المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الرابع [أعظم أسباب التبرج] - الدرر السنية في الأجوبة النجدية - جـ ١٦

[عبد الرحمن بن قاسم]

الفصل: ‌الفصل الرابع [أعظم أسباب التبرج]

إلى الاعتناء بعلوم الإسلام، والدعوة إليه، وتقوية جانبه؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

ص: 55

‌الفصل الرابع [أعظم أسباب التبرج]

وأعظم أسباب هذا التبرج المشين: استجلاب أعداء الدين، فأفسدن الكثير من نساء المسلمين، وأعجز من له غيرة على محارمه أن يسلك بهن السبيل المستقيم المستبين؛ وتقدم قول الملك عبد العزيز، رحمه الله، في أمر اختلاط النساء بدعوى تهذيبهن وفتح المجال لهن

إلخ. 1.

وقال الشيخ: محمد بن إبراهيم وغيره من المخلصين، في خطابهم الموجه لولاة الأمور 2: توظيف المرأة في الأعمال التي تدعوها إلى مخالطة الرجال، كالإذاعة، والخدمة الاجتماعية، وخدمة الرجال في الطائرات، وأشباه ذلك، يفضي إلى مفاسد كثيرة. اعلم وفقك الله: أن الله جل وعلا الذي خلق الذكر والأنثى، جعل بينهما فوارق طبيعية لا يمكن إنكارها؛ وسبب ذلك الاختلاف الطبيعي جعل لكل منهما خدمات يقوم بها للمجتمع الإنساني، مخالفة لخدمة الآخر.

1 في الجزء الرابع عشر صفحة 403.

2 وتقدم أوله في الباب الثالث ج 15، ص 103-111.

ص: 55

اعلم أولا: أن الذكورة كمال خلقي، وقوة طبيعية; والأنوثة نقص خلقي، وضعف طبيعي؛ وعامة العقلاء مطبقون على ذلك; ولذلك تراهم ينشئون الأنثى في أنواع الزينة، من حلي، وحلل، كما قال تعالى:{أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [سورة الزخرف آية: 18] ، والتنشئة في الحلية إنما هي لجبران النقص الخلقي الطبيعي، الذي هو الأنوثة، بخلاف الذكر، فإن شرف ذكورته وكمالها، بغنية عن الحلي والحلل.

وما الحلي إلا زينة من نقيصة

يتم من حسن إذا الحسن قصرا

وأما إذا كان الجمال موفرا

كحسنك لم يحتج إلى أن يزورا

ولأجل أن الذكورة كمال وقوة، جعل الله هذا الكامل في خلقته، القويّ بطبيعته، قائما على الناقص خلقة، الضعيف طبيعة، ليجلب له من النفع، ما يعجز عن جلبه لنفسه، ويدفع عنه من الضر ما يعجز عن دفعه عن نفسه {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [سورة النساء آية: 34] الآية.

ولكون قيامه عليها، يقتضي دفع الإنفاق والصداق - فهو يترقب النقص دائما، وهي تترقب الزيادة دائما - آثره عليها في الميراث، لأن إيثار مترقب النقص على مترقب الزيادة ظاهر الحكمة؛ وذلك من آثار ذلك الاختلاف الطبيعي بين النوعين.

ومن آثاره: أنه تعالى جعل المرأة حرثا للرجل

ص: 56

{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} [سورة البقرة آية: 223] الآية فهو فاعل، وهي مفعول به؛ وهو زارع، وهي حقل زراعة، تبذر فيه النطفة كما يبذر الحب في الأرض، وهذا محسوس لا يمكن إنكاره، لأن الازدراع مع الرجل.

فلو أرادت المرأة أن تجامعه لتعلق منه بحمل وهو كاره، فإنها لا تقدر على ذلك، وينتشر إليها; بخلافه، فإنه قد يحبلها وهي كارهة، كما قال أبو كبير الهذلي في ربيبه: تأبط شرا 1.

ممن حملن به وهن عواقد

حبك النطاق فشب غير مهبل

حملت به في ليلة مزءودة

كرها وعقد نطاقها لم يحلل

ومن أجل هذا جعل الله الطلاق بيده، لأن إرغام الزارع على الازدراع في حقل لا يريده، مخالف للحكمة; ولأجل ذلك الاختلاف الطبيعي، قال الله تعالى:{أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى} [سورة النجم آية: 21-22] .

فلو كانت الأنثى معادلة للذكر في الكمال الطبيعي، لكانت تلك القسمة في نفسها غير ضيزى، لأن قسمة الشيء إلى متساويين، ليست في ذات نفسها ضيزى، وإن كان

1 وانظر صفحة 194 ، ج8 من خزانة الأدب وما بعدها إن شئت.

ص: 57

ادعاء الأولاد لله من حيث هو، فيه من أشنع الكفر وأعظمه ما لا يخفى.

وقال تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ} [سورة النحل آية: 58-59] الآية.

فلو كانت الأنثى معادلة للذكر في الكمال الطبيعي، لما ظهر وجه المبشر بها مسودا وهو كظيم، ولما توارى من القوم من سوء تلك البشارة، ولما أسف ذلك الأسف العظيم على كون ذلك المولود ليس بذكر.

ومن آثار ذلك الاختلاف الطبيعي: أن الله تعالى جعل شهادة امرأتين في الأموال كشهادة رجل {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [سورة البقرة آية: 282] الآية.

فالله الذي خلقهما، وأحاط علما بما جبلهما عليه، وما أودع فيهما من حكمة؛ ولو لم يجعل الرجل أكمل من المرأة، لما نزل امرأتين منْزلة رجل واحد، لأن تفضيل أحد المساويين ليس من أفعال العقلاء وإجراء خالق السماء جل وعلا.

وقد جاء الشرع القويم بقبول شهادة الرجل في أشياء لا تقبل فيها شهادة النساء، كالقصاص والحدود؛ ولو كانا متماثلين في الكمال الطبيعي لما فرق الحكيم الخبير بينهما.

ص: 58

ولأجل هذا الاختلاف الطبيعي، وقعت امرأة عمران مشكلة من نذرها في قوله:{إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً} [سورة آل عمران آية: 35] الآية، لما ولدت مريم.

ولو كانت ولدت ذكرا لما وقعت في هذا الإشكال المذكور في قوله: {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [سورة آل عمران آية: 36] ؛ وتأمل قوله في هذه الآية: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [سورة آل عمران آية: 36] ، فإنه واضح في الفرق الطبيعي.

ومن الفوارق الظاهرة بينهما: أن المرأة الأولى خلقت من ضلع الرجل الأول، فهي جزء منه؛ وهو أصل لها {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [سورة النساء آية: 1] الآية؛ ولذا كانت نسبة الأولاد اليه لا إليها، وكان هو المسؤول عنها في تقويم أخلاقها {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [سورة النساء آية: 34] الآية، وقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [سورة التحريم آية: 6] الآية، وهو المسؤول عن سد خلاتها.

ولأجل هذا الاختلاف الطبيعي، والفوارق الحسية والشرعية بين النوعين، فإن من أراد منهما أن يتجاهل هذه الفوارق، ويجعل نفسه كالآخر، فهو ملعون على لسان

ص: 59

رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحاولته تغيير صنع الله، وتبديل حكمه، وإبطال الفوارق التي أودعها فيهما.

وقد ثبت في صحيح البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم "لعن المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء" 1 ولو لم يكن بينهما فرق طبيعي عظيم، لما لعن صلى الله عليه وسلم المتشبه منهما بالآخر. ومن لعنه صلى الله عليه وسلم فهو ملعون في كتاب الله، لقوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [سورة الحشر آية: 7] الآية، كما صح عن ابن مسعود رضي الله عنه.

ولما جهلت أو تجاهلت فارس هذه الفوارق التي بين الذكر والأنثى، فولوا عليهم ابنة ملكهم، قال صلى الله عليه وسلم:"لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" 2؛ ولو كانا متساويين لما نفى الفلاح، عمن ولى أحدهما دون الآخر. وقد يفهم من هذا الحديث الصحيح أن تجاهل الفوارق بين النوعين من أسباب عدم الفلاح، لأن قوله:"لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" 3 واضح في ذلك.

والله جل وعلا جعل الأنثى بطبيعة حالها قابلة لخدمة المجتمع الإنساني، خدمة عظيمة لائقة بالعرف والدين؛ ولا تقل أهميتها عن خدمة الرجل: فهي تحمل وتعاني آلام الحمل مدة، وتنفس، وترضع، وتصلح جميع شؤون البيت؛ فإذا جاء الرجل من عمله، وجد أولاده

1 البخاري: اللباس (5885)، والترمذي: الأدب (2784)، وأبو داود: اللباس (4097)، وابن ماجه: النكاح (1904) .

2 البخاري: المغازي (4425)، والترمذي: الفتن (2262)، والنسائي: آداب القضاة (5388) ، وأحمد (5/43) .

3 البخاري: المغازي (4425)، والترمذي: الفتن (2262)، والنسائي: آداب القضاة (5388) ، وأحمد (5/43) .

ص: 60

الصغار محضونين، وجميع ما يلزم مهيأ له. فإن قالوا: هي محبوسة في البيت كالدجاجة، قلنا: لو خرجت مع زوجها لتعمل كعمله، وبقي أولادها الصغار، وسائر شؤون بيتها ليس عند ذلك من يقوم به، لاضطر زوجها أن يؤجر إنسانا يقوم بذلك. فيحبس ذلك الإنسان في بيتها كالدجاجة، فترجع النتيجة في حافرتها، مع أن خروجها لمزاولة أعمال الرجال فيه من ضياع الشرف والمروءة، والانحطاط الخلقي، ومعصية خالق السماوات والأرض ما لا يخفى. فإن المرأة متاع، هو في الجملة خير متاع الدنيا، وهو أشد الأمتعة تعرض لخيانة الخائنين; وأكثر من تخرج المرأة بينهم اليوم، فسقة لا ورع عندهم، فتعريضها لنظرهم إليها نظر شهوة ظلم لها، لأنه استمتاع بجمالها مجانا، على سبيل المكر والخيانة؛ والخائن يتلذذ بالنظر الحرام تلذذا عظيما. قال أحدهم:

قلت اسمحوا لي أن أفوز بنظرة

ودعوا القيامة بعد ذاك تقوم

وكما أنه ظلم لها، فهو مخل بالمروءة والدين والشرف; والعجب كل العجب ممن لا يغار على حرمه، مقبلة مدبرة في غير صيانة ولا ستر بين الفسقة، بدعوى التقدم والحرية!

ص: 61

وما عجب أن النساء ترجلت

ولكن تأنيث الرجال عجاب

ومن المعلوم الذي لا نزاع فيه أن جميع الأقطار التي صارت فيها النساء تزاول أعمال الرجال، انتشر فيها من الرذائل والانحطاط الخلقي، ما يعرق منه الجبين.

إن للعار فحشها موبقات

تتقى مثل موبقات الذنوب

فقد راعى الشرع المطهر، الفوارق التي ذكرنا في أمور كثيرة، كما قدمنا في الشهادة، والميراث، وقيام الرجل على المرأة، والطلاق، وكتولي المناصب.

فإن المرأة لا يصح شرعا أن تساوي الرجل في تولي المناصب، ومن أوضح الأدلة على ذلك: الحديث الصحيح الذي قدمنا، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:"لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" 1، فإن علة عدم فلاحهم، كون من ولوه امرأة.

وقد دل مسلك العلة المعروف بمسلك الإيماء والتنبيه، على أن علة عدم الفلاح في هذا الحديث الصحيح، هو أنوثة المولى؛ وضابط مسلك الإيماء والتنبيه - المحتوي على جميع صوره - هو: أن يقترن وصف بحكم، في نص من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، على وجه لو لم يكن فيه ذلك الوصف علة لذلك الحكم، لكان الكلام معيبا عند العارفين بأساليب الكلام.

فلو لم يكن علة عدم الفلاح في الحديث المذكور،

1 البخاري: المغازي (4425)، والترمذي: الفتن (2262)، والنسائي: آداب القضاة (5388) ، وأحمد (5/43) .

ص: 62

كون المولى امرأة، لكان الكلام معيبا، ولكان ذكر المرأة حشوا لا فائدة فيه؛ وكلام من أوتي جوامع الكلم منَزه عن ذلك. وهكذا المسلك لا خلاف في إفادته علة الحكم بين العلماء، وإنما خلافهم فيه هل هو من قبيل النص الظاهر أو الاستنباط، كما هو مقرر في محله؟ ويفهم من دليل خطاب الحديث المذكور - أعني مفهوما مخالفته - أن المولى لو كان ذكرا، لما كان ذلك علة النفي للفلاح، وهو كذلك؛ وهذا من أعظم الأدلة على الفرق بين الرجال والنساء في تولي المناصب.

ومن أدلة ذلك أيضا: النصوص الدالة على منع اختلاط الرجال بالنساء، لأن المرأة الموظفة وظيفة لا تختص بالنساء، لا بد أن تخالط الرجال بمقتضى طبيعة وظيفتها; ومن تلك النصوص قوله تعالى:{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [سورة الأحزاب آية: 53] : فالأمر بكون سؤالهن من وراء حجاب دليل واضح على لزوم الحواجز، وعدم الاختلاط. فإن قيل: هذه الآية الكريمة خاصة بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم كما هو مقتضى السياق، وكما روي عن بعض أهل العلم، فلا تشمل غيرهن من نساء المؤمنين، فالجواب من ثلاثة أوجه:

ص: 63

الوجه الأول: هو: ما تقرر في الأصول من أن العلة قد تعيّن معلولها، وذلك مجمع عليه في الجملة; ومن أمثلة صوره المجمع عليها: قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "لا يقضين حاكم بين اثنين وهو غضبان" 1 فإن المسلك المتقدم، الذي هو مسلك الإيماء والتنبيه، قد دل أيضا: على أن علة منع الحاكم من القضاء، في هذا الحديث الصحيح، هي: الغضب. إلا أن هذه العلة، التي هي الغضب عممت معلولها، وهو نهي الحاكم عن القضاء في كل حالة مشوشة للفكر، كالجوع والعطش المفرطين، والسرور والحزن المفرطين، والحقن والحقب المفرطين، ونحو ذلك، لأن تشويش الفكر المانع من استيفاء النظر في الحكم غير الغضب. وإيضاح ذلك في الآية التي نحن بصددها: أنه جل وعلا لما قال: {فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [سورة الأحزاب آية: 53] ، وبين علة ذلك المشتملة على حكمته، فقال تعالى:{ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [سورة الأحزاب آية: 53] ، فبين أن العلة في ذلك هي طهرية قلوب النوعين، والتباعد عن دواعي الريبة وقذر القلوب؛ ولا شك أن هذه العلة تشمل جميع نساء المؤمنين، لأنهن يطلب في حقهن طهارة قلوبهن وطهارة قلوب الرجال من الميل إلى ما لا ينبغي منهن.

1 البخاري: الأحكام (7158)، ومسلم: الأقضية (1717)، والترمذي: الأحكام (1334)، والنسائي: آداب القضاة (5406 ،5421)، وأبو داود: الأقضية (3589)، وابن ماجه: الأحكام (2316) ، وأحمد (5/36 ،5/37 ،5/46) .

ص: 64

فليس لقائل أن يقول: هذا الأدب الكريم السماوي، المقتضي المحافظة على الشرف والدين، وطهرية القلوب من الميل إلى الفجور، يجوز إلغاؤه وإهداره بالنسبة لغير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من نساء المؤمنين، لأن طهارة القلب، ومجانبة أسباب الرذيلة، أمر مطلوب من الجميع بلا شك، مع أن النفوس أشد هيبة لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم من غيرهن، لأنهن أمهات المؤمنين. الوجه الثاني: أن الأصل المقرر عند العلماء المؤيد بالدليل، هو استواء جميع الناس في أحكام التكليف، ولو كان اللفظ خاصا ببعضهم، إلا ما جاء النهي مصرحا بالخصوص فيه؛ ولذلك فجميع الخطابات العامة يدخل فيها النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، وأحرى غيره; وما ذلك إلا لاستواء الجميع في الأحكام الشرعية، إلا ما قام عليه دليل خاص. فقد سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم فأجابهم بما يتضمن ذلك، فإنه صلى الله عليه وسلم لما قال:"لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل"1. فكأنهم يقولون له: أأنت داخل معنا في هذا العموم؟ وهو يجيبهم بنعم، وما ذلك إلا لاستواء الجميع في الأحكام الشرعية.

فإن قيل: آية الحجاب تخص بمنطوقها أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.

1 البخاري: الرقاق (6467)، ومسلم: صفة القيامة والجنة والنار (2818) ، وأحمد (6/125) .

ص: 65

فالجواب: أنها لم تدل على أن غيرهن من النساء لا يشاركنهن في حكمها؛ والأصل مساواة الجميع في الأحكام الشرعية، إلا ما قام عليه دليل خاص; ولذا تقرر في الأصول: أن خطاب الواحد المعين من قبل الشرع من صيغ العموم، لاستواء الجميع في أحكام الشرع.

وخلاف من خالف من العلماء، في أن خطاب الواحد يقتضي العموم خلاف لفظي، لأن القائل بأن خطاب الواحد لا يقتضي العموم، موافق على أن حكمه عام إلا أن عمومه عنده لم يقتضه خطاب الواحد؛ بل عمومه مأخوذ من أدلة أخرى، كالإجماع على استواء الأمة في التكليف، وكحديث:"ما قولي لامرأة إلا كقولي لمائة امرأة" 1 فالجميع مطبقون على أن خطاب الواحد يشمل حكمه الجميع، إلا لدليل خاص، واختلافهم، إنما هو: هل العموم بمقتضى اللفظ، أو بدليل آخر.

الوجه الثالث: أنا لو سلمنا تسليما جدليا: أن حكم الآية الكريمة خاص بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فهن القدوة الحسنة لنساء المؤمنين؛ فليس لنا أن نحرم نساءنا هذا الأدب السماوي الكريم، المقتضي المحافظة على الشرف والفضيلة، والتباعد عن أسباب الرذيلة ودنس القلوب؛ وقد اختاره الله لنساء أحب خلقه إليه وأفضلهم عنده.

ومن آثار الفوارق بين النوعين:

1 الترمذي: السير (1597)، والنسائي: البيعة (4181) ، وأحمد (6/356)، ومالك: الجامع (1842) .

ص: 66

تنبية القرآن العظيم، على أن صوت المرأة إذا ألانته ورخمته، فإنه يصير من مفاتنها المؤدية إلى إثارة الغرائز، وطمع مرضى القلوب في الفجور، قال الله تعالى:{فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [سورة الأحزاب آية: 32] الآية؛ وفي ذلك أوضح دلالة، على أن إذاعة صوت المرأة في أقطار الدنيا، في غاية الترخيم والترقيق بالألحان الغنائية، مخالف مخالفة صريحة للآداب السماوية التي أدب الله بها نساء أحب خلقه إليه، وهن القدوة الحسنة لنساء المؤمنين.

والفاء السببية في قوله: {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} تدل دلالة واضحة على أن الخضوع بالقول، كإلانته وترخيمه، سبب لطمع مرضى القلوب فيما لا ينبغي; ولا شك أن وجود السبب ذريعة لوجود المسبب؛ والذريعة إلى الحرام حرام، فيجب سدها، وهذا النوع من أنواع الذرائع الثلاث مجمع على سده.

ومن الأدلة على ذلك، قوله تعالى:{وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [سورة الأنعام آية: 108] : فإنه نهى عن سب الأصنام لكونه ذريعة لسب عابديها الله. وقوله: {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} [سورة الأعراف:

ص: 67

19] الآية:

فنهاهم عن قربانها، لأن القرب من الشيء ذريعة للوقوع فيه، كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يقع فيه. ومن الأحاديث الصحيحة الدالة على أن ذريعة الحرام حرام، قوله صلى الله عليه وسلم:"إن من العقوق شتم الرجل والديه، قالوا: يا رسول الله، وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: نعم، يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه" 1، فقد جعل صلى الله عليه وسلم ذريعة السب سبا، وهو واضح في أن ذريعة الحرام حرام.

وبالجملة، فمن المحسوس أن صوت المرأة الرخيم الرقيق من جملة مفاتنها، كمحاسن جسدها؛ ولذا ترى المتشبهين بالنساء يذكرون صوت المرخم كذكرهم جمال الجسم، وذلك كثير جدا، كقول ذي الرمة:

لها بشر مثل الحرير ومنطق

رخيم الحواشي لا هراء ولانزر

وعينان قال الله كونا فكانتا

فعولان بالألباب ما تفعل الخمر

فجعل صوتها الرخيم، وبشرتها التي هي كالحرير، وحسن عينيها سواء، في أن الجميع من جملة محاسنها. وقال قعينب بن أم صاحب:

وفي الخدور لو أن الدار جامعة

بيض أوانس أصواتها غنن

فجعل غنة صوتها كبياض جسمها، وهذا معروف؛

1 مسلم: الإيمان (90)، والترمذي: البر والصلة (1902) ، وأحمد (2/164 ،2/195) .

ص: 68

والمقصود التمثيل، ولا شك أن من المعلوم الذي لا يكاد يختلف فيه اثنان أن البلاد التي تجاهلت هذه الفوارق التي ذكرنا بين النوعين، وجعلت المرأة كالرجل في كل ميادين الحياة، سبب لها ذلك ضياع الفضيلة، وانتشار الرذيلة، ولا ينكر ذلك إلا مكابر.

وكيف يصح في الأذهان شيء

إذا احتاج النهار إلى دليل

والذي يدعو إلى مساواة المرأة بالرجل في ميادين الحياة، حقيقة دعوته المطابقة لما في نفس الأمر، أنه يحاول بكل جهوده، أن يردي المرأة المسلمة في مهواة الفساد، التي تردت فيها نساء البلاد الأخرى.

فالنتيجة التي كانت عاقبة البلاد الأخرى معلومة لا نزاع فيها، والعجب ممن يراها ويتحققها، ويدعو أمته للأسباب التي توقع في مثلها.

وختاما فليعلم سموكم أن الذين يخدعون المرأة المسلمة بالشعارات الزائفة، والأساليب البراقة الكاذبة، من حرية وتقدم، وكفاح، وممارسة حقوق في الحياة، ويخيلون لها أنها رجل في جميع الميادين، يريدون إيقاعها في المآسي الآتية:

أولا: أن تكون ملعونة في كتاب الله، وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم لتشبهها بالرجال في كل شيء، وإلغائها

ص: 69

الفوارق الطبيعية التي فرق الله بها بينهما قدرا وكونا وشرعا.

ثانيا: القضاء على حيائها اللائق بشرفها ومروءتها وإنسانيتها.

ثالثا: تعريض جمالها لأن يكون مرتعا لعيون الخائنين يتمتعون به مجانا على سبيل الخيانة والمكر، على حساب الدين والشرف والفضيلة، من وراء اسم التقدم، والحرية؛ وربما آلت بها تلك المخالطة إلى أشياء أخرى غير لائقة.

رابعا: تعريضها لأن تكون خراجة ولاجة، تزاول الأعمال الشاقة كالأمة، بعد أن كانت درة مصونة في صدف بيتها محجبة، تكفى كل المؤونات صيانة وإكراما لها، ومحافظة على شرفها، مع قيامها بالخدمات العظيمة لزوجها ولأولادها، وعامة المجتمع الإنساني في بيتها، من غير إخلال بشرف ولا دين.

ومما تقدم من الأدلة يعلم تحريم توظيف المرأة في المجالات التي تخالط فيها الرجال، وتدعو إلى بروزها، والإخلال بكرامتها، والإسفار عن بعض محاسنها، مثل كونها مضيفة في الطائرة، وعاملة في الخدمة الاجتماعية، ومذيعة في الإذاعة، أو مغنية، أو عاملة في المصنع مع الرجال، أو كاتبة في مكاتب الرجال، ونحو ذلك; أما عملها فيما يختص بالنساء، كالتعليم والتمريض، ونحو ذلك، فلا مانع منه.

ص: 70

ونبتهل إلى الله سبحانه أن يلهمكم الصواب، وينصر بكم الحق، ويحمي بكم الشريعة، ويسدد خطاكم في الأقوال والأعمال؛ إنه على كل شيء قدير. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إخوانكم المخلصون، عنهم محمد بن إبراهيم.

وقال الشيخ عبد الله السليمان بن حميد: نقد وتوجيه 1

[حول تعليم البنات وفتح مدارس لهن]

كثيرا ما نسمع كلمات حول تعليم البنات، وفتح مدارس لهن، وكنا بين مصدق ومكذب؛ حتى تحقق ذلك رسميا؛ فاستغربنا هذا، وأسفنا له غاية الأسف، ولنا عظيم الأمل بحكومتنا السنية التي دستورها القرآن وشريعة محمد صلى الله عليه وسلم. أن يكون التعليم للبنت على المنهح الذي يقره الدين وتعاليمه، مع التمسك بالحجاب، وبالأخلاق الفاضلة، كما كان التعليم زمن السلف الصالح إلى يومنا هذا؛ وهي فاعلة إن شاء الله. والذي أثار الشعور، وأقلق النفس كلمة القصيم، بعنوان: تعليم البنت، بعددها 26 الصادر في 6/12/

1 نشر في مجلة راية الإسلام سنة 1380 هـ.

ص: 71

1379?.

تلك الكلمة يظهر منها تحسين ما قبح الله، ومخالفة ما شرعه، وصريحة بشن الغارة على رجال الدين، حيث سماهم عقبة كأداء.

نعم، إن رجال الدين عقبة كأداء، دون التعليم الذي يعود وبالا على الأمة والبلاد، وحربا على الفضيلة والأخلاق، بالتبرج والسفور؛ وعاقبته الانحلال والفجور.

ويرون وجوب تعليم المرأة ما يجب عليها من أمور دينها؛ ولم يزل المسلمون يعلمون نساءهم تحت الستار والحجاب، من زمن الصحابة إلى يومنا هذا; والكاتب يعلم أن كل بيت ما يخلو - بحمد الله - من قارئة للقرآن أو بعضه، وكل بلد ما يخلو من معلمة أو معلمات.

وإنما يقصد بالتعلم، الذي هو مجاراة الأمم المنحلة عن الدين، كما يدل عليه قوله: ويعوضنا ما فات، ويهيئ لنا التقدم بشطري الأمة، فيكون التعادل، ويكون التماثل، ويكون الانسجام

إلى أن قال: ويجعلها تطير إلى أهدافها بجناحين متكافئين، كل واحد منهما يؤدي واجبه على أحسن وجه وأكمله، جناح البنين وجناح البنات، إلى آخر مقاله.

لا شك أن هذا الكلام خلاف ما شرع الله ورسوله، ودرج عليه المسلمون والعرب في جاهليتها، وضد حكمة الله في خلقه؛ فالله فضل الرجل على المرأة، وجعله

ص: 72

القائم عليها; وجعل له من الحقوق مثل ما لها، وجعل شهادة الرجل تعدل شهادة امرأتين، وفضله في الدية وغير ذلك مما يطول عده. وقال الصادق الأمين الذي لا ينطق عن الهوى:"ناقصات عقل ودين" 1، وأمرها الله بالحجاب كما في القرآن العظيم، وفي سنة رسوله أكثر من أن يحصر، والحجاب شرع للمرأة، حفظا لها من عبث الرجل وفتنة المحتال.

قال تعالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [سورة الأحزاب آية: 32]، ويقول صلى الله عليه وسلم:"ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" 2، وقال:"ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما"3. ومع الحجاب وشدة الحكومة - أيدها الله - على أهل الفساد، نرى ونسمع مرضى القلوب يتابعون النساء في الشوارع والمنعطفات، ويقفون لهن على الأبواب، وفي الأماكن المظلمة، ويتسلقون عليهن الجدران.

فكيف إذا حصل السفور والاختلاط؟ وتمكن الذئب من الغنم؟ مع ضعف الدين وقوة سلطان الشر، وكثرة أهله؟! اللهم سلم; هناك يظهر الشر من خبثاء النفوس، والذين في قلوبهم مرض.

إن المرأة عورة، وتعليمها على الصفة التي يريدها المفكرون والباحثون - كما زعم الكاتب - مصدر انحطاط

1 البخاري: الحيض (304)، ومسلم: الإيمان (80) .

2 البخاري: النكاح (5096)، ومسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2740 ،2741)، والترمذي: الأدب (2780)، وابن ماجه: الفتن (3998) ، وأحمد (5/210) .

3 البخاري: النكاح (5232)، ومسلم: السلام (2172)، والترمذي: الرضاع (1171) ، وأحمد (4/149 ،4/153)، والدارمي: الاستئذان (2642) .

ص: 73

الأمة وسقوطها في الهاوية، وهل مصيبة على المسلمين أعظم من تمرد المرأة؟ وخروجها عن تعاليم دينها، وآداب شرعها وعوائد قومها، وإباحة السفور لها؟! وهل غزا الأجانب البلاد المجاورة، إلا بسقوط الأخلاق؟! وبتعليم المرأة حصل التبرج، وبتعليمها مزقت الحجاب، وكشفت عن الساق والفخذ، والرأس والصدر، فصرفت لها الأنظار، فثارت الشهوة، فضعفت الرجولية، وماتت الغيرة والحمية، وهلك الشباب بذلك.

وإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتما وعويلا

وإني أنصح لكل مسلم أن لا يدخل ابنته أو أخته في هذه المدارس التي ظاهرها الرحمة، وباطنها البلاء والفتنة، ونهايتها السفور والفجور، وسقوط الأخلاق والفضيلة؛ ومن لم يتعظ ويعتبر بما يرى ويسمع في البلاد المجاورة فلن يعظه شيء {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [سورة النور آية: 40] . فعلى الدعاة والمرشدين والمصلحين أن يسارعوا إلى القيام بواجبهم نحو هذه الأخطار التي يسعى بها أعداء الإسلام إلى المسلمين، وإلى أوطانهم، وأن يشرحوا مزايا الإسلام ومحاسن الدين، وكيف جاء عن النبي الكريم في شأن المرأة المسلمة؟ وأن يردوا على مثل هذه الكلمات الخاطئة، ويقاوموا الأعمال السيئة التي تعود على مجتمعنا

ص: 74

بالخذلان والدمار، كل على حسبه، والله ولي التوفيق.

[أخطار تحيط بكم أيها المسلمون]

وقال الشيخ عبد الله السليمان بن حميد، أيضا 1 الحمد لله وحده وصلى الله وسلم على نبيه الكريم.

وبعد، أيها المسلمون، إن محاربة تعاليم الإسلام، والعمل على نقض عراه، هو أهم ما يضعه أعداء المسلمين نصب أعينهم، من بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، فهم بذلوا وسعهم في العمل على اقتلاع جذوره، والتخلص منه، والقضاء عليه، لكونهم يرونه الصخرة الصلدة التي تقف في سبيل أطماعهم، وتقطع عليهم غيهم وضلالهم، وتحول دون استغلالهم واستعبادهم للمسلمين؛ وقد أجمعوا عدتهم وعديدهم، في كل وقت وحين، لإزالة الإسلام وإبادة المسلمين، كما هو مبسوط في التواريخ.

ولكن - بحمد الله - لم يدركوا مرادهم في هذه الحروب، بل الغلبة للمسلمين في أكثر الوقائع؛ ولما رأوا أنهم لم يدركوا - ولن يدركوا إن شاء الله - غايتهم عن طريق الحروب النارية، رسموا طريقا أخبث، وسلاحا أخطر.

1 في رسالة طبعت مستقلة، عنوانها:"أحظار تحيط بكم أيها المسلمون".

ص: 75

فعملوا طريق التعليم لأولاد المسلمين، ذكورهم وإناثهم، باسم التوجيه، والإصلاح، والتثقيف، حتى أدركوا بهذا التعليم، جيلا من شباب المسلمين لا يعرف الدين، ولا يعتز بالإسلام، تحللوا من قواعده، وتنكروا للأخلاق الإسلامية؛ فكان هؤلاء طليعة في بلادهم لأعداء الإسلام، وعونا لهم على الاحتلال والاستغلال. وما غزا الأجانب أكثر البلاد الإسلامية، إلا بواسطة أفراخهم هؤلاء الشباب المغرورين، الذين صاروا حربا على القائمين بشريعة الإسلام؛ وإنما صار الشباب المتعلم في تلك الحال المخزية، بسبب هذه التوجيهات الغربية التي يغرونهم بها؛ فيرونها مضيئة لامعة جذابة، فيميلون نحوها، كالفراش يلقي نفسه في النار، جاهلين أن هذه التوجيهات الغربية، هي الداء العضال، والسم القتال، وأن فيها دمارهم، ودمار بلادهم. وهل هلك الشباب العربي إلا بالضوء اللامع مع زعمهم؟ وهل ذهبت أخلاقهم إلا عند المنظر الجميل، بسبب الاختلاط؟! فلم يبق لهم قوة في نفوسهم، أو حماس في صدورهم، بعد ذهاب أخلاقهم وانتزاع الغيرة منهم.

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت

فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا

ص: 76

وبذلك نجح احتلال الأعداء لبعض الأقطار المجاورة، بهذا السلاح البارد؛ فهم الآن كما تسمعون عنهم، يقرون الرذيلة والفساد في أوطانهم، كمسارح الرقص، ومحلات المجون والخلاعة، والخمور؛ حتى إن الرخص تمنح للنساء العربيات، ليتجرن في أعراضهن، وليبعن عفافهن، وليفتحن بيوت البغاء رسميا وعلانية، بدون خجل أو حياء أو مبالاة.

ولا نطيل الكلام بذكر ما يجري هناك، من المخازي والأمور القبيحة، من الرؤساء والأعيان، فضلا عن الهمج؛ كما أنه بالتوجيهات الغربية والثقافات المزيفة، فقد شبابهم العقائد الصحيحة، وسارعوا إلى الإلحاد والزندقة، وحاربوا الدين والمتدينين، ووالوا الكفرة والمشركين. وكل ذلك من آثار التعليم الغربي، والثقافات المزيفة، فصاروا إلى هذه الحال المحزنة. أيها المسلمون، إن المملكة العربية السعودية، كانت - بحمد الله - آمنة مطمئنة، متمسكة بشرائع الإسلام، منفذة لتعاليم الدين، متبعة للقرآن، وعاملة بسنن خير المرسلين; ولكن يا للأسف، دب إليها الشر من حيث لا يعلمون، واستحكم فيها البلاء من حيث لا يدرون.

بسبب بعض التعليم الحديث، وبعض المعلمين

ص: 77

الأجانب، ودخول المجلات الداعرة، والصحف الفاجرة، واستماع الإذاعات الملحدة المملوءة بالنيل من الدين ورجاله، والطعن في الإسلام ونظامه، والتصريح بأن التمسك بالدين جمود ورجعية، وأن الانحلال والإلحاد تقدم ومدنية.

وبهذه الأمور اختلت الأخلاق، وتغيرت الفطر، وترك كثير من أوامر الله، وارتكب كثير من نواهيه، وبث بعض المعلمين الأجانب - الذين لا صلة لهم بالدين ولا علاقة - في نفوس كثير من الطلبة كراهة الدين وأهله، وتنقصهم، والاستخفاف بهم؛ حتى إنهم يتنقصون الحكومة، وينتقدون الكثير من أعمالها. وتحقق ضرر هؤلاء المعلمين الأجانب، على أبناء هذه المملكة، وظهر سوء عاقبتهم على الدين والأخلاق والحكومة. وكنا في أمل من حكومتنا - وفقها الله - للانتباه والإصلاح، وتدارك ما حصل بتعديل مناهج الدراسة، على ما يقوم به الدين، وتحصل به منفعة للوطن، وإبعاد المعلمين الأجانب المنحرفين، ومنع المجلات والصحف الضارة.

إذ فجأنا خبر فادح ومصيبة عظيمة، وطامة كبرى; ألا وهي فتح مدارس لتعليم البنات في المملكة العربية

ص: 78

السعودية على نحو التعليم الموجود في البلاد المنحلة، عن الدين والأخلاق. وقد عارض بعض المسلمين في تعليم المرأة بهذه الصفة، خوفا من فتنتها، وحذرا من ضررها على المجتمع، في المستقبل بعد مدة.

وألفت نظر ولاة الأمور، إلى أنه لا مانع من توسيع تعليم المرأة على المنهج الذي يقره الدين وتعاليمه، مع التمسك بالحجاب، وبالأخلاق الفاضلة، وكما كان التعليم زمن السلف الصالح، مثل تعليمها التوحيد، والطهارة، والصلاة، وأحكام الحيض والنفاس، وأمور دينها الواجب عليها، وكتربية أولادها، وتدبير منْزلها، وغير ذلك من الأمور النافعة لها؛ وهذا فيما يظهر ونظن، هو هدف الحكومة - أيدها الله - ورغبتها. ولذا جعلوها منوطة بالمشائخ، وقد عينوا برياستها شيخا منهم، مؤملين فيه السير بمدارس البنات على الهدف المنشود؛ ولكن يا للأسف! بأول سنة شوهد تبدل الأمر، وسوء الحال: فقد نشرت جريدة البلاد، بعددها 703 في 3/2/1380? مقالا للرئيس المذكور، يتضمن عزمه على إدخال مواضيع الحساب، والهندسة، والجغرافيا، بمناهج مدارس البنات، في السنة الدراسية القادمة؛ لأن هذه المواضيع لم تكن تدرس في هذه السنة.

ص: 79

هذا وقد صرح الرئيس العام لمدارس البنات بأن منهاج مدارس البنات يتألف من خلاصة مناهج التعليم بالجمهورية العربية المتحدة

إلخ. كما وقد سمعنا أنهم سيجلبون معلمات صالحات، من سورية ولبنان ومصر، فيا ليت شعري أن الرئيس يبين هذا الصلاح في تلك النسوة، التي سيجلبهن من الخارج للتعليم في هذه المملكة. بل إن الصالحات منهن سافرات مائلات مميلات، وكأنه لا يوجد في المملكة العربية معلمات صالحات لتعليم الدين النافع، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

أيها المسلمون، يا أهل الغيرة والأنفة، اسمعوا لهذا التصريح الشنيع الذي يقصد منه إرغام أهل الخير، ومجاراة الأمم المنحلة، في تعليم بناتكم الحساب، والهندسة، والجغرافيا، ما للنساء وهذه العلوم، تضاف إلى ما يزيد عن أحد عشر درسا، غالبا لا فائدة فيه؟ إنها لمصيبة وخطر عظيم على مجتمعنا. إن تعليم المرأة على هذه الصفة، هو مصدر انحطاط الأمة، وسقوطها في الهاوية، إن هذا التعليم سبب لتمرد المرأة، وخروجها عن تعاليم دينها، وآداب شرعها، وعوائد قومها الصالحة، وسفورها، وتبرجها، واختلاطها مع الأجانب؛ والسفور مدعاة إلى الفجور، وفتنة الاختلاط كبيرة.

ص: 80

وقد أجمع العقلاء على أن المرأة مطمع نظر الرجل ومثار شهوته، وأن الاختلاط مثير للشهوة جالب للفتن، سبب لفعل ما يكرهه الله. وهل حدث ما تعلمون أو تسمعون عنه في البلاد المجاورة من تمزيق الحجاب وكشف الساق والفخذ والرأس، وفتح بيوت البغاء، والسينما، والرقص والخلاعة، إلا بعد التعليم المزعوم ثقافة؟!.

وقد انتقد بعض القراء كلمتي السابقة عن مدارس البنات، متباعدين وقوع ما أشرت إليه؛ ولعلهم الآن عذروا، بعدما رأوا وسمعوا عن لباس البنات الخاص بالمدرسة، وركوبهن الأتوبيسات سافرات؛ وليس الخبر كالعيان.

أيها المسلمون، إن أفراخ الإفرنج الذين تغذوا بألبانهم، وتثقفوا بتعاليمهم، يريدون من تعليم المرأة مشاركتها للرجل في المكاتب، والمباسط، والمعامل، والمدارس، كما صرحوا به في عدة مقالات معروفة، فقد خسرنا الغالب من أبنائنا نتيجة هذا التعلم الفاسد.

فهم لا يقدرون أبا، ولا يحترمون أما، ولا يرحمون أخوة، ولا يؤدون واجبا إلا وهم كارهون؛ يحبون الشر، ويقلدون الكفرة، ويتشبهون بالمجوس، ويبغضون الخير وأهله، ويتنقصونهم، فالله المستعان.

ص: 81

ولم يقفوا عند هذا الحد، بل يريدون ويحاولون إخراج البنات من أكنانهن ليكشفوا حجابهن، وليتمكنوا من التمتع بهن، بحيلة هذا التعليم المزعوم. والعجب العجاب: حصول هذه الأمور الهدامة، التي هي هدم للأخلاق، وخروج عن الشريعة، ومحادة لله ولرسوله، وللمسلمين، ولا نرى المنتسبين إلى العلم والمتصفين بالشهامة والرجولة يهمهم ذلك. فأين الغيرة يا أهل الإسلام؟! غزاكم أعداء الإسلام في بيوتكم، وأفسدوا الكثير من أبنائكم، ويحاولون إفساد البنات، وأنتم ساكتون! ما هذا السكوت والطمأنينة، والركود والإخلاد؟! أجهلتم هذا؟! أم تساهلتم به؟ فإنه والله عظيم! كيف بعد التستر والحجاب، والحفظ والصيانة يكون السفور والخلاعة، في بلاد نشأ أهلها على فطرة الإسلام، وعبادة الله وحده، وتحكيم شرعه، ودستورها القرآن؟! إنها لمصيبة عظيمة!

أيها المسلمون، كونوا على حذر، وتنبهوا لهذه الأخطار، وتكاتفوا، وتعاونوا في السعي، بمراجعة المشائخ والحكومة، وبيان الحقائق لهم، لإغلاق ما فتح من هذه المدارس التي فتحت لتعليم البنات على المنهج الحديث.

ص: 82

فهي مدارس ظاهرها الرحمة، وباطنها البلاء والفتنة، ونهايتها السفور والفجور، فإن لم تدركوا الحصول على إغلاقها، فلا تقبلوا فتحها في بلاد لم تفتح فيها؛ فإن تساهلتم حل بكم ما حل بغيركم، وستندمون وقت لا ينفع الندم.

إن تعليم المرأة على هذا المنهج خطر عظيم على المجتمع، ومصيبة لا تجبر، وعاقبته سيئة; إن تعليم المرأة سبب لتمردها، وهن ناقصات عقل ودين؛ لذا أوجب الله على المكلفين من العبادات ما هو معلوم.

وخص المرأة - وهو العليم الحكيم - بوجوب الحجاب في عدة آيات من القرآن، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم معلوم مشهور، فلا نطيل بذكر ما ورد في ذلك.

ونهى الشارع عن سفر المرأة وحدها، وحرم الخلوة بالأجنبية، إبعادا للتهم، وكان أهل الجاهلية، يئدون البنات خشية العار، فيلحقهم عارها. وبيتعليمها ستسافر وحدها، وتخلو بزميلها أو معلمها، وتذهب بعض الليل بعيدة عن أهلها باسم الدراسة والمذاكرة، أو تبيت عند غير أهلها، ولا يكون لوليها عليها أمر.

فالله الله عباد الله، في مقاومتها وردها، وعدم قبولها؛ فإنه لا يرضى بهذه المدارس، إلا من لا غيرة

ص: 83

عنده، ولا رجولة ولا دين. والغالب أن الراضين بها والمستحسنين لها من دعاة الفجور، نعوذ بالله من موجبات غضبه. والقصد مما ذكرنا: النصيحة لإخواننا المسلمين، وأداء الواجب، وبراءة الذمة؛ والله يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه، إنه جواد كريم؛ وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

[في سبيل الحق]

وقال الشيخ: عبد الرحمن بن حماد العمر: 1

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

وبعد: فبمناسبة ما نشاهده من تحول في تطبيق ديننا الحنيف نتيجة ما مني به كثير من المنتسبين للإسلام، من تخلف فكري وعقائدي، جعلهم يسخرون بدينهم، وبالداعين إليه; ويطالبون باسم التقدم والرقي إحلال كثير من المحرمات في بلادهم، مخرج الأنبياء، ومهبط وحي السماء.

وامتثالا لما أوجبه الله علينا، من مؤازرة الحق، ونصيحة من حادوا عنه، وإرشادهم إلى طريق سعادتهم ورقيهم ونجاتهم،

1 في رسالة له "في سبيل الحق" في 7 - 3- 1383هـ.

ص: 84

لهذا قمت بإعداد هذه الرسالة، راجيا من الله سبحانه أن يجعلها من الأسباب الناجعة في حل الخلاف، وشفاء القلوب.

كما أرجو من القارئ الكريم أن يدرأ بالحسنة السيئة، ويحمل كلماتها محمل النصح وحسن المعتقد؛ فذلك مقصدي، والله حسبي ووكيلي.

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة: إلى الطائفة المنصورة: إليكم يا حملة رسالة الأنبياء والمرسلين، إليك يا أخي المجاهد في سبيل الله

بيدك

بلسانك

بقلمك

بذلك كله

إليك أوجه رسالتي هذه، وأنا أحس بإحساسك، وأشعر بشعورك.

ولكني أقول لك يا أخي المجاهد الغيور: إنك سوف تلاقي في سبيل دعوتك إلى الله، وفي سبيل غيرتك لمحارم الله، عندما تراها تنتهك

عندما ترى السفور منتشرا، والخمر مستقى، والجرائم الأخلاقية مرتكبة، والفرائض مضاعة، والدين والشرف يستباحان، باسم التقدم والرقي.

أقول لك: سوف تتقاذفك سهام مرضى القلوب، الذين تنفذ دعوتك إلى مخازيهم وأهدافهم الخسيسة، نفوذ السهم من الرمية، وسوف يقولون عنك: منافق، مخادع،

ص: 85

أكال، جاهل، رجعي، دجال; وسوف يقولون عنك كل شيء مما يشفون به غليل نفوسهم المريضة، وسوف يطالبون بطردك من وظيفتك إن كنت موظفا، ويحاربونك في كل مجال. ولكني أذكرك قدوتك وإمامك محمدا صلى الله عليه وسلم الذي دعا الناس بمكة عشر سنين، لم يؤمن خلالها بدعوته إلا النّزر اليسير، والذي قيل له لما بدأ دعوته إلى الله: ساحر، كاهن، مجنون. وقيل لمن أراد الإنصات لتلاوته:{لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [سورة فصلت آية: 26] وقذف بالحجارة، وألقى عليه سلى الجزور - وهو ساجد أمام بيت الله - ومع هذا كله، صبر وضاعف جهاده، ولم يشك قلة حيلته، وهوانه على الناس إلا على ربه; وكسرت رباعيته، وشج وجهه، ولم يزد على أن أخذ يمسح الدم عن وجهه، ويقول:"اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون"1. نعم، ذلك هو محمد بن عبد الله، جاهد في الله، وتلقى الأذى بصدر رحب في سبيل الله، حتى حقق الله له النصر، فاستغفر الله الذي توفاه مؤمنا حقا، وألحقه بالرفيق الأعلى، بعد أن بلغ الرسالة، وأدى الأمانة. وتلا محمدا صحابته، والتابعون لهم بإحسان،

1 البخاري: أحاديث الأنبياء (3477)، ومسلم: الجهاد والسير (1792)، وابن ماجه: الفتن (4025) ، وأحمد (1/380 ،1/441 ،1/453) .

ص: 86

بالإيمان والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، بالغيرة لمحارم الله، بنشر دين الله، بدعوة الناس إليه.

وهكذا يتبع هديه المهتدون إلى يوم القيامة، ممن قال الله فيهم:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} [سورة فصلت آية: 33]، وممن حققوا قول الله:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [سورة آل عمران آية: 104] . بل إنهم الطائفة المنصورة التي قال عنها محمد صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى" 1 ذلك لأنهم فهموا قول الله: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [سورة النساء آية: 114] . فهموا ذلك القول الرباني فحققوه، فاستحقوا أن يوصفوا بمقتضاه، ويكرموا جزاء امتثاله كرامة المتقين.

وهكذا يصف الله المجاهدين فيه من الرسل وحملة رسالتهم، تلك الرسالات التي اختتمت برسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة، والتي بها رسخت أركان العدالة في الأرض، وانمحت رواسب التفرقة بين بني الإنسان، بقول الله تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [سورة الحجرات آية: 13]، وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس لعربي فضل على عجمي

1 مسلم: الإمارة (1920)، والترمذي: الفتن (2229)، وابن ماجه: المقدمة (10) ، وأحمد (5/279) .

ص: 87

إلا بالتقوى; كلكم لآدم وآدم من تراب". أو كما قال.

وأنتم يا دعاة الحق، الغيورين لحرمات الله، المؤمنين به، الداعين إليه، أنتم المخاطبون بالتضحية، والصبر، فلا تنهزموا أمام الباطل الزاهد، وأنتم الأعلون.

واعلموا أن الله معكم، ينصركم كما نصر من جاهدوا قبلكم من الأنبياء وعباد الله المخلصين. فادعوا إلى الله على بصيرة، قابلوا الجاهل بالحلم، وخاطبوا العالم المعاند، بالإقناع بالموعظة الحسنة، لعله يتذكر أو يخشى، ولعله يتوب إلى ربه من ظلم نفسه.

لأنه يظن - يا أخي المجاهد - أنه يضادك ويغيظك، ولا يدري أنه إنما يضاد نفسه، ويسعى في هلاكها، وينصب من نفسه عدوا لله، وناصرا للشيطان، ناصرا للمنكر من تحكيم القوانين، وإباحة وأد الأخلاق الفاضلة، ناصرا لتقاليد الغربيين والشيوعيين، في أهله، في بنيه، وبناته.

يفكر أن التقدم في إدخال ابنته وعورته، مدرسة يقوم بالتدريس فيها أستاذة تلقت دراستها في الخارج، وصارت طيلة أيام دراستها مع زميلها على كرسي واحد، ومشت متبرجة في الشارع، وشاهدت المسرح والرقص، ودخلت دور السينماء وقرأت شيئا من "آخر ساعة" و "المصور" وشيئا من مؤلفات ذوي الخلاعة والمجون، في مقابل الجهل بأمر دينها، وفاضل أخلاقها.

ص: 88

ويقتنع هذا المغرور بنفسه، الجاهل بمستقبل محارمه أن ابنته في مدرسة مصونة بالحيطان عن عيون الرجال، دون أن يفكر في تلك الأستاذة الماثلة أمام ابنته، والتي لن تدرسها مهما أعطيت من التعليمات، إلا الشيء الذي تعرفه، لأنها لا تعرف غيره. وإن لم تظهر ذلك الذي تعرف في كل درسها، فلا بد من ظهوره في فعلها ونظراتها، وحركاتها، وفرطات كلامها، لأنه من المستحيل أن ينضح إناء بغير الذي فيه.

وظيفة المرأة: ويظن هذا المغرور أن للمرأة حقا في مشاركة الرجل، في الدائرة، وفي المتجر، والمصنع، وفي الإذاعة؛ وينسى أنها عورة إنما خلقت لتصان في بيوت، وتكرم فيها.

وينسى أن الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض، كما جاء في كتاب الله الذي حفظ لها حقوقها وكرامتها، وبين مهمتها في الحياة، وكما بين تلك الحقوق وتلك المهمة أيضا محمد صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث.

فلو قرأ قول الله: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَاّ مَا ظَهَرَ

ص: 89

مِنْهَا1 وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ2 أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [سورة النور آية: 31] .

1 ما ظهر منها: هو ما لا تستطبع المرأة ستره، كالخارج من الثياب ونحوها، كما جاء عن ابن مسعود وغيره، وليس هو كما نسب إلى ابن عباس، بدليل الآيات، والأحاديث الموجبة لستر الوجه عن الرجال الأجانب

2 المقصود بأولي الإربة: الذين لا حاجة لهم في الجماع، ولا دافع لديهم إليه، أما أولئك الذين يستخدمون في بيوتهم الرجال، ويتركونهم يخاطبون محارمهم، كالسائق، والطباخ، وخادم التنظيف، وقاضي الحوائج، ونحوهم من الأطفال الذين تزيد أعمارهم على سن العاشرة، على أساس الثقة فيهم.

فهؤلاء: قد أخطؤوا، واتصفوا تصفة تدل على عدم غيرتهم؛ ففي الحديث:"ما خلا رجلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما" وفي الحديث أيضا: "مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع".

ص: 90

وقوله الله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [سورة النور آية: 59]، وقول الله:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} [سورة النساء آية: 34]، وقول الله:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} [سورة الطلاق آية: 6]، وقول الله:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [سورة الأحزاب آية: 59] الآية، لو قرأ هذا وآمن به، لما طالب بتحلل المرأة، وخروجها من سترها إلى محيط العمل، ومخالطة الأجانب.

وآمن بقول الله: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [سورة النور آية: 30]، وبقول الله:{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [سورة الأحزاب آية: 53]، وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كتب على ابن آدم نصيبه من الزنى، مدرك ذلك لا محالة: العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها

ص: 91

البطش، والرجل زناها الخطى. والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه" 1 متفق عليه، وبحديث أم سلمة رضي الله عنها، قالت: "كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده ميمونة، فأقبل ابن أم مكتوم، وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم احتجبا منه; فقلنا: يا رسول الله، أليس هو أعمى لا يبصرنا، ولا يعرفنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟ "2، وبقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم " 3 متفق عليه.

لو قرأ هذا وآمن به، لما طالب بتحلل المرأة، وخروجها لتختلط بالرجال; ولما "سئلت فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأفضل للمرأة؟ قالت: أن لا ترى الرجال ولا يرونها"

وقال الشيخ محمد بن عبد الله بن حمدان:

لن نترك كتاب الله، ونعمل بالنظم الغربية 4

اطلعت في جريدة اليمامة العدد 249 في 1/6/80 على كلمة بعنوان: " نقد وتوجيه " بتوقيع رشيد سلهوب الخالدي، من الظهران، ردا على كلمتي المنشورة في مجلة راية الإسلام الغراء، حول كلمة:"لا تئدوا بناتنا في المهد" يقول الكاتب في كلمته:

1 البخاري: الاستئذان (6243) والقدر (6612)، ومسلم: القدر (2657)، وأبو داود: النكاح (2152) ، وأحمد (2/276 ،2/317) .

2 الترمذي: الأدب (2778)، وأبو داود: اللباس (4112) ، وأحمد (6/296) .

3 البخاري: النكاح (5233)، ومسلم: الحج (1341) ، وأحمد (1/222) .

4 نشر هذا المقال في مجلة راية الإسلام، سنة 1380 هـ.

ص: 92

إن تعليم البنات - على الطريقة المتبعة في الخارج - دعوة إلى الانطلاق والتقدم، والعمل لمؤازرة الرجل.

هكذا يصف التعليم الذي نهايته: التبرج والسفور، والانحلال، والرقص، والغناء، والخروج على الأخلاق. ليتكم يا هذا تطالبون بتعليم البنات في حدود ما رسمه الدين الحنيف، وتكتفون بذلك، إذاً لرحبنا بذلك، وأيدناكم؛ ولكنكم تريدون تعليما كالتعليم الموجود في الخارج - مجرد تقليد ومحاكاة - ولا تهمكم تعاليم الإسلام التي تأمر بالمحافظة على أخلاق المرأة، وتصون لها عفتها وكرامتها.

لا تريدون هذا، لأنه من أعمال الرجعيين!! تريدون لفتياتكم أن ينْزلن بجانب الرجل، في ميادين العمل؛ بل تريدون لهن أن يخرجن نجوما للسينما، والتلفزيون، وغيرهما، وهذا هو التقدم، الذي تتمنون أن تحرزه أمتكم. وهذا خروج على مبادئ الدين الحنيف، ومحاربة للفضيلة، ولا يرضاه الإسلام، بل حذر منه. ورغم أن الإسلام بين أن المرأة عورة، يجب محافظتها على الأخلاق، والتحرز من الاختلاط بالرجال، فإن أنصار المرأة - أو على الأصح أعداءها - لا يرضيهم هذا، لأنه بحد زعمهم كبت وحبس لها;

ص: 93

وهذا ما تلقنوه من أساتذتهم - أسيادهم - الغربيين، وأتباعهم، وقبلته عقولهم الضعيفة.

ثم يقول الكاتب: أرأيت كيف وصلت البلدان التقدمية إلى ما هي عليه الآن من حضارة، وعلم، وتكتيك؟! ولو لم تكن بجانب الرجل تشد أزره، لما نهضت وتقدمت؟!.

وجوابي على هذا التساؤل، أن أقول: نعم رأيت وسمعت، ويا لهول ما سمعت وما رأيت!! رأيت: أنهم تجاوزوا في تعليم فتياتهم، فلم يكتفوا بتعليمهن الدين، وشؤون المنْزل، وتربية الأولاد.

لا; لم يكتفوا بذلك، بل خرجوا بهن عن الحدود الموسومة لهن، زاعمين أنهم يريدون لهن التحرر، والحضارة والانطلاق؛ فخرجن بذلك عن تعاليم الإسلام، ونزعن برقع الحياء، وتركن الحجاب، واختلطن بالرجال، ونزلن إلى ميادين العمل؛ بل برعن في إجادة الرقص، والغناء، والفجور!! وصار ما يخالف هذا يعد من أعمال الرجعية!! أي حضارة؟! وأي تقدم في هذا الذي وصلت إليه هذه الأمم؟!! نحمد الله أننا لم نصل بعد - ولن نصل إن شاء الله - إلى هذه الحضارة الزائفة، وهذا التقدم المزعوم!!.

ص: 94

نحمد الله على ما نحن عليه، من تمسك نسائنا بتعاليم الإسلام، في المحافظة على الحجاب، وعدم الاختلاط بالرجال، وعدم إظهار الزينة، والتمشي مع تعاليم الدين الذي من تمسك به فهو السعيد. وليست أدل على ذلك مما تزخر به إذاعاتهم وصحفهم من هذا النوع، فهذه المجلات الخليعة التي ترد إلينا منهم فيها من الصور العارية، والحكايات الفاجرة، والقصص، والأوصاف الخسيسة، فيها من كل هذا وأكثر منه، الشيء الكثير - كما هو معروف -، زيادة على ما فيها من إلحاد، وزندقة، واستهزاء بالدين وأهله. هذا هو التقدم والحضارة المزعومة!! ولكن الله سينصر دينه ويعلي كلمته، ويدحض أعداءه، ويكبتهم، ويحفظ علينا ديننا، وأخلاقنا، وشيمنا، ورجعيتنا، إن كان التمسك بالدين هو الرجعية.

ثم يقول الكاتب متسائلا: هل اطلعت على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟ الصادر في "سان فرنسيسكو" الذي يقضي عدم التمييز بين الرجل والمرأة؟!. اضحك معي أيها القارئ الكريم، وابك أيضا على هذا الكلام، فهو مضحك مبك في آن واحد; كيف تستدل أيها الكاتب على عدم التمييز، بما أوصت به هذه اللجنة؟! لماذا تكلف نفسك مشقة البحث والاطلاع؟ وتذهب

ص: 95

بعيدا إلى ما أوصت به لجنة "سان فرانسيسكو"؟! أليس عندك كتاب الله، وسنة رسوله؟ فيهما الخير الكثير، لمن أراد الهداية; فيهما ما يغنيك عن تتبع ما أوصت به اللجان الغربية، عن مركز المرأة أو غيره.

فإن كنت تعتقد - وهذا ما نرجوه - أن توصيات الدين الإسلامي خير من توصيات هذه اللجان وأشباهها، فلماذا تترك توصياته وتعاليمه، وتبحث غيرها؟!. وإن كانت الأخرى - لا قدر الله - فاعلم أن الدين الإسلامي أرقى الأديان، وأعظمها، وأنه جاء بخير البشرية جمعاء؛ فلا خير إلا دلنا عليه، ولا شر إلا حذرنا منه {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [سورة آل عمران آية: 85] . فكر جيدا أيها الكاتب، واعلم أن الغربيين أعداء الإسلام، لم يدخروا وسعا في تضليلنا عن ديننا، بل عملوا بكل ما أوتوا من قوة; ومن جملة دسائسهم الخبيثة: دعوتهم إلى تحرير المرأة، وتثقيفها، ومساواتها بالرجل، لعلمهم أننا إذا فعلنا ذلك وقعنا في المحذور، وخالفنا أوامر ربنا.

إن الدين الإسلامي أنصف المرأة وحفظ لها أخلاقها، وشيمها العربية الأصيلة، ولم يهضمها حقوقها، كما يزعمه البعض، ممن تأثر بأبواق الدعايات الغربية؛ بل

ص: 96

أمر بتعليمها الدين، وما يجب عليها تعلمه، في حدود مرسومة لا تتعداها.

ونهى عن تعليمها التعليم الذي يؤدي إلى السفور، ونزع جلباب الحياء، ومحو الأخلاق والفضيلة، وأمرها بالحجاب والتستر، والمحافظة على الأخلاق; ونهاها عن التبرج، والاختلاط بالرجال، وإظهار الزينة. ولست بذلك أدعو إلى احتقار المرأة، أو عدم تعليمها؛ كلا، ولكن هذا التعليم السافل الذي يدعو إليه البعض والذي مؤداه ونهايته: التبرج، والانحلال، وترك الأخلاق، والفضيلة، هذا التعليم، هو: ما نحذر مجتمعنا منه، ومن دعاته، ونخوفهم من عواقبه الوخيمة التي ظهرت في بعض البلدان؛ والسعيد من وعظ بغيره. أما تعليم الدين وما يتبعه، كتربية الأولاد، وتدبير المنْزل، مع الحرص الشديد على الأخلاق والشيم، والعادات الحميدة، التي نادى بها الإسلام، من لبس الثياب الساترة والحجاب، وعدم المخالطة، فهذا لا ينكره أحد.

وأي مصيبة وأي انتكاس أعظم من وجود أناس في مجتمعنا، يستدلون على إباحة شيء أو تحريمه بالنظم الغربية، والقوانين الوضعية تاركين كتاب الله، وسنة رسوله؟!

ص: 97