المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الكلمة الثامنة والثمانون: الإيمان بالملائكة عليهم السلام - الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة - جـ ٧

[أمين الشقاوي]

فهرس الكتاب

- ‌الكلمة السادسة والخمسون: شروط وجوب الحج

- ‌الكلمة السابعة والخمسون: صفة الحج وواجباته

- ‌الكلمة الثامنة والخمسون: فضائل مكة وحُرمَتها

- ‌الكلمة التاسعة والخمسون: فضائل المدينة وحُرمَتها

- ‌الكلمة الستون: فوائد وحكم من سورة العاديات

- ‌الكلمة الواحدة والستون: الكفر وأنواعه

- ‌الكلمة الثانية والستون: صلاة الكسوف

- ‌الكلمة الثالثة والستون: التفكير أحواله وفوائده

- ‌الكلمة الرابعة والستون: تأمُّلات في سورة الانفطار

- ‌الكلمة الخامسة والستون: الترغيب في الزواج

- ‌الكلمة السادسة والستون: وقفة مع سورة الكوثر

- ‌الكلمة السابعة والستون: الاعتصام بالكتاب والسنة

- ‌الكلمة الثامنة والستون: من آداب النوم

- ‌الكلمة التاسعة والستون: التحذير من الغيبة

- ‌الكلمة السبعون: تأملات في سورة النصر

- ‌الكلمة الواحدة والسبعون: أحوال الموتى والمحتضرين

- ‌الكلمة الثانية والسبعون: دروس وعبر من الهجرة النبوية

- ‌الكلمة الثالثة والسبعون: السواك

- ‌الكلمة الرابعة والسبعون: وقفات مع سورة الفيل

- ‌الكلمة الخامسة والسبعون: خطر النميمة

- ‌الكلمة السادسة والسبعون: الفأل وحسن الظن بالله

- ‌الكلمة السابعة والسبعون: مواقف مؤثرة

- ‌الكلمة الثامنة والسبعون: الرفق

- ‌الكلمة التاسعة والسبعون: وقفات مع سورة قريش

- ‌الكلمة الثمانون: محاسبة النفس

- ‌الكلمة الحادية والثمانون: الإمام عبد الله بن المبارك وشيء من أخباره

- ‌الكلمة الثانية والثمانون: فوائد الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌الكلمة الثالثة والثمانون: قضاء حوائج الناس

- ‌الكلمة الرابعة والثمانون: ذم الجبن

- ‌الكلمة الخامسة والثمانون: وقفات مع سورة الكافرون

- ‌الكلمة السادسة والثمانون: فضائل معاوية بن أبي سفيان

- ‌الكلمة السابعة والثمانون: من مشاهد القيامة

- ‌الكلمة الثامنة والثمانون: الإيمان بالملائكة عليهم السلام

- ‌الكلمة التاسعة والثمانون: فضائل الشام

- ‌الكلمة التسعون: تأملات في سورة التين

- ‌الكلمة الحادية والتسعون: الفقراء والضعفاء

- ‌الكلمة الثانية والتسعون: الإيمان بالكتب السابقة وآثاره

- ‌الكلمة الثالثة والتسعون: الجزاء من جنس العمل

- ‌الكلمة الرابعة والتسعون: خطورة الغضب

- ‌الكلمة الخامسة والتسعون: تأملات في سورة الانشراح

- ‌الكلمة السادسة والتسعون: الإنابة

- ‌الكلمة السابعة والتسعون: مواقف مؤثرة

- ‌الكلمة الثامنة والتسعون: ذم البخل

- ‌الكلمة التاسعة والتسعون: فضائل العفو

- ‌الكلمة المائة: مقتطفات من سيرة بطل الإسلام

- ‌الكلمة الواحدة بعد المائة: من أسماء الله الحسنى

- ‌الكلمة الثانية بعد المئة: من أداب اللباس

- ‌الكلمة الثالثة بعد المئة: خطر الرشوة

- ‌الكلمة الرابعة بعد المئة: مقتطفات من سيرة ترجمان القرآن

- ‌الكلمة الخامسة بعد المئة: مخاطر الابتعاث وضوابطه

- ‌الكلمة السادسة بعد المئة: مجالس الناس

- ‌الكلمة السابعة بعد المئة: مواقف مؤثرة

- ‌الكلمة الثامنة بعد المئة: التحايل على الأحكام الشرعية

- ‌الكلمة التاسعة بعد المائة: الإيمان بالرسل عليهم السلام

- ‌الكلمة العاشرة بعد المئة: مقتطفات من أخلاقه وسيرته العطرة صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌الكلمة الثامنة والثمانون: الإيمان بالملائكة عليهم السلام

‌الكلمة الثامنة والثمانون: الإيمان بالملائكة عليهم السلام

الحَمدُ للهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، وَبَعدُ:

فمن عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بالملائكة وهو ركن من أركان الإيمان الستة، والملائكة عالم مخلوقون من نور، روى مسلم في صحيحه مِن حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ»

(1)

.

والملائكة عباد الله، مكلفون بالعبادة، وهم خاضعون لله أتم الخضوع، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، فنؤمن بأسماء من علمنا بأسمائهم ونؤمن بوظائف من علمنا بوظائفهم، وهم أجساد، بعضهم له جناحان وبعضهم له ثلاث، وأربعة، وأكثر من ذلك، خلافًا لمن قال: إنهم أرواح.

قَالَ تَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير (1)} [فاطر: 1]. وفي الصحيحين مِن حَدِيثِ عَبدِ اللهِ بنِ مَسعُودٍ رضي الله عنه:

(1)

«صحيح مسلم» (برقم 2996).

ص: 585

«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّ مِائَةِ جَنَاحٍ»

(1)

. وهم لا يأكلون، ولا يشربون، ولا يملون، ولا يتعبون، يقومون بعبادة الله وطاعته والتقيد بأوامره بلا كل ولا ملل، ولا يدركهم ما يدرك البشر من ذلك، قال تعالى في وصفهم:{يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُون (20)} [الأنبياء: 20]، ومعنى لا يفترون: أي لا يَضْعُفُونَ عن ذلك، وقَالَ تَعَالَى:{فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُون} [فصلت: 38]. أي: لَا يَمَلُّونَ.

ولكل واحد منهم وظائف خصه الله بها، أخلاقهم، وأفعالهم بارة طاهرة، قَالَ تَعَالَى:{بِأَيْدِي سَفَرَة (15) كِرَامٍ بَرَرَة (16)} [عبس: 15 - 16]. جبلهم الله على الحياء، روى مسلم في صحيحه مِن حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ؟ ! »

(2)

.

فجبريل: موكل بالوحي ينزل به من الله تعالى إلى الرسل، وإسرافيل: موكل بنفخ الصور، وميكائيل: موكل بالقطر والنبات .... وهؤلاء الثلاثة كلهم موكلون بما فيه حياة، فجبريل: موكل بالوحي، وفيه حياة القلوب، وميكائيل بالقطر والنبات، وفيه حياة الأرض، وإسرافيل بنفخ الصور وفيه حياة الأجساد يوم المعاد

(1)

«صحيح البخاري» (برقم 4856)، و «صحيح مسلم» (برقم 174).

(2)

«صحيح مسلم» (برقم 2401).

ص: 586

وَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَسَّلُ بِرُبُوبِيَّةِ اللهِ لَهُم فِي دُعَاءِ الاِستِفتَاحِ فِي صَلَاةِ اللَّيلِ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ

الحديث»

(1)

.

ومنهم من وُكِّلَ بقبض أرواح بني آدم، أو بقبض روح كل ذي روح وهم ملك الموت، وأعوانه، قَالَ تَعَالَى:{حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُون (61)} [الأنعام: 61].

ومنهم ملائكة سيَّاحون في الأرض يلتمسون حلق الذكر، وكذلك ملائكة يكتبون أعمال الإنسان، قَالَ تَعَالَى:{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِين (10) كِرَامًا كَاتِبِين} (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُون (12)} [الانفطار: 10 - 12].

ومنهم ملائكة يتعاقبون على بني آدم بالليل والنهار، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما مِن حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ»

(2)

.

وآخرون موكلون بالنار وعددهم تسعة عشر، قَالَ تَعَالَى:{عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَر (30)} [المدثر: 30]. وكبيرهم اسمه مالك خازن النار.

وملك الجبال الذي ورد ذكره في صحيح مسلم عِندَمَا سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: أَنَا مَلَكُ الجِبَالِ ..

(3)

. والملائكة الذين في

(1)

«صحيح مسلم» (برقم 770).

(2)

«صحيح البخاري» (برقم 555)، و «صحيح مسلم» (برقم 632).

(3)

«صحيح مسلم» (برقم 1795).

ص: 587

كل سماء، وهم في صنوف من العبادات، منهم من هو قائم لله أبدًا، ومنهم من هو راكع له أبدًا، ومنهم من هو ساجد أبدًا، ومنهم من هو في ألوان من الطاعات أُخر، قَالَ تَعَالَى:{وَمَا مِنَّا إِلَاّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُوم (164)} [الصافات: 164]. أي: موضع مخصوص في السماوات ومقامات العبادة، لا يتجاوزه ولا يتعداه

(1)

.

روى الإمام أحمد في مسنده مِن حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ، وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ، أَطَّتِ

(2)

السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا عَلَيهِ مَلَكٌ سَاجِد لَوْ عَلمْتُمْ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَلَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشاتِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ

(3)

تَجْأَرُونَ

(4)

إِلَى اللَّهِ»

(5)

.

وهم على درجات ومقامات، قَالَ تَعَالَى:{وَمَا مِنَّا إِلَاّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُوم (164)} [الصافات: 164].ومنهم الملائكة المقربون، قَالَ تَعَالَى {لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلَا الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [النساء: 172]. وأفضلهم جبريل عليه السلام، وصفه الله بأنه روح القدس،

(1)

«تفسير ابن كثير» (12/ 63).

(2)

أَطَّت: قال ابن الأثير في «النهاية» (1/ 54): الأطيط: صوت الأقتاب، والقَتَب: صوت الرحل.

(3)

الصعدات: أي الطرقات.

(4)

تجأرون: قال في النهاية في غريب الحديث: الجؤار: رفع الصوت والاستغاثة (1/ 232).

(5)

«مسند الإمام أحمد» (35/ 405)(برقم 21516)، وقال محققوه: حسن لغيره.

ص: 588

وأنه الروح الأمين، وأنه ذو قوة مكين، قَالَ تَعَالَى:{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيم (19) ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِين (20)} [التكوير: 19 - 20]. أي: له مكانة، ومنزلة عالية رفيعة عند الله.

روى الإمام أحمد في مسنده مِن حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رَأَيتُ جِبرِيلَ عليه السلام مُنهَبِطًا قَدْ مَلَأَ مَا بَينَ السَّماءِ وَالأَرضِ، وعَلَيْهِ ثِيابُ سُنْدُسٍ، مُعَلَّقًا بِهِ اللُّؤلُؤُ وَاليَاقُوتُ»

(1)

.

وروى الإمام أحمد في مسنده مِن حَدِيثِ ابنِ مَسعُودٍ رضي الله عنه فِي هَذِهِ الآيَةِ: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14)} [النجم: 13 - 14]، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «رَأَيْتُ جِبْرِيلَ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، عَلَيْهِ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ يَنتَثِرُ مِنْ رِيشِهِ التَّهَاوِيلُ - أي الأشياء المختلفة الألوان - الدُّرُّ وَالْيَاقُوتُ»

(2)

.

وأفضل الملائكة من شهد بدرًا، روى البخاري في صحيحه مِن حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِيهِ، وَكَانَ أَبُوهُ مِن أَهلِ بَدرٍ: أَنَّ جِبرِيلَ عليه السلام قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَا تَعُدُّونَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا فِيكُمْ؟ قَالَ: مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا، قَالَ: وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ»

(3)

.

(1)

«مسند الإمام أحمد» (41/ 378)(برقم 24885)، وقال محققوه: صحيح دون قوله: «عَلَيْهِ ثِيابُ سُنْدُسٍ، مُعَلَّقًا بِهِ اللُّؤلُؤُ وَاليَاقُوتُ» ، فصحيح لغيره.

(2)

«مسند الإمام أحمد» (7/ 31)(برقم 3915). قال ابن كثير: إسناده جيد قوي، «تفسير ابن كثير» (13/ 261).

(3)

«صحيح البخاري» (برقم 3992).

ص: 589

أما خلقهم فهو خلق عظيم، قَالَ تَعَالَى:{عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ} [التحريم: 6]. روى أبو داود في سننه مِن حَدِيثِ جَابِرِ ابنِ عَبدِ اللهِ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ أَحَدِ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ وَعَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِمِائَةِ عَامٍ»

(1)

.

أما عددهم فخلق كثير لا يعلم عددهم إلا الله، قَالَ تَعَالَى:{وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَاّ هُوَ} [المدثر: 31]. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما مِن حَدِيثِ مَالِكِ بنِ صَعْصَعَةَ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فِي البَيتِ المَعمُورِ الَّذِي فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَومٍ سَبعُونَ أَلفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا لَم يَعُودُوا إِلَيهِ آخِرَ مَا عَلَيهِم»

(2)

.

وفي رواية مسلم: «لَا يَعُودُونَ إِلَيهِ» . قال ابن حجر: واستُدِلَّ به على أن الملائكة أكثر المخلوقات لأنه لا يعرف من جميع العوالم من يتجدد من جنسه في كل يوم سبعون ألفًا غير ما ثبت عن الملائكة في هذا الخبر

(3)

. اهـ.

والملائكة لا تدخل بيتًا فيه صور، أو تماثيل، أو كلاب، كما روى مسلم في صحيحه مِن حَدِيثِ أَبِي طَلحَةَ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ المَلَائِكَةَ لَا تَدخُلُ بَيتًا فِيهِ كَلبٌ أَو صُورَةٌ»

(4)

، وفي رواية:

(1)

«سنن أبي داود» (برقم 4728)، وصححه الشيخ الألباني في «السلسلة الصحيحة» (1/ 282)(برقم 151).

(2)

«صحيح البخاري» (برقم 3207)، و «صحيح مسلم» (برقم 162).

(3)

«فتح الباري» (7/ 215).

(4)

«صحيح البخاري» (برقم 3225)، و «صحيح مسلم» (برقم 2106).

ص: 590

«التَّمَاثِيلُ»

(1)

.

والملائكة يُؤَمِّنُونَ على قراءة المصلي ويقولون: ربنا ولك الحمد، ويدعون لمنتظر الصلاة، ويستغفرون للمؤمنين، ويدعون لهم بدخول الجنان، ويلعنون الكفرة ومن آوى محدثًا، أو رفع على أخيه السلاح، والمرأة التي تهجر فراش زوجها، ويصلون على معلمي الناس الخير كما ثبت ذلك بالكتاب والسنة.

الخلاصة: أن على المؤمن أن يؤمن بهؤلاء الملائكة ويحبهم، ويعرف لهم قدرهم، قَالَ تَعَالَى {بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُون (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُون (28)}:[الأنبياء: 26 - 27]. وعليه أن يجتنب كل ما من شأنه أن يسيء إليهم ويؤذيهم، وأعظم ذلك الكفر، والشرك، والمعاصي، وهم يتأذون مما يتأذى منه بنو آدم: من الرائحة الكريهة، والأقذار، والأوساخ، والبصق على اليمين في الصلاة، وقد صحت الأدلة بذلك

(2)

(3)

.

وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ.

(1)

«صحيح البخاري» (برقم 3225)، و «صحيح مسلم» (برقم 2107).

(2)

انظر: «عالم الملائكة» للشيخ عمر الأشقر.

(3)

«الخطب المنبرية» د. عبد المحسن القاسم (1/ 22 - 27).

ص: 591