الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثمانون منبراً، سوى البُنيّات والقرى المعمورات، وحاز من وادي الحجارة إلى طلبيرة، وفحص اللجّ، وأعمال شنزية كلّها، وتسمّى (بالإمبراطور) أو (الإمبراطور ذي الملتين الإسلامية والنّصرانية) . وطمع في ملوك الطوائف، وعاملهم معاملة الأتباع الأذلاّء 1، وتصوّر أنهم غدوا كافّة رهن إشارته، وطوع بنانه، وانّه سيقضي عليهم الواحد بعد الآخر، ورفض جزيتهم وردّها كما فعل مع ابن عباد، ووصفهم بالحمقى الذين تلقبوا بأسماء الخليفة وهم لا يملكون لأنفسهم ضرّاَ ولا نفعاً 2
وتسلل اليأس إلى نفوس المسلمين من ملوك الطوائف، وغدت الأصوات اليائسة ترتفع، وفي ذلك يقول عبد الله بن فرج اليحصبي المشهور بابن العسّال أو غيره 3:
يا أهل أندلس حثّوا مطيّكم
…
فما المقام بها إلا من الغلط
الثّوب ينسل من أطرافه وأرى
…
ثوب الجزيرة منسولاً من الوسط
ونحن بين عدوّ لا يفارقنا
…
كيف الحياة مع الحيّات في سفط
هذا وقد نُظّمت قصائد كثيرة في سقوط طليطلة وغيرها من المدن والحصون يظهر فيها الأسى والحزن.
وأدرك ملوك الطوائف عزلتهم عن أمّتهم، وأنّ النّصارى لا يفرّقون بينهم في المعاملة، وينظرون إليهم نظرتهم الحاقدة إلى المسلمين تحثّهم على ذلك الكنيسة بروحها الصّليبية، فتنادوا للّقاء، وتداعوا للوحدة استجابة أو مسايرة للرأي العام المسلم.
1 أنظر الحجي- التاريخ الأندلسي ص334-315.
2 المؤنس ص101.
3 وتروى الأبيات بأشكال مختلفة بالمعنى نفسه. انظر: نفح الطيب جـ4 ص352.
رابعاً: دور العلماء في الدّعوة إلى الوحدة في الأندلس:
للعلماء المسلمين دور كبير في جميع عهود التاريخ الإسلامي، في الدّعوة إلى لمّ الشمل والوحدة، وإلى الجهاد. فمنذ سقوط الدولة العامرية في الأندلس وتفرّقها إلى طوائف، ارتفعت أصوات العلماء بالدّعوة إلى الوحدة، إدراكاً منهم للخطر الذي يتهدّد المسلمين من النّصارى، ومن العلماء الذين قاموا بجهود في هذا المجال:
ابن عبد البر: (أبو عمر يوسف بن عبد الله النّمري) علامة الأندلس والمغرب الكبير (ت عام 463 هـ) عن عمر ناهز الخامسة والتسعين، فقد جلا عن وطنه قرطبة وتجوّل في
أنحاء الأندلس فسكن دانية، وبلنسية، وشاطبة وبها توفي. وولي قضاء الأشبونة، وشنترين في مدّة المظفّر بن الأفطس، وكان خلال تنقّله وتدريسه يدعو إلى نبذ التفرّق ولمّ الشّمل 1.
وابن حيان: (أبو مروان حيان بن خلف الأموي مولاهم) 2، الذي علّق على أحداث الأندلس، وبشكل خاص نكبة بربشتر عام 456هـ، وعلّل أسبابها، وأنحى باللائمة على النّاس والحكّام بما ارتكبوا في جنب الله من ذنوب إهمالهم، بتقصيرهم في الأخذ بالشريعة، وتهاونهم في تنفيذ أوامرها، مما جرّهم إلى حالة الفرقة وأذهبت قوّتهم فقد "أركستهم الذنوب، ووصمتهم العيوب، فليسوا في سبيل الرشد بأتقياء، ولا على معاني الغيّ بأقوياء، نشء من النّاس هامل، يعلّلون نفوسهم، من أوّل الدّلائل على فرط جهلهم بشأنهم وإغزارهم بزمانهم، وبعادهم عن طاعة خالقهم، ورفضهم وصيّة رسوله نبيّهم عليه الصلاة والسلام، وهووهم عن النّظر في عاقبة أمرهم، وغفلتهم عن سدّ ثغرهم، حتى لظلّ عدوّهم السّاعي لإطفاء نورهم، يتبجّح عراض ديارهم، ويستقري بسائط بقاعهم، يقطع كل يوم طرفاً منهم وسرامة، ومن لدينا وحوالينا من أهل كلمتنا صموت عن ذكرهم، لهات عن لبهمّ، ما أن يسمع عندنا في مسجد من مساجدنا، ومحفل من محافلنا، مذكّر بهم أو داع لهم، فضلاً عن نافر إليهم أو مواس لهم، حتى كأن ليسوا منّا، وكأن فتقهم ليس بمفض إلينا، قد بخلنا عليهم بالدّعاء بخلنا بالفناء، عجائب مغربة فاتت التّقدير، وعرضت للتّغيير، ولله عاقبة الأمور واليه المصير".
وقد أوقع ابن حيّان نصيباً كبيراً لهذه الأحوال على أمراء السوء في دول الطّوائف، الذين انحرفوا عن نهج الإسلام، ملوّماً الناس لركونهم إلى أمثال هؤلاء الأمراء.
وأبو الوليد الباجي: (سليمان بن خلف التجيبي القرطبي (403-474 هـ) الذي جاب أقطار المشرق الإسلامي، فجاور بمكة ثلاثة أعوام، ورحل إلى بغداد ودمشق والموصل، واستغرقت رحلته ثلاثة عشر عاماً، عاد بعدها إلى وطنه فولي المضاء لأماكن متعدّدة، وصنّف التّصانيف الكثيرة 3، ودعا إلى الوحدة من تلقاء نفسه أوّلاً، ثم نشط أكثر بعد حادثة بربشتر عام 456 هـ تلك التي نبهت غيارى المسلمين إلى الخطر الكامن وراء هذه الأحداث المؤلمة، ثم عمه المتوكّل بن الأفطس، وشدّ من عضده، بل كلّفه أو وجّهه إلى الجهاد، فأخذت دعوته طريقها الرسمي بذلك.
1 انظر: وفيات الأعيان جـ7 ص 67/ سير أعلام النبلاء جـ 18 ص 153-163.
2 البيان المغرب جـ3 ص255 نفح الطيب جـ4 ص 452- 453/ الحجي ص 365.
3 سير أعلام النبلاء جـ18 ص535- 545/ العبرة جـ2 ص 332/ البداية والنهاية جـ12 ص122.
وابن حزم: (أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد) الوزير الظاهري1، الذي تجوّل في الأندلس، داعياً إلى الوحدة، ووجّه النّقد اللاّذع لملوك الطوائف وبين استهتارهم، وما أورثوا الأمة من الوهن والانحدار، ودعا إلى الجهاد، ومن جيد شعره في ذلك:
مناي من الدنيا علوم أبثّها
…
وأنشرها في كلّ بادٍ وحاضر
دعاء إلى القرآن والسّنن التيِ
…
تناسى رجال ذكرها في المحاضر
والزم أطراف الثّغور مجاهداًَ
…
إذا هَيْعة ثارت فأوّل نافر
لألقى حمامي مقبلاً غير مدبر
…
بسمر العوالي والرّقاق البواتر
كفاحا ًَ مع الكفّار في حومة الوغى
…
وأكرم موت للفتى قتل كافر
فيا ربّ لا تجعل حمامي بغيرها
…
ولا تجعلنيّ من قطين المقابر
وهناك كثير من العلماء قاموا بدورهم في هذا المجال مثل: حاتم بن محمد الطرابلسي القرطبي المحدّث (ت عام 469 هـ)2. وأبو العباس المعذري أحمد بن عمر بن أنس بن دلهات الأندلسي المدلائي 3. وأبو عبد الله الحميدي محمد بن أبي نصر الميورقي 4. وأبو المعالي إدريس بن يحي الأشبيلي 5. والفقيه أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد قاضى الجماعة بقرطبة 6، وعبد الله بن غالب المالكي مفتى أهل سبتة 7. وأبو القاسم المهلب بن أحمد الأسدي الأندلسي قاضي المرية 8. ومكي بن أبي طالب القيسي 9. ومحمد بن عبد الله المعافري محدّث قرطبة 10. وعثمان بن سعيد القرطبي الصيرفي 11. وعبد الله بن الوليد الأنصاري الأندلسي 12. وابن العربي أبو محمد عبد الله الأشبيلي والد القاضي أبي بكر 13.
1 سير أعلام النبلاء جـ18 ص 184- 212/ العبر جـ 2 ص 306/ دول الطوائف ص 420- 423.
2 سير جـ18 ص 336/ العبرجـ2 ص 326/ شذرات الذهب جـ3 ص 333.
3 العبر جـ 2 ص338/ سير18 ص 7-8.
4 العبر2 ص 359/ شذرات جـ3 ص 392/ سير جـ 19 ص 12- 127/ الكامل في التاريخ جـ8 ص 178/ البداية جـ12 ص 152.
5 الحجي ص348
6 الحجي ص 350.
7 العبر جـ2 ص 269/ شذرات جـ 3 ص 254.
8 العبر جـ2 ص 272/ شذرات جـ3 ص 255.
9 العبر جـ2 ص 273/ النجوم الزاهرة جـ5 ص41.
10 العبر جـ2 ص 275/ شذرات جـ3 ص 263.
11 العبر جـ2 ص 286/ شذرات جـ2 ص 272/ النجوم الزاهرة جـ5 ص54.
12 العبر جـ2 ص 292.
13 سير أعلام النبلاء جـ19 ص130- 131.