المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌احزن في الدنيا تفرح في الآخرة - الزهر الفائح في ذكر من تنزه عن الذنوب والقبائح

[ابن الجزري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌الحشر يوم القيامة

- ‌حاسب نفسك

- ‌اعرف قدرك عند الله

- ‌آفات الغفلة

- ‌إياك وعقوق الوالدين

- ‌إياك والزنا

- ‌إياك مخالفة الله في أمره

- ‌أقوال الصالحين في التوبة والإقلاع عن الذنوب

- ‌كرامات الأولياء

- ‌إثم عقوق الوالدين

- ‌الخوف من النداء للعرض

- ‌لا تغتر بالدنيا

- ‌احزن في الدنيا تفرح في الآخرة

- ‌لا تغفل عن ذكر الله

- ‌علامة حب الله للعبد

- ‌الغيبة والنميمة

- ‌اتق دعوة المظلوم

- ‌أد الأمانة ولا تخن من خانك

- ‌الخصال التي تنجي من السوء

- ‌داوم على حساب نفسك

- ‌تذكر الموت واجعله أمامك

- ‌طريد الله

- ‌الأمن من مكر الله

- ‌إحذر آفة الشهوة

- ‌إحذر غضب الله

- ‌اطلب النجاة من عذاب الله

- ‌لا تغرنك الدنيا

- ‌كيفية تعبد أبو الحسن الثوري

- ‌بكاء الرسول عند قبض روحه

- ‌اخش عذاب الله وعامله بتقواه

- ‌مناجاة الصالحين

- ‌خف ربك يوم الحساب

- ‌إياكم ومحقرات الذنوب

- ‌بادر بالتوبة فان الموت يأتي بغتة

- ‌لا تقنط من رحمة الله

- ‌كن لله مطيعاً ولا تشتغل بالدنيا

- ‌ثمرة الأكل من الحلال

- ‌لا تؤخر التوبة وتذكر لقاء الله

- ‌نقض العهود والغدر فيها

- ‌حاسب نفسك

- ‌بكاء الصالحين عند موتهم

- ‌خوفاً من الله تعالى

- ‌عذاب أهل النار

- ‌وفي أنفسكم أفلا تبصرون

- ‌أهوال القيامة

- ‌تأهب لأهوال القيامة

- ‌لا تأكل النار موضعاً مسحته الدموع

- ‌عش ما شئت فإنك ميت

- ‌أد الفرائض وكف عن المحارم

- ‌روعة العرض يوم القيامة

- ‌صفة دخول المؤمنين الجنة

- ‌مكفرات الذنوب وموجبات الجنة

- ‌لقاء الأرواح المؤمنة

- ‌وصية الرسول صلى الله عليه وسلم للنساء

- ‌خاتمة

الفصل: ‌احزن في الدنيا تفرح في الآخرة

روحي وصرت تراباً رميما، ومرت علي السنين والأعوام جعلت جباً، فلم تنفك عني سكرة الموت ولا مرارته.

وقيل: إن رجلاً كان خائفاً من الموت كثير الجزع والخوف، دائم الفكرة وكثير البكاء، قاداه الجزع إلى أن خرج يطوف في الأرض من غير حاجة، فلقيه ملك الموت، فقال له: يا هذا أتعرفني؟ فقال: لا أعرفك، فقال: أنا ملك الموت، فشخص الرجل وخر مغشياً عليه، فلما أفاق، قال له ملك الموت: إرجع إلى أهلك وعد المرضى، فإن رأيتني عند رجلي المريض فصف له الدواء فإنه يبرأ، وإن رأيتني عند رأسه فاعلم أن أجله قد قرب، فلا تصف له شيئاً من الدواء، وإنك عن قريب ستراني عند رأسك، فاستعد لذلك اليوم.

فرجع الرجل إلى أهله. فكان يعود المرضى ويأخذ في طبهم، فبينما هو ذات يوم عند أهله، إذ رأى ملك الموت عند رأسه، فشخص الرجل ببصره ونادى بأهله: عجلوا بصحيفة أكتبها لكم، فإني رأيت كل من كنت أخافه وأخوف الناس منه. فقال ملك الموت: الآمر أعجل من ذلك، وإنما كنت حذرتك قبل هذا اليوم لتنظر لنفسك، وألان قد انقضت مدتك، وانقطعت أيامك. فقبض روحه من قبل أن يكتب وصيته.

وقيل في المعنى شعر:

يا ساهيا يا غافلاً عما يراد له

حان الرحيل فما أعددت من زاد

تضن أنك تبقى سرمدا أبداً

هيهات أنت غدا فيمن غدا غادي

مالي سوى أنني أرجو الإله لما

أهمني فهو أرجو يوم ميعاد

‌احزن في الدنيا تفرح في الآخرة

وقال بعض الصالحين: لما مات عطاء السلمي رضي الله عنه، رأيته في المنام تلك الليلة فقلت له: ما الذي صرت إليه بعد الموت، فقال: والله إلى خير كثير

ص: 59

ورب غفور، قلت له: لقد كنت طويل الحزن في الدنيا.. فتبسم وقال:، غد أعقبني بذلك بشارة وسرورا دائماً.

وقال سفيان الثوري رضي الله عنه: مات أخ لي، فرأيته في المنام، فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال رضي عني وأدخلني الجنة، وقال: إفرح كما كنت تحزن.

وقال بعض الصالحين رضي الله عنهم: لما مات عطاء السلمي رأيته تلك الليلة في النوم، فقلت له: ما فعل الله بك؟ غفر لي، وقال: يا هذا كم استحيت مني؟ لقد كنت تخافني كل الخوف، وعزني وجلالي لقد توفيتك يوم وفاتك وما على وجه الأرض أحب إلي منك.

وحكي أن أبا الفتح الموصلي رؤي في المنام بعد موته، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: قربني وأدناني، وقال: يا أبا الفتح، وعزتي وجلالي لقد صعد إلى المكان الموكلان بك أربعين سنة وما في صحيفتك خطيئة.

وقال عليه الصلاة والسلام: " ما من أحد يأتي يوم القيامة إلا وله من الذنوب، ما خلا يحيى بن زكريا، فإنه يلقى الله ولا ذنب عليه ".

وحكي عن بشر الحافي رضي الله عنه أنه رؤي في المنام بعد موته، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: رضي عني وأتحفني ورحمني وزوجني، وأطعمني طعاماً طيباً، وسقاني شراباً لذيذاً، وفرش لي فرشاً رطباً، وقال لي: نم كما كنت تسهر، واسرح كما كنت تشب، وافرح كما كنت تحزن، واشبع كما كنت تجوع،! واروى كما كنت تظمأ.

وقال عاصم رضي الله عنه: رأيت داود بن يحيى في المنام، فقلت: ما فعل الله بأحمد بن حنبل، وعبد الوهاب بن الوراق، قال: تركتهما الساعة بين يدي الله تعالى، يأكلان ويشربان على مائدة من موائد الجنة من نور. قلت: فما فعل الله

ص: 60

بابن المبارك؟ قال: هو يسلم على ربه كل يوم مرتين.

وقال أسدين موسى رضي ا. لله عنه: رأيت مالك بن دينار رضي الله عنه في النوم بعد موته وعليه ثياب خضر وهو على ناقة تطير به بين السماء والأرض، فقلت له: يا عبد الله، كيف كان قدومك على ربك؟ قال: قدمت على ربي وأكرمني وكلمني، وقال لي: سلني أعطيك، وتمنى علي أرضيك، فقلت: يا رب أسألك الرضا عني، فقال: قد رضيت عنك.

وقال ثابت البناني رضي الله عنه: ما زلت مشوق نفسي إلى الله عز وجل وهي تبكي حتى رأيتها لقيته وهي تضحك.

وقيل: إن أبا عبيدة الخواص رضي الله عنه لم يضحك منذ أربعين سنة، ولا رفع رأسه إلى السماء حياء من الله تعالى.

وقيل: إن سفيان رضي الله عنه بكى خمسين سنة حتى عمي، فأوحى الله تعالى إليه: يا سفيان، مم بكاؤك؟ إن كان شوقاً إلى الجنة فقد أبحتك إياها، وإن كان خوفاً من النار فقد أنجيتك. فقال: يا رب لا خوفاً ولا فزعاً من النار، ولا شوقاً إلى الجنة، ولكن شوقاً إلى لقائك. فقال: وعزتي وجلالي لأرسلن إليك عبداً من عبيدي يخدمك عشر سنين، ثم أخلي بينك وبينه بحراً من نار يخوضه شوقاً إليك، ثم أتجلى له وأكلمه فأكون قد كلمت من خدمك.

وقيل: إن بعض الأنبياء عليهم السلام بكى حتى عمي، وصام حتى انحنى، وقام حتى أقعد، وقال: وعزتك وجلالك لو كان بيني وبيتك بحر من نار لولجته شوقا إليك.

وكان فتح الموصلي رضي الله عنه يقول: قد طال شوقي إليك فعجل بقدومي عليك.

وقيل في المعنى شعر:

وحياة من ملكت يداه قيادي

لأخالفن على الهوى حسادي

ص: 61