المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ فتوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله تعالى - السلفيون وقضية فلسطين في واقعنا المعاصر

[مشهور آل سلمان]

الفصل: ‌ فتوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله تعالى

إثم القتل، وإثم ما فوَّت على المسلمين مما كانوا يقومون به من جَلْب المصالح ودَرْء المفاسد» .

قال: «وكذلك من قتل أباه، أَثِمَ إثْمَ القتل وإثْمَ العقوق؛ لتحقيقه المفسدتين بفعل واحد» (1) .

*‌

‌ نماذج من فتاوى علماء العصر الربانيين

ثامناً: هذه نماذج من فتاوى علماء العصر، يظهر من خلالها أن المنع لما يترتب على هذه الفتاوى من أضرار، فأطلق المانعون الحرمة لهذا الاعتبار، لا لحرمة العدو، إو إقراراً له على احتلاله واغتصابه، وقتله وبطشه! ويمكن أن نجعل هذه المحاذير بمثابة قيود للحل! فتضيق الهوة بين المختلفين، وتتقارب وجهات نظرهم، وينحصر (2) الخلاف بينهم!

*‌

‌ فتوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله تعالى

-

للشيخ ابن عثيمين رحمه الله كلام في أكثر من مكان على هذه العمليات، المتأمل فيه يجد أن الشيخ يمنع العمليات القائمة في بلاد فلسطين وغيرها، تقديراً منه على أن الأضرار فيها غالبة على وجه ظاهر عنده، ومن أنعم النظر في كلامه يجد أن هذه العمليات -عنده- لها وجود بقيود في الشرع، فإدراجه ضمن المانعين لها بإطلاق ليس بصحيح (3) .

قال في «شرح رياض الصالحين» (1/165-166) في شرح حديث قصة أصحاب الأخدود، محدِّداً الفوائد المستنبطة منه: «إن الإنسان يجوز أن يغرر بنفسه في مصلحة عامَّة للمسلمين، فإن هذا الغلام دلَّ الملك على أمر يقتله به

(1)«قواعد الأحكام» (1/180، 181-182 - ط. القلم) .

(2)

نعم؛ ينحصر، ولكن لا يتلاشى.

(3)

كما فعل الدكتور محمد طعمة القضاة في «المغامرة بالنفس في القتال» (ص 38) وغيره.

ص: 56

ويهلك به نفسه، وهو أن يأخذ سهماً من كنانته

إلخ.

قال شيخ الإسلام: «لأنَّ هذا جهاد في سبيل الله، آمَنَت أمَّة وهو لم يفتقد شيئاً؛ لأنَّه مات، وسيموت آجلاً أو عاجلاً» .

فأمَّا ما يفعله بعض الناس من الانتحار، بحيث يحمل آلات متفجرة ويتقدّم بها إلى الكفار، ثم يفجرها إذا كان بينهم، فإن هذا من قتل النفس والعياذ بالله، ومن قتل نفسه فهو خالد مخلد في نار جهنم أبد الآبدين، كما جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام (1) .

لأن هذا قتل نفسه لا في مصلحة الإسلام؛ لأنه إذا قتل نفسه وقتل عشرة أو مئة أو مئتين، لم ينتفع الإسلام بذلك، فلم يُسلم الناس، بخلاف قصة الغلام، وهذا ربما يتعنت العدو أكثر ويُوغر صدره هذا العمل، حتى يفتك بالمسلمين أشدّ فتك.

كما يوجد من صنع اليهود مع أهل فلسطين، فإن أهل فلسطين إذا مات الواحد منهم بهذه المتفجرات، وقتل ستة أو سبعة، أخذوا من جراء ذلك ستين نفراً أو أكثر، فلم يحصل في ذلك نفع للمسلمين، ولا انتفاع للذين فُجرت المتفجرات في صفوفهم.

ولهذا نرى أنَّ ما يفعله بعض الناس من هذا الانتحار، نرى أنه قتل للنفس بغير حق، وأنَّه مُوجب لدخول النار -والعياذ بالله-، وأن صاحبه ليس بشهيد، لكن إذا فعل الإنسان هذا متأولاً ظاناً أنه جائز، فإننا نرجو أن يَسلَم من الإثم، وأمَّا أن تكتب له الشهادة فلا؛ لأنه لم يسلك طريق الشهادة، ومن اجتهد وأخطأ فله أجر» انتهى كلامه.

إذاً؛ الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يرى أن النتائج المترتبة على هذه

ص: 57

العمليات، هي التي تقرر مشروعيتها من عدمها، وأن في تقدير الشيخ أن ما يقوم به أهل فلسطين ممنوع؛ لما يترتب عليه من آثار سيئة في حق سائر أفراد الشعب، وقد صرح بذلك في «اللقاء الشهري» (20)، وهذا نص السؤال والجواب بالحرف:

«السؤال: فضيلة الشيخ! علمت -حفظك الله- ما حصل في يوم الأربعاء من حادث قُتل فيه أكثر من عشرين يهودياً على يد أحد المجاهدين، وجرح فيه نحو خمسين، وقد قام هذا المجاهد فلفّ على نفسه المتفجرات، ودخل في إحدى حافلاتهم ففجَّرها، وهو إنما فعل ذلك:

أولاً: لأنه يعلم أنه إن لم يقتل اليوم قُتل غداً؛ لأنّ اليهود يقتلون الشباب المسلم هناك بصورة منتظمة.

ثانياً: إن هؤلاء المجاهدين يفعلون ذلك انتقاماً من اليهود الذين قتلوا المصلين في المسجد الإبراهيمي (1) .

ثالثاً: إنهم يعلمون أن اليهود يخططون هم والنصارى للقضاء على روح الجهاد الموجودة في فلسطين.

والسؤال هو: هل هذا الفعل منه يعتبر انتحاراً أو يعتبر جهاداً؟ وما نصيحتك في مثل هذه الحال، لأننا إذا علمنا أن هذا أمر محرّم لعلنا نبلغه إلى إخواننا هناك، وفقك الله؟

الجواب: هذا الشاب الذي وضع على نفسه اللباس الذي يقتل، أول من يقتل نفسه، فلا شك أنه هو الذي تسبب في قتل نفسه، ولا يجوز مثل هذه الحال إلا إذا كان في ذلك مصلحة كبيرة للإسلام، فلو كانت هناك مصلحة

(1) قام يهوديٌّ حاقد، اسمه (جولدشتاين) بقتل أكثر من خمسة وثلاثين مصلياً في المسجد الإبراهيمي بالخليل، أثناء أدائهم لصلاة الفجر من يوم الجمعة 15/رمضان/ 1414هـ.

ص: 58

كبيرة ونفع عظيم للإسلام، كان ذلك جائزاً.

وقد نص شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على ذلك، وضرب لهذا مثلاً بقصة الغلام، الغلام المؤمن الذي كان في أمة يحكمها رجل مشرك كافر، فأراد هذا الحاكم المشرك الكافر أن يقتل هذا الغلام المؤمن، فحاول عدة مرات، مرة ألقاه من أعلى جبل، ومرة ألقاه في البحر، ولكنه كلما حاول ذلك نجى الله ذلك الغلام، فتعجب هذا الملك الحاكم، فقال له الغلام يوماً من الأيام: أتريد أن تقتلني؟ قال: نعم، وما فعلت هذا إلا لقتلك، قال: اجمع الناس في صعيد واحد، ثم خذ سهماً من كنانتي، واجعله في القوس، ثم ارمني به، قل: بسم الله ربّ الغلام. وكانوا إذا أرادوا أن يسموا، قالوا: باسم الملك، لكن قال له: قل: بسم الله رب هذا الغلام.

فجمع الناس في صعيد واحد، ثم أخذ سهماً من كنانته، ووضعه في القوس، وقال: بسم رب هذا الغلام، وأطلق القوس، فضربه، فهلك، فصاح الناس كلهم: الرب ربّ الغلام، والربّ ربّ الغلام، وأنكروا ربوبية هذا الحاكم المشرك؛ لأنهم قالوا هذا الرجل الحاكم فعل كل ما يمكن أن يهلك به هذا الغلام، ولم يستطع إهلاكه، ولما جاءت كلمة واحدة: بسم الله رب هذا الغلام، هلك، إذاً مدبر الكون؛ هو: الله، فآمن الناس.

يقول شيخ الإسلام: هذا حصل فيه نفع كبير للإسلام.

وإن من المعلوم، أن الذي تسبب في قتل نفسه هو هذا الغلام لا شك، لكنه حصل بهلاك نفسه نفع كبير؛ آمنت أمة كاملة، فإذا حصل مثل هذا النفع، فللإنسان أن يفدي دينه بنفسه، أما مجرد قتل عشرة أو عشرين دون فائدة، ودون أن يتغير شيء ففيه نظر، بل هو حرام، فربما أخذ اليهود بثأر هؤلاء فقتلوا المئات، والحاصل أن مثل هذه الأمور تحتاج إلى فقه وتدبر، ونظر في العواقب، وترجيح أعلى المصلحتين ودفع أعظم المفسدتين، ثم بعد ذلك تقدّر

ص: 59

كل حالة بقدرها» (1) .

وسئل الشيخ -رحمه الله تعالى- بما يلتقي مع الجوابين السابقين، وفيه زيادة في حكم من فعل ذلك مجتهداً وقد أخطأ في تقدير المصالح والمفاسد، وهذا نص السؤال والجواب:

السؤال: ما الحكم الشرعي فيمن يضع المتفجرات في جسده، ويفجر نفسه بين جموع الكفار نكاية بهم؟ وهل يصح الاستدلال بقصة الغلام الذي أمر الملك بقتله؟

الجواب: «الذي يجعل المتفجرات في جسمه من أجل أن يضع نفسه في مجتمع من مجتمعات العدو، قاتل لنفسه، وسيعذب بما قتل به نفسه في نار جهنم خالداً فيها مخلداً، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمن قتل نفسه في شيء يعذب به في نار جهنم.

وعجباً من هؤلاء الذين يقومون بمثل هذه العمليات، وهم يقرؤون قول الله -تعالى-:{وَلَا تَقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} ، ثم فعلوا ذلك، هل يحصدون شيئاً؟ هل ينهزم العدو؟! أم يزداد العدو شدة على هؤلاء الذين يقومون بهذه التفجيرات، كما هو مشاهد الآن في دولة اليهود، حيث لم يزدادوا بمثل هذه الأفعال إلا تمسكاً بعنجهيتهم، بل إنا نجد أن الدولة اليهودية في الاستفتاء الأخير نجح فيها (اليمينيون) الذين يريدون القضاء على العرب.

ولكن من فعل هذا مجتهداً ظاناً أنه قربة إلى الله عز وجل فنسأل الله -تعالى- ألا يؤاخذه؛ لأنه متأول جاهل

وأما الاستدلال بقصة الغلام، فقصة الغلام حصل فيها دخول في الإسلام، لا نكاية في العدو، ولذلك لما جمع الملك الناس، وأخذ سهماً من كنانة

(1) جريدة «الفرقان» الكويتية، 28 صفر/العدد (145)(ص 20-21) .

ص: 60