المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الكلمة السابعة والخمسون: صفة الحج وواجباته - الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة - جـ ٧

[أمين الشقاوي]

فهرس الكتاب

- ‌الكلمة السادسة والخمسون: شروط وجوب الحج

- ‌الكلمة السابعة والخمسون: صفة الحج وواجباته

- ‌الكلمة الثامنة والخمسون: فضائل مكة وحُرمَتها

- ‌الكلمة التاسعة والخمسون: فضائل المدينة وحُرمَتها

- ‌الكلمة الستون: فوائد وحكم من سورة العاديات

- ‌الكلمة الواحدة والستون: الكفر وأنواعه

- ‌الكلمة الثانية والستون: صلاة الكسوف

- ‌الكلمة الثالثة والستون: التفكير أحواله وفوائده

- ‌الكلمة الرابعة والستون: تأمُّلات في سورة الانفطار

- ‌الكلمة الخامسة والستون: الترغيب في الزواج

- ‌الكلمة السادسة والستون: وقفة مع سورة الكوثر

- ‌الكلمة السابعة والستون: الاعتصام بالكتاب والسنة

- ‌الكلمة الثامنة والستون: من آداب النوم

- ‌الكلمة التاسعة والستون: التحذير من الغيبة

- ‌الكلمة السبعون: تأملات في سورة النصر

- ‌الكلمة الواحدة والسبعون: أحوال الموتى والمحتضرين

- ‌الكلمة الثانية والسبعون: دروس وعبر من الهجرة النبوية

- ‌الكلمة الثالثة والسبعون: السواك

- ‌الكلمة الرابعة والسبعون: وقفات مع سورة الفيل

- ‌الكلمة الخامسة والسبعون: خطر النميمة

- ‌الكلمة السادسة والسبعون: الفأل وحسن الظن بالله

- ‌الكلمة السابعة والسبعون: مواقف مؤثرة

- ‌الكلمة الثامنة والسبعون: الرفق

- ‌الكلمة التاسعة والسبعون: وقفات مع سورة قريش

- ‌الكلمة الثمانون: محاسبة النفس

- ‌الكلمة الحادية والثمانون: الإمام عبد الله بن المبارك وشيء من أخباره

- ‌الكلمة الثانية والثمانون: فوائد الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌الكلمة الثالثة والثمانون: قضاء حوائج الناس

- ‌الكلمة الرابعة والثمانون: ذم الجبن

- ‌الكلمة الخامسة والثمانون: وقفات مع سورة الكافرون

- ‌الكلمة السادسة والثمانون: فضائل معاوية بن أبي سفيان

- ‌الكلمة السابعة والثمانون: من مشاهد القيامة

- ‌الكلمة الثامنة والثمانون: الإيمان بالملائكة عليهم السلام

- ‌الكلمة التاسعة والثمانون: فضائل الشام

- ‌الكلمة التسعون: تأملات في سورة التين

- ‌الكلمة الحادية والتسعون: الفقراء والضعفاء

- ‌الكلمة الثانية والتسعون: الإيمان بالكتب السابقة وآثاره

- ‌الكلمة الثالثة والتسعون: الجزاء من جنس العمل

- ‌الكلمة الرابعة والتسعون: خطورة الغضب

- ‌الكلمة الخامسة والتسعون: تأملات في سورة الانشراح

- ‌الكلمة السادسة والتسعون: الإنابة

- ‌الكلمة السابعة والتسعون: مواقف مؤثرة

- ‌الكلمة الثامنة والتسعون: ذم البخل

- ‌الكلمة التاسعة والتسعون: فضائل العفو

- ‌الكلمة المائة: مقتطفات من سيرة بطل الإسلام

- ‌الكلمة الواحدة بعد المائة: من أسماء الله الحسنى

- ‌الكلمة الثانية بعد المئة: من أداب اللباس

- ‌الكلمة الثالثة بعد المئة: خطر الرشوة

- ‌الكلمة الرابعة بعد المئة: مقتطفات من سيرة ترجمان القرآن

- ‌الكلمة الخامسة بعد المئة: مخاطر الابتعاث وضوابطه

- ‌الكلمة السادسة بعد المئة: مجالس الناس

- ‌الكلمة السابعة بعد المئة: مواقف مؤثرة

- ‌الكلمة الثامنة بعد المئة: التحايل على الأحكام الشرعية

- ‌الكلمة التاسعة بعد المائة: الإيمان بالرسل عليهم السلام

- ‌الكلمة العاشرة بعد المئة: مقتطفات من أخلاقه وسيرته العطرة صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌الكلمة السابعة والخمسون: صفة الحج وواجباته

‌الكلمة السابعة والخمسون: صفة الحج وواجباته

الحَمدُ للهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، وَبَعدُ:

فقد وردت النصوص الدالة على فضل الحج وأنه من مكفرات الذنوب، ومنها قَولُهُ صلى الله عليه وسلم:«الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ»

(1)

، والحج المبرور هو الذي يجتمع فيه ثلاثة أمور: الأول: الإخلاص لله عز وجل، والثاني: أن يكون وفق السنة لِقَولِهِ صلى الله عليه وسلم: «لِتَاخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ»

(2)

، والثالث: سلامته مما يفسده أو ينقصه.

وصفته على سبيل الاختصار:

1 -

إذا كان يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة، استحب للذين أحلوا بعد العمرة وهم المتمتعون أن يُحرِموا بالحج ضحى من محالِّهم، وكذلك من أراد الحج من أهل مكة، أما القارن والمفرد الذين لم يحلوا من إحرامهم فهم باقون على إحرامهم الأول.

(1)

«صحيح البخاري» (برقم 1773)، و «صحيح مسلم» (برقم 1349).

(2)

«صحيح مسلم» (برقم 1297).

ص: 367

أما الحجاج الذين قدموا إلى مكة اليوم الثامن، فلا بد أن يُحرِموا من الميقات، وهذا واجب من واجبات الحج، لِقَولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ»

(1)

.

والمقصود بالإحرام: هو نية الدخول في النسك وهو ركن من أركان الحج، فمن ترك هذه النية لم ينعقد حجه، لِقَولِهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»

(2)

.

سواء كان الميقات عن طريق الجو، أو البحر، أو البر، ومن كان من دون هذه المواقيت أحرم من موضعه كأهل جدَّة، أو بحرة، أو غيرها، وإذا كان الحاج عن طريق الجو وخشي من تجاوز الميقات أحرم قبله بمدة كافية ليتيقن أنه أحرم عند الميقات أو قبله، ويستحب له أن يغتسل كما يغتسل للجنابة ويتطيب بأطيب ما يجد في رأسه ولحيته، ويلبس إزارًا ورداءً أبيضين، والمرأة تلبس ما شاءت من الثياب غير ألا تتبرج بزينة، ثم يصلي الفريضة إن كان وقت فريضة ليحرم بعدها، فإن لم يكن وقت فريضة، ووافق صلاة التطوع أحرم بعدها، ثم إذا فرغ من الصلاة نوى الدخول في الحج.

2 -

ثم يقول: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ، لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ حَجًّا» يرفعُ

(1)

«صحيح البخاري» (برقم 1524)، و «صحيح مسلم» (برقم 1181).

(2)

«صحيح البخاري» (برقم 1)، و «صحيح مسلم» (برقم 1907).

ص: 368

الرجل صوته بالتلبية وتخفيه المرأة، ويسن الإكثار من التلبية ولا يقطعها حتى يرمي جمرة العقبة يوم العيد.

3 -

ثم يخرج إلى منى فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، يقصر الرباعية إلى ركعتين ولا يجمع، والمكوث في منى اليوم الثامن سنة.

4 -

فإذا طلعت الشمس من اليوم التاسع سار إلى عرفة فينزل بنمرة إن تيسر له إلى الزوال وإلا نزل بعرفة، فإذا زالت الشمس صلى الظهر والعصر قصرًا وجمعًا، ثم تفرغ لذكر الله ودعائه يستقبل القبلة في ذلك ولو كان الجبل خلفه حتى تغرب الشمس، والوقوف بعرفة ركن من أركان الحج لأن الله قال:{فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ} ، فإن الإفاضة من عرفة إنما تكون بعد الوقوف وهو الركن الذي يفوت الحج بفواته لِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ رضي الله عنه قَالَ:«شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ، وَأَتَاهُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ الْحَجُّ؟ قَالَ: الْحَجُّ عَرَفَةُ، فَمَنْ جَاءَ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ لَيْلَةَ جَمْعٍ، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ»

(1)

. قَالَ ابنُ المُنذِرِ: «وَأَجمَعُوا عَلَى أَنَّ الوُقُوفَ بِعَرَفَةَ فَرضٌ، لَا حَجَّ لِمَنْ فَاتَهُ الوُقُوفُ بِهَا»

(2)

.

وذكر أهل العلم أن مَنْ فَاتَهُ الوُقُوفُ بِعَرَفَةَ يوم التاسع وليلة

(1)

«سنن ابن ماجه» (برقم 3015)، وإسناده على شرط البخاري ومسلم، إلا بكير بن عطاء وهو ثقة.

(2)

«الإجماع لابن المنذر» (ص: 64).

ص: 369

العيد، فليس له حج وعليه أن يجعل نسكه عمرة ويقضي حجه.

أَمَّا الوُقُوفُ بِعَرَفَةَ إلى غروب الشمس لمن وقف بها نهارًا، فهو واجب من واجبات الحج، لِحَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله عنه: فِي صِفَةِ حِجَّتِهِ صلى الله عليه وسلم وَفِيهِ: «فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ»

(1)

، وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم:«لِتَاخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ»

(2)

.

5 -

فإذا غربت الشمس سار إلى مزدلفة فصلى بها المغرب ثلاثًا والعشاء ركعتين ويبيت بها، فإذا صلى الفجر اشتغل بذكر الله ودعائه حتى يسفر جدًّا، والمبيت بمزدلفة واجب من واجبات الحج لأن الله عز وجل قال:{فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198]. والمشعر الحرام مزدلفة، ولأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بات بها حتى أصبح ورخص للضعفة من النساء والصبيان بالإفاضة إلى منى في آخر الليل، والترخيص منه صلى الله عليه وسلم لهم يدل على وجوب المبيت؛ لأنه لو لم يكن واجبًا لم يحتج فيه إلى الترخيص.

6 -

فإذا أسفر جدًّا سار إلى منى، فإذا وصل إليها بدأ برمي جمرة العقبة وهي أقرب الجمرات إلى مكة، فيرميها بسبع حصيات متعاقبات، كل حصاة فوق الحمصة قليلًا ويكبر مع كل حصاة بخشوع وتعظيم لله تعالى.

(1)

«صحيح مسلم» (برقم 1218).

(2)

«صحيح مسلم» (برقم 1297).

ص: 370

والرمي يوم النحر قبل الزوال أو بعده إلى الليل لِحَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُسْأَلُ يَومَ النَّحرِ بِمِنًى فَيَقُولُ: لَا حَرَجَ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ؟ قَالَ: اذْبَحَ لَا حَرَجَ، فَقَالَ رَجُلٌ: رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أَمْسَيْتُ؟ قَالَ: لَا حَرَجَ»

(1)

.

7 -

فإذا فرغ من رميها نحر هديه، وهو شاة أو سُبع بدنة، أو سُبع بقرة، وهو واجب على المتمتع والقارن، لِقَولِهِ تَعَالَى:{فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196]. وإذا عجز عن الهدي وجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله.

ويستحب أن يأكل من الهدي ويهدي ويتصدق، لِقَولِهِ تَعَالَى:{فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير} [الحج: 28]. ويمتد وقت الذبح على الصحيح إلى غروب شمس اليوم الثالث عشر من أيام التشريق، ويجوز له أن ينحر في أي مكان آخر من منى وكذلك في مكة، لِقَولِهِ صلى الله عليه وسلم:«مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ، وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ طَرِيقٌ وَمَنْحَرٌ، وَكُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ، وَكُلُّ الْمُزْدَلِفَةِ مَوْقِفٌ»

(2)

.

8 -

فإذا فرغ من نحر هديه حلق رأسه كله أو قصره، والحلق أفضل إلا المرأة فتقصر من رأسها بقدر أنملة، لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَعَا بِالرَّحمَةِ

(1)

«صحيح البخاري» (برقم 1735)، و «صحيح مسلم» (برقم 1306).

(2)

«سنن ابن ماجه» (برقم 3048)، وصححه الألباني في «صحيح سنن ابن ماجه» (2/ 180)(برقم 2473).

ص: 371

وَالمَغفِرَةِ لِلمُحَلِّقِينَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَلِلمُقَصِّرِينَ مَرَّةً وَاحِدَةً

(1)

.

وبعد رمي جمرة العقبة والحلق أو التقصير، يباح للمحرم كل شيء حُرِّم عليه بالإحرام إلا النساء، ويُسمى هذا التحلل الأول، فإذا تحلل التحلل الأول استحب له أن يتطيَّبَ، لِقَولِ عَائِشَةَ رضي الله عنها:«كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِإِحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ»

(2)

.

9 -

ثم ينزل إلى مكة فيطوف طواف الإفاضة، وهو ركن من أركان الحج لِقَولِهِ تَعَالَى:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} [الحج: 29]. ولما جاء في الصحيحين مِن حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عِندَمَا حَاضَتْ صَفِيَّةُ قَالَ: «أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ ثُمَّ حَاضَتْ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ؟ قَالَ: فَلَا إِذًا»

(3)

. وفي رواية مسلم: «لَا بَاسَ انْفِرِي»

(4)

.

فدل ذلك على أن هذا الطواف لا بدَّ منه وأنه حابس لمن لم يأتِ به، قال ابن قدامة: «وهو ركن من أركان الحج لا يتم إلا به لا نعلم فيه خلافًا، ولأن الله عز وجل قال:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق}

(5)

[الحج: 29]. ولا يشرع الرمل والاضطباع في طواف الإفاضة فإنهما

(1)

«صحيح البخاري» (برقم 1727)، و «صحيح مسلم» (برقم 1301).

(2)

«صحيح البخاري» (برقم 1539)، و «صحيح مسلم» (برقم 1189).

(3)

«صحيح البخاري» (برقم 1757)، و «صحيح مسلم» (برقم 1211).

(4)

«صحيح مسلم» (برقم 1211).

(5)

«المغني» (5/ 311).

ص: 372

في طواف القدوم، ثم يسعى بعد ذلك سعي الحج إن كان متمتعًا لأن سعيه الأول لعمرته، وهذا سعي الحج وهو ركن من أركانه لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«اسْعَوْا، فَإِنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَيكُمُ السَّعْيَ»

(1)

.

أما القارن والمفرد فليس عليه إلا سعي واحد، فإن كان قد سعاه بعد طواف القدوم كفاه ذلك عن السعي بعد طواف الإفاضة وإلا سعى بعد طواف الإفاضة، وبعد الطواف والسعي يتحلل الحاج التحلل الثاني فيحل له كل ما أَحَلَّ الله له قبل الإحرام حتى النساء.

وخلاصة ما يفعل الحاج يوم العيد ما يلي: (رمي جمرة العقبة، نحر الهدي، الحلق أو التقصير، الطواف، السعي)، والسنة أن يرتبها هكذا وإن لم يتيسر له فقدم بعضها على بعض فلا حرج.

10 -

ثم يبيت بمنى ليالي أيام التشريق الثلاث للمتأخرين وليلتين للمتعجلين، لقول الله تعالى:{وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة: 203]، ولِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَاتَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشرِيقِ الثَّلَاثِ.

وهذا المبيت واجب من واجبات الحج إلا على السقاة والرعاة، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما مِن حَدِيثِ العَبَّاسِ ابنِ عَبدِ المُطَّلِبِ رضي الله عنه:«أَنَّهُ اسْتَاذَنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ فَأَذِنَ لَهُ»

(2)

، وَلِحَدِيثِ عَاصِمِ بنِ عَدِيٍّ رضي الله عنه: «أَنَّ

(1)

«مسند الإمام أحمد» (45/ 367)(برقم 27368)، وصحح إسناده الحافظان المزي وابن عبد الهادي. انظر:«إرواء الغليل» (4/ 270)(برقم 1072).

(2)

«صحيح البخاري» (برقم 1634)، و «صحيح مسلم» (برقم 1315).

ص: 373

رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ لِلرُّعَاةِ فِي الْبَيْتُوتَةِ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ، وَالْيَوْمَيْنِ اللَّذَيْنِ بَعْدَهُ يَجْمَعُونَهُمَا فِي أَحَدِهِمَا»

(1)

، فدلَّت هذه الرخصة على أن المبيت بمنى هذه الليالي واجب على غير السقاة والرعاة، ومثلهم من تدعو الحاجة إلى بقائهم في غير منى.

11 -

ثم يرمي الحاج الجمرات الثلاث في هذين اليومين بَعدَ الزَّوَالِ، وهذا الرمي واجب من واجبات الحج، ولا يجوز الرمي قبل الزوال لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَم يَرْمِ إِلَّا بَعدَ الزَّوَالِ، ولو كان ذلك جائزًا لرمى قبل الزوال تيسيرًا على أمَّته، ولهذا قال ابنُ عُمَرَ رضي الله عنهما كما صحيح البخاري:«كُنَّا نَتَحَيَّنُ فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ رَمَيْنَا»

(2)

، وَكَانَ ابنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يقول:«لَا تُرْمَى الْجِمَارُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ»

(3)

.

ويبدأ برمي الجمرة الصغرى وهي أبعد الجمرات عن مكة فيرميها بسبع حصيات متعاقبات، ويكبر مع كل حصاة، ولا بد أن يقع الحصى في الحوض، فإن لم يقع في الحوض لم يجز، ثم يتقدم قليلًا عن الزحام ويستقبل القبلة رافعًا يديه يدعو الله تعالى بما أحب من دعاء، ثم يرمي الجمرة الوسطى ويقف بعدها للدعاء كما فعل في الأولى سواء، ثم يرمي الجمرة الثالثة وهي جمرة العقبة التي

(1)

«سنن النسائي» (برقم 3069)، وصححه الألباني في صحيح «سنن النسائي» (2/ 642)(برقم 2874).

(2)

«صحيح البخاري» (برقم 1746).

(3)

«موطأ مالك» (برقم 1279)، وقال محققه: صحيح موقوف.

ص: 374

رماها يوم العيد كما في الجمرتين قبلها ولا يقف بعدها للدعاء.

ثم يرمي الجمرات في اليوم الثاني من أيام التشريق بعد الزوال كما رماها في اليوم الأول تمامًا، ويفعل عند الأولى والثانية كما فعل في اليوم الأول من أيام التشريق، فإن شاء تأخر في منى لليوم الثالث عشر ورمى الجمار فيه بعد الزوال وهو أفضل؛ لأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه زيادة عمل صالح وإن شاء تعجل في يومين فخرج من منى في اليوم الثاني عشر قبل الغروب، ومن عجز عن الرمي كالكبير، والمريض، والصغير، والمرأة الحامل، ونحوهم جاز أن يوكل من يرمي عنه، لِقَولِهِ تَعَالَى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].

وينبغي أن يكثر من التكبير والذكر في تلك الأيام والليالي، لِقَولِهِ تَعَالَى:{وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203]، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم:«أَيَّامُ التَّشرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللهِ عز وجل»

(1)

.

12 -

إذا أنهى الحاج جميع أفعال الحج السابقة وأراد الرجوع إلى بلده، فإنه لا يخرج من مكة حتى يطوف بالبيت طواف الوداع ويجعله آخر أموره قبل سفره وهو من واجبات الحج، لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم طاف للوداع عند خروجه، وَلِحَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:«أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الْحَائِضِ»

(2)

.

والترخيص للحائض في ترك طواف الوداع يدل على وجوبه،

(1)

«صحيح مسلم» (برقم 1141).

(2)

«صحيح البخاري» (برقم 1755)، و «صحيح مسلم» (برقم 1328).

ص: 375

ومثل الحائض في ذلك النفساء، وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا حَاضَتْ صَفِيَّةُ قَالَ: «أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّها أَفَاضَت يَومَ النَّحرِ، قَالَ: اخْرُجُوا»

(1)

.

وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ.

(1)

سبق تخريجه.

ص: 376