات الخليعة الماجنة الداعرة، والتي فيها السموم القتالة، وفي طياتها الشرور الكامنة.

فيجب على أهل الحل والعقد والمسؤولية، وبالأخص علمائنا الأفاضل أن يسعوا جهدهم مبادرين بمنعها عن دخول المملكة، وعن بيعها في الأسواق جهارا، لأن ضررها على الدين والمجتمعات الإسلامية عظيم جدا.

ولا شك أنها من الجيوش الغربية التي غزتنا في عقر ديارنا، ونحن لم نحرك ساكنا من سياسة المبشرين للنصرانية، الذين يكيدون للعرب ودينهم، لأنهم يعرفون أنها تغير الأخلاق؛ وإذا تغيرت الأخلاق، ضعف الدين، وإذا ضعف الدين، حصل مقصودهم أو بعضه.

ومن المعلوم أن الأمة بدينها وأخلاقها الإسلامية السامية أولا، وباستعدادها بالقوة ثانيا، وإذا ضعف الدين، فقل على الأمة السلام. هذا ما تيسر، ولو استقصينا الأحاديث وكلام العلماء في هذه المسألة، لاستدعى ذلك سفرا، ولكن المقام يحتم الاختصار، وفيما

ص: 315

ذكرناه كفاية، والحمد لله.

لذا نوقف القلم عن جريانه، والله الهادي إلى سواء السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل. 1

[قول الشيخ عبد الله بن سليمان بن حميد في صور ذوات الأرواح الموجودة في السيارات والمجلات]

وقال الشيخ: عبد الله بن سليمان بن حميد، رحمه الله: 2

ومن المنكرات الظاهرة: صور ذوات الأرواح الموجودة في السيارات والمجلات وغيرها، فقد جاء الوعيد الشديد، في عظم وزر المصورين.

قال صلى الله عليه وسلم: "إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم" 3، وقال صلى الله عليه وسلم:"أشد الناس عذابا عند الله، الذين يضاهئون بخلق الله"4.

وقالت عائشة رضي الله عنها "سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم تلون وجهه، قالت: فقطعناه" 5 وفي رواية: (ثم تناول الستر فهتكه) .

وفي رواية: (قام على الباب ولم يدخل، فعرفت في وجهه الكراهة، فقلت: يا رسول الله أتوب إلى الله ورسوله; وقال: "إن البيت الذي فيه صور لا تدخله الملائكة" 6

وقد ورد الأمر بإتلافها، وطمسها إذا وجدت، فمنها

1 وللشيخ صالح البيلهي أيضا مقال آخر نشر في مجلة الدعوة في شهر 7/1409 هـ، رد فيه على جريدة عكاظ.

2 في الأربع الرسائل المفيدة.

3 البخاري: اللباس (5951)، ومسلم: اللباس والزينة (2108)، والنسائي: الزينة (5361) ، وأحمد (2/20 ،2/55 ،2/141) .

4 البخاري: اللباس (5954)، والنسائي: الزينة (5356) ، وأحمد (6/36) .

5 البخاري: اللباس (5954)، ومسلم: اللباس والزينة (2107)، والنسائي: الزينة (5357) ، وأحمد (6/86) .

6 البخاري: النكاح (5181)، ومسلم: اللباس والزينة (2107) ، وأحمد (6/246)، ومالك: الجامع (1803) .

ص: 316

قوله صلى الله عليه وسلم لعلي: "أن لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبرا مشرفا إلا سويته" 1، وقول علي لأبي الهياج:"ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبرا مشرفا إلا سويته"2.

والأحاديث في تحريم الصور، والوعيد الشديد على المصورين والمتخذين لها، كثيرة.

قال العلماء رحمهم الله: سبب امتناع الملائكة من دخول البيت الذي فيه صورة: كونها معصية، وفيها مضاهاة لخلق الله، وبعضها في صورة ما يعبد من دون الله؛ فالمراد بالملائكة: ملائكة الرحمة والبركة والاستغفار.

فالصور حرام بكل حال، سواء كانت الصورة في ثوب، أو بساط، أو درهم، أو دينار، أو فلس، أو إناء، أو حائط، أو غيرها; وسواء ما له ظل، أو ما لا ظل له.

ويؤيد التعميم: ما أخرجه الإمام أحمد، من حديث علي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أيكم ينطلق إلى المدينة فلا يدع بها وثنا إلا كسره، ولا صورة إلا لطخها" 3 أي: طمسها، الحديث.

قال النووي: الأظهر أنه عام في كل صورة، لإطلاق الأحاديث، وأن الصور التي في المجلات، وعلى السيارات وغيرها، من ذوات الأرواح هي: منكر مما يجب على المسلمين إزالته.

1 مسلم: الجنائز (969)، والترمذي: الجنائز (1049)، والنسائي: الجنائز (2031)، وأبو داود: الجنائز (3218) ، وأحمد (1/96 ،1/128 ،1/145) .

2 مسلم: الجنائز (969)، والترمذي: الجنائز (1049)، والنسائي: الجنائز (2031)، وأبو داود: الجنائز (3218) ، وأحمد (1/96 ،1/128 ،1/145) .

3 أحمد (1/87) .

ص: 317

وقرر العلماء: أنه يجب على من رأى الصور كسرها، ولا غرم ولا ضمان عليه; وإذا لم يقدر لضعفه، أو لخوفه فتنة، وجب عليه رفع خبرها إلى ولي الأمر، ولا تبرأ ذمته إلا بذلك.

[قول الشيخ عبد الرحمن بن فريان فيما ظهر وانتشر من التصوير لذوات الأرواح]

وقال الشيخ: عبد الرحمن بن عبد الله بن فريان، وفقه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد: فإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وإن الله عز وجل يقول:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [سورة المائدة آية: 2] والبر هو: فعل الطاعات; والتقوى: ترك المعاصي; وقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [سورة آل عمران آية: 110] .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة. قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم"1.

1 مسلم: الإيمان (55)، والنسائي: البيعة (4197)، وأبو داود: الأدب (4944) ، وأحمد (4/102) .

ص: 318

وقال أيضا في الحديث الصحيح: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" 1، ويروى في الحديث الآخر:"من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم".

ونحن نرى اليوم - مع الأسف الشديد - ضعف التعاون بين المسلمين، على الطرق الخيرية، وقلة التناصح من بعضهم لبعض، بل صار الأمر بالعكس؛ حتى فشت المنكرات، وكثرت المجاملات، والمداهنات.

ترى الكثير منا يمدح الإنسان بما ليس فيه، ويقره على مخالفته للسنة، لأجل الثناء الفاشل، ولأغراض دنيوية، وتقديم رضى الناس، وضعف المحبة والدين، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

كيف تحولت الحال إلى هذه الغاية، وهذا الحد والنهاية؟! وقد تساهل بعض الناس بالنصوص الشرعية، التي تطبيقها هو صلاح البرية، وإهمالها هو عين الهلاك; قال الإمام مالك، رحمه الله: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها.

وإنه قد ساءنا ما قد ظهر بين المسلمين، وانتشر وكثر، وهو داء عظيم يجب علاجه، وهو: التصوير لذوات الأرواح؛ وقد كان بسببه حدث الشرك الأكبر في بني آدم، كما جاء في الأثر. فما هو العلاج لمكافحة هذا الداء؟

أيها المسلمون، هذا الداء القتّال، ولست أريد أنه يقتل

1 البخاري: الإيمان (13)، ومسلم: الإيمان (45)، والترمذي: صفة القيامة والرقائق والورع (2515)، والنسائي: الإيمان وشرائعه (5016) ، وأحمد (3/272)، والدارمي: الرقاق (2740) .

ص: 319

الجسد، ولكن يقتل الدين، وقد نهت عنه النصوص الشرعية، وحذرت منه، ولعنت فاعله.

فقل لي بالله واصدق أيها المسلم، هل يجوز الرضى بمعصية رب العالمين؟ وقد علم من الشرع الشريف، أن الراضي بالمعصية كفاعلها، وأن السكوت مع القدرة دليل الرضى.

وقد ضلت قوم نوح عليه السلام، وحدث فيهم الشرك، بسبب التصوير، فهو من وسائل الشرك وذرائعه، قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى:?" {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} [سورة نوح آية: 23] : (هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، لما هلكوا صور قومهم صورهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم".

وقال أيضا: (كانت عشرة قرون بين آدم ونوح عليه السلام، كلهم على شريعة من الحق، فاختلفوا، فبعث الله نبيه نوحا عليه السلام، يدعوهم إلى التوحيد) .

وقد ترجم الشيخ: محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله في كتاب التوحيد، بابا في هذا الشأن، فقال: باب ما جاء في المصورين; وذكر بعض النصوص الواردة في ذلك.

منها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى:?

"ومن أظلم ممن ذهب

ص: 320

يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة" 1 رواه البخاري ومسلم.

وعن عائشة رضي الله عنها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "أشد الناس عذابا يوم القيامة، الذين يضاهئون بخلق الله" 2 متفق عليه.

ولهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من صور صورة في الدنيا، كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ"3.

وروى مسلم في صحيحه عن أبى الهياج الأسدى، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال له:"ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبرا مشرفا إلا سويته"4.

فكيف: أيها المسلمون هذه الأحاديث النبوية، وهذه المنشورات السماوية، تأمرنا بما ينفعنا، وتنهانا عن ما يضرنا، وتأمر بطمس الصور إذا وجدت، من أي شيء كانت على العموم ولم تفرق بين ما كان مجسدا له ظل، وبين ما ليس كذلك، من المنقوشة، والمكتوبة، والمخيوطة، والتصوير الضوئي، وحبس الظل الفوتوغرافي، وغير ذلك; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطي جوامع الكلم، وبعث إلى الناس كافة، كما جاء في الحديث.

1 البخاري: التوحيد (7559)، ومسلم: اللباس والزينة (2111) ، وأحمد (2/232) .

2 البخاري: اللباس (5954) ، وأحمد (6/36) .

3 البخاري: التعبير (7042)، ومسلم: اللباس والزينة (2110)، والنسائي: الزينة (5358) ، وأحمد (1/241 ،1/246 ،1/350) .

4 مسلم: الجنائز (969)، والترمذي: الجنائز (1049)، والنسائي: الجنائز (2031)، وأبو داود: الجنائز (3218) ، وأحمد (1/96 ،1/128) .

ص: 321

ولا تغتر أيها المسلم بمن تنطع بمعسول الكلام، وقام يحلل ويحرم، بغير دليل ولا برهان، بل بمجرد الرأي والهذيان، من بعض متعلمة هذه الأزمان، وأجاز الصور الضوئية، وجعل المنع خاصا بما له أجسام، سبحان الله! من أين هذا التفريق؟ ولم يجئ لا في سنة ولا قرآن.

وقال ابن القيم رحمه الله:

العلم قال الله قال رسوله

قال الصحابة هم أولو العرفان

ومنتهى أمر هذا المغالط أنه لا يرى منع حتى الصور المجسدة; ويقول: هذه لعب أطفال، ونحو ذلك من الأعذار الباردة، التي غايتها إلغاء النصوص الشرعية، التي جاءت عن خير البرية، والعياذ بالله.

بل: لو تنزّلنا مع المحلل للصور الضوئية جدليا، فيقال له: أليست علة المضاهاة بخلق الله، وعلة التعظيم موجودتين في الجميع؟

والله يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [سورة الحشر آية: 7] .

بل لا يستقيم الإسلام إلا بتحكيمه صلى الله عليه وسلم وطاعته واتباعه، ويقول صلى الله عليه وسلم:" إني أوتيت القرآن ومثله معه" 1 يعني: السنة.

بل على الرغم أنه جاء التنصيص على غير المجسدة، والتحذير منه، كما في قصة الستر الذي هتكه صلى الله عليه وسلم وتغير

1 أبو داود: السنة (4604) ، وأحمد (4/130) .

ص: 322

وجهه لما رآه، فقطعته عائشة، رضي الله عنها، بعد أن كانت قد جعلته سترا على الطاق النافذ في الحائط؛ وذلك مبادرة منها رضي الله عنها لما يرضي الله ورسوله.

وكذلك قصة دخوله صلى الله عليه وسلم الكعبة عام الفتح، لما رأى صورة إبراهيم وإسماعيل، قد صورهما المشركون في جدار الكعبة، فحكّها صلى الله عليه وسلم وقال عند ذلك:"قاتل الله المشركين، والله ما استقسما بالأزلام قط" 1؛ ثم دعا بماء فغسلها.

هذا حكمه صلى الله عليه وسلم في المكتوبة، والمنسوجة، وذلك قوله في المصورين؛ فما بال هذه الصور قد وجدت بيننا بكثرة، في بلدان المسلمين؟!

أين أوامر الإسلام ونواهيه؟! أين التطبيق لأوامر الشرع؟! قد صار الأمر إلى هذه الغربة، والمصورون قد فتحوا محلات للتصوير، بدون خجل أو حياء.

وأعظم من هذا وأطم: إدخاله في التعليم، والنداء على المصورات بالبيع في المكاتب، والدور، والأسواق; بل بعض الناس يحمل معه آلة التصوير بجيبه، ويصور كلما أراد. فقد سهلت يا عباد الله طرق الفساد، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

فيجب على المسلمين إنكار هذا المنكر، ولا يجوز لهم السكوت، ولا يغتر بفشوه ورواجه؛ فإن المنكر هو بحاله

1 أحمد (1/365) .

ص: 323

منكر، كما هو في الشرع. ولا يحلله كثرته ورواجه، ولا محبة البعض وارتكابه.

فإن بعض البلدان المجاورة، قد رأت ذلك ضروريا وأمرت به، وأجبرت عليه، وليس الأمر كذلك؛ فإن الناس لم يكونوا ضائعين قبل وجود هذه المعصية، من أول الرسل إلى آخرهم، وقبلهم وبعدهم؛ بل حصل الضياع والتلاعب، بعدما أهملت الأوامر السماوية.

فإنه لو كان في هذا الأمر خير، لأمر به خير البرية، قال صلى الله عليه وسلم:"لقد تركتكم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك"1. فالله المستعان.

فإذا أجبر الإنسان على شيء من ذلك، فإثمه على من أجبره، بشرط أن يكون كارها لذلك، فلا يصلي بالصورة معه، ولا ينصبها في مجلسه; وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو صورة"2.

ولكن الآن انعكست الحال، وصارت بعض البيوت ملآنة من الصور والكلاب; وإذا نفرت الملائكة من البيوت، قرت بها الشياطين، فقلَّ أن تجد في بعض البلدان المجاورة، بيت ثري ورئيس، إلا وعنده الكلاب، تأكل معه- نسأل الله العافية في الدنيا والآخرة -؛ وهذه حالة الإفرنج، ومن تشبه بهم.

فيا عباد الله، إن أعداءكم بذلوا أسبابهم لإفساد دينكم،

1 سنن ابن ماجه: كتاب المقدمة (5 ،44) ، ومسند أحمد (4/126) .

2 البخاري: بدء الخلق (3225)، ومسلم: اللباس والزينة (2106)، والترمذي: الأدب (2804)، والنسائي: الصيد والذبائح (4282) والزينة (5347 ،5348)، وابن ماجه: اللباس (3649) ، وأحمد (4/29 ،4/30) .

ص: 324

وإفساد شبيبتكم، فبادروا لإنكار المنكرات، والتعاون على الخيرات، قبل أن تحل عليكم العقوبات.

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [سورة الرعد آية: 11] وقال: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [سورة الأنفال آية: 25] .

وفي الحديث: "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده" 1 فجدِّدوا توبة صالحة، قبل هجوم الأجل.

هذه نصيحة لكم بذلناها، فإن قبلتموها فذلك المطلوب، وإلا فتبرأ الذمة، وهداية القلوب بيد علام الغيوب. وفق الله المسلمين، وولاة أمورهم، للخير; وصلى الله على محمد، وآله وصحبه وسلم.

1 ابن ماجه: الفتن (4005) .

ص: 325

[قول الشيخ حمود التويجري في صناعة الصور وبيعها واقتنائها]

وقال الشيخ: حمود بن عبد الله التويجري، رحمه الله. 1

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله المتفرد بالخلق، والتدبير، الذي أتقن كل شيء خلقه، وصور فأحسن التصوير، تعالى أن يكون له شريك أو نظير، ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلق الله، وهو عن الإيجاد عاجز حقير، لا يقدر على خلق ذرة، أو بعوضة، ولا حبة من شعير.

وهو مع ذلك ينازع الله فيما اختص به من التصوير، فويل للمصورين من عذاب السعير، فكل مصور في النار، كما أخبر بذلك البشير النذير; ومن أمر بالتصوير، أو رضي به، فهو شريك لفاعل هذا الذنب الكبير.

أما بعد: فقد قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً} [سورة الأحزاب آية: 57]، قال عكرمة: نزلت في المصورين، ذكره البغوي، وابن كثير; ورواه أبو نعيم في الحلية، وفي هذه الآية على هذا التفسير أبلغ تحذير من التصوير.

ومثل ذلك ما في الأحاديث الصحيحة; وقد عظمت البلوى بصناعة الصور، وبيعها وابتياعها، وافتتن باقتنائها،

1 في كتابه: "إعلان النكير على المفتونين بالتصوير" في سنة 1382 هـ.

ص: 326

واقتناء الجرائد والمجلات، والكتب التي فيها ذلك، كثير من المنتسبين إلى العلم، من معلمين ومتعلمين، فضلا عن غيرهم.

وصار نصبها في المجالس والدكاكين عادة مألوفة عند كثير من الناس، ومن أنكر ذلك عليهم، أو أنكر صناعتها، فأقل الأحوال أن يستهزئوا به، ويهمزوه، ويلمزوه.

وهذا دليل على استحكام غربة الإسلام، وظهور الجهل بما بعث الله به رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم وما أمر به من هدم الأوثان، وكسر الأصنام والصلبان، وطمس الصور، ولطخها، فالله المستعان.

وهذا المنكر الذميم - أعني: صناعة الصور ونصبها في المجالس وغيرها - موروث عن قوم نوح، ثم عن النصارى من بعدهم، وكذلك عن مشركي العرب؛ فإنهم كانوا يصنعون الصور، وينصبونها، ولكن كان عملها واتخاذها قليل، عند مشركي العرب، بالنسبة إلى النصارى.

وقد صور مشركو قريش في جوف الكعبة صورا، منها صورة إبراهيم، وإسماعيل، وصورة مريم في حجرها عيسى عليهم الصلاة والسلام; فالمصورون من هذه الأمة متشبهون بقوم نوح، وبالنصارى وبمشركي العرب.

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من تشبه بقوم فهو

ص: 327

منهم" 1 رواه الإمام أحمد، وأبو داود وغيرهما من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وصححه ابن حبان.

وقال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية، رحمه الله تعالى: إسناده جيد، قال شيخ الإسلام: وقد احتج الإمام أحمد وغيره بهذا الحديث; قال: وهذا الحديث أقل أحواله أنه يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم، كما في قوله:{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [سورة المائدة آية: 51] . انتهى.

وفي جامع الترمذي، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس منا من تشبه بغيرنا"2.

وقال البخاري في صحيحه: حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام، عن ابن جريج، وقال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: صارت الأوثان التي في قوم نوح في العرب بعد.

أما ودُّ فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد، ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ، وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع.

أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا، أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا، وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم

1 أبو داود: اللباس (4031) .

2 الترمذي: الاستئذان والآداب (2695) .

ص: 328

تعبد، حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت; فهذا ما آل إليه أمر الصور في قوم نوح، فمن بعدهم من المشركين.

وأما النصارى فكانوا يعبدون الصور التي لا ظل لها، كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: أن أم حبيبة وأم سلمة رضي الله عنهما، ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة، فيها تصاوير، فذكرتا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:"إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح، فمات، بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور، فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة"1.

وأعظم من ذلك: أنه قد اتخذ نصب صور بعضهم وسيما في كثير من المجالس الرسمية في زماننا، وهذا عين المحادة لله تعالى، ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

وقد قال الله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ} [سورة التوبة آية: 63] .

وما يفعله هؤلاء العصاة من تصوير الكبراء، ونصب صورهم في المجالس وغيرها لا يشك عاقل شم أدنى رائحة من العلم النافع، أنه مثل ما فعلة قوم نوح، من تصوير الصالحين، ونصب صورهم في المجالس، سواء بسواء، ومثل ما فعله النصارى من تصوير القديسين عندهم، ونصب صورهم في الكنائس والمجالس سواء بسواء; وهذا

1 البخاري: الصلاة (427)، ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (528)، والنسائي: المساجد (704) ، وأحمد (6/51) .

ص: 329

مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها، شبرا بشبر، وذراعا بذراع"1.

وما وقع من قوم نوح، والنصارى، وغيرهم، من الشرك الأكبر، بسبب الصور، لا يبعد أن يقع مثله في آخر هذه الأمة.

فالواجب على ولاة أمور المسلمين، أن يمنعوا رعاياهم من صناعة التصاوير، واتخاذها، وأن يطمسوا ما يوجد منها، عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم لعلى رضي الله عنه:"لا تدع صورة إلا طمستها"2.

وقد أخبر الله تبارك وتعالى، عن خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، أنه قال:{رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [سورة إبراهيم آية: 35] . فإذا كان خليل الرحمن إمام الحنفاء، ووالد من بعده من الأنبياء، قد خاف عليه، وعلى بنيه من عبادة الأصنام، مع أنه قد كسرها بيده، ومع أنه كان معصوما عن عبادتها، فكيف لا يخاف عبادتها من ليس بمعصوم؟! ولهذا قال إبراهيم التيمي: ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.

ومن أعظم أسباب البلاء: نصب الصور في المجالس، والدكاكين، وغيرها، مما قد افتتن به كثير من الناس، في هذه الأزمان، والصور داخلة في مسمى الأصنام عند أهل

1 البخاري: الاعتصام بالكتاب والسنة (7319) ، وأحمد (2/325 ،2/336 ،2/367) .

2 مسلم: الجنائز (969)، والترمذي: الجنائز (1049)، والنسائي: الجنائز (2031)، وأبو داود: الجنائز (3218) ، وأحمد (1/96 ،1/128) .

ص: 330

اللغة، فتدخل فيما دعا إبراهيم ربه أن يجنبه وبنيه عبادتها.

قال ابن الأثير: قد تكرر ذكر الصنم والأصنام، وهو: ما اتخذ إله من دون الله; وقيل: هو ما كان له جسم أو صورة، فإن لم يكن له جسم أو صورة فهو وثن.

وقال أيضا: الفرق بين الوثن والصنم، أن الوثن كل ما له جثة معمولة من جواهر الأرض، أو من الخشب والحجارة، كصورة الآدمي، تعمل وتنصب فتعبد، والصنم الصورة بلا جثة; ومنهم من لم يفرق بينهما، وأطلقهما على المعنيين.

وقد يطلق الوثن على غير الصورة، ومنه حديث عدي بن حاتم:"قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب، فقال لي: ألق هذا الوثن عنك"1.

وذكر الشيخ حمود أيضا تحريم ما يصنع من المطاط على صور النساء، وقال: وقد تواترت الأدلة على تحريم التصوير، ومشروعية طمس الصور، وفيها: الوعيد الشديد للمصورين، والإخبار بأن الملائكة، لا تدخل بيتا فيه صورة.

وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله عز وجل: ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي؟ فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة"2.

قال النووي رحمه الله تعالى: قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم، وهو

1 الترمذي: تفسير القرآن (3095) .

2 البخاري: التوحيد (7559)، ومسلم: اللباس والزينة (2111) ، وأحمد (2/232) .

ص: 331

من الكبائر، لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد، المذكور في الأحاديث، وسواء صنعه بما يمتهن أو بغيره.

فصنعته حرام بكل حال، لأن فيه مضاهاة لخلق الله، وسواء ما كان في ثوب أو بساط، أو درهم أو دينار أو فلس، أو إناء، أو حائط وغيرها; قال: ولا فرق في هذا كله بين ما له ظل، وما لا ظل له، هذا تلخيص مذهبنا في المسألة.

وبمعناه، قال جماهير العلماء، من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وهو مذهب الثوري، ومالك، وأبي حنيفة وغيرهم، وذكر حديث النمرقة، وما رواه النسائي وابن ماجه، ومنه:"إن أصحاب الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم أحيوا ما خلقتم"1.

وعن عائشة رضي الله عنها: "إن أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهئون الله في خلقه" 2 وله حكم الرفع.

وذكر أنه لا فرق في تحريم التصوير، بين أن تكون الصور مجسدة أو غير مجسدة، لأن الذي أنكره النبي صلى الله عليه وسلم كان غير مجسد; ثم ذكر خبر علي:"لا تدع صورة إلا طمستها"3.

وقال الحافظ بن حجر في الكلام على حديث النمرقة: يستفاد منه: أنه لا فرق في تحريم التصوير بين أن تكون الصورة لها ظل أو لا، ولا بين أن تكون مدهونة أو منقوشة،

1 البخاري: النكاح (5181)، ومسلم: اللباس والزينة (2107) ، وأحمد (6/246)، ومالك: الجامع (1803) .

2 البخاري: اللباس (5954) ، وأحمد (6/36) .

3 مسلم: الجنائز (969)، والترمذي: الجنائز (1049)، والنسائي: الجنائز (2031)، وأبو داود: الجنائز (3218) ، وأحمد (1/96 ،1/128) .

ص: 332

أو منقورة، أو منسوجة، خلافا لمن استثنى النسج، وادعى أنه ليس بتصوير.

وقرر الإمام أبو العباس بن تيمية، رحمه الله تعالى: تغيير الصورة المجسمة وغير المجسمة، قال: وكل ما كان من العين، أو التأليف المحرم، فإزالته وتغييره متفق عليها بين المسلمين.

قال الخطابي: وأما الصورة فهي كل صورة من ذوات الأرواح، كانت لها أشخاص منتصبة، أو كانت منقوشة في سقف أو جدار، أو مصنوعة في نمط، أو منسوجة في ثوب، أو ما كان; فإن قضية العموم تأتي عليه، فليجتنب.

قال النووي، قال العلماء: سبب امتناعهم من بيت فيه صورة، كونها معصية فاحشة، وفيها مضاهاة لخلق الله تعالى، وبعضها في صورة ما يعبد من دون الله تعالى؛ فعوقب متخذها بحرمانه دخول الملائكة بيته، وصلاتها فيه، واستغفارها له، وتبريكها عليه، وفي بيته، ودفعها أذى الشيطان.

وذكر حديث: "الذين يصنعون هذه الصور، يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم" 1، وحديث:"أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة: المصورون"2.

قال الخطابي: إنما عظمت عقوبة المصور، لأن الصور كانت تعبد من دون الله، ولأن النظر إليها يفتن، وبعض

1 البخاري: اللباس (5951)، ومسلم: اللباس والزينة (2108)، والنسائي: الزينة (5361) ، وأحمد (2/20 ،2/55) .

2 البخاري: اللباس (5950)، ومسلم: اللباس والزينة (2109)، والنسائي: الزينة (5364) ، وأحمد (1/375) .

ص: 333