الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وههنا ينبّه على
أمور لها علاقة بالمنهج:
*أولها: يمكن الجزم بأن المؤلف رحمه الله قد أنشأ هذا الجواب من حفظه، ويدل على ذلك أمور:
1 -
أنه أنشأ الجواب في عزلته بعيداً عن نفائس الأسفار، فقال:((ومن أين يتأتى ذلك أو يتهيّأ لي (أي: مطالعة نفائس الأسفار) وأنا في بوادٍ خوالي وجبال عوالي)) (1).
وقال -لما ذكر روايات مروان بن الحكم عن الصحابة-: ((إلا عبد الرحمن بن الأسود؛ فلم أظفر بروايته عنه وقت تعليق هذا الكتاب؛ لبعدي عن أهل الحديث، وعدم وجود مصنفاتهم الحافلة)) (2) اهـ، ولهذا النص دلالة أخرى سأذكرها.
وقال أيضاً -لما ذكر إيواء عثمان للحكم-: ((وقد خاض الناس في ذلك خوضاً كثيراً قديماً وحديثاً، ولم يحضرني وقت كتابة هذا الجواب شيء من هذه الكتب المذكور ذلك فيها فأنقل ما قال العلماء في ذلك، ولا حفظت في ذلك ما يُقنِع
…
، وأما الجواب المقنع عند النقاد؛ فهو ما ألقاه الله تعالى على خاطري في ذلك
…
)) (3).
2 -
بعض المواضع في ((الروض)) تؤيد أن أصله ((العواصم)) لم يكن بين يدي المؤلف حال تأليف مختصره، بل كان يكتب من حفظه.
فمن ذلك أنه لما تكلّم عن روايات مروان بن الحكم عن
(1)((الروض)) (1/ 15).
(2)
((الروض)) (1/ 276).
(3)
((الروض)) (1/ 278).
الصحابة، وأنه لم يظفر بروايته عن عبد الرحمن بن الأسود وقت تعليق هذا الجواب، وأنه سوف يلحق ذلك، فإن عاق الموت؛ فالمنّة لمن أفاد ذلك (1).
فإذا ما رجعنا إلى ((الأصل)) (2) وجدناه قد ذكر هذه الرواية، وتكلم عليها، وذكر شواهدها
…
فهذا إما أن يدل على أن ((العواصم)) لم يكن بين يديه وقت الاختصار، أو أنه بيّض لهذا الحديث في الكتابين، ثم ألحقه بـ ((الأصل)) فنقل ذلك اللحق، ولم يلحقه بـ ((المختصر)) ذهولاً أو نسياناً، أو ألحقه بـ ((المختصر)) إلا أن الاستنساخ وقع قبل إضافة اللحق، فبقي كذلك في جميع النسخ الفرعية.
ومن ذلك أنه لمّا سرد أحاديث معاوية (3) رضي الله عنه في الأحكام لم يقع في جميع النسخ (الحديث السادس والعشرون) ، بينما نجد جميع أحاديث معاوية مستوفاة في ((الأصل)) لا خرم فيها (4).
3 -
صرّح المؤلّف رحمه الله بأنه لم يقف على كتب بعينها، ثم هو مع ذلك ينقل منها إما نصّاً أو بالمعنى أو يشير إلى وجود المبحث فيها معتذراً عن نقله بنصّه لعدم توفر الكتاب بين يديه، وذلك مثل:
- ((روضة الطالبين)) للنووي، انظر (1/ 55، 232).
(1)((الروض)) (1/ 276).
(2)
(3/ 250 - 251).
(3)
((الروض)) (2/ 537).
(4)
مع الاختلاف في تقسيمها وترتيبها.
-بعض كتب يحيى بن حمزة مثل ((التحقيق والشامل والانتصار)). انظر (1/ 98)
- ((شرح مسلم)) للنووي، انظر (2/ 451) ، نقل من قرابة الصفحة، ثم قال: ولم يحضرني ((شرح مسلم)).
- ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي، انظر (1/ 269).
وعلى كلّ حال؛ فمن ادّعى أن ((الأصل)) قد كتبه من حفظه (1)؛ فادعاء مثل ذلك في ((المختصر)) أولى وأحرى.
*ثانياً: ينبغي التنبّه لمواقع إطلاقات المؤلف رحمه الله عند ذكره لأهل السنة والبدعة، فإنه قد قال في ((إيثار الحق)) (2): ((واعلم أني قد أذكر المبتدعة وأهل السنة كثيراً في كلامي؛ فأمّا المبتدعة فإنما أعني بهم أهل البدع الكبرى الغلاة ممن كانوا، فأما البدع الصغرى فلا تسلم منها طائفة غالباً.
وأما أهل السنة؛ فقد أريد بهم أهلها على الحقيقة، وقد أريد بهم من تسمّى بها وانتسب إليها. فتأمّل مواقع ذلك)) اهـ.
ومن ذلك ما قد يطلقه المؤلّف ويريد به اصطلاحاً خاصاً، مثل إطلاقه أهل السنة في مقابلة الشيعة والرافضة، فيدخل في (أهل السنة) حينئذ من خالف الشيعة في مسائل الإمامة والصحابة
…
ويدلّ على هذا تفريقه بين طوائف أهل الكلام من الأشعرية والمعتزلة والشيعة، وبين أهل الحديث؛ فقد قال في معنى حديث
(1) انظر: ((ابن الوزير وآراؤه الاعتقادية)): (1/ 152 - 153).
(2)
(ص/84).
(الرؤية): ((فأمّا أهل الحديث؛ فيؤمنون به كما ورد، على الوجه الذي أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما المتكلمون من الأشعرية والمعتزلة والشيعة؛ فيجتمعون على أنه تعالى لا يرى في جهة متحيزاً كما يرى القمر، ثم يفترقون في تفسير معناه
…
)) (1) اهـ.
*ثالثاً: الاعتذار للمؤلف لخوضه في (علم الكلام).
لم يفتأ المؤلف رحمه الله يحذر من الدخول في علم الكلام أو تعلمه أو استعماله في مواضع كثيرة، لو أفردت لكانت كتاباً مستقلاً (2). إلا أنه اضطر أحياناً للولوج فيه لنقض كلام المعترض، ومع ذلك فهو يعتذر عن الخوض فيه (3).
وقد اعتذر الإمام الصنعاني (4) للمؤلف وغيره ممن اضطر للدخول مع المبتدعة في مباحثهم وعلومهم، فقال:((إلا أنّ عذر الناظم (ابن الوزير) رحمه الله أنه بلي بالمبتدعة وبلسع عقاربهم، فاحتاج أن يدافع عن نفسه ودينه وعقيدته بالخوض معهم في ابتداعهم، دفعاً لشرهم، ومداواة لعللهم، فهو معذور بل مأجور مشكور، وجزاه الله خيراً، وهذا عذره وعذر كل من ألجأه الحال إلى الخوض في الابتداع ضرورة مع أهل الجدال)) اهـ.
وبعد؛ فرغم تحري المؤلف رحمه الله للحق، واجتهاده في
(1)((الروض)) (2/ 459).
(2)
منها في ((الروض)) (ص/8، 328، 332، 334، 570، 589). وانظر: ((أبجد العلوم)): (1/ 358) للقِنَّوْجي.
(3)
((العواصم)) (3/ 449).
(4)
((فتح الخالق)) (ق/16) نسخة الجرافي.
ذلك بكلّ ما أمكنه، إلا أن الجواد قد يكبو:
وأيّ حسام لم تصبه كلالة
…
وأي جواد لم تخنه الحوافر؟!
فمن الذي عصم، ومن الذي ما وُصم!!.
ويكفي في عذر المؤلف رحمه الله ما قاله هو في خاتمة كتابه ((الإيثار)): (ص/418)، قال:((ثم إني أختم هذا المختصر المبارك بأني أستغفر الله وأسأله التجاوز عني، والمسامحة في كل ما أخطأت فيه من هذا ((المختصر)) وغيره، فإني محلّ الخطأ والغلط والجهل وأهله، وهو سبحانه وتعالى أهل المغفرة والسعة والمسامحة، والغني الأعظم، والكريم الأكرم
…
)) اهـ.
وقال شيخ الإسلام في ((المنهاج)) (5/ 250): ((والمؤمن بالله ورسوله باطناً وظاهراً، الذي قصد اتباع الحق وما جاء به الرسول، إذا أخطأ ولم يعرف الحقّ، كان أولى أن يعذره الله في الآخرة من المعتمد العالم بالذنب، فإن هذا عاصٍ مستحق للعذاب بلا ريب، وأما ذلك فليس متعمداً للذنب، بل هو مخطىء، والله قد تجاوز لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان)) اهـ.
أقول: وقد علّقت على ما رأيته من ذلك في حواشي الكتاب بعبارة وجيزة، وإشارة لطيفة.
* * *