الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هو الموت عم فما للعدا
…
يسرون بي حين دقت الردى
ومن فاته اليوم يأتي غداً
…
سيبلي الجديد إذا ما المدى
تتابع آحاده والسبوت
أخي توخ طريق النجاة
…
وقدم لنفسك قبل الممات
وشمر بجد لمّا هو آتي
…
ولا تغترر بسراب الحياة
فإنك عما قريب تموت
انتهى. وقد تذكرت بقوله:
سيبلي الجديد إذا ما المدا
…
تتابع آحاده والسبوت
قول الآخر:
نطوى سبوات وآحادا وننشرها
…
ونحن في الطي بين السبت والأحد
فعد ما شئت من سبت ومن أحدٍ
…
لا بد أنَّ يدخل المطوي في العدد
شعره
قال بعض الأعلام: شعر أبن الخطيب ما بعده مطمع لطامع، ولا معرج على شاعر بعده الآذان والمسامع؛ فمن ذلك قوله سامحه الله:
عسى خطرة بالركب يا حادي العيس
…
على الهضبة الشماء من قصر باديس
لنظفر من ذاك الزلال بعلة
…
وننعم في تلك الظلال بتععريس
حبست بها ركبي فواقاً وإنّما
…
عقدت على قلبي لها عقد تحبيس
لقد رسخت آي الجوافي جوانحي
…
كما رسخ الإنجيل في قلب قسيس
بميدان جفني للسهاد كتيبة
…
تغير على السراح الكرى في كراديس
وما بي إلاّ نفحة حاجرية
…
سرت والدجى ما بين وهن وتغليس
إلاّ نفس يا ريح من جانب الحمى
…
تنفس من نار الجوى بعض تنفيس
ويا قلب لا تلق السلاح فربما
…
تعذر في الدهر أطراد المقاييس
وقد تعتب الأيام بعد عتابها
…
وقد يعقب الله النعيم من البوس
ولا تخشى لج الدمع يا خطرة الكرى
…
إلى الجفن بل قيس على صرح بلقيس
تقول سليمى: ما لجسمك شاحباً
…
مقالة تأنيب يشاب بتأنيس
وقد كنت تعطو كلما هبت الصبا
…
بريان في ماء الشبيبة مغموس
ومن رابح الأيام يا بنت عامر
…
يجوب الفلا راحت يداه بتفليس
فلا تحسبي والصدق خير سجية
…
ظهور النوى إلاّ بطون النواميس
وقفراء أما ركابها فمضلل
…
ومربعها من آنس غير مأنوس
سنحنا بها من هضبة لقرارة
…
ضلالا وملنا من كناس إلى خيس
إذا ما نهضنا عن مقيل غزالة
…
نزلنا فعرسنا بساحة عريس
أدرنا بها كأسا دهاقاً من سرى
…
أملنا بها عند الصباح من الروس
وحانه خمار هدانا لقصدها
…
شميم الحميا واصطكاك النواقيس
تطلع ربانيها من جداره
…
يهيم في جنح الظلام بتقديس
بكرنا وقلنا إذ نزلنا بساحة
…
عن الصافنات الجرد والضمر العيس
أيا عابد الناسوت أنا عصابة
…
اتينا لتثليث بلى ولتسديس
وما قصدنا إلاّ المقام بحانة
…
وكم ألبس الحق المبين بتلبيس
فأنزلنا قوراء في جنباتها
…
محاربب شتى الاختلاف النواميس
بدرنا بها طين الختام بسجدة
…
أردنا بها تجديد حسرة إبليس
ودار العذاري بالمدام كأنها
…
قطاً تتهادى في رياش الطواويس
وصارفنا فيها نضار بمثله
…
كأنا ملأنا الكأس ليلا من الكيس
وقمنا نشاوي عندما متع الضحى
…
كما نهضت غلب الأسود ن الخيس
فقال: لبئس المسلمون ضيوفنا
…
أما وأبيك الحبر ما نحن بالبيس
وهل في بني مثواك إلاّ مبرز
…
بحلة شورى أو بحلقة تدريس
إذا هز عسال اليراعة فاتكاً
…
أسال بجميع الحبر فوق القراطيس
يقلب تحت النقع مقلة ضاحك
…
إذا التفت الأبطال عن مقل شوس
سبينا عقار الروم في عقر خاننا
…
بحيلة تمويه وخدعة تدليس
لئن أنكرت شكلي ففضلى واضح
…
وهل جائز في العقل إنكار محسوس!
رسبت بأقصى الغرب ذخر مضنة
…
وكم درة علياء في قاع قاموس
وأغربت سوسى بالعذيب وبارق
…
على وطن داني الجوار من السوس
ومن ذلك قوله رحمه الله في الميلاد النبوي على صاحبه الصلاة والسلام يمدح مخدومه أبا عبد الله المخلوع:
ما على القلب يدعكم من جناح
…
أنَّ يرى طائراً بغير جناح
وعلى الشوق أنَّ يشب إذا هب
…
بأنفاسكم نسيم الصباح
جيرة الحي والحديث شجون
…
والليالي تلين بعد الجماح
أترون السلو خامر قلبي
…
بعدكم؟ لا، وفالق الإصباح
ولو إني أعطي اقتراحي على الأيام
…
ما كان بعدكم باقتراحي
ضايقتني فيكم صروف الليالي
…
واستدارت على دور الوشاح
وشقنى كأس الفراق دهاقاً
…
في اغتباق مواصل واصطباح
واستباحت من جدتي وفتائي
…
حرما لم أخله بالمستباح
ومنها:
يا ترى والنفوس أسرى أماني
…
مالها من وثاقها سراح
هل يباح الورود ذياد
…
أو يباح اللقاء بعد انتراح
وإذا أعوذ الجسوم التلاقي
…
ناب عنه تعارف الأرواح
وهي طويلة، ولم يحضرني منها في هذا التاريخ سوى ما كتبته. قلت: وأظن أنَّ الفقيه الكاتب أبا زكريا يحيى بن خدلون كاتب الإنشاء يتلمسان المحروسة أيام السلطان ابى حمو موسى بن يوسف الزياني رحمه الله نسج على منوال هذه القصيدة في قصيدته بديعة له، ورفعها إلى السلطان أبي حمو في مولد سنة
ثمان وسبعين وسبع مائة. وهذا أبن خلدون أخو ولي الدين صاحب التاريخ المشهور، ونص القصيدة:
ما على الصب في الهوى من جناح
…
أنَّ يرى حلف عبرة وافتضاح
وإذا ما المحب عيل اصطبارا
…
كيف يصغي إلى نصيحة لاحي
يا رعي الله بالمحصب ربعا
…
آذنت عهده النوى بانتزاح
كم أدرنا كأس الهوى فيه مزجا
…
رُبَّ جدٍ من الجوى في المزاح
هل إلى رسمه المحيل سبيل
…
يا حدادة المطى تلك الطلاح
نسأل الدار بالخليط ونسقى
…
ذلك الربع بالدموع السفاح
أي شجو عانيت بعد نواها
…
من أسى لازم وصبر مزاح
أهل ودى إنَّ رابكم برح وجدوى
…
من صبا بارح وبرق لياح
فأسألوا البرق عن خفوق فؤادي
…
والصبا عن سقام جسمي المتاح
يا أهيل الحمى نداء مشوق
…
ما له عن هوى الدمى من براح
طالما استعذب المدامع ورداً
…
في هواكم عن كل عذب قراح
عاده بالطلول للشوق عيد
…
من حمام بدوحهن صداح
من لقلب من الجوى في ضرام
…
ولجفن من البكا في جراح
ولصب يهيجه الذكر شوقاً
…
فهو سكراً يرتاح من غير راح
وليال قضيت للهو فيها
…
وطرا والشباب ضافي الجناح
راكبا في الهوى ذلول تصاب
…
ساحباً في الغرام ذيل مراح
ونجوم المنى تنير إلى أن
…
روع الشيب سربها بالصباح
أي مري حمدت لم ادخل منه
…
بسوى حسرةٍ وطول افتضاح
واخسارى يوم القيامة إن لم
…
يغفر الله زلتي واجتراحي
لم اقدم وسيلةً فيه إلاّ
…
حب خير الورى الشفيع الماحي
سيد العامين دنيا وأخرى
…
اشرف الخلق في العلا والسماح
سيد الكون من سماء وأرض
…
سره بين غاية وافتتاح
زهرة الغيب مظهر الوحي معنى الن
…
ور كنه المشكات والمصباح
آية المكرمات قطب المعالي
…
مصطفى الله من قريش البطاح
أوّل الأنبياء تخصيص زلفى
…
آخر المرسلين بعث نجاح
صفوة الخلق أرفع الرسل قدراً
…
وسراج الهدى وشمس الفلاح
من لميلاده بمكة ضاءت
…
من قرى قيصر جميع الضواحي
وخبت نار فارس وتداعت
…
من مشيد الإيوان كل النواحي
من رقى في السماء سبعاً طباقاً
…
ورأى آي ربه في اتضاح
ودنا منه قاب قوسين قرباً
…
ظافراً في العلى بكل اقتراح
من هدى الخلق بين حمر وسودٍ
…
وجلا ليل غيهم بالصباح
من يجير غدا يوم يجزى
…
كل عاص وطائع باجتراح
من إلى حوضه وظل لواه
…
يلجأ الناس بين ظامٍ وضاحي
أحمد المجتبى حبيباً وإني
…
فوق عز الحبيب مرمى طماح
في أناجيله المسيح تلاه
…
باسمه والكليم في الألواح
ولكم حجةٍ وبرهان صدقٍ
…
في سماعٍ أتى بها والتماح
إنَّ في النجم والنبات لآياً
…
بهرت والجماد والأرواح
معجزات فتن المدارك وصفاً
…
وحساباً كالزهر أو كالصباح
يا رواة القريض ولا شعر عجزاً
…
ما عسى تدركون بالأمداح
إنما حسبنا الصلاة عليه
…
وهي للفوز آية استفتاح
يا الهي بحق أحمد عفواً
…
عن ذنوبٍ جنيتهن قباح
وأدم دولة الخليفة موسى
…
ذي المعالي المبينة الأوضاح
مفخر الملك مستقر المزايا
…
مظهر اللطف ذو التقى والصلاح
ناصر الحق خاذل الجور عدلا
…
ملجأ الخائفين بحر السماح
يتلقى لاندى بوجه حييٍ
…
ويلاقي العدا ببأس صفاح
وله المكرمات إرثاً ولبساً
…
حاز حمدا بها معلى القداح
من علا باذخٍ وفخرٍ صميم
…
وكمال بحتٍ ومجدٍ صراح
وأحاديث في المعالي حسانٍ
…
رويت عنه في العلى الصحاح
عاقد صفقة العلا كل حين
…
فائز فيه سعيه بالرباح
للنى والهدى يروح ويغدو
…
أي مغدي إلى العلا ومراح
ملك تشرق الأسرة منه
…
في سماء السرير نور صباح
وإذا ما علا بعالي العوالي
…
صهوة الجود فهو ليث الكفاح
لبس الدهر منه حلة حسن
…
وثنى للسرور عطف مراح
وعلا عاتق الخلافة منه
…
طراز فخر سبي النهى بالتماح
ورث الملك شامخاً عن سراةٍ
…
شيدوا ركنه بأيدي الصفاح
من بني القاسم الذي تحلوا
…
بالمعالي واستأثروا بالفلاح
فرعوا هضبة الخلافة مجداً
…
رفعوا سقفه على الأرماح
نشروا راية المفاخر حمداً
…
خافق النور بالرابا والبطاح
يا إماما بذلك الملك جلالاً
…
وجمالاً فديت بالأرواح
أنت شمس الكمال دمت علياً
…
في اغتباق من المنى واصطباح
وبنوك الأعلون أنجم سعدٍ
…
زاهرات بنورك الوضاح
وأبو تشافين بدر منير
…
زانه الله بالخلال الصباح
أكمل العالمين خلقاً وخُلقاً
…
اشرف الناس في الندى والكفاح
وبكم زينت سماء المعالي
…
واهتدى الناس في الدجى والصباح
قلت: قوله:
أكمل العامين خلقاً وخلقاً
…
اشرف الناس في الندى والكفاح
لا يخلو من قلة تحفظ، ومثل هذا في الحقيقة إنما يطلق على رسول) ، وإن كان المتكلم أراد أهل عصره.
وكان السلطان أبو حمود موسى بن يوسف الممدوح في هذه القصيدة يحتفل لليلة مولد رسول الله) غاية الاحتفال، كما كان ملوك المغرب والأندلس في ذلك العصر وما قبله يعتنون بذلك، ولا يقع منهم فيه إغفال؛ وقد تقدم أنَّ العزفي صاحب سبته هو الذي سن ذلك في بلاد المغرب، وأتى بزلفى تدينه إلى الله وتقرب؛ واقتفى الناس سننه، وتقلدوا مننه؛ تعظيماً للجناب الذي وجب له السمو والعلو، على أنَّ بعضهم قد خرج في ذلك إلى حدّثني الإسراف والغلو؛ وكل يعمل على شاكلته.
ومن جملة احتفال السلطان أبي حمو المذكور ما قاله صاحب راح الأرواح: " أنّه كان يقيم ليلة الميلاد النبوي، على صاحبه الصلاة والسلام، بمشورة من تلمسان المحروسة، مدعاةً حفيلة، يحشر فيها الناس خاصة وعامة، فما شئت من نمارق مصفوفة، وزرابي مبثوثة؛ وبسط موشاة، ووسائد بالذهب مغشاة؛ وشمع كالأسطوانات، وموائد كالهالات؛ ومباخر صفر منصوبة كالقباب، يخالها المبصر من تبر مذاب؛ ويفاض على الجميع أنواع الأطعمة، كأنها أزهار الربيع المنمنمة؛ تشتهيها الأنفس وتستلذها النواظر، ويخالط حسن رياها الأرواح ويخامر؛ رتب الناس فيها على مراتبهم ترتيب احتفال، وقد علت الجميع أبهة الوقار والإجلال؛ وبقرب ذلك يحتفل المسمعون بأمداح المصطفى عليه الصلاة والسلام، ومكفرات ترغب في الإقلاع عن الآثام؛ يخرجون فيها من فن إلى فن، ومن إلى فن، ومن أسلوب إلى أسلوب؛ ويأتون من ذلك بما تطرب له
النفوس وترتاح إلى سماعه القلوب؛ وبالقرب من السلطان، رضوان الله عليه، خزانة النمجانة وقد زخرفت كأنها حلة يمانية لها أبواب مرتجة على عدد ساعات الليل الزمانية؛ فمهما مضت ساعة وقع النقر بقدر حسابها، وفتح عند ذلك باب من أبوابها؛ وبرزت منه جارية صورت في أحسن صورة، في يدها اليمنى رقعة مشتملة على نظم فيه تلك الساعة باسمها مسطورة؛ فتضعها بين يدي السلطان بلطافة، ويسارها ع فمها كالؤدية بالمبايعة حق الخلافة؛ هكذا حالهم الى انبلاج عمود الصباح، ونداء المنادي حي على الفلاح ".
انتهى كلام صاحب راح الأرواح.
وقال في نظم الدرر والعقيان في هذا المعنى ما نصه: " وكان يعني السلطان أبا حمو يقوم بحق ليلة مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويحتفل لها بما هو فوق سائر المواسم، يقيم مدعاة، يحشر لها الأشراف والسوقة، فما شئت من نمارق مصفوفة، وزرابي مبثوثة، وشمع كالأسطوانات، وأعيان الحضرة على مراتبهم تطوف عليهم ولدان قد لبسوا أقبية الخز الملون، وبأيديهم مباخر ومرشات، ينال كل منهم بحظه، وخزانة المنجانة ذات تماثيل لجين محكمة الصنعة، بأعلاها أيكة تحمل طائرا فرخاه تحت جناحيه ويختله فيهما أرقم خارج من كوة بجذر الأيكة صعدا، وبصدرها أبواب مرتجة
بعدد ساعات الله الزمانية، يصاقب طرفيها بابان كبيران وفوق جميعها دوين رأس الخزانة قمر أكمل يسير على خط الاستواء سير نظيره من الفلك، ويسامت أول كل ساعة بابها المرتج، فينقص من البابين الكبيرين عقابان بفي كل واحد منهما صنجة صفر يلقيها إلى طست من الصفر مجوف بوسطه ثقب يفضى بها إلى داخل الخزانة فيرن وينهش الأرقم أحد الفرخين فيصفر له أبواه فهنا يفتح باب الساعة الذهبية وتبرز منه جارية محتزمة كأظرف ما أنت راء، بيمينها إضبارة فيها اسم ساعتها منظومة ويسراها موضوعة على فيها، كالمبايعة بالخلافة، والمسمع قائم ينشد أمداح سيد المرسلين وخاتم النبيين سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم ثم يؤتى آخر الليل بموائد كالهالات دورا والرياض نورا؛ قد اشتملت من أنواع محاسن الطعام على ألوان تشتهيها الأنفس وتستحسنها الأعين، وتلذ بسماعها الأذان، ويشره مبصرها للقرب منها والتناول وإن كان ليس بغرثان؛ والسلطان لم يفاق مجلسه الذي ابتدأ جلوسه فيه وكل ذلك بمرأى منه ومسمع حتى يصلي هنالك صلاة الصبح.
على هذا الأسلوب تمضي ليلة مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم في جميع أيام دولته أعلى الله مقامه في عليين وشكر له في ذلك صنعه الجميل آمين.
وما من ليلة مولد مرت في أيامه إلاّ ونظم فيها قصيدا في مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم أوّل ما يبتدئ المسمع في ذلك المحفل العظيم بإنشاده، ثم يتلوه إنشاد من رفع إلى مقامه العلي في تلك الليلة نظما ".
انتهى كلام صاحب نظم الدرر والعقيان، وهو أتم مساقا من كلامه في راح الأرواح.
أقول: ولا بد أن نذكر جملة من الطع التي أنشأها الكاتب أبو زكريا يحيى بن خلدون كاتب السلطان أبو حمو المذكور على لسان جارية المنجانة مخاطبة بما مر من الليل وكانت تأتي بها في يدها اليمنى كما ذكرناه فمن ذلك قوله رحمه الله في مضي ساعتين من الليل:
أخليفة الرحمن والملك الذي
…
تعنو لعز علاه أملاك البشر
لله مجلسك الذي يحكى علا
…
بك مالكي أفق السماء لمن نظر
أو ما ترى فيه النجوم زواهرا
…
وجه الخليفة بينهن هو القمر
والليل منه ساعتان قد أنقضت
…
تثني عليك ثنا الرياض على المطر
لازال هذا الملك منصورا بكم
…
وبلغت مما ترتجي أسنى الوطر
وقوله رحمه الله في انقضاء ثلاثة ساعات من الليل:
أمولاي يا بن الملوك الألي
…
لهم في المعالي سنى الرتب
تولت ثلاث من الليل أب
…
قت لك الفخر في عجمها والعرب
فدم حجة الله في أرضه
…
تنال الذي شئته من أرب
وقوله رحمه الله في مضي ست ساعات:
يا ماجد وهو فرد
…
تخاله في عساكر
ست من الليل ولت
…
ما إن لها من نظائر
دامت لياليك حتى
…
إلى المعاد نواضر
وقوله رحمه الله في مضي ثمان ساعات:
يا أكرم الخلق ذاتا
…
وأشرف الناس أسره
مرت ثمان وأبقت
…
في القلب منى وحسره
فيهن كان شبابي
…
أخا نعيم ونضره
ولي بها الدهر عني
…
ترى لها بعد كره
فالله يبقيك مولى
…
يطيل في السعد عمره
وقوله رحمه الله في مضي عشر ساعات:
يا مكان الخير والخيل التي حكمت
…
له بعز على الأيام مقتبل
هذا الصباح وقد لاحت بشائره
…
والليل ودعنا توديع مرتحل
لله من الساعات باهرة
…
مضين لاعن قلى منا ولا ملل
كذا تمر ليالي العمر راحلة
…
عنا ونحن مع الآمال في شغل
نمسي ونصبح في لهو نسر به
…
جهلا وذلك يدنينا من الأجل
والعمر نمضي ولا ندري فوا أسفا
…
عليه إذ مر في الآثام والزلل
يا ليت شعري غدا كيف الخلاص به
…
ولم نقدم له شيئا من العمل
يا رب عفوك عما قد جنت يدي
…
فليس لي بجزاء الذنب من قبل
يا رب وانصر أمير المسلمين أبا
…
حمو الرضا وأنله غاية الأمل
وأبق في العز والتمكين مدته
…
وأعل دولته الغرا على الدول
ومن الموشحات التي خوطب بها السلطان أبو حمو رحمه الله في مولد سنة سبع وستين وسبع مائة قول طبيب دولته أبي عبد الله محمّد بن أبي جمعة الشهير بالتلاليسي رحمه الله تعالى:
لي مدمع هتان
…
ينهل مثل الدرر
قد صير الأجفان
…
ما إن لها من أثر
حق له يجري
…
دما على طول الدوام
مذ جد في السير
…
ناس إلى خير الأنام
وعاقني وزري
…
يا صاح عن ذلك المقام
وسارت الأظعان
…
يحدي بها في السحر
فاستبشر الركبان
…
بقرب نيل الوطر
يا سعده من زار
…
قبر النبي المصطفى
محمّد المختار
…
قطب المعالي والوفا
في مدحه قد حار
…
الخلق طرا وكفى
في محكم القرآن
…
وشرحه والسير
فضله الرحمن
…
على جميع البشر
يا حادي الركب
…
بالله إن جئت البقيع
تحية الصب
…
بلغ إلى الهادي الشفيع
غرب بالمغرب
…
عن ذلك المغني الرفيع
وليس لي إمكان
…
ينهضني للسفر
إلاّ من السلطان
…
الملك المظفر
من لم يزل يسمو
…
إلى المعالي كل حين
ذاك أبو حمو
…
المولى أمير المسلمين
طاعته غنم
…
نلنا بها دنيا ودين
أظهر في البلدان
…
من عدله المشتهر
وعم بالإحسان
…
للبدو ثم الحضر
قابله إسعاد
…
تكل عنه الألسنة
قبيل عبد الواد
…
به غدت في سلطنة
أيامه أعياد
…
يا ليتها ألف سنة
ملك بني زيان
…
بالمشرفي الذكر
أحياه إذا قد كان
…
ليس له من خبر
تاهت تلمستان
…
بملكه على البلاد
صار لها شان
…
وسعدها حلف ازدياد
قد ضل إنسان
…
قال بها يشكو السهاد
ليل الهوى يقظان
…
والحب ترب السهر
والصبر لي خوان
…
والنوم من عيني بري
وكان هذا السلطان أبو حمو رحمه الله يقرض الشعر ويحب أهله وله رحمه الله تأليف حسن في السياسة لخص فيه سلوان المطامع لابن ظفر وزاد عليه فوائد وأورد فيه جملة من نظمه وأمورا جرت له مع معاصريه من ملوك بني مرين وغيرهم وصنفه برسم ولي عهده أبي تاشفين وسماه نظم السلوك في سياسة الملوك.
وكان الفقيه ذو الوزارتين أبو عبد الله بن الخطيب المذكور آنفا كثيرا ما يوجه إليه بالأمداح ومن أحسن ما وجه له قصيدة سينية فائقة وذلك عندما أحس بتغير سلطانه عليه فجعلها مقدمة بين يدي نجواه لتمهد له مثواه
وتحصل له المستقرة إذا ألجأه إلى الأمر إلى المفر فلم تساعده الأيام كما هو شأنها في أكثر الأعلام وهي هذه:
أطلعن في سدف الفروع شموسها
…
ضحك الظلام لها وكان عبوسا
وعطف قضبا للقدود نواعما
…
بوئن أدواح النعيم غروسا
وعدلن عن جهر السلام مخافة ال
…
واشي فجئن بلفظه مهوسا
وسفرن من دهش الوداع وقومهن
…
إلى الترحل قد أناخوا العيسا
وخلسن من خلل الحجال إشارة
…
فتركن كل حجالها مخلوسا
لم أنسها من وحشة والحي قد
…
زجر الحمول وآثر التغليسا
لا الملتقي من بعدها كثب ولا
…
عوج الركاب تسأم التخييسا
فوقفت وقفة هائم برحاؤها
…
وقفت عليه وحبست تحبيسا
ودعوت عيني عاتبا وعيونها
…
بعصا النوى قد بجست تبجيسا
نافست يا عيني در دموعهم
…
فعرضت درا للدموع نفيسا
ما للحمى بعد الأحبة موحشا
…
ولكم تراءى آهلا مأنوسا
ولسر به حول الخميلة نافرا
…
عمن يحس به وكان أنيسا
ولظله المورود غمر قليبه
…
لا يقتضي وردا ولا تعريسا
حييته فأجابني رجع الصدى
…
لا فرق بينهما إذا ما قيسا
ما إن يزيد على الإعادة صوته
…
حرفا فيشفى بالمزيد نسيسا
نضب المعين وقلص الظل الذي
…
ظلنا وقوفا عنده وجلوسا
نتواعد الرجعى ونغتنم اللقا
…
وندير من شكوى الغرام كؤوسا
فإذا سألت فلا تسأل مخبرا
…
وإذا سمعت فلا تحس حسيسا
عهدي به والدهر يتحف بالمنى
…
وقد اقتضت نعماه أن لا بوسا
والعيش غض الريع والدنيا قد اج
…
تليت بمغناه على عروسا
أترى يعيد الدهر عهدا للصبا
…
درست مغاني الأنس فيه دروسا
أوطان أوطار تعوض أفاقها
…
من رونق البشر البهي عبوسا
هيهات لا غني لعل ولا عسى
…
في مثلها إلاّ لآية عيسى
والده في دست القضاء مدرس
…
فإذا قضى يستأنف التدريسا
تفتن في جمل الورى أبحاثه
…
لا سيما في باب نعم وبيسا
وسجية الإنسان ليس بناصل
…
من صبغها حتى يرى مرموسا
يغتر مهما ساعدت آماله
…
فإذا عراه الخطب كان يئوسا
فلو إنَّ نفسا مكنت من رشدها
…
يوما وقدسها الهدى تقديسا
لم تستفز رسوخها النعمى ولا
…
هلعت إذا كشرت إليها البوسا
قل للزمان إليك عن متذمم
…
بضمار عز لم يكن ليخيسا
فإذا استحر جلاده فأنا الذي اس
…
تغشيت من سرد اليقين لبوسا
وإذا طغا فرعونه فأنا الذي
…
من ضره أذاه عذت بموسى
أنا ذا أبو مثواه من يحمي الحمى
…
ليثا ويعلم بالزئير الخيسا
بحمى أبى حمو حططت ركابي
…
لمّا اختبرت الليث والعريسا
أسد الهيجاء إذا خطا قدما سطا
…
فيخلف الأسد الهزبر فريسا
بدر الهدى يأبى الظلال ضياؤه
…
أبدا فيجلو الظلمة الحنديسا
جبل القار رسا وأشرف وأعتلى
…
وسما فطأطأ الجبال رءوسا
غيث النوال إذا الغمام حلوبة
…
مثلث بأيدي الحالبين بسوسا
تلقاه يوم الأنس روضا ناعما
…
وتراه بأسا في الهيجاء بئيسا
كم غمرة جلى وكم خطب كفى
…
إن أوطأ الجرد العتاق وطيسا
كم حكمة أبدى وكم قصد هوى
…
للسالكين أبان منه دريسا
أعلى بني زيان والفذ الذي
…
لبس الكمال فزين الملبوسا
جمع الندى والباس والشيم العلا
…
والسودد المتواتر القدموسا
والحلم ليس يباين الخلق الرضا
…
والعم ليس يعارض الناموسا
والسعد يغني حكمه عن نصبة
…
تستخبر التربيع والتسديسا
كم راض صعبا لا يراض معاصيا
…
كم خاض حربا لا يخاض ضروسا
بلغ التي لا فوقها متمهلا
…
وعلا السها واستسفل البرجيسا
يا خير من خفقت علي سحابة
…
للنصر تمطر أجش بجيسا
وأجل من حملته صهوة سابح
…
إن كرم الله وجهه ضعضع كره الكردوسا
قسما بمن رفع السماء بغير ما
…
عمد ورفع فوقها إدريسا
ودحا البسيطة فوق لج مزبد
…
ما إن يزال على القرار حبيسا
حتى يهيب بأهله الوعد الذي
…
حشر الرئيس إليه والمرءوسا
ما أنت إلاّ ذخر دهرك دمت في الص
…
وان الحريز ممتعا محروسا
لو ساومته الأرض فيك بما حوت
…
لرآك مستاما باب الرجل مبخوسا
حلف البرور بها ألية صادق
…
ويمين من عقد اليمين غموسا
من قاس ذاتك بالذوات فإنه
…
جهل الوزان وأخطأ التقييسا
لا تستوي الأعيان فضل مزية
…
وطبيعة فطر الإله وسوسا
لعناية التخصيص سر غامض
…
من قبل ذرء الخلق خص نفوسا
من أنكر الفضل الذي أوتيته
…
جحد العيان وأنكر المحسوسا
من دان بالإخلاص فيك فعقده
…
لا يقبل التمويه والتلبيسا
والمنتمي عيصك لم تكن
…
لترى دخيلا في بنيه دسيسا
بيت البتول ومنتمى الشرف الذي
…
تحمى الملائك دوحه المغروسا
أما سياستك التي أحكمتها
…
فرميت بالتقصير أسطاليسا
فلوان كسرى الفرس أبصر بعضها
…
ما كان أن يعد سؤوسا
لو سار عدلك في السنين لمّا اشتكت
…
بخسا ولم يك بعضهن كبيسا
ولو الجواري الخنس انتسبت إلى
…
أقوام عزك ما خنسن خنوسا
قدت الصعاب فكل صعب سامح
…
لك بالقياد وكان قبل شموسا
تلقى الليوث وللقتام غمامة
…
قدح الصفيح وميضها المقبوسا
وكأنها تحت الدروع أراقم
…
ينظرون من خلل المغافر شوسا
ما لابن ملمة في القديم وحاتم
…
ضرب الزمان بجودهم ناقوسا
من جاء منهم مثل جودك كلما
…
حسبوا المكارم كسوة أو كيسا
أنت الذي أفتك السفين وأهله
…
إذ أوسعت سبل الخلاص طموسا
أنت الذي أمددت ثغر الله بالص
…
دقات تبلس كرة إبليسا
وأعنت أندلس بكل سبيكة
…
موسومة لا تعرف التدليسا
وشحنته بالبر في سبل الرضا
…
والبر قارب قاعها القاموسا
إن لم تجر بها الخميس فطالما
…
جهزت فيها النوال خميسا
وملأت أيديهم وقد كادت على
…
حكم القضاء تشابه التفليسا
صدقت للآمال صنعة جابر
…
وكفيتها التشميع والتشميسا
والحل والتقطير والتصعيد والت
…
خمير والتوصيل والتكليس
فسكبت من آمالها مالا ومن
…
أوراقها ورقا وكن طروسا
بهتوا فلما استخبروا لم ينكروا
…
وزنا ولا لونا ولا ملموسا
تدبير من قلب السطور سبائكا
…
منها ومن طبع الحروف فلوسا
ونحوت نحو الفضل تعضد منه بال
…
مسموع ما ألفيت منه مقيسا
وجبرت بعد الكسر قومك جاهدا
…
تغني العديم وتطلق المحبوسا
ونشرت راية عزهم من بعدما
…
دال الزمان فسامها تنكيسا
أحكمت حيلة برئهم بلطافة
…
قد أعجزت في الطب جالينوسا
وفللت من حدّثني الزمان وإنه
…
أوحى وأمضى من غرار الموسى
وشحذت حدا كان قبل مثلما
…
ونعشت جدا كان قبل تعيسا
لم ترج إلاّ الله جل جلاله
…
يقال شدة تكفي وجرح يوسى
قدمت صبحا فاستضأت بنوره
…
ووجدت عند الشدة التنفيسا
ما أنت إلاّ فالح متيقن
…
بالنجح تعمر ممرعا ويبيسا
ومتاجر جعل الأريكة صهوة
…
عربية والمتكا القربوسا
ما إن تبايع أو تشاري واثقا
…
بالربح إلاّ المالك القدوسا
والعزم يفترع النجوم بناؤه
…
مهما أقام على التقى تأسيسا
ومقام صبرك واتكالك مذكر
…
بحديث الشبلي أو طاووسا
ومن ارتضاه الله وفق سعيه
…
فرأى العظيم من الحظوظ خسيسا
ما ازددت بالتحميص إلاّ جدة
…
ونضوت من خلع الزمان لبيسا
ولطالما طرق الخسوف أهله
…
ولطالما اعترض الكسوف شموسا
ثم انجلت نسماتها عن مشرق
…
للسمد ليس بحاذر تتعيسا
خذها إليك على النوى سينية
…
ترضي الطباق وتشكر التجنيسا
إن طوولت بالدر من حول الطلى
…
يوما تشكت حظها الموكوسا
لولاك ما أصغت لخطبة خاطب
…
ولعنست في بيتها تعيسا
قصدت سليمان الزمان وقاربت
…
في الخطو تحسب نفسها بلقيسا
لي فيك ود لم أكن من بعدما
…
أعطيت صفقة عهده لأخيسا
كم لي بصحة عقده من شاهد
…
لا يحذر التجريح والتدليسا
يقفو الشهادة باليمين وأنّه
…
لمؤمن من أن يعد فسيسا
لا يستقر قرار أفكاري إلى
…
أن أستقر لدي علاك جليسا
وأرى تجاهلك مستقيم السير لل
…
قصد الذي أعملته معكوسا
هي دين أيامي فان سمحت به
…
لم يبق من شيء عليه يوسى
لا زال صنع الله مجنوبا إلى
…
مثواك يهدي البشر والتأنيسا
متتابع كتتابع الأيام لا
…
يذر التعاقب جمعة وخميسا
فلو أنصفتك إيالة الملك التي
…
رضت الزمان وكان شريسا
قرنت بذكرك والدعاء لك الذي
…
تختاره التسبيح والتقديسا
القلب أنت لها رئيس حياتها
…
لم تعتبر مهما صلحت رئيسا
قال الحافظ أبو عبد الله التنسي رحمه الله ورضى عنه: حذا أبن الخطيب في هذه السينية حذو أبي تمام في قصيدته التي أولها:
أقشيب ربعهم أراك دريسا
…
تقري ضيوفك لوعة ورسيسا
وأختلس كثيرا من ألفاظها ومعانيها. انتهى.
ووصل أبن الخطيب هذه السينية بنثر بارع يخاطب به السلطان أبا حمو المذكور ونصه:
" هذه القصيدة أبقى الله أيام المثابة المولوية الموسوية ممتعة بالشمل المجموع والثناء المسموع والملك المنصو الجموع نفثه من باح بسر هواه ولبى دعوة الشوق العابث بلبه وقد ظفر بمن يهدي خبر جواه إلى محل هواه ويختلس بعثت حيته إلى مثير أريحيته وهي بالنسبة إلى ما يعتقد من ذلك الكمال الشاذ عن الآمال عنوان من الكتاب وذواق من أوقار ذات أقتاب وإلاّ فمن يقوم بحق تلك المثابة لسانه أو يكافئ إحسانها إحسانه أو يستقل بوصفها يراعه أو تنهض بأيسر وظيفها ذراعه ولا مكابرة بعد الاعتراف والبحر لا ينفذ بالاغتراف لا سيما وذاتكم اليوم والله يبقيها ومن المكاره يقيها وفي معارج القرب من حضرة القدس يرقيها ياقوتة اختارها واعتبرها ثم بلاها بالتحميص في سبيل التخصيص واختبارها وسبيكة خلصها وسجرها فحلصها بسجره من الشوب وأبرزها من لباب الذوب وقصرت عن هذا الأثمان وسر بصدق دعواه البهرمان ليفاضل بين الجهام والصيب ويميز الله الخبيث من الطيب فأراكم أن لا جدوى للعديد ولا للعده وعرفكم بنفسه في حال الشدة ثم فسح لكم بعد ذلك في المدة لتعرفوه إذا دال الرخاء وهبت بعد تلك الزعازع الريح الرخاء وملاكم من التجارب وأوردكم من ألطافه أعذب المشارب ونقلكم بين الزمان وإحلائه ولم يسلبكم إلاّ حقيرا عند أوليائه
وأعادكم المعاد المطهر وألبسكم من أثواب اختصاصه العلم المشهور فأنتم اليوم بعينه العناية بالإفصاح والكناية وقد وقف الدهر بين يديكم موقف الاعتراف بالجناية فإن كان الملك اليوم علما يدرس وقوانين في قوة الحفظ تغرس وبضاعة برصد التجارب تحرس فانتم مالك دار هجرته المحسوبة وأصمعي شعوبه المنسوبة إلى ما حزتم من أشتات الكمال المربية على الآمال فالبيت علوى المنتسب والملك بين المورث والمكتسب والجود يعترف به الوجود والدين يشهد به الركوع والسجود والبأس تعرفه التهائم والنجود والخلق يحسده الخلق المجود والشعر يغترف من عذب نمير ويصدق من قال بدى بأمير وختم بأمير وإن مملوككم حوم من بابكم على العذب البرود فعاقه الدهر عن الورود واستقبل افقه ليحقق الرصد ولكنه أخطأ القصد ومن أخطأ الغرض أعاد ورجا من الزمان الإسعاد فربما خبئ نصيب أو كان مع الخواطي سهم مصيب وكان يؤمل صحبة ركاب الحجاز فانتقلت الحقيقة منه إلى المجاز وقطعت القواطع التي لم ينلها الحساب ومنعت الموانع التي خلص منها إلى الفتنة الانتساب ومن طلب الأيام أن تجري على اقتراحه وجب العمل على اطراحه فإنما هي البحر الزاخر الذي لا يدرك منه الآخر والرياح متغايرة والسفينة الحائرة فتارة يتعذر من المرسى الصرف وتارة تقطع المسافة البعيدة فبل أن يرتد الطرف هذا إن سالمها عطبها واعقى من الوقود حطبها ولقد علم الله عز وجل إنَّ لقاء ذلك المقام الكيرم عند المملوك تمام المطلوب ممن يجبر كسر القلوب فانه مما انعقد على كماله الإجماع وصح في عوالي معاليه السماع وارتفعت في وجوه مقاله الأطماع أخلاقا هذبها الكرم الوضاح
وسجية كلف بها إكمال الفضاح وحرصا على الذكر الجميل وما يتنافس فيه إلاّ من سمت هممه وكومت ذممه وألفت الخلد زممه إذ الوجود سراب وما فوق التراب تراب ولا يبقى إلاّ عمل راق أو ذكر بالجميل يسكر في أوراق حسبما قلت من قصيدة كتبتها على ظهر مكتوب وضوع أشار به من كانت له طاعة فوفت بمقترحه استطاعه:
يمضي الزمان فكل فإنَّ ذاهب
…
إلاّ جميل الذكر فهو الباقي
لم يبق من إيوان كسرى بعد ذا
…
كَ الحفل إلاّ الذكر في الأوراق
هل كان للسفاح والمنصور وال
…
مهدي من ذكر الإطلاق
أو للرشيد وللأمين وصونه
…
لولاه شباه يراعة الوراق
رجع التراب إلى التراب بما اقتضت
…
في كل خلق حكمة الخلاق
إلاّ الثناء الخالد العطر الشذا
…
يهدي حديث مكارم الأخلاق
والرغبة من مقامكم الرفيع الجناب أن يمكنها من حسن المثاب فتحظى بحلول ساحته ثم بلئم راحته ثم بالإصغاء ولا مزيد للابتغاء إلى أن ترتفع الوساطة وتغنى عن التركيب البساطة وينسى الأثر بالعين ويحسن الدهر قضاء الدين ونسأل الذي أغرى بها القريحة ولم يجعل الباعث إلاّ المحبة الصريحة أن يبقي تلك المثابة زينا للزمان وذخرا مكنوفا باليمين والأمان مظللا برحمة الرحمن بفضله وكرمه ". انتهى.
ومن مقطوعاته أي أبن الخطيب البديعة في مخاطبة هذا السلطان أبي حمو صاحب تلمستان قوله يشكره على ما كان أعان به أهل الأندلس:
لقد زار الجزيرة منك بحر
…
يمد فليس تعرف منه جزرا
أعدت لها بعهدك عهد موسى
…
سميك فهي تتلو منه ذكرا
أقمت جدارها وأفدت كنزا
…
ولو شئت اتخذت عليه أجرا
وقوله:
وقالوا الجزيرة قد صوحت
…
فقلت غمام الندى تنتظر
إذا وكفت كف موسى بها
…
غمام يعود الجناب الخضر
ومخاطبات الوزير أبن الخطيب للسلطان أبي حمو كثيرة جدا ولنقتصر منها على ما ذكرناه.
ومن نظم أبن الخطيب رحمه الله:
يا إمام الهدى وأي إمام
…
أوضح الحق بعد إخفاء رسمة
أنت عبد الحكيم حلمك نرجو
…
فالمسمى له نصيب من اسمه
وله يخاطب عبد الواحد بن زكريا بن أحمد الليحاني أبا مالك أبن سلطان إفريقيا مودعا:
أبا مالك أنت نجل الملوك
…
غيوث الندى وليوث النزال
ومثلك يرتاح للمكرمات
…
وما لك بين الورى من مثال
عزيز بأنفسنا أن نرى
…
ركابك مؤذنة بارتحال
وقد هبرت منك خلقا كريما
…
أناف على درجات الكمال
وفازت لديك بساعات أنس
…
كما زار في الليل طيف الخيال
ولولا تعللنا أننا
…
نزورك فوق بساط الجلال
ونبلغ فيك الذي نبتغي
…
وذاك على الله سهل المنال
لمّا فترت أنفس من أسى
…
ولا برحت أدمع في انهمال
تلقتك حيث احتللت العود
…
وكان لك الله في كل حال
وتوفي أبو مالك المخاطب بهذا ببلد الجريد سنة خمس وسبع مائة.
وأبدع ما وقع لابن الخطيب لاميته التي أولها: الحق يعلو والأباطل تسفل قال أبن حجة في شرح بديعته الذي سماه بتقديم أبي بكر ما نصه: " ومما يشعر بالتهنئة والنصر على الأعداء براعة الاستهلال للعلامة أمام المغرب ذي الوزارتين لسان الدين أبن الخطيب وهي:
الحق يعلو والأباطل تسفل
…
والله على أحكامه لا يسأل
فانه قال: نظمت للسلطان أسعده الله تعالى وأنا بمدينة سلا لمّا انفصل طالبا حقه بالأندلس قصيدة كان صنع الله براعة استهلالها ووجهت بها إليه إلى رندة قبل الفتح ثم لمّا قدمت أنشدتها بين يديه بعد الفتح وفاء بنذري وسميتها: " المنح الغريب في فتح القريب " منها قوله رحمه الله:
وإذا استحالت حالة وتبدلت
…
فالله عز وجل لا يتبدل
واليسر بعد العسر موعود به
…
والصبر القريب موكل
والمستعد لمّا يؤمل ظافر
…
وكفاك شاهدا قيدوا وتوكلوا
أمحمد والحمد منك سجية
…
بحليها دون الورى تتجمل
أما سعودك فهو دون مناز
…
عقد بأحكام القضاء مسجل
ولك السجايا الغر واليم التي
…
بغريبها يتمثل المتمقل
ولك الوقار إذا تزلزلت الربا
…
وهفت من الروع الهضاب المثل
عوذ كمالك ما استطعت فانه
…
قد تنقص الأشياء مما تكمل
تاب الزمان إليك مما قد جنى
…
والله يأمر بالمتاب ويقبل
إنَّ كان ماض من زمانك قد مضى
…
بإساءة قد سرك المستقبل
هذا بذاك فلشفع الثاني الذي
…
أرضاك فيما قد جناه الأول
والله قد ولاك أمر عباده
…
لمّا ارتضاك ولاية لا تعزل
وإذا تغمدك الإله بنصره
…
وقضى لك الحسنى فمن ذا يخذل
وظعنت عن أوطان ملكك راكبا
…
متن العباد فأي صبر يجمل
والبحر قد حنيت عليك ضوعه
…
والريح تقطع للزفير وترسل
ولك الجواري المنشآت قد أغتدت
…
تختال في برد الشباب وترفل
جوفاء يحملها ومن حملت به
…
من يعلم الأنثى وماذا تحمل
صبحتهم غرر الجياد كأنما
…
سد الثنية عارض متهلل
من كل منجرد أغر مجل
…
يرمي الجياد به أغر محجل
زجل الجناح إذا أجد لغارة
…
وإذا تغنى للصهيل فبلبل
جيد كما التفت الظلم فوقه
…
أذن ممشقة وطرف أكحل
ومنها:
وخليج هند راق حسن صفائه
…
حتى يكاد يعوم فيه الصقيل
غرقت بصفحته المنال وأوشكت
…
تبغي النجاة فأوثقتها الأرجل
فالصرح منه ممرد والصفح من
…
هُ مورد والشط منه مصندل
وبكل أزرق إن شكت ألحاظه
…
مره العيون فبالعجاجة يكحل
متأود أعطافه في نشوة
…
مما يعل من الدماء وينهل
عجبا له أن النجيع بطرفه
…
رمد ولا يخفى عليه مقتل
لله موقفك الذي وثباته
…
وثباته مثل به يتمثل
والنصل خط ومجال صحيفة
…
والسمر تنقط والصوارم تشكل
والبيض قد كسرت حروف جفونها
…
وعوامل الأسل المثقف تعمل
وهي طويلة وجميعها فرائد ولم أكثر منها لعلمي أن كلام لسان الدين أبن الخطيب غريب في هذه البلاد ". انتهى كلام أبن حجة رحمه الله.
ومن هذه بعد قوله " وطرف أكحل ":
فكأنما هو صورة في هيكل
…
من لطفه وكأنما هو هيكل
ومنها بعد قوله: " والبيض قد كسرت " البيت قوله:
لله قومك عند مشتجر القنا
…
إذ ثوب الداعي المهيب وأقبلوا
قوم إذا لفج الهجير وجوههم
…
حجبوا برايات الجهاد وظللوا
ومن مقطوعات أبن الخطيب قوله لمّا أشرف على مراكش:
ماذا أحدث عن بحر سبحت به
…
من البحار فلا إثم ولا حرج
دحاه مبتدع الأشياء مستويا
…
ما إن به درك كلا ولا درج
حتى ما للمنار الفرد لاح لنا
…
صحت بشرى يا مطايا جاءك الفرج
قربت من عامر دارا ومنزلة
…
والشاهد العدل هذا الطبيب والأرج
وقال رحمه الله:
كأنا بتامسنا نجوس خلالها
…
وممدودها في سيرنا ليس يقصر
مراكب في البحر المحيط تخبطت
…
ولا جهة تدري والبر يبصر
قال أبن الخطيب: ولمّا قضى الله عز وجل بالإدالة ورجعنا إلى أوطاننا من العدوة واشتهر عني ما اشتهر من الانقباض عن الخدمة والتيه على السلطان والدالة والتكبر على أعلى رتب الخدمة وتطارحت على السلطان في استنجاز وعد الرحلة ورغبت في تبرءة الذمة ونفرت عن الأندلس بالجملة خاطبني يعني أبا جعفر بن خاتمة بعد صدر بلغ من حسن الإشارة وبراعة الاستهلال الغاية بقوله:
" وإلى هذا سيدي ومحل تعظيمي وإجلالي، أمتع الله تعالى بطول بقائكم، وضاعف في العز درجات ارتقائكم، فانه من الأمر الذي لم يغب عن رأى العقول، ولا أختلف فيه أرباب العقول؛ أنكم بهذه الجزيرة شمس أفقها، وتاج مفرقها؛ ووساطة سلكها، وطراز ملكها؛ وقلادة نحرها، وفريدة درها، وعقد جيدها المنصوص، وكمال زينها على العموم والمخصوص؛ ثم انتم مدار أفلاكها، وسر سياسة أملاكها؛ وترجمان بيانها، ولسان إحسانها، وطيب مارستانها، والذي عليه إدارتها، وبه قوام إمارتها؛ فلديه يحل المشاكل، وإليه يلتجأ في الأمر المعضل، فلا غر وأنَّ تقيد بكم الأسماع والأبصار، وتحدق نحوكم الأذهان والأفكار؛ ويزجر عنكم السانح والبارح؛ ويستنبأ ما تطرف عنه العين وتخلج الجوارح؛ واستقراء لمرامكم، واستطلاع لطالع أعتزامكم، واستكشاف عن مرامي سهامكم؛ لا سيما مع إقامتكم على جناح خفوق، وظهوركم في ملتمع بروق، واضطراب الظنون فيكم مع الغروب والشروق؛ حتى تستقر بكم الديار، ويلقى التسيار، ولها العذر في ذلك إذ صدعها بفراقكم لم يندمل، وسرورها بلقائكم لم يكتمل؛ فلم يبر بعد جناحها المهيض، ولا جم ماؤها المغيض، ولا تميزت من داجيها لياليها البيض؛ ولا استوى نهارها، ولا تألقت أنوارها؛ ولا اشتملت نعماؤه؛ ونسيت غماؤها؛ بل هي كالناقة، والحديث العهد بالمكاره، تستشعر نفس العافية، وتتمسح منكم باليد الشافيه؛ فبحناكم عليها، وعظيم
حرمتكم على من لديها؛ لا تشوبوا لها عذب المجاج بالأجاج، وتفطموها عما عودت من طيب المزاج؛ فما لدائها وحياة قربكم غير طبكم من علاج؛ وإني ليخطر بخاطري محبة فيكم وعناية بما يعنيكم ما نال جانبكم صانه الله بهذا الوطن من الجفاء، ثم أذكر ما نالكم من حسن العهد وكرم الوفاء؛ وأنَّ الوطن إحدى الحواضن الأظآر، التي يحق لها جميل الاحتفاء، وما يتعلق بكم من حرمة أولياء القرابة وأوداء الصفاء؛ فيغلب على ظني أنكم لحسن العهد أنجح، وبحق نفسكم عن حق أوليائكم أسمح، والتي هي أعظم قيمة من فضائلكم أوهب وأسجح. وهب أنَّ الدر لا يحتاج في الإثبات، إلى شهادة النحور والبات؛ والياقوت غنى المكان، عن مظاهرة القلادة والتيجان، أليس أنّه أعلى للعيان، وابعد عن مكابرة البرهان، تألقها في تاج الملك انوشروان؛ فالشمس وإنَّ كانت أم الأنوار، وجلاء الأبصار، مهما أغمى مكنها من الأفق قيل: أليل هو أم نهار؛ وكما في علمكم ما فارق ذوو الأرحام، وأولو الأحلام؛ موطن استقرارهم، وأماكن قرارهم، إلاّ برغمهم واضطرارهم، واستبدال دار خير من دارهم؛ ومتى توازن الأندلس بالمغرب، أو يعوض عنها إلاّ بمكة أو يثرب؟ ما تحت أديمها أشلاء أولياء وعباد، وما فوقه مرابط جهاد، ومعاقد ألوية في سبيل الله ومضارب أوتاد؛ ثم يبوى ولده مبوأ أجداده، ويجمع له بين طارفه وتلاده، أعيذ أنظاركم المسددة من رأى فائل، وسعى طويل لم يحل منه بطائل، فحسبكم من هـ الإياب السعيد، والعود الحميد " وهي طويلة. قال ابن الخطيب: فأجبته بقولي:
لم في الهوى العذري أو لا تلم
…
فالعذل لا يدخل أسماعي
شأنك تعنيفي وشأني الهوى
…
كل الهوى في شأنه ساعي
أهلا بتحفة القادم، وريحانة المنادم، وذكرى الهوى المتقادم؛ لا يصفر الله مسراك، بما أسراك؛ لقد جبت إلى من همومي ليلا، وجست رجلاً وخيلا، ووفيت من صاع الوفاء كيلاً، وظننت بي الأسف على ما فات فأعلمت الالتفات لكيلا؛ فأقسم لو أنَّ أمري اليوم بيدي، أو كانت اللمة السوداء من عددي؛ ما أفلت شراكي المنصوبة لأمثالك، وحول المياه وبين المسالك، ولا علمت ما هنالك؛ لكنك طرقت حمى كسعته الغارة الشعواء، وغيرت ربعة الأنواء؛ فحمد بعد ارتجتجه، وسكت أذين دجاجه، وتلاعبت الرياح الهوج فوق فجاجه، وطال عهده بالزمان الأول، وهل عند رسم دارس من معول؛ وحيا اندبا الى زيارتي ندبك، وبآدابه الحكيمة أدبك:
فكان وقد أفاد بك الأماني
…
كمن أهدى الشفاء إلى العليل
وهي شيمة بوركت من شيمة، وهب الله من لدن المشيمة، ومن مثله في صلة رعى، وفضل سعى، وقول ووغى؟
قسما بالكواكب الزهر
…
والزهر عاتمه
إنّما الفضل ملة
…
ختمت بابن خاتمة
كساني حيلة فضلة وقد ذهب زمان التجمل، وحملني شكره وكتدمي واه عن التحمل، ونظرني بالعين الكليلة عن العيب فلا أجاد التأمل، واستطلع طلع بثي، ووالي من مبرك المعجزة حتى، إنّما أشكو بثي:
ولو ترك القطا ليلا لناما
وما حال شمل وتده مفروق، وقاعدته فروق، وصلوع بني أبيه مسروق، وقلب قرحه من عضة الدهر دام، وجمرة حسرته ذات احتدام؛ هذا وقد صارت الصغرى، التي كانت الكبرى؛ لمشيب لم يدع أنَّ هجم لمّا نجم، ثم تهلل عارضة وانسجم:
لا تجمعي هجرا عليَّ وغربةً
…
فالهجر في تلف الغريب سريع
نظرت فإذا الجانب ناب، والنفس فريسة ظفر الناب، والمال أكيلة انتهاب، والعمر رهن ذهاب، واليد صفر من كل انتساب، وسوق المعاد مترامية والله سريع الحساب:
ولو نعطى الخيار لمّا افترقنا
…
ولكن لا خيار مع الزمان
وهب العمر جديد، وظل الأمن مديد، ورأى الاغتباط بالوطن سديد، فما الحجة لنفسيي إذا مرت بمطارح جفوتها، وملاعب هفوتها؛ ومثاقف قناتها، ومظاهر عزاها ومناتها ولود وزناد الكون غير صلود!
وإذا أمرؤ لدغته أفعى مرة
…
تركته حين يجر حبل يفرق
ثم إنَّ المرغب قد ذهب، والدهر قد استرجع ما وهب، العارض قد اشتهب؛ وآراء الاكتساب مرجوحة مرفوضة، وأسماؤه على الجوار مخفوضه، والنية مع الله على الزهد فيما بأيدي الناس معقودة، والتوبة بفضل الله عز وجل منقودة، غير معترضة ولا منقودة، والمعاملة سامريه، ودروع الصبر سابرية، والاقتصاد
قد قرت العين بصحبته، والله قد عوض حب الدنيا بمحبته؛ فإذا راجعتها مثلي من بعد الفراق، وقد رقى لدغتها ألف راق؛ وجمعتني بها الحجرة، فما الذي تكون الأجرة؟ جل شأني، وإنَّ رضى الوامق وسخط الشاني؛ وإني إلى الله مهاجر، وللعرض الأدنى هاجر، ولأظعان السرى زاجر، ولنجد إن شاء الله تعالى أو حاجر؛ لكن دعناي للهوى، إلى هذا المولى المنعم هوى؛ خلعت نعلي الوجود وما خلعته، وشوقي أمرني فأطعته، وغالب صبري الله فما استطعته، والحال أغلب، وعسى ألا يخيب المطلب؛ فإن يسر رضاه فأمل كمل، وراحل احتمل، وحادٍ أشجى الناقة والجمل؛ وان ك خلاف ذ فالزمان جم العوائق، والتسلم بمقامي لائق:
ما بين غمضة عين وانتباهتها
…
يصرف الأمر من حال إلى حال
وأما تفضيله هذا الوطن على غيره، ليمن طيره، وعموم خيره؛ وبركة جهاده، وعمران رباه ووهاده، بأشلاء عباده وزهاده؛ حتى لا يفضله إلاّ أحد الحرمين، فحق برئ من المين؛ لكني للحرمين جنحت، وفي جو الوشق إليهما سنحت؛ فقد أفضت إلى طريق قصدي محجته، ونصرني والمنة لله حجته؛ وقصدي سيدي أسنى قصد توخاه الحمد والشكر، معروف عرف به النكر؛ والآمالمن فضل الله بعد تمتار، والله يخلق ما يشاء ويختار؛ ودعاؤه بظهر الغيب مدد، وعدة وعدد، وبره حالي الظعن والإقامة معتمل ومعتمد، ومجال المعرفة بفضله لا يحصره أمد. والسلام. انتهى.
وقال في الإحاطة في ترجمة السلطان أبي سالم أبن الحسن المريني، بعد كلام كثير، ما نصه:
" فلقد كان بقية البيت، وآخر القوم دماثة وحياء، وبعداً عن الشر، وركونا للعافية، وأنشدت على قبره الذي ووريت به جثة بالقلة من ظاهر المدينة، قصيدة أديت فيها بعض حقه، وهي:
بنى الدنيا بني لمع السراب
…
لدوا للموت وابنوا للخراب
انتهى المقصود منه.
ومن نظم أبن الخطيب في الرغبة إلى الله تعالى:
إلهي بالبيت المقدس والمسعى
…
وجمع إذا ما الخلق قد نزلوا جمعا
وبالموقف المشهود يا رب في منى
…
إذا ما أسال الناس من خوفك الدمعا
وبالمصطفى والصحب عجل إقالتي
…
وانجح دعائي فيك يا خير من يدعى
صدعت وأنت المستغاث جنابه
…
أقل عثرتي يا مأملي واجبر الصدعا
وقال رحمه الله عقب الإياب من الرحلة المراكشية:
أفادت وجهتي بنداك مالا
…
قضي ديني وأصلح بعض حالي
ومتعت الخواطر بانشراح
…
وأطرفت النواظر باكتحال
وأبت خفيف ظهر والمطايا
…
بجاهك تشتكي ثقل الرحال
وشأني للمعلم غير شأني
…
وحالي بالمكارم جد حال
فحب علاك إيماني وعقدي
…
وشكر نداك ديني وانتحالي
كأنَّ قد صح لله انقطاعي
…
بتأميلي جنابك وارتحالي
وما يبقى سوى فعل جميل
…
وحال الدهر لا تبقي بحال
وكل بداية فالي انتهاء
…
وكل إقامة فالي ارتحال
ومن سام الزمان دوام أمرٍ
…
فقد وقف الرجاء على المحال
وقال رحمه الله في الضراعة إلى مولاه:
مولاي إنَّ أذنبت، ينكر أنَّ يرى
…
منك الكمال ومني النقصان؟
والعفو عن سبب الذنوب مسبب
…
لولا الجناية لم يكن غفران
وقال سماحه الله مما كتب في حيطان المدرسة التي بناها السلطان أبو الحجاج:
ألا هكذا تبنى المدارس للعلم
…
وتبقى عهود المجد ثابتة الرسم
ويقصد وجه الله بالعمل الرضا
…
وتجنى ثمار العز من شجر العزم
تفاخر مني حضرة الملك كلما
…
تقدم خصم في الفخار إلى الخصم
فأجدى إذا ضن الغام من الحيا
…
وأهدى إذا جن الظلام من النجم
فيا ظاعناً للعلم يطلب رحلة
…
كفيت أعتراض البيدا ولجج اليم
ببابي حط الرحل لا تنو وجهة
…
فقد فزت في حال الإقامة بالغنم
فكم من شهاب في سمائي ثاقب
…
ومن هالة دارت حلى قمر تم
يفيضون من نور مبين إلى هدى
…
ومن حكمة تجلو القلوب إلى حكم
جزى الله عني يوسفا خير ما جزى
…
ملوك بني نصر عن الدين والعلم
وقال أبن الخطيب مررت يوماً مع شيخنا أبي البركات ببعض مسالك غرناطة، فأنشد من نظمه:
غرناطة ما مثلها حضرة
…
الماء وابهجة والخضرة
واستجارني رحمه الله، فقلت ".
سكانها قد اسكنوا جنة
…
فهم يلقون بها نضره
وكتب رحمه الله عن سلطانه أبي عبد الله بن نصر يخاطب الضريح المقصود، والمنهل المورد، والمرعى المنتجع، والخوان الذي يكفي الغرثي، ويمرض المرضى،
ويقوت الزمني، ويتعداهم إلى أهل الجدة زعموا والغني، قبر ولي الله سيدي أبي العباس السبتي، نفعنا الله به وجبر جالنا ببركاته النعم، ودفع علينا النقم:
يا ولي الإله أنت جواد
…
وقصدنا إلى حماك المنيع
راعنا الدهر بالخطوب فجئنا نرتجي من علاك الحسن الصنيع
فمددنا لك الأكف نرجي
…
عودة العز تحت شمل جميع
وقد جعلنا وسيلة تربك الزاكي وزلفي إلى العليم السميع
كم غريب أسرى إليك فوفي
…
برضاً عاجل وخير سريع
يا ولي الله الذي جعل جاهه سببا لقضاء الحاجات، ورفع الأزمات، وتصريفه باقيا بعد الملمات، وصدق نقل الحكايات ظهور الآيات؛ نفعني الله بنيتي في بركة تربك، وأظهر على أثر توسل بك إلى ربك؛ مزق شملي؛ وفرق بيني وبين أهلي؛ وتعدى على وصرفت وجوه المكايد إليَّ حتى أخرجت من وطني وبلدي، ومالي وولدي؛ ومحل جهادي، وحقي الذي صار لي طوعا عن آبائي وأجدادي؛ عن بيعة لم يحل عقدها الدين، ولا ثبوت جريمة نشين؛ وأنا قد قرعت باب الله بتأميلك، فالتمس لي قبوله بقبولك؛ وردني إلى وطني على أفضل حال، وأظهر على كرامتك التي تشد إليها ظهور الرحال؛ فقد جعلت وسيلتي إليك رسول الحق؛ إلى جميع الخلق؛ والسلام عليك آيها الولي الكريم، الذي يأمن به الخائف وينتصف الغريم، ورحمه الله.
وقال سامحه الله في التورية الطيبة، بالدواء المسمى بدم الأخوين، في شأن سلطان الأندلس القائم عليهم وأخيه، وشان ذلك الدواء النفع من الجراح:
بإسماعيل ثم أخيه قيس
…
تأذن هم ليلى بانبلاج
دم الأخوين داوي جرح قلبي
…
وعالجني وحسبك من علاج
وقال مقتبسا في غير ذلك:
يا من بأكناف فؤادي ربع
…
قد ضاق بي في حبسك النتسع
ما فيك لي جدوى ولا أرعوي
…
شح مطاع وهوى منبع
وقال في التورية بالطلب:
إني وإنَّ كنت ذا اعتلال
…
رث القرى بين الهزل
في عارض التيس لي شفاء
…
فكيف في عارض الغزال
وقال يخاطب الحاجب الفقيه الخطيب، سيدي أبا عبد الله بن مرزوق، وطغا على بيت المشارقة في العذار:
أما والذي تبلى لديه السرائر
…
لمّا كنت أرضى الخسف لولا الضرائر
غدوت لضيم أبن الربيب فريسة أما ثار من قومي لنصري ثائر
إذا التمس كفى لديه جرابني
…
كأني جان أوبقته الجرائر
وما كان ظني أنَّ أنال جراية
…
يحكم من جرائها في جائر
متى جاد بالدينار أخضر زائفاً
…
ودارته دارت عليها الدوائر
وقد اخرج التعنيت كيس مرارتي
…
ورقت لبواي النفوس الأخاير
تذكرت يبتاً في العذار لبعضهم
…
له مثل بالحسن في الأرض سائر:
وما أخضر ذاك الخد نبتا وإنّما
…
لكثرة ما شقت عليه المرائر
وجاه أبن مرزوق لدي ذخيرة
…
وللشدة العظمى تعد الذخائر
ولو كان يدري ما دهاني لساءه
…
وأنكر ما صارت إليه المصاير
وكان أبن الربيب هذا من خدام السلطان أبي سالم، وكانت جارية أبن الخطيب وغيره ممن قدم من أعيان الأندلس على يده، فكان لا يوفي بحقهم، فاشتكى أبن الخطيب به إلى الحاجب أبن مرزوق بهذا النظم المذكور، إلى الله ترجع الأمور.
وقال رحمه الله يخاطب أحد الشرفاء الكرام:
أعيا اللقاء على إلاّ لمحة
…
في جملة لا تقبل التفصيار
فجعلت باب عن يمينك نائباً
…
أهديه عند زيارتي تقبيلا
فإذا وجدتك نلت ما أملته
…
أو لم أجدك فقد شفيت غليلا
وقال في مخاطبة السلطان أبى سالم رحمه الله في سبيل الشكر، عندما خلصه من الورطة بشفاعته التي قدمنا ذكرها:
سمي خليل الله أحييت مهجتي
…
وعاجلي منك الصريح على بعد
فإنَّ عشت أبلغ فيك نفسي عذرها
…
وإنَّ لم أعش فالله يجزيك من بعدي
قال: وقلت في التغزل، وما أبعد عني في الوقت، والحمد لله:
أصبح الخد منك جنة عدن
…
مجتلى أعين وشم أنوفٍ
ظللتها من الجفون سيوف
…
جنة الخلد تحت ظل السيوف
وجاطب صاحب الأشغال أبا عبد الله أبن القاسم بن أبي مدين يهنئه بنقل الخطة من رسالة:
تعود الأماني بعد انصاف
…
ويعتدل الشيء بعد انحراف
فإن كان دهرك يوماً جنى
…
فقد جاء ذا خجل واعترف
طلع البشير أبقاك الله، بقبول الخلافة المرينية، والإمامة السنية، خصها الله لتذكر عهدها وبكت، وكاد السرور ينقطع لولا أنها تركت منك الوارث الذي تركت؛ فلولا الغذر الذي تألأكدت ضرورته، والمانع الذي ربما تقررت لديكوم صورته؛ لكنت أوّل مشافة بالهناء، ومصارف لهذا الاعتناء، الوثيق البناء، فنقول والحمد لله والثناء. وهي طويلة.
وقال يخاطب السلطان أبا سالم عند انقطاعه بضريح والده بشالة سلا، حيث مدفن ملوك بني مرين:
عن باب والدك الرضا لا لأبوح
…
يأسو الزمان لأجل ذاك ويجرح
ضربت خيامي في حماه فصبيتي
…
تجني الحميم به وبهمي تسرح
حتى يراعى وجهه في وجهتي
…
بعناية تشفي الصدور وتسرح
أيسوغ عن مثواه سيري خائبا
…
ومنابر الدنيا بذكرك تصدح
أنا في حماه وأنت أبصر بالذي
…
يرضيه منك فوزن عقلك أرجح
في مقلها سيف الحمية ينتضى
…
في مثلها زند الحفيظة يقدح
وعسى الذي بدأ الجميل يعيده
…
وعسى الذي سد المذاهب يفتح
ومما كتب به إلى السلطان أبي سالم من مدينة سلا، بعد عودته من مراكش.
مولاي المرجو لإتمام الصنيعة وصلة النعمة وإحراز الفخر أبقاكم الله تضرب بكم الأمثال في البر والرضا، وعلو الهمة ورعي الوسيلة.
مقبل موطئ قدمكم، المنقطع إلى تربة المولى والدكم أبن الخطيب، من الضريح المقدس بشالة، وقد حطرحل الرجاء في القبة المقدسة وتيمم بالتربة الزكية وقعد بازاء لحد أبيكم ساعة إيابه من الوجهة المباركة وزيارة الربط المقصودة والترب المعظمة وقد عزم ألا يبرح طوعاً من هذا الجوار الكريم، والدخيل المرعي حتى يصله من مقامكم ما يناسب هذا التطارح على قبر هذا المولى العزيز على أهل الأرض ثم عليكم والتماس شفاعته في أمر سهل عليكم لا يجر إنفاذ مال ولا اقتحام خطر إنما هو إعمال لسان وخط بنان وصرف عزم وإحراز فخر وأجر، وإطالة ذكر، وذلك أن العبد عرفكم يوم وداعكم أنه ينقل عنكم إلى المولى المقدس بلسان المقال، ما يحضر مما يفتح الله فيه ثم ينقل عنه لكم بلسان الحال، ما يتلقى عنه من الجواب. وقال لي صدر دولته وخالصتكم وخالصة المولى والدكم، سيدي الخطيب سني الله أمله، من
سعادة مقامكم وطول عمركم: يا فلان أنت والحمد لله ممن لا ينكر عليه الوفاء بهذين الفرضين، وصدر عنكم من البشر والقبول والإنعام ما صدر جزاكم الله جزاء المحسنين. وقد تقدم تعريف مولاي بما كان من قيام العبد بما نقله إلى التربة الزكية عنكم، حسبما أداه من حضر ذلك المشهد من خدامكم والعبد الآن يعرض عليكم الجواب، وهو إني لمّا فرغت من مخاطبته بمرأى من الملأ الكبير والجم الغفير اكببت على اللحد الكريم، داعياً ومخاطباً وأصغيت بأذني نحو قبره وجعل فؤادي يتلقى ما يوحيه إليه لسان حاله فكأني به يقول لي: قل لمولاك: يا ولدي وقرة عيني المخصوص برضاي وبري الذي ستر حريمي ورد ملكي وصان أهلي وأكرم صنائعي ووصل عملي اسلم عليك واسأل الله أن يرضى عنك ويقبل عليك؛ الدنيا دار غرور والآخرة جير لمن اتقى وما الناس إلا هالك وأبن هالك ولا تجد إلاّ ما قدمت من عمل يقتضي العفو والمغفرة أو ثناء يجلب الدعاء بالرحمة ومثلك من ذكر فتذكر وعرف فما أنكر؛ وهذا أبن الخطيب قد وقف على قبري وتهمم بي وسبق الناس إلى رثائي، وأنشدني ومجدني وبكاني ودعا لي وهنأني بمصير أمري إليك وعفر وجهه في تربي وأماني لمّا انقطعت مني آمال الناس فلو كنت يا ولدي حياً لمّا وسعني أن أعمل معه إلاّ ما يليق بي وأن أستقل فيه الكثير وأحتقر العظيم لكن لمّا عجزت عن جزائه وكلته إليك وأحلته يا حبيب قلبي عليك وقد أخبرني أنه سليب المال مثير العيال ضعيف الجسم قد ظهر في عدم نشاطه اثر السن وأمل أن ينقطع بجواري ويستتر بدخيلي
وخدمتي ويرد عليه حقه بحرمتي ووجهي ووجوه من ضاجعني من سلفي ويعيد الله تحت حرمتك وحرمتي وقد كنت تشوفت إلى استخدامه في الحياة حسبما يعلمه حبيبنا الخالص المحبة وخطيبنا العظيم المزية القديم القربة أبو عبد الله أبن مرزوق فسله يذكرك واستخبره يخبرك فأنا اليوم أريد أن يكون هذا الرجل خديمي بعد الممات إلى أن نلحق جميعاً برضوان الله ورحمته التي وسعت كل شيء وله يا ولدي ولد نجيب يخدم ببابك وينوب عنه في ملازمة بيت كتابك وقد استقر بدارك قراره وتعين بأمرك مرتبه ودثاره فيكون الشيخ خديم الشيخ والشاب خديم الشاب هذه رغبتي منك، وحاجتي إليك. واعلم هذا الحديث لا بد أن يذكر ويتحدث به في الدنيا وبين أيدي الملوك والكبراء فاعمل ما يبقي لك فخره ويتخلد ذكره وقد أقام مجاوراً ضريحي تالياً كتاب الله عليّ منتظراً ما يصله منك ويقرؤه عليّ من السعي في خلاص ماله، والاحتجاج بهذه الوسيلة في جبره وإجراء ما يليق بك من الحرمة والكرامة والمنعة، فالله الله يا إبراهيم اعمل ما يسمع عني وعنك فيه ولسان الحال أبلغ من لسان المقال ". انتهى
والعبد يا مولاي مقيم تحت حرمته وحرمة سلفه منتظر منك قضاء حاجته ولتعلموا وتتحققوا إني لو ارتكبت الجرائم ورزأت الأموال وسفكت الدماء وأخذت حسائف الملوك الأعزة ممن وراء النهر من التتر وخلف البحر من الروم ووراء الصحراء من الحبشة وأمكنهم الله مني من غير عهد بعد أن بلغهم تذممي بهذا الدخيل ومقامي بين القبور الكريمة ما وسع أحداً منهم من حيث الحياء والحشمة من الأموات والأحياء وإيجاب الحقوق التي
لا يغفيا الكبار للكبار إلاّ الجود الذي لا يتعقبه البخل والعفو الذي لا تفسده المؤاخدة فضلا عن سلطان الأندلس أسعده الله بموالاتكم فهو فاضل وأبن ملوك فاضل وحوله أكياس ما فيهم من يجهل قدركم وقدر سلفكم لا سيما مولاي والدكم الذي أتوسل به إليكم وإليهم فقد يتبنى مولاي أبا الحجاج ويشمله بكنفه وصارخه بنفسه وأمده بأمواله ثم صير الله ملكه إليكم وأنتم من أنتم ذاتاً وقبيلاً، فقد قرت يا مولاي عين العبد بما رأت في هذا الوطن المراكشي من وقور حشودكم وكثرة جنودكم وترادف أموالكم وعددكم زادكم الله من فضله ولا شك عند عاقل أنكم إن انحلت عروة تأميلكم وأعرضتم عن ذلك الوطن استولت عليه يد عدوه، وقد علم تطارحي بين الملوك الكرام الذين خضعت لهم التيجان وتعلقت بثوب الملك الصالح، والد الملوك الكرام، مولاي والدكم وشهرة حرمة شالة معروفة حاش لله أن يضيعها أهل الأندلس وما ترسل إليهم قط بها إلاّ الآن، وما يجهلون اغتنام هذه الفضيلة الغريبة، وأملي منكم أن يتعين من بين أيديكم خديم بكتاب كريم يتضمن الشفاعة في رد ما أخذ لي ويخبر بمثواي على قبر والدكم ويقرر ما لزمكم بسبب هذا الترامي من الضرورة المهمة والوظيفة الكبيرة عليكم وعلى قبيلكم حيث كانوا وتطلبون منهم عادة المكرمة بحل هذه العقدة ومن المعلوم أني لو طلبت بهذه الوسائل من طيب مالهم ما وسعهم بالنظر العقلي إلاّ حفظ هذا الوجه مع هذا القبيل وهذا الوطن فالحياء والحشمة يأبيان العذر عن هذا في كل ملة ونحلة وإذا تم هذا الغرض ولا شك في إتمامه بالله تقع صدقتكم على القبر الكريم
بي وتعينوني لخدمة هذا المولى وزيارته وتفقده ومدح النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المولد في جواره وبين يديه وهو غرض غريب مناسب لبركم به، إلى أن أحج بيت الله بعناية مقامكم وأعود داعيا مثنيا مستدعيا للشكر والثناء من أهل المشرق والمغرب وأتعوض من ذمتي بالأندلس ذمة بهذا الرباط المبارك يرثها ذريتي وقد ساومت في شيء من ذلك منتظر ثمنه مما يباع بالأندلس بشفاعتكم ولو ظننت أنهم يتوقفون لكم في مثل هذا أو يتوقع فيه وحشة أو جفاء والله ما طلبته لكنكم أسرى وأفضل وانقطاعي أيضاً لوالدكم مما لا يسع مجدكم إلاّ عمل ما يليق بكم فيه وهاأنا أرقب جوابكم بما لي عندكم بما لي عندكم من القبول ويسعني مجدكم في الطلب وخروج الرسول لاقتضاء هذا الغرض والله يطلع من مولاي على ما يليق به. والسلام.
وكتبه في الحادي عشر من رجب عام أحد وستين وسبع مائة.
وفي مدرج الكتاب بعد نثر هذه القصيدة:
مولاي هاأنا في جوار أبيكا
…
فابذل من البر المقدر فيكا
أسمعه ما يرضيه من تحت الثرى
…
والله يسمعك الذي يرضيكا
واجعل رضاه إذا نهدت كتيبة
…
تهدي إليك النصر أو تهديكا
واجبر لجبري قلبة تنل المنى
…
وتطالع الفتح المبين وشيكا
فهو الذي سن البرور بأمه
…
وأبيه فاشرع شرعه لبنيكا
وابعث رسولك منذرا ومحذرا
…
وبما تؤمل نيله يأتيكا
قد هز عزمك كل قطر نازح
…
وأخاف مملوكا به ومليكا
فإذا سموت إلى مرام شاسع
…
فغضونه ثمر المنى تنجيكا
ضمنت رجال الله منك مطالبي
…
لمّا جعلتك في الثواب شريكا
فلئن كفيت وجوهها في مقصدي
…
ورعيتها بركاتها تكفيكا
وإذا قضيت حوائجي وأريتني
…
أملي فربك ما أردت يريكا
واشدد على قولي يدا فهو الذي
…
برهانه لا يقبل التشكيكا
لكن رأيت جناب شالة مغنما
…
يضفي عليّ العز في ناديكا
وفروض حقك لا تفوت فوقها
…
باق إذا استجزيته يجزيكا
ووعدتني وتكرر الوعد الذي
…
أبت المكارم أن يكون لأفيكا
أضفى عليك الله ستر عناية
…
من كل محذور الطرو يقيكا
ببقائك الدنيا تحاط وأهلها
…
فالله جل جلاله يبقيكا
ولمّا وصل هذا السلطان أبا سالم رحمه الله راجعه بما نصه بعد البسملة والصلاة: من عبد الله المستعين بالله إبراهيم أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين أبن مولانا أمير الملمين المجاهد في سبيل رب العالمين أبي الحسن أبن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العلمين أبي سعيد أبن ملانا أمير المسامين المجاهد في سبيل رب العالمين يوسف بن يعقوب بن عبد الحق أيد الله أمره وأعز نصره إلى الشيخ الفقيه الأجل الأسنى الأعز الأحظى الأوجه الأنوه الصدر الأحفل المنصف البليغ الأعرف الكمل أبي عبد الله أبن الشيخ الأجل الأعز الأسنى الوزير الأرفع الأنجد الأصيل الأكمل المرحوم المبرور أبي محمد بن الخطيب وصل الله عزته ووالى نعمته.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد حمد الله تعالى والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمّد رسوله الكريم المصطفى والرضى عن آله وصحبه أعلام الإسلام وأئمة الرشد والهدى وصلة الدعاء لهذا الأمر العلي العزيز المنصور المستعين بالنصر الأعز والفتح الأسنى.
فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم بلوغ الأمل ونجح القول والعمل من منزلنا الأسعد بضفة وادي ملوية يمنه الله وصنع الله جميل ومنه جزيل والحمد لله ولكم عندنا المكانة الواضحة الدلائل والعناية المتكلفة برعى الوسائل ذلكم لمّا تميزتم به من التمسك بالجناب العلي المولوي العلوي حدد الله عليه ملابس غفرانه وسقاه غيوث رحمته وحنانه وبما أهديتم إلينا من التقرب لدينا بخدمة ثراه الطاهر والاشتمال بمطارف حرمته السامية المظاهر وإلى هذا وصل الله حظوتكم ووالي رفعتكم فإنه ورد علينا خطابكم الحسن عندنا قصده المقابل بالإسعاف المستعذب ورده فوقفنا على ما نصه واستوفينا ما شرحه وقصه فآثرنا تلطفكم في التوسل بأكبر الوسائل إلينا ورعينا أكمل الرعية حق ذلكم الجناب العزيز علينا وفي الحين عينا لكمال مطلبكم وتمام مأربكم والتوجه بخطابنا في حقكم والاعتمال بوفقكم خديمينا أبا البقاء بن تاشكورت وأبا زكريا بن فرقاجة أنجدهما الله وتولاهما وأمس تاريخه انفصلا مودعين إلى الغرض المعلوم بعد التأكيد عليهما فيه وشرح العمل الذي يوفيه فكونوا على علم من ذلكم وابسطوا له جملة آمالهم وإنا لنرجو ثواب الله في جبر أحوالكم وبرء اعتلالكم والله سبحانه يصل
مبرتكم ويتولى تكرمتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتب في الرابع والعشرين لرجب عام واحد وستين وسبع مائة.
فراجعه أبن الخطيب بما نصه: مولاي خليفة الله بحق وكبير ملوك الأرض عن حجة ومعدن الشفقة والرحمة ببرهان وحكمة أبقاكم الله عالي الدرجة في المنعمين وافر الحظ عند جزاء المحسنين وأراكم ثمرة بر أبيكم في البنين وصنع لكم في عدوكم الصنع الذي لا يقف عند معتاد وأذاق العذاب الآليم من أراد في مثابتكم بإلحاد.
عبدكم الذي ملكتم رقه وآويتم غربته وسترتم أهله وولده وأسنيتم رزقه وجبرتم قلبه يقبل موطئ الأخمص الكريم من رجلكم الطاهرة المستوجبة بفضل الله لموقف النصر الفارعة هضبة العز المعمولة الخطو في مجال السعد ومسير الحظ أبن الخطيب من شاله التي توكد بملككم الرضي احترامها وتجدد برعيكم عهدها واستبشر بملككم دفينها وأشرق بحسناتكم نورها وقد ورد على العبد الجواب المولوي البر الرحيم المنعم المحسن بما يليق بالملك الأصيل والقدر الرفيع والهمة السامية والعزة القعساء من رعي الدخيل والنصرة للذمام والاهتزاز لبر الأب الكريم فثاب الرجاء وانبعث الأمل وقوى العضد وزار اللطف فالحمد لله الذي أجرى الخير على يدكم الكريمة وأعانكم على رعي ذمام الصالحين المتوسل إليكم أولا بقبورهم
ومتعبداتهم وتراب أجدادهم ثم بقبر مولاي ومولاكم ومولى الخلق أجمعين الذي تسبب في وجودكم واختصكم بحبه وغمركم بلطفه وحنانه وعلمكم آداب الشريعة وأورثكم ملك الدنيا وهيأتكم دعوته بالاستقامة إلى ملك الآخرة بعد طول المدى وانفساح البقاء وفي علومكم المقدسة ما تضمنت الحكايات عن العرب من النضرة عن طائر داست أفراخه ناقة في جوار رئيس منهم وما انتهى إليه الامتعاض لذلك مما أهينت فيه الأنفس وهلكت الأموال وقصارى من امتعض لذلك أن يكون كبعض خدامكم من عرب تامسان فما الظن بكم وأنتم الكريم أبن الكريم أبن الكريم فيمن لجأ أولا إلى حماكم بالأهل والوالد عن حسنة تبرعتم بها وصدقة حملتكم الحرية على بذلها ثم فيمن حط رحل الاستجارة بضريح أكرم الخلق عليكم دامع العين خافق القلب دامي القرحة يتغطى بردائه ويستجير بعليائه كأني تراميت عليه في الحياة أمام الذعر الذي يذهل العقل ويحجب عن التمييز بقصر داره ومضجع رقاده ما من يوم إلاّ وأجهر بعد التلاوة: يا ليعقوب باب الرجل لمرين نسأل الله إلاّ يقطع عني معروفكم ولا يسلبني عنايتكم ويستعملني ما بقيت في خدمتكم ويتقبل دعائي فيكم ولحين وصول الجواب الكريم نهضت إلى القبر المقدس ووضعته بإزائه وقلت: يا مولاي يا كبير الملوك وخليفة الله وبركة بني مرين صاحب الشهرة والذكر في المشرق والمغرب عبدك المنقطع إليك المترامي بين يدي قبرك المتوسل إلى الله ثم إلى ولدك بك أبن الخطيب وصله من مولاه ولدك ما يليق بمقامه من رعى وجهك والتقرب إلى الله برعيك والاشتهار في مشرق الدنيا ومغربها ببرك وانتم من
أنتم من إذا صنع صنيعة كملها وإذا بدا منة تممها انتم من إذا صنع صنيعة كملها وإذا بدا منة تممها وإذا أسدى يدا أبرزها طاهرة بيضاء غير معيبة ولا ممنونة ولا منتقصة وأنا تحت ذيل حرمتك وظل دخيلك حتى يتم أملي ويخلص قصدي وتحف نعمتك بي ويطمئن إلى مأمنك قلبي.
ثم قلت للطالبة: أيّها السادة بيني وبينكم تلاوة كتاب الله منذ أيام ومناسبة النحل وأخوة التألف بهذا الربط المقدس والسكنى بين أظهركم فأمنوا على دعائي بإخلاص من قلوبكم واندفعت في الدعاء والتوسل الذي نرجو أن يتقبله الله ولا يضيعه وخاطب مولاه شاكرا لنعمته مشيدا بصنيعته مسرورا بقبوله وشأنه من التعلق والتطارح شأنه حتى يكمل القصد ويتم الغرض معمور الوقت بخدمة يرفعها ودعاء يردده والله المستعان.
وفي يوم الخميس سابع عشر من شعبان من العام المؤرخ ورد كتاب فتح تلمستان فأصدر أبن الخطيب إلى باب السلطان أبي سالم ما نصه: مولاي فتاح الأقطار والأمصار فائدة الزمان والأعصار أثير هبات الله الآمنة من الاعتصار قدوة الأيدي والأبصار ناصر الحق عند قعود الأنصار وهي طويلة انظرها في الريحانة وبعدها قصيدة بديعة مطلعها:
أطاع لساني في مديحك إحساني
…
وقد لهجت نفسي بفتح تلمستان
ومن مخاطباته للحاجب أبن مرزوق: سيدي بل مالكي بل شافعي ومنتشلي من الهفوة ورافعي وعاصمي عند تجويد حروف الصنائع ونافعي الذي بجاهه أجزلت المنازل قراى وفضلت أولاي والمنة لله أخراى وأصبحت وقول الحسن هجيراي:
علقت بحبل من حبال محمّد
…
أمنت به من طارق الحدثان
تغطيت من دهري بظل جناحه
…
فعيني ترى دهري وليس يراني
فلو تسأل الأيام ما اسمي ما درت
…
وأين مكاني ما عرفن مكاني
وصلت مكناسة حرسها الله تعالى تحت غيث حذاني حذو نداك وسحائب لولا الخصال المبرة قلت يداك وكأن الوطن لاغتباطه بجواري وما رآه من انتياب زواري وأوعز إلى بهت يقطع الطريق وأطلق يده على التغريق وأشرق القوافل مع كثرة الماء بالريق فلم يسع إلاّ المقام أياما قعودا في البر وقياما واختيارا لضروب الأنس واعتياما ورأيت بلدة معارفها أعلام وهواؤها برد سلام ومحاسنها تعمل فيها ألسنة وأقلام فحيا الله سيدي فلكم من فضل أفاد وأنس أحاء وقد باد وحفظ منه على الأيام الذخر والعتاد كما ملكه زمام الكمال فاقتاد وأنا أتارح عليه في صلة تفقده وموالاة يده بأن يسهمني في فرض مخاطبتها مهما خاطب معتبرا من هذه الجهات ويصحبني من مناصحته بكئوس مسرة يعمل فيها هاك وهات فالعز بعزه معقود والسعد بوجوده موجود ومنهل السرور بسرور مورود والله عز وجل يبقيه ببقاء الدهر ويجعل حبه وظيفة السر وحمده وظيفة الجهر ويحفظ على الأيام من زمنه زين الدهر ويصل لنا تحت إيالته العام بالعام والشهر بالشهر آمين آمين. انتهى.
وقال رحمه الله: حضرت يوما بين يدي السلطان أبي عنان في بعض وافاداتي عليه لغرض الرسالة وجرى ذكر بعض أعدائه فقلت ما اعتقده في اطراء ذلك العدو وما عرفته من فضله وأنكر على بعض الحاضرين ممن لا يحطب إلاّ في حبل السلطان فصرفت وجهي وقلت: أيدكم الله تحقير عدو السلطان بين يديه
ليس من السياسة في شيء بل غير ذلك أحق وأولى، فإن كان السلطان غالبا عدوه كان قد غلب غير حقير وهو الأولى بفخره، وجلالة قدره وإن لبه العدو لم يغلبه حقير فيكون أشد للحسرة وأوكد للفضيحة. فوافق رحمه الله على ذلك واستحسنه وشكر عليه وخجل المعترض. انتهى.
ومن نظمه رحمه الله:
وكناسة جمعت بها زمر العدا
…
فمدي بريدً فيه ألف بريد
من واصل للصوم لا لريلضة
…
أو مدمن للجوع غير مريد
فإذا لكت طريقها متصوفا
…
فابن السلوك بها على التجريد
ولمّا دخل رحمه الله مدينة آنفي، ومر منها على دار عظيمة تنسب إلى والي جبايتها " عبو " من بني الترجمان قارون قومه، وغني صنفه قال:
قد مررنا بدار " عبو " الوالي
…
وهي ثكلى تشكو صروف اللالي
أقصدت ربها الحوادث لمّا
…
رشقته بصائبات نبال
كان بالأمس واليا مستطيلا
…
وهو اليوم ما له من وال
ومن نظمه رحمه الله في الشيخ أبن بطان الصنهاجي:
لله درك يا أبن بطان فما
…
لشهير جودك في البسيطة جاحد
إن كان في الدنيا كريم واحد
…
يزن الجميع فأنت ذاك الواحد
أجريت فضلك جعفرا يحيا به
…
ما كان من مجد فذكرك خالد
وهي الليالي لا تزال صروفها
…
يشقى بموقعها الكريم الماجد
وبمستعين الله يصلح منك ما
…
قد كان أفسد الزمان الفاسد
وقال رحمه الله وقد انتابه البرغوث:
زحفت إليَّ ركائب البرغوث
…
نم الظلام بركبها المحثوث
بالحبة السوداء قابل مقدمي
…
لله أي قرى أعد خبيث
كسحت بهن ذباب سرح تجلدي
…
ليلا فحبل الصبر جد رثيث
إن صابرت نفسي أذاه تعبت
…
أو صحت منه أنفت من تحنيثي
جيشان من ليل وبرغوث فهل
…
جيش الصباح لصرختي بمغيث
ومن نظمه رحمه الله في عثمان بن يحيى بن عمر بن روح:
أسمى ذي النورين وجهك في الوغى
…
شمس الضحى حلت بليث عرين
إن تفخر بمرين أرض العدوة ال
…
قصوى فانك أنت فخر مرين
وقال يخاطب الوالي محمد بن حسون بن أبي العلاء وصدر بها رسالة:
لم يبق لي جود اولاية حاجة
…
في الأمن أو في الجاه أو في المال
بعد اللقاء أو لو الفضائل بغيتي
…
وأريت هذا القصد شرط كمال
أجملته وتشوفت لبيانه
…
همم فكنت مفسر الإجمال
وخصصت بالإلغاء غيرك غيرة
…
وجعلت ذكرك شاهد الأعمال
أنسيت يا بن العلا قشب الملا
…
وتركت أهل الأرض في أسمال
تثني عليك رعية آمالها
…
في أن تفوز يداك بالآمال
أرعيتها هملا فلم يطرق لها
…
بمنيع سورك طارق الإهمال
من كنت واليه تولته العلا
…
ومن اطرحت فما له من والي
وقال رحمه الله عند وقوفه على مراكش واعتباره بما صار إليه أمرها:
بلد قد غزاه صرف الليالي
…
وأباح المصون منه مبيح
فالذي خر من بناه قتيل
…
والذي خر منه بعض جريح
وكأن الذي يزور طبيب
…
قد تأتى له بها التشريح
أعجبت منه أربع ورسوم
…
كان قدما بها اللسان الفصيح
كم معان غابت بتلك المغاني
…
وجمال أخفاه ذاك الضريح
وملوك تعبدوا الدهر لمّا
…
أصبح الدهر وهو عبد صريح
دوخوا نازح البسيط حتى
…
قال ما شاء ذابل وصفيح
حيث شبت لهم من البأس نار
…
ثم هبت لهم من النصر ريح
أثر يندب المؤثر لمّا
…
طال بعد الدو منه النزوح
ساكن الدار روحها كيف يبقى
…
جسد بعد ما تولى الروح
وقال يخاطب عميد مراكش المتميز بالرأي والسياسة والهمة وإفاضة العدل وكف اليد والتجافي عن مال الجباية، عامر لن محمد بن علي بن الهنتاتي:
تقمل لي الأظعان والشوق في الحشى
…
له الحكم يمضي بين ناه وآمر
إذا جبل التوحيد أصبحت فارعا
…
فخيم قرير العين في دار عامر
وزر تربة المعلوم إن مزارها
…
هو الحج يفضي نحوه كل ضامر
ستلقى بمثوى عامر بن محمد
…
ثغور الأماني من ثنايا البشائر
ولله ما تبلوه من سعد وجهة
…
ولله ما تلقاه من يمن طائر
وتستعمل الأمثال في الدهر منكما
…
بخير مزور أو بأغبط زائر
أقول: عامر بن محمد هذا هو قريع هنتاتة وكانت له مع أبي الحسن المرني في الوفاء أحاديث صححت عند أبي عنان وغيره متاته ولم يزل في رياسته مدة أبي عنان ومن بعده من ملوك بني ورين إلى زمن أبي فارس عبد العزيز أبن أبي الحسن فنازله بجنوده، وحاصره بمعتقله حتى استولى عليه وقتله.
وقد ساق أمره أبي خلدون واستوفاه، ومنعنى من الإتيان به ما حصل من التطويل في هذه الترجمة، وقد أشار إليه أبن الأحمر في " نثير فرائد الجمان " عند ما ذكر الشريف الشبوكي ونصه: " صاحبنا الفقيه محمد بن يوسف بن أحمد بن محمد بن يوسف يكنى أبا عبد الله ويعرف بالشوكي، رأيته وصحبته، ونسبته حسبما نقلته من خطه على متن كتاب، وأخبرني هو به وسمعته أيضاً بفاس من بعض الناس وهو محمد أبن يوسف بن أحمد بن محمد بن يوسف بن عمران بن عبد الرحيم بن نوح بن شعيب بن علي بن أبي محمد بن حيان بن فضل بن طاهر بن مطهر بن حمود بن زياد إبن محمد بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويعرف بالشبوكي. وشبوكة: قرية بينها وبين مدينة فاس ثلاثة أميال؛ واخبرني أنَّ جده عبد الرحيم