الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرابع التبرج
هو محرم بالكتاب والسنة والإجماع، ولم يعرف في سلفنا، ولا في السلف الصالح؛ وإنما تسرب إلى هذه البقعة، على هذه الصفات في هذا العصر، للاختلاط بأهل الخارج، وفتح الباب لهن باسم التربية والتعليم، والمصحات.
والتبرج هو: إظهار الجمال، وإبراز محاسن الوجه والجسم ومفاتنه، وقال البخاري رحمه الله، التبرج: أن تخرج المرأة محاسنها. وأصل التبرج: مأخوذ من البروج، وهي: القصور العالية لارتفاعها، فالمرأة المتبرجة تعلن عن محاسنها بإبرازها مفاتنها، وتحديدها، كما تعلن البروج عن نفسها بارتفاعها.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا خرجت المرأة متعطرة، فإنها زانية" وهو يثبت أن التبرج كذلك، يكون بنضوح ريحها، فيلفت النظر إليها.
وروى الإمام أحمد ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها
…
" 1 الحديث.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: كاسيات بلباس رقيق
1 مسلم: اللباس والزينة (2128) ، وأحمد (2/355 ،2/440) .
لا يستر البشرة، أو ضيق يبدو منه حجم العضد والعجيزة، فهن عاريات حقيقة. وقال: يجب على ولي المرأة، كأبيها، وزوجها أن يمنعها من ذلك، فإن لم يفعلا عزرا.
وقال: لا يجوز للمرأة أن تلبس الخف الذي يبدي ضخامة القدم، وفي هذا العصر لبس بعضهن خفا يسمى:"أم كعب" يضخم معه القدم، وتنبو معه العجيزة.
ولم يقفن على ما وصفه الشيخ، بل أبدين، العضدين والساعدين، بلباس ضيق، وجعلن حمالات للثديين، واستعملن لباسا يسمونه "الكرته" و "أم صدر" ضيق الأعالي، فتبدو منه الخاصرة، ويضخمن العجيزة، دون حياء ولا خجل.
وقصصن الرأس- مع العلم أنه لم يؤذن لها أن تقص منه إلا قدر أنملة، إذا تحللت من الإحرام- لتبدو الرقبة بارزة، ويبقين في مقدم الرأس ثلة من الشعر، نحو ما على رأس بعض الحمير بين الأذنين، وأملن المفرق.
وتركن الذي كانت تستعمله العرب، في الجاهلية والإسلام، وسط الرأس، ويبقين ثلة في مؤخر الرأس، مرفوعة عن الرقبة، محزومة، تشبه ذنب الثعلب.
قال شيخ الإسلام: ما يضع الشعر بين الكتفين إلا العاهرات، وقد يجمعنها ويحزمنها مرتفعة، تشبه ذنب المعز. وقد قال بعض أهل العلم: يحتار الخاطب بين جمال
الوجه، أو الشعر، وقال امرء القيس يصف جمالها:
وفرع يزين الوجه أسود فاحم
…
أثبت كقنو النخلة المتعثكل
فجمعن بين الوعيد بالنار، وعدم رائحة الجنة، وتشبهن بنساء الإفرنج، ومن سلك سبيلهم من الدول المنحلة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ليس منا من تشبه بغيرنا" 1، وقال:"من تشبه بقوم فهو منهم" 2، وقال:"من تشبه بقوم حشر معهم".
فالعجب ممن يعلم هذا الوعيد الشديد، ويرضى بثمرة فؤاده أو ضجيعته، أن تتصف بهذه الصفات الشنيعة المحرمة! ويالله! يا للمسلمين! يا للعرب! يا للعقول!!!
وأعظم من ذلك وأدهى: أنهن يسخرن ممن يلبسن لباس المسلمات، ويرضين أن تشاطر الرجال في المكاتب وغيرها، وتخلو بدون محرم. ويأتي في كلام الشيخ وغيره ما يكفي عن بيان ما تشبهن فيه بالإفرنج، من كشف بعض الأعضاء وغير ذلك.
والعجب مما ذكر محمد رشيد رضا، قال: حدثني الأمير شكيب أرسلان في جنيف سويسرة، عن طلعت باشا التركي: أن عظيم الألمان، لما زار الأستانة في أثناء الحرب، ورأى النساء التركيات، سافرات متبرجات، عذله على ذلك، وذكر له ما فيه من المفاسد الأدبية، والمضار الاقتصادية، التي تئن منها أوروبا، وتعجز عن تلافيها.
وقال له: إن لكم وقاية من ذلك كله، ألا وهو الدين
1 الترمذي: الاستئذان والآداب (2695) .
2 أبو داود: اللباس (4031) .
الإسلامي، أفتزيلونها بأيديكم؟! قال حمود التويجري، قلت: وهذا الألماني أعقل من كثير من المنتسبين إلى الإسلام، وقد ذكرت في الصارم المشهور، عن بعض عقلاء الإيطاليين نحو ذلك، فليراجع.
وقيل: أبحنا الشابات ليتمتع الشباب، ففسدت أزواجنا. والحق ما شهدت به الأعداء.
[قول الشيخ محمد بن إبراهيم في شأن ما ابتلي به كثير من النساء من التهتك]
وقال الشيخ: محمد بن إبراهيم، رحمه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
من محمد بن إبراهيم: إلى من يراه من إخواننا المسلمين، وفقني الله وإياهم لما يرضيه، وجنبنا جميعا أسباب سخطه ومعاصيه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد: فقد تغيرت الأحوال في هذه الأزمان، وابتلي الكثير من النساء بخلع جلباب الحياء، والتهتك، وعدم المبالاة، وتتابعن في ذلك، وانهمكن فيه إلى حد يخشى
منه الانحدار في هوة سحيقة من السفور والانحلال، وحلول المثلات والعقوبات من ذي العزة والجلال.
وذلك مثل لبسهن ما يبدي تقاطيع أبدانهن، من عضدين، وثديين، وخصر، وعجيزة، ونحو ذلك، ومثل لباس الثياب الرقيقة التي تصف البشرة، وكذلك الثياب القصيرة التي لا تستر العضدين ولا الساقين، ونحو ذلك.
ولا شك أن هذه الأشياء تسربت عليهن، من بلدان الإفرنج، ومن يتشبه بهم، لأنها لم تكن معروفة فيما سبق، ولا مستعملة. ولا شك أن هذا من أعظم المنكرات، وفيه من المفاسد المغلظة، والمداهنة في حدود الله لمن سكت عنها، وطاعة للسفهاء في معاصي الله.
وكونه يجر إلى ما هو أطم وأعظم، ويؤدي إلى ما هو أدهى وأمر، من فتح أبواب الشرور والفساد، وتسهيل أمر التبرج والسفور، ولهذا لزم التنبيه على مفاسدها، والتدليل على تحريمها والمنع منها، ونكتفي بذكر أمهات المسائل ومجملاتها، طلبا للاختصار.
أولا: أنها من التشبه بالإفرنج والأعاجم ونحوهم، وقد ثبت في الآيات القرآنية، والأحاديث الصحيحة النبوية، النهي عن التشبه بهم، في عدة مواضع معروفة؛ وبهذا يعرف أن النهي عن التشبه بهم أمر مقصود للشارع في الجملة.
وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه: "اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم": فجاءت الشريعة باتباع أولئك السابقين، على الهدى الذي رضيه الله لهم، وبمخالفة من سواهم، إما لمعصيته، وإما لنقيصته، وإما لأنه مظنة النقيصة.
فإذا نهت الشريعة عن مشابهة العجم، دخل في ذلك ما عليه الأعاجم الكفار قديما وحديثا، ودخل في ذلك ما عليه الأعاجم المسلمون، مما لم يكن عليه السابقون الأولون، كما يدخل في مسمى الجاهلية العربية، ما كان عليه أهل الجاهلية قبل الإسلام، وما عاد إليه كثير من العرب من الجاهلية التي كانوا عليها؛ ومن تشبه من العرب بالعجم لحق بهم، ومن تشبه من العجم بالعرب لحق بهم.
ثانيا: أن المرأة عورة، ومأمورة بالاحتجاب والستر، ومنهية عن التبرج، وإظهار زينتها، ومحاسنها ومفاتنها، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ} [سورة الأحزاب آية: 59] الآية وقال تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} [سورة النور آية: 31] .
وقال تعالى: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [سورة الأحزاب آية: 33] . وهذا اللباس مع ما فيه من التشبه، ليس بساتر للمرأة، بل هو مبرز لمفاتنها، ومعر لها، ومغر بها من رآها وشاهدها، وهي بذلك داخلة في الحديث الصحيح عن
أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"صنفان من أهل النار من أمتي، لم أرهما بعد: نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، على رؤسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، ورجال معهم سياط مثل أذناب البقر، يضربون بها الناس"1.
وقد فسر الحديث: بأن تكتفي المرأة بما لا يسترها، فهي كاسية، ولكنها عارية في الحقيقة، مثل أن تكتسي بالثوب الرقيق الذي يصف بشرتها، أو الثوب الضيق الذي يبدي مقاطع خلقها: عجيزتها، وساعدها ونحو ذلك.
لأن كسوة المرأة في الحقيقة هو: ما سترها سترا كاملا، بحيث يكون كثيفا فلا يبدي جسمها، ولا يصف لون بشرتها لرقته وصفائه، ويكون واسعا فلا يبدي حجم أعضائها، ولا تقاطيع بدنها لضيقه.
فهي مأمورة بالاستتار والاحتجاب، لأنها عورة؛ ولهذا أمرت أن تغطي رأسها في الصلاة، ولو كانت في جوف بيتها، بحيث لا يراها أحد من الأجانب، لحديث "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار"2.
فدل على أنها مأمورة من جهة الشرع، بستر خاص لم يؤمر به الرجل، حقا لله تعالى، وإن لم يرها بشر؛ وستر العورة واجب لحق الله حتى في غير الصلاة، ولو كان في
1 مسلم: اللباس والزينة (2128) ، وأحمد (2/355 ،2/440)، ومالك: الجامع (1694) .
2 الترمذي: الصلاة (377)، وأبو داود: الصلاة (641)، وابن ماجه: الطهارة وسننها (655) ، وأحمد (6/150 ،6/218 ،6/259) .
ظلمة، أو في حال خلوة، بحيث لا يراه أحد، وحتى عن نفسه.
ويجب سترها بلباس ساتر لا يصف لون البشرة، لحديث بهز بن حكيم، عن أبيه عن جده، قال "قلت: يا رسول الله؛ عوراتنا، ما نأتي وما نذر؟ قال:"احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك".
قلت: فإن كان القوم بعضهم مع بعض؟ قال: فإن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها، قلت: فإذا كان أحدنا خاليا؟ قال: فالله تعالى أحق أن يستحى منه" 1 رواه أبو داود.
وقد صرح الفقهاء، رحمهم الله، بالمنع من لبس الرقيق من الثياب، وهو ما يصف البشرة، أي: ما يستر العورة بالسترة الكافية، في حق كل من الرجل والمرأة، ولو في بيتها، نص عليه الإمام أحمد رحمه الله.
كما صرحوا بالمنع من لبس ما يصف اللين والخشونة والحجم، لما روى الإمام أحمد عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال:"كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة كانت مما أهدى له دحية الكلبي، فكسوتها امرأتي. فقال صلى الله عليه وسلم: ما لك لا تلبس القبطية؟ قلت: يا رسول الله كسوتها امرأتي. فقال: مرها فلتجعل تحتها غلالة، فإني أخاف أن تصف حجم عظامها"2.
1 الترمذي: الأدب (2769)، وابن ماجه: النكاح (1920) .
2 أحمد (5/205) .
وكما صرحوا بمنع المرأة من شد وسطها مطلقا، أي: سواء كان يشبه الزنار، أو غيره، وسواء كانت في الصلاة، أو خارجها، لأنه يبين حجم عجيزتها، وتبين به مقاطع بدنها.
قالوا: ولا تضم المرأة ثيابها حال قيامها، لأنه يبين به تقاطيع بدنها، فتشبه الحزام. وهذا اللباس المذكور، أبلغ من الحزام، وضم الثياب حال القيام، وأحق بالمنع منه.
ثالثا: إن في بعض ما وقعنا فيه: شيئا من تشبه النساء بالرجال، وهذا من كبائر الذنوب؛ ففي الحديث:"لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال، ولعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء" 1، وفي لفظ:"لعن الله المتخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء"2.
فالمرأة المتشبهة بالرجال، تكتسب من أخلاقهم، حتى يصير فيها من الظهور والتبرج والبروز، ومشاركة الرجال، ما قد يفضي لبعضهن إلى أن تظهر بدنها، كما يظهره الرجال، أو أكثر، لضعف عقلها، وتطلب أن تعلو على الرجال، كما يعلو الرجال على النساء، وتفعل من الأفعال ما ينافي الحياء، والحق المشروع في حق النساء.
كما أن الرجل المتشبه بالنساء، يكتسب من أخلاقهن بحسب تشبهه، حتى يفضي به الأمر إلى التخنث والميوعة، والتمكين من نفسه، كأنه امرأة - والعياذ بالله-؛ وهذا
1 البخاري: اللباس (5885)، والترمذي: الأدب (2784)، وأبو داود: اللباس (4097)، وابن ماجه: النكاح (1904) ، وأحمد (1/251 ،1/330 ،1/339) .
2 البخاري: اللباس (5886)، وأبو داود: الأدب (4930) ، وأحمد (1/225 ،1/227 ،1/237 ،1/254 ،1/365)، والدارمي: الاستئذان (2649) .
مشاهد في الواقع؛ فصلوات الله وسلامه على من بلغ البلاغ المبين، وبلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة.
قلت: وقد أفضى الحال بكثير ممن يقلدون المتفرنجين، إلى أن تشارك كثير من النساء الرجال، في البروز، والخروج، والوظائف، والتجارة، والأسفار بدون محرم، وغير ذلك.
كما شارك كثير من الرجال النساء في المبالغة في التزين، والتخنث في الكلام، وحلق اللحى، والتثني عند المشي، والتحلي بخواتيم الذهب، والأزارير وغيرها، وساعات اليد التي فيها شيء من الذهب، ونحو ذلك، وأمثاله مما هو معروف، حتى صارت العادة عندهم تطويل ثياب الرجال، وتقصير ثياب المرأة إلى ركبتها، أو ما فوق الركبة، بحيث يبدو فخذها. نعوذ بالله من قلة الحياء، والتجرؤ على محارم الله.
رابعا: إن هذه الأشياء، وإن كان يعدها بعض من لا خلاق له من الزينة، فإن حسبانهم باطل، وما الزينة الحقيقة إلا التستر، والتجمل باللباس الذي امتن الله به على عباده، بقوله:{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً} [سورة الأعراف آية: 26] .
وليست الزينة بالتعري، والتشبة بالإفرنج، ونحوهم، ممن لا خلاق له.
وأيضا: فلو نسلم أنه من الزينة، فليس لكل امرأة أن تخترع لها من الزينة ما تختاره، ويخطر ببالها،
لأن هناك أشياء من الزينة، وهي ممنوعة بل محرمة، بل ملعون فاعلها، كما لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة، والنامصة، والمتنمصة، والواشرة، والمستوشرة، والواشمة والمستوشمة.
وعن عبد الله بن مسعود، قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمات، والمستوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات لخلق الله. فجاءته امرأة، فقالت: بلغني أنك لعنت كيت وكيت.
فقال: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله؟ فقالت: لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول. فقال: إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه، أما قرأت قوله:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} 1 2 قالت: بلى، قال: فإنه قد نهى عنه".
خامسا: إن النساء ناقصات عقل ودين، وضعيفات تصور وإدراك، وفي طاعتهن بهذا وأمثاله من المفاسد المنتشرة ما لا يعلمه إلا الله، وأكثر ما يفسد الملك والدول طاعة النساء.
وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" 3، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا: "إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف
1 سورة الحشر آية: 7.
2 البخاري: تفسير القرآن (4886)، ومسلم: اللباس والزينة (2125)، والترمذي: الأدب (2782)، والنسائي: الزينة (5099 ،5107 ،5108 ،5109 ،5254)، وأبو داود: الترجل (4169)، وابن ماجه: النكاح (1989) ، وأحمد (1/415 ،1/416 ،1/417 ،1/430 ،1/433 ،1/443 ،1/448 ،1/454 ،1/462 ،1/464 ،1/465)، والدارمي: الاستئذان (2647) .
3 البخاري: النكاح (5096)، ومسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2740 ،2741)، والترمذي: الأدب (2780)، وابن ماجه: الفتن (3998) ، وأحمد (5/200 ،5/210) .
تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء" 1
وفي صحيح البخارى عن أبي بكرة مرفوعا: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" 2، وروي أيضا:"هلك الرجال حين أطاعوا النساء".
فيتعين على الرجال القيام على النساء، والأخذ على أيديهن، ومنعهن من هذه الملابس والأزياء المنكرة، وأن لا يداهنوا في حدود الله، كما هو الواجب عليهم شرعا، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} 3.
وقد صرح العلماء: أن ولي المرأة يجب عليه أن يجنبها الأشياء المحرمة، من لباس وغيره، ويمنعها منه؛ فإن لم يفعل، تعين عليه التعزير بالضرب وغيره، وفي الحديث:"كلكم راع ومسؤول عن رعيته"4.
والمقصود: أن معالجة هذه الأضرار الاجتماعية المنتشرة، من أهم المهمات، وهي متعلقة بولاة الأمر أولا، ثم بقيم المرأة ووليها ثانيا، ثم المرأة نفسها مسؤولة عما يتعلق بها وبناتها، وفي بيتها.
كما على طلبة العلم بيان أحكام هذه المسائل، والتحذير منها؛ وعلى رجال الحسبة والأمر بالمعروف
1 مسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2742)، والترمذي: الفتن (2191)، وابن ماجه: الفتن (4000) ، وأحمد (3/19 ،3/22 ،3/61) .
2 البخاري: المغازي (4425)، والترمذي: الفتن (2262)، والنسائي: آداب القضاة (5388) ، وأحمد (5/50) .
3 سورة التحريم آية: 6.
4 البخاري: الجمعة (893)، ومسلم: الإمارة (1829)، والترمذي: الجهاد (1705)، وأبو داود: الخراج والإمارة والفيء (2928) ، وأحمد (2/54 ،2/111) .
والنهي عن المنكر أن ينكروا هذه الأشياء، ويجتهدوا في إزالتها.
نسأل الله أن يجنبنا مضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، ويذل أعداءه، إنه جواد كريم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
[قول الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله: من خراب المجتمع تبرج النساء]
وقال الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد، رحمه الله:
من خراب المجتمع: تبرج النساء؛ فلقد افتتن كثير من النساء، في وقتنا هذا، بما يزيد على عمل نساء الجاهلية الأولى، من التبرج، وإظهار المحاسن والجمال أمام الرجال الأجانب، مما يثير الشهوة، ويوقع في الفتنة، ويوجب غضب الرب سبحانه وتعالى.
وخروج المرأة إلى المجتمعات سبب لتغير زوجها الغيور عليها والمحسن إليها، ووالد أولادها، فتحصل بينهما الفرقة بعد الألفة، والبغضاء بعد المحبه، والشقاوة بعد السعادة.
ولا شك أن من أقبح المنكرات وأكبر البلايا وأعظم الأخطار على المجتمع، أن تتبرج المرأة، وتظهر زينتها للرجال الأجانب في الطرقات، والأسواق، وبيوت التجارة، أو المساجد وغيرها من المجتمعات.
فهي في كل يوم تزداد في تبرجها، وتتفنن في أشكال ملابسها، فخلعت عنها ثياب الحشمة، والصيانة، والحياء،
والعفاف، وظلت لا تراعي الآداب، ولا تبالي بهتك الحجاب.
فماذا سترت المرأة إذا خرجت إلى السوق عارية الذراعين والساقين، كاشفة عن وجهها وصدرها، بادية النهود والأرداف، حاسرة الرأس؟! فلا دين يمنعها، ولا حياء يردعها، ولا ولي يحافظ عليها ويوقفها عند حدها؛ قد استشرفها الشيطان، فخرجت متجملة متعطرة فاتنة!
ألم تسمعوا إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أمتي لم أرهما بعد: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، على رؤوسهن كأسنمة البخت، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا"1.
أما يكفي هذا ردعا وزجرا؟! مع قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا خرجت المرأة متجملة متعطرة، استشرفها الشيطان". كيف ترضون أن تكون نساؤكم محط الأنظار، ومثار الفتن؟! لقد قال صلى الله عليه وسلم "ما رأيت من ناقصات عقل ودين، أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن"2.
كيف تخرج المرأة إلى السوق تتمطى في مشيتها عجبا وتيها، وتتلون اختيالا وزهوا، بتدلل وتكسر وتظرف؟ !
كيف يرضى حياؤها أن تكون مبعث إثارة فتنة وشهوة، في نفس رجل يراها؟ ! وكيف تطيق الشعور والصبر، بأنه يصبو إليها ويتمناها؟ !
1 مسلم: اللباس والزينة (2128) ، وأحمد (2/440) .
2 البخاري: الحيض (304) .
كيف ترون ذلك وتصبرون؟ ! أما تغارون؟ أما تخجلون؟ أما تخافون من رب العالمين؟ فالمرأة مأمورة بالاحتشام والحياء، والبقاء في قعر بيتها، لئلا تفتن وتنفتن، فتتنغص عليها حياتها وسعادتها، ويخدش عرضها، وتهان كرامتها، وتنطلق إليها النظرات الوقحة الجريئة.
ما هو والله إلا التقليد الأعمى سيطر على النفوس واستعبد القلوب، وأعمى بصائر الرجال والنساء، خضعوا له من غير تفكر ولا تدبر، ومن غير تورع ولا تأمل، وانقادوا له باستسلام ونشوة، فسلبت زهاهم مضرته وفتنته.
فالتبرج ضرره جسيم، وخطره عظيم، يخرب الديار، ويجلب الخزي والعار؟ إنكم مسؤولون أمام الله عما أولاكم، وجعلكم قوامين على النساء، فلماذا أهملتم؟ فأحسنوا تربيتهن وتوجيههن، وخذوا على أيديهن، فإنه إذا نزل العذاب عم الصالح والطالح.
فما لنا نرى المرأة في مجتمعنا، تزداد كل يوم في تبرجها؟ ! وإظهار جمالها ومحاسنها، بثيابها الجميلة وحليها البراق؟ ! وكأن المعني بقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [سورة الأحزاب آية: 59] غيرها.
فياللأسف! لقد خلعت المرأة ثياب الحشمة والصيانة، وتجردت من الحياء والعفاف والكرامة، كل هذا بسبب
ضعف الدين في القلوب، وعدم الغيرة من وليها.
والمرأة اليوم زادت في تبرجها، على ما كان عليه نساء الجاهلية الأولى، فقد قال بعض المفسرين في ذلك، هو: أنها تلقي الخمار على رأسها ولا تشده، فلم يوار قلائدها وقرطها وعنقها، هذا هو تبرج نساء الجاهلية الأولى، فهل نساء اليوم قد ابتعدن منه وحذرنه؟! لا والله، بل زدن عليه، وأتين بما هو أشد.
بل نرى المرأة تجوب الشوارع العامة، وتأتي المجتمعات، عارية الذراعين والساقين، بادية الصدر والنهدين، كاشفة عن وجهها، مظهرة لمحاسنها؛ فلا دين ولا حياء ولا مروءة، ولا ولي يحافظ عليها، ويوقفها عند حدها؛ بهذا وأمثاله يسري الفساد على الأسر والبيوتات.
والله يوفق المسلمين لما فيه صلاح دينهم ودنياهم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
وقال الشيخ: عبد الله بن حميد، أيضا:
إن من أخطر ما ابتلي به مجتمعنا في الآونة الأخيرة من زماننا هذا: تبرج النساء، وخروجهن كاشفات عاريات، إلى الأسواق والشوارع والطرقات.
ومن أعظم البلاء وأشد الخطر: دخولهن في المسجد الحرام، وهن على هذه الحال، من غير ما رادع ولا زاجر، وهذه بادرة خطيرة على المجتمع كله.
يجب على ولاة الأمور، ومن بأيديهم السلطة، من رجال الفكر والعلم والدين، التيقظ والتنبه لهذه البادرة الخطيرة، والشر المتفاقم، كما يجب على ولاة أمور النساء محاربة ذلك، والقيام بواجبهم الديني والخلقي والاجتماعي، كرعاة مسؤولين عن القيام على رعاية النساء، وحمايتهن من العبث بشيمتهن وكرامتهن، وحفظهن من السهام المسمومة: سهام إبليس الممدودة إلى أفئدة الخارجين على قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [سورة النور آية: 30] . وروي حديث: "لتغضن أبصاركم، ولتحفظن فروجكم، ولتقيمن وجوهكم، أو لتكسفن وجوهكم".
وفي حديث آخر: "إن النظر سهم من سهام إبليس مسموم، من تركه مخافتي، أبدلته إيمانا، يجد حلاوته في قلبه". هذا وقد فرض الله الحجاب على النساء، وأمرهن بملازمة البيوت، فلا تبرج، ولا خروج إلا لحاجة، متسترات متحشمات.
{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [سورة الأحزاب آية: 33] لئلا يطمع الذي في قلبه مرض من ضعفاء الإيمان، خبثاء الأنفس، المتعرضين- على السبل، والشوارع، والأسواق، وأبواب المسجد الحرام- للنساء المستهترات بالدين، والخلق الإسلامي القويم،
اللاتي يتسببن بالفتنة، وفساد المجتمع، وانحطاط الأخلاق، ويتعرضن لسخط الله، وغضبه، واللعنات، حيث روي عن المصطفى صلى الله عليه وسلم:"أيما امرأة استعطرت ثم خرجت، فمرت على قوم ليجدوا ريحها، فهي زانية; وكل عين زانية"1.
وحتى في الصلاة إذا خرجت إليها، فالواجب أن تخرج في ثياب بذلة غير متطيبة، ولا مستعملة لأي شيء من مظاهر الزينة التي تحرك الشهوة، أو تجر إلى الفتنة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أيما امرأة أصابت بخورا، فلا تشهدن معنا العشاء الآخرة"2.
وقد رأت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من النساء شيئا تكرهه، فقالت:"لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى من النساء ما رأيناه، لمنعهن من المسجد، كما منعت نساء بني إسرائيل" رضي الله عن أم المؤمنين وأرضاها.
فلو رأت في زماننا ما أحدث النساء من التبرج الذي تعدى تبرج الجاهلية الأولى، من التكشف وإظهار محاسنهن، والتمشي، والتمايل في الشوارع والأسواق، بل بالمسجد الحرام، وفي الطواف بالبيت الحرام، لو رأت ذلك، فماذا كانت تقول؟ !
إنها حقا لمصيبة دهماء، وفتنة عمياء، وداء عضال على المجتمع الإسلامي، يجب التنبه والتيقظ له، قبل أن يحل بنا
1 الترمذي: الأدب (2786)، والنسائي: الزينة (5126) ، وأحمد (4/413 ،4/418)، والدارمي: الاستئذان (2646) .
2 مسلم: الصلاة (444)، والنسائي: الزينة (5128)، وأبو داود: الترجل (4175) ، وأحمد (2/304) .
الخطر، ويتسع الخرق على الراقع، ولات ساعة مندم.
ومن المعقول والمعلوم أن المسؤول عن المرأة والراعي لها شريك في إثم ما ترتكبه من التبرج والسفور، وما تحمله غيرها من الناظرين إليها، ولمظاهر زينتها، من الإثم، إذ هو المقصر في أداء واجبه نحو القيام بمسؤوليته، ورعايته نحو أهله، ومن جعلهم الله تحت إمرته ويده.
لذا، فنهيب بولاة الأمور القيام بواجبهم نحو هذا السرطان الفتاك، والأخذ على يد السفيه، وأطره على الحق، حتى لا يحل بنا ما حل بمن قبلنا من الأمم السابقة من المصائب والكوارث، لما تركوا أمر النساء بأيديهن، يعبثن بكرامتهن، ويفسدن أخلاق النشء والمجتمع، وصرن هن القائمات بالأمر، عكس الآية الكريمة، قوله تعالى:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [سورة النساء آية: 34] الآية، كما هو الواقع اليوم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
هذا ونهيب بالجمهور الكريم، من ولاة أمور النساء أن يتعاونوا مع إخوانهم المسؤولين، في دفع هذا الشر المستطير، ويمنعوا نساءهم من التعري والتبرج، وإظهار محاسنهن في الشوارع والأسواق، ولا سيما في المسجد الحرام، الذي هو محط أنظار العالم الإسلامي بأسره.
وليعلموا ويُعلموا أن مثل هذا هتك لحرمة هذه البقعة المقدسة، والكعبة المشرفة.
كما نود أن نشعر الجميع من اليوم فصاعدا: أن أي امرأة تريد دخول المسجد الحرام، متبرجة متعطرة، حاسرة ساقيها وذراعيها، كاشفة وجهها وصدرها، مظهرة محاسنها التي يحرم النظر إليها من غير محارمها، ملفتة بذلك العمل الشنيع وتلك التقاليد الغربية السيئة، أنظار الأجانب، من الرجال والشباب إليها، ليعلم الجميع أنها تمنع منعا باتا، عن الدخول في المسجد الحرام، وهي على هذه الحال. وعلى رجال هيئة الأمر بالمعروف، والمراقبين، ورجال الشرطة بالحرم الشريف أن يقوم كل بواجبه، تجاه هذا الشر المستطير، وتلك الفتنة العمياء، بالقيام على أبواب الحرم، ومنع النساء اللاتي يردن الدخول في المسجد الحرام، وهن على هذه الحال. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
[رسالة من الشيخ ابن باز فيما عمت به البلوى من تبرج الكثير من النساء وسفورهن]
وقال الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وفقه الله 1.
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز، إلى من يراه من المسلمين، سلك الله بي وبهم سبيل الاستقامة، وأعاذني وإياهم من أسباب الخزي والندامة، آمين. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد: فلا يخفاكم أيها المسلمون، ما عمت به البلوى في كثير من البلدان، من تبرج الكثير من النساء، وسفورهن، وعدم تحجبهن من الرجال، وإبداء الكثير من زينتهن التي حرم الله عليهن إبداءها.
ولا شك: أن ذلك من المنكرات العظيمة، والمعاصي الظاهرة، ومن أعظم أسباب حلول العقوبات، ونزول النقمات، لما يترتب على التبرج والسفور من ظهور الفواحش، وارتكاب الجرائم، وقلة الحياء، وعموم الفساد.
فاتقوا الله أيها المسلمون، وخذوا على أيدي سفهائكم، وامنعوا نساءكم مما حرم الله عليهن، وألزموهن التحجب والتستر. واحذروا غضب الله سبحانه وعظيم عقوبته، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم
1 طبعت مفردة حين كان نائب رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة.
يغيروه، أوشك أن يعمهم الله بعقابه" 1.
وقد قال الله سبحانه في كتابه الكريم: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} 2
وفي المسند وغيره، عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية، ثم قال:"والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنه على الحق أطرا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم يلعنكم كما لعنهم"3.
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"4.
وقد أمر الله سبحانه في كتابه الكريم بتحجب النساء، ولزومهن البيوت، وحذر من التبرج، والخضوع بالقول للرجال، صيانة لهن عن الفساد، وتحذيرا لهن من أسباب الفتنة.
فقال تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاًوَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ
1 ابن ماجه: الفتن (4005) .
2 سورة المائدة آية: 78-79.
3 أبو داود: الملاحم (4336) .
4 مسلم: الإيمان (49)، والترمذي: الفتن (2172)، والنسائي: الإيمان وشرائعه (5008 ،5009)، وأبو داود: الصلاة (1140) والملاحم (4340)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (1275) والفتن (4013) ، وأحمد (3/10 ،3/20 ،3/49 ،3/52 ،3/54 ،3/92) .
الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} 1 الآية.
نهى سبحانه في هذه الآيات، نساء النبي الكريم، أمهات المؤمنين، وهن من خير النساء وأطهرهن، عن الخضوع بالقول للرجال، وهو: تليين القول وترقيقه، لئلا يطمع فيهن من في قلبه مرض شهوة الزنى، ويظن أنهن يوافقنه على ذلك.
وأمر بلزومهن البيوت، ونهاهن عن تبرج الجاهلية وهو: إظهار الزينة والمحاسن: كالرأس، والوجه، والعنق، والصدر، والذراع، والساق، ونحو ذلك من الزينة، لما في ذلك من الفساد العظيم، والفتنة الكبيرة، وتحريك قلوب الرجال، إلى تعاطي أسباب الزنى.
وإذا كان الله يحذر أمهات المؤمنين، من هذه الأشياء المنكرة، مع صلاحهن، وإيمانهن وطهارتهن، فغيرهن أولى وأولى، بالتحذير والإنكار، والخوف عليهن من أسباب الفتنة، عصمنا الله وإياكم من مضلات الفتن.
ويدل على عموم الحكم لهن ولغيرهن، قوله سبحانه في هذه الآية:{وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [سورة الأحزاب آية: 33] فإن هذه الأوامر أحكام عامة، لنساء النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن.
وقال عز وجل {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [سورة الأحزاب آية
1 سورة الأحزاب آية: 32-33.
: 53] :
فهذه الآية الكريمة نص واضح في وجوب تحجب النساء عن الرجال، وتسترهن منهم.
وقد أوضح الله سبحانه في هذه الآية أن التحجب أطهر لقلوب الرجال والنساء، وأبعد عن الفاحشة وأسبابها. وأشار سبحانه إلى أن السفور وعدم التحجب، خبث ونجاسة؛ وأن التحجب طهارة وسلامة.
فيا معشر المسلمين، تأدبوا بتأديب الله، وامتثلوا أوامر الله، وألزموا نساءكم بالتحجب الذي هو سبب الطهارة، ووسيلة النجاة والسلامة.
وقال عز وجل {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [سورة الأحزاب آية: 59] : والجلابيب جمع جلباب، والجلباب هو: ما تضعه المرأة على رأسها للتحجب والتستر به.
أمر الله سبحانه جميع نساء المؤمنين بإدناء جلابيبهن على محاسنهن من الشعور، والوجه، وغير ذلك، حتى يعرفن بالعفة فلا يفتتن ولا يفتن غيرهن فيؤذيهن.
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: "أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن، في حاجة أن يغطين وجوههن، من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عينا واحدة".
وقال محمد بن سيرين: سألت عبيدة السلماني، عن قول الله عز وجل:{يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [سورة الأحزاب آية: 59] فغطى وجهه ورأسه، وأبرز عينه اليسرى.
ثم أخبر الله سبحانه أنه غفور رحيم عما سلف من التقصير في ذلك، قبل النهي والتحذير منه سبحانه.
وقال تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [سورة النور آية: 60] .
يخبر سبحانه أن القواعد من النساء، وهن العجائز اللاتي لا يرجون نكاحا، لا جناح عليهن أن يضعن ثيابهن عن وجوههن وأيديهن، إذا كن غير متبرجات بزينة.
فعلم بذلك أن المتبرجة بالزينة ليس لها أن تضع ثوبها عن وجهها ويديها، وغير ذلك من زينتها، وأن عليها جناحا في ذلك، ولو كانت عجوزا، لأن كل ساقطة لها لاقطة.
ولأن التبرج يفضي إلى الفتنة بالمتبرجة ولو كانت عجوزا، فكيف يكون الحال بالشابة والجميلة إذا تبرجت؟! لا شك أن إثمها أعظم، والجناح عليها أشد، والفتنة بها أكبر.
وشرط سبحانه في حق العجوز أن لا تكون ممن يرجو النكاح، وما ذاك- والله أعلم- إلا لأن رجاءها النكاح، يدعوها إلى التجمل والتبرج بالزينة، طمعا في الأزواج،
فنهيت عن وضع ثيابها عن محاسنها، صيانة لها ولغيرها من الفتنة.
ثم ختم الآية سبحانه بتحريض القواعد على الاستعفاف، وأوضح أنه خير لهن وإن لم يتبرجن.
فظهر بذلك فضل التحجب والتستر بالثياب، ولو من العجائز، وأنه خير لهن من وضع الثياب؛ فوجب أن يكون التحجب، والاستعفاف عن إظهار الزينة خير للشابات من باب أولى، وأبعد لهن عن أسباب الفتنة.
أمر الله سبحانه في هاتين الآيتين الكريمتين، المؤمنين والمؤمنات، بغض الأبصار، وحفظ الفروج، وما ذاك إلا لعظم فاحشة الزنى، وما يترتب عليها من الفساد الكبير بين المسلمين، ولأن إطلاق البصر، من وسائل مرض القلب، ووقوع الفاحشة، وغض البصر من أسباب السلامة من ذلك، ولهذا قال سبحانه:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [سورة النور آية: 30] .
فغض البصر، وحفظ الفرج، أزكى للمؤمنين في الدنيا والآخرة؛ وإطلاق البصر، والفرج، من أعظم أسباب العطب والعذاب، في الدنيا والآخرة، نسأل الله العافية من ذلك.
وأخبر عز وجل أنه خبير بما يصنعه الناس، وأنه لا يخفى عليه خافية; وفي ذلك تحذير للمؤمن، من ركوب ما حرم الله عليه، والإعراض عما شرع الله له، وتذكير له بأن الله سبحانه يراه، ويعلم أفعاله الطيبة وغيرها، كما قال تعالى:{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [سورة غافر آية: 19]، وقال تعالى:{وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} [سورة يونس آية: 61] .
فالواجب على العبد أن يحذر ربه، وأن يستحي منه
أن يراه على معصيته، أو يفقده من طاعته التي أوجب عليه.
ثم قال سبحانه: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [سورة النور آية: 31] ، فأمر المؤمنات بغض البصر، وحفظ الفرج، كما أمر المؤمنين بذلك، صيانة لهن من أسباب الفتنة، وتحريضا لهن على أسباب العفة والسلامة.
ثم قال سبحانه: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [سورة النور آية: 31] : قال ابن مسعود رضي الله عنه {مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [سورة الأنعام آية: 151] يعني بذلك: ما ظهر من اللباس، فإن ذلك معفو عنه، ومراده بذلك رضي الله عنه الملابس التي ليس فيها تبرج وفتنة.
وأما ما يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه فسر مَا ظَهَرَ مِنْهَا بالوجه والكفين فهو محمول على حالة النساء قبل نزول آية الحجاب، وأما بعد ذلك، فقد أوجب الله عليهن ستر الجميع، كما سبق في الآيات الكريمات، من سورة الأحزاب، وغيرها.
ويدل على أن ابن عباس أراد ذلك: ما رواه علي بن أبي طلحة عنه، أنه قال:"أمر الله نساء المؤمنين، إذا خرجن من بيوتهن في حاجة، أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عينا واحدة".
وقد نبه على ذلك: شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم والتحقيق، وهو الحق الذي لا ريب فيه;
ومعلوم ما يترتب على ظهور الوجه والكفين من الفساد والفتنة.
وقد تقدم قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [سورة الأحزاب آية: 53] ولم يستثن شيئا، وهي آية محكمة، فوجب الأخذ بها والتعويل عليها، وحمل ما سواها عليها؛ والحكم فيها عام في نساء النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن من نساء المؤمنين.
وتقدم من سورة النور ما يرشد إلى ذلك، وهو ما ذكره الله سبحانه في حق القواعد، وتحريم وضعهن الثياب إلا بشرطين: أحدهما: كونهن لا يرجون النكاح. والثاني: عدم التبرج بالزينة. وسبق الكلام على ذلك، وأن الآية المذكورة حجة ظاهرة، وبرهان قاطع، على تحريم سفور النساء وتبرجهن بالزينة.
ولا يخفى ما وقع فيه النساء اليوم من التوسع في التبرج، وإبداء المحاسن، فوجب سد الذرايع، وحسم الوسائل المفضية إلى الفساد، وظهور الفواحش.
ومن أعظم أسباب الفساد: خلوة الرجال بالنساء وسفرهم بهن من دون محرم، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم، ولا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم"1.
وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان
1 البخاري: الحج (1862)، ومسلم: الحج (1341) ، وأحمد (1/222) .
ثالثهما" 1.
وقال صلى الله عليه وسلم:"لا يبيتن رجل عند امرأة، إلا أن يكون زوجا أو ذا محرم" 2 رواه مسلم في صحيحه.
فاتقوا الله أيها المسلمون، وخذوا على أيدي نسائكم، وامنعوهن مما حرم الله عليهن، من السفور، والتبرج، وإظهار المحاسن، والتشبه بأعداء الله من النصارى ومن تشبه بهم. واعلموا أن السكوت عنهن مشاركة لهن في الإثم، وتعرض لغضب الله وعموم عقابه، عافانا الله وإياكم من شر ذلك.
ومن أعظم الواجبات: تحذير الرجال من الخلوة بالنساء، والدخول عليهن، والسفر بهن بدون محرم، لأن ذلك من وسائل الفتنة والفساد.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء"3. وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فناظر كيف تعملون؛ فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء" 4.
وقال عليه الصلاة والسلام: "رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة" 5، وقال صلى الله عليه وسلم:"صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، ورجال بأيديهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس"6.
1 الترمذي: الرضاع (1171) .
2 مسلم: السلام (2171) .
3 البخاري: النكاح (5096)، ومسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2740 ،2741)، والترمذي: الأدب (2780)، وابن ماجه: الفتن (3998) ، وأحمد (5/200 ،5/210) .
4 مسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2742)، وابن ماجه: الفتن (4000) ، وأحمد (3/19 ،3/22 ،3/61) .
5 البخاري: العلم (115)، والترمذي: الفتن (2196) ، وأحمد (6/297)، ومالك: الجامع (1695) .
6 مسلم: اللباس والزينة (2128) ، وأحمد (2/355 ،2/440)، ومالك: الجامع (1694) .
وهذا تحذير شديد من التبرج والسفور، ولبس الرقيق والقصير من الثياب، والميل عن الحق والعفة، وإمالة الناس إلى الباطل، وتحذير شديد من ظلم الناس، والتعدي عليهم، ووعيد لمن فعل ذلك بحرمان دخول الجنة، نسأل الله العافية من ذلك.
ومن أعظم الفساد: تشبه الكثير من النساء بنساء الكفار، من النصارى وأشباهم، في لبس القصير من الثياب، وإبداء الشعور والمحاسن، ومشط الشعور على طريقة أهل الكفر والفسق.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم"1. ومعلوم ما يترتب على هذا التشبه، وهذه الملابس القصيرة، التي تجعل المرأة شبه عارية، من الفساد، والفتنة، ورقة الدين، وقلة الحياء.
فالواجب: الحذر من ذلك غاية الحذر، ومنع النساء منه، والشدة في ذلك، لأن عاقبته وخيمة، وفساده عظيم. ولا يجوز التساهل في ذلك مع البنات الصغار؛ لأن تربيتهن عليه يفضي إلى اعتيادهن له، وكراهتهن لما سواه إذا كبرن، فيقع بذلك الفساد والمحذور، والفتنة المخوفة التي وقع فيها الكبيرات من النساء.
فاتقوا الله عباد الله، واحذروا ما حرم الله عليكم، وتعاونوا على البر والتقوى، وتواصوا بالحق والصبر عليه،
1 أبو داود: اللباس (4031) .
واعلموا أن الله سبحانه سائلكم عن ذلك، ومجازيكم على أعمالكم.
وهو سبحانه مع الصابرين، ومع الصادقين والمحسنين، فاصبروا، وصابروا، واتقوا الله، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين.
ولا ريب أن الواجب على ولاة الأمور: من الأمراء، والقضاة، والعلماء، ورؤساء الهيئات، وأعضاء الهيئات، أكبر من الواجب على غيرهم، والخطر عليهم أشد، والفتنة في سكوت من سكت منهم عظيمة.
ولكن ليس إنكار المنكر خاصا بهم، بل الواجب على جميع المسلمين، ولا سيما أعيانهم وكبارهم، وبالأخص أولياء النساء وأزواجهن، إنكار هذا المنكر، والغلظة فيه، والشدة على من تساهل في ذلك، لعل الله سبحانه يرفع عنا ما نزل من البلاء، ويهدينا ونساءنا إلى سواء السبيل.
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنة قال: "ما بعث الله من نبي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب، يأخذون سنته ويهتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون؛ فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل".
واسأل الله أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، وأن يصلح
ولاة أمرنا، ويقمع بهم الفساد، وينصر بهم الحق، ويصلح لهم البطانة، وأن يوفقنا وإياكم وإياهم، وسائر المسلمين لما فيه صلاح العباد والبلاد، في المعاش والمعاد، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وآله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[قول الشيخ حمود التويجري إن من أعظم الفتن خلع النساء جلباب الحياء]
وقال الشيخ: حمود بن عبد الله التويجري في الصارم المشهور:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي من على من شاء بالحماية والصيانة، وقضى على من شاء بالسقوط والخذلان.
أحمده أن جعل الغيرة في قلوب أهل الإيمان، فقاموا على نسائهم أحسن القيام، وجنبوهن أسباب الافتتان.
وأشهد أن لا إله إلا الله العظيم الشان، الذي ينتقم ممن بارزه بالعصيان، فويل للكاسيات العاريات، من عقاب الملك الديان، وويل لأوليائهن الراضين لهن بالهوان.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي بين للناس غاية البيان، وحذرهم من حبائل الشيطان، صلى الله عليه وعلى
آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان.
أما بعد: فإن من أعظم الفتن، خلع النساء جلباب الحياء واستهتارهن بالتبرج والسفور، وقد انهار في هذه الفتنة نساء المسلمين، وهذا مصداق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم:"أن هذه الأمة تتبع سنن اليهود والنصارى"1.
ومصداق ما أخبر به، من وجود الكاسيات العاريات، وقوله:"كيف بكم إذا فسق فتيانكم، وطغى نساؤكم؟ قالوا وإن ذلك لكائن؟ قال: نعم، وأشد".
وثبت: أنه قال: "من تشبه بقوم فهو منهم" 2، قال شيخ الإسلام: وهذا الحديث أقل أحواله، تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم، كما في قوله:{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} 3. وعن ابن عمر مرفوعا: "ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود، ولا بالنصارى" 4 رواه الترمذي.
والتبرج: حرام، لما فيه من التشبه بأهل الجاهلية، والإفرنج وغيرهم؛ وقد أمر الله أزواج النبي صلى الله عليه وسلم الطيبات الطاهرات المطهرات، بلزوم بيوتهن، ونهاهن عن التبرج، فقال تعالى:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} 5 وليس خاصا بهن، بل هو عام.
وقد تضافرت الأحاديث بالنهي عن التبرج وذمه، والوعيد الشديد عليه، منها: "شر نسائكم المتبرجات،
1 البخاري: أحاديث الأنبياء (3456)، ومسلم: العلم (2669) ، وأحمد (3/84 ،3/89 ،3/94) .
2 أبو داود: اللباس (4031) .
3 سورة المائدة آية: 51.
4 الترمذي: الاستئذان والآداب (2695) .
5 سورة الأحزاب آية: 33.
المتخيلات، وهن المنافقات"،
وإنكار عمرو بن العاص، على التي وضعت يدها على الهودج، فبدت خواتيمها.
فكيف لو رأى صنيع المتبرجات في زماننا؟ ولا سيما من كان منهن في البلدان التي قد افتتن أهلها بسفاسف المدنية الإفرنجية؟ !
وذكر حديث التبرج بالزينة لغير محلها، قال الخطابي، هو: تزين المرأة لغير زوجها، وذكر قوله فيه:"مثل الرافلة في الزينة في غير أهلها، كمثل ظلمة يوم القيامة لا نور لها" 1 قال ابن الأثير، الرافلة، هي: التي ترفل في ثوبها، أي: تتبختر.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله من امرأة صلاة، حتى تواري زينتها": وقال رسوله الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس انهوا نساءكم عن لبس الزينة، والتبختر في المسجد، فإن بني إسرائيل لم يلعنوا حتى لبس نساؤهم الزينة، وتبخترن في المساجد"2.
قالت عائشة رضي الله عنها: "لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المسجد، كما منعه نساء بني إسرائيل".
وروي عن ابن المبارك، أنه قال:"أكره اليوم الخروج للنساء في العيدين، فإن أبت المرأة إلا أن تخرج، فليأذن لها زوجها أن تخرج في أطمارها، ولا تتزين، فإن أبت أن تخرج كذلك، فلزوجها أن يمنعها عن الخروج" قال:
1 الترمذي: الرضاع (1167) .
2 ابن ماجه: الفتن (4001) .
ويروى عن سفيان الثوري أنه كره اليوم الخروج للنساء إلى العيد. قلت: وذكر شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية، رحمه الله تعالى، عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى، أنه سئل عن النساء يخرجن في العيد؟ قال: لا يعجبني في زماننا هذا، إنهن فتنة. قال الشيخ: وهذا يعم سائر الصلوات. انتهى.
قال ابن دقيق: وإذا كان هذا قول عائشة، وابن المبارك، وسفيان الثوري، وأحمد بن حنبل، في نساء زمانهم، فكيف لو رأى صنيع المتبرجات في زماننا؟
ثم ذكر أحاديث، في فضل صلاتها في بيتها، قال: وقد ورد الإذن للنساء في إتيان المساجد مشروطا باجتناب الطيب ونحوه، مما يهيج شهوة الرجال.
وذكر: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، ولكن ليخرجن وهن تفلات" 1، وقال:"ائذنوا للنساء بالليل، إلى المساجد تفلات" 2 أي: غير متطيبات.
قال ابن دقيق العيد: فيه حرمة التطيب على مريدة الخروج إلى المساجد، لما فيه من تحريك داعية الرجال وشهوتهم، وربما يكون سببا لتحريك شهوة المرأة أيضا; قال: ويلحق بالطيب ما في معناه، كحسن الملبس، والحلي الذي يظهر أثره، والهيئة الفاخرة.
1 أبو داود: الصلاة (565) ، وأحمد (2/438 ،2/475 ،2/528)، والدارمي: الصلاة (1279) .
2 البخاري: الجمعة (899)، ومسلم: الصلاة (442)، والترمذي: الجمعة (570)، وأبو داود: الصلاة (568) ، وأحمد (2/49 ،2/127 ،2/143 ،2/145) .
وذكر قوله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة استعطرت، ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها، فهي زانية، وكل عين زانية"1. وقالت عائشة رضي الله عنها: "إن المرأة إذا تطيبت لغير زوجها، كان عليها نارا وشنارا" ورواه الطبراني مرفوعا.
قال: ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التبرج، وشدد فيه، وعن النبي صلى الله عليه وسلم: "المرأة عورة
…
" 2، وقالت فاطمة رضي الله عنها: "خير النساء أن لا يرين الرجال ولا يرونهن".
وذكر قوله صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا"3.
وفي رواية: "سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرحال، ينْزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات، على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف؛ العنوهن، فإنهن ملعونات
…
" الحديث.
وفي لفظ: "سيكون في آخر هذه الأمة رجال يركبون على المياثر حتى يأتوا أبواب مساجدهم، نساؤهم كاسيات عاريات، على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف، العنوهن فإنهن ملعونات".
وفي هذين الحديثين علم من أعلام النبوة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم
1 الترمذي: الأدب (2786)، والنسائي: الزينة (5126)، وأبو داود: الترجل (4173) ، وأحمد (4/413 ،4/418)، والدارمي: الاستئذان (2646) .
2 الترمذي: الرضاع (1173) .
3 مسلم: اللباس والزينة (2128) ، وأحمد (2/355 ،2/440) .
أخبر بما سيكون في آخر أمته، من وجود الكاسيات العاريات، فوقع الأمر طبق ما أخبر به، صلوات الله وسلامه عليه.
وقد افتتن كثير من نساء المسلمين، في هذا العصر، بتقليد نساء الإفرنج، والتزيي بزيهن واتباع سننهن، حذو القذة بالقذة.
وذكر في معنى الحديثين أقوال، منها: قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "كاسيات عاريات" أي: كاسيات بلباس يصف البشرة، أو يبدي بعض تقاطيع أبدانهن، كالعضد والعجيزة، فهن كاسيات بلباس، عاريات حقيقة. قلت: وهو أدق في المعنى، وظاهر اللفظ، وحسبك من شيخ الإسلام فيما يقول عن الكتاب والسنة.
وقال الشيخ حمود رحمه الله: وما عليه المتشهبات بنساء الإفرنج في زماننا أعظم وأعظم، فإنهن يكشفن رؤوسهن ورقابهن، ونحورهن، وصدورهن، وأيديهن إلى المناكب، وأرجلهن إلى الركب.
قلت: فهن كاشفات بعض أبدانهن، كاسيات عاريات حقيقة في البعض، باللباس الضيق المبدي لتقاطع بقية أبدانهن، قال: كلبس "الكرته" وما أشبهها، يعني اللباس الضيق؟ وقيل مائلات: يمتشطن المشطة الميلاء، وهي: مشطة البغايا، والمميلات، اللاتي: يمشطن غيرهن تلك المشطة.
وهذه صفة موجودة في المتشبهات بنساء الإفرنج، فإنهن: زائغات عن طاعة الله، متعديات لحدوده، ومميلات غيرهن إلى الأخذ بقبائح أفعالهن، ويمتشطن مع ذلك المشطة الميلاء، وهي مشطة نساء الإفرنج، ويمشطن غيرهن تلك المشطة، المخالفة لمشطة نساء المسلمين.
قال: ورجال هذا الصنف من النساء، شركاء لهن في الخزي والعار، وجديرون بمشاركتهن في العقوبة في الدار الآخرة، لأن الراضي بالذنب كفاعله، ولإهمالهم أمر نسائهم، وتركهم ما أوجبه الله تعالى عليهم، من رعايتهن، وتعليمهن، وتأديبهن، وأمرهن بالمعروف، ونهيهن عن المنكر، والأخذ على أيديهن، والحرص على إبعادهن عن جميع الأمور التي تفتنهن بالرجال، وتفتن الرجال بهن، وقد قال تعالى:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} 1. انتهى المراد منه.
[قول الشيخ صالح بن لحيدان في الحديث عن أمر المرأة من طفولتها إلى تسلمها البيت]
وقال الشيخ صالح بن محمد بن لحيدان وفقه الله 2: كنا تحدثنا في مقال عن أخلاق الشباب، وما ينبغي أن يتخذ نحوها، لصيانتها، وحفظها; والآن نسوق الحديث في أمر المرأة من طفولتها إلى تسلمها البيت وتربية النشء.
فإن أمرها أعظم من أن يهمل، وإن المرأة في هذا
1 سورة النساء آية: 34.
2 في مجلة راية الإسلام العدد الخامس في 1/4/1380 هـ.
العصر، انخدعت بما ينشر عن تحريرها وتثقيفها، ومسايرتها لركب الحضارة، وقلة التمدن.
فانساقت مندفعة في كثير من البلاد العربيه والإسلامية، وغزت الحضارة كل أحد؛ حتى عم البلاء وشمل الشر، وبلغ السيل الزّبَى، وطم ودخل على المصونات في خدورهن، وتطلع إلى ربات الأودية في مطاوي شعابهن.
فقل أن تجد أحدا، إلا وقد أخذ من سيل هذه السحابة المعتمة، فمقل ومستكثر، حتى رأى كثير من النساء، أن العادة القديمة التي اعتادتها أمهاتهن، من التستر والصيانة، عادة عفى عليها الزمن، ولا تليق بمن تحب أن ترى ملابسها الفضفاضة الضيقة، وهي تحكي جسدها، وتصور تقاطيع جسمها.
بل إن النشأة التالية، من لم يعرفن من الحياة إلا الشيء القليل، تراهن في الطرقات، وعليهن تلك الملابس، التي لا تغطي إلا القليل من الجسد.
وإنك لتحس بالألم يحز قلبك، حين تصادف في بعض هذه الصبية، التي استحسن مربوها أن يجعلوها بهذه الصورة، وهي تستحي أن ترى، بل نراها تنحني حين تقابلها الريح، فتعبث بما يسمونه "الكرته" البالغ من السعة والقصر حدا كبيرا.
فهذه الطفلة يغلبها الحياء، فيحمر وجهها خجلا، لأن
هذه الملابس لا تستقر ساترة، وأهلها ممن نشأ في بيئة محافظة، وعاش في بيت مصون، يأبى لها حياة الحفظ والصيانة، ويريد لها أن تكون كبنات الجيران، ممن هانت عليهم أخلاقهم.
بل إن كثيرا من النساء اللاتي لا يعرفن إلا بيوتهن، قد عرفتهن في هذه الأزمنة الأسواق، واعتدن الخروج بثياب لا يرتضيها الإسلام، ولا يقرها الشرع، ولا تهضمها الأخلاق الفاضلة.
فيا ترى من المسؤول تجاه هذه الحالة، التي إن تركت على ما هي عليه، أوشكت أن تسلكنا في سلك جيراننا الأقربين، الذين نعرف الكثير من أحداث بلادهم، والتي من أكبر أسبابها: خروج النساء بهذه الصفة.
وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" 1؛ والنساء ضعيفات عقل ودين، فإذا تركن وما يهوين، جرهن ذلك إلى الهاوية، واتبعهن الرجال. وإن خروجهن بأثواب مقطوعة الأكمام، وخمر لا تستر إلا المساوئ، وتبرز المحاسن، وتلفت الأنظار، لهو الخطر الكبير على الأخلاق.
وإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" 2؛ فليحفظ كل أحد رعيته، ويحافظ على ما جعل في وصايته وتحت عهدته، فقد أوصى النبي عليه السلام بالنساء فقال:"استوصوا بالنساء خيرا"3.
1 البخاري: النكاح (5096)، ومسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2740 ،2741)، والترمذي: الأدب (2780)، وابن ماجه: الفتن (3998) ، وأحمد (5/200 ،5/210) .
2 البخاري: النكاح (5200)، ومسلم: الإمارة (1829)، والترمذي: الجهاد (1705)، وأبو داود: الخراج والإمارة والفيء (2928) ، وأحمد (2/5 ،2/54 ،2/111 ،2/121) .
3 البخاري: أحاديث الأنبياء (3331)، ومسلم: الرضاع (1468) .
إننا نتساهل في الأمر، ونظن الخطب أيسر من ذلك، فنترك البنات يلبسن ما يختاره لهن الأمهات، ونقول: عندما يقاربن، سيمنعهن الحياء، وتقهرهن صفة الأنوثة فيهن، وهذا حسن نية مصيره الخطأ.
فإن من اعتاد شيئا في صغره، صعب عليه الابتعاد عنه إذا كبر، وقد يأتي اليوم الذي تخرج فيه الفتاة- إن تركت وما يحلو لها- على تقاليد أمتها، فلينظروا إلى البلاد العربية والإسلامية المجاورة ويستبينوا الأمر.
إن الكثير من الشباب، يحبذ هذه الحياة، ويراها تتيح للمرأة معرفة محيطها، وسبر أحوال مجتمعها، ويرى حياة البيت عارا على أمة تريد النهوض والرقي، وينظر إلى نساء الغرب السافرات نظرة إعجاب وتقدير.
وهذا من ضعف الإيمان، وقلة البصيرة في الدين، وكثرة الجهل، وغلبة الهوى، مما جعل أهل الغيرة يعيشون في حمى من الهموم والقلق، فإذا كانت حياة البيت تعد عارا، فكيف يعيشه أهل المروءة؟ !
إذا كانت حياة البيت عارا
…
وإن كان التمدن في التعري
فكيف يعيش ذو الأنف الحمي
…
فما فضل الحَصَان على البغي
والتعليم له خيره ومعه خطره، وإننا لا نعارض في تعليم الفتاة، ولكننا نريد تعليما يحفظ لها كرامتها، ويصون وجهها عن رؤية الأجانب، ويربى فيها روح الدين، ويعطيها
القدرة على إنشاء جيل صالح، يعتز بإسلامه، ويرى أنه لا شرف ولا عزة إلا بالتمسك به، والسير على هديه.
وهذا هو ما نترقبه من هذا التعليم، الذي بدأت قواعد بنيانه ترسى، ونحن ننتظر أن يكون هذا التعليم أكبر معين لنا في هذه الفترة، التي بدأ الشباب يتطلع إلى النساء المتعلمات في خارج البلاد، فجلبهن يحملن أخلاقا زائفة، وكرامات ملوثة، ووجوها فقدت ماء الحياء.
فلا ترى مانعا أن تلاقي كل أحد وهي سافرة، إن هذا لهو البلاء المبين! وإن قوما أهملوا أمر نسائهم لضيع؛ وإننا أمة تعيش في عزلة عن الأخلاق الفاسدة، حتى جرفنا هذا العصر بما فيه.
فإن لم نجاهد مجتمعين متكاتفين، ونحصن أمتنا بأقوى الحصون وأمنعها، أصابنا ما أصاب الأمم الأخرى المجاورة، وصارت أخلاقنا أثرا بعد عين، وخبرا يتناقله الناس، وآن اليوم الذي يقال فيه: كانت البلاد النجدية، بل بلاد الجزيرة العربية، محافظة على دينها، متمسكة بالأخلاق متحلية بالصيانة.
أقول: إن هذا اليوم ليس ببعيد، وإنه لمن المحزن أن تكون الأخلاق الإسلامية، لا تعرف إلا من بطون الأسفار، وطيات التأريخ؛ ومن لم يتعظ بما يسمع ويرى كل يوم، فما له من عقله إلا ما للأنعام السائمة.
إن العلاج والدواء عندنا متيسر، وإن مرضى يهملون
ما فيه شفاؤهم الأكيد، لسفهاء مغبونون.
فإلى الإسلام وتقاليده، لنحفظ نساءنا ونحرسهن بسلطة هذا الدين الحي، الذي أثبتت الأيام أنه خير نظام عرفته الإنسانية، ولن تعرف خيرا منه {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} 1.
[قول الشيخ صالح بن أحمد الخريصي: إن عليكم عباد الله تفقد نسائكم وأولادكم]
وقال الشيخ: صالح بن أحمد الخريصي، في أثناء نصيحة له: إن عليكم عباد الله تفقد نسائكم وأولادكم، فإن النساء ظهر منهن التبرج والزينة والتجول في الأسواق، وهذا خطأ وتفريط من الأولياء.
وقد نهى الله عز وجل عن التبرج في محكم كتابه، وهو إظهار الزينة في اللباس وغيره، وقال صلى الله عليه وسلم:"ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء" 2، وقال:"أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء"3.
وأما الأولاد: فعلى الأولياء حفظهم عن الخروج والتجول، والأخذ على أيديهم وإلزامهم بما أوجب الله عليهم، من فعل الصلاة، وترك المحرمات، وعن الاجتماعات التي لا تنتج إلا الشر، فإنه يحصل فيها مفاسد عديدة.
وقد قال صلى الله عليه وسلم "مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع" 4، وقال: "ما نحل
1 سورة آل عمران آية: 85.
2 البخاري: النكاح (5096)، ومسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2740)، والترمذي: الأدب (2780)، وابن ماجه: الفتن (3998) ، وأحمد (5/210) .
3 مسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2742) ، وأحمد (3/22) .
4 أبو داود: الصلاة (495) ، وأحمد (2/180 ،2/187) .
والد ولده- يعني ما أعطى عطية- أفضل من أدب حسن" 1 وقال في الأهل والأولاد: "ولا ترفع عصاك عنهم أدبا وأخفهم في الله" 2.
لا سيما تفقدهم في الأحوال التي تجر إلى غايات لا تحمد، فإن منهم من يتخذ "تواليت" النصارى، وهذا شيء أقل أحواله التحريم، وإلا فقد قال صلى الله عليه وسلم:"من تشبه بقوم فهو منهم"3.
ومثل شرب الدخان، الذي فشا في أكثرهم، وهو محرم، وينتج مفاسد عديدة، ومنها اللواط- والعياذ بالله- وأكثر ما يحدث من الذين يظهرون بالسياكل إلى الأمكنة الخالية، التي يظنون أن الهيئة لا تصلها.
فعلى أهل الحسبة التجول في تلك الأماكن، واستبراؤها، لأن هذا من واجبهم؛ كما أن من واجبهم حسم هذه المادة، وهي: الخروج إلى البرية بالسياكل، إلا إذا كان قاصدا محلا معينا وليس متهما.
1 الترمذي: البر والصلة (1952) ، وأحمد (3/412) .
2 أحمد (5/238) .
3 أبو داود: اللباس (4031) .