المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أولا: شمال أفريقيا ودولة المرابطين في المغرب: - الزلاقة معركة من معارك الإسلام الحاسمة في الأندلس

[جميل عبد الله محمد المصري]

الفصل: ‌أولا: شمال أفريقيا ودولة المرابطين في المغرب:

الصغرى عام 463 هـ، والزلاقة على أرض الأندلس الشهيدة التي أوقفت الزحف الصليبي النامي إلى حين، عام 479 هـ.

فقد ساءت حالة العالم الإسلامي في بداية القرن الخامس الهجري شرقاً وغرْباً، فعم الرفض، وفشا التفرق في المغرَب بسقوط الخلافة الأموية وتمزق الدولة العامرية، ولكن الله سبحانه وتعالى هيأ للمسلمين: السلاجقة في المشرق، حيث بلغت دولتهم ذروة القوة في منتصف القرن الخامس الهجري. والمرابطين في المغرب، وبلغت ذروتها في الوقت ذاته. وكلتا القوتين اتخذ الجهاد سبيلاً لإعزاز الإسلام والمسلمين ونصرة الدين. وكلتاهما مدّ الإسلام إلى آفاق واسعة. فقد مدّ السلاجقة الإسلام في آسيا الصغرى وأصبحت من ديار الإسلام، ومدّ المرابطون الإسلام إلى أفريقية الغربية وعبر الصحراء إلى السودان، وقاموا بواجبهم في نصرة إخوانهم في الأندلس، وحماية الإسلام.

حالة المغرب والأندلس في النصف الأول من القرن الخامس الهجري التي هيأت لمعركة الزلاقة:

ص: 170

‌أولاً: شمال أفريقيا ودولة المرابطين في المغرب:

انتثر ملك الخلافة بالمغرب 1، وانقسم إلى إمارات صغيرة متفرقة، فقد أقام المعزّ بن باديس سنة 440 هـ الدعوة للقائم بالله الخليفة العباسي وخلع طاعة المستنصر العبيدي، (وكان قبل ذلك يسب بني عبيد سرّاً) ، فبعث المستنصر القبائل العربية من بني هلال ورياح وزغبة لمحاربته، فكانت الحروب الهائلة بين ابن باديس والعرب الذين دخلوا القيروان 2. وكثر المتغلّبون على الشمال الأفريقي بأجمعه، فاستولى بنو هلال على المناطق الممتدة في الداخل من قابس إلى المغرب، وظل بنو زيري يحتفظون بالمهدية وما يليها، واستقر أمر بني حماد في بجاية، واستقل حمو بن ومليل البرغواطي في صفاقس بعد أن حالف العرب، واستقل ابن خراسان بتونس سنة 458 هـ، واستقل موسى بن يحيى بفاس، وحاكم قفصة الزيري بعد أن استعان بالعرب مقابل جزية سنوية 3.

كما تعرض الشمال الأفريقي لغارات النورمان يدفعهم الحقد الصليبي، فقد تملكوا

1 نفح الطيب جـ 1 ص 413.

2 المؤنس في أخبار إفريقية وتونس ص84- 85/ ابن خلدون جـ6 ص 288.

3 المغرب الكبير- السيد عبد العزيز- ص 673.

ص: 170

صقلية من المسلمين بقيادة رجار سنة 464 هـ 1، ماعدا مدينتي قصريانه وجرجنت، اللتين حاصروها حصاراً شديداً، واستسلمت جرجنت سنة 481 هـ، وتبعتها قصريانه سنة 484 هـ 2. وشجع البابا فكتور الثالث على تكوين طائفة من رجال البحر من بيزه وجنوة للإغارة على السواحل الإسلامية الأفريقية، فهاجموا مدينة المهدية وزويلة، وعادوا بعدد عظَيم من أسارى المسلمين رَجالاً ونساء 3 وبمبلغ عظيم من الذهب والفضة مقابل رحيلهم وذلك سنة 480 هـ

وفي هذه الظروف الحالكة انبعثت من قلب الصحراء الكبرى الأفريقية، قوة إسلامية، تدعو إلى التمسك بالِإسلام، مصدر قوة المسلمين، وتجدد جريان الحياة في تياره، باتخاذه دستوراَ يحكم حياة الإنسان في جميع نواحي الحياة.

فقد توجه يحي بن إبراهيم الجدالي- أمير جدالة- في جماعة إلى الحج 4 عام 440 هـ، وعرجوا في عودتهم على القيروان، واستمعوا إلى علمائها، وكانت في هذه الفترة قد نبذت المذهب الشيعي، وعادت إلى أهل السنة والجماعة، فاسترجعت مكانتها كقاعدة للمذهب المالكي في المغرب، فاتصلوا بأبي عمران موسى الفاسي شيخ المذهب المالكي 5، وطلبوا منه أن يرسل معهم عالماً يعلمهم الدين، فأرسل معهم الشيخ عبد الله بن يِاسين الجزولي 6 وكان من حذاق الطلبة ومن أهل العلم والصلاح، واعتبر عمل هذا جهاداً لنشر تعاليم الإسلام الصحيحة بين الذين حرموا من نعمة المعرفة والعلم. فقام بدوره، فأخذ يفقه الناس ويعلمهم الشريعة، وأقام رباطاًَ يرجح إن مكانه في السنغال7 أو النيجر، والتف حوله جماعة من لمتونة إحدى بطون صنهاجه كجدالة من البرانس البربر؛ بلغ عددهم حوالي الألف رجل، أطلق عليهم اسم (المرابطون) نسبة إلى رباط عبد الله بن ياسين، حيث تلقوا فيه تكوينهم الديني والجهادي، وحوّلهم من رعاة إبل إلى جماعة من المجاهدين، يحملون

1 ابن خلدون جـ4 ص450/ المؤنس ص 89.

2 الكامل في التاريخ جـ 8 ص 157.

3 ابن خلدون جـ 6 ص 328.

4 المؤنس جـ104، الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى جـ 2 ص 6.

5 ابن خلدون جـ6 ص373/ البيان المغرب جـ3 ص242 وأبو عمران أصله فاسي استوطن القيروان وحصلت له بها رئاسة العلم، أخذ عن كثير من علماء المشرق والمغرب، رحل إلى قرطبة والمشرق وحج ودخل العراق، أخذ عنه الكثير من أهل العلم. وتوفي عام 430 هـ (المؤنس- حاشية ص104) .

6 المؤنس ص 104- 105.

7 د. عبد العزيز سالم- المغرب الكبير ص 693.

ص: 171