المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌استعداد النصارى وتحركهم باتجاه المسلمين - الزلاقة معركة من معارك الإسلام الحاسمة في الأندلس

[جميل عبد الله محمد المصري]

الفصل: ‌استعداد النصارى وتحركهم باتجاه المسلمين

علم أمير المسلمين بتقدّم الجيوش الصّليبية، فأمر الجيش الإسلامي بالتّحرّك، إلى مكان مناسب، اختاره مع القادة ليكون موقع المعركة الفاصلة، وهذا المكان موضع سهليّ من عمل بطليوس وأحوازها على مسافة 12 كم شمالها الشرقي، في العدوة الشمالية للوادي اليانع، وبينه وبين نهر تاجه، تتخلله الأحراش، ويقع على حدود البرتغال الحاليّة 1، ويسميه المسلمون (الزلاقة) 2، ويسميه الأوروبيون (ساكر الياس)3.

وفي هذا المكان وضع أمير المسلمين ترتيباً جديداً للجيش الإسلامي استعداداً للمعركة الفاصلة، فجعل الفرسان المرابطين وعددهم عشرة آلاف في طَليعة الجيش، بقيادة أبي سليمان داود بن عائشة أشهر قادته الكبار، وذلك ليتلقّوا الصدمة الصليبية الأولى.

وجعل قوات الأندلس تليهم، وكانت تؤلف وحدها جيشاً خاصّاً، منفصلاً عن جيوش المرابطين، يقودها المعتمد بن عباد أمير أشبيلية أشهر ملوك الطّوائف.

كما جعل جيشه في المؤخرة، وعلى مسافة كبيرة من جيش الأندلس، وراء أكمة ليوهم العدو أنّ الجيش الذي يواجهه هو الأوّل والثّاني فقط.

وهكذا تحكّم المسلمون في اختيار موقع المعركة، ووضعوا خططهم على أساس ذلك، ونظمّ يوسف الاتّصالات السّريعة بينه كقائد أعلى للجيش وقواد الجيشين بحيث تأتي الأخبار سريعة. وجعل ابن تاشفين المعتمد بن عباد في قلب مقدّمة جيش الأندلس، والمتوكل بن الأفطس في الميمنة، وأهل مشرق الأندلس في الميسرة، وباقي الأندلسيين في السّاقة.

وجعل من جيشه المرابطي كمائن لتفاجيء العدو بعد اصطدامه بفرسان المرابطين وبجيش الأندلس، ولمنع الأندلسيين من الترّاجع أو الفرار، وضرب معسكره وراء ربوته العالية منفصلاً عن مكان القوات الأندلسيّة.

1عنان- دول الطوائف ص 321.

2 وفيات الأعيان جـ7 ص 116/ المؤنس ص 108/ أعمال الأعلام جـ2 ص 246/ ياقوت جـ 3 ص 146. والزلاقة الموضع الذي لا يمكن الثبوت عليه من شدة زلقه- لسان العرب جـ10 ص 144.

3 التواتي ص 295 وانظر الحجي- التاريخ الأندلسي ص 405.

ص: 189

‌استعداد النصارى وتحركهم باتجاه المسلمين

استعداد النّصارى وتحرسهم باتجاه المسلمين:

كان الفونسو السادس قد طمع في الأندلس الإسلاميّة، وعتا وتجبرّ، وقطع عهوده مع

ص: 189

أمرائها وملوكها، وجاءته بركات البابا، وتدفقت عليه جموع النّصارى الفرسان من مختلف أجزاء أوربا، فعاث في الأندلس الإسلامية فساداً حتى وصل الجزيرة كما ذكرنا، وأعلن تحديه لأمير المسلمين يوسف بن تاشفين، ثم توجّه بقواته لمحاربة أمير سرقسطة ابن هود، وحاصرها، وألحّ عليها، وقاومت ببسالة. وعندما تأكّدت لديه أنباء عبور المجاهدين، رفع الحصار تاركاً أمر تصفية حسابه مع سرقسطة إلى ما بعد إيقاف هذا الزّحف، وحشد القوات النّصرانيّة من جيليقية، وليون، وبسكونية، واشتوِريش، وقشتالة 1، وكاتب ملك اراغون شانجه بن ردمير صاحب بنبلونة وكان مشغولاًَ بمحاصرة طرطوشة، فانضمّ إليه بقواته، وكاتب الكونت برنجار ريموند الذي كان يتأهب لغزو بلنسية فانضم إليه بقواته. وطلب النجدات من أمراء ما وراء البرت فلحق به سيل من الفرسان والمتطوّعين الفرنجة والألمان والإنكليز والإيطاليين، فأصبح جيشه كبيراً متفوّقاًَ في العُدَة والعَدَد والإمكانيات، واتّخذت المعركة شكل الحروب الصّليبيّة، فقد رفع القسّيسون والرّهبان والأساقفة صلبانهم، ونشروا أناجيلهم2 أمام القوات النّصرانيّة، وباركها البابوات وحثّوا عليها، ووجّهوها، بل تبايع رهبانهم على الموت.

وسار الفونسو بجيشه اللّجب مزهوّاً بتفوّقه في العَدَد والعُدَة، وبلغ به الزّهو وبجيشه أن قال:"بهؤلاء أقاتل الجنّ والإنس، وملائكة السماء"3. وبلغ به الأمر أن قال: "بهذا الجيش ألقى إله محمد" 4 صلى الله عليه وسلم .

تحرك الفونسو باتّجاه المسلمين ليفرض المعركة عليهم في أرضهم بدلا منِ انتظارهم، وكان الجيش الإسلامي قد اختار مكان اللّقاء، ولما أصبح على مسافة 18 ميلا من القوات الإسلامية نزل هَناك. عندئذ أمر أمير المسلمين المعتمد بن عباد التّقدّم إلى سفح جبل أمام الأَذفونش بحيث يتراؤون، فظن الأذفونش أنّ عساكر المسلمين ليس إلا الذي يراه 5، فنجحت خطة أمير المسلمين الأوّليّة.

وقام الفونسو بترتيب جيشه، فقسمه إلى قسمين: الأوّل بقيادة الكونت جارسيان والكونت رودريك، وخُصّص لمهاجمة المعتمد بن عباد. والثاني: جناحا الفونسو بقيادة

1 تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين ص 80/ انظر الحجي ص 405.

2 نفح الطيب جـ4 ص 363/ الروض المعطار ص 87.

3 نفسه.

4 الكامل في التاريخ جـ8 ص 142.

5 نفسه.

ص: 190