الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طلاقًا، كما إذا قال: إِنْ فعلتِ لأطلقنَّك لكنه وَكَّدَهُ بالقَسَم.
وفي قوله: إِنْ فعلتِ فأنتِ طالقٌ مع قصده= لم يجعل الجزاء التزام إنشاء الطلاق، بل جَعَلَ الجزاءَ نَفْسَ وقوعِ الطلاق، فكان الذي التزمه هنا: وقوعُ الطلاقِ بهذا الإيقاع [267/ ب] الذي عَلَّقَهُ بالشرط، وهناك التزم إذا وجد الشرط أَنْ يحدث إيقاعًا آخر غير هذا الإيقاع المعلق، فكان هذا من جنس نذر الطلاق والحلف ليطلقنَّ، وذلك من جنس إيقاعه إذا قَصَدَ إيقاعَهُ عند الشرط، وأما إذا كان كارهًا لوقوعه على التقديرين وإنما عَلَّقَهُ لمجرد المنع من الفعل لا لقصد إيقاعه عند الشرط= فهذا هو الحالف.
وَ
مَنْ فَهِمَ هذه الأقسام وَتَصَوَّرَ الفروق بينها= تبين له حقيقة الفروق المؤثرة التي عَلَّقَ الشارعُ بها الأحكام
، وَعَلِمَ أَنَّ مَنْ سَوَّى بين مَنْ قَصَدَ اليمين وَمَنْ قَصَدَ الإيقاع= فقولُهُ من جنس القياس الفاسد، المتضمن للجمع بين ما فَرَّقَ الله بينه، والفرق بينَ ما جَمَعَ الله بينه؛ كقياس الذين {قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة: 275] بل ظهور الفرق بين قاصد اليمين وقاصد الإيقاع أظهر لعقول الناس من الفرق بين البيع وبين كثيرٍ من صور الربا، لخفاءِ المفسدة التي حَرَّمَ الشارعُ لأجلها الربا في كثير من الصور، حتى اشتبه كثيرٌ من أبواب الربا عند كثيرٍ من السلف والخلف؛ فهذا لا يحرم شيئًا من ربا الفضل، وهذا لا يحرم إلا الأصناف الستة، وهذا يجعل المناط التماثل ــ وهو يعرف بالتقدير بالكيل أو الوزن ــ، وهذا يجعل المناط الطعم، وهذا يجعل المناط كليهما
(1)
ــ وهو أقرب من هذا ــ فيجعل المناط
(1)
في الأصل: (كلاهما)، والوجه ما أثبتُّ.
الاقتيات وما يصلحه
(1)
، ثم النزاع في الفروع ــ فروع الأجناس ــ مما يطول وصفه هنا.
والمعنى الذي لأجله جَمَعَ الشارعُ وَفَرَّقَ خفيَ هناك في كثيرٍ من الصور على أكابر العلماء، وأما الفَرْقُ بين التعليق الذي يقصد به اليمين والذي يقصد به الإيقاع؛ فهو أَمْرٌ يعرفه عامةُ الناس وخاصتهم، لأنه أمرٌ يجدونه من نفوسهم، ويعرفونه من قلوبهم
(2)
.
* * * *
(1)
مجموع الفتاوى (29/ 470).
(2)
انظر ما تقدَّم (ص 59 وما بعدها).
فصلٌ
قال المعترض:
(بقي هاهنا ارتباكة أخرى؛ وهي: أَنَّ كلام الأصحاب وغيرهم من القائلين بالتخيير بينه وبين ما رمزنا إليه بعض المباينة، فإنهم يجعلون الفعل الذي امتنع عليه
(1)
بمنزلة الحنث، وأنه موجب إما الكفارة [268/ أ] وإما الوفاء، وما رمزنا إليه يقتضي أَنَّ الفعل موجب للزوم الوفاء كما التزمه، وجعل له الشرع طريقًا إلى الخروج عن ذلك الالتزام بالتكفير، كما جعل له طريقًا إلى مخالفة اليمين بالتكفير؛ كيف وقد أشرنا إلى أَنَّ فعلَ الملتزم بمنزلة الوفاء باليمين وكأنه لم يحنث، وَتَرْكُهُ بمنزلة الحنث)
(2)
.
والجواب: أَنَّ هذا اعترافٌ من المعترض بأنَّ قولَهُ وقولَ الموافقين له قولٌ يوجبُ وقوعَ قائِلِهِ في ارتباكة بعد ارتباكة، وهذا قاله بعد البحث التام وما سَلَكَهُ من (التحقيق في التعليق) كما سَمَّى بذلك مُصَنَّفَهُ، وَدَقَّقَ فيه من المعاني، وَذَكَرَ فيه من الآثار وأَتَى فيه من النقل والبحث بما بَرَّزَ به على غيره، وهو مع هذا لمَّا تأمل حقيقة ما يقولونه تبيَّنَ له ما في ذلك من ارتباكة بعد ارتباكة، وهذا شأن كُلِّ قولٍ مخالفٍ للكتاب والسنة، مَنْ نَظَرَ فيه حَقَّ النظر= تبين له أنه قولٌ مختلف يرتبك صاحبه ارتباكًا يجمع فيه بين الحقائق المتباينة، وَيُفَرِّقُ فيه بين المتماثلة.
وقوله: (وبقي هنا ارتباكةٌ أخرى؛ وهي: أَنَّ كلام الأصحاب وغيرهم من
(1)
في الأصل: (عنه)، والمثبت من «التحقيق» ، وسيأتي هكذا في كلام المجيب.
(2)
«التحقيق» (48/ أ).
القائلين بالتخيير بينه وبين ما رمزنا إليه بعض المباينة، فإنهم يجعلون الفعل الذي امتنع عليه بمنزله الحنث، وأنه يوجب إما الكفارة وإما الوفاء، وما رمزنا إليه يقتضي أَنَّ الفعل موجب للزوم الوفاء كما التزمه، وجعل له الشارع طريقًا إلى الخروج عن ذلك الالتزام بالتكفير، كما جعل له طريقًا إلى مخالفة اليمين بالتكفير؛ كيف وقد أشرنا إلى فعل الملتزم بمنزلة الوفاء باليمين وكأنه لم يحنث، وَتَرْكُهُ بمنزلة الحنث).
فيقال له: لا ريب في الفَرْقِ بين ما ذكره الأصحاب وبين ما ذكرتَهُ، وليس ما ذكرتَهُ رمزًا
(1)
بل كلامًا بَيِّنًا معقولًا، وما ذكرتَهُ فيه بعض الحق وما ذكره الأصحاب فيه بعض الحق، وما ذكرتَهُ أَنْتَ لو وَفَّيْتَ بموجبه لكان أقرب إلى الحق؛ وذلك أَنَّا قد ذكرنا أَنَّ قوله: إِنْ فعلتُ كذا فلله عليَّ أَنْ أُعتق بمنزلة قوله: فوالله لأعتقنَّ، وَأَنَّ هذا يمين تضمنت يمينين، تضمنت امتناعَهُ من الفعل كما يمتنع غيره من الحالفين، وتضمن أنه إذا حنث بفعله [268/ب] ذلك الفعل فقد لزمته يمين أخرى، وهو حلفه ليعتقنَّ عبده.
والإنسان إذا حلف ليفعلنَّ فعلًا عند وجود فعل آخر يكرهه كقوله: والله لئن عصيتِنِي لأطلقنَّكِ، أو إِنْ خرجتِ من داري أو خاصمت أمي فوالله لأطلقنك، أو فلله عليَّ أَنْ أطلقك، أو فنذرٌ عليَّ أَنْ أطلقك، أو قوله: إِنْ فعلتِ كذا فوالله لأضربنَّكِ، أو فوالله لأفارقنَّك ونحو ذلك مما يعقده من الأيمان على تقدير الفعل الذي يكرهه= قصده بهذه الأيمان مَنْعَ غيره
(2)
من ذلك الفعل الأول، ثم قد يكون مريدًا لأن يفعل ما حلف عليه إذا وجد الفعل
(1)
في الأصل: (أمرًا)، ولعل الصواب ما أثبتُّ.
(2)
في الأصل: (نفسه)، وجميع الأمثلة التي ذكرها هي في الغير؛ فلعلها ما أثبتُّ.