المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كتاب تراجم أصحاب تلك الرسائل والأجوبة - الدرر السنية في الأجوبة النجدية - جـ ١٦

[عبد الرحمن بن قاسم]

الفصل: ‌كتاب تراجم أصحاب تلك الرسائل والأجوبة

بسم الله الرحمن الرحيم

‌كتاب تراجم أصحاب تلك الرسائل والأجوبة

ترجمة إمام الدعوة قدس الله روحه

هو الإمام العالم العامل، الحبر العلم، إمام الأئمة، مفتي الأمة، محي السنة، قامع البدعة، المجتهد الحافظ، الثقة النبيل، الأصولي المحدث الجليل، مجدد الدعوة الإسلامية، والملة الحنيفية، العالم الرباني والصديق الثاني، بدر العلوم، وحيد الزمان، شرف الإسلام وفريده، علما وعملا، ومعرفة وشجاعة، وذكاء، وتنويرا إلهيا، وكرما ونصحا للأمة.

أشرقت شمس فضائله في الأقطار، وعلت مكارمه على كل منار، أجمع أئمة الدين في زمانه، وبعد زمانه، على تقدمه في شأنه، ونبله وعلو مقامه، ومكانه، خاتمة المجتهدين، وبقية أكابر السلف الماضين.

أصدق الناس وأصحهم علما وعزما، وأنفذهم وأعلاهم، في الانتصار للحق والقيام به، وأكملهم اتباعا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، سيف الله على المبتدعين والمرتدين، وكاشف عورات المشبهين المضلين، مشيد أعلام الملة والدين،

ص: 314

أبو علي، شيخ الإسلام، قدوة الأنام الشيخ: محمد بن عبد الوهاب بن الشيخ العالم مفتي نجد سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد بن بريد بن محمد بن بريد بن مشرف بن عمر بن معضاد بن ريس بن زاخر بن محمد بن علوي بن وهيب بن قاسم بن موسى بن مسعود بن عقبة بن سنيع بن نهشل بن شداد بن زهير بن شهاب بن ربيعة بن أبي سود بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم.

ولد رحمه الله تعالى، سنة 1115 من الهجرة، في بلد العيينة من أرض نجد، ونشأ بها، وقرأ القرآن بها قبل بلوغه العشر. وكان حاد الفهم، سريع الإدراك، يتعجب أهله من فطنته وذكائه. ثم اشتغل بالعلم وجد في الطلب، وكان سريع الكتابة ربما كتب الكراسة في المجلس.

وبعد بلوغه سن الاحتلام، قدمه والده إماما في الصلاة. ثم حج فقضى فريضة الإسلام، ثم قصد المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، وأقام بها شهرين؛ ثم رجع إلى وطنه واشتغل بالقراءة على مذهب الإمام أحمد رحمه الله.

ثم رحل لطلب العلم، وزاحم العلماء الكبار. ورحل إلى البصرة والحجاز مرارا، واجتمع بمن فيها من العلماء والمشائخ الأحبار. وأتى الأحساء وهي إذ ذاك آهلة

ص: 315

بالمشائخ والعلماء، فسمع وناظر، وبحث واستفاد، وساعدته الأقدار الربانية بالتوفيق والإمداد.

أخذ العلم عن عدة مشائخ أجلاء، وعلماء فضلاء؛ ففي نجد عن أبيه وغيره، وفي المدينة عن الشيخ العالم محمد حياة السندي المدني، وعن الشيخ إسماعيل العجلوني، وغيرهما. وأخذ عن الشيخ علي أفندي الداغستاني وغيره؛ وأجازه محدثو العصر بكتب الحديث وغيرها.

وأخذ أيضا العلم، وروى عن جماعة، منهم الشيخ عبد الله بن إبراهيم النجدي ثم المدني، وأجازه من طريقين، وأول ما سمع منه الحديث المسلسل بالأولية. كتب السماع بالسند المتصل، إلى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"1.

وسمع منه مسلسل الحنابلة بسنده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله بعبده خيرا استعمله. قالوا: كيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل موته" 2 وهذا الحديث من ثلاثيات أحمد رحمه الله تعالى. 3

1 الترمذي: البر والصلة (1924)، وأبو داود: الأدب (4941) .

2 الترمذي: القدر (2142) ، وأحمد (3/106) .

3 وقد شرحها السفاريني وهي مطبوعة.

ص: 316

وقد سمع رحمه الله تعالى الحديث والفقه، من جماعة بالبصرة كثيرين، وطالت إقامته بها. وقرأ بها كثيرا من كتب الحديث والفقه والعربية، وكتب من الحديث والفقه واللغة ما شاء الله في تلك الأوقات.

بلغ في العلوم العقلية والنقلية مبلغا صار بذلك أعجوبة العالم. وكان يدعو إلى التوحيد ويظهره لكثير ممن يخالطه ويجالسه، ويستدل عليه بالكتاب والسنة، ويقول: الدعوة كلها لله، لا يجوز صرف شيء منها لسواه.

وربما ذكروا بمجلسه إشارات الطواغيت، أو شيئا من كرامات الصالحين الذين كانوا يدعونهم، ويستغيثون بهم، ويلجؤون إليهم في الملمات فينهى عن ذلك ويزجر، ويورد الأدلة ويحذر، ويخبر أن محبة الأولياء والصالحين إنما هي متابعتهم فيما كانوا عليه من الهدى والدين القويم.

ثم خرج منها إلى نجد قاصدا الحج، فحج؛ وقد تبين له بما فتح الله عليه، ضلال من ضل في كل قطر وناحية، فلما قضى الحج وقف بالملتزم، وسأل الله عز وجل أن يظهر هذا الدين بدعوته، وأن يرزقه القبول من الناس.

فخرج قاصدا المدينة، وحضر عند العلماء إذ ذاك، منهم حياة السندي وغيره، وكتب الهدي والبخاري، وحضر

ص: 317

في فنون العلم. ثم ارتحل يريد الشام، فحصل له عائق لما اقتضته الحكمة الربانية، من ظهور هذا الدين في البلاد النجدية.

فقصد نجدا ووجد والده قد ارتحل إلى بلدة حريملاء، فاستقر معه فيها، يدعو إلى السنة المحمديه؛ حتى رفع الله شأنه، ورفع ذكره، ووضع له القبول، وشهد له بالفضل ذووه، من أهل المعقول والمنقول.

ثم ارتحل منها إلى بلد العيينة، وساعده أميرها عثمان بن معمر. وأمر الشيخ بهدم القباب والمساجد المبنية في الجبيلة على قبور الصحابة، رضي الله عنهم، وقطع الأشجار التي تنتابها الخلق في كل ساعة.

فبادر عثمان وخرج الشيخ معه وجماعتهم، فهدموا تلك المساجد المبنية عليها، وأزالوا تلك المشاهد المصروفة العبادة إليها، ومحق ما في العارض من المعبودات، الأشجار وغيرها، فلم يبق وثن في تلك البلدان؛ فشاع ذلك واستبان.

فاستنكرته قلوب أهل الطغيان، وعجوا مطبقين بأنه ساحر كذاب، وحكموا بكفره ومن معه من الأصحاب، وجدوا في التحريش عليه، وأرسلوا بذلك إلى الحرمين الشريفين، والبصرة وغيرها.

ولم يزل رحمه الله مقيما في بلد العيينه، يأمر

ص: 318

بالمعروف وينهى عن المنكر، ويعلم الناس دينهم، ويقيم الحدود؛ حتى أمر برجم زانية فرجمت، فكثر القيل والقال من أهل البدع والضلال.

فشكوا إلى شيخهم رئيس بني خالد، فكتب إلى عثمان يأمره بقتله أو إجلائه؛ فأمر بإجلائه ولم يكن له إلى قتله من سبيل، وذلك لما اقتضته الحكمة الإلهية، والعناية الصمدانية، من إحياء دارس السنة المحمدية، والآثار السلفية.

فخرج الشيخ وهاجر إلى بلد الدرعية، فنَزل إلى عبد الله بن سويلم، ثم انتقل إلى تلميذه الشيخ أحمد بن سويلم. فلما سمع بذلك الأمير محمد بن سعود، أسكنه الله دار الخلود، قام مسرعا إليه، فأتاه فسلم عليه، وبادره بالقبول والتقبيل، وأبدى له غاية الإكرام والتبجيل.

وأخبره أنه يمنعه مما يمنع منه أولاده، من جميع من عاداه وكاده، إلا أنه طلب من الشيخ العهد والميثاق، أن لا يرحل عن بلده إلى سائر الآفاق، وهذا من عناية الله بهذا الرجل وتوفيقه، و {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [سورة الحديد آية: 21] .

فأعطاه الشيخ عقد المرام، وأقام عنده في تلك البلاد، يدعو الناس إلى ما خلقوا له، في وقت طرق الإسلام قد عفت آثارها، وخبت أنوارها، ووهت أركانها،

ص: 319

وجهل مكانها؛ فشيد من معالمها ما عفا من كلمة التوحيد، وأوضح سبيل الهداية لمن أراد أن يسلكها، وأظهر كنوز السعادة لمن قصد أن يملكها.

وقام منعه على ذلك إخوانه، ووزراؤه، وأعوانه، وأنصاره، من أهل الدرعية؛ فجردوا للدعوة أمضى سنان، وأرخوا في ذلك العنان؛ فصار الشيخ يدعو إلى التوحيد، ويقمع كل شيطان مريد، ويناظر أهل الشرك والعناد، وينكر على أهل البغي والفساد، نصره الله بالحجة واللسان، والسيف والسنان.

أمر بالجهاد هو والإمام محمد بن سعود، وشمروا عن ساعد الجد والاجتهاد، وعدوا للجهاد ما استطاعوا من الإعتاد.

وكان الشيخ هو الذي يجهز الجيوش، ويبعث السرايا على يد الإمام، ويكاتب أهل البلدان ويكاتبونه، والوفود إليهما، والضيوف عنده، وصدور الأوامر من عنده; حتى أذعن أهل نجد، وتتابعوا على العمل بالحق، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فعمرت نجد بعد خرابها، وصلحت بعد فسادها، واجتمعت بعد افتراقها، وحقنت الدماء، ونال الفضل والفخر والملك من نصره وآواه، وملك الحرمين الشريفين واليمن وعمان، وما دونه وما وراءه.

ص: 320

وفيه مشابهة لنبينا صلى الله عليه وسلم فيما ناله من الرؤساء والأحبار، في ابتداء دعوته؛ فإنه رحمه الله لما أظهر الدعوة إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة، استصرخوا بأهل الحرمين، والنجرانيين، وبني خالد وغيرهم عليه، وألبت تلك الطوائف.

فثبته الله ومن آواه ونصره، على قلة منهم وضعف، وصبروا على مخالفة الناس، وتحملوا عداوة كل من عادى هذا الدين.

بل أشبه أمر الشيخ ما جرى لخاتم النبيين، حتى في مهاجره وأنصاره، وكثرة من عاداه وناوأه في حال الابتداء، كما هو حال الحق في المبادئ، يرده الكثيرون وينكرونه، ويقبله القليل وينصرونه، ثم تكون الغلبه له.

فرحمه الله من إمام همام، وحبر شهم ضرغام، عمم الله ببركة علمه الأنام. قام بهذا الدين الحنيف، ولم يكن في البلاد إلا اسمه، وانتشر في الآفاق؛ وكل امرئ نال منه حظه وقسمه، وانتفع بعلمه.

حتى أهل الآفاق يرسل إليهم ويدعوهم، ويسألون عما يأمر به وينهى عنه؛ فيقال لهم يأمر بالتوحيد وينهى عن الشرك. فانتهى أناس كثير من أهل الآفاق، وهدم المسلمون ببركة علمه جميع القباب والمشاهد، التي بنيت على القبور وغيرها، في أقاصي الجزيرة، من الحرمين، واليمن وتهامة، وعمان وغير ذلك.

ص: 321

وبالجملة: فمحاسنه وفضائله أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر. ومن طالع مصنفاته، واستقرأ سيرته ومؤلفاته، عرف أنه من أغزر الناس علما، وأحدهم فهما، وأنفذهم عزما وأشجعهم؛ بل هو من أكابر السلف.

وهذه كتبه وفتاواه ورسائل دعوته تشهد بذلك؛ وهو المرجع في وقته في سائر العلوم والفتاوى. وما كان يخطر بالبال، ولا يدور في الخيال، أن رجلا فذا يدرك هذا المركز بعينه؛ حتى صار هو بين العالم فذا، فحق له أن يتمثل:

أيا لائمي دعني أغالي بقيمتي

فقيمة كل الناس ما يحسنونه

فلقد كان رحمه الله من الفضل آية وحده، وفردا حتى نزل لحده، بل أمة قدوة، أخمل من القرناء كل عظيم، وأخمد من البدع كل حديث وقديم. هو البحر من أي النواحي جئته، والبدر من أي الضواحي رأيته.

ولعمري هو شيخ الإسلام، قدوة الأنام، حسنة الأيام، افتخرت به نجد على سائر الأمصار؛ بل زها به عصره على سائر متقدمي الأزمان والأعصار، لما جمع الله له من المناقب والفضائل، التي أوجبت للأواخر الافتخار على الأوائل.

قام مقام نبي، ودعا وملأ اسمه الدنيا شرقا وغربا

ص: 322

شمالا وجنوبا. وجمع بين خلتي العلم والحسب والنسب، والعقل والفضل، والخلق والخلق، مع سلامة الصدر واللطف والرفق، وحسن النية وطيب الطوية، لم ير في عصره من يستجلي النبوة المحمدية، وسننها وأقوالها وأفعالها إلا هو.

اجتمعت الألسن على مدحه والثناء عليه، والقلوب على محبته والميل إليه. شهرته تغني عن الإطناب في ذكره، شمس فضائله شارقة في الأقطار، ومحاسنه علت على كل علم ومنار.

أمده الله بكثرة الكتب، وسرعة الحفظ، وقوة الإدراك، وعدم النسيان. سمع الحديث وأكثر في طلبه، وكتب، ونظر في الرجال والطبقات، وحصل ما لم يحصل غيره.

برع في تفسير القرآن، وغاص في دقائق معانيه، واستنبط منه أشياء لم يسبق إليها، وبرع في الحديث وحفظه، فقل من يحفظ مثله، مع سرعة استحضاره له وقت إقامة الدليل.

وفاق الناس في معرفة الفقه، واختلاف المذاهب، وفتاوى الصحابة والتابعين، بحيث إنه إذا أفتى لم يلتزم بمذهب، بل بما يقوم دليله عنده. تمسك بأصول الكتاب، والسنة، وتأيد بإجماع سلف الأمة. وكان من بيت علم في

ص: 323

آبائه وأجداده، واتصل في بنيه وبنيهم، ولا يزال إلى آخر الزمان إن شاء الله تعالى.

نصر السنة المحضة، والطريقة السلفية بأوضح حجج وأبين براهين. احتج بمقدمات وأمور وبراهين لم يسبق إليها، فظهرت السنة بعد أن سفت عليها السوافي. أعلى الله مناره، وجمع قلوب أهل التقوى على محبته والدعاء له، وكبت أعداءه.

هدى به أمما من أهل الملل والنحل، وجبل قلوب الملوك والأمراء على الانقياد له؛ فظهرت هذه الدعوة، وبلغت مشارق الأرض ومغاربها، وانتشرت؛ فلم يبق أهل وبر ومدر إلا عرفوها وأقروا بها.

ودخل أكثرهم فيها، وعرفوا صحتها، وأنها ما كان عليه سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم. وهو أكبر من أن ينبه على سيرته مثلي، فقد انتشرت فضائله واشتهرت، وشاعت دعوته لله وظهرت.

وذكر الشيخ: حسين بن غنام وغيره، عن أكابر أهل عصرهم، أنهم شهدوا له بالعلم والدين، وأنه من جملة المجددين لما جاء به رسول رب العالمين؛ وكذلك أهل مصر والشام والعراق والحرمين، والهند وغيرهم، تواتر عن فضلائهم وأذكيائهم مدحه والثناء عليه، والشهادة له أنه جدد هذا الدين، كما قال محمد بن علي الشوكاني قاضي صنعاء:

ص: 324

وقام مقامات الهدى بالدلائل

مقام نبي في إماتة باطل

لقد أشرقت نجد بنور ضيائه

فما هو إلا قائم في زمانه

وأثنى عليه في مرثية له، وتأتي. وقال الأمير الشهير محمد بن إسماعيل الصنعاني:

وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي

رباها وحياها بقهقهة الرعد

ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد

لقد زادني مسراك وجدا على وجد

به يهتدي من ضل عن منهج الرشد

فيا حبذا الهادي ويا حبذا المهدي

سلام على نجد ومن حل في نجد

لقد صدرت من سفح صنعا سقى الحيا

سرت من أسير ينشد الريح أن سرت

يذكرني مسراك نجدا وأهله

قفي واسألي عن عالم حل سوحها

محمد الهادي لسنة أحمد

*****

بلا صدر في الحق منهم ولا ورد

ولا كل قول واجب الرد والطرد

فذلك قول جل قدرا عن الرد

تدور على قدر الأدلة في النقد

يعيد لنا الشرع الشريف بما يبدي

ومبتدع منه فوافق ما عندي

مشاهد ضل الناس فيها عن الرشد

لقد أنكرت كل الطوائف قوله

وما كل قول بالقبول مقابل

سوى ما أتى عن ربنا ورسوله

وأما أقاويل الرجال فإنها

وقد جاءت الأخبار عنه بأنه

وينشر جهرا ما طوى كل جاهل

ويعمر أركان الشريعة هادما

إلى أن قال:

وكنت أرى هذي الطريقة لي وحدي

لقد سرني ما جاءني من طريقه

ص: 325

ثم قال:

يتابع قول الله في الحل والعقد

وهل غيره بالله في الشرع من يهدي

وليس له ذنب سوى أنه غدا

ويتبع أقوال النبي محمد

وقال العالم الرباني، الشيخ محمد بن سرور الهمداني، بعد ثنائه، على الصنعاني في معارضته البولاقي.

بمدح إمام قام بالخير والرشد

بسمر العوالي والقواضب والجرد

وبوأه الرضوان في جنة الخلد

ذوائب عدنان ذوي العقل والمجد

خبيث السجايا واحد البكم والبلد

وما قال إلا الصدق والحق ناطق

وأحيا من التوحيد ما كان دارسا

جزاه إله العرش خير جزائه

له نسب زاك إلى خير أسرة

سلالة إسماعيل ذاك الذبيح يا

وقال الشيخ العالم الجليل عبد القادر بن أحمد بن مصطفى، المعروف بابن بدران، الدمشقي.

هو العالم الأثري، والإمام الكبير، محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله تعالى، يتصل نسبه بزيد مناة بن تميم، رحل إلى البصرة والحجاز لطلب العلم، وأخذ عن الشيخ علي أفندي الداغستاني، وعن المحدث الشيخ إسماعيل العجلوني، وغيرهما من العلماء. وأجازه محدثو العصر بكتب الحديث وغيرها.

ولما أمتلأ وطابه من الآثار، وعلم السنة، وبرع في مذهب أحمد، أخذ لينصر الحق، ويحارب البدع، ويقاوم

ص: 326

ما أدخل الجاهلون في هذا الدين الحنيفي، والشريعة السمحاء، ولم يزل مثابرا على الدعوة حتى توفاه الله تعالى سنة 1206?.

وقال الشيخ عبد الرحمن الجبرتي الحنفي في سنة 1217?: ترادفت الأخبار بأمر ابن عبد الوهاب "الشيخ محمد بن عبد الوهاب" وظهور شأنه من مدة ثلاث سنوات من ناحية نجد؛ ودخل في عقيدته قبائل من العرب كثيرة، وبث دعاته في أقاليم الأرض. ويزعم أنه يدعو إلى كتاب الله وسنة رسوله، ويأمر بترك البدع التي ارتكبها الناس، ومشوا عليها إلى غير ذلك.

قال: وأرسل إلى شيخ الركب المغربي كتابا، ومعه أوراق تتضمن دعوته، وعقيدته، وصورتها: بسم الله الرحمن الر حيم، الحمد لله

إلخ 1 ثم قال: إن كان كذلك، فهذا ما ندين الله به نحن أيضا، وهو خلاصة لباب التوحيد، وما علينا من المارقين والمتعصبين.

فانظر ما اعترف به هذا المؤرخ المشهور.

وقال صاحب الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، في ترجمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله تعالى:

1 تقدمت في كتاب العقائد.

ص: 327

ربي بحجر والده، ثم انتقل للبصرة لإتمام دروسه؛ فبرع في علوم الدين واللسان، وفاق الأقران. واشتهر هناك بالتقوى، وصدق التدين، عقيدته السنة الخالصة، على مذهب السلف المتمسكين بمحض القرآن والسنة؛ لا يخوض التأويل والفلسفة، ولا يدخلها في عقيدته.

وفي الفروع مذهبه حنبلي، غير جامد على تقليد الإمام أحمد ولا من دونه؛ بل إذا وجد دليلا أخذ به، وترك أقوال المذهب، فهو مستقل الفكر في العقيدة والفروع معا. وكان قوي الحال، ذا نفوذ شخصي، وتأثير نفسي

إلى أن قال:

فأصبح ابن عبد الوهاب ذا شهرة طبقت العالم الإسلامي وغيره، معدودا من الزعماء المؤسسين للمذاهب الكبرى.

وقال في: "حاضر العالم الإسلام": طلب العلم، وتشرب مبادئ الإمام الحافظ، حجة الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وابن عروة وغيرهم من فحول أئمة الحنابلة؛ وهناك أيضا ازداد ريا من مواد المذهب الحنبلي، وأخذ يفكر في إعادة الإسلام إلى نقاوته الأولى: عقيدة الصحابة والتابعين.

فلذلك الوهابية، يسمون مذهبهم: عقيدة السلف، ومن هناك أنكر الاعتقاد بالأولياء، وزيارة القبور،

ص: 328

والاستغاثة بغير الله، وغير ذلك مما جعله من باب الشرك؛ واستشهد على صحة آرائه، بالآيات القرآنية والأحاديث المصطفوية.

وكذلك اعترف أعداؤه من معاصريه، والحق ما شهدت به الأعداء، ولو وجدوا سبيلا إلى الطعن لم يبقوا ممكنا، بل شهد له سائر الكل بأنه المصلح الأكبر.

وقال الشيخ: ملا عمران بن علي، نزيل لنجة، في أثناء رد له، نصرا، للحق، وللشيخ محمد، رحمه الله تعالى:

صح المبين وبالكلام الجيد

إلا المهيمن ذا الجلال السرمدي

كلا ولا من صالح أو سيد

فأتاهم الشيخ المشار إليه بالنـ

يدعو همو لله أن لا يعبدوا

لا يشركوا ملكا ولا من مرسل

إلى أن قال:

أهل الزمان اشتد غير مقلد

لله أندادا بغير تعدد

فالشيخ لما أن رأى ذا الشأن من

بادا همو يا قوم كيف جعلتمو

إلى أن قال:

إظهار ما قد ضيعوه من اليد

ليكافئوه على وفاق المرشد

لو أنصفوا لرأوا له فضلا على

ودعوا له بالخير بعد مماته

إلى أن قال:

لرأي المحب محمد المحمد

عجبا لهم لو كان فيهم منصف

ص: 329

للحب في نص الكتاب الأمجد

الحق شمس للبصير المهتدي

حسب يقربنا له بتودد

نمتار نعمته ولم نسترفدي

لذوي البصيرة فاهتدى من يهتدي

من حيث إن الاتباع مقارن

قالوا صبأتم نحوه قلنا لهم

ما بيننا نسب نميل إليه أو

أيضا ولا هو جارنا الأدنى الذي

لكنها شمس الظهيرة قد بدت

* * * *

ن له أقروا بالفضائل واليد

كالشعرة البيضا بجلد أسود

حق القليل مقالة لم تجحد

شك وريب واختلاف يبتدي

تجدوها حقا ظاهرا للمقتدي

فالعالمون العاملون المنصفو

لكن قليل منهمو في عصرنا

والله قد ذم الكثير وقال في

فإن اعتراكم في الذي قد قاله

فزنوا بميزان الشريعة قوله

وقال الشيخ العلامة: أحمد بن محمد الحفظي في أرجوزة له:

قد جاءنا في آخر العصر القذي

بأمر رب العالمين الخالق

من أرض نجد عالما مجتهدا

الحنبلي الأثري الأحمد

بين الورى وقد طغى واعتكرا

يصرخ بين أظهر القبيلة

ليس إلى نفس دعا أو مذهب

حركني لنظمها الخبر الذي

لما دعا الداعي من المشارق

وبعث الله لنا مجددا

شيخ الهدى محمد المحمدي

فقام والشرك الصريح قد سرى

دعا إلى الله وبالتهليلة

ولم يزل يدعو إلى دين النبي

ص: 330

أن لا إله غير فرد يعبد

رسوله إليكم وقصده

شيئا به والابتداع فاتركوا

يعلم الناس معاني اشهدوا

محمد نبيه وعبده

أن تعبدوه وحده لا تشركوا

وقال أيضا رحمه الله تعالى، داعيا ملوك اليمن وعلماءهم، أن يدخلوا في دعوة الشيخ:

وارمق عواقب حالها المتحول

لم أدر ما حيلولة المتحيل

فهو البريء من الخلاف المبطل

جريد والتفريد للرب العلي

ويذم من يدعو النبي أو الولي

وبدائعا وصنائعا لم تقبل

وفظاظة وشكاية لم تجمل

وهيونة للمقبل المستقبل

أو يقتل الأبطال إن لم تبطل

غرض بمذهب آخر عن أول

ثم اتباعا للنبي المرسل

فعلام ينفر كل ندب أفضل

لهما ولوا عبدا فكيف بمن ولي

واستشهد الأيام وانظر شأنها

والحق أولى أن يجاب وإنما

إن كان ظنا أن ذاك مخالف

بل قام يدعو الناس للتوحيد والتـ

ويذب عن شرع النبي محمد

ولقد أضاء فكم أزال شنائعا

أو كان ظنا أن فيه غلاظة

فأقول حاشا إن فيه ليونة

لا يطلب الأموال من خزانها

أو ينزع الملك المولى أوله

بل قصده التوحيد في أفعالنا

هذان ليس سواهما قصده

والواجب الشرعي إجابة من دعا

وقال:

ومقدمات نتائج الأشكال

شهدت عدول شواهد الأفضال

ص: 331

في العلم بالله العلي المتعالى

أن المعالي والعوالي والعلا

ثم ذكر ما الناس فيه من الشرك، وقال:

نبأ عظيم أمره متوالي

ـاس بالتوحيد والإفراد بالأعمال

لله ليس الشرك في مثقال

ومجدد العصر الأخير التالي

كافاه ربي بالجزاء العالي

حتى أتانا من مشارق أرضنا

داع بأعلى الصوت يدعو النـ

ويحث في صرف العبادة كلها

أعني بذاك إمامنا شيخ الهدى

بحر العلوم أبا حسين محمدا

وقال:

مناهج دعواه وصحت لداعيها

وعبد العزيز القائم العدل محييها

بأقلام حق والسيوف تحاذيها

وبرهن بالوحيين حتى تلألأت

إمام الهدى أعني محمدا الفتى

فحياهما من جهبذين تناصرا

وقال عالم الأحساء، حسان وقته، الشيخ: أحمد بن علي بن مشرف، بعد ثنائه على أنصار السنة العلماء:

للدين ذو علم وذو إقدام

بثواقب من علمه وسهام

وضلالهم أكرم به من حام

فأزاح ليل الشوك والأوهام

بدليل وحي قاطع وحسام

فجلا به قطعا من الإظلام

وحباه بالإحسان والإنعام

منهم بنجد عالم ومجدد

نصر الهدى ونفى الردى، ورمى العدا

وحمى حمى التوحيد من شبه العداي

وأدلة التوحيد ألف شملها

ومشاهد الإشراك هد بناءها

فأتاهم بالنور من صبح الهدى

فجزاه رب العرش خير جزائه

ص: 332

وقال:

وقد جد في إخفائه كل ملحد

فأكرم به من عالم ومجدد

كما قد أمات الشرك بالقول واليد

بكل دليل كاشف للتردد

لقد أوضح الإسلام عند اغترابه

وجدد منهاج الشريعة إذ عفت

وأحيا بدرس العلم دارس رسمها

وكم شبهة للمشركين أزاحها

وقال الشيخ حسين بن غنام الأحسائي، رحمه الله:

وقد كان فيه للبرية مرتع

بوقت به يعلو الضلال ويرفع

أزيل بها عنه حجاب وبرقع

وعام بتيار المعارف يقطع

وأهوى به من مظلم الشرك مهيع

ومصباحه عال ورياه ضيع

سواه ولا حاذى فناها سميدع

يشيد ويحمي ما تعفى ويرقع

ويدمغ أرباب الضلال ويدفع

أمرنا إليها في التنازع نرجع

لقد غاص بحر العلم والفهم والندى

لقد رفع المولى به رتبة الهدى

أبان له من لمعة الحق لمحة

سقاه نمير الفهم مولاه فارتوى

فأحيا به التوحيد بعد اندراسه

فأنوار صبح الحق باد سناؤها

سما ذروة المجد التي ما ارتقى لها

وشمر في منهاج سنة أحمد

وينفي الأعادي عن حماه وسوحه

وناظر بالآيات والسنة التي

وقال عبد الجليل البصري:

وبالخير من قد كان أصدق قائم

هو الحبر ذو الأفضال حاوي المكارم

هو القانت السجاد في جنح فاحم

جزى الله رب العرش بالصفح والرضى

بنصرة دين المصطفى وظهيره

هو الورع الأواه شيخي محمد

ص: 333

فريد طريد ماله من مسالم

وفي الله لم تأخذه لومة لائم

على محض شرك في العبادة لاجم

لقد قام يدعو للمهيمن وحده

وجاهد للرحمن حق جهاده

همام بدا والناس إلا أقلهم

إلى أن قال:

ولا آمرا بالعرف بين العوالم

بآيات حق للضلال صوارم

قواعد زيغ محلكات الدعائم

ولم تلق عن بادى المناكر ناهيا

فجرد عضب العزم إذ وضح الهدى

وقد بها هام الغواية فانمحت

وقال الشيخ سليمان بن سحمان، رحمه الله تعالى:

إلى السيد المعبود بالجد والجهد

على الكفر بالمعبود والجعل للند

ويدعون من لا يملك النفع للعبد

عداوة من قد خالفوه على عمد

جناية ذي بغي ولا زيغ ذي صد

عليه لكي يطفوا من النور ما يبدي

وقد قام يدعو الناس في جاهلية

وقد كان أهل الأرض إلا أقلهم

ينادون أرباب القبور سفاهة

فجاهد في ذات الإله ولم يخف

ولم يثنه عن نصرة الحق والهدى

وتأليب أعداء الشريعة جندهم

* * * *

به الملة السمحا على كل ذي جحد

وقد ضاء نور الحق من طالع السعد

وقد طبق الآفاق من سائر البلد

فألزم كلا عجزه من ذوي الطرد

وقد جهدوا إلى كيده غاية الجهد

وأعلن بالتوحيد لله فاعتلت

فأضحى بنجد مهيع الحق ناصعا

وأقلع ديجور الضلالة والهوى

وجادلة الأحبار فيما أتى به

فآبوا وقد خابوا وما أدركوا المنى

ص: 334

عليه وأولاه من العز والحمد

وأكمد أكبادا بها الحسد المردي

فاظهره المولى على من بغى

بما كلت الأقلام عن حصر بعضه

* * * *

فحل على هام المجرة والسعد

وكم مشهد قد شيد أوهاه بالهد

بنور الهدى حتى استبانت لذي الرشد

من العلماء المنصفين ذوي النقد

وأرسل نظما ثابتا عنه في الوفد

عليه بما أبدى من الحق في نجد

يعيد لنا الشرع الشريف بما يبدي

فلله من حبر تسامى إلى العلا

فكم سنن أحيا وكم بدع نفى

وكم شبهة جلت فجلا ظلامها

وحسبك ما قال الأمير محمد

فقد قال في الشيخ الإمام محمد

فمن قوله في معرض الشكر والثنا

وقد جاءت الأخبار عنه بأنه

ثم قال:

وما لم يقل في فضله فبلا حد

كهذا التقي الفاضل العلم الفرد

ولا كل منشور بحمد لذي عد

وضعضع من ركن العدا كل مسند

فدونك ما قد قاله في نظامه

وكم من أخي علم أقر بفضله

فليس بمحص فضله كل ناظم

لقد أوضح الإسلام بعد اندراسه

وقال أيضا: بعد أن ذكر ما كان بنجد من الشرك والبدع:

وجود وإحسان إماما مفهما

نبيلا جليلا بالهدى قد ترسما

يشق له فيها غبار ولن وما

فأظهر مولانا بفضل ورحمة

تقيا نقيا ألمعيا مهذبا

تبحر في كل الفنون فلم يكن

ص: 335

وبحر خضم أن تلاطم أو طما

وأرشد حيرانا لذاك وعلما

وهد من الإشراك ما كان قد سما

بنجد وأعلى ذروة الحق فاستما

وسباق غايات وطلاع أنجد

فأطد للتوحيد ركنا مشيدا

وحذر عن نهج الردى كل مسلم

فأتوى وأوهى كل كفر ومعبد

* * * *

وكل امرئ منهم لدى الحق أحجما

عليه وعادوه عنادا ومأثما

ولا صده كيد من القوم قد طما

وبالكفر والتجهيل والبهت قد رمى

عليه وعاداه فما نال مغنما

فكم مقول منهم تحدى فأبكما

وكان إذا لاقى العداة عثمثما

بوقت به الكفر ادلهم وأجهما

وفل حسام كان بالكفر لهذما

بإشراق نور الحق لما تبسما

وجادله الأحبار فيما أتى به

وألزم كلا عجزه فتألبوا

فلم يخش في الرحمن لومة لائم

وكل امرئ أبدى العداوة جاهدا

فأظهره المولى على كل من بغى

وكيف وقد أبدى نوابغ جهلهم

وألقمه بالحق والصدق صخرة

وقد رفع المولى به رتبة الهدى

فزالت مباني الشرك بالدين وانمحت

وحالت معاني الغي واللهو والهوى

[مكانته العلمية ومؤلفاته]

ومن عرف الرجال بالعلم، عرف حال الشيخ رحمه الله، ورسوخه ومتانة علمه ودينه، وأنه يلحق بأكابر السلف وعلمائهم، وإن تأخر عصره؛ وقد تتبع العلماء مصنفاته وفتاواه من أهل زمانه، ومن بعدهم، فأعجزهم أن يجدوا فيها ما يعاب.

ص: 336

وقد كانت أقواله في أصول الدين، مما أجمع عليه أهل السنة والجماعة، وفي الفروع حنبلي المذهب، متوخيا الدليل، لا يوجد له قول مخالف لما ذهب إليه الأئمة الأربعة.

وكان رحمه الله، مع قيامه بأعباء الدعوة، ومجاهدة المشبهين والمبطلين، متبتلا في العبادة، كثير الإفادة، غزير الاستفادة، رحل إليه في طلب العلم من جميع النواحي، وضربت إليه آباط الإبل.

له مجالس عديدة مشهورة في التدريس، كل يوم وكل وقت، معمورة بالفقهاء في جميع فنون العلم، في التوحيد والتفسير والفقه وغيرها؛ وانتفع الناس بعلمه، وصنف مصنفات كثيرة، وألف مؤلفات نافعة شهيرة، سارت في الآفاق سيرورة ذكاء في الإشراق. منها:

1-

كتاب التوحيد، فيما يجب من حق الله على العبيد، لم يعلم له نظير في الوجود.

2-

كتاب كشف الشبهات.

3-

كتاب أصول الإيمان.

4-

كتاب فضائل الإسلام.

5-

كتاب فضائل القرآن.

6-

كتاب السيرة المختصرة.

7-

كتاب السيرة المطولة.

8-

كتاب مجموع الحديث على أبواب الفقه.

ص: 337

9-

كتاب مختصر الإنصاف والشرح الكبير.

10-

كتاب مختصر الصواعق.

11-

كتاب مختصر فتح الباري.

12-

كتاب مختصر الهدي.

13-

كتاب مختصر العقل والنقل.

14-

كتاب مختصر المنهاج.

15-

كتاب مختصر الإيمان.

16-

كتاب آداب المشي إلى الصلاة.

وله رسائل وأجوبة في التوحيد والنصائح، وأجوبة في الفقه كثيرة مفيدة، تقدمت في هذا الكتاب على حسب الترتيب؛ وله من المسائل المستنبطات من كتاب الله، ما يقصر عنه فهم الفحول الأفاضل، ولا يقدر على إبرازه ذوو التدقيق من الأماثل، تكلم على غالب السور، واستنبط منها من الفوائد ما لم يسبق إليه.

[تلاميذه وتوليه لبيت المال]

أخذ عنه العلم عدة من العلماء الأجلاء من بنيه وبنيهم، وغيرهم من علماء الدرعية، وأهل النواحي ممن تأهل؛ فمنهم أبناؤه الجهابذة الشيخ حسين، والشيخ عبد الله، والشيخ علي، والشيخ عبد العزيز، وأخذ عنه ابن ابنه الشيخ عبد الرحمن بن حسن.

وأخذ عنه الشيخ حمد بن ناصر بن معمر، والشيخ عبد العزيز الحصين الناصري، والشيخ سعيد بن حجي،

ص: 338

والشيخ محمد بن عبد الله بن سويلم، والشيخ عبد الرحمن بن خميس، والشيخ عبد الرحمن بن نامي، الشيخ محمد بن سلطان العوسجي، والشيخ عبد الرحمن بن عبد المحسن أبا حسين، والشيخ حسن بن عبد الله بن عيدان، والشيخان عبد العزيز ومحمد آل سويلم، والشيخ حمد بن راشد العريني.

وكل واحد من هؤلاء ولي القضاء في ناحية، وأخذ أيضا عنه ممن ولي القضاء وممن لم يله، من الفقهاء والأعيان الخلق الكثير، والجم الغفير، وكان كثيرا ما ينشد هذه الأبيات:

بأي لسان أشكر الله إنه

لذو نعمة أعجزت كل شاكر

حباني بالإسلام فضلا ونعمة

علي وبالقرآن نور البصائر

فبالنعمة العظمى اعتقاد ابن حنبل عليها اعتقادي يوم كشف السرائر

وكانت حاله رحمه الله في العبادة، والزهد والورع، مشهورة بين الأنام، سميره القرآن في دجى الظلام، وإحياء كثير من الليل بالقيام، مع اشتغاله في النهار بالتدريس، والتصنيف، وتنفيذ الأحكام؛ فساعاته كلها مواسم، وله من الرأي والفراسة والتدبير ما يعجز عنه الملوك.

وكان يتولى بيت المال، من جميع بلدان المسلمين، ويفرقه عليهم، وكان عن كثرة الأكل منه متعففا، بل يعجله خروجا ومصرفا، وكان سمحا جوادا كريما، لا يلفى عنده المال مقيما،

ص: 339

ومحافظا على ما له من الأحزاب والأوراد، مشمرا في تحصيل نافع الزاد، متجردا للاستعداد ليوم المعاد، وكثيرا ما يلهج بقول:{رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [سورة الأحقاف آية: 15] .

فأجاب الله دعاءه، وصار ذريته وذريتهم، هم الباقين، وعلماء عاملين; توفي رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى سنة 1206?، يوم الاثنين آخر شهر شوال، وكان يوما مشهودا؛ تزاحم الناس على سريره، وصلوا عليه في بلده الدرعية، وخرج الناس مع جنازته الكبير والصغير، وحصل بموته الخطب العظيم، والفادح العميم.

فضلا وجودا وتكريما وإحسانا

ورحمة منه إحسانا ورضوانا

فالله يعليه في الفردوس منْزلة

والله يوليه ألطافا ومغفرة

[ما قيل في رثائه]

ورثاه طوائف من العلماء منهم العالم النبيل محمد بن علي الشوكاني، رحمه الله، فقال:

وأصمى بسهم الإفتجاع مقاتلي

فأمست بفرط الوجد أي ثواكلي

وأنهلني قسرا أمر المناهل

حليف أسى للقلب غير مزائل

مصاب دهى قلبي فأذكى غلائلي

وخطب به أعشار أحشائي صدعت

ورزء تقاضى صفاء معيشتي

فغدوت به رهن التياع ولاعج

ص: 340

وقلب من الحزن المبرح ذاهل

ومن كرب لاقيت أعظم هائل

وعن حمله قد كل متني وكاهلي

أسير جوى أفنى فؤادي رسيسه

مصاب به قامت علي قيامتي

مصاب به ذابت حشاشة مهجتي

* * *

وكان على حال من الحزن هائل

وقد شمخت أعلام قوم أسافل

بها نجم روحي كان أسرع آفل

وشد بناء الغي مع كل باطل

نعيق غراب بالمذلة هائل

هوان انهدام جاء من كل باطل

بسم لنفس الدين مرد وقاتل

مصاب به قد أظلم الكون كله

مصاب به الدنيا قد أغبر وجهها

رميت به عن قوس أبرح لوعة

به هد ركن الدين وأنبتّ حبله

وقام على الإسلام جهرا وأهله

وسيم منار الاتباع لأحمد

وهبت لنار الابتداع سمائم

* * *

ويا كبدي انقشي بحزن مواصل

ويا فجعتي للقلب ما عشت نازلي

وجودي بدمع دائم السكب هاطل

ويا سلوتي ولي وللقلب زائلي

ومركز أدوار الفحول الأفاضل

وغيب وجه الحق تحت الجنادل

ومروي الصدى من فيض علم ونائل

وجم القرى صدر الصدور الأوائل

فيا مهجتي ذوبي أسى وتأسفا

ويا لوعتي دومي وزيدي ولازمي

ويا مقلتي نحي الكرى عنك جانبا

ويا جزعي لا غبت كن متجددا

فقد مات طود العلم قطب رحى العلا

وماتت علوم الدين طرا بموته

إمام الهدى ماحي الردى قامع العدى

جمال الورى رحب الذرى شامخ الذرى

ص: 341

جالي الخفا عن مشكلات المسائل

منيل المنى من سيبه كل آمل

عظيم الوفا كنْز الشفا معدن الصفا

بهي السنا عذب طيب الثناء

* * *

وشيخ الشيوخ الحبر فرد الفضائل

وجل مقاما عن لحوق المطاول

سلالة إنجاب زكي الخصائل

تبل ثراه بالضحى والأصائل

وقام مقامات الهدى بالدلائل

من الفضل تثني عزة المتطاول

له في تقادير لها من مماثل

وميدان فخر سابق للأوائل

وكامل أوصاف وحسن شمائل

منيب وعن مولاه ليس بغافل

وجفن بهتان المدامع هامل

وفي الجهر طول الدهر ليس بذاهل

إمام الورى علامة العصر قدوتي

محمد ذو المجد الذي عز دركه

إلى عابد الوهاب يعزى وإنه

عليه من الرحمن أعظم رحمة

لقد أشرقت نجد بنور ضيائه

إمام له شأن كبير ورتبة

فريد كمال في العلوم فهل ترى

تأخر ميلادا وفي حلبة العلا

على خلق يحكي النسيم لطافة

وقلب سليم للمهيمن خاشع

وقلب تجافيه المضاجع في الدجى

وعن ذكر رب العرش في السر دائما

* * *

إلى الشيم يعزى ليس يهفو لعاجل

ضحوك ووجه للبشاشة باذل

وعن منكر ينهى وليس بقابل

برأي وتدبير وحسن تعامل

عفو عن الجاني صفوح وحلمه

يقابل من يلقى ببشرى ومبسم

ويأمر بالمعروف في كل حالة

ولم يأل جهدا في نصيحة مسلم

ص: 342

وبالجاه عن مستوجه غير باخل

ولم يمض منه العمر في غير طائل

لمن كان مظلوما وليس بخاذل

يجازي بإحسان إساءة غيره

تقمص بالتقوى وبالخشية ارتدى

ومن شأنه قمع الضلال ونصره

* * *

بماضي سنان دامغ للأباطل

مضل وبدعي ومغوي وفائل

وما نكست أعلامه بالأراذل

ولا عن وصال الاعتبار بغافل

ولا اشتد للإسلام ركن المعاقل

يقيم اعوجاج السير من كل عادل

مقام نبي في إماتة باطل

سيبكيه عني جفن طل ووابل

ويبكيه طرسي دائما وأناملي

وكم كان في الدين الحنيفي مجاهدا

وكم ذب عن سامي حماه وذاد من

ففيم استباح أهل الضلال لعرضه

وليس له شيء عن الله شاغل

فلولاه لم تحرز رحى الدين مركزا

ولا كان للتوحيد واضح لا حب

فما هو إلا قائم في زمانه

ستبكيه أجفاني حياتي وإن أمت

وتبكيه أقلامي أسى ومحابري

* * *

يميد ببحر فائض العلم سائل

هنيئا له إذ كان أشرف حامل

فقد كان غيث الجود كهف الأرامل

وآها على تلك العلوم الجلائل

وتوضيحه للمعضلات المشاكل

يبين المخبا منهما للمحاول

عجبت لقبر ضمه كيف لم يكن

ومن نعش كان حامل جسمه

ولا غرو أن يبكي الزمان لفقده

فآها على ذاك المحيا وحسنه

وآها على تحقيقه في دروسه

فمن للبخاري بعده ولمسلم

ص: 343

لأحكام فقه الدين من للرسائل

وكشف لثام الحكم عند النوازل

ومن ذا لتفسير الكتاب ومن ترى

ومن لمسانيد سمت ومعاجم

* * *

عليه وذو جسم من الحسن ناحل

وردع أخي الجهل الغوي المجادل

بها أنزل القرآن أشرف نازل

بجد ولا يخشى ملامة عاذل

لقد عبت حقا وارتجلت بباطل

وفل التعصب بالسيوف الصواقل

صرختم له بالقذف مثل الزواجل

إلي دين آباء له وقبائل

أتانا بها طه النبي خير قائل

ألم تر أن الدهر نصف كآبة

ومن للمعالي والبيان ومنطق

ومن لك بالأصلين واللغة التي

ومن بعده للصدع بالحق قائم

أفق يا معيب الشيخ ماذا تعيبه

نعم ذنبه التقليد قد جذ حبله

ولما دعا الله في الخلق صارخا

أفيقوا أفيقوا إنه ليس داعيا

دعا لكتاب الله والسنة التي

* * *

عليه ويا حزني لأكرم راحل

ولكن قضاء الله أغلب حائل

لكنت له بالجهد أي محاول

أتاه من الرحمن أكرم ناقل

وكان لها كفوا وأسرع واصل

أظلتها أهني وأرفه قائل

تقول له قد فزت يا خير عامل

فوا أسفي وا لهف قلبي وحسرتي

ويا ندمي لو كان يجدي من القضا

ولو كان من ريب المنية مخلص

وما مات كلا بل إلى جنة العلا

ولما له الفردوس زاد اشتياقه

وكان على حسن الأرائك في ذرى

شذت ورق أغصان الهناء ترجعا

ص: 344

[هنيئا برغد في رفيع المنازل 1

اعزيكمو مع ذي انتساب وائل

بجاري القضا في عاجل ثم آجل

لديه تعالى من أجور جزائل

وما الحزن برد للقضاء بفاعل

ولا وهن في فادحات النوازل

فقد كان فينا معقبا كل كامل

بعلم وفضل شامخ القدر شامل

وخاطبه التاريخ فألا بقوله

فيا سائر الأولاد للشيخ إنني

وأوصيكمو بالصبر طرا وبالرضى

بتسليم أمر الله ثم احتساب ما

فما جزع يوما بنافع جازع

ومثلكمو لا يعتريه تزلزل

فإن كان للجنان والدكم مضى

وأنتم بحمد الله عنه خلائف

* * *

بكم يقتدي في دينه كل فاضل

تحث إليكم مضمرات الرواحل

ويحميكمو من طارقات الغوائل

ويعقبكم طرا جمال المحافل

يعاديكم من كل حاف وناعل

برزء لموصول المسرة فاضل

وجمل زاكي ذكركم كل عاطل

وإنا لنرجو أن تكونوا أئمة

وللخير والإحسان من كل وجهة

ونسأل رب العرش يعظم أجوركم

ويجبر صدع القلب والكسر منكمو

ولا زلتمو غيظ القلوب لكل من

ولا فجعت في الدهر ساحة سوحكم

عليكم سلام الله ما هب ناسم

1 كان موضع ما بين القوسين بياضا في الأصل، فكمله شيخنا وفقه الله، أي: الشيخ محمد بن إبراهيم.

ص: 345

وأزكى محيات سوام كوامل

هداة الورى من محتدي فرع وائل

وأوفى الثنا مني عليكم مكررا

وأضعافها للمقرنين كلهمو

* * * *

جميع بني الدنيا فما للمجادل

إلى أن أقاموا بالضبا كل مائل

فحقهم التبجيل بين القبائل

كما حالف الآبا ليحس براحل

كما دمغوا داعي الهوى بالقنابل

وما اهتزت الأزهار في صبح هاطل

على المصطفى الهادي كريم الشمائل

وآل وأصحاب كرام أفاضل

هم الناس أهل الباس يعرف فضلهم

لقد جاهدوا في الله حق جهاده

فناديهمو في كل ناد مبجل

سعود مضى والسعد حالف نجله

لقد نصروا دين الإله وحزبه

عليهم سلام الله ما ذر شارق

وأزكى صلاة الله ثم سلامه

محمد المختار من فرع هاشم

وممن رثاه الشيخ حسين بن غنام الأحسائي، رحمه الله تعالى:

وليس إلى غير المهيمن مفزع

فسالت دماء في الخدود وأدمع

وطاف بهم خطب من البين موجع

وحل بهم كرب من الحزن مفظع

نجم ثوى في التراب واده بلقع

وبدر له في منْزل اليمن مطلع

فداجي الدياجي بعده متقشع

إلى الله في كشف الشدائد نفزع

لقد كسفت شمس المعارف والهدى

إمام أصيب الناس طرا بفقده

وأظلمت أرجاء البلاد لموته

شهاب هوى من أفقه وسمائه

وكوكب سعد مستنير سناؤه

وصبح تبدى للأنام ضياؤه

ص: 346

إلى آخر ما رثى به، رحمه الله وعفا عنه، وجزاه عن الإسلام والمسلمين الفردوس الأعلى، في جنات النعيم المقيم.

ومن أراد الاطلاع على حقيقة حاله، وما منحه الله في مبدإ أمره ومآله، من النور المبين، وتجديد الملة والدين، وما حباه الله من نيل مقصوده، وبلوغه الأمل من توحيد معبوده، وما من الله به عليه من الظفر والتمكين، ولسان الصدق في العالمين، فعليه بكتاب "روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام، الشيخ: محمد بن عبد الوهاب" وهو تأريخ الإمام الشيخ: حسين بن غنام الأحسائي الشافعي، رحمه الله تعالى.

الإمام محمد بن سعود رحمه الله

هو الإمام الرئيس، مجدد الجهاد بالعرمرم الخميس، الثبت الشجاع الحازم الألمعي، الهمام الصارم، إمام المسلمين، محيي العدل في العالمين، جامع كلمة المؤمنين، ناصر الموحدين، قائد المجاهدين، العادل المؤيد، بدر الزهاد، سلالة الأمجاد، إمام الهدى، مطفي الردى، الأوحد بدر الزمان، الأمجد:

محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهيم بن موسى بن محمد بن ربيعة بن مانع بن

ص: 347

الحسيب بن المقلد بن بدران بن مالك بن سالم بن مالك بن حسان بن ربيعة بن مرة بن منقذ بن الحارث بن سعد بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، ذو الرأي الباهر، والعقل الوافر، أجمع قومه على توليته؛ فساسهم، ودبر أمورهم، بحسن السيرة والكرم، وقوة الباس.

جددت الدعوة الإسلامية على يديه، وأحييت السنة المحمدية بمواضيه، لما نور الله قلب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، وأظهر التوحيد، ونهى عن الشرك والتنديد، قبل منه الأقلون، واشمأزت قلوب الذين لا يوقنون، ونفرت الرؤساء والأحبار، واستصرخت بأهل القوى والأمصار.

فقال للشيخ: أبشر بالعز والمنعة، فقال له الشيخ: وأنا أبشرك بالعز والتمكين، والنصر المبين. وهذه كلمة التوحيد، دعت إليها الرسل كلهم، ومن تمسك بها، وعمل بها ونصرها، ملك العباد والبلاد. وأنت ترى نجدا كلها وأقطارها، أطبقت على الشرك والجهل، والفرقة والاختلاف، والقتال لبعضهم بعضا; فأرجو أن تكون إماما يجتمع عليه المسلمون، وذريتك من بعدك أئمة متعاقبون. فتلقاه الإمام بالقبول والتحية، ونصره وأواه.

ص: 348

وما أحسن ما قيل:

يلقاه بالإجلال وهو يرحب

به اشتد للشيخ المبجل منكب

كما بايعت في وفدها قبل يثرب

آواه في الدرعية البطل الذي

محمد أصل المجد في آل مقرن

وبايعه في نصرة الدين والهدى

فأجد وأمد، وعن ساعده شمر واجتهد، وأعد للجهاد ما استطاع من قوة الآلات، ومن رباط الخيل في سبيل الله، فأعز الله به الإسلام والمسلمين، وألف به قلوب المؤمنين، وظهر الحق وانتصر الدين، وقمع الباطل وأولياءه من المشركين.

ولم يزل رحمه الله مساعدا للشيخ في دعوة الناس إلى التوحيد، وجهاد من أبى عنه من كل شيطان مريد، حتى ارتجع الله له الحق الذي كان نادا، ورد على يديه الأمر الذي لم يكن له غير الله رادا، وبلغ كل مؤمن من إعلاء كلمة الإيمان ما كان له وادا.

وأيده الله وتولاه، وهزم ضده وأعداءه، وصار فيه شبه من الأنصار، بل الأنصار من نصر الدين، مع تطاول الأعصار؛ فأعز الله بهما الدين، وأذل بهما الشرك والمشركين، وجعل ذريتهما الباقين، وحقق رجاء إمام هذه الدعوة، وجعله إماما لخلقه، ووارثا لأرضه، وداعيا إلى الله بإذنه.

ص: 349

فصار هو وذريته الذين حازوا فضائل المفاخر، وأذل لهيبتهم كل عنيد من باد وحاضر؛ وملؤوا هذه الجزيرة بإدمان سيف قهرهم، كما ملؤوها بسيف عدلهم وبرهم. واستبشرت بهم الحرمان الشريفان، لما أزالوا عنهما الجور والطغيان، والبناية على القبور، التي ما أنزل الله بها من سلطان، ونادوا في فجاجهما:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ} [سورة النحل آية: 90] .

وكسوا الكعبة المشرفة بالحرير، وسارت الظعينة إليها من العراق والشام واليمن والبحرين، والبصرة وما حولها وما دونها، لا تخشى أحدا إلا الله الواحد المنان؛ وبطلت في زمانهم جوائز الأعراب على الدروب، وسكنت تلك الفتن والحروب، يجلس الرجل ويأكل مع قاتل أبيه وأخيه كالإخوان.

وزالت سنن الجاهلية، وسارت عمالهم إلى جميع الأعراب في الشام والعراق، واليمن وأقصى الحجاز، وما وراء الينبع إلى دون مصر، وإلى عدن وما دون البصرة.

وهدموا المواضع الشركية في تلك الأقطار، وعمروا المساجد للصلاة والتدريس والأذكار؛ والأمر- والحمد لله وحده- مستمر إلى هذا الحين، أدام الباري لهم العز والتمكين، والقيام بشريعة سيد المرسلين.

فإن الناس قيامهم بقيام آثار نبيهم وشرائعه بينهم،

ص: 350

وقيام أمورهم وحصول مصالحهم، واندفاع أنواع البلاء والشر عنهم، بحسب ظهورها بينهم، وقيامها؛ وهلاكهم، وعنتهم وحلول البلاء والشر بهم، عند تعطلها والإعراض عنها.

ومن تأمل تسليط الله من سلط على البلاد والعباد من الأعداء، علم أن ذلك بسبب تعطيلهم لدين نبيهم، وسنته وشرائعه؛ حتى إن البلاد التي لآثار النبي صلى الله عليه وسلم وسننه وشرائعه فيها ظهور، دفع عنهم بسبب ظهور ذلك بينهم.

ويشهد أن هذا الإمام وخلفاءه، على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم على الحق، وعدوهم على الباطل، ما جرى عليهم ممن عاداهم؛ وأيدهم الله، ونصرهم على قلة منهم وضعف، وقوة من عدوهم وكثرة.

وصارت الغلبة والظهور لهم، وكثير ممن ناوأهم لم تقم لهم قائمة، وصار كل من في نجد وما حولها، سامعا مطيعا لإمام المسلمين، القائم بهذا الدين بأمن وأمان؛ وأثنى عليه علماء الأمصار والبلدان، القاصي منهم والدان.

قال الشيخ: أحمد بن محمد الحفظي اليمني، في أرجوزة له بعد ثنائه على مجدد هذه الدعوة:

آل سعود الكبراء القادة

ونصرة الإسلام والشم الأنف

وعرفوا من حقه ما أنكروا

والسابقون الأولون السادة

هم الغيوث والليوث والشنف

فأقبلوا والناس عنه أدبروا

ص: 351

وكم وكم لله من ضنائن

محمد الرئبيل والعيسوب

وجند ربي قبله حيزوم

حفوا به كأسد العرائن

وابن سعود كأبي أيوب

قال اذهبوا فأنتم سيوم

وقال الشيخ: أحمد بن علي بن مشرف الأحسائي:

تهلل وجه الفخر وابتسم المجد

فهم للعدا حتف وهم للهدى جند

ومعشر صدق فيهم الجد والحد

وإن أشعلت نار الوغى فهم الأسد

وكم مشهد للشرك بنيانه هدوا

فهم دون ما يخشونه الردم والسد

ومهما ذكرت الحي من آل مقرن

همو نصروا الإسلام بالبيض والقنا

غطارفة ما أن ينال فخارهم

وهم أبحر في الجود إن ذكر الندى

فكم مسجد قد أسسوه على التقى

بهم أمن الله البلاد وأهلها

وقال الشيخ: سليمان بن سحمان، بعد ثنائه على الشيخ محمد، رحمهما الله تعالى:

أئمة عدل مهتدون ذوو رشد

بآل سعود واستطالوا على الضد

إلى الله بالتقوى وبالصارم الهندي

بنوهم وقد ساروا على منهج الرشد

وقد جرهم قوم طغاة إلى نجد

وساعده في نصرة الدين والهدى

وقد نال مجدا أهل نجد ورفعة

بإظهار دين الله قسرا ودعوة

وقام بهذا الأمر من بعد من مضى

وقد جاهدوا أعداء دين محمد

إلى أن قال:

مناهم فباؤوا بالخسارة والطرد

ومجدا بنصر الدين والكسر للضد

فما نال من عاداهمو من ذوي الردي

ونال ذوو الإسلام عزا ورفعة

ص: 352

بنصر وإسعاف على كل ذي حقد

فلا زال تأييد الإله يمدهم

ولو ذهبنا نتتبع ما أثنى به عليه، لذهب بنا عن المقصود؛ وأصح الثناء ما اعترف به الأعداء. وقد قال دحلان في رده على أهل هذه الدعوة، مما اعترف به، بأن من خصالهم أمرهم البوادي بإقامة الصلاة، والمحافظة على الجمع والجماعات، ومنعهم من الفواحش الظاهرة، كالزنا، واللواط، وقطع الطريق، فأمنوا الطرقات، وصاروا يدعون الناس إلى التوحيد.

ولو وجد مجالا لأنكر تلك الأعمال الفاضلة، ولكنه اضطر إلى الاعتراف بها، لأنها أشهر من الشمس في رابعة النهار. وقبله من معاصري الشيخ ممن اشتهر عناده، عثمان بن سند البصري، الفيلكاوي، قال في تاريخه: ومن محاسن الوهابية: أنهم أماتوا البدع ومحوها، ومن محاسنهم: أنهم أمنوا البلاد التي ملكوها، وصار كل ما كان تحت حكمهم، من هذه البراري والقفار، يسلكها الرجل وحده على حمار بلا خفر، خصوصا بين الحرمين الشريفين، ومنعوا غزو الأعراب بعضهم على بعض.

وصار العرب على اختلاف قبائلهم، من حضرموت إلى الشام، كأنهم إخوان أولاد رجل واحد، وهذا بسبب قسوتهم في تأديب القاتل، والناهب والسارق، إلى أن عدم

ص: 353

هذا الشر، في زمان ابن سعود؛ وانتقلت أخلاق الأعراب، من التوحش إلى الإنسانية.

وكفى برهانا على شجاعته، وثبات جأشه، وشهامته وإرادته الحديدة، وعزمه البات، وقوة إيمانه، وسائر خصاله الحميدة: إيواؤه للشيخ، وقيامه بنصرته، وقد رأى وعلم ما وراء ذلك من الأخطار، وتألب الملوك والأمراء، وعامة الناس عليه.

ولولا أنه هو الأوحد، فرد زمانه، لما نجح في توطيد دعائم ملكه ونشر سلطته على البلدان، وتوحيد كلمة التوحيد تحت لوائه بين خطوب سود، ونظراء أقوياء، وتكالب من جميع أطراف جزيرة العرب؛ فلهو القائد الباسل، والأوحد الحلاحل، فما قام بنصرة هذا الشيخ، ولا أخذ بساعده، إلا عن اعتقاد راسخ، وإيمان قوي.

ولقد كانوا على حالة تشبه حال مسلمي الصدر الأول في مقاومة المشركين الذين جاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم، وفي مقاومة تاركي الصلاة ومانعي الزكاة كالذين قاتلهم أبو بكر رضي الله عنه، وفي مجاهدة البغاة كالذين قاتلهم علي رضي الله عنه، وفي مجادلة المبتدعين كالذين ناضلهم الإمام أحمد رحمه الله.

فأعادوا نشأة الإسلام في الصدر الأول، من ولاية وبراءة، وهجرة وجهاد بالسيف والسنان، وبالحجة

ص: 354

والبرهان؛ فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين، أفضل ما جزى به من سلكوا سبيلهم، وأخذوا بهديهم؛ إنه سميع قريب.

صار هو: الخليفة في نجد، من سنة 1158? إلى 1179? وتتابعت الخلافة في ذريته إلى الآن. جاهدوا في الله حق جهاده؛ حتى أنجح الله لهم المآرب، وحقق لهم ما راموا من المطالب. وأشرقت جزيرة العرب بالتوحيد، وطهرت من الشرك، والبدع والتنديد.

وكانت أعلامهم في غالب البلدان خافقة، وشموس سعدهم في الآفاق شارقة، وألسنتهم بين التوحيد والشرك فارقة، وجياد أبطالهم إلى الجهاد سابقة، حتى محقوا جميع البدع والأهواء، إزالة وتغييرا.

وسطروا آيات الرشد تسطيرا، وحازوا من الفخر أعلى مقام، حيث قاموا من الدين بذروة السنام، وأصبح جندهم على جنود الأعداء منصورا، وأضحى التوحيد مشرقا مستنيرا؛ طهر الله بهم جزيرة العرب من الإشراك تطهيرا.

وشاما إلى البصرى بل الغرب والشرقا

وكانوا أولي بأس فسل كل من تلقى

وقد ملكوا نجدا وغورا واتهموا

حنيفية في دينها سلفية

وهو أشهر من أن ينبه على سيرته، قد انصبغت في القلوب مودته، وظهر حسن خليقته، ونطقت الألسن بحسن

ص: 355

طريقته، وسارت الركبان بنشر فضيلته؛ كان في العبادة والزهادة فردا، محافظا على أوراده متأهبا لمعاده.

قاضيه في الدرعية شيخ الإسلام: محمد بن عبد الوهاب، وهو المدرس والمفتي; وأميره على عرقة إبراهيم الهلالي، وعلى منفوحة إبراهيم بن سعيد، والوشم عبد الله بن حمد بن غيهب، وفي الخرج إبراهيم بن عفيصان، وفي ضرمى علي بن سلطان، وفي المحمل ساري بن يحيى.

توفي رحمه الله، وأسكنه النعيم، سنة 1179?، في بلد الدرعية، وضج الناس لفقده، وشيعوه إلى لحده، وعجوا بالدعاء له وحمده.

الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود رحمه الله

هو الخليفة الراشد، والملك الهمام القائد، سلالة الأماجد، الألمعي المهذب، الصارم المجرب، أسد الأسود، مورد الجود، مؤيد السنة، نجل الأكابر، بحر الندى، إمام الهدى: عبد العزيز بن الإمام محمد بن سعود.

ولد سنة 1133?، في بلد الدرعية، وأخذ العلم عن الشيخ محمد وغيره، وشب شجاعا شهما، فاتكا ماجدا، سائقا للجنود وقائدا. اجتمعت له المكارم والفضائل، وزانت به المجالس والمحافل، طلعت بشائر سعوده مشهودة، وفاق عشائره وجدوده.

ص: 356

ولي الملك بعد أبيه فبايعه الناس، ورئيسهم في تلك البيعة شيخ الإسلام. وفتح الله على يديه البلدان والأقطار، وأرعب به ملوك الأمصار؛ وظهر صيته وشاع، وأثنى عليه القريب والبعيد، والتابع والمطاع.

قال الشيخ محمد بن أحمد الحفظي اليمني:

مجدد دين الله بالمرهف الحد

فيا حبذا التشمير في ذلك القصد

بتلك ارتقى أعلى المراتب والمجد

وأمواله قطعا يصدق بالوعد

صفوة التوحيد من كدر الضد

ونزهه عن قول طاغ ومرتد

سلام على من حل نجدا موحدا

ويدعو إلى التوحيد ذلك قصده

له همة في نصرة الدين والهدى

وجاهد في ذات الإله بنفسه

إمام الهدى عبد العزيز الذي حما

وأوضح منهاج الهدى وأبانه

وقال أيضا في أرجوزة له:

عبد العزيز من ومن ومن

ودوخ البر وخاض للثبج

على طريق العدل والإحسان

مجاهد بالأربع المراتب

والصدق للقلوب مغناطيس

وقام فاروق الزمان المؤتمن

فسار في الناس كسيرة الأشج

يسوس بالآثار والقرآن

يدعو إلى الله بحزب غالب

ونفسه لله والنفيس

وقال الشيخ أحمد بن عبد القادر الحفظي، بعد ثنائه على الشيخ:

فقام وقاموا واستقاموا بحجة

بحجة قرآن وضرب المواضيا

ص: 357

هو القائم الفاروق بالعدل قاضيا

وأجرى إلى برك الغماد العواديا

وفي شن غارات وتجهيز غازيا

وكل نفيس والأسود الضواريا

وشيبته داع وراع وساعيا

وجدد توحيدا وقد كان باليا

ورد إلى الدين الحنيفي غاويا

ولا سيما عبد العزيز فإنه

حما بيضة الإسلام بالبيض والقنا

وما زال في بعث الجيوش مجاهدا

بنفس وأولاد وأهل وإخوة

وأنفق في ذات الإله شبابه

وبدد جيش الشرك في كل بلدة

ودوخ بالتهليل شرقا ومغربا

وقال الشيخ حسن بن محمد بن حسن الحفظي: هو غرة الزمان، وبهجة المكان والأوان، وخدين المعالي والفضائل والإحسان، الداعي إلى توحيد الله الملك الديان، بالصوافن والهواجن، والكتائب والهندوان، وارث السطوات والعدوات، خالفا عن سالف بلا توان، الباذل لله همته وماله ورجاله والفرسان، أمير المؤمنين، وحامي شريعة سيد المرسلين، بالضرب والطعان، حتى بحمد الله ابلولج، وانهار غسق البهتان:

وتظاهرت من فيض فتح الباري

بسماع تلك لطائف الأخبار

فتسابك المعطار بالعطار

بشر الهواتف في قرى الأمصار

لله في الإعلان والإسرار

طلعت بدور النور بالأنوار

وبشائر وافت فطاب سرورنا

فاحت نفائح مسكها بعواطر

نطقت بنصر إمامنا وتبادرت

أعنيك يا عبد العزيز المنتدب

ص: 358

باب الإله بحكمة الغفار

فلقد هزمت عساكر الكفار

فتراهم صرعى بلا مقدار

الجهبذ النحرير والداعي إلى

هنيت بالظفر المبين على العدىبصوارم الأسياف تلمع بينهم

* * *

وضياعه في سائر الأقطار

يا ابن الكرام وبضعة الأبرار

في دار أخرانا وهذي الدار

في حوز دعوتكم بلا إنكار

واستأنست في السهل والأغوار

ريع والتدريس والتذكار

بدع الجهالة بضيا الأنوار

والوحش والأنعام والأطيار

فلقد نصرت الشرع بعد مماته

أضحت بلاد المسلمين جميعهم

وبك الجهات استبشرت وتنورت

وتدوخت بالأمن والإيمان والتشـ

وتحولت وتغيرت وتبدلت

واهتزت الغبراء من فرح بكم

وقال الشيخ حسين بن غنام الأحسائي، رحمه الله:

كان الإمام عبد العزيز، رحمه الله، كثير الخوف من الله والذكر له، آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، كثير الرأفة والرحمة بالرعية، شديدا على من جنى جناية أو قطع سبيلا، أو سرق شيئا، ثم قال:

وأبناء أسد بل بأسهم أسطى

وزال ظلام الشرك من بعد مالطا

وأهل المعالي والفخار بهم ينطى

لقد رفعت أعلامهم بأميرهم

بهم أسفرت شمس الدجى بعد دجنها

ذوو العزم والتسديد والعلم والنهى

ص: 359

ويسخون في نيل المزايا بها سفطا

يذودون عن ورد الدنايا نفوسهم

وقال الشيخ أحمد بن مشرف الأحسائي، رحمه الله بعد ثنائه على الشيخ:

على قلة منهم وعيش منكد

ولم يثنه صولات باغ ومعتد

إلى حين ووري في الصفيح الملحد

فما وهنوا للحرب أو للتهدد

وكم طارف حووه ومتلد

وكم هدموا بنيان شرك مشيد

وإن تسأل السمار عن ذاك ترشد

بها أيد الرحمن سنة أحمد

فوازره عبد العزيز ورهطه

فما خاف في الرحمن لومة لائم

وقفى سعود أثره طول عمره

وقد جاهدوا في الله أعداء دينه

وكم غارة شعواء شنوا على العدى

وكم سنة أحيوا وكم بدعه نفوا

وقائعهم لا يحصر النظم عدها

وكم لهم من وقعة شاع صيتها

* * *

ودانت لهم بدو، وسكان أبلد

وما بين جعلان إلى جنب مزبد

قلوصك من مبدي سهيل إلى الجد

ذوي الشرك والإفساد كل مطرد

وبالصلوات الخمس للمتعبد

كما عمرت أيديهمو كل مسجد

وناد به في كل ناد ومشهد

وأسكنهم روض النعيم المخلد

وكم فتحوا من قرية ومدينة

وكم ملكوا ما بين ينبع بالقنا

ومن عدن حتى تنيخ بأيلة

وقد طهروا تلك الديار وطردوا

بأمر بمعروف ونهي عن الردى

وقد هدموا الأوثان في كل قرية

فكن ذاكرا فوق المنابر فخرهم

تغمدهم رب العباد برحمة

ص: 360

وقال عبد الجليل:

مطارف أمن شاملات المعالم

أتاه به من غاب ضاري الضراغم

إلى الخط 1 لا يخشى مكائد غاشم

وفي العهد تلقى خير واف ملازم

وباني المعالي بالقنا والصوارم

طوارق شر فهو أمنع عاصم

وأيامه بالخير خير المواسم

ويبغض ذا الفحشاء رب الجرائم

إمام كسا ظهر البسيطة عدله

فلو ضاع حلس في الفلا من مسالم

فيرحل من أقصى تهامة راكب

عزيز جوار لم ينل جاره الردى

حليف التقى والعلم والفضل والندى

يغار على الإسلام عن أن يصيبه

لياليه بالبر العميم بواسم

ويحب أخا التقى ويرفع قدره

* * * *

ففاز بكلتا الضرتين البواسم

بإظهار دين الأبطحي ابن هاشم

لها لجب كالرعد إثر الغمائم

بأسر وقتل واكتساب الغنائم

ومزق شمل الباطل المتراكم

وما قد نالوا غير شر الهزائم

ودانوا به من بعد كفر مفاقم

وطاطأ له رأس الكفور المراغم

لقد عمر الدنيا وآثر غيرها

حريص على إعلاء أمر إلهنا

ورب جيوش كالسيول يقودها

فألبس أهل الشرك أثواب ذلة

إلى أن أباد الله كل معاند

ورد جموع المشركين بغيظهم

فآبوا لدين الله من بعدما أبوا

وأعلن بالتوحيد كل موحد

1 اسم لأرض القطيف ونواحيه، انظر: صفحة 405 من عنوان المجد في تاريخ نجد.

ص: 361

وشجاعته، وكرمه، وفتوحاته، وسائر محاسنه، أشهر من أن تذكر. وكان كثير الخوف من الله والذكر له، آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم؛ ينفذ الحق ولو في أهل بيته وعشيرته، لا يتعاظم عظيما إذا ظلم، فيقمعه عن الظلم، وينفذ الحق فيه؛ ولا يتصاغر حقيرا ظلم، فيأخذ له الحق ولو كان بعيد الوطن.

وكان لا يخرج من المسجد بعد صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس، ويصلي فيه صلاة الضحى، كثير الرأفة والرحمة بالرعية، خصوصا أهل البلدان بإعطائهم الأموال من الفيء والزكاة، وبثها في فقرائهم، والدعاء لهم، والفحص عن أحوالهم، ويكثر لهم الدعاء في ورده. ويقول: اللهم أبق فيهم كلمة الإخلاص "لا إله إلا الله"، حتى يستقيموا عليها، ولا يحيدوا عنها؛ فاستقاموا عليها ولله الحمد والمنة.

وكانت الأقطار والرعية في زمنه آمنة مطمئنة؛ فكان الشخص يسافر بالأموال العظيمة أي وقت يمنا وشاما، شرقا وغربا، في نجد والحجاز، واليمن، وتهامة. وعمان، وغير ذلك؛ لا يخشى أحدا إلا الله، لا سارقا ولا مكابرا.

وكان رحمه الله، مع رأفته بالرعية، شديدا على من جنى جناية، من الأعراب وغيرهم، أو قطع سبلا، أو

ص: 362

سرق شيئا من مسافر أو غيره، أخذ ماله نكالا أو بعضه أو شيئا، وعزره على حسب جنايته، وأدبه أدبا بليغا. وكانت الحواج والقوافل وجميع أهل الأسفار، يأتون من البصرة وعمان، وبلاد العجم، وغير ذلك، إلى الدرعية، ويرجعون إلى أوطانهم، لا يخشون إلا الله.

وكان أكثر أهل الأقطار يمرون ببلد الدرعية، في مسيرهم إلى الحج. وكانت ضوال الإبل، من وجد منها شيئا أتى بها إلى بلد الدرعية؛ وجعل الإمام عليها رجلا يحفظها، ومن له شيء أتى وأخذه.

وهذا الأمن في هذه المملكة، شيء وضعه الله في قلوب العباد، من البادي والحاضر، مع الرعب العظيم في قلوب من عادى أهلها؛ ولم يكن يوجد هذا إلا في زمن عمر رضي الله عنه.

وكان ما يحمل في زمنه وزمن ابنه سعود، بل وفي زمن فيصل، وإمامنا عبد العزيز، من الفيء، والأخماس، والزكوات، وغير ذلك، من السلاح، والخيل العتاق، والإبل، غير ما يفرق على أهل النواحي والبلدان، وضعفائهم، وضعفاء البوادي، ما يخرج عن الحد، ولا يحصيه العد.

وكانوا يوصون عمالهم بتقوى الله، وأخذ الزكاة على الوجه المشروع، وإعطاء الضعفاء والمساكين، ويزجرونهم

ص: 363

عن الظلم، وأخذ كرائم الأموال؛ وكانوا مع ذلك كثيري العطاء، والصدقات للرعية، والوفود والأمراء، والقضاة وأهل العلم والطلبة، ومعلمي القرآن والمؤذنين وأئمة المساجد.

وكان إذا مات الرجل من جميع نواحي نجد، يأتي أولاده إليهم، فيستخلفونه، فيعطيهم عطاء جزيلا، وربما كتبوا لهم راتبا في الديوان.

وكانوا كثيرا ما يفرقون على أهل النواحي والبلدان، كثيرا من الصدقات في كل وقت، كل سنة يعطى أهل كل بلد، وأهل كل ناحية الوفا; ويسألون عن الضعفاء والأيتام، في الدرعية والرياض وغيرها، ويأمرون بإعطائهم.

وكثيرا ما يكتبون لأهل النواحي، لتعلم القرآن وتعليمه، والعلم وتعليمه، ويجعلون لهم راتبا في الديوان؛ ومن كان منهم ضعيفا، يأمرونهم بالرحلة إلى الدرعية والرياض، ويقومون بجميع ما ينوبه؛ وهكذا كان يفعل أبوه الإمام محمد..

وبالجملة: فمحاسنهم، وفضائلهم، أشهر من أن تذكر، وأكثر من أن تحصر; ولو بسطت القول في وقائعهم، وغزواتهم، وسعوداتهم، وما مدحوا به من الأشعار، ومن قصد أبوابهم، من الرؤساء والعظماء من

ص: 364

أقصى الأقطار، وما حمل إليهم من الأموال، والسلاح، والخيل الجياد، لبلغ أسفارا.

وكان قضاته في الدرعية بعد الشيخ، رحمه الله، بنيه: الشيخ حسين، والشيخ عبد الله، والشيخ علي، والشيخ ابن غريب، وعلى ناحية الوشم: الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الحصين، وعلى ناحية سدير: الشيخ حمد بن راشد العريني، وعلى منيخ وما يليه: الشيخ محمد بن عثمان بن شبانة، وعلى ناحية القصيم: الشيخ عبد العزيز بن سويلم من أهل الدرعية، وعلى ناحية الخرج: الشيخ محمد بن سويلم، وعلى ناحية الجنوب: الشيخ سعيد بن حجي في الحوطة، وغيرهم.

وكان أميره على المحمل ساري بن يحيى بن سويلم، وعلى ناحية الوشم: عبد الله بن حمد بن غيهب، في شقراء، وعلى ناحية سدير: عبد الله بن جلاجل، وعلى ناحية القصيم: حجيلان بن حمد في بريدة.

وعلى جبل شمر: محمد بن فائز، في بلد حائل، وعلى ناحية الخرج: إبراهيم بن عفيصان، وعلى وادي الدواسر: ربيع بن زيد، وعلى الحجاز وما يليه من النواحي: عثمان المضايفي.

وعلى تهامة وما يليها من اليمن: عبد الوهاب أبو

ص: 365

نقطة، وعلى الأحساء ونواحيه: سليمان بن محمد بن ماجد، وعلى القطيف ونواحيه: أحمد بن غانم، وعلى الزبارة والبحرين: سليمان بن خليفة، وعلى عمان صقر بن راشد; وتحت كل أمير عدة أمراء.

توفي رحمه الله وأسكنه رفيع الدرجات سنه 1218?، في العشر الأخير من رجب، طعنه رافضي في أثناء صلاة العصر، من أهل مشهد الحسين؛ فاضطرب أهل المسجد، ثم حمل رحمه الله، إلى قصره وقد غاب ذهنه فلم يلبث أن توفي، وقتل الرافضي، واشتد الأمر بالمسلمين وبهتوا.

وكان ابنه سعود في نخله، فلما بلغه الخبر أقبل واجتمع الناس عنده، ووعظهم وعزاهم وبايعوه، وبعث إليه بالمرائي والتعزيات.

الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد رحمهم الله

هو الملك الشجاع، الهمام الباسل العادل، المؤيد الموفق المسدد، فخر الشجرة الزكية; فاتح الأقطار، مرجف الجنود والأمصار، مبيد الطغاة والبغاة والكفار، مؤمن الحرمين الشريفين.

جامع كلمة المؤمنين، ناشر لواء العدل والإحسان، إمام الهدى بحر الندى، نافي الردى: أبو عبد الله، إمام المسلمين سعود بن الإمام عبد العزيز بن الإمام محمد بن سعود، شب سعيدا، وعاش حميدا، وولي الخلافة رشيدا.

ص: 366

كان في نخله، فلما بلغه وفاة أبيه، رحمه الله تعالى، أقبل واجتمع الناس عنده، وقام فيهم خطيبا، فوعظهم موعظة بليغة، وعزاهم؛ فقام المسلمون فبايعوه، خاصتهم، وعامتهم، وعزوه بأبيه، وكتب إلى أهل النواحي، يعظهم ويخبرهم، ويعزيهم.

ويأمرهم يبايعون أمراءهم له فبايع جميع أهل النواحي والبلدان، وجميع قبائل العربان، ولم يختلف منهم اثنان وبعثوا إليه بالتهاني والثناء، وشاع ذكره في الأقطار، وأرعب منه أهل الأمصار، وفتح على يديه الفتوحات، وشهد له بالخلافة والفضل العلماء والرؤساء.

قال الشيخ: أحمد بن عبد القادر الحفظي:

سعود وفي لطف جلي وخافيا

فناصحه والصدق أمضى المواضيا

وينصر مظلوما ويقمع عاصيا

ويأمر بالتوحيد قاص ودانيا

وفعلا فطابت للرعايا المراعيا

أسانيدها في الخافقين عواليا

تخلف عنه لاكعا والمعاديا

لأمر رسول الله في المدح كافيا

وإن سعودا من مساعيه دام في

خليفة صدق ناصح الله جهرة

على محكم التنْزيل يهدي ويهتدي

وينهى عن الشرك الذي طم بحره

تحقق بالأصلين قولا ونية

أحاديثه في الهجرتين صحيحة

فحدث عن البحر المحيط وقل لمن

سياسته شرعية واتباعه

ص: 367

سواه فقد حاز العلا والمعاليا

فذلك ظل الله في الأرض ساريا

وللحرم المكي إماما وحاميا

إليه أمور الحج بالقسط وافيا

عطاء حلالا، لا مكوس المجابيا

وللكعبة البيت المحرم كاسيا

وأصبح شيطان التفرق خاسيا

ومن حكم المختار في نفسه وفي

ويا سعد من أضحى سعود إمامه

وأصبح في أكناف طيبة نازلا

وقام بإحياء المناسك وانتهت

وجيران بيت الله مد عليهم

وطهر بيت الله من كل مشرك

وصلى الصلاة الخمس جمعا بواحد

وقال الشيخ محمد بن أحمد الحفظي:

يجاهد لم يردعه باد وحاضر

ويقظتهم هم والندامى السوامر

على صهوات الصافنات يسامر

وإن الجياد المشبعات ضوامر

وعاد غريبا والغريب يسافر

وألقى العصا والعسر منه مياسر

وهذا سعود، ذو السعادة ساعيا

ولم يلهه نوم الملوك استراحة

يبيت يجافي جنبه عن فراشه

ويعدو على الكمت العناجيج ضامر

يجدد دينا قد بدا في غرابة

فألفه حتى استقر به النوى

* * *

ودالت على الأمصار منه عساكر

وقرر توحيدا وقرت نواظر

عراها الأذى وهي الطهور الطواهر

فجوزي بالحسنى فنعم التجائر

عدول رماح أو سيوف شواهر

ودانت له الأعراب بعد جفائها

وأقرى وفادا وأقرأ طالبا

وطهر ساحات المحجة بعدما

فجددها حسنا ونورا ومنهجا

له ظفر بالحرب قد شهدت به

ص: 368

تجبك البوادي عنهمو والبنادر

سجايا كرام في الندى لا تناظر

فسل عنه أهل الشط والشام سلهم

تحاكي سجاياه الكرام وجندا

وقال:

مقدم جيش الحق وارية الزند

ويعسوبهم في كل معترك يعدي

فحاز فنون الفضل بالجد والحد

هو البحر في الإحسان والجود والمد

يطوف به العطشان في كل ذي ورد

على كل ذي جبار وذى عمل مرد

سلامي على الندب الكبير ومن غدا

سعود كمي للسراة أميرهم

وذلك في التوحيد ليس كغيره

هو الشمس لكن لا أفول لمجده

هو المورد العذب الذي طاب ورده

هو الحق والسيف الصقيل مهند

وقال: لما طلب منه إمام صنعاء المتوكل، ليخبره عنه:

العالم العلامة العمال

من يحمل الأسياف والأسنة

عندهم البعيد كالحميم

والنصر معقود بتلك الهمة

وهادما مشاعر الأصنام

ذاك الإمام الفارس المفضال

وعنده من علماء السنة

من خلق مستحسن كريم

وقد أجابته الجموع الجمة

معظما شعائر الإسلام

وقال في أرجوزة له بعد ثنائه على والده:

بأمر رب العالمين الوازع

سعود مخ الراس قلب الهيكل

من فارس والروم والزنجان

وبعده قام الإمام البارع

وهو الهزبر الضيغم العدل الولي

كم زع بالقرآن والسلطان

ص: 369

ومصر من صولته مرعود

دوخها بالقهر والمغازي

قد أصبحت بعدله مطهره

ومن أبى يطره بالمشرفي

وفي العراقين له رعود

واليمن الميمون كالحجاز

والحرمين وهي المطهرة

بالرفق يدعوهم وبالتعطف

* * * *

وشاهد الواقع فيه يكفي

فريه من أمراء العصر

مجاهدا في يومه وأمسه

في خارج بيعا بلا إقالة

ليظهر الحق وتعلو الكلمة

ببيضة الإسلام أن ترضا

في الأرض والعلو والعنادا

وإنما مطلوبه التوحيد

ولم يكن في نزعه من ضعف

فلم أر من عبقري يفري

وهكذا من يبتدي بنفسه

فإنه يطاع لا محاله

ونغمات أمره مترجمة

وهو الغيور الشهم ليس يرضى

لا يطلب الدنيا ولا الفسادا

أو مذهبا أو ذهبا يريد

وقال عبد الجليل، بعد أن ذكر إعلانه التوحيد:

وتأييده تاج الملوك القماقم

وكان له الإقبال خير ملازم

كؤوس الردى حتى اهتدى كل راغم

وتعلو على هام السهى والنعائم

نهوضا بأعباه بهمة حازم

بعون إله العرش جل ثناؤه

سعود أدام الله أيام سعده

إمام الهدى بحر الندى من سقى العدى

أخو همة يستصغر الخطب عندها

إذا نزل الأمر الفظيع رأيته

ص: 370

بها الله عنا زاح هول العظائم

فليس له في فضله من مزاحم

تدفق بالدر النفيس لناظم

إذا أخلفت أيدي السحاب الرواكم

إذا عم أمر المعضلات الكوالم

أليس محاكي الراسيات بواهم

وإنا لنرجو الله طوع الأعاجم

له عزمات تنقي الأسد بأسها

إمام حوى مجدا وعز مناقب

إذا رمت علما فهو في العلم لجة

وإن رمت جودا فهو كالغيث للورى

ورأي سديد يستضاء بنوره

وحلم رزين لا يجاري ببعضه

وطاع له عرب القبائل كلها

ولو ذهبنا نذكر فضائله ومحاسنه، وفتوحاته، وما أثني به عليه، لخرج بنا عن المقصود.

وقد قال الشيخ: عثمان بن بشر، في تاريخه: كان ذا رأي باهر وعقل وافر، ثبتا شجاعا، محببا إليه الجهاد في صغره وكبره؛ فأمنت به البلاد، وطابت قلوب العباد، وانتظمت مصالح المسلمين بحسن مساعيه، وانضبطت الحوادث بين مراعيه. فبلغ من الشرف منتهاه، ومن سنام المعالي أعلاه، وكان متيقظا، بعيد الهمة، وذكر شيئا من محاسنه ومآثره، ثم قال: ولو تتبعت فضائله، ونائله، وغزواته وفتوحاته، وما مدح به من الأشعار، من أقاصي الأقطار في حياته، وما رثي به من الشعر بعد وفاته، لم يسعه كتاب كبير.

ص: 371

وقد كان، رحمه الله، شجاعا في الحروب، محببا إليه الجهاد في صغره وكبره، بحيث إنه لم يتخلف في جميع المغازي، والحج، ويغزو معه بجملة من العلماء من أهل الدرعية، وأهل النواحي، ويستخلف في الدرعية أحد بنيه.

وكثيرا ما يستخلف ابنه عبد الله، ويغزو معه بنوه، وإخوته وبنو عمه عبد الله؛ وكل واحد من هؤلاء، معه دولة عظيمة من الخيل والركاب، والخيام والرجال، في الجهاد وبذل الاجتهاد. وفتح أكثر البلاد في أيام أبيه وبعد موته، وأعطي السعادة في مغازيه، ولا يعلم أنه هزم له راية، بل نصر بالرعب الذي ليس له نهاية، وكل أيامه مواسم، ومغازيه مغانم. وقد قذف الله الرعب في قلوب أعدائه؛ فإذا سمعوا بمغزاه ومعداه، هرب كل منهم، وترك أباه وأخاه، وما حواه.

رفع رايات التوحيد، فيما وراء الحرة وعمان، وشيد قصرا على حدود مسقط، ألف قدم فوق البحر، واجتاز إلى حوران والكرك، فوصل إلى أبواب الشام وفلسطين، وأرسل إلى الولاة هناك يدعوهم إلى توحيد الله.

ويأمر جنوده بالصبر في مواطن اللقاء ويزجرهم عن العجب بالكثرة، والزيادة في النفوس، الذي هو سبب الفشل والهزيمة، ويزجرهم عن الغلول.

ص: 372

وإذا صلى الصبح ركب بالمسلمين، وضجوا بالتكبير، وأغاروا؛ فتظلم الأرض والسماء من إثارة النقع؛ فيغيب الذهن في تلك الساعة، ويوقن المسلمون بالنصر. فيوقع الله بأسه فيمن قصدته تلك الجنود؛ فلا يرفع السيف إلا عمن لم يبلغه الحلم، أو امرأة أو شيخ كبير، وتؤخذ جميع الأموال. ثم يرحل عن مغارة القوم، بجميع تلك الغنائم، مع البادي والحاضر، وينْزل قريبا منها على بعض الموارد، فتعزل الأخماس، وتباع الغنائم بدراهم، وتقسم على جميع الغزو، للراجل سهم، وللفارس ثلاثة أسهم، سهم له، وسهمان لفرسه.

وأما جنوده، ومماليكه، وخيله ومدافعه، فلا يحصيها العد، ولا يبلغها الحصر والحد. وكان يرسل لقبض زكاة السائمة من بوادي جزيرة العرب، مما وراء الحرمين، وعمان واليمن، والعراق والشام، وما بين ذلك من بوادي نجد، بضعا وسبعين عاملا، مع كل عامل طائفة. فما تجبيه تلك العوامل، ويجبى إلى الدرعية من أموال البحرين والقطيف، وعمان واليمن، والحجاز وتهامة، وغير ذلك، وزكاة ثمار نجد وعروضها، لا يستطيع أحد عده; وما ينقل من الأخماس والغنائم أضعاف ذلك، وما يدفع للوفود وفقراء البلدان من الصدقات، ألوف مؤلفة.

ص: 373

وكان رحمه الله آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، كثير الحض على ذلك في مجالسه ومراسلاته، ناصرا لأهله، محببا إليه أهل العلم، ويعظهم ويكرمهم، ويجزل عطاياهم، ويلزم أهل البلدان بإكرامهم، وتعظيمهم وتوقيرهم. وإذا أراد إنفاذ أمر، أرسل إلى خواصه من رؤساء البوادي، واستشارهم، ثم يرسل إلى خواصه وأهل الرأي من أهل الدرعية، ثم يرسل إلى أبناء الشيخ وأهل العلم من أهل الدرعية، ومال إلى رأيهم وأظهر لهم رأيه. وفضائله ومحاسنه، ونائله، وغزواته، وفتوحاته، وما مدح به من الأشعار، من أهل نجد والأمصار أشهر من أن تذكر.

وبالجملة: فمحاسن هؤلاء الأمجاد، وفضائلهم، ومحامدهم، ومآثرهم، طبق الأرض. أزال الله بهم عن الناس الجهل، والمحن والظلم والجور والبغي والفتن. كان قضاته على الدرعية بني الشيخ: حسين، وعبد الله، وعلي، وابني ابنيه: عبد الرحمن بن حسين، وعلي بن حسين ابني الشيخ، والشيخ حمد بن ناصر بن معمر، وقاضيه على الرياض الشيخ: عبد الوهاب بن صالح، ثم ابنه محمد.

وقاضيه على الأحساء الشيخ: محمد بن سلطان

ص: 374

العوسجي، ثم الشيخ عبد الرحمن بن نامي، وعلى القطيف الشيخ: محمود الفارسي، وعلى جبل شمر وما يليه الشيخ: عبد الله بن سليمان بن عبيد، وعلى ناحية القصيم الشيخ: غنيم بن سيف، وعلى ناحية الوشم الشيخ: عبد العزيز الحصين، وعلى ناحية سدير الشيخ: علي بن يحيى بن ساعد، وعلى ناحية منيخ الشيخ: عثمان بن عبد الجبار، وعلى حريملاء والمحمل الشيخ: عبد الرحمن بن عبد المحسن أبا حسين، وعلى ناحية الخرج الشيخ: حمد بن راشد العريني، وعلى اليمن الشيخ: حسين بن خالد الشريف، وعلى الطائف وناحية الحجاز الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين، وعلى تهامة الشيخ: أحمد الحفظي؛ وأما مكة فأقر فيها قضاتها، ثم أرسل إليها الشيخ: عبد الرحمن بن حسن، وفي جدة الشيخ: سليمان بن الشيخ عبد الله بن الشيخ; وعلى المدينة الشيخ: حمد إلياس الحنفي، والشيخ أحمد بن رشيد الحنبلي؛ وأما غير ذلك من النواحي، فكان يبعث إليها القاضي نحو سنة، ثم يرجع، ويبعث غيره، وأميره على الرياض: عبد الله بن حسن الفضلي، وأميره على الأحساء إبراهيم بن عفيصان، وعلى القطيف

ص: 375

أحمد بن غانم، وعلى البحرين سليمان بن خليفة، وعلى عمان سلطان بن صقر بن راشد، وعلى الجيوش في عماد: مطلق المطيرى.

وعلى جبل شمر والجوف: محمد بن عبد المحسن بن فائز بن علي، وعلى ناحية القصيم: حجيلان بن حمد، وعلى ناحية سدير حمد بن سالم، ثم عبد الكريم بن معيقل، وعلى ناحية الوشم: محمد بن غيهب، وعلى المحمل ساري بن يحيى، وعلى ناحية الخرج: عبد الله بن عفيصان، وعلى وادي الدواسر: ربيع بن زيد، وعلى بيشة ونواحيها: مسلط بن قطنان، وعلى الطور وتهامة: عبد الوهاب أبو نقطة، ثم طامي بن شعيب، وعلى الطائف والحجاز: عثمان المضائفي، وعلى مكة: غالب بن مساعد الشريف، وعلى المدينة: حسن قلعي، وعلى ينبع: جابر بن جبارة الشريف. توفي رحمه الله وأسكنه جنات النعيم، سنة 1229?، في بلد الدرعية، ورثاه جم غفير من جهابذة العلماء.

الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد، رحمهما الله تعالى

هو الإمام الحبر الهمام، بدر الأعلام مفتي الأنام، حجة الإسلام قمر الدجى، شمس الضحى، الثقة الثبت، العلم البارع، التقي النقي، الورع الفارس في العلوم، والسيف الصارم المسلول على المبتدعين، والحبر القائم بأمور الدين،

ص: 376

ذو الهمة والشجاعة والإقدام، فائق علماء زمانه، مجتهد زمانه فلك هو قطبه، يزيد عليهم زيادة الشمس على البدر، إذا ذكر المسألة بهت الناس من كثرة محفوظه، وجودة إيراده، وإعطائه كل قول ما يستحقه. يقول الحق الذي أدى إليه اجتهاده، مع ما اشتهر عنه من الورع، وكمال الفكر، وسرعة الإدراك، والخوف من الله، والتعظيم لحرماته. لم ير تحت أديم السماء بعد والده مثله علما وعملا، وحالا ومقالا، وحلما وخلقا، واتباعا وكرما، وقياما في حق الله. هو عالم نجد ومفتيها بعد والده، ولد في بلد الدرعية، وأخذ العلم عن أبيه وخلق. وتفقه في المذاهب، وأدرك في الأصول والفنون أعلاها، وتفنن في علوم الإسلام، حتى بلغ علاها. كان عارفا بالتفسير لا يجارى، وبأصول الدين وإليه فيها المنتهى، وبالحديث ومعانيه وفقهه، ودقائق الاستنباط منه، لا يلحق في ذلك، وبالفقه وأصوله، وبالعربية.

وبالجملة له اليد الطولى في كل فن من فنون العلم; له المصنفات المشهورة المقبولة، والفتاوى القاطعة غير المعلومة، والرسائل والنصائح السامقة المبرورة; منها:

1-

الرد على الزيدية أسماه "جواب أهل السنة في نقض كلام الشيعة والزيدية" مجلد.

ص: 377

2-

مختصر السيرة "مجلدان"، وله مشاركة في كتاب التوضيح.

3-

الفصول النافعة في المكفرات الواقعه.

4-

منسك في الحج.

5-

رسائل وفتاوى تبلغ مجلدا، فرقناها في مواضعها على حسب الترتيب. وله مجالسة في التدريس مشهورة، بإحياء علوم أصول الدين معمورة، يأتي إليه العلماء من الأمصار، والسؤالات من جميع النواحي، والأقطار؛ فيفهم أحسن إفهام، ويجيب أصوب إيقاع بإيجاز، وانتظام. أثنت عليه أهل نجد بأسرها، وأهل الخبرة في برها وبحرها.

قال الشيخ: حسين بن غنام يثني عليه، وعلى إخوانه علماء الدرعية:

وما ثبطوا عن نشر أحكامهم ثبطا

وعلما وتحديثا بذا تسمع اللغطا

وتنكيل من قارف الذنب والسخطا

وتوبيخ من عنها تخلف أو أبطا

مدارسهم معمورة بعلومهم

فلست ترى إلا مفيدا وهاديا

وأمرا بمعروف وتنكير منكر

وحثا على فعل الصلاة جماعة

وقال الشيخ أحمد بن علي بن مشرف، بعد ثنائه على الشيح:

محجته المثلى وفي نصرها جدوا

فكم قد أفادوا من يروح ومن يغدو

وكم شبهة جلوا وأبوابها سدوا

وأبناؤه الغر الكرام قد اقتفوا

فكانوا إلى التوحيد يدعون دأبهم

وكم سنة أحيوا وكم بدعة نفوا

ص: 378

وقال الشيخ: أحمد بن عبد القادر الحفظي:

على حلقات الذكر حق إلهيا

لهم طالما عفت عليها العوافيا

على الأرض والشرك المحرم خازيا

وأحمد خريت الطريق وهاديا

عليهم من المولى السلام يوافيا

عليها خصوصا تابعا وصحابيا

وحف بآل الشيخ أعلام مكة

مدارس في التوحيد تصنيف والد

فأصبح توحيد العبادات ظاهرا

أئمة حق والنصوص طريقهم

على مذهب الحبر الإمام ابن حنبل

عقائدهم سنية أجمع الملا

أخذ عنه العلم الخلق الكثير، والجم الغفير، الجهابذة النبلاء، منهم بنوه: الشيخ سليمان، وعلي وعبد الرحمن، والشيخ عبد الرحمن بن حسن، والشيخ عبد اللطيف، والشيخ حسن بن حسين، والشيخ عبد الرحمن بن حسين، وحمد وعلي ابنا الشيخ حسين بن الشيخ، والشيخ محمد بن سلطان، والشيخ محمد بن عبد العزيز، والشيخ أحمد الوهيبي، وعبد الله الوهيبي، والشيخ عبد العزيز بن معمر، والشيخ سعيد بن حجي، والشيخ جمعان، ومسفر بن عبد الرحمن، والشيخ أبا بطين، والشيخ محمد بن مقرن، والشيخ عثمان بن عبد الجبار، والشيخ إبراهيم بن سيف، وغيرهم.

كان رحمه الله ذا عبادة وتهجد، وطول قيام، ولهج بالذكر، وشغف بالمحبة والإنابة، والافتقار إلى الله،

ص: 379

والانكسار، والانطراح بين يديه، على عتبة عبوديته؛ لم ير في معناه مثله. نقل إلى مصر سنة 1233 هـ، وتوفي فيها سنة 1242?، ورحمه الله وعفا عنه، وأسكنه الفردوس الأعلى.

الشيخ حسين بن الشيخ محمد رحمهما الله

هو العالم الفاضل، مفيد الطالبين، قامع المشبهين، الشيخ القدوة: حسين بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله تعالى. كانت له المعرفة في الأصول والفروع، والتفسير وغيره. انتفع الناس بعلمه. وله همة وشجاعة، وشهامة مشهورة، وسمعة دائرة في السنن والأقوال، وكمال فكر وتصور من ربه، وزهد وعبادة، وتعظيم لحرمات الله.

أخذ العلم عن أبيه الشيخ محمد وغيره، وكان متواضعا عند الخاصة والعامة، ذا أناة وحلم ووقار، مجالسه عامرة بالفقهاء والمحدثين، وأهل الخير، كثير الإفادة، فضائله مشهورة، وأوقاته، بالخير والنفع معمورة. قال الشيخ محمد بن أحمد الحفظي يذكر فضله وإخوته:

أئمة دين الحق موضحة الرشد

كذاك عبد الله واسطة العقد

فبان لنا وجه الصواب بلا رد

وكل غلو أو فساد لذي حقد

سلام على الأحباب من كل جهبذ

حسين وإبراهيم نجلي محمد

وقد وضحوا في ديننا كل مشكل

وقد هدموا في الدين كل ضلالة

ص: 380

بهم يهتدي من حار في الغور أو نجد

وهم في ظلام الجهل أشرف أنجم

وهو أشهر من أن يذكر، له فتاوي. وكان هو القاضي في بلد الدرعية بعد والده، والإمام في الجمعة في مسجد الجامع، مسجد الطريف الكبير في الدرعية، الذي تحت قصر آل سعود في المنازل الغربية، وإماما في مسجد البجيري. وله مجالس في التدريس، أخذ عنه العلم جماعة من العلماء، من القضاة وغيرهم.

منهم أبناؤه: الشيخ علي، والشيخ حسين وابنه عبد الرحمن، والشيخ سليمان بن عبد الله، والشيخ عبد الرحمن بن حسن وابنه، وعلي بن عبد الله، والشيخ عبد العزيز بن حمد بن ناصر، والشيخ أحمد الوهيبي، والشيخ سعيد بن حجي، وخلق ممن تأهل وغيرهم. توفي رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى سنة 1224?، في ربيع الآخر، في بلد الدرعية؛ وبكته تلك المجالس وسائر الرعية، ورثاه بعض معاصريه، فرحمه الله وعفا عنه.

الشيخ إبراهيم بن الشيخ محمد، رحمهما الله تعالى

هو الثقة العابد الورع، حسنة الأيام، فخر الأنام، لم ير أزهد ولا أورع، ولا أعبد منه، متواضعا لينا كيسا، حسن الأخلاق، كأن النور يخرج من وجهه، كثير العبادة، كثير الزهادة، أخذ العلم عن أبيه وغيره.

ص: 381

أدرك حظا من العلوم وأفاد، وانتفع به فئام من العباد، له مشاركة كثيرة في رسائل وأجوبة، ولم أقف له على وفاة ولكنه موجود سنه 1251?، فى مصر، وتوفي فيها رحمه الله تعالى وعفا عنه.

الشيخ علي بن الشيخ محمد رحمهما الله تعالى

هو الإمام العالم العلامة، الثقة الثبت الزاهد الورع، كان شهما هماما، فقيها صدوقا، حسن الطريقة، كيسا متواضعا، مع غزارة العلم، عذب العبارة، مكرما للطلبة.

أخذ العلم عن أبية وغيره، ورزق علما وفهما، حتى صار يتكلم في المسائل مع الفقهاء. وله مجالس مشهورة، وأياد مذكورة، وأخلاق حسنة مشكورة، وأجوبة ونصائح، قال محمد الحفظي بعد ثنائه على الشيخ محمد: أولاده مشائخ التحقيق، وسدرة في منتهى الطريق. توفي رحمه الله وعفا عنه بمصر.

الشيخ حمد بن معمر، رحمه الله تعالى

هو الإمام العالم العلامة، الحبر البحر الفهامة، المحقق المجتهد، الحافظ المتقن الورع، الفارس في العلوم، والسيف الصارم المسلول، قامع المشبهين، بقية السلف، قدوة الخلف.

ص: 382

الشيخ الجليل: حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر

كان فقيها محدثا، زاهدا عابدا كثير الخير، له قدم راسخ في الفتوى، ذا جلالة ومهابة، وذكاء وكيس، ومروءة، نبيها شهما حسن السمت، حسن الخلق.

آخذ العلم عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والشيخ سليمان بن عبد الوهاب، وأخذ العربية عن الشيخ حسين بن غنام وغيرهم.

بلغ في العلوم العقلية والنقلية مبلغا، له اليد الطولى في الأصول، والفروع، والحديث واللغة العربية وغيرها، قليل المثل في الديانة والعبادة. جمع أنواع المحاسن والمعالي، قرن بين خلتي العلم والحلم، والحسب والنسب، والعقل والفضل، والتدريس والتصنيف، والفتاوي والنصائح.

أوحد العصر في أنواع الفضائل، مجالسه بالعلم معمورة، وبالفقهاء مشحونة، وأوقاته بالخير مقرونة، وأخلاقه بالزكاء مشهورة. أخذ عنه العلم ابنه الشيخ عبد العزيز، والشيخ عبد الرحمن بن حسن، والشيخ عبد الله أبا بطين، والشيخ سليمان بن عبد الله، والشيخ علي بن الحسن اليماني، وخلق.

وله رسائل وأجوبة تبلغ مجلدا، فرقناها في مواضعها على حسب الترتيب. وكان قاضيا في الدرعية وغيرها؛

ص: 383

وأرسله الإمام سعود قاضيا ومعلما في مكة المكرمة، وأقام فيها مدة، وتوفي فيها رحمه الله تعالى، وأسكنة الفردوس الأعلى، سنة 1225?، في العشر الأخير من ذي الحجة. وصلى عليه المسلمون تحت الكعبة المشرفة، ثم خرجوا به إلى البياضية، وخرج الإمام سعود، وصلى عليه عدد كثير من المسلمين، ودفن بمكة، فرحمه الله وعفا عنه.

الشيخ سليمان بن عبد الله بن الشيخ، رحمه الله

هو: الحافظ المحدث الفقيه المجتهد، الثقة أوحد الحفاظ، تاج عصره جمال الزمان، الشيخ: سليمان بن الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولد سنة 1200 هـ.

كان آية في العلم والحلم، والحفظ والذكاء، له المعرفة التامة في الحديث ورجاله، وصحيحه وحسنه وضعيفه، والفقه والتفسير والنحو. وكان في معرفة رجال الحديث يسامي أكابر الحفاظ، وضرب به المثل في زمنه بالذكاء، وكان حسن الخط، ليس في زمنه من يكتب بالقلم مثله.

أخذ العلم عن أبيه، والشيخ حمد بن معمر، وعن عميه الشيخ حسين، والشيخ علي، والشيخ حسين بن

ص: 384

غنام، والشيخ عبد الله بن فاضل، والشيخ عبد الرحمن بن خميس، والشيخ عبد الله الغريب، وأجازه الشيخ: محمد بن علي الشوكاني.

برع في الفنون، كانت له اليد الطولى في الحديث ورجاله؛ يروى عنه أنه كان يقول: أنا برجال الحديث أعرف مني برجال الدرعية. لم ير شخص حصل له من الكمال والعلوم، والصفات الحميدة، التي لم يحصل بها الكمال لسواه، على صغر سنه.

صنف شرح كتاب التوحيد لجده، فمن بعده عيال عليه؛ ولكنه لم يكمله، وله حاشية على شرحه، والدلائل في حكم موالاة أهل الإشراك، كان طلبة العلم يحفظونها عن ظهر قلب، ورسالة في عدد الجمعة لم ينسج على منوالها، وأجوبة فرقناها على حسب الترتيب، ومن وقف على كلامه، شهد له بالشهامة والجودة، والذكاء والحفظ، وحسن الفهم.

أخذ عنه العلم عدد كثير من أهل الدرعية وغيرهم، منهم الشيخ محمد بن سلطان وغيره. وكان رحمه الله آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم؛ فلا يتعاظم رئيسا في الأمر والنهي، ولا يتصاغر ضعيفا أتى إليه يطلب فائدة.

ص: 385

اخترته المنية في عنفوان شبابه، بكت عليه العيون بأسرها، فيا له من خطب ما أعظمه! وعاجل أجل ما أوجعه! ومصاب ما أكبره وأهوله! نمي به رحمه الله عند إبراهيم باشا فقتله، أكرمه الله بالشهادة، سنة 1233?، رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى.

الإمام عبد الله بن سعود رحمهما الله

هو الإمام الهمام، فرع شجرة الفخار، سلالة الأطهار: عبد الله بن سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود، رحمهم الله تعالى. كان ذا سيرة حسنة، مقيما للشرائع، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، كثير الصمت حسن السمت، باذلا العطاء، صالح التدابير في مغازيه، شجاعا فى مواطن اللقاء، ثبتا في مصابرة الأعداء، وكانت سيرته في مغازيه، وفي الدرعية، وترتيب الدروس، وقضاء حوائج المسلمين، وغير ذلك على سيرة آبائه. وكان قضاته ومدرسوه على الدرعية: الشيخ عبد الله بن الشيخ، وابنه الشيخ سليمان، والشيخ علي بن حسين، والشيخ عبد الرحمن بن حسن، والشيخ عبد الله الوهيبي، وعلى الأحساء ونواحيه: الشيخ عبد الرحمن بن ناصي، وعلى عمان: الشيخ على بن حمد العريني.

وعلى الحوطة والحريق: رشيد السردي، وعلى ناحية سدير: الشيخ إبراهيم بن سيف، وعلى منيخ: الشيخ

ص: 386

عثمان بن عبد الجبار، وعلى الوشم: عبد العزيز الحصين، وعلى حريملاء والمحمل: الشيخ محمد بن مقرن، وعلى ناحية القصيم: عبد العزيز بن سويلم، وعلى جبل شمر: الشيخ عبد الله بن عبيد.

وكان أميره على ناحية الأحساء: فهد بن سليمان بن عفيصان، وعلى القطيف: إبراهيم بن غانم، وعلى عمان: حسن بن رحمة، وأمير الجيش في عمان: بتال المطيري، وعلى وادي الدواسر: قاعد بن ربيع، وعلى الوشم: حمد بن يحيى بن غيهب، وعلى الخرج: عبد الله بن سليمان بن عفيصان، وعلى بلدان المحمل: ساري بن يحيى، وعلى سدير ومنيخ: عبد الله بن معيقل، ثم إبراهيم أبا الغنيم، وعلى ناحية القصيم: حجيلان بن حمد، وعلى جبل شمر: محمد بن عبد المحسن بن علي. وباقي النواحي عليها قضاة أبيه وأمراؤه الذين تقدم ذكرهم. نقل سنة 1233?، إلى مصر، ثم إلى قسطنطينية، وقتل هناك، رحمه الله وعفا عنه.

الشيخ عبد العزيز الحصين، رحمه الله تعالى

هو الإمام العلامة، الفقيه الزاهد الورع، الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن إبراهيم الحصين الناصري الحنبلي، رحمه الله تعالى. كان عالما عاملا زاهدا ورعا، حليما

ص: 387

فاضلا، مهيبا فقيها; وجعل الله في علمه البركة للناس وانتفع به أناس كثير من أهل النواحي.

أخذ الفقه في صغره عن الشيخ: إبراهيم بن محمد بن إسماعيل. ثم أخذ العلم عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وابنه الشيخ عبد الله، والشيخ حسين، والشيخ حمد بن ناصر بن معمر، وخلق غيرهم.

له مجالس في التدريس مشهورة، وأوقاته بالعبادة معمورة، وله رسالة في معنى التوحيد، وفتاوي.

ولي القضاء في الوشم، في ولاية الإمام عبد العزيز بن محمد، وأول ولاية الإمام سعود.

وأخذ عنه عدة من العلماء، منهم: الشيخ عبد الله أبا بطين، والشيخ إبراهيم بن سيف، والشيخ غنيم بن مسفر والشيخ عبد الله بن سيف، والشيخ محمد بن عبد الله الحصين، والشيخ علي بن يحيى بن مساعد، والشيخ عبد الله بن سليمان بن عبيد، والشيخ محمد بن سيف، والشيخ إبراهيم بن حجي، والشيخ عثمان بن عبد المحسن أبا حسين، والشيخ محمد بن نشوان، والشيخ عبد الله القضيبي، والشيح عبد الكريم بن معيقل، وغيرهم ممن لم يل القضاء الجم الغفير.

توفي رحمه الله تعالى، في 13 من رجب، سنة 1237هـ.

ص: 388

الشيخ عبد العزيز بن معمر رحمه الله تعالى

هو الإمام العالم العلامة، الحبر الفهامة، المجتهد المتقن، بحر العلوم، الشيخ: عبد العزيز بن الشيخ حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر. ولد في بلد الدرعية، وأخذ العلم عن أبيه، والشيخ عبد الله، والشيخ علي ابني الشيخ، والشيخ حسين بن غنام، والشيخ أحمد بن رشيد الحنبلي، وغيرهم. وبرع في جميع الفنون؛ فكان أديبا محققا مدققا، فائقا في الأصول والفروع، شهما هماما، يتوقد ذكاء، زاهدا ورعا، آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر.

اختصر النظم المعروف لابن عبد القوي، وله كتاب فتح القريب المجيب في الرد على عباد الصليب في مجلد، وله أجوبة ورسائل، توفي رحمه الله في البحرين سنة 1244?، ورثاه الشيخ أحمد بن علي بن مشرف فقال:

أم النجم أمسى لونه وهو حائل

أم العلم قد أوهت بناه الزلازل

لدن غيبت حبر الزمان الجنادل

فكم نصر الإسلام منه رسائل

فأنجمها تبكي عليه أوافل

وتندبه للمشكلات مسائل

وكانت له فيها تشد الرواحل

أشمس الهدى غابت أم البدر آفل

أم الدين هد الخطب جانب طوده

نعم أفلت شمس العلوم وبدرها

إمام الهدى عبد العزيز بن ناصر

رثته علوم الدين أن غاب نجمه

وظلت ربوع العلم تهتف باسمه

فمن بعده للمعضلات وحلها

ص: 389

ومن للهدى يحمي وعنه يناضل

وكلم فمن ذا بالعلاج يحاول

إذا نزلت بالمسلمين النوازل

وكل لنيل المعالي رسائل

سوى أنه للبحر يوجد ساحل

جواب من التحقيق شاف ونائل

وعاش زمانا ذكره فيه خامل

وهذا زمان تسمو منه الأسافل

ومن للعدا يرمي بشهب علومه

لقد صار في الإسلام ثلم بموته

وقد كان للإسلام حصنا ومفزعا

فأصبح مقصودا لمن طلب الهدى

هوا البحر إن رمت العلوم وبحثها

إذا ما أتاه السائلون عنده

وقد جهل الأقوام مقدار فضله

فلا عجب فالكنْز يجهل غالبا

* * * *

إلا أنه بالجزم للحق نائل

بأحرف علم هن فيه عوامل

إلى كل خير فهو بالعلم عامل

كما يستحق الرفع في النحو فاعل

وليس له في عقله من يعادل

وما طال من شيء فما فيه طائل

لقد جد في علم الشريعة ناصبا

وقد كان مخفوض الجناح تواضعا

أضيف إليه العلم النفيس فجره

وفعل المعالي أوجبت رفع قدره

ولكنه في الفضل ما عنه نائب

فحسبك من حسن الثنا ما ذكرته

* * * *

لدن فقدت عبد العزيز المحافل

وعم الرضى من غيبته الجنادل

فحكم المنايا للبرية عادل

لقد فقد العلم العزيز ونشره

سقى روحه الرحمن هطال رحمة

فأوصيك بالصبر الجميل وبالرضى

ص: 390

لعاش الهداة الأكرمون الأفاضل

وخطب عميم للبرية شامل

فلو كان سهم الموت يخطئ واحدا

لكنه حكم من الله نافذ

الإمام تركي بن عبد الله، رحمهما الله تعالى

هو الإمام الشجاع، الفارس المجيد، والشهم اللوذعي الوحيد، لا يماثل في الشجاعة والبراعة، ولا نظير له في الحلم والعفو والأناة، الخليفة حقا، الشجاع صدقا، بل أوحد الشجعان: تركي بن الأمير عبد الله بن الإمام محمد بن سعود.

افتتح قرى نجد، واستولى عليها حربا وصلحا، بعد أن كان بعضهم يضرب رقاب بعض، ورفضوا أكثر شعائر الإسلام؛ فجاهد حق الجهاد، حتى دانت له البلاد والعباد، وصاروا كلهم جماعة، وبايعوه على السمع والطاعة. كان ذا رأي وفطنة وبراعة، وله من الشهامة والشجاعة ما ليس لغيره من الملوك، بل له الحظ الأوفر، خصوصا الشجاعة والديانة؛ حتى إنه لا يقاس به في زمانه قرين، مع تواضع للأرامل واليتامى والمساكين، في هيبة جعلها الله عليه، ومحبة في القلوب معروفة إليه. وأعاد الله به أبهة هذا الملك، فعمر أبنية المجد والكرم، ورفع شرف آبائه وأعمامه.

ص: 391

قال الشيخ عثمان بن بشر: هو الإمام الشهير الفارس، المجيد الذي لا يماثله أحد في الشجاعة والبراعة، ولا يعرف له نظير في العفو والحلم والأناة. وقال: كان شجاعا مقداما، مجاهدا في سبيل الله.

أطفأ الله به نار الفتنة بعد اشتعال ضرامها، وتعذرت بين البلدان الأسفار، فحاصر البلدان وقاتل العربان; ودعاهم إلى الجماعة، والسمع والطاعة؛ حتى ضرب الإسلام بجرانه، وسكنت الأمة في أمنه وأمانه.

قدمت الوفود إليه من البلدان والعربان، وأكرمهم وأحسن جوائزهم، وكان يخرج كل خميس واثنين لحضور الدرس، واجتماع المسلمين. وكان الجالس المعلم في ذلك الدرس، الشيخ: عبد الرحمن بن حسن؛ وكان آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، ويرسل النصائح إلى البلدان، ويحضهم على القيام بشرائع الإسلام.

وبالجملة: فمناقبه ومكارمه مأثورة، وفضائله ووقائعه مشهورة، ولو تتبعنا ما مدح به من الشعر والنثر، لطال غاية، وفيما نبهنا عليه كفاية.

وكان قاضيه على الرياض: الشيخ عبد الرحمن بن حسن، والشيخ علي وحسن ابنا الشيخ حسين، وعلى الحوطة: الشيخ سعد العجيري، ثم الشيخ علي بن حسين، ثم الشيخ عبد الملك بن حسين; وعلى ناحية الخرج:

ص: 392

الشيخ: عبد الرحمن بن حسين، وعلى وادي الدواسر: الشيخ جمعان بن ناصر، وعلى المحمل ونواحيه: الشيخ محمد بن مقرن، وعلى الأحساء ونواحيه: الشيخ عبد الله الوهيبي، وعلى سدير: الشيخ عبد الله بن عبيد، ثم الشيخ عبد الرحمن الثميري، وعلى منيخ والغاط والزلفي: الشيخ عثمان بن عبد الجبار، ثم ابنه الشيخ عبد العزيز، وعلى ناحية الوشم: عبد الله أبا بطين، وعلى القطيف: محمود الفارسي، وعلى القصيم: الشيخ قرناس. وكان يبعث إلى جبل شمر وعمان والقطيف وغيرها قضاة من عنده ثم يرجعون ويرسل غيرهم كل سنة.

وكان أميره على الأحساء ونواحيه: عمر بن محمد بن عفيصان، وعلى القطيف ونواحيه: عبد الله بن غانم، وعلى وادي الدواسر: عبد الله بن إبراهيم الحصين، ثم محمد بن عبد الله بن جلاجل، وعلى ناحية سدير: محمد بن الأمير، ثم محمد بن عبدان، وعلى ناحية الخرج وما يليه: علي بن محمد بن عفيصان، وعلى المحمل وبلدانه: يحيى بن ساري، وعلى الوشم: حمد بن يحيى بن غيهب، ثم محمد بن عبد الكريم البواردي، وعلى بلد بريدة: عبد العزيز بن محمد بن حسن; وعلى بلد عنيزة: يحيى بن سليمان بن زامل، ثم محمد بن ناهض، وعلى

ص: 393

جبل شمر: صالح بن عبد المحسن بن علي.

قتل رحمه الله وعفا عنه، سنة 1249?، يوم الجمعة آخر ذي الحجة، بعد صلاة العصر، وذلك أن مشاري بن عبد الرحمن، قدم عليه فأكرمه، وزاد في إكرامه، واستعمله أميرا على منفوحة؛ ثم وشى به عند خاله تركي، فعزله عن الإمارة، فعزم على إثارة الفتنة، بمساعدة أسافل من الخدام والأراذل. فاعترض الإمام تركي رحمه الله، خادم لهم فقتله. فإذا مشاري قد خرج من المسجد، فشهر سيفه وتهدد الناسك وتوعدهم، وشهر أناس، سيوفهم معه، فبهت الناس وعلموا أن الأمر قد تشوور فيه، وقضي بليل. ثم جلس للمبايعة، وأرسل إلى آل الشيخ فبايعوه، وبايعه الناس، ولكن البغي مصرعة الرجال:{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً} [سورة الإسراء آية: 33] ثم بلغ الأمير فيصل الخبر وهو في القطيف، فرحل قافلا، فلما قدم الأحساء فشا ذلك في الناس، وكان مع الأمير فيصل رؤساء المسلمين، من الأمراء والأعمار. فأرسل إليهم وأخبرهم بالأمر، وأبدى لهم أنه لا بد أن يأخذ بالثأر، ويضرم عليهم نار الحرب، لا يقر له عن ذلك قرار.

وذاكرهم وذكرهم، فقاموا كلهم وبايعوه، ثم رحل

ص: 394

وساعدته الأقدار، حتى قتل مشاري وسط القصر، والقصاص يكفر الله به عن الجاني، فلم يلبث مشاري بعد قتل الإمام تركي إلا أربعين يوما، وقتل ليلة الخميس من صفر، سنة 1250?.

الإمام فيصل بن تركي رحمهما الله تعالى

هو الخليفة العادل، الزاهد العابد، فخر الإسلام والمسلمين، ناصر شريعة سيد المرسلين، محيي العدل في العالمين، نصرة المظلومين، قامع المعتدين والمسرفين، منبع الكرم والإحسان، مؤيد السنة والقرآن، الذاب عن حوزة الدين، القائم في مصالح المسلمين، الملتجئ إلى الله، المستضاء بداره، المطروق مورد فنائه، المصدوق في مورد ثنائه، المحقوق من كل ولي بولائه، نجل السادة الغر، القادة الزهر.

أبو عبد الله الإمام فيصل بن الإمام تركي بن الأمير عبد الله بن الإمام محمد بن سعود،

ولد سنة 1213?، وطلعت بشائر سعوده، وهو ملتف في مهوده، فحاز مفاخر الأوائل والأواخر، وصلحت منه البواطن والظواهر، واجتمعت فيه المكارم، والفضائل، وزانت به المجالس والمحافل، واقتحم عظائم لم يقتحمها عشائره، وجدوده. وجيش الجيوش برا وبحرا، وأخذ الممالك طوعا وقهرا، وتوفرت بحسن سيرته مصالح المسلمين، وجمع في

ص: 395

سياسته بين الشدة واللين. سياسة تعجز عنها الملوك وأعوانها، وصلحت بها الممالك وسكانها، لم يكن سفاكا للدم الحرام، ولا غاصبا للمال الحرام من أيدي الأنام، معرضا عن جميع الحطام، مستغيثا بربه في دياجي الظلام له من السيرة المحمودة وتقديم الشرع، وترك الظلم والجور، وإقامة العدل، الحظ الأوفى.

عفيف، شريف النفس، للفضل عارف، حليم كريم، سالم القلب منصف، استبشرت الأرض بطلعته، وأمنت الطيور فى حوزته، وحفت الملائكة برياض جنته; وسوت بولايته الأوطان والأوطار، وأنفذ الله به أمره ونهيه في الأقطار.

ولي الخلافة بعد مقتل مشاري، وقارنه العز والتمكين، وجلس على سرير الملك والشرف، وأعلن بالحمد والشكر واعترف. وأطلع الله شمس سعادته مشرقة الأنوار، ولبست الدنيا ملابس الافتخار. أخذ الولاية لا عن كلالة، وأتاه الملك مستبشرا يجر أذياله، فلم يكن يصلح إلا له.

إليه تجر أذيالها

ولم يك يصلح إلا لها

لزلزلت الأرض زلزالها

لا زال ظلا دائما ممدودا

أتته الإمامة منقادة

فلم تك تصلح إلا له

ولو رامها أحد غيره

ورث الإمامة كابرا عن كابر

ص: 396

فرحا به وتأودت تأويدا

فكأنهن جعلن له مهودا

تعب الجلاد وكم تشق جلودا

أعني بها التكبير والتحميدا

هزت بمظهره الولاية عطفها

ملك رقى المعالي وهو مرعرع

ملك براحته الصوارم تشتكي

ملك له عند الكفاح علامة

أثنت عليه الأقاليم والأمصار، وفرح به الإسلام واستنار، وشاع صيته وطار في الأقطار، وأثنت عليه جهابذة العلماء، في المحافل والأسطار، وما أحسن ما قيل فيه:

وبالعز والعدل العميم وبالرشد

عراه وقام الحق في شده العضد

معاهدها مأهولة في حمى صهد

بهدي ابن تركي ذا الأعاريب تشهد

قرير سرير القلب والعيش في رغد

وبالرأي إدراك الفتى قبل ذي جد

ويرتاض من أعمالها كل مشتد

ففي الحرب يسطو سطوة الأسد الوردي

وأخلاقه الأزهار مطلولة البرد

إذا بخلت أيدي الكرام عن الرفد

إمام أتانا بالمسرة والهنا

به شد أزر الدين واستوثقت به

وعادت قضايا الشرع مخضرة الربى

هو النوربين الرشد والغي فيصل

به الجار من كل الحوادث آمن

بآرائه سود الفوادح تنجلي

أخو همة تدنى له كل شاسع

يهاب ويرجى حاربا ومسالما

وفي السلم برأي يحيى مهذب

له راحة في الجود تغني عن الحيا

ص: 397

وقال الشيخ أحمد بن مشرف الأحسائي:

لدن جمعتنا بالإمام المسدد

مناقبه فوق الثريا وفرقد

من الحسب السامي إلى خير محتد

بنوا في المعالي كل فخر وسؤدد

يقصر عن إدراكها كل سيد

ومردي العدى بالمشرفي المهند

وأمنها من كل باغ ومعتد

وغيث اليتامى والفقير المضهد

ببذل العطايا هاطل كفه ندي

بكل نفيس من لجين وعسجد

ليالي المنى جادت علينا بالسعد

حليف المعاني فيصل من سمت به

تفرع عن روح المكارم وانتمى

كريم السجايا ماجد من أماجد

ولكنه أضحى بأعلى أرومة

إمام الهدى جالي الصدى منهل الندى

حمى أرض نجد بالصوارم والقنا

هو البطل المقدام كالليث في الوغى

رفيق شفيق بالورى متواضع

له نفس حر تشتري المجد والثنا

وقال:

فقد زانت الدنيا بوجهك والعصر

لئن لبست نجد بملكك مفخرا

وقال:

فمن مثله في الفضل والبأس والندى

حليف العلا من كان في الفضل أوحدا

له بسطتا فضل وفصل على العدى

وآباؤه الغر الكرام أولو الهدى

من السنة الغراء ما قد تأودا

إذا ريم خسفا وجهه يتربدا

أخو همة في شامخ العز قد علت

أبو المجد وابن المجد والمجد أصله

إمام همام باسل باذخ العلا

فأكرم به فرعا سلالة مقرن

لقد نصروا دين الإله وقوموا

هو الأسد الضرغام والضيغم الذي

ص: 398

بوطأته الأعدا ومن كان ملحدا

لقد أمن الله البلاد وأهلها

وقال:

من آلة للحرب أو متمول

جعل الخلافة في الإمام الأعدل

كل النفوس على إمامة فيصل

لا تحسب الملك القصور وما حوت

بل مالك الملك الإله وإنه

جمع الإله له القلوب فأجمعت

وقال:

وطاب له في العالمين أروم

نماه إلى أعلى الفخار صميم

لهم مكرمات جمة وحلوم

له بين سكان البلاد رسوم

إمام حوى كل المكارم والعلا

له نسب في وائل بن ربيعة

تفرع من صيد الملوك الذين هم

هم نصروا دين الهدى بعد أن عفت

لخير الورى منها العظام رميم

فعاد كريم الأصل وهو كريم

إذا شب من نار الحروب جحيم

وأحيوا بأطراف الأسنة سنة

وقد ورثوا المجد الأثيل لفيصل

هو الضيغم الضرغام في كل معرك

وما أحسن ما قيل:

تلقاه عن أسلافه السادة الغر

وفيصل في ذا العقد واسطة الدر

وترفل في ثوب الجلالة والفخر

له في سرير الملك أصل مؤثل

هم العقد من أعلى اللآلئ منظما

غدت أرض نجد منه تزهو ملاحة

وهو أشهر من أن يذكر. وكان له رحمه الله تعالى سر مع ربه، يلتجئ به إليه في الشدائد، وثقة به في كل نازلة يرجوه ويعول عليه. وكان قد حفظ القرآن عن ظهر قلبه

ص: 399

صغيرا، وحافظ على تلاوته والتهجد به شابا وكبيرا.

وله الحظ الأوفى من الليل والقيام فيه، وكثرة التضرع والابتهال بين يدي بارئه; وكم حامت عليه الحوائم، وجلت الخطوب، فيعجل الله له بالفرج القريب، ويجعل له المخرج العجيب.

كان قضاته على الرياض ومدرسوه: الشيخ عبد الرحمن بن حسن، وابنه الشيخ عبد اللطيف، والشيخ علي بن حسين، وابنه الشيخ حسين، والشيخ إبراهيم بن سيف، والشيخ عبد العزيز بن شلوان، والشيخ عبد الرحمن بن عدوان، والشيخ عبد العزيز بن صالح المرشدي، وعبد الرحمن بن بشر.

وقاضيه على بلد عرقة: الشيخ محمد بن سلطان، وعلى منفوحة: الشيخ عبد الله بن جبر، وعلي ضرمى: الشيخ عبد الله بن نصير، ثم الشيخ عبد الله بن مرخان، وعلى المحمل: الشيخ محمد بن مقرن، ثم الشيخ عبد العزيز بن يحيى، وعلى سدير: الشيخ عبد العزيز بن عبد الجبار، ثم عثمان بن منصور، ثم الشيخ عبد العزيز بن صالح المرشدي.

وعلى الوشم: الشيخ إبراهيم بن عيسى، وعلى الحوطة: الشيخ علي بن حسين ثم الشيخ عبد الملك بن حسين، وعلى الحريق: الشيخ حسين بن حمد، وعلى نعام: الشيخ محمد بن عجلان، وعلى الحلوة: الشيخ ناصر بن

ص: 400

عيد، وعلى الخرج: الشيخ عبد الرحمن بن حسين، ثم الشيخ حمد بن عتيق، ثم الشيخ محمد بن عجلان.

وعلى الإفلاج: الشيخ حسين بن فرج، ثم رشيد بن عوين، ثم الشيخ حمد بن عتيق، وعلى وادي الدواسر: جمعان بن ناصر، ثم ناصر بن عيد، ثم الشيخ حمد بن عبد العزيز، ثم الشيخ محمد بن محمود، وعلى القويعية: علي بن فراج، ثم الشيخ سعود بن محمد.

وعلى بريدة: سليمان آل مقبل، وعلى عنيزة: الشيخ عبد الله أبا بطين، ثم الشيخ علي بن محمد، وعلى حائل: الشيخ محمد بن إبراهيم بن سيف، ثم الشيخ علي بن سليم، ثم الشيخ الغنيمي، وعلى الأحساء: الشيخ محمد بن عبد القادر، ثم الشيخ عبد الله الوهيبي، ثم الشيخ عبد الرحمن الوهيبي، ثم عبد اللطيف آل مبارك.

وكان يخلف في الرياض أميرا: سعد بن خير الله، وأميره على عرقة: محمد الهلالي، ثم ابنه عبد العزيز، وعلى الدرعية: إبراهيم بن رواف ثم إبراهيم الطويل، وعلى ضرمى: محمد بن عبد العزيز، ثم علي بن عبد الله بن عبد العزيز، وعلى الخرج: سليمان بن منديل، ثم ابنه الأمير سعود بن الإمام فيصل، ثم محمد بن سنبل.

وعلى الحوطة: محمد الجبر، ثم أخوه عثمان، وعلى آل حسين: ناصر بن عبد الله، ثم رشيد بن حمد، وعلى

ص: 401

الحريق: تركي الهزاني، ثم ابنه سعد، وعلى الحلوة: إبراهيم بن خريف، وعلى الإفلاج: ابن عبيد الله، ثم عبد الرحمن بن إبراهيم، وعلى وادي الدواسر: ناصر بن عيد، ثم عبد الرحمن بن إبراهيم، وعلى القويعية: ناصر بن سعود، ثم حمد بن جبرين، وعلى الشعيب والمحمل: فيصل بن مبارك في حريملاء، وسعد بن محمد في ثادق، وعلى سدير: إبراهيم العسكر، وعلى الوشم: محمد الجميح، وعلى الشعراء: سعد بن سعود، وعلى بريدة: عبد العزيز آل محمد، ثم مهنا بن عرفج.

وعلى عنيزة: جلوي بن تركي، ثم يحيى بن زامل آل سليم، وعلى حائل: عبد الله الرشيد، ثم طلال الرشيد، وعلى الأحساء: أحمد السديري، ثم ابنه محمد، وعلى عمان: سعد المطيري، ثم أحمد السديري، ثم ابنه تركي، وعلى القطيف: عبد الله المداوي، ثم محمد بن مرشد، ثم محمد بن عبد العزيز صاحب ضرمى.

وكان رحمه الله آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، محبا للعلماء، ومجالستهم، وكان على طريقة آبائه في تعاهد الرعية بالنصائح.

توفي رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى، في رجب سنة 1282?، في بلد الرياض، ورثاه جمع منهم الشيخ أحمد بن مشرف:

ص: 402

بكينا بدمع مثل صوب الغمائم

بسمر القنا والمرهفات الصوارم

وأفنى رؤوسا منهم في الملاحم

ويرميهم في حربه بالقواصم

تغير بنجد خيله والتهائم

وأصبح عرش الملك عالي الدعائم

وما زال ينهى عن ركوب المحارم

سماحا ويعفو عن كثير الجرائم

فحاز الثنا من عربها والأعاجم

وأسكنه الفردوس مع كل ناعم

على فيصل بحر الندى والمكارم

إمام نفى أهل الضلالة والخنى

فكم فل من جمع لهم جاء صائلا

يجر عليهم جحفلا بعد جحفل

فما زال هذا دأبه في جهادهم

إلى أن أقيم الدين في كل قرية

وأخلى القرى من كل شرك وبدعة

ويعطي جزيل المال محتقرا له

مناقب جود قد حواها جبلة

تغمده المولى الكريم برحمة

الشيخ محمد بن مقرن رحمه الله تعالى

هو العلامة الشهم الفقيه النبيه، ذو العقل الفائق، والرأي الصائب الرائق، الشيخ الفاضل: محمد بن مقرن بن سند بن علي بن عبد الله بن فطاي الودعاني، الدوسري القحطاني.

نشأ في بلد القرينة; وأخذ العلم عن الشيخ: عبد الله بن الشيخ محمد، وغيره من علماء الدرعية وغيرهم وحصَّل; وكان فطنا مستيقظا، له عقل راجح، ورأي وشهامة وسماحة، وحسن خلق؛ استعمله الإمام سعود قاضيا في بلدان المحمل.

وفي بعض الأوقات يرسله في نواحي مملكته؛ فأرسله

ص: 403

مرة قاضيا في عمان، فنفع الله به، وأصلح الله عمان على يديه، ثم أرسله قاضيا لجهة اليمن وغير ذلك. ثم في ولاية الإمام تركي أرسل إليه وأقامه عنده، ثم جعله قاضيا في ناحية المحمل؛ ثم لما ولي عبد الله بن ثنيان إمارة نجد مضى عنده، فلا يسلك جهة إلا وهو معه.

فلما قدم الإمام فيصل، وذهب الشقاق عن المسلمين، أكرمه، وأرسله قاضيا في الأحساء في وقت الموسم، فمرض بحمى، ولم يزل محموما سقيم البدن، حتى توفي رحمه الله.

أخذ عنه العلم جماعة من أهل النواحي، وأهل المحمل، منهم الشيخ: عبد الرحمن بن عدوان، والشيخ عبد الرحمن بن عزاز، والشيخ عبد العزيز بن يحيى، وغيرهم؛ وله أجوبة، توفي رحمه الله سنة 267?.

الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله

هو الإمام العالم العلامة، الحبر البحر الفهامة، مفيد الطالبين، مرجع الفقهاء والمتكلمين، المحفوف بعناية رب العالمين، العالم الرباني والمجدد الثاني، جامع أنواع العلوم الشرعية، ومحقق العلوم الدينية، والأحاديث النبوية، والآثار السلفية، وارث العلم كابرا عن كابر.

رجع العلم به غضا بعد أن كان دابرا، وظاهرا بعد أن كان غابرا، مفتي فرق الأنام،

ص: 404

ناصر شريعة سيد الأنام، الموفق للصواب في الجواب، شيخ الإسلام، الشيخ: عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

ولد سنة 1196?، في بلد الدرعية، وشب بها، وأخذ العلم عن جده الشيخ: محمد، وعمومته، الشيخ: عبد الله، والشيخ علي، والشيخ حسين; وعن الشيخ حمد بن ناصر بن معمر، والشيخ عبد الله بن فاضل; وقرأ على الشيخ: عبد الرحمن بن خميس، في الفرائض، وفي الجزرية على أحمد بن حسن الحنبلي، وشرح الفاكهي على المتممة في النحو على الشيخ حسين بن غنام.

وأخذ العلم أيضا عن علماء مصر، إذ كان ثم مع أعمامه، ومن فضلائهم الشيخ حسن القويسيني، والشيخ عبد الله سويدان، والشيخ عبد الرحمن الجبرتي; وأخذ العلم عن مفتي الجزائر: محمد بن محمود الجزائري الحنفي، وقرأ على الشيخ إبراهيم العبدي، شيخ مصر في القراءات، قرأ عليه أول القرآن.

وقرأ على الشيخ أحمد سلمونه كثيرا من الشاطبية وشرح الجزرية، وقرأ على الشيخ يوسف الصاوي والشيخ إبراهيم البيجوري شرح الخلاصة؛ وأجازه جماعة من المحدثين. وأخذ العلم أيضا عن جماعات سوى هؤلاء المذكورين.

وكان رحمه الله: له اليد الطولى في الأصول

ص: 405

والفروع، حتى لم يكن في زمانه أفقه ولا أورع ولا أزهد ولا أتبع للسنة منه. وكان من الجبال التي لا ترتقى ذروتها، ولا ينال سنامها، ومن أكابر السلف وأعلامها، غزير الفضل، كامل العقل، شديد التثبت، حسن السمت، إماما في جميع الفنون الدينية، معرضا عن الدنيا وأهلها، هينا لينا شجاعا مهيبا، متواضعا محبا للطلبة والمساكين، حسن الخلق والخلق، جوادا سخيا كثير العبادة والتضرع والدعاء، كان النور يخرج من وجهه. عن الدنيا ما كان أصبره، وبالسلف ما كان أشبهه، وبالصالحين ما كان ألحقه; اختصه الله بنصر دينه، والقيام بحفظ سنته، ورضيه لإقامة حجته، قام مقام نبوة، واشتهر ذكره وانتشر، وأجمع على إمامته في الدين أهل نجد والأمصار، وشاع صيته في الأقطار وشمائله.

وما قال الأئمة في مدحه كثير، قال الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن مانع رحمه الله:

بعيد عن الأدناس ناء عن الكبر

أشد لدى هتك الحدود من النمر

وأسقى غراس العلم في سائرالعمر

وفي بحثه التوحيد نادرة العصر

وكل فنون العلم أربى على البحر

فلا يبعدنك الله من شيخ طاعة

قوي بأمر الله شهم مهذب

تجرد للتدريس والحفظ دائبا

ففي الفقه والتفسير بحر غطمطم

وفي النحو والتأصيل قد صار آية

ص: 406

يزيح به الإشكال عن مرتج الفكر

بتحقيق أبحاث أدق من الشعر

غدابين تلك الكتب كالكوكب الدر

من الملحدين المعتدين أولي الغدر

يجيب على الفتيا جوابا مسددا

فيضحى عويص المشكلات موضحا

فسل عنه في التوحيد تهذيبه الذي

وفي رده تشبيه كل مشبه

****

جلاها كما يجلى دجى اللبل بالفجر

تصانيفه في كل مصر وفي كل قصر

وغرره ما لفقوه من الهذر

فراح ابن جرجيس على الذل والصغر

ودحض فولى بالبوار وبالخسر

وفضل إله العرش يسمو على الحصر

ولكن ذا نزر يدل على الغمر

إذا مبطل يأتي بتزويق شبهة

ففي كل إقليم له الرد فانتهت

ولما طغى علج العراق بجهله

رماه كما يرمى الرجيم بثاقب

وباء ابن منصور بإرغام حجة

وفي كل معنى وفي الله قسمة

ولست بمحص بعض تعداد فضله

وقال الشيخ أحمد بن علي بن مشرف بعد ثنائه على الشيخ محمد:

بنور الهدى يهدي فمن ذا يعادله

فيبطل تمويهاته ويناضله

كذا عابد الرحمن أعني حفيده

ينافح عن دين الهدى كل مبطل

وقال:

أكرم به من عالم وإمام

زين لأهل العلم والحكام

ندت وقاد صعابها بزمام

ونحا طريقة الإمام حفيده

أعني بذلك شيخنا علم الهدى

قد رد من كل العلوم شواردا

ص: 407

وأذل من أضحى ألد خصام

كم أيقظوا من معشر نوام

فلقد كفى وشفى بتصنيفاته

فهم دعاة الدين بل أنصاره

وقال:

أتاه بتيار من العلم كالبحر

بنور هدى يجلي الغياهب كالفجر

فعالمنا بين الكواكب كالبدر

إذا مبطل أجرى من الجهل جدولا

فجلى ظلام الجهل والشك والعمى

لئن كان أهل العلم كالشهب في السما

وقال الشيخ عثمان بن بشر: هو العالم النحرير، والبحر الزاخر الغزير، مفيد الطالبين، وافتخار العلماء الراسخين، ومرجع الفقهاء والمتكلمين، المحفوظ بعناية رب العالمين، عمدة السلف وبقية الخلف، جامع أنواع العلوم الشرعية، ومحقق العلوم الدينية، والأحاديث النبوية، والآثار السلفية، مفتي فرق الأنام، ومؤيد شريعة سيد الأنام.

[مصنفاته ومكانته وتلاميذه]

وقال الشيخ إبراهيم بن عيسى: هو الإمام العالم الفاضل القدوة، رئيس الموحدين، وقامع الملحدين، كان إماما بارعا محدثا فقيها، ورعا تقيا نقيا صالحا، له اليد الطولى في جميع العلوم الدينية؛ وكان ملازما للتدريس، مرغبا في العلم، معينا عليه، كثير الإحسان للطلبة، لين الجانب، كريما سخيا، ساكنا وقورا، كثير العبادة.

ولو تتبعنا محاسنه وفضائله لطال المقام، وله مصنفات شهيرة مقبولة، منها:

ص: 408

1-

كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد.

2-

قرة عيون الموحدين حاشية على التوحيد.

3-

كشف ما ألقاه إبليس، على داود بن جرجيس 1 مجلد; ورد عليه أيضا غيره.

4-

كتاب في الرد على عثمان بن منصور مجلد.

5-

وله الرد والودع على داود أيضا.

6-

مشاركة مع عمه الشيخ عبد الله، في رده على الزيدية.

7-

اختصر قطعة من العقل والنقل.

8-

تفسير الفاتحة.

9-

مختصر تفسير قل هو الله أحد. وله ردود مختصرات على ابن منصور وغيره، وأجوبة مفيدة، ورسائل ونصائح عديدة، أكثر من مجلد، فرقناها في مواضعها على حسب الترتيب. وبالجملة: فهو رئيس قضاة المسلمين، وانتفع بعلمه الفئام.

فممن أخذ عنه العلم من القضاة والعلماء، من ذريته وذرية أعمامه: ابناه الشيخ عبد اللطيف، وإسماعيل، والشيخ عبد الله بن عبد اللطيف، والشيخ حسن بن حسين بن الشيخ، والشيخ عبد الرحمن بن حسين، وابنه عبد العزيز، والشيخ عبد الملك وابنه إبراهيم

1 والمسمى بالقول الفصل النفيس.

ص: 409

والشيخ حسين بن حمد بن حسين، والشيخ حسين وحسن ابنا علي بن حسين، والشيخ عبد الله بن حسن بن حسين، والشيخ عبد الله بن محمد بن علي، وأبناء الشيخ علي بن الشيخ، وغيرهم ممن لم يل القضاء خلق. وأخذ عنه من القضاة والفقهاء: الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن بشر، والشيخ عبد العزيز بن صالح بن مرشد، والشيخ محمد بن عبد الله بن سليم، والشيخ محمد بن عمر بن سليم، والشيخ صالح بن محمد الشثري، والشيخ زيد بن محمد آل سليمان، والشيخ عبد العزيز بن شلوان، والشيخ علي بن عبد العزيز بن سليم; والشيخ إبراهيم بن عيسى وابنه أحمد، والشيخ علي بن عبد الله بن عيسى، والشيخ عمر بن محمد بن يوسف، والشيخ عبد الرحمن بن محمد بن مانع، والشيخ عبد الله الخرجي، والشيخ عبد الله المخضوب، والشيخ مرشد، والشيخ محمد بن علي بن موسى، والشيخ عبد العزيز بن فرحان، والشيخ عيسى بن إبراهيم الشثري، والشيخ عيسى الزير، والشيخ الصيرامي، والشيخ حمد بن فارس، والشيخ عثمان بن عبد الجبار، والشيخ عبد الله بن نصير، والشيخ ناصر بن عيد، والشيخ محمد بن سلطان، والشيخ عبد الرحمن بن حمد الثميري، والشيخ حمد بن عتيق، والشيخ عبد الله بن

ص: 410

جبر، والشيخ محمد بن إبراهيم بن سيف، والشيخ عبد العزيز بن حسن بن يحيى، والشيخ محمد بن إبراهيم بن عجلان، والشيخ عبد الله بن علي بن مرخان، والشيخ حمد بن عبد العزيز، والشيخ عبد الرحمن بن عدوان، وغيرهم ممن ولي القضاء.

وأما من أخذ عنه ممن تأهل ولم يل القضاء فخلق كثير لا يحصى، نفع الله الطالب بحسن تعليمه، بحيث لا يلبث إلا يسيرا حتى يكون فائقا. ضربت إليه آباط الإبل من جميع نواحي نجد والأمصار، وظهرت آثار البركة من تعليمه، وبذل نصحه للأئمة، ولسائر الأمة، وكان مشهورا بالكرم، وحسن الخلق، وحسن الدعوة، والغيرة لله ولدينه، والقيام بذلك علما، وعملا. وكان يتفقد طلبة العلم والفقراء، ويبذل لهم مما خوله الله مع تعفف مشهور.

وفضائلة ومحاسنه ومناقبه أشهر من نار على علم; فرحمه الله وجزاه عن الإسلام والمسلمين أحسن الجزاء; فلقد بذل نفسه لله، وفي ذات الله، لا تأخذه في ذلك لومة لائم، ولا عذل عاذل; وألقي عليه من المهابة والجلالة والبهاء، ما لا يعرف لغيره.

توفي رحمه الله تعالى وقدس روحه ونور ضريحه، في 8 من ذي الحجة، سنة 1285?، وصلى عليه بعد طلوع

ص: 411

الشمس في مسجد العيد، وحضر جنازته خلائق لا يحصون، وأصاب المسلمين بموته من الحزن والبكاء والتوجع، حتى ربات الخدور، حصل لهن من الفزع والحزن ما يعز وصفه; ولم يصب المسلمون بمصيبة أعظم من مصيبته، وجاءت التعازي من جميع النواحي.

قال الشيخ: عبد الرحمن بن محمد بن مانع:

وفوض بتسليم مع الحمد والشكر

ونعم الدرع الصبر في العسر واليسر

مشيع بما يهدي إلى المسمع الوقر

بماذا ينادي والفؤاد على جمر

بأن إمام الدين أوفى على العمر

لفيه الحصى ماذا يقول من الشر

وهيل عليه الترب من جانب القبر

وحرك أشواقا بها عيل من صبري

تردّ رداء الصبر في حادث الأمر

فنعم احتساب المرء في حال رزئه

لقد ساءنا ما جاءنا من مبلغ

فصخت له سمعا وألححت سائلا

فقيل ينادي أخطأ الله شره

فقلت نعي جاء من نحو داره

فقال سراج الدين أصبح ثاويا

فأزعج من ألبابنا كل ساكن

* * *

وأن الفضا مما بنا صار كالشبر

حيارى كأيتام أصيبوا على صغر

ويا عبرتي خلي غروب الأسى تجري

سعير حريق القلب أو أنة الصدر

بعيد عن الأدناس ناء عن الكبر

وأيقنت أن الأرض مادت بأهلها

لقد ظل أهل الحق من بعد موته

فيا مهجتي حقا عليه تفتتي

ويا أضلعي لا تسأمي إن تصدعت

فلا يبعدنك الله من شيخ طاعة

ص: 412

رفيق لدى الإفتا لطيف لدى النجا

رقيق لدى النجوى إلى عالم السر

وأطال في الثناء عليه ثم قال:

ويثني به القاري ويدعو له المقري

لخلد نحرير الهدى سائر الدهر

لزدناه من وقت به منتهى العمر

لسمنا نفوسا تحت راياتها الخضر

بأعناقنا لا تفديها من الأسر

وموت أهيل العلم قاصمة الظهر

فلهفي على أهل النهى الجلة الطهر

ونقل خيار الناس من جملة النذر

ويجبر منا ما تصدع من كسر

رحيم ودود قد تفرد بالأمر

عسى يحيى ذكراه لنا بعد فقده

فلو كان يبقى بالفضائل فاضل

أو الأجل المحتوم يدفع برهة

أو الحتف تدفعه جنود وجحفل

ولكن أطواق المنايا قلائد

لقد بان فينا النقص من بعد موته

فكان كسلك قد وهى من نظامه

فهذي علامات القيامة قد بدت

فنرجو إله العالمين يثيبنا

ويسكنهم في جنة الخلد إنه

الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمهما الله

هو الإمام العالم العامل، الحبر العلم الكامل، سيد أهل الإسلام في زمانه، وقطب فلك الأنام في أوانه، أوحد البلغاء، بدر الفصحاء، خصه الله بالفضل والشهامة والشجاعة، طنت بذكره الأعصار، وضنت بمثله الأمصار، أخذ بمجامع الحقائق النقلية والعقلية، سيف السنة المسلول، حاوي المعقول والمنقول، البليغ المصقع، واللوذعي البلتع، الفاضل الفصيح، المجاهد النصيح، أبو

ص: 413

عبد الله الشيخ عبد اللطيف بن الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

ولد في بلد الدرعية سنة 1225? ونشأ بها وقرأ القرآن فيها إلى أن بلغ ثماني سنين، ونقل مع والده وأعمامه وحمولته لمصر، وأخذ العلم فيها عن والده وعميه، الشيخ عبد الله والشيخ إبراهيم، وهم إذ ذاك بمصر، وأخذ عن عمه الشيخ علي بن الشيخ، وخاله الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ عبد الله، والشيخ أحمد بن رشيد الحنبلي.

وأخذ عن علماء مصر، منهم: الشيخ مفتي الجزائر، محمد بن محمود بن محمد الجزائري; والشيخ إبراهيم البيجوري شيخ الأزهر، والشيخ مصطفى الأزهري، والشيخ حمد الصعيدي وغيرهم من العلماء، وأجازه جماعة، وبرع حتى صار إماما في جميع الفنون؛ لم ير شخص له من الكمال في العلوم والصفات الحميدة التي لم يحصل بها الكمال لسواه.

فإنه رحمه الله: كان كاملا في صورته ومعناه، من الحسن والإحسان، والحكم والسؤدد، والعلوم المتنوعة، والأخلاق الجميلة، والأمور المستحسنة، التي لم تكمل من غيره، وقد علم من كرم أخلاقه، وحسن عشرته، وهيبته وجلالته، ووفور حلمه، وكثرة علمه، وغزير فطنته، وكمال مروءته ودوام بشره، وعزوف نفسه عن الدنيا

ص: 414

وأهلها، والمناصب لأربابها، ما قد عجز عنه كبار الأكياس، ولا يظن أن يدركه أحد من الناس.

أدرك مقام الأئمة الكبار، وناسب قيامه من بعض الأمور مقام الصديقين. وأما شجاعته فبها تضرب الأمثال، وببعضها يتشبه الأكابر الأبطال؛ فلقد أقامه الله في نصرة دينه، والتقاء أعباء الأمر بنفسه; وقام وقعد، وعزل ونصب، واجتمع بالملك وشجعه، ومرة أخافه وأرعبه، وله حدة قوية، وإقدام وشهامة، وقوة نفس، يضرب بها المثل، وفيه مروءة، وقيام مع الناس، وسعي في مصالحهم. لم ير أزهد منه عن الدنيا، والدرهم لا يذكره، ولا أظنه يدور في ذهنه، وكان كثيرا ما يتمثل بهذه الأبيات:

وهو المؤمل في الضراء والباس

فلا تكلني إلى خلق من الناس

وجهي المصون ولا تخضع لهم راسي

رزقي وصني عمن قلبه قاسي

بحسن صنعك مقطوعا عن الناس

يا من له الفضل محضا في بريته

عودتني عادة أنت الكفيل بها

ولا تذل لهم من بعد عزته

وابعث على يد من ترضاه من بشر

فإن حبل رجاثي فيك متصل

قد شاعت مناقبه ومحاسنه في الورى، وأثنى عليه علماء نجد والأمصار، ودار في ساثر الأقطار، فقال ابنه الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف: لما رأيت أهل الفهم

ص: 415

والذكاء لم يتعرضوا لرثي شيخ الإسلام، وقدوة العلماء الأعلام، علامة دهره ووحيد عصره، الوالد الشيخ عبد اللطيف، ثبت الله حجته، أحببت أن أبذل وسعي في ذلك، وإن كنت لست من رجال ذلك الميدان، ولكن يستأنس بالمثل: كم ترك الأول للآخر، وكم زل من ذكي ماهر، وقلت مستعينا بالله شعرا:

وقد كان لي في عهدها بالهدى عهد

وأنوار هذا الدين من أفقها تبدو

ولاح لنا من وجهها القمر الفرد

فكل مقال لا تقرره رد

فإن كل ما يبني من الأمر منهد

وحصباؤها در وأمواهها شهد

به ارتفع الإسلام وانهزم الضد

وقد مس أهل الزيغ في بأسهم حد

لدن غاب من آفاقها الطالع السعد

لقد أظلمت من كل أرجائها نجد

وكنا وأهلوها على خير حالة

وقد ساعدت ليلى وطاب وصالها

بها قام سوق للشريعة عامر

وكل إمام لا ينفذ أمرها

فصحراؤها روض تفتق زهره

فلله عصر قد مضى في حمائها

صحبناهم والدهر مسترخ رواقه

لقد حل بالسمحا من الخطب فاظع

*****

عبد اللطيف العالم الأوحد الفرد

لما قاله في السالف العالم المجد

أم الفتنة الظلماء قد أقبلت تعدو

فأظلمت الآفاق إذ أظلمت نجد

إمام التقى بحر الندى علم الهدى

فمذ غاب عن عيني تمثلت منشدا

الليل غشى الدنيا أم الأفق مسود

أم السرج النجدية الزهر أطفئت

ص: 416

وضعضع ركن للهدى فهو منهد

ومن دونها النسران والنجم والسعد

وأحمد والنعمان والليث والمجد

مليك جليل القدر تعفو له الأسد

طوالعها لا يستطاع لها جحد

وكم من هدى أبداه إذ أشكل الرد

نعم كورت شمس الهدى وبدا الردى

حليف المعاني قد رقى ذروة الهدى

وعلامة ما الشافعي ومالك

يرى في ثياب النسك حبرا كأنه

فسائل به آيات مجد شواهدا

فكم من ضلال تصدى لرده

* * *

عليك سلام الله ما سبح الرعد

به من قبلك الأب والجد

أناس رعاهم قبلك الذيب والفهد

وكيف يقادالجيش والجرد والجند

يرام له إرث وإن عظم الجد

إمام سما في العلم ليس له ند

وقد عز من دهر تقادم أن يبدو

وأن إله الحق في حكمه فرد

وكادت إلى فوق السماكين تعتد

يفوح به من طيبه المسك والورد

إلى شرف العليا فحق له المجد

فيا أيها الحبر الذي كان حجة

بنيت بناء للشريعة قد سما

وأسست هذا الدين حتى سما به

وأنبأتهم كيف السياسة والعلا

فأورثتهم مجدا وما كان مثله

حظوظ بميراث النبي أشادها

أعاد لنا نهج الشريعة واضحا

وجلى لنا أسرار شرعة أحمد

فجرت به نجد ذيول افتخارها

حديث رسول الله إن جاء درسه

محاسن من دنيا ودين سما بها

ص: 417

وقال الشيخ عبد القادر البغدادي الحنفي:

يوم الجزاء بأجر غير ممنون

في الشرق والغرب من نجد إلى الصين

بديع در عزيز القدر مكنون

عبد اللطيف جزاه الله خالقنا

هو الهمام الذي شاعت فضائله

بحر من العلم يبدي من معارفه

حما طريق رسول الله عن شبه

إلخ..

وقال الفاضل علي أفندي المدرس بمدينة البصرة:

ودها الشرك والعناد زوال

بعد ما كان دونها ظلال

من سما الحق عارض هطال

الإمام المهذب المفضال

من عنده تنتهي الآمال

هو بحر للعلم بحر زلال

لاح نور الهدى وزال الضلال

وتجلت شمس الكمال عيانا

ورياض التوحيد جاد رباها

وبدا الجهبذ المحقق للحق

والهزبر الهمام والعالم النحرير

ذاك عبد اللطيف كنْز المعالي

وقال الشيخ أحمد بن مشرف الأحسائي:

إمام هدى بالعلم تزهو محافله

وعبد اللطيف الحبر لا تنس فضله

وقال الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن مانع:

سواه ولم يبلغ سناها ذوو الصدر

فأضحت بعيد الطي توصف بالنشر

إذا ما انتدى للقوم في محفل الذكر

مصيب ولم يثن اللسان على هجر

فتشفي أوام الصدرعن مغلق الحصر

سما رتبة في العلم لم يتصل بها

فأنعش بعد الدرس بالدرس ميتها

فكان أحق الناس في قول من مضى

إذا قال لم يترك مقالا لقائل

وأقلامه تجري على متن طرسه

ص: 418

أزاح له الإشكال بالسبر والخبر

فراح بها يدري وقد كان لا يدري

ويمنح أهل العلم من سيبه الغمر

لدين الهدى فانضاح في البر والبحر

وإن طالب يأتيه يبغي إفادة

وأنهله من بحره الجم نهلة

فلا زال يولي الطالبين من الهدى

يجدد منهاج الأئمة جددوا

وقال الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن طوق:

قوي جليد لم يروعه غاشمه

جلت ليله أقلامه وعزائمه

يقصر عنها تبع وصوارمه

حسام الهدى ممن يعاديه قاصمه

ومن ذا هزبر هيبة فيكالمه

يكاد جهول قال للغيب عالمه

ولا كرم إلا حوته مكارمه

من الناس إلا فوق تلك عزائمه

هزبر إذا ما قام لله داعيا

فكم ليل أشكال بتلبيس مبطل

له فتكات بالحديث على العدى

وتروى به جرد الشريعة منتضى

فلا تنطق العوراء يوما بناده

له حدس من دونه حدس أكثم

فما الجود إلا صورة في أكفه

ولا فتكة أو عزمة لابن حرة

وقال الشيخ سليمان بن سحمان:

إمام هدى قد كان لله داعيا

وثقلا على الأعداء عضبا يمانيا

وحل رواق المجد إذ كان عاليا

بنته عداة الدين من كان طاغيا

ويحمي حماها من شرور الأعاديا

بما فاق أبناء الزمان تساميا

فعبد اللطيف الحبر أوحد عصره

لقد كان فخرا للأنام وحجة

إماما سما مجدا إلى المجد وارتقى

تصدى لرد المنكرات وهد ما

فأضحت به السمحاء يبسم ثغرها

حباه إله العرش في العلم والنهى

ص: 419

ولم يأل في رأب اللثا والمناهيا

وقد جد في ذات الإله بجهده

وقال:

وسد ينابيع الغواة الأخاسر

وتأسيس أصل الدين سامي الشعائر

وقمع لمن ناواه من كل غادر

وتحذيره عنهم بكل الزواجر

تؤول إلى رفض الهدى من مقامر

أولي العلم والحلم الهداة الأكابر

إلى الله من قد ند من كل نافر

قلوبا لعمري مقفلات البصائر

لقد جد في نصر الشريعة والهدى

وإعلاء دين الله جل ثناؤه

وإحيائه بعد الدروس ونشره

وإبعاد أعداء الهدى وجهادهم

وقد رد بل قد سد كل ذريعة

قفا إثر آباء كرام أئمة

ببذلهمو للجد والجهد في الدعا

فكم فتحوا بالعلم والدين والهدى

وقال في أثناء قصيدة له ذكر فيها وثبته على ابن جرجيس:

وجهبذ ألمعي فاضل فطن

غربا وشرقا ومن بصرى إلى عدن

في العلم فيما علمنا من بني الزمن

من العراق أتت عن خانع عشن

وقاد ذهن ذكي ليس باللكن

ملفقات لأهل الغي والدرن

يسمو بها حيث يحمي حوزة السنن

من ضيغم باسل حبرا أخي ثقة

عبد اللطيف الذي شاعت مناقبه

ما مصقع بلتع حاذاه أو علم

فانظر صواعق علم أحرقت شبها

جواب حبر هزبر حازم يقظ

أوهى به ما بنى داود من شبه

فالله يعليه في الفردوس منْزلة

[مصنفاته]

ولو تتبعنا سيرته ومحاسنه، وما أثني به عليه لبلغ مجلدا; وله رحمه الله مصنفات عديدة منها:

ص: 420

1-

كتاب مصباح الظلام، في الرد على عثمان بن منصور، مجلد.

2-

كتاب منهاج التأسيس، في كشف شبهات داود بن جرجيس، مجلد.

3-

كتاب البراهين الإسلامية في الرد على شبهات الفارسية.

4-

كتاب تحفة الطالب والجليس في الرد على داود بن جرجيس.

5-

رسائل عديدة وأجوبة مفيدة تبلغ مجلدا، جمع أكثرها الشيخ سليمان بن سحمان، وقال: لقد اشتملت على أصول أصيلة ومباحث جليلة، لا تكاد تجدها في كثير من الكتب المصنفة، والدواوين المشهورة المؤلفة، إذا سرح العالم نظره فيها علم أن هذا الإمام قد حاز قصب السبق في الفروع والأصول، واحتوى منه على ما سمق وسبق به الأئمة الفحول. وشرع في شرح كتاب الكبائر، وشرح النونية، فاخترمته المنية.

فرحمه الله من إمام بلتع، وفاضل فصيح مصقع؛ فلقد تبحر في جميع فنون العلم، وهذه رسائله تطلعك على ما هنالك، وثواقب علومه يهتدي بها السائر عن سلوك معاطب المهالك.

ص: 421

ولم يأل جهدا في ارتفاع ذراها

عن السنة الغرا ورام خفاها

رسائله اللاتي أضاء ضياها

وأعشى عيون الملحدين سناها

لأسئلة قد أشكلت فجلاها

نبوق عبير المسك طيب شذاها

بفيح 1 معانيها وشاو ذراها

وإن قد تسامى للعلا فعلاها

فقد قام في نصر الشريعة جاهدا

ورد على من ند من كل ملحد

وقد شيدت أركان سنة أحمد

فأشرق منها الحق للخلق ناصعا

وأجوبة تسمو وتسمق بالهدى

يضوع لأهل الحق منها نواشر

إذا أرسل النحرير ثاقب فكره

أقر له بالفضل والعلم والحجى

وجميع رسائله وأجوبته، ومختصرات ردوده، فرقناها في مواضعها، على حسب الترتيب.

[تلاميذه]

أخذ عنه العلم خلائق لا يحصون، منهم أبناؤه: الشيخ عبد الله، والشيخ إبراهيم، والشيخ محمد وعبد العزيز، وأخوه إسحاق، والشيخ حسن بن حسين بن علي، والشيخ عبد العزيز بن محمد بن علي، والشيخ حسن بن علي، والشيخ إبراهيم بن عبد الملك، والشيخ عبد الله بن حسن بن حسين بن علي، وعبد العزيز بن عبد الرحمن بن حسين، والشيخ ناصر بن حسين، والشيخ إسماعيل بن عبد الرحمن، والشيخ سليمان بن عبد الرحمن بن حسين، والشيخ حمد بن عتيق، والشيخ سليمان بن سحمان،

1 كذا بالأصل.

ص: 422

والشيخ علي بن عيسى، والشيخ أحمد بن عيسى، والشيخ إبراهيم بن عيسى، والشيخ عثمان بن عيسى، والشيخ عبد العزيز بن حسن، والشيخ حمد بن عبد العزيز; والشيخ محمد بن محمود، وحمد بن فارس، والشيخ عبد الرحمن بن عدوان، والشيخ عبد الرحمن بن مانع، والشيخ محمد بن عبد الله بن سليم، والشيخ محمد بن عمر بن سليم، والشيخ علي بن سليم، والشيخ عبد الله بن محمد بن مفدى، والشيخ صالح الشثري، والشيخ عبد العزيز بن صالح المرشدي.

والشيخ صالح بن قرناس، والشيخ محمد بن إبراهيم بن سيف، والشيخ عمر بن يوسف، والشبخ عبد العزيز الصيرامي، والشيخ عبد الله بن حسين المخضوب، والشيخ محمد بن خميس، والشيخ عبد العزيز بن عبد الجبار، والشيخ عبد الله بن جريس، والشيخ عبد العزيز بن شلوان، والشيخ عبد الرحمن الوهيبي، والشيخ عبد الله بن محمد الخرجي، والشيخ حسين بن تميم، والشيخ أحمد الرجباني، والشيخ أحمد بن عبيد، والشيخ محمد بن حسن بن جريبة; والشيخ عبد الرحمن بن بشر، والشيخ علي بن نفيسة، والشيخ عبد الرزاق، وخلائق من أهل نجد ومصر والأحساء وغيرها.

[وفاته وما قيل في رثائه]

توفي رحمه الله وأسكنه النعيم المقيم، في 4 من ذي

ص: 423

الحجة سنة 1292? وأصيب المسلمون بفقده، ولم تسد ثلمته من بعده; وبكته المجالس والقبائل، وفقدته الرؤساء والمحافل، وقد رثي بقصائد منها ما رثاه به الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن طوق، مطلعها:

وإن عظمت هماته وعزائمه

وأيتمه للعلم إذ مات عالمه

بأوحش أنباء بريد يكاتمه

فأظلم كل الكون وارتج عالمه

وجاد بماء الجفن سحا غمائمه

وهد بسور العلم أوهاه ثالمه

وكنْزا أبى مضروبها أن يقاومه

تلقاه فرع أصلته أكارمه

فإني وأيم الله للفضل ظالمه

فما هو إلا دارسات معالمه

أبي خلق الأيام حيا تسالمه

فما أوحش الدنيا ويا حزن نجدها

فما مر يوم مر يوم أتى به

وجدنا كأن الأرض حتما تزلزلت

وهاجت رياح من زفير تنفس

فيا لك من رزء فظيع على الورى

فقد كان للدنيا وللدين عدة

بقية أهل العلم والعلم الذي

فإن لم يكن دمعي جرى فيه عن دم

فإن تبكه فالعلم نبكهما معا

إلى أن قال:

من الدهر قد دبت إليه أراقمه

يشرعه جفن لها وسواجمه

فزاد برزء منك مرا علاقمه

فلي بعده من رزئه قلب ثاكل

وعين لها حرم الكرى صح ملة

وما زال هذا العصر مرا وعلقما

ثم قال:

على المبلغ المنجي طريق ملازمه

سواه ولا بد المنون تزاحمه

وعاش سعيدا ثم مات موحدا

فلا حي إلا الحي والكل هالك

ص: 424

وللدهر يوما سوف يدركك صارمه

وجافته عن دار الغرور عزائمه

إذا ما خلا حبر به قام قائمه

وماذا وإن أعطيت عمرا كآدم

فطوبى لعبد أيقظته عناية

وما زال هذا النور فيكم شامخا

ومنها مرثية الشيخ سليمان بن سحمان:

وتظهر مكنونا من الحزن ثاويا

وبالعلم يزهو ربع تلك الروابيا

وأطواد شرع الله فيها رواسيا

جناها ينلها والقطوف دوانيا

مناهلها كالشهد فعم صوافيا

يرجعن ألحان الغواني تهانيا

وأنوار هذا الدين تعلو سواميا

علينا بأنواع الهموم الروازيا

وننبأو عنها في القرون الخواليا

وأوجعها فقدان تلك المعاليا

فحق لنا إهراق دمع المآقيا

مصابيح داجيها لخطب وداهيا

مذيق العدى كاسات سم الأفاعيا

تذكرت والذكرى تهيج البواكيا

معاهد كانت بالهدى مستنيرة

وأراضها بالعلم والدين قد زهت

وقد أينعت منها الثمار فمن يرد

وأنهارها للواردين شريعة

وقد غردت أطيارها برياضها

وكنا على هذا زمانا بغبطة

فما كان إلا برهة ثم أطبقت

فكنا أحاديث كأخبار من مضى

لعمري لئن كانت أصيبت قلوبنا

لقد زادت البلوى اضطراما وحرقة

فقد أظلمت أرجاء نجد وأطفئت

لموت إمام الدين والعلم والتقى

إلى أن قال:

وأصبح ناعي الدين فينا مناديا

وحل بها من موجعات التآسيا

ولما نمى الركبان إخبار موته

رثيناه جبرا للقلوب لما بها

ص: 425

وغيظ العدى فليبك من كان باكيا

وحل بنا خطب من الرزء شاجيا

يضيء سناها للورى متساميا

وهطال سحب العفو من كل غاديا

على قبره ذا ديمة ثم هاميا

وألحقه بالصالحين المهاديا

وأضحى دفينا في المقابر ثاويا

ويبهر ضوء الشمس أزكى سلاميا

لشمس الهدى بدر الدجى علم الهدى

لئن ظهرت منا عليه كآبة

فقد كسفت للدين شمس منيرة

سقى الله رمسا حله وابل الرضى

ولا زال إحسان الإله وبره

وأسكنه الفردوس فضلا ورحمة

عليه تحيات السلام وإن نأى

يفوق عبير المسك عرف عبيرها

* * *

مضى لسبيل كلنا فيه ماضيا

ربوع ذوي الإسلام منه خواليا

بآثار آباء كرام المساعيا

وأحيوا من الأعلام ما كان عافيا

يقصر عن تعدادهن نظاميا

وليس يواريها غطاء المعاديا

وبالعفو عنهم يا مجيب المناديا

إلى الخير يا من ليس عنا بلاهيا

فيا معشر الإخوان صبرا فإنما

فإن أفل البدر الفريد وأصبحت

فقد شاد أعلام الشريعة واقتفى

همو جددوا الإسلام بعد اندراسه

وكم لهمو من منحة وفضيلة

مناقبهم لا يحصيها النظم عدة

فيا رب جد بالفضل منك تكرما

وأبق بنيهم سادة يقتدى بهم

ص: 426

الشيخ عبد الله أبا بطين رحمه الله

هو الإمام العالم العلامة، الفقيه البحر الفهامة، المدقق النبيه، المحقق الموفق، مفيد الطالبين وقامع المشبهين، شيخ الإسلام: عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سلطان بن خميس أبا بطين العائذي، ولد في بلد الروضة سنة 1194 من الهجرة، ونشأ بها نشأة حسنة، في الديانة والصيانة، والعفاف، وطلب العلم.

أخذ العلم عن الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد، والشيخ محمد بن عبد الله بن طراد الدوسري الحنبلي؛ فمهر في الفقه، وفاق أهل عصره في إبان نشاته، ثم ارتحل إلى شقراء، وأخذ العلم عن الشيخ عبد الله بن عبد العزيز الحصين، في التفسير والحديث والفقه، وأصوله، وأصول الدين، حتى برع، وأخذ عن الشيخ أحمد بن حمزة بن رشيد العفالقي الأحسائي ثم المدني، وعن الشيخ حمد بن ناصر بن معمر، واجتهد حتى صار منارا يهتدى به، وإماما يقتدى به.

ولي القضاء زمن الإمام سعود في بلد الطائف، ودرس فيه؛ وأخذ عنه جماعة في الحديث والتفسير، وعقائد السلف، ثم رجع إلى بلده قاضيا عليها وبلدان الوشم.

ص: 427

قال الشيخ إبراهيم بن عيسى: هو الإمام، والحبر الهمام، العالم العلامة، القدوة الفهامة، حسن السيرة والورع، والديانة، والصيانة، والعفاف، جلدا على التدريس، لا يمل ولا يضجر، ولا يرد طالبا، كريما سخيا، وقورا دائم الصمت قليل الكلام، كثير التهجد والعبادة، حسن الصوت بالقراءة، قراءته مرتلة مجودة، معرضا عن القال والقيل، ماشيا على أهدى سبيل، وأثنى عليه هو وغيره، وهو أشهر من أن يذكر.

وله:

1-

حاشية على شرح المنتهى مجلد.

2-

حواش وتعليقات على شرح الزاد وغيره.

3-

رسالة في تجويد القرآن.

4-

كتاب كشف تلبيس داود بن جرجيس.

5-

الانتصار، رد عليه أيضا.

6-

فتاوى تبلغ مجلدا، فرقناها في مواضعها. وكتب كثيرا من الكتب الجليلة بخطه الحسن المتقن، ونقل على كثير منها كثيرا من الفوائد.

وصار قاضيا أيام الإمام تركي، في عنيزة وبلدان القصيم.

أخذ عنه العلم جماعة منهم: ابنه عبد الرحمن، والشيخ محمد بن عبد الله بن مانع، والشيخ محمد بن عبد الله بن سليم، والشيخ محمد بن عمر بن سليم،

ص: 428

والشيخ علي بن محمد بن راشد، والشيخ إبراهيم بن حمد بن عيسى، وابنه الشيخ أحمد، والشيخ علي بن عبد الله بن عيسى، والشيخ حسن بن علي، والشيخ عبد العزيز بن محمد، والشيخ محمد بن إبراهيم بن سيف، والشيخ محمد بن عبد الله بن حميد، والشيخ علي بن محمد، والشيخ علي البناني، والشيخ علي بن محمد آل مقبل، والشيخ إبراهيم بن عجلان، والشيخ سليمان بن عبد الرحمن، والشيخ عبد الله بن عبد الكريم، والشيخ صالح بن حمد بن نصر الله، وغيرهم جم غفير.

توفي رحمه الله تعالى في شقراء، سنة 1282?.

الشيخ عبد العزيز بن حسن رحمه الله تعالى

هو العالم العلامة، الأريب الأديب، ذو العنصر الزكي، والبيت التقي، الشيخ الفاضل: عبد العزيز بن حسين بن عبد الله بن محمد بن يحيى، من جرثومة بني لام، الذين لهم سابقة مشهورة قديمة في الإسلام، ولأهل الإسلام.

ولد في بلدة ملهم وشب بين أبويه وعمومته.

وأخذ العلم عن الشيخ محمد بن مقرن، ثم رحل إلى الشيخ عبد الرحمن بن حسن، فأخذ عنه الفقه والتفسير، والتجويد والعربية وغيرها، وعن ابنه الشيخ عبد اللطيف وغيرهم.

وكان رحمه الله شهما، هماما تقيا، آمرا بالمعروف

ص: 429

ناهيا عن المنكر، مفيدا للطالبين واعظا للراغبين، قامعا للمفسدين، لا تأخذه في الله لومة لائم، سخيا حسن الخلق، ذا عفاف وسمت، وفصاحة وكرم وسماحة.

وكان يلقب بـ "حصام".

ولي القضاء في ولاية الإمام فيصل، وله فتاوي.

أخذ عنه العلم ابنه الشيخ ناصر، وعبد الرحمن وسعد.

وقرأ عليه ابنه عبد الله، وأخذ عنه الشيخ حمد بن عبد العزيز، والشيخ عبد الله بن حمد الحجازي، والشيخ محمد القصير وعلي القصير، وعبد الرحمن بن عبد العزيز، وعبد المحسن ومحمد آل يحيى، وعبد الله بن مفدى، وناصر بن ناصر وغيرهم.

توفي رحمه الله تعالى سنة 1298?.

الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله تعالى

هو الإمام العلامة، الورع الفهامة، الثقة الفارس في العلوم، ذو الهمة والشجاعة، الشيخ: حمد بن علي بن محمد بن عتيق بن راشد بن حميضة، ولد في الأفلاج 1، وأخذ العلم عن الشيخ عبد الرحمن بن حسن، وابنه الشيخ

1 وذكر الشيخ إسماعيل بن سعد بن إسماعيل بن حمد بن عتيق أنه ولد في الزلفى ولم يظهر له أيضا أنه أخذ العلم عن الشيخ عبد اللطيف فالله أعلم.

ص: 430

عبد اللطيف، والشيخ علي بن حسين وغيرهم، وبرع في العلوم. وكان له حظ من العلوم، وإقدام وشهامة، وعبادة وتهجد، وطول صلاة ولهج بالذكر، شديد المحبة للعلم وكتابته ومطالعته، وتصنيفه والحث عليه. قال الشيخ سليمان بن سحمان، رحمه الله:

لحل عويص المشكلات البوادر

إذا ما تبدت من كفور مقامر

فحل على هام النجوم الزواهر

يعوم بتيار من العلم زاخر

يجدد من منهاجهم كل داثر

ويعمر من بنيانه كل دامر

بها وارتقى مجدا سمي المظاهر

فليس له في عصره من مناظر

وفي العلم ذو حظ أطيد ووافر

أريب رسيب الجأش ليس بطائر

إذا ما أجنت حالكات الفواقر

يعز علينا أن نرى اليوم مثله

وللشبهات المعضلات وردها

فلله من حبر تصعد للعلا

ولله من حبر إمام وبلتع

ويقفو لآثار النبي وصحبه

ويحيي علامات من العلم قد عفت

إمام تزيا بالعبادة فاستمى

لقد كان إماما في السماحة والندى

وفي الحلم قد أضحى لعمرك آية

تقي نقي ألمعي مهذب

وبدر منير يستضاء بضوئه

إلى أن قال:

حميد المساعي مشمعل المآثر

وقد كان ذا علم يفقه الأواخر

تسامى بها فوق النجوم الزواهر

فما حمد بالعلم إلا متوج

عليم بفقه الأقدمين محقق

وقد حاز في علم الحديث محلة

ص: 431

من القول بالفتوى وقطع التشاجر

فضائله أعيت على كل حاصر

سميا شهيرا بين باد وحاضر

وبالسلف الماضين كان اقتفاؤه

وفي كل فن فهو للسبق حائز

وحسبك أن قد صار مشهور فضله

له عشرة من الولد. أخذ عنه العلم منه ابنه الشيخ سعد، والشيخ عبد العزيز، والشيخ عبد اللطيف، وأخذ عنه الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف، والشيخ محمد بن عبد اللطيف، والشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف; والشيخ سليمان بن سحمان، والشيخ عمر بن يوسف، والشيخ حسن بن عبد الله بن حسن، والشيخ حسن بن حسين، والشيخ عبد العزيز الصيرامي، والشيخ محمد بن علي آل موسى، والشيخ سعود بن مفلح، والشيخ ناصر بن حسين، والشيخ عبد المحسن بن باز، وخلق.

وله حاشية على التوحيد، وردود، ونصائح، ورسائل، وفتاوي، فرقناها على حسب الترتيب.

[وفاته وما قيل في رثائه]

توفي رحمه الله سنة 1301?، وبكت عليه الخلق، واشتد الحزن، قال الشيخ سليمان بن سحمان يرثيه:

وشمس الهدى فليبك أهل البصائر

عليه كثج المعصرات المواطر

خلي من الأشجان ليس بغائر

وثلم من الإسلام إحدى الفواقر

على الحبر بحر العلم بدر المنابر

وأية عين لا تثج بمائها

فلا نعمت يوما ولا قلب قالئ

فوالهفا من فادح جل خطبه

ص: 432

ورزء فظيع بل مريع ولائع

بشمس هدى أضحى نزيل المقابر

ثم قال:

وأقوت رباع من حماة أساور

يغطي سناها كل باغ وكافر

ونهي الورى عن موبقات المناكر

لتأخذه في الله لومة ساخر

لئن كان قد أضحى له القبر منْزلا

لقد كسفت للدين شمس منيرة

لقد عاش في الدنيا على الأمر بالتقى

يجاهد في ذات الإله ولم يكن

إلى أن قال:

وصار إلى رب كريم وغافر

لدن طرق الناعي بفخر المحاظر

يضعضع من ركن الهدى كل عامر

وأظلم من نجد سطيع الدساكر

ورحمته والله أقدر قادر

فأضحى رهينا في المقابر آويا

لقد صابنا صاب من الحزن مفجع

وأرق جفن العين خطب عصبصب

فجالت لنا الأشجان من كل جانب

تغمده المولى الكريم بفضله

الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن رحمهما الله تعالى

هو الإمام العلامة الحبر الفهامة، المحدث الفقيه، الواعظ المحقق النبيه، العامل الزاهد التقي، الشيخ الفاضل: إسحاق بن الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

ولد سنة 1276?، في بلد الرياض، ونشأ نشأة حسنة، وأخذ العلم عن أبيه الشيخ عبد اللطيف، والشيخ عبد الله بن عبد اللطيف، والشيخ حمد بن عتيق، والشيخ محمد بن محمود، والشيخ

ص: 433

عبد الله بن حسين المخضوب، والشيخ عبد العزيز بن صالح بن مرشد. وارتحل إلى الهند سنة 1309?، وأخذ عن الشيخ نذير حسين، وحصل له منه ومن غيره السماع والقراءة والإجازة، وأخذ عنه الحديث المسلسل عن مشائخه، وأخذه من طريق علماء الهند عن المولوي، وقرأ عليه ثم ارتحل إلى بهوبال، فقرأ فيها على الشيخ حسين بن محسن الأنصاري، والشيخ سلامة الله وأجازاه. وأخذ عن الشيخ محمد بشير وغيرهم، وأخذ عن علماء مصر وغيرهم، وحصل له منهم أيضا السماع والقراءة والإجازة.

ونبغ في عصره وبرع في فنون العلم: الأصول والفروع، والنحو وغيرها، حتى صار إماما يقتدى به، فاضلا ورعا يهتدى به، حسن السمت دائم البشر، مشتغلا بإلقاء الدروس، غزير الفوائد، كثير التحري فيما يورده، كثير التواضع؛ شهد له بالفضل والنبل، أهل التحقيق والإنصاف. قال الشيخ سليمان بن سحمان:

سلالة أنجاب كرام ذوي مجد

فتى ألمعي لوذعي مهذب

وقال فوزان بن عبد الله السابق، رحمه الله بعد ثنائه عليه:

وحاز لما يسمو به في المجالس

وأعني به بحر العلوم ومن سما

ص: 434

وهد بناء الناكبين الأبالس

وجاؤوا بهمط من تشيع البسابس

بها صار أهل الزيغ من كل حادس

وجدد من أعلامه كل طامس

لعلم نصوص الوحي خير ممارس

ذوي الجرح والتعديل من كل فارس

وعلم بما قد حاز أهل التنافس

لها الخط في بحث من العلم دارس

لآلئ در نضدت في الملابس

وأردى لأعداء الشريعة والهدى

وفرق جمعا منهم قد تألبوا

وجلّى بنص الوحي كل ضلالة

فأعلى لركن الحق بعد وهائه

وذاك الذي يدعى بإسحاق من غدا

وقدوة خير للثقاة أولي التقى

فيا من له حلم وعقل وفطنة

أجل منك فكرا في مطاوي دفاتر

ترك بديعا من عويص غويصه

[تلاميذه ووفاته وما قيل في رثائه]

وفضله ومناقبه مشهورة، ومجالسه بالعلم معمورة. أخذ عنه العلم الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف، والشيخ عبد الله العنقري، والشيخ عبد الله بن فيصل، والشيخ فالح، والشيخ سالم الحناكي، والشيخ عبد الله السياري، وعبد العزيز بن عبد الله بن عبد الوهاب، والشيخ عبد العزيز بن عتيق، والشيخ عبد الرحمن بن محمد بن داود، وغيرهم. وله رد على ابن حنش، ورسائل ونصائح وفتاوى فرقناها على حسب الترتيب.

توفي رحمه الله وعفا عنه، في بلد الرياض، سنة 1319?، وبكته تلك المجالس المعمورة بتعليمه وتفهيمه، وأصيب المسلمون به، ورثاه بعض الأدباء، ومنها ما قاله

ص: 435

فوزان بن عبد الله السابق، مطلعها:

وشمس الهدى فليبك أهل التدارس

وقلب من الأشجان ليس ببائس

على فقده في الناس ليس بعابس

بدا سعده خلف النجوم الطوامس

إذا ما دجت مغسوسقات الحنادس

ويحمي حمى التحقيق عن لبس لابس

وخطب فظيع بل مريع وواكس

جزاء الفتى بالصبر نيل النفائس

لحبر تقي فاضل غير ناحس

بهم صين ركن الحق من كل خالس

لعبد منيب سائل غير آيس

وألبسه في الفردوس خير الملابس

وأنصارهم من كل هاد وسائل

على الحبر بحر العلم بدر المدارس

فلا نعمت عين تشح بمائها

ولا وجه ذي لب تلكّا وقد غدا

فوا حزنا من فقده بعد مالنا

يعز علينا أن نرى اليوم مثله

وعز الذي بالنص يتقن قوله

فيا لك من ثلم به الدين قد وهى

فصبرا ذوي الإسلام صبرا فإنما

وأبدوا الدعا في كل وقت إجابة

سلالة أحبار هداة أئمة

فيا حي يا قيوم يا خير سامع

تغمده بالغفران منك وبالرضى

وآباءه بالجود منك فعمهم

الشيخ حمد بن عبد العزيز رحمه الله

هو العالم العلامة، الفقيه الزاهد، المذكر العابد، الشهم النبيه، الشيخ حمد بن عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز بن محمد بن حمد بن علي بن سلامة بن عمران العوسجي البدراني الدوسري، ولد سنة 1245?، في بلدة ثادق.

وأخذ العلم عن الشيخ عبد الرحمن بن حسن، وابنه الشيخ عبد اللطيف، والشيخ محمد بن مقرن، والشيخ عبد

ص: 436

العزيز بن حسن، والشيخ عبد الرحمن بن عدوان، والفرائض عن الشيخ عبد العزيز بن شلوان وغيرهم.

برع في جميع الفنون، وكان يقظا فطنا، قليل المثل في الشهامة والذكاء، والديانة والعبادة، كثير الخير، له قدم راسخ في الفتوى، ووقع في النفوس، دمث الأخلاق، قوي الجأش في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ولي قضاء ناحية سدير، في ولاية الإمام فيصل وابنه بعده، ثم في الوشم، ثم في بلدان المحمل بعد الشيخ عبد العزيز بن حسن، وله أجوبة سديدة، ونصائح مفيدة، ومجالس في التدريس، أخذ عنه العلم ابنه محمد، وغيره من سائر بلدان المحمل.

توفي رحمه الله تعالى، في شعبان سنة 1330?.

الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف رحمه الله

هو الإمام العالم العلامة الفقيه، الحبر الثقة اليقظ النبيه، الشهم الملك المتقن، الحافظ المجتهد، الورع الزاهد العابد، مفيد الطالبين، ذو العقل الفائض، والرأي الصائب الرائع، والأخلاق السنية المرضية، الشيخ إبراهيم بن الشيخ عبد اللطيف بن الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

ولد في بلد الرياض سنة 1280?، ونشأ بها نشأة حسنة، وقرأ بعض القرآن على أبيه عن ظهر قلب؛ وأخذ

ص: 437

العلم أيضا عن أخيه الشيخ عبد الله، والفقه والنحو عن الشيخ حمد بن فارس، وغيرهم.

برع في العلوم النقلية والعقلية، وكان آية في الفهم، لم ير مثله في الذكاء، والفطنة والحفظ، برز في كل فن، حتى كاد يستوعب السنن والآثار حفظا، وفاق أهل عصره.

له المعرفة التامة في الحديث، والتفسير، والفقه، مع ما جمعه الله له من الزهد والعبادة، والورع والديانة، ونصرة الحق، والقيام به. أخذ من ذلك بالمأخذ الأولى، غريب المثل في زمانه، شارف مقام الأئمة الكرام. أجمع أهل وقته على فضله، وشهد ذووه بنبله; يضرب به المثل فى الذكاء والشهامة والحفظ، أثنى عليه أهل المعرفة. قال الشيخ سليمان بن سحمان:

فأم إلى هاماتهن الشواهق

ونهمة مشتاق إليها وشائق

يرى إنما تحصيلها في التسابق

إلى ثبج هاتيك العلوم الشوارق

فنال المنى منها بأسنى الطرائق

وليس بغيرالعلم ترجى لوامق

أبي وفي عالم بالحقائق

كريم سليم القلب دمث الخلائق

نقيبته التقوى وبغض المماذق

يروم المعالي باهتمام ورغبة

بهمته العليا لنيل مرامها

وقلب عقول مطمئن مفهم

فعام بتيار المعارف قاصدا

علوم أصول الدين والفقه فارتوى

بهن ينال المرء كل فضيلة

فلله من حبر هزبر محقق

تقي نقي ألمعي مهذب

لبيب أريب أحوذي موفق

ص: 438

وذي حذر عن معضلات العوائق

وقاد ذهن حازم متيقظ

* * *

وليس بطياش ولا المتحامق

وميل إلى القول الصواب الموافق

لحل عويص المشكلات الدقائق

يفوق بها الأقران من كل حاذق

لما كان معنيا يراد لسائق

وعلم وتحقيق وحلم مطابق

وليس لأعداء الهدى بالمرافق

وذي دغل جاف جهول منافق

على رغم أنف الكاشح المتحاذق

وقد كان ذا عقل رزين مؤيد

له في فنون العلم باع ومسرح

يغوص بفهم ثاقب متوقد

وإدراك ذي علم وحسن روية

وحفظ وإتقان وحسن تصور

يؤم إلى كل العلوم بخبرة

قريب إلى أهل التقى وذوي النهى

بعيد عن الأشرار من كل فاسق

حباه إله العرش منه تفضلا

* * *

إذا ما دهتهم معضلات الوثائق

بكل الذي يهوى بمحض الحقائق

وأقوال أهل العلم من كل سابق

يقول به الأصحاب من كل لاحق

على قمع صنديد كفور مشاقق

بأهل الهدى أو مستريب منافق

لدى الناس لا تخفى على كل رامق

تحلى فأضحى فائقا كل فائق

وقد كان للطلاب كهفا وموئلا

فيصدر كل من أولئك راجعا

فيفتيهمو بالنص إن كان واردا

فإن لم يجد أقوالهم قال بالذي

وقد كان لي بالحق خير مساعد

ومبتدع في الدين أو متهوك

فسيرته محمودة مستفيضة

بكل جميل من محاسن من مضى

ص: 439

وكان رحمه الله هينا لينا، مهابا سمحا، كريما متحببا، ومفيدا للطالبين، قويا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يُهاب ولا يَهاب، ولا يخاف في الله لومة لائم، له قوة وإقدام، وشهامة وهيبة منها العجب، كريما عن الدنيا لا يذكرها، ولا تدور فى ذهنه، روي من كرم أخلاقه، وحسن عشرته، ووفور حلمه، وغزير فطنته ما لا يدرك.

ولي القضاء في بلدة الرياض من سنة 1321?، إلى أن توفي رحمه الله. وله مجالس في التدريس كثيرة، زاهرة بالعلم مستنيرة، أخذ عنه بنوه الشيخ محمد، وعبد الله، والشيخ عبد اللطيف، قرأ عليه القرآن.

وأخذ عنه العلم ممن تأهل، وتولى القضاء: الشيخ عبد الملك بن الشيخ إبراهيم بن حسين، والشيخ عبد الرحمن بن داود، والشيخ عبد الله بن حمد الدوسري، والشيخ مبارك بن باز، والشيخ عبد الرحمن بن سالم، والشيخ فالح بن عثمان، والشيخ إبراهيم بن حسين بن فرج; والشيخ سالم الحناكي، والشيخ سعد بن سعود، وغيرهم ممن تأهل الجم الغفير. فله رد على أمين بن حنش، وفتاوي فرقناها في مواضعها.

[وفاته وما قيل في رثائه]

توفي رحمه الله تعالى، وأسكنه النعيم المقيم سنة 1329?، ورثاه جمع، منهم الشيخ: سليمان بن سحمان، قال:

ص: 440

نريق كصوب المدجنات الدوافق

وحق لذي لب محب ووامق

على الشيخ إبراهيم شمس الحقائق

من اشتهروا بالفضل بين الخلائق

من الأرض في غربها والمشارق

وهدوا رعان الكفر من كل شاهق

وبدر سمت أنواره في الغواسق

على الحبر بحر العلم شمس الحقائق

دما بدموع وكفها متتابع

إراقة دمع العين سحا ودائما

على علم الأعلام نجل ذوي التقى

همو أظهروا الإسلام في كل وجهة

همو جددوا الإسلام بعد اندراسه

فلهفي على شمس تشعشع ضوؤها

* * *

ورزء دهى بالمعضلات الطوارق

لست من الساعات من جنح غاسق

ثلاث مئين بعد ألف مطابق

فأعول كل بالبكا والتشاهق

كصبح تولوا بالحبيب المفارق

وسالت جفون بالدموع الدوافق

وكهلا إلى غير النهى غير تائق

فما طرقتنا ليلة بمصيبة

لست مضت من شهر ذي الحجة انتهى

لتسع سنين بعد عشرين قد تلت

بأعظم منها لوعة ومصيبة

ولا كصباح مر يوما بمره

فضجوا جميعا بالبكاء وبالدعا

لفقد محب كان مذ شب يافعا

إلى أن قال:

يفوز بها أهل التقى والسوابق

وخالقنا الرحمن رب المشارق

ومحو الذنوب المثقلات العوائق

لقد خلف الأحزان في كل وامق

لئن كان في الدنيا على خير حالة

لدى الملك العلام ذي العرش والعلا

فنرجو من المولى له العفو والرضى

وإن كان قد أضحى رهينا لرمسه

ص: 441

من العلم للطلاب بين الخلائق

من الحزن لم يلمم بها حزن ماذق

عليه علا من فوق سبع الطرائق

لهيب لظى عند احتضار المضائق

وأضحت ربوع العلم قفرا دوارسا

فيالهف نفسي قد أمضى بها الضنا

فيا من على العرش استوى فوق خلقه

أنله الرضى والفوز بالقرب واكفه

وبكاه ورثاه الخلق الكثير، منهم الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري، فقال:

ونرخي أكفا للدعاء ونرفع

تلم لنا شعثا وللشمل تجمع

أتانا بها أمر فظيع مروع

وأيتمني والقلب مني مصدع

ومن في فنون العلم بحر مترع

وحق لها عند الزلازل تدمع

وقلبي لفقد الأكرمين مفجع

إلى الله نشكو ما دهانا ونفزع

عسى نفحة من جوده حين سؤلنا

فما مر في أزماننا مر ساعة

فما أوحش الدنيا علينا بما دهى

بموت إمام فاضل متفضل

لقد سالت العينان مني بالبكا

وهي شديد من خطوب جليلة

* * *

تكاد لها الأحشاء مني تقطع

وهد بسور الدين من أين يرقع

وبدرا على أهل البسيطة يسطع

ونجم لطلاب الهداية يطلع

غياهب سحب الغي عنا يقشع

ويبدو لنا التوحيد يسمو ويلمع

فيا لك من جرح ممض ولوعة

ويا لك من رزء فظيع على الورى

لقد كان شمسا للورى مستنيرة

شهاب على هام الشياطين مرصد

إذا ما دجا ليل الشكوك وأظلمت

فتضحى لنا السمحا يلوح طريقها

ص: 442

ويدخله الجنات يرقى فيرفع

إلى صالح الأعمال بالسعي يسرع

أمنّ علينا من الآباء وأنفع

عسى ربنا الباري يجود بمنه

إلى حضرة الفردوس من كل مخلص

ويبقي لنا ذرية الشيخ منهمو

الشيخ حسن بن حسين، رحمه الله

هو الإمام العالم العلامة، الفقيه الفهامة، الفاضل الزاهد العابد، الشيخ: حسن بن الشيخ حسين بن الشيخ علي بن الشيخ حسين بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولد سنة 1267?، في بلد الرياض، ونشأ بها.

أخذ العلم عن الشيخ عبد الرحمن بن حسن، وابنه الشيخ عبد اللطيف، والشيخ عبد الله بن حسين المخضوب، والشيخ عبد الرحمن بن عدوان، والشيخ محمد بن محمود، والشيخ حمد بن عتيق. وأخذ الفرائض عن الشيخ حمد بن فارس، وغيرهم، وبرع في فنون العلم.

وكان فاضلا، ورعا، حسن السمت، دائم البشر، كريم النفس، مشتغلا بإلقاء الدروس المفيدة، نفاعا للخلق، حسن الخلق والخلق، له فضل وجلالة، وطال عمره ونفع الله به الخلق.

وَلِيَ القضاء للإمام عبد الله بن فيصل في الأفلاج، وفي ناحية سدير، وفي الرياض في ولاية ابن رشيد; وله

ص: 443

مجالس مشهورة في البلدان التي ولي القضاء فيها، ثم في منفوحة، ورسائل وفتاوى.

أخذ عنه العلم أبناؤه: الشيخ حسين، والشيخ عبد الله، وعمر; وأخذ عنه الشيخ محمد، والشيخ إبراهيم، والشيخ عبد الرحمن، بنو الشيخ عبد اللطيف، والشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري، والشيخ عبد الله بن فيصل، والشيخ عبد الرحمن بن سالم، والشيخ إبراهيم بن ناصر، والشيخ سعد بن سعود، والشيخ إبراهيم السياري، والشيخ حسن بن إبراهيم بن عبد الملك، والشيخ عبد الملك بن إبراهيم; والشيخ مبارك أبو حسين، والشيخ فالح، والشيخ سالم، ومحمد بن حميد، وخلق.

توفي رحمه الله تعالى، وعفا عنه، سنة 1341?، في الرياض، وبكته الناس، ورثاه عبد الرحمن بن عقلا وغيره، ومنهم ابنه عمر في مرثية مطلعها:

على الحبر بحر العلم شيخي ووالدي وقطب رحى ذا الدين جم المحامد

الشيخ سليمان بن سحمان، رحمه الله

هو الإمام النبيل، الورع الزاهد، العابد، مفيد الطالبين، قامع المبتدعين، كاشف شبهات المشبهين والمبطلين، حامي حوزة الدين، صاحب التصانيف المشهورة، والفضائل المأثورة، البليغ المصقع، اللوذعي

ص: 444

البلتع، الثقة الحجة، مشيد أعلام المحجة، الشهم اليقظان، الشيخ سليمان بن سحمان، ولد سنة 1268?، في قرية السقا من بلدان أبها، ونشأ بها حتى راهق البلوغ، قال رحمه الله:

وأرض بها علي نيطت تمائمي

تسمى السقا دار الهداة أولي الأمر

بلاد بني تمام حيث توطنوا

وآل يزيد من صميم ذوي الفخر

ثم انتقل منها إلى الرياض، وأخذ العلم عن الشيخ عبد الرحمن بن حسن، وابنه عبد اللطيف، وابنه الشيخ عبد الله، والشيخ حمد بن عتيق، والشيخ حمد بن فارس، وغيرهم.

وبلغ في العلوم مبلغا، حتى صار منارا يهتدى به، إماما هماما، شهما مقداما، أصوليا مجتهدا، متبحرا، كثير التصانيف، كشف جميع شبه المشبهين نظما ونثرا؛ حتى أدحض حججهم، وأرغم أنوفهم، منارا يهتدى به، أمة وحده، وفردا حتى نزل لحده.

أخمل من القرناء كل عظيم، وأخمد من أهل البدع كل حديث وقديم، قام في رد الشبه مقاما فاق به أهل وقته؛ فثبته الله وسدده، وأدحض به الباطل وأخمده، شهد له بالفضل والأمانة من اجتمع به من أهل الشهامة، ووقف على نثره ونظامه، وحسن تعبيره وانسجامه، وأثنى عليه القريب والبعيد، ومسطره بذلك شهيد.

ص: 445

قال محمد بن حسين الأنصاري الهندي:

بسرور مبشر بالأمان

ثابت الجأش ما له من ثان

وفيها قد قام بالبرهان

ذا سليمان عالي البنيان

وعلوما تسمو مدى الملوان

مما يشين في كل آن

وبكتب تخال مثل السنان

وسيف في حلبة الميدان

فبعضب يرى كسيف يمان

حق له ديدن على كل شان

طائر السعد بالتهاني أتاني

أن بدا طالع الزمان بحبر

بعلوم بها لقد أفحم الخصـ

أعني حبر الأنام قدوة نجد

فسليمان جل قدرا وفضلا

سالم العرض والشمائل والأخلاق

قامع الملحدين منه بوعظ

بلسان كوابل الغيث في السلم

يفحم الخصم بالدليل وإلا

يطلب الحق والرشاد إلى الم

وقال الشيخ محمد بن حسن المرزوقي، صاحب قطر، مقرظا على كتاب له:

لسحمان سامي القدر والبشر

وشاد برهانه في واضح الخبر

فصار يحكي سناها ساطع القمر

والحق يعلو وليل الجهل ذو غير

من مخلب الليث فتكا غير منجبر

نجد القصيم وآل الشوم في هجر

يعزى لفارس ثغر الدين في زمن ابن

شهما نبيلا حوى فهما ومعرفة

كم سنة صاح أحيا رسم دارسها

وبدعة درست واندك شامخها

كم جاهل جال في الميدان حل به

من العراق وشام والحجاز إلى

ص: 446

وقال الشيخ عبد اللطيف بن الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف، بعد ثنائه على عمه الشيخ عبد الله:

ففينا أخو السمحاء غيظ المحارب

يذود عن السمحاء كل مشاغب

يناضل عن دين الهدى كل ثالب

وبذل جود في الليالي السواغب

فحل على هاماتها والغوارب

غدا واحدا في شرقها والمغارب

ويحمي حمى السمحاء عن ثلب ثالب

وردما عن الأعداء أهل المشاغب

لئن كان شيخ الجود أضحى موليا

عسى الله أن يبقي نبيلا مهذبا

عنيت سليمان بن سحمان من غدا

إمام همام ماجد ذو تورع

له همة تسمو إلى المجد والعلا

إمام همام ماجد متورع

يرى نصرة الإسلام حقا وواجبا

لقد كان بدرا في البسيطة ساطعا

[مصنفاته ومكانته]

وقال الشيخ محمود شكري الألوسى: هو علامة الزمان، وملاذ الفضل والعرفان، الكمال المجسد، والفرد الأوحد، ذو التصانيف الفائقة، والتآليف الرائقة، وهو أشهر من أن ينبه عليه. وله المصنفات المقبولة; منها:

1.

الأسنة الحداد، في رد شبهات علوي الحداد

2.

كتاب هداية الأنام وجلاء الأوهام، عن معتقد الإمام، وعلم الهداة الأعلام، الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

3.

الجواب المنكي في الرد على الكنكى.

4.

البيان المبدي لشناعة القول المجدي، في الرد على أبا بصيل.

ص: 447

5.

التبيان في القول المنيف، في الرد على ابن عمرو، مجلد، ومجلد آخر أخصر منه، وجزء أيضا في الرد عليه.

6.

كشف غياهب الظلام، عن أوهام جلاء الأوهام، وبراءة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، عن مفتريات هذا الملحد الكذاب، علي أحمد باشا.

7.

كتاب الضياء الشارق، في رد شبهات الماذق المارق، جميل أفندي الزهاوي.

8.

تنبيه ذوي الألباب السليمة، عن الوقوع في الألفاظ المبتدعة الوخيمة.

9.

كتاب تبرئة الشيخين، عن تزوير أهل الكذب والمين، رد على ولد الصنعاني.

10.

إقامة الحجة والدليل، وإيضاح المحجة والسبيل، على ما موه به أهل الكذب والمين، من زنادقة أهل البحرين.

11.

الصواعق المرسلة الشهابية، على الشبه الداحضة الشامية.

12.

كشف الشبهتين، عن رسالة يوسف بن شبيب، والقصيدتين.

13.

الجواب المستطاب عما أورده الجاهل المرتاب، المسمى بمبروك.

14.

كشف الأوهام والالتباس، عن تشبيه بعض الأغبياء من الناس.

ص: 448

15.

الجواب الفارق بين العمامة والعصائب.

16.

حل الوثاق في أحكام الطلاق.

17.

نبذة في الزيارة.

18.

إرشاد الطالب إلى أهم المطالب.

19.

منهاج الحق.

ورسائل ونصائح وأجوبة، فرقناها في مواضعها على حسب الترتيب، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين أحسن الجزاء، وأعلى منازله في جنات العلا؛ فلقد نصر الإسلام وأظهره، وقمع الباطل وأدحضه، واشتهرت مصنفاته، وأثني عليها.

قال الشيخ حمود بن حسين الشغدلي، في ثنائه عليه ومصنفاته: فهي من أكبر النعم على الطلاب النجديين الموحدين، من الشرقيين والغربيين، ثم قال:

وذلك من تذكار فقد الأجلة

فغادرنا جيش الهنا والمسرة

تزف لأرباب الهدى والعناية

لأهل التقى في كل قطر وبلدة

لنصر الهدى مشحونة بالأدلة

يصول بها أهل الشقا والتعنت

ذوي الشرك والأطر أو جحد الألوهة

توالت همومي مدة وأمضت

وقلة من يرجى لكبت عادتنا

وما هو إلا طبع كتب أنيقة

فجاءت على وفق المنى تنشر العلا

فقربها يا صاح عينا فإنها

وفيها الهدى من كل شك وشبهة

كمثل الغلاة الناكبين عن الهدى

ص: 449

ومن كان عن نهج التقى ذا جفاوة

كذا كل فدفد إن تجاوز واعتدى

* * *

فأعظم بها من نعمة قد تجلت

وأردى بها أهل الخنى والشقاوة

أريب نهيك سابق في النكاية

إذا جاء خطب أو قيام بضلة

يجندل أهل الزيغ في كل حفرة

بنثر ونظم مفحم مع عذوبة

ويزداد غما عندها ذو الغواية

وأبقاه دهرا ناشرا للفضيلة

مع السادة الأبرار في خير رفعة

أضاءت لنا كالشمس في فلك العلا

أقام بها سوق الجهاد وما انثنى

إمام همام لوذعي ومصقع

وشهم حديد ألمعي غشمشم

عنيت سليمان بن سحمان من غدا

فسل عنه ما أبداه للناس جهرة

يسر بها والله من كان منصفا

جزى الله منشيها المسرة دائما

ومن بعده الحسنى بخلد مؤبد

وقال الشيخ فوزان بن عبد العزيز:

ملفقات لهم نالوا بها الشللا

مردي العداة الذي للحق قد عقلا

منه الردود على الأعدا وما غفلا

معالم الحق إذ أحيا له سبلا

مسيرة الشمس في الأقطار إذ فضلا

في بحره وانجلى بالحق ما انسدلا

وانظر صواعق علم أحرقت شبها

الجهبذ الفاضل الموهوب تكرمة

ومن حمى ملة الإسلام وانتشرت

بالنظم حقا وبالمنثور فاتضحت

أعني سليمان من سارت فضائله

فانظر لحزب الردى حقا فقد غرقوا

وقال الأديب: محمد بن عبد العزيز الهلالي، مقرظا لديوانه: أملاه الحبر الأريب الماهر، والبحر العذب

ص: 450

الزاخر، معجز الأوائل والأواخر، لم يسبقه إليه سابق، ولا أظن يلحقه في مثله لاحق، ثم قال بعد ثنائه على ما كان له، من الشعر في نصرة الهدى:

ومن لم يزل في حلة المجد قد رفل

وذو الأدب السامي على كل من نقل

كما أنه في العلم أضحى هو الأجل

فما فن إلا حظه فيه قد كمل

ووثبته كالليث إن هم ما نكل

لمستبهر يدري وعن ربه عقل

أتى عن رسول الله بالقول والعمل

له في ذرى الإنصاف حظ ومدخل

كمثل الذي أملاه نحرير عصرنا

سليمان من يعزى لسحمان ذو الحجى

لقد كان في بحر البلاغة واحدا

حوى العلم مع نثر الكلام ونظمه

يحل عويص المشكلات بفكره

فما نثره إلا كشمس منيرة

دلائل من آي الكتاب أو الذي

وقول ذوي التحقيق من كل جهبذ

* * *

ولكنه الأبهى لدى كل من عقل

من الشيح والحوذان والكرش والنفل

وغنى به طفل وشيخ ومكتهل

بشبهته أدلى وبالباطل احتفل

من السنة الغرا ومحكم ما نزل

وارتقى للمكرمات ولم يزل

أتى شطحا في الدين بالقول والعمل

وما نظمه إلا كعقد منضد

وما هو إلا روضة طاب نبتها

إذا قال قولا سار في الناس منشدا

قصاراه نصر الدين أو قمع مارق

فيكشف ما أوهى بأقوى دلالة

فديوانه هذا يدل بأنه سما

ينافح عن دين الهدى كل مبطل

[تلاميذه]

أخذ عنه العلم أبناؤه: صالح، وعبد العزيز،

ص: 451

وعبد الله، ومحمد بن الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف، والشيخ عبد اللطيف، والشيخ عبد الملك أبناء الشيخ إبراهيم، والشيخ عبد العزيز بن صالح بن مرشد، والشيخ سليمان بن حمدان، والشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن حسين، وغيرهم. وهو القائل:

حنيفية نسقي لمن غاظنا المرا

سنصقعه صقعا ونكسره كسرا

نعم نحن وهابية حنفية

ومن هاضنا أو غاظنا بمغيظة

والقائل:

فعاد حسيرا خاسئا نائلا شرا

نصول على الأعداء فنأطرهم أطرا

وكم من أخي جهل رمانا بجهله

بمحكم آيات وسنة أحمد

والقائل:

يؤيد أهل الحق أرجو بها الأجرا

وألفت كتبا نثرها ونظامها

[وفاته وما قيل في رثائه]

توفي رحمه الله تعالى، وأسكنه الفردوس الأعلى، سنة 1349? في بلد الرياض. ومما قاله حمد بن محمد بن جاسر، يرثيه هو والشيخ سعد رحمهما الله تعالى:

وأمر نافذ ما منه بد

بنفع أو به قد نيل قصد

سيغلب صبره الخطب الأشد

قضاء لا يطاق له مرد

وهل يجدي التأسف لو تناهى

ولكن الصبور ولو تسلى

ص: 452

لشدة وقعه تنهار نجد

ومجدا ساميا لا يسترد

وحالف أهلها حزن وسهد

فهل يرجى لها التقويم بعد

يضمهما عن الأنظار لحد

ومنها النور قدما كان يبدو

وهل خطب كخطب منه كادت

به فقدت فخارا لا يضاهى

وحالفها خمول مستمر

هدّا ركنان قد رفع علاها

وأصبح نيراها في خفاء

فأضحت في ظلام مكفهر

* * *

يؤم أمامه قد سار سعد

يحاربه كثير وهو فرد

يروم لكيده أشر ووغد

لنصر الشرعة الغرا يعد

يزينهما لدى العلماء زهد

إذا قصدا له لم يكب زند

صريح منهما ما فل حد

حوى التوفيق قولهما الأسد

يقر بذلك خصمهما الألد

مضى عنها سليمان محثا

فأضحى العلم بعدهما يتيما

وأضحى الدين بعدهم مهانا

هما سيفان ما لهما نظير

هما حبران أهل تقى وعلم

ففي حل العويص إذا تعامى

وفي قمع الكفور بنص وحي

وفي الإفتاء إن قالا بقول

وحازا للصواب بلا نزاع

الشيخ سعد بن حمد بن عتيق، رحمهما الله تعالى

هو الإمام العالم العلامة، الحبر البحر الفهامة، الحافظ الثقة المحدث المجتهد، المفتي المدرس، الورع الزاهد، بدر زمانه، وسعد أوانه: الشيخ سعد ابن الشيخ

ص: 453

حمد بن علي بن محمد بن عتيق بن راشد بن حميضة، ولد في بلد العمار من الأفلاج.

وأخذ العلم عن والده، ثم سافر لطلب العلم نحو تسع سنين، فأخذ العلم عن الشيخ نذير حسين الدهلوي، والشيخ شريف حسين، والشيخ صديق حسن القنوجي، وعن الشيخ حسين بن محسن الأنصاري الخزرجي، والشيخ محمد بشير السندي، والشيخ سلامة الله الهندي، وأخذ عن الشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى النجدي، وكلهم أجازوه.

وأخذ عن جماعة من علماء مكة، منهم الشيخ حسب الله الهندي، والشيخ عبد الله الزواوي، والشيخ أحمد أبو الخير، وجم غفير، وبرع حتى أدرك من العلوم حظا وافرا، وفاق أهل زمانه محصولا، وسمق حتى كان حجة حافظا، وكان كامل العقل، شديد التثبت، حسن السمت، حسن الخلق، له اليد الطولى في الأصول والفروع، تام المعرفة في الحديث ورجاله، وكان من العلماء العاملين، واشتهر ذكره في العالمين، وأثنت عليه ألسن الناطقين.

قال الشيخ سليمان بن سحمان: لما رجع من رحلته لطلب العلم من الهند، ثم من مكة إلى بلده الأفلاج:

فآبت لها الألطاف من كل جانب

مآثر تزهو كالنجوم الثواقب

على بلد الأفلاج أشرق سعده

هنيئا لكم أهل العمار بمن له

ص: 454

سلالة حبر فاضل ذي مناقب

هنيئا لكم هذا القدوم بعالم

إلى أن قال:

أخي ثقة في وده غير كاذب

سمات العلا من عليات المراتب

وللعلم يسمو مشمعل المناقب

وأهلا به من ألمعي مهذب

تسامت به هماته فتألقت

فشام إليها طرفه فسما لها

ولو تتبعنا مناقبه وفضائله لطال، أوقع الله محبته في القلوب; وأمده بسعة العلم، وكان كثير الدعاء والابتهال، متواضعا عند العامة، مرتفعا عند الملوك، مجالسه معمورة بالعلماء، مشحونة بالفقهاء والمحدثين، مشتغلا بنفسه، وبإلقاء الدروس المفيدة على أصحابه.

[تلاميذه]

أخذ عنه العلم الجم الغفير، وانتفع بعلمه الخلق الكثير، حسن الإفادة، حسن الاستفادة، أخذ عنه العلم أبناؤه محمد، وعبد العزيز، وحمد. وأخذ عنه إخوته الشيخ عبد العزيز، والشيخ عبد اللطيف، والشيخ عبد الله، ومحمد ابن أخيه عبد العزيز، والشيخ محمد بن عبد اللطيف، والشيخ محمد، وعبد اللطيف وعبد الملك، بنو الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف، والشيخ عبد الله، وعمر، ابنا الشيخ حسن بن حسين، والشيخ سعد بن سعود، والشيخ عبد الرحمن، وإبراهيم ابنا حسين، وعبد الرحمن بن الشيخ إسحاق،

ص: 455

والشيخ عبد اللطيف بن محمد بن عبد الرحمن آل الشيخ، والشيخ محمد بن عثمان الشاوي، والشيخ سليمان بن حمدان، والشيخ عبد الله بن حمد الدوسري، والشيخ إبراهيم بن سليمان، والشيخ فيصل بن عبد العزيز، والشيخ عبد العزيز بن سوداء، وعبد العزيز بن مرشد، وعبد الله بن عبد الرحمن بن غنام، والشيخ عبد الله بن حسن بن إبراهيم بن عبد الملك، وعبد الله بن فوزان، والشيخ عبد العزيز بن محمد الشثري، والشيخ عبد الله بن رشيدان، والشيخ عبد الرحمن بن عودان، والشيخ محمد بن علي البيز، وعبد الله بن سعدون، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم خلق لا يحصون.

ونظم متن الزاد وصل إلى الشهادات، وله حجة التحريض في الذبح عند المريض، ونصائح ورسائل، وفتاوى فرقناها في مواضعها. وأملى عند وفاته، على تلميذه عبد العزيز بن صالح بن مرشد، هذه الآبيات:

رزاق يا ذا الفضل والإحسان

وكذا تقلب مقلتي وجناني

قلبي وتعصمني من الشيطان

فضي بصاحبه إلى الرضوان

والتابعين لهم على الإحسان

يا حي يا قيوم يا خلاق يا

بيدك أنفاسي ورزقي كله

يا رب هب لي رحمة تهدي بها

ومن الضلال عن الصراط القيم المـ

دين النبي محمد وصحابه

ص: 456

بهوى يضل وبالحطام الفاني

المستعيذ به من الخذلان

يا واسع الإحسان والغفران

وقني إلهي فتنة أشقى بها

فأنا الضعيف المستجير بخالقي

وأنا العظيم الذنب فاغفر زلتي

[وفاته وما قيل في رثائه]

توفي رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى، في 13 جمادى الأولى، سنة 1349?، في بلد الرياض، وأصيب المسلمون بموته، وضجوا بالبكاء والعويل، والدعاء له، ورثاه جماعة، منهم محمد بن عبد الله بن عثيمين، مطلعها:

ويفقد العلم لا عين ولا أثر

أهكذا البر تخفي نوره الحفر

إلى أن قال:

بذكر أفعاله الأخبار والسير

ولا يحابي امرأ في خده صعر

أضحى وقد ضمه في بطنه المدر

حارت بغامضها الأفهام والفكر

ينتابها زمر من بعدها زمر

ثكلى عليه ولكن عزها القدر

كانوا فبانوا وفي الماضي معتبر

فعلمك الجم في الآفاق منتشر

وابك على العلم الفرد الذي حسنت

من لم يبال بحق الله لائمة

بحر من العلم قد فاضت جداوله

فليت شعري من للمشكلات إذا

من للمدارس بالتعليم يعمرها

هذي رسوم علوم الدين تندبه

طوتك يا سعد أيام طوت أمما

إن كان شخصك قد واراه ملحده

ص: 457

وقال الشيخ عبد الملك بن الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف:

ورزء عظيم قد أهاج بلابل

وخطب عرا مذك سعير الغلائل

وأظلمت الآفاق من عظم نازل

وللعين تبكي بالدموع الهواطل

بموت إمام العلم زاكي الشمائل

بكل فنون العلم بين القبائل

تقي نقي ما له من مماثل

يراقب ربا ليس عنه بغافل

يقرر للتوحيد بين المحافل

وذو خشية لله ليس بذاهل

فقيه نبيه فاضل وابن فاضل

مصاب دهى بالمعضلات النوازل

وكسر دهى الإسلام من أين جبره

به الأرض ضاقت والسماء تغيرت

فآن لقلبي أن يحالفه الأسى

لدن جاءنا الناعي مساءً مخبرا

هو الشيخ سعد من غدا متفردا

إمام لعمري ناسك متورع

إمام لعمري كان بالعلم عاملا

إمام لعمري كان للعلم باذلا

إمام لعمري ذو علوم كثيرة

إمام لعمري متقن بل وحافظ

* * *

وغيظ لأفاك جهول مماحل

ولم يخش في الرحمن لومة عاذل

ويحمي حماها من جميع الغوائل

تشد إليه مضمرات الرواحل

تراهم عكوفا بين قار وسائل

يحل عويص مشكلات المسائل

رحيب لأهل الخير يحنو عليهمو

يجاهد أعداءالشريعة دائبا

وملة إبراهيم أضحى يحوطها

له مجلس بالعلم يزهر دائما

يأمونه الطلاب من كل وجهة

فيلقون حبرا للغوامض كاشفا

ص: 458

بها جاء نعي الشيخ جم الفضائل

وأسكنه الفردوس مع كل عامل

بديمة عفو بالضحى والأصائل

فما مرنا في دهرنا مر ساعة

تغمده رب العباد برحمة

سقى الله قبرا حله وابل الرضى

الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف، رحمهما الله تعالى

هو الإمام العالم العلامة، الشهم الثقة الفهامة، محيي السنة قامع البدعة، الزاهد الورع العابد، ذو العقل الكامل، والخلق الحافل، أوحد العصر في أنواع الفضائل، أبو عبد الملك شيخ الإسلام، الشيخ: عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف بن الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

ولد في الأحساء سنة 1265?، وقدم بلد الرياض سنة 1272?، وأخذ العلم عن أبيه وجده، والشيخ حمد بن عتيق، والشيخ عبد الرحمن بن عدوان، والشيخ عبد الله بن حسين المخضوب; والشيخ محمد بن محمود، والشيخ عبد العزيز المرشدي; وفارس الرميح، وغيرهم.

وبرع في جميع الفنون: الأصول والفروع، والتفسير والنحو، وغيرها؛ وصار رفيع القدر، جم الفضائل. انتهت إليه الرئاسة في العلم، والرأي والكرم، قدوة الأنام، حسنة الأيام، افتخرت به نجد على سائر الأمصار، وشاع صيته في الأقطار، وضرب به المثل في الهيبة والاشتهار.

ص: 459

له اليد الطولى في الفروع والأصول، والمجالس للتدريس المحفوفة بالفحول; وله صدور المجالس والمحافل، وإلى قوله المنتهى في الفصل بين العشائر والقبائل، مع ما أمده الله من سعة العلم، وفطره عليه من الكرم والحلم؛ وكان لا يوفر جانبه عمن قصده، قريبا كان أو بعيدا، ولا يدخر شفاعته عمن اعتمده بريا أو بحريا، ضعيفا أو شديدا، ينتابه الأمراء والملوك، والعلماء، وأثنى عليه القريب والبعيد.

قال الشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى:

وعن ندب أطلال عفت بالذنائب

وإن تيمت قلبي بزج الحواجب

حسان الوجوه الناعمات الكواعب

ألا ذاك عبد الله فرع الأطائب

سما مجده أوج النجوم الثواقب

بكل القرى من شرقها والمغارب

حميد السجايا الشم جم المناقب

رحيب الفنا جزل الحبا والمواهب

ثمال لمعتر وكنْز لراغب

وغيث سماح هاطل بالرغائب

همام له في الفضل أعلى المراتب

صحا القلب عن ذكر الحمى والأخاشب

وأقلعت عن شوق ووجد بزينب

وأبدلت من وصف اللوا وظبائه

بمدح إمام الدين والحق والهدى

هو العالم النحرير والماجد الذي

هو العلم الفرد الذي سار ذكره

حليف التقى والعلم والحلم والنهى

شقيق الندى عف الإزار أخو الثنا

كريم المحيا باسم متهلل

ضياء علوم إن دجا ليل مشكل

فصيح بليغ متقن متفنن

ص: 460

يقصر عنها كل ساع وراكب

خطيبا فيا لله من وعظ خاطب

حباه بها الرحمن أكرم واهب

يشد رجال القوم نجب الركائب

يجلى بشمس العلم ليل الغياهب

بفكر كعضب للإصابة صائب

يزيح بها الإشكال عن فكر طالب

مقالا لأرباب العلا والمناصب

أنامله مخلوقة من سحائب

فضائلهم لم يحصها عد حاسب

كرام المساعي عن جدود مناجب

لقد نال من نهج البلاغة رتبة

إذا قام يوما فوق أعواد منبر

مهيب عليه للوقار سكينة

إليه لأخذ العلم من كل بلدة

فيلقون حبرا في العلوم مهذبا

يحل الذي أعيا ويكشف ما خفي

يجيب على الفتيا جوابا مسددا

فيا لك من شهم إذا قال لم يدع

هو الندب وضاح الجبين كأنما

أشم عصامي من النفر الأولى

مقاوم من عليا تميم توارثوا

ولو ذهبنا ننتبع مآثره، ومحاسنه وفضائله، وما أثني به عليه، لخرج بنا عن المقصود؛ وهو أشهر من أن ينبه على فضله، يضرب بشهرته المثل. له رسائل وفتاوى ونصائح كثيرة مفيدة، ورأي راجح في الحوادث المدلهمة، وهيبة وجلالة ألبسها بين الأمة، ومجالس في التدريس، عليها من المهابة جمة، في سنين عديدة، مشهورة مستنيرة، بل هو المتصدي للتدريس والفتوى بنجد.

[تلاميذه]

أخذ عنه العلم بنوه: عبد الملك، وعبد اللطيف، ومحمد، وصالح، وأخذ عنه العلم عمه الشيخ إسحاق بن

ص: 461

عبد الرحمن، وإخوته الشيخ: محمد، والشيخ إبراهيم، والشيخ عبد العزيز، والشيخ عبد الرحمن، والشيخ صالح بن عبد العزيز، والشيخ محمد بن إبراهيم، وعبد اللطيف، وعبد الرحمن بن الشيح إسحاق، وعبد الرحمن بن الشيخ محمد، والشيخ عبد الملك بن إبراهيم بن عبد الملك، وعبد الله بن حسن بن إبراهيم بن عبد الملك.

وعلي ابن الشيخ عبد العزيز، وعمر بن الشيخ حسن، وصالح، وعبد الرحمن أبناء الشيخ عبد العزيز بن محمد، والشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري، والشيخ عبد الله بن فيصل، والشيخ عبد العريز بن بشر، والشيخ عبد الرحمن بن سالم، والشيخ عبد الرحمن بن محمد بن داود، والشيخ عبد العزيز بن حمد بن عتيق، والشيخ عبد الله بن سليمان السياري، والشيخ عبد الله بن حمد الدوسري، والشيخ سالم الحناكي، ومحمد الحناكي، والشيخ عمر بن سليم، والشيخ عبد الرحمن بن عودان، والشيخ محمد بن عثمان الشاوي، وناصر بن سعود بن عيسى.

والشيخ مبارك بن عبد المحسن، والشيخ عبد الله بن زاحم، والشيخ عبد الله بن بليهد، والشيخ عبد العزيز بن عبد الله النمر، والشيخ سعد بن سعود، والشيخ فيصل بن

ص: 462

عبد العزيز آل مبارك، والشيخ إبراهيم بن سليمان بن راشد، والشيخ عبد الله بن عتيق، والشيخ عبد اللطيف بن عتيق، والشيخ إبراهيم وعبد الرحمن ابنا حسين، والشيخ عبد الله بن رشيدان، والشيخ سليمان بن حمدان، والشيخ محمد بن علي البيز، والشيخ فالح بن عثمان بن صغير، والشيخ عبد العزيز الشثري، وعبد العزيز بن مرشد، وحمد بن محمد بن موسى، وخلق لا يحصيهم إلا الله تعالى.

[وفاته وما قيل في رثائه]

توفي رحمه الله تعالى سنة 1339?، ورثاه الجم الغفير، منهم الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف، قال:

نريق كصوب الغاديات الهواطل

ولوعة محزون مهاج البلابل

وتسكب دمعا بالضحى والأصائل

فؤادي على حزن به متواصل

فإني مصاب القلب مذكى الغلائل

كيوم وفاة الشيخ زاكي الشمائل

به الكل مفجوع مصاب المقاتل

وداهية من قاصمات الكواهل

وهد بسور الدين صافي المناهل

على الشيخ عبد الله بدر المحافل

دموعا على الخدين تجري بعبرة

فقد حق أن العين تهراق ماءها

وآن لكبدي أن تذوب وينطوي

وللأنس أن يزور عني جانبا

فما مرنا يوم فظيع على الورى

فأعظم به من فادح جل خطبه

ويا لك من رزء به انبتّ حبلنا

ويا لك من نقص عظيم وثلمة

* * *

وفرجته هيهات ذا غير حاصل

فهل أحد يرجى لسد انثلامه

ص: 463

تحن على فقدانه في المنازل

لدن قيل مات الشيخ جم الفضائل

يبين الهدى في مشكلات المسائل

وغايته كي ينتهي عن أباطل

طبيب زمان ما له من مماثل

وثابت جأش في اشتداد النوازل

وذو خلق زاك وحسن شمائل

وذو نصف في أمره غير مائل

وذو شبه بالسالفين الأماثل

لدين الهدى العالي على كل طائل

فما أم بكر قد أظلته يوما

بأعظم مني لوعة ومصيبة

هو العالم النحرير والجهبذ الذي

هو الناصح البذال في النصح وسعه

إمام لعمري عارف أهل وقته

تقي نقي حازم ذو رزانة

حليم ذكي ذو دها وسماحة

فقيه نبيه ناسك متورع

مهيب إذا ما جئته ذو تبسم

قفا أثرهم بالصالحات ونصرهم

* * *

ظهور الفلا من شاسعات المنازل

صفوح عن الزلات من جهل جاهل

وعن نائل من عرضه أي نائل

وكهفا لعمري للهداة الأفاضل

وأجناد إبليس اللعين المخاتل

ويثنيه مغلولا على غير حاصل

يفلق من هاماتهم كل طائل

وعبادة الأوثان أهل الغوائل

وأحزاب سوء قد أقاموا لباطل

إليه تشد اليعملات وتمتطى

وصول لأرحام إن قطعت له

عفو عن الجاني عليه وجارم

وقد كان شمسا للأنام منيرة

وكان شهابا محرقا لذوي الردى

يرد على ذي الابتداع ابتداعه

وسيفا على الكفار قد سل نصله

من الترك والأرفاض أخبث شيعة

وجهمية في غيرهم من طوائف

ص: 464

تنوب شجا في حلق كل مماحل

ووالد أيتام وغيث أرامل

وبهجته للارتياح لنائل

بأجمعها سبحان مولي الفضائل

فوالله نزر من أقل القلائل

يسار بها في الضاعنين ونازل

على وجناتي واستمري وواصلي

ويبكيه غيري من شريف وخامل

ويشجو على تقريره في المحافل

أراد به الأعلام من كل فاضل

لمرجوحها من راجحات المسائل

من العلماء العالمين الأماثل

وأعينهم كالمستهل بوابل

لدين الهدى من ذي استماع وسائل

وآخر بالأقلام راو وناقل

ولا سيما الأصل المنافي لباطل

وغيرهما من أمهات الدلائل

وقد كان ردما دون كل كريهة

وقد كان قصدا للعفاة1 ومحتدا

إذا منصف يوما تأمل حاله

تيقن أن الشيخ قد أحرز العلا

وما قلته من زاكيات خصاله

وشهرته تكفي وأخباره التي

فيا عين سحي أدمعا بعد أدمع

سأبكيه جهدي ما حييت بحرقة

ويبكيه أصل الدين قطب رحى الهدى

ونشر له من بعد لف يبين ما

وتبكي فروع طال ما كان موضحا

ويبكيه حقا كل صاحب سنة

ويبكيه طلاب العلوم بلوعة

على مجلس ينتابه كل مبتغ

ومن حافظ تقريره بفؤاده

ومن قارئ ما يشفي من مصنف

وكتب حديث للبخاري ومسلم

* * *

وقد أدنيت منها القطوف لنائل

فكان لعمري جنة قد تزخرفت

(1) نسخة: قصدا الفاة.

ص: 465

قطفناه منها عاجلا غير آجل

كمجلسه يوما فأروي غلائلي

لياليه بالحسنى وجم الفضائل

وأسكنه الفردوس أعلى المنازل

عشيرته والله مولى الفضائل

عن الملة السمحا برد الأباطل

قريب لداع مستجيب لسائل

لإرشاد غاو بل وتعليم جاهل

فهل عوض منها فنقطف مثلما

ويا ليت شعري أنني كنت واجدا

فهيهات هيهات انقضى وتصرمت

جزاه إله الناس عنا بجنة

وأخلفه بخير في عقب وفي

وأبقاهمو دهرا يذبون جهدهم

ووفقهم للصالحات فإنه

وأحي لنا أشياخنا أنجم الهدى

وقال الشيخ سليمان بن سحمان:

وقد صاب أهل الدين إحدى الفواقر

لدن غيبوا في الرمس بدر المنابر

وجالي الصدى بالقاطعات الظواهر

ومفتي القرى شيخ الشيوخ الأكابر

لدى كل صقع في بعيد الجزائر

مآثر تزهو كالنجوم الزواهر

نبي الهدى أكرم بهم من أطاهر

وقاموا بنشر الدين بين العشائر

ورحمته والله أكرم غامر

بصدق وجد قامع للمكابر

على رغم أهل الشرك من كل كافر

لقد كسفت شمس العلا والمفاخر

وقد فتقت في الدين أعظم ثلمة

عنيت به شيخ الهدى معدن الندى

جمال الورى جزل القرى شامخ الذرى

هو الشيخ عبد الله من عم صيته

سليل الرضى عبد اللطيف الذي له

سلالة من أحيوا لدين محمد

لقد أشرقت نجد بنور ضيائهم

تغمدهم رب العباد بفضله

همو جددوا دين الهدى بعدما عفا

فأصبح أصل الدين يزهو بنوره

ص: 466

عصابة حق من كرام العناصر

بهم تقترى غرثى السباع الضوامر

فقد جردوا في نصره للبواتر

بحزم وعزم في الوغى والتشاجر

على حالة يرضى لها كل شاكر

ولا زال حزب الله أهل تناصر

على الخد مني مثل تسكاب ماطر

لواهبها اورت أليم السعائر

يرى فيض دمعي والنجوم الزواهر

وكيف ونومي لا يلم بخاطر

مجدد أصل الدين غيظ المناظر

وبشرا وجودا في الليالي العسائر

ومن طبعه حسن الوثوق بقادر

ووازرهم في نصرة الدين والهدى

ليوث إذا الهيجاء شب ضرامها

بآل سعود أظهر الله دينه

وقد جاهدوا في الله حق جهاده

إلى أن أعاد الله دين نبينا

فلا زال من أبنائهم نصرة له

أقول ودمع العين يهمي بعبرة

وفي القلب نار الحزن تذكى ضرامها

أرقت ومالي في الدجى من مسامر

أروم لنفسي فى دجى الليل راحة

ألا ذهب الحبر المحبب في الورى

أبو مضيف من يقصده يلق بشاشة

به الجود طبعا لا يفارق كفه

* * *

وعلم وإنصاف وعفة صابر

وإرشاد ذي جهل وقمع مقامر

لدى الحادثات المنصعات البوادر

لدى الصحب والإخوان أو ذي أطامر

ولا سيما عند الغواة الغوادر

وليس بمحصيها يراع لحاصر

له السبق في غايات مجد وسؤدد

وحلم عن الجاني وصدق مودة

ورأي سديد يستضاء بنوره

أبي وخذ ما شئت من لين جانب

ولكنه ليث عليه مهابة

وكم من مزايا لا يطاق عدادها

ص: 467

شمائله مشهورة في العشائر

وحق بأن يرثى له كل شاعر

من الأجل المحدود في علم قاهر

وقد منح المولى مثوبة صابر

وليس بمحتاج إلى مدح نادب

ولكن لنا بعض التسلي بذكرها

وما مات إلا بانقضاء لمدة

فلا جزع مما قضى الله ربنا

وقال الشيخ عبد اللطيف بن الشيخ إبراهيم رحمه الله:

بكينا عليه بالدموع السواكب

وللأنس أن يزور عني بجانب

وللجسم أن يمسي كجسم لشاحب

أصاب سويدا القلب بين الحواجب

مصيبته تنسي جميع المصائب

لما عمها من فادحات النوائب

لدن غيبوا أسد الهداة الأطائب

مآثر مجد عاليات المراتب

على الحبر بحر العلم زاكي المناقب

وحق لعيني أن تريق دموعها

وحق لقلبي أن يرى متصدعا

وذاك لخطب قد دهانا مروع

فأعظم به من فادح جل خطبه

به أظلمت أرجاء نجد جميعها

فوالله إن العيش عاد منغصا

وأعني بة الشيخ الإمام الذي له

* * *

وذو الحلم والإحسان صافي المشارب

وكهفا لأيتام وغيثا لطالب

وثابت رأي في اشتداد النوائب

شهاب على الأعداء من كل ناكب

وكان لعمري ما له من مقارب

هو الشيخ عبد الله ذو الجود والتقى

إمام لعمري كان بالعلم عاملا

حليم عليه للوقار مهابة

إمام لدين الله كان مجددا

تفرد في التقوى وفي الحلم والحجى

ص: 468

وذو خلق زاك وجم المناقب

لهم همة فوق النجوم الثواقب

أبي وفي صادق ذو سماحة

تفرع من قوم كرام أعزة

* * *

على الخد مني ساكب أي ساكب

وكشاف هم مدْلهمِّ الغياهب

وليس بمحصيها يراع لكاتب

تسير بها الركبان فوق النجائب

يحف به من مستفيد وطالب

لكي يرتووا من صافيات المشارب

من العلم والتحقيق خير المساكب

ويهتك أستار الغواة الكواذب

فنرجو له الجنات أعلى المطالب

بأعلى الجنان يا سميعا لطالب

أقول ودمع العين جار بعبرة

ألا ذهب الشيخ الإمام أخو الندى

مناقبه في الناس أضحت شهيرة

فوائده سارت بشرق ومغرب

له مجلس بالعلم يزهر دائما

إليه أتى الطلاب من كل وجهة

فيلقون ما قد أملوه وزائدا

يقرر توحيد العبادة دهره

لئن عاش في الدنيا عزيزا منعما

فيا رب يا مولاي بوئه منْزلا

وقال الأديب ناصر بن سعود بن عيسى:

أن البرية تفنى بالمنيات

ـع الدهر شمس الهدى عالي السجيات

أتقى وأنقى وأحجى ذو مروات

فينا على الدين حقا والولايات

راجعون إليه في الملمات

وابكي أخا المجد مأمون السريرات

قضى الإله الذي فوق السموات

نعى النعاة لنا شيخ الوجود قريـ

نعوا إماما هماما حازما يقظا

إنسان عين الزمان خير مؤتمن

فالحمد لله إنا للإله وإنا

يا عين جودي على شيخي بعبرات

ص: 469

وابكي على الشيخ عبد الله أفضل

أهل العصر أكثرهم تقوى وخيرات

وابكي على شيخنا بحر العلوم وقا

موس الفهوم الزكيات الصحيحات

* * *

خير امرئ قد علمنا في البريات

يا لهف نفسي عليه بين أموات

على الذي يرتضي رب السماوات

برا نصيحا منيلا للكرامات

موت الإمام الزكي الأورع الرات

فأذهبت عنهم كل المسرات

ومن دم تستهل العين عبرات

فراعنا إذ أتانا أي روعات

وابكي على عالم جم فضائله

علما وحلما وجودا لا نظير له

كان الضياء وكان النور يتبعه

وينشر العلم لطلاب كان بهم

مصيبة عظمت لا كالمصيبات

ريعت لها من ذوي الإسلام أفئدة

كادت تفيض عليه النفس من حزن

خطب عظيم الشأن فاجانأ

* * *

سحوا الدموع التي كانت غزيرات

في المكرمات وفي حسن الخليقات

في الأصل والفرع من نفي وإثبات

عن الخنى والمساوي والدناءات

فأصبحت بعد ذاك النور ظلمات

للطالبين وأصحاب السؤالات

يا أيها المسلمون ابكوا لشيخكمو

هل يشبه الشيخ عبد الله من أحد

هل يشبه الشيخ عبد الله من أحد

بر رحيم لطيف الطبع مبتعد

نور أضاء على نجد وساكنها

كانت مجالسه بالعلم عامرة

إلى آخر ما أثنى به مما أجاد فيه، فرحمه الله وعفا عنه.

ص: 470

الشيخ محمد بن عبد اللطيف، رحمه الله

هو العالم الجليل، الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن. ولد في الرياض سنة 1282?، ونشأ في بيت علم نشأة حسنة مباركة.

قرأ القرآن وحفظه، وشرع في طلب العلم بهمة عالية. فقرأ على علماء الرياض، ومن أبرزهم: أخوه عبد الله بن عبد اللطيف، ومحمد بن محمود، وحمد بن عتيق، وسليمان بن سحمان؛ حتى نبغ في العلم وتأهل للقضاء، فعين في شقراء، وبعث داعية إلى عسير وغامد وزهران.

وجلس للطلبة؛ وكان حسن التعليم واسع الاطلاع، يحب جلب الكتب ومشتراها، وتولى قضاء الرياض، وانتهى إليه الإفتاء والتدريس بعد وفاة أخيه عبد الله، وغير ذلك.

توفي رحمه الله سنة 1367? وخلف أبناءه الثلاثة عبد الرحمن، وعبد الله، وإبراهيم. انتهى باختصار من روضة الناظرين لمؤلفها محمد بن عثمان القاضي.

ص: 471

الشيخ صالح بن عبد العزيز، رحمه الله

هو العالم الجليل، الشيخ صالح بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن حسين، ولد في قرية السلمية من بلدان الخرج سنة 1287?، توفي والده وهو صغير وكفله ابن عمه حسن بن حسين، حين تزوج أمه، ورعاه رعاية حسنة، فقرأ عليه القرآن حتى حفظه، وقرأ عليه مبادئ العلوم.

ولما بلغ رشده زوجه فاستقل بنفسه، وصار يتعاطى البيع والشراء، ولم يصده ذلك عن طلب العلم. فمشايخه من أبرزهم ابن عمه الذي تقدم ذكره، والشيخ عبد الله بن عبد اللطيف، وهو أكثر مشايخه نفعا وملازمة، والشيخ عبد الله الخرجي، ومحمد بن محمود، وحمد بن فارس.

وتعين إماما بمسجد ابن شلوان المجاور لبيته، ودرس فيه، فتخرج عليه ثلة من طلبة العلم. وكان يصدع بالحق، لا يخاف في الله لومة لائم، غزا مع الملك عبد العزيز، وكان من الشجعان البواسل وإماما في الجيش. تولى القضاء في الرياض، مع الشيخ سعد بن عتيق.

توفي رحمه الله سنة 1372هـ انتهى باختصار من روضة الناظرين.

ص: 472

الشيخ عبد الرحمن بن سعدي، رحمه الله

هو العالم الورع الزاهد، الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي، ولد في مدينة عنيزة بالقصيم سنة 1307 من الهجرة، وعرض له اليتم في صغره، وبعد حفظه للقرآن قرأ على المشايخ، ومنهم صالح بن عثمان قاضي عنيزة.

ثم جلس للتدريس وأخذ عنه العلم عدد كثير، منهم الشيخ سليمان بن إبراهيم البسام، والشيخ محمد بن عبد العزيز المطوع، والشيخ محمد بن صالح العثيمين.

وله مؤلفات مشهورة، منها: تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن.

توفي رحمه الله في جمادى الآخر سنة 1376هـ، وخلف ثلاثة أبناء. انتهى باختصار من روضة الناظرين المتقدم ذكرها. ولمزيد من المعرفة عن ترجمته انظر ما في الجزء الثالث من كتاب الشيخ البسام.

الشيخ عبد الله الخليفي، رحمه الله

هو العالم الجليل والفقيه الفرضي الشهير، الشيخ عبد الله بن صالح بن عبد الرحمن الخليفي، ولد في البكيرية بالقصيم سنة 1300 من الهجرة، ونشأ نشأة حسنة، قرأ القرآن وحفظه مع مبادئ العلوم على خاله محمد العبد الله الخليفي.

ص: 473

ثم علت همته للتزود من العلم فسافر إلى مدينة حائل، ولازم علماءها بجد ونشاط، ومن أبرزهم عبد العزيز الصالح المرشد قاضي حائل، وعبد الله بن مسلم، وعبد الله بن سليمان بن بليهد.

وكان لا يسأم من المطالعة، ومشغولا بكتب ابن تيمية وابن القيم، وذو تبحر في الفقه والفرائض، تولى القضاء والتدريس في عدد من المدن.

توفي رحمه الله سنة 1381هـ، وخلف أربعة أبناء. انظر روضة الناظرين إن شئت معرفة أكثر عنه.

الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف، رحمه الله

هو العالم الجليل، والفهامة المهيب الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، خليفة الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف، ولد سنة 1311هـ بمدينة الرياض، في بيت علم وشرف ودين.

رباه والده إبراهيم أحسن تربية، ونشأ نشأة حسنة، وحفظ القرآن نظرا وهو في العاشرة، وحفظ مبادئ العلوم. وفقد بصره وهو في السادسة عشر من عمره، فأخذ يحفظه شيئا فشيئا حتى أكمله، وصار يدارس والده القرآن ويحفظ المتون، وكان أبوه قاضيا في مدينة الرياض.

ولازم علماء الرياض، ومن أبرزهم: الشيخ سعد بن حمد بن عتيق، والشيخ حمد بن فارس، والشيخ

ص: 474

عبد الله بن راشد. ولازم أباه وعمه عبد الله، وأقبل على العلم إقبالا منقطع النظير.

وكان المشايخ معجبين بفرط ذكائه ونبله، فصار على حسن ظنهم، حيث كان خليفة الشيخ عبد الله في الإفتاء ورئاسة القضاء، وكل مرفق يحتاج في رئاسته إلى عالم يرجع إليه، فله فيه الباع الطويل.

فله الأثر الكبير في التعليم وحسن التأسيس له، والحرص التام على التخصص في العلوم الشرعية، بل والحرص على تعلم الناس دينهم الذي لا نجاه لهم إلا به.

وقد أخذ العلم عنه خلق كثير منهم الآن من تولى الرئاسة في الإفتاء والقضاء، وهيئة التمييز، وهيئة كبار العلماء ومنهم المدرسون والدعاة إلى الله، ورؤساء الهيئات، والمستشارون، وغير ذلك من آثار طيبة وجليلة. رحم الله الشيخ رحمة واسعة وجزاه أحسن الجزاء، ولا شك أن المسند إليه ذلك له نصيب كبير في ذلك.

توفي رحمه الله سنة 1389 من الهجرة وجمع له رسائل وفتاوى بلغت 13 جزءا مرتبة ترتيبا جيدا، لا يستغني عنها طالب العلم لما فيها من الوضوح، ولما فيها من حسن الجواب، وما يربط بين الماضي والحاضر فى معرفة الأمور وحل المشاكل وغير ذلك، ولا تزال شجرته خضراء - ولله الحمد - فقد خلّف أولادا وأحفادا فيهم خير وبركة.

ص: 475

الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد، رحمه الله

هو العالم الجليل والحبر الفهامة النبيل، المحقق المدقق، الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد، ولد بمدينة الرياض سنة 1329 من الهجرة، وفقد بصره في طفولته.

حفظ القرآن، وشرع في طلب العلم بهمة ونشاط، فقرأ على الشيخ حمد بن فارس، والشيخ سعد بن عتيق، والشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، ومحمد بن عبد اللطيف، والشيخ محمد بن إبراهيم وغيرهم.

وكان مشايخه يتفرسون فيه الذكاء والنباهة، ويقولون سيكون لهذا الفتى شأن، فكان على حسن ظنهم، نفع الله به الإسلام والمسلمين، فكان قاضيا ومفتيا، وداعية إلى الله ومصلحا، ومحبوبا.

تولى مناصب عدة منها: القضاء، ورئاسة المجلس الأعلى للقضاء، ورئاسة الحرم المكي، والمجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي، وعضو في هيئة كبار العلماء مع قيامه بالتعليم في كل مدينة يسكنها، وبعثه الرسائل في الدعوة إلى الله، والرد على من ظهر منه الخطأ في الصحف والمجلات، وإجابته عن الأسئلة في المحاضرات والندوات، وغير ذلك من الأعمال الصالحة التي قلّ من يقوم بمثلها، فرحمه الله رحمة واسعة، وجزاه الله أحسن الجزاء.

ص: 476

وافته المنية في 20/11/1402 من الهجرة، وقد خلف أولادا وتلامذة فيهم خير وبركة، فلله الحمد والمنة، ونسأله تعالى أن يجعلهم خير خلف لخير سلف، ورثاه ثلة من العلماء منهم الشيخ محمد بن عبد الله بن سبيل، وأحمد الغنام، كما في روضة الناظرين. ولمزيد من المعرفة عنه انظر ترجمته في "علماء نجد خلال ثمانية قرون" ج 4.

الشيخ عبد الله بن سليمان بن حميد، رحمه الله

عالم جليل وداعية إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ولد في بريدة بالقصيم عام 1322 من الهجرة، وتعلم فيها القراءة والكتابة، ثم بدأ بطلب العلم على الشيخ عبد الله بن محمد بن سليم، والشيخ عمر بن محمد بن سليم، والشيخ عبد العزيز العبادي، وغيرهم من علماء بريدة حتى أدرك وصار من العلماء.

وقد رشحه شيخه عمر للقضاء في برك الغماد من مقاطعة جيزان، ثم تنقل في محاكم تهامة، فصار رئيسا لمحكمة القنفذة، ثم رئيسا لمحكمة جيزان، ثم نقل رئيسا لمحكمة البكيرية، ثم نقل رئيسا لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقصيم، ثم أحيل للتقاعد في عام 1383?.

وله نشاط في الدعوة والإرشاد، والنصح، وقد تولى في آخر حياته الإشراف على مدارس تحفيظ القرآن في

ص: 477

القصيم، فقام بذلك بجد واجتهاد، وكان يجلس للتدريس في أحد مساجد بريدة؛ والتف عليه عدد من الطلبة، ونفع الله بعلمه حتى أقعده المرض.

توفي رحمه الله في يوم الاثنين 3/6/1404? وحضر الصلاة عليه جمع غفير فرحمه الله وعفا عنه، انتهى باختصار مع بعض التصرف من كتاب البسام "علماء نجد خلال ثمانية قرون " ج 4.

الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مهيزع، رحمه الله

عالم جليل وحبيب لبيب متواضع، ولد في حريملاء سنة 1325 من الهجرة، ونشأ فيها وتعلم مبادئ القراءة والكتابة. فلما صار في طور الشباب من عمره وعلت همته لطلب العلم، رحل إلى الرياض وقرأ على الشيخ محمد بن إبراهيم، وعلى أخيه الشيخ عبد اللطيف، ولازم الشيخ محمد في كثير من العلوم الشرعية حتى عدّ من الطلاب المدركين.

فلما بلغ هذا المبلغ، ولما له من سجايا طيبة، عيّن قاضيا في عدة قرى، ثم في المحكمة الكبرى بالرياض، ثم أحيل على التقاعد برغبة منه; ومع أعماله القضائية فله مشاركة هامة في التدريس والإفتاء والبحوث وغير ذلك. فجزاه الله أحسن الجزاء، ونسأله تعالى أن يجعل منازلنا وإياه في الفردوس الأعلى.

ص: 478

توفي رحمه الله عام 1404 هـ. انتهى باختصار مع بعض التصرف من كتاب البسام "علماء نجد خلال ثمانية قرون" ج 6.

الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي، رحمه الله

الحبيب اللبيب والعالم الجليل، والداعية إلى الله، اليقظ الفطن، ولد رحمه الله سنة 1331 من الهجرة في الشماسية، ثم انتقل إلى بريدة مع أسرته وقرأ القرآن، واشتغل مع والده في التجارة، ثم الزراعة.

وتفرغ لطلب العلم، فأخذ يطلب العلم على الشيخ عمر بن محمد بن سليم، ولازمه ملازمة تامة، وقرأ أيضا على الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد، وعلى الشيخ صالح بن أحمد الخريصي، وغيرهم، وعرض عليه القضاء، ولكنه اعتذر.

وفي عام 1373هـ عيّن مدرّسا في المعهد العلمي ببريدة، وفي عام 1384? عيّن إماما في مسجد الوزان، وأخذ يدرس العلوم الشرعية لطلاب العلم. وكان له مكتبة كبيرة تضم أمهات الكتب، فيقضي فيها كثيرا من وقته في البحث والتأليف والمطالعة.

وطلب منه أن يكون محاضرا في كلية الشريعة بالقصيم فوافق على ذلك، واستفاد منه الطلاب; ثم أحيل للتقاعد،

ص: 479

فتفرغ للدعوة. ومن أجل أعماله إنشاء الجماعة الخيرية لتحفيظ القرآن، وجمعية البر التي من أهم أهدافها رفع المستوى الاجتماعي والصحي والثقافي ببريدة وضواحيها.

ومن تلاميذه الشيخ صالح الفوزان والشيخ إبراهيم الدباسي وحمد المحيميد وغيرهم; وله مؤلفات منها عقيدة المسلمين والرد على الملحدين، والسلسبيل في معرفة الدليل، والهدى والبيان في أسماء القرآن وغيرها; فجزاه الله عنا وعن المسلمين أحسن الجزاء، وجعل منازلنا وإياه في الفردوس الأعلى.

توفي رحمه الله في يوم الجمعة 3/5/1410 من الهجرة. انتهى باختصار مع بعض التصرف من كتاب الشيخ البسام "علماء نجد خلال ثمانية قرون" ج 2.

الشيخ حمود بن عبد الله التويجري، رحمه الله

العالم العابد الزاهد، الحبيب اللبيب، الصبور المحتسب، المجاهد في إظهار الحق ورد الباطل، بلسانه وقلمه وماله، فلا تأخذه في الله لومة لائم، ولد عام 1334 من الهجرة، وتعلم القراءة والكتابة في صغره، وحفظ القرآن.

ثم ابتدأ في طلب العلم، ولازم أهل العلم منهم الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري، وقد أجازه في رواية

ص: 480

الصحاح والسنن والمسانيد، وفى رواية كتب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وفي غير ذلك.

وقرأ على الشيخ محمد بن عبد المحسن الخيال، والشيخ عبد الله بن محمد بن حميد، وكان مثالا يحتذى في الورع والأدب وحسن الخلق، عيّن في القضاء في المنطقة الشرقية، وفي الزلفى، ثم اعتذر، وطلب للتعليم مرارا; لكنه اعتذر وآثر التفرغ للعلم والبحث والتأليف.

فألف كتبا ورسائل، الناس في أمسّ الحاجة لمثلها، فنفع الله بها، ولا تزال - بحمد الله - تتجدد ويرجع إليها، لما فيها من الأدلة والبراهين وحسن التوجيه لما عليه السلف الصالح، وكشف ما وقع فيه بعضا من الخلف ممن غفل عن منهج السلف، أو أعرض عنه لجهله وبعده عنه، وغير ذلك من الأسباب.

توفي رحمه الله عام 1413هـ، وخلف أولادا فيهم خير وبركة. فرحم الله الشيخ حمود وأسكنه فسيح جناته، وبارك له في الباقيات الصالحات إنه سميع مجيب. ولمزيد من المعرفة عنه انظر ترجمته في الجزء الثاني من كتاب "علماء نجد خلال ثمانية قرون" للشيخ عبد الله البسام حفظه الله.

ص: 481

الشيخ صالح بن أحمد الخريصي، رحمه الله

العالم، الورع، الزاهد، ولد سنة 1327 من الهجرة، وتعلم القرآن الكريم والنحو على يد الشيخ صالح الكريديس، وباقي العلوم الشرعية على عدد من المشايخ، منهم: محمد بن عبد الله الحسيني، ومحمد السليم، وعبد الله بن محمد بن حميد، رئيس مجلس القضاء الأعلى.

تولى الإمامة وفتح حلقة ذكر وتدريس في المسجد عام 1354هـ، وعيّن في القضاء في القصيم، ثم في الأسياح ثم في الدلم، ثم تولى رئاسة المحكمة الكبرى ببريدة، ثم عين رئيسا لمحاكم القصيم. وله تلامذة كثيرون، وكان لا يدع الحج والعمرة، ولا يدع صيام ثلاثة أيام من كل شهر، ولا يدع قيام الليل.

وكان شافعا لأصحاب الحاجات والغارمين واليتامى والمساكين والأرامل، وجلّ وقته لقضاء مصالح المسلمين. له رسائل ونصائح طبع بعضها وانتشر، توفي رحمه الله سنة 1415 من الهجرة، غفر الله له وجزاه عنا وعن جميع المسلمين أحسن الجزاء.

ص: 482

الشيح عبد الرحمن بن عبد الله بن حمود التويجري، رحمه الله

عالم جليل، وورع عفيف، ولد سنة 1336 من الهجرة، توفي والده وهو صغير فاعتنت به والدته، فتعلم مبادئ القراءة والكتابة عند الشيخ أحمد الصانع. ولما تجاوز سن الصبا قرأ على الشيخ عبد الله العنقري، والشيخ محمد الخيال، والشيخ سعود بن رشود، عددا من العلوم الشرعية فأدرك إدراكا جيدا، وصار له مشاركة كبيرة في العلوم التي درسها.

وطلب منه القضاء ولكنه اعتذر، وتولى الإمامة والوعظ وتدريسه الطلاب في مسجدين في المجمعة 43 سنة. ومن تلاميذه أبناؤه، وأبناء أخيه حمود، وألف كتابه "الشهب المرمية" طبع سنة 1374هـ، نقد فيه كثيرا مما اتبعته العامة من تقليد للغربيين في أعمالهم وعاداتهم، وله رسالة لاحظ فيها على كتابي علماء نجد بعض الأخطاء المطبعية وغير ذلك.

توفي رحمه الله في 16/10/1416هـ. انتهى باختصار مع بعض التصرف من كتاب "علماء نجد خلال ثمانية قرون" ج 3.

ص: 483

الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، حفظه الله

هو العالم الجليل، والمحدث الفقيه، المفيد للطالبين، المحفوف بعناية رب العالمين، الورع الزاهد، المحبوب المعمر في طاعة رب العالمين، قد خيّب الله بطول عمره، توقع الجاهلين، وظن الحاقدين. ولد حفظه الله في سنة 1330 من الهجرة، بمدينة الرياض، وكان بصيرا، ففقد بصره سنة 1350هـ، حفظ القرآن قبل سن البلوغ، ثم جدّ في طلب العلم، على علماء الرياض.

ومن أبرزهم الشيخ محمد بن عبد اللطيف، والشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، والشيخ سعد بن عتيق، والشيخ حمد بن فارس، والشيخ محمد بن إبراهيم وغيرهم، ولما برز في العلوم الشرعية واللغة العربية عيّن في القضاء سنة 1357هـ.

ولم ينقطع عن العلم والتعليم، بما شغل به من مناصب في القضاء في أي مدينة كان، فهو القاضي والمفتي، والداعية والمصلح، والرئيس والإمام والمعلم، والمكرم للضيوف، والحنون على الأرامل والأيتام، ومطعم المساكين، والواسطة في الأمور الخيرة.

نشأ على يديه عدد فيهم خير وبركة، له تأسيس كبير

ص: 484

في الندوات والمحاضرات، واختيار الموضوعات. ظهر له كتب ورسائل كثيرة وأشرطة عديدة، يعجز عن إحصائها المتتبع لها، لا يضيع عليه شيء من أوقاته، فما أحسن وأحلى وأعظم حياته!

فهنيئا له ولكل من سار على نهجه في حياته فصبر وصابر، وعمر أوقاته في طاعة ربه ومرضاته.

وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يزيد لنا في مدّ عمره بكامل حواسه وقواته، وأن يرزقنا وإياه حسن الخاتمة في الأمور كلها، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. 1.

الشيخ صالح بن علي بن فهد بن غصون التميمي، حفظه الله

عالم جليل، وفقيه ورع، مفيد للطالبين، ومحفوف بعناية رب العالمين، ولد حفظه الله سنة 1341 من الهجرة في الرس، حفظ القرآن في صغره، وفقد بصره في السنة 12 من عمره.

وعلت همته إلى طلب العلم فتوجه إلى الرياض، وقرأ على الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم الفرائض

1 وانظر إن شئت ترجمة له في الجزء الأول من فتاوى اللجنة الدائمة.

ص: 485

والأجرومية، وقرأ على الشيخ محمد بن إبراهيم جميع العلوم النافعة، عشر سنين.

ثم عيّن في القضاء في سدير سنة 1368هـ، ومكث فيه أربع سنين، ثم في شقراء عشر سنين، بالإضافة إلى التدريس في المعهد، والإمامة والخطابة في الأماكن التي عيّن فيها.

وفي نهاية عام 1381? عيّن في الأحساء رئيسا للمحاكم فيها، إلى نهاية سنه 1390هـ ثم صار عضوا في هيئة التمييز في الرياض، وفي سنة 1391هـ عيّن أيضا عضوا في هيئة كبار العلماء، وفي عام 1399هـ عيّن في المجلس الأعلى للقضاء.

وفي 1408هـ طلب الإحالة للتقاعد للاستجمام لصحته والتفرغ لعبادة ربه، ومع ذلك فلم ينقطع نفعه عن المسلمين؛ فله مشاركة في الإذاعة في برنامج نور على الدرب، مستمرة من عام 1391?، إلى الآن يجيب فيها على الأسئلة، ويوجه الناس لما هو الأصلح في دينهم ودنياهم، بأسلوب مبسط، وسهل، يعيه العامي والمتعلم، وهذا من حسن تواضعه، ورغبته في إيصال الخير لمريده.

كما أنه أيضا يجيب على الأسئلة، في المسجد وفي بيته، وعلى جهاز الهاتف، وغير ذلك; فحياته - ولله الحمد - كلها جدّ واجتهاد وعمل وصبر.

ص: 486

أرجو الله الكريم أن يضاعف له الأجر، وأن يمد في عمره بصحة وعافية وهناء، وأن يحسن لنا وله الخاتمة في الأمور كلها، وصلى الله على محمد، حرر في ليلة الاثنين 8/1/1419 هجرية.

الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن فريان، حفظه الله

عالم جليل، وشهم شفيق، معلم، وإمام، وخطيب، ولد حفظه الله سنة 1348هـ، وحفظ القرآن في سن مبكر في الخامسة عشر من عمره.

وقرأ على الشيخ محمد بن إبراهيم، والشيخ محمد بن عبد اللطيف، والشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ عبد الرحمن المقوشي، والشيخ عبد العزيز الشثري، والشيخ إسماعيل الأنصاري، والشيخ عبد الحميد الجزائري وغيرهم.

وقرأ عليه عدد كبير في مكتبة ابن تيمية الخيرية وفي مسجده الجامع، وله جهد كبير في الدعوة إلى دين الله الحق والتمسك به؛ فله مشاركات كثيرة في الندوات والمحاضرات في جامع الإمام تركي وغيره. وله تجول في المملكة للدعوة إلى الله في المدارس والمعاهد، وقطاع الأمن، وغيرها، ويفتح مجالا للأسئلة والإجابة عليها.

ص: 487

وله رسائل ونصائح فيما يهم المسلمين، فهو مصلح ومحتسب، ومحسن للفقراء والمحتاجين والأرامل بالتوسط لدى المحسنين، وغير ذلك من طرق الخير.

ومؤسس الجماعات الخيرية، ومنها جماعة تحفيظ القرآن سنة 1387 من الهجرة، وله جهد كبير في تسهيل حلقات القرآن في المساجد وغيرها; يقول الحق ولا يخاف في الله لومة لائم.

فله نشاط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن ذلك إقامة الصلاة جماعة في الدوائر الحكومية وغيرها، وحثه على بناء المساجد فيها.

وله مكانة عند المسؤولين وقبول فيما يراجعهم فيه من أمور الدين والدنيا، مع الملوك والأمراء، وكبار المشايخ وغيرهم.

فجزاه الله أحسن الجزاء، وبارك في أوقاته، ونسأل الله لنا وله حسن الخاتمة، وأن يجعل في ذريته وتلامذته الخير والبركة، فيكون امتدادا لصالح عمله.

ص: 488

الشيخ صالح بن محمد اللحيدان، حفظه الله

عالم جليل وداعية إلى الله، ذو هيبة وقدر، وإمام وخطيب، ولد بمدينة البكيرية بمنطقة القصيم عام 1350 من الهجرة.

وقد تخرّج من كلية الشريعة بالرياض عام 1379? وعمل سكرتيرا لسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم، رحمه الله في الإفتاء بعد تخرجه، إلى أن عين عام 1383? مساعدا لرئيس المحكمة الكبرى بالرياض، ثم صار رئيسا للمحكمة عام 1384هـ.

وقد حصل على رسالة الماجستير من المعهد العالي للقضاء، عام 1389?، واستمر رئيسا للمحكمة الكبرى إلى أن عين عام 1390? قاضي تمييز، وعضوا بالهيئة القضائية العليا.

وفي عام 1403هـ، عين رئيسا للهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى، واستمر في ذلك نائبا لرئيس المجلس في غيابه إلى أن عين عام 1413هـ رئيسا للمجلس بهيئته العامة والدائمة.

وهو أيضا عضو في هيئة كبار العلماء منذ إنشائها عام 1391هـ، وعضو في رابطة العالم الإسلامي، وكان له نشاط في تأسيس مجلة راية الإسلام، ومديرها ورئيس تحريرها.

وله دروس في المسجد الحرام وتذاع، وفتاوى في برنامج نور على الدرب، وله محاضرات وندوات،

ص: 489

ومشاركة في مناقشة رسائل الماجستير والدكتوراه، وغير ذلك مما فيه صلاح وإصلاح، فجزاه الله أحسن الجزاء، وأحسن لنا وله الخاتمة في الأمور كلها وصلى الله على محمد، حرر في 9/1/1419هـ.

الشيخ عبد الرحمن بن حماد العمر البدراني، حفظه الله

عالم جليل، وداعية إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، ولد في روضة سدير في 17/2/1354 من الهجرة، وتربى على يدي والديه، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة على يد إمام جامع البلد عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فنتوخ، وتعلم القرآن على فوزان القديري وابنه عبد الله، وأكمل دراسة القرآن وحفظ الأصول الثلاثة وأدلتها، وشروط الصلاة وأحكامها على والده، رحمه الله.

والتحق بالمدرسة الابتدائية عام 1369هـ، ثم بالمعهد العلمي بالرياض، ثم بكلية الشريعة فتخرج منها عام 82 - 83 ?، وأخذ قبل التخرج وبعده عن كثير من العلماء، وفي مقدمتهم الشيخ محمد بن إبراهيم، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ عبد الله بن محمد بن حميد، والشيخ سليمان بن حمدان، وقد أجازه كتابة بما أجازه أهل العلم; وأخذ العلم أيضا عن غيرهم من أهل العلم.

ص: 490

وكان يكثر من قراءة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وكتب أئمة الدعوة، والمراجع الكبار في التفسير والحديث والأصول والفقه وغير ذلك. وله كتب ورسائل بلغت 18 طبع بعضها وانتشر، منها:"فى سبيل الحق"، "الإرشاد إلى توحيد رب العالمين"، "الذكرى"، "دين الحق" وقد ترجم إلى لغات كثيرة، وغير ذلك. وله مشاركة في المحاضرات والندوات في المساجد وعمل محاسبا بوزارة المالية بمدة أشهر، ثم مديرا للمبيعات بالخطوط الجوية، ما يزيد على خمس سنوات.

ثم عمل مدرسا بوزارة المعارف ما يقارب ثلاثين عاما حتى تقاعد في سنة 1415هـ، وله أولاد فيهم خير وبركة. ولا يزال - بحمد الله - يشارك في المحاضرات والندوات، والتأليف. نسأل الله أن يحسن لنا وله الخاتمة، وأن يتقبل منا ومنه الحسنات، ويغفر لنا وله السيئات آمين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

الشيخ محمد بن عبد الله بن حمدان

ولد في "البير" من بلدان المحمل شمال غرب الرياض عام 1357?. وتلقى تعليمه في الكتاتيب في "البير"، ثم في مدرسة "تمير" الابتدائية، حيث كان جده إماما فيها، ثم التحق بمعهد إمام الدعوة في الرياض سنة 1373هـ، كما واصل دراسته المتوسطة والثانوية ليلا.

ص: 491

وحين تخرّج من المعهد التحق بكلية الشريعة بالرياض، ثم تعين موظفا واستمر منتسبا حتى تخرّج منها عام 1383هـ، وتنقل في وظائف عدة كان آخرها في إمارة منطقة الرياض حتى طلب التقاعد عام 1400هـ بعد أن بلغت خدمته في الدولة 20 عاما.

كتب عدة مقالات وبحوث فى المجلات والصحف السعودية القديمة والحديثة، وصدر له بعض من الكتب، منها:"بنو الأثير"، و"صبا نجد"، و"ديوان حميدان"، وله كتب أخرى ينوي طبعها.

ونشأت لديه هواية جمع المخطوطات والكتب والجرائد، والمجلات القديمة، واجتمع عنده الكثير، فأنشأ "مكتبة قيس" لشراء وبيع ما اجتمع لديه، وانتفع بذلك، ولديه "متحف قيس" يضم نوادر وطرائف من المأثورات الشعبية; يكره المديح والكبر، ويهوى السياحة والسباحة.

نسأل الله لنا وله حسن الخاتمة في الأمور كلها، وأن يجعل في ذريته من تقر بهم عينه في طاعة الله وطاعة رسوله، وأن يكونوا له من الباقيات الصالحات إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على محمد، حرر في 1/2/1419هـ.

ص: 492

نبذة عن هذه الطبعة الجديدة

وإليك نبذة عن هذه الطبعة الجديدة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد: فحيث أن الطبعة الأولى للدرر السنية التي طبعت في مكة بمطابع أم القرى في عهد الملك عبد العزيز، قلّ وجودها، حتى في المكتبات العامة، وتتكون من أربعة مجلدات.

ثم صورت على الطبعة الأولى في عهد الملك فيصل، وقلت أيضا مع ما حصل عليها من بعض التغيير، ونفدت إلا ما شاء الله منها، وكثر السؤال عنها في وقت قد تيسّر الطبع فيه وسهلت مئونته، وأن جامعها قد احتفظ بنسخة منها مزيدة، وكان حريصا على طباعتها قبل وفاته بما يقرب من ثلاث سنوات ولم يتيسر له ذلك.

ولأهميتها والاستفادة منها، وتيسر الطبع على نفقة الأخ ناصر، فقد استعنت بالله في الإشراف على طبعها والقيام بما يلزم، من مقابلة، ومراجعة، وتدقيق، وتنقيح، ونسخ ما يحتاج إلى نسخ، وبذلت الجهد بأن تكون هذه الطبعة وفق ما ذكر في أول الجزء الأول، في التمهيد، والتنبيهات.

وعلقت على ما يحتاج إلى تعليق، مما يوضح

ص: 493

المراد، وما يظن أنه متكرر وليس بمتكرر، وما له علاقة بما قبله أو بعده، ليسهل الرجوع إليه، وما يحتاج إلى تقديم أو تأخير، أو إضافة أو حذف وهو قليل جدا، مع الإشارة إلى ذلك، وإبدال كلمة "وفقه الله" لمن قد توفي بكلمة "رحمه الله".

وقمت بفهرسة الرسائل المضافة والترجمة لأصحابها، على نمط فهرسة جامعها، وتراجمهم، علما بأن مجموع ما فرق في الأجزاء، يقرب من جزء، وبسبب مراعاة الأشياء الفنية في الطباعة وتغير حجم الصفحات وما حصل من إضافات فقد بلغ عدد الأجزاء بما فيها المخطوط المسمى:"بالبيان الواضح وأنبل النصائح" 16 جزءا.

ولمزيد من الإيضاح عن هذه الطبعة الجديدة: فقد تم بحمد الله طبع هذه النسخة الجديدة في ستة عشر جزءا، كما يلي:

(أ) الجزء الأول ويشتمل على تقريظات، وتمهيد، وتنبيهات، وكتاب العقائد، وعدد صفحاته 607.

والجزء الثاني يشتمل على كتاب التوحيد، وعدد صفحاته 371.

والجزء الثالث يشتمل على كتاب الأسماء والصفات وعدد صفحاته 388، وقد تم طبع هذه الثلاثة الأجزاء سنة 1413هـ- 1992 م.

ص: 494

(ب) الجزء الرابع ويشتمل على القسم الأول من كتاب العبادات، أوله في أصول مأخذهم، ثم من كتاب الطهارة إلى نهاية باب صلاة أهل الأعذار، وعدد صفحاته 449.

والجزء الخامس ويشتمل على القسم الثاني من كتاب العبادات، من أول باب صلاة الجمعة إلى نهاية العقيقة، وعدد صفحاته 425.

والجزء السادس من أول كتاب البيع إلى نهاية اللقطة، وعدد صفحاته 483; وقد تم طبع هذه الثلاثة أيضا سنة 1314? - 1994 م.

(ج) الجزء السابع من أول كتاب الوقف إلى نهاية الإقرار، وعدد صفحاته 619.

والجزء الثامن ويشتمل على القسم الأول من كتاب الجهاد، وعدد صفحاته 512.

والجزء التاسع ويشتمل على القسم الثاني من كتاب الجهاد، والقسم الأول من كتاب حكم المرتد، وعدد صفحاته 455.

والجزء العاشر ويشتمل على القسم الأخير من كتاب حكم المرتد، وعدد صفحاته 533، وهذه الأربعة الأجزاء تم طبعها سنة 1416?- 1995 م.

(د) الجزء الحادي عشر، ويشتمل على القسم الأول

ص: 495

من كتاب مختصرات الردود، عدد صفحاته 600.

والجزء الثاني عشر ويشتمل على القسم الثاني من كتاب مختصرات الردود، وعدد صفحاته 564.

والجزء الثالث عشر ويشتمل على تفسير واستنباط لسور وآيات من القرآن الكريم، عدد صفحاته 465.

والجزء الرابع عشر، ويشتمل على كتاب النصائح، عدد صفحاته 600.

وهذه الأجزاء الأربعة تم طبعها سنة 1417? - 1996 م و 1997 م.

(هـ) الجزء الخامس عشر، ويشتمل على القسم الأول من كتاب البيان الواضح وأنبل النصائح، عدد صفحاته 450.

والجزء السادس عشر، يشتمل على القسم الأخير من كتاب البيان الواضح وأنبل النصائح، وعلى تراجم أصحاب تلك الرسائل والأجوبة الموجودة في الطبعة الأولى والمزيدة في هذه الطبعة، وهو آخر ما جمعه الوالد ورتبه لهذه الدرر، فجزاه الله أحسن الجزء، وكذا كل من أعانه عليها وساعده في نشرها.

وآخر دعوانا: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

المشرف على الطبع ابنه سعد

ص: 496