الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
16 -
رَأْي ابْن الْحَاج فِي الْمُسلمين المتخلفين فِي برشلونه الَّذين يشتركون مَعَ النَّصَارَى فِي الإغارة على الْمُسلمين
وَسَأَلته عَمَّن تخلف من أهل برشلونه من الْمُسلمين عَن الارتحال عَنْهَا بعد السّنة الَّتِي أجلت لَهُم يَوْم فتحت فِي ارتحالهم فَأَغَارَ (89 ب) على الْمُسلمين تعوذا مِمَّا يخَاف من الْقَتْل إِن ظفر بِهِ فَقَالَ مَا أرَاهُ إِلَّا بِمَنْزِلَة الْمُحَارب
الَّذِي يتلصص بدار الْإِسْلَام من الْمُسلمين وَذَلِكَ أَنه مُقيم على دين الْإِسْلَام فَإِن أُصِيب فَأمره إِلَى الامام يحكم فِيهِ بِمثل مَا يحكم فِي أهل الْفساد والحرابه وَأما فِي مَاله فَلَا أرَاهُ يحل لأحد اصابه انْتهى مَحل الْحَاجة مِنْهُ ابْن رشد قَوْله إِنَّهُم فِي غارتهم على الْمُسلمين بِمَنْزِلَة الْمُحَاربين صَحِيح لَا اخْتِلَاف فِيهِ لِأَن الْمُسلم إِذا حَارب فَسَوَاء أَكَانَت حرابته فِي بلد الْإِسْلَام أَو فِي بلد الْكفْر الحكم فِيهِ سَوَاء وَأما قَوْله فِي مَاله أَنه لَا يحل لأحد أَصَابَهُ فَهُوَ خلاف ظَاهر قَول مَالك فِي الْمُدَوَّنَة فِي الَّذِي يسلم فِي دَار الْحَرْب ثمَّ يَغْزُو الْمُسلمُونَ تِلْكَ الدَّار فيصيبون أَهله وَمَاله وَولده أَن ذَلِك كُله فَيْء إِذْ لم يفرق فِيهَا بَين أَن يكون الْجَيْش غنم مَاله وودله قبل خُرُوجه أَو بعد خُرُوجه انْتهى قلت فَظَاهر كَلَام ابْن رشد هَذَا يُؤذن بترجيح خلاف مَا رَجحه معاصره وبلديه القَاضِي أَبُو عبد الله بن الْحَاج فِي مَال هَؤُلَاءِ الْمَسْئُول عَنْهُم وَأَوْلَادهمْ فَتَأَمّله
17 -
رَأْي شُيُوخ آخَرين لَا سَبِيل على دِمَاء الْمُسلمين المقيمين مَعَ النَّصَارَى إِلَّا إِذا اشْتَركُوا فِي محاربة الْمُسلمين وَلَا سَبِيل على أَمْوَالهم إِلَّا إِذا أَعَانُوهُم بهَا
وَقَالَ بعض الْمُحَقِّقين من الشُّيُوخ يظْهر أَن الْأَحْكَام الملحقة بهم فِي الْأَنْفس وَالْأَوْلَاد وَالْأَمْوَال جَارِيَة على المقيمين مَعَ النَّصَارَى الْحَرْبِيين على حسب مَا تقرر من الْخلاف وتمهد من التَّرْجِيح ثمَّ إِن حاربونا مَعَ أَوْلِيَائِهِمْ ترجحت حِينَئِذٍ اسْتِبَاحَة دِمَائِهِمْ وَإِن أَعَانُوهُم بِالْمَالِ على قتالنا ترجحت اسْتِبَاحَة أَمْوَالهم وَقد ترجح سبى ذَرَارِيهمْ للاستخلاص من أَيْديهم وإنشائهم بَين أظهر الْمُسلمين آمِنين من الْفِتْنَة فِي الدّين معصومين من مَعْصِيّة ترك الْهِجْرَة
18 -
شكوى الْمُهَاجِرين إِلَى أَرض الْإِسْلَام من ضيق المعاش زعم فَاسد وتوهم كاسد لَا رخصَة لأحد فِي الرُّجُوع إِلَى بِلَاد النَّصَارَى بِحَال
وَمَا ذكر فِي السُّؤَال من حُصُول النَّدَم والتسخط لبَعض الْمُهَاجِرين من دَار الْحَرْبِيين إِلَى دَار الْمُسلمين لما زعموه من ضيق المعاش وَعدم الانتعاش زعم فَاسد وتوهم كاسد فِي نظر الشَّرِيعَة الغراء فَلَا يتَوَهَّم هَذَا الْمَعْنى ويعتبره ويجعله نصب عَيْنَيْهِ إِلَّا ضَعِيف الْيَقِين بل عديم الْعقل وَالدّين وَكَيف يتخيل هَذَا الْمَعْنى يدلى بِهِ حجَّة فِي إِسْقَاط الْهِجْرَة من دَار الْحَرْب وَفِي بِلَاد الْإِسْلَام (90 أ) أَعلَى الله كَلمته مجَال رحب للقوى والضعيف والثقيل والخفيف وَقد وسع الله الْبِلَاد فيستجير بهَا من أَصَابَته هَذِه الصدمة الكفرانية والصاعقة النَّصْرَانِيَّة فِي الدّين والأهل وَالْأَوْلَاد فقد هَاجر من عَلَيْهِ الصَّحَابَة وأكابرهم رضوَان الله عَلَيْهِم إِلَى أَرض الْحَبَشَة فِرَارًا بدينهم من أَذَى الْمُشْركين من أهل مَكَّة جمَاعَة عَظِيمَة ورفقة كَرِيمَة مِنْهُم جَعْفَر بن أبي طَالب وَأَبُو سَلمَة بن عبد الْأسد وَعُثْمَان بن عَفَّان وَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح وَحَال أَرض الْحَبَشَة مَا قد علم وَهَاجَر آخَرُونَ إِلَى غَيرهَا وهجروا أوطانهم وَأَمْوَالهمْ وَأَوْلَادهمْ وآباءهم ونبذوهم وقاتلوهم وحاربوهم تمسكا مِنْهُم بدينهم ورفضا لدنياهم فَكيف بِعرْض من اعراضها لَا يخل تَركه بالتكسب بَين أظهر الْمُسلمين وَلَا يُؤثر رفضه فِي متسع المسترزقين وَلَا سِيمَا بِهَذَا الْقطر الديني المغربي صانه الله وزاده عزا وشرفا ووقاه من الأغيار والأكدار وسطا وطرفا فَإِنَّهُ من أخصب أَرض الله
أَرضًا وأشبعها بلادا طولا وعرضا وخصوصا حَاضِرَة فاس وانظارها ونواحيها من كل الْجِهَات وأقطارها وَلَئِن سلم هَذَا الْوَهم وَعدم صَاحبه وَالْعِيَاذ بِاللَّه الْعقل الرَّاجِح والرأي الناجح والفهم فقد أَقَامَ علما وبرهانا على نَفسه الخسيسة الرذلة بترجيح عرض دنياوي حطامى محتقر على عمل ديني أخروى مدخر وبئست هَذِه المفاضلة والأرجيحة وخاب وخسر من آثرها وَوَقع فِيهَا أما علم المغبون فِي صفقته النادم على هجرته من دَار يدعى فِيهَا التَّثْلِيث وتضرب فِيهَا النواقيس ويعبد فِيهَا الشَّيْطَان وَيكفر بالرحمن أَن لَيْسَ للانسان إِلَّا دينه إِذْ بِهِ نجاته الأبدية وسعادته الأخروية وَعَلِيهِ يبْذل نَفسه النفيسة فضلا عَن جملَة مَاله قَالَ الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تلهكم أَمْوَالكُم وَلَا أَوْلَادكُم عَن ذكر الله وَمن يفعل ذَلِك فَأُولَئِك هم الخاسرون} وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا أَمْوَالكُم وَأَوْلَادكُمْ فتْنَة وَالله عِنْده أجر عَظِيم} وَأعظم فَوَائِد المَال وأجلها عِنْد الْعُقَلَاء إِنْفَاقه فِي سَبِيل الله وابتغاء مرضاته وَكَيف يتقحم بالتشبث (90 ب) ويترامى ويتطارح أَو يتسارع من أَجله إِلَى مُوالَاة العداة وَقد قَالَ تَعَالَى {فترى الَّذين فِي قُلُوبهم مرض يُسَارِعُونَ فيهم يَقُولُونَ نخشى أَن تصيبنا دَائِرَة} والدائرة فِي هَذِه النَّازِلَة فَوَات التَّمَسُّك بعقار المَال فوصف بمرمض الْقلب وَضعف الْيَقِين وَلَو كَانَ قوي الدّين صَحِيح الْيَقِين واثقا بِاللَّه تَعَالَى مُعْتَمدًا عَلَيْهِ وَمُسْندًا ظَهره إِلَيْهِ لما أهمل قَاعِدَة التَّوَكُّل على علو رتبها ونمو ثَمَرَتهَا وشهادتها بِصِحَّة
الْإِيمَان ورسوخ الْيَقِين وَإِذا تقرر هَذَا فَلَا رخصَة لأحد مِمَّن ذكرت فِي الرُّجُوع وَلَا فِي عدم الْهِجْرَة بِوَجْه وَلَا حَال فَإِنَّهُ لَا يعْذر مهما توصل إِلَى ذَلِك بِمَشَقَّة فادحة أَو حِيلَة دقيقة بل مهما وجد سَبِيلا إِلَى التَّخَلُّص من ربقة الْكفْر وَحَيْثُ لَا يجد عشيرة تذب عَنهُ وحماة يحْمُونَ عَلَيْهِ ورضى بالْمقَام بمَكَان فِيهِ الضيم على الدّين وَالْمَنْع من إِظْهَار شَعَائِر الْمُسلمين فَهُوَ مارق من الدّين منخرط فِي سلك الْمُلْحِدِينَ وَالْوَاجِب الْفِرَار من دَار غلب عَلَيْهَا أهل الشّرك والخسران إِلَى دَار الْأَمْن وَالْإِيمَان وَلذَلِك قوبلوا فِي الْجَواب عِنْد الِاعْتِذَار بقوله (ألم تكن أَرض الله وَاسِعَة) أَي حَيْثُ مَا توجه المُهَاجر وَإِن كَانَ ضَعِيفا فَإِنَّهُ يجد الأَرْض وَاسِعَة ومتصلة فَلَا عذر بِوَجْه لمستطيع وَإِن كَانَ بِمَشَقَّة فِي الْعَمَل أَو فِي الْحِيلَة أَو فِي اكْتِسَاب الرزق أَو ضيق فِي الْمَعيشَة إِلَّا المستضعف الْعَاجِز رَأْسا الَّذِي لَا يَسْتَطِيع حِيلَة وَلَا يهتدى سَبِيلا وَمن بَادر إِلَى الْفِرَار وسارع فِي الِانْتِقَال من دَار الْبَوَار إِلَى دَار الْأَبْرَار فَذَلِك إِمَارَة ظَاهِرَة فِي الْحَال العاجلة لما يصير إِلَيْهِ حَاله فِي الآجلة لِأَن من يسر لَهُ الْعَمَل الصَّالح كَانَ مأمولا لَهُ الظفر والفوز وَمن تيَسّر لَهُ الْعَمَل الْخَبيث كَانَ مخوفا عَلَيْهِ الْهَلَاك والخسران جعلنَا الله وَإِيَّاكُم مِمَّن يسر لليسرى وانتفع بالذكرى
19 -
لابد من إرهاقهم بالعقوبة الشَّدِيدَة والتنكيل المبرح ضربا وسجنا
وَمَا ذكرت عَن هَؤُلَاءِ الْمُهَاجِرين من قَبِيح الْكَلَام وَسَب دَار الْإِسْلَام وَتمنى الرُّجُوع إِلَى دَار الشّرك والأصنام وَغير ذَلِك من الْفَوَاحِش الْمُنكرَة الَّتِي