المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌تمهيد: تعريف السنة لغةً واصطلاحاً أ - السنة لغةً: السنة: الطريقة، كذا في - السنة النبوية وحي - شيخة بنت مفرج

[شيخة بنت مفرج المفرج]

الفصل: ‌ ‌تمهيد: تعريف السنة لغةً واصطلاحاً أ - السنة لغةً: السنة: الطريقة، كذا في

‌تمهيد:

تعريف السنة لغةً واصطلاحاً

أ - السنة لغةً:

السنة: الطريقة، كذا في القاموس (1) ، ولسان العرب (2) .

وقال صاحب اللسان نقلاً عن شمر: ((السنة في الأصل سنة الطريق، وهو طريق سنه أوائل الناس فصار مسلكاً لمن بعدهم)) .

إذاً فالسنة في اللغة: الطريقة محمودة ً كانت أو مذمومة، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم "من سَنَّ سُنَّةً حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سَنَّ سُنَّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة"(3) ، ومنه حديث "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا ًبشبر وذراعاً بذراع"(4) .

(1) القاموس المحيط مادة: سنن ص 1558.

(2)

لسان العرب مادة: سنن 3/2124.

(3)

أخرجه مسلم في صحيحه 4/2059، كتاب العلم باب من سن سنة حسنة أو سيئة ح15، (1017) .

(4)

أخرجه البخاري كما في الفتح 6/495، وكتاب أحاديث الأنبياء باب ذكر بني إسرائيل ح3456، وأخرجه مسلم 4/2054 كتاب العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى ح 6 (2669) .

ص: 3

كلمة السنة واستعمالاتها في القرآن الكريم:

1) قال الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النساء:26]

قال ابن كثير (1) في معنى الآية: يعني طرائقهم الحميدة واتباع شرائعه التي يحبها ويرضاها.

2) وقال تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ}

[الأنفال:38]

قال ابن كثير: «أي قد مضت سنتنا في الأولين.....» (2)

3) وقال تعالى: {سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً} [الإسراء:77]

قال ابن كثير: «سنة من قد أرسلنا - الآية: أي هكذا عادتنا في الذين كفروا برسلنا وآذوهم..» (3)

4) وقال تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً}

[الفتح:23]

وقال ابن كثير: «أي هذه سنة الله وعادته في خلقه» (4)

ويستخلص من النصوص القرآنية أن الكلمة قد استعملت في القرآن الكريم بمعنى الطريقة والعادة.

(1) تفسير ابن كثير 2: 233 سورة النساء.

(2)

تفسير ابن كثير 3: 596 سورة الأنفال.

(3)

تفسير ابن كثير 5: 982 سورة الإسراء.

(4)

تفسير ابن كثير 7: 323 سورة الفتح.

ص: 4

كلمة السنة وبعض استعمالاتها في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم:

1) روى عطاء بن يسار عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لتتبِعُنَّ سَنَنَ من كان قبلكم شبرا ًبشبر وذراعاً بذراع". (1)

قال ابن حجر في شرحه: لتتبعن ((سنن)) بفتح المهملة أي طريق. (2)

2) قال «حميد بن أبي حميد الطويل: أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني"(3)

قال ابن حجر: "فمن رغب عن سنتي فليس مني"، المراد بالسنة الطريقة، لا التي تقابل الفرض.....» . (4)

3) قال ابن بريدة: «حدثني عبد الله المزني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلوا قبل صلاة المغرب - قال في الثالثة - لمن شاء، كراهية أن يتخذها الناس سنة"(5)

قال ابن حجر: ومعنى قوله: سنة أي شريعة وطريقة لازمة. (6)

(1) أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح 6/495 كتاب أحاديث الأنبياء، باب ذكر بني إسرائيل ح 3456.

(2)

فتح الباري 6: 498.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح 9/104، كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح، ح 5063، وأخرجه مسلم 2/1020 كتاب النكاح، باب استحباب النكاح ،ح 5 (1401)

(4)

فتح الباري 9: 105.

(5)

أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح 3/60، كتاب التهجد، باب الصلاة قبل المغرب، ح 1183.

(6)

فتح الباري 3: 60.

ص: 5

4) قال جرير بن عبد الله رضي الله عنه: "جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليهم الصوف، فرأى سوء حالهم، قد أصابتهم حاجة، فحث الناس على الصدقة، فأبطؤوا عنه ،حتى رؤي ذلك في وجهه، قال: ثم إن رجلا من الأنصار جاء بصرة من ورق، ثم جاء آخر، ثم تتابعوا حتى عرف السرور في وجهه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سَنَّ في الإسلام سنة حسنة، فعل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سَنَّ في الإسلام سنةً سيئة فعل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء"(1) .

5) روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه"(2)

6) قال سالم "كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يفتي بالذي أنزل الله عز وجل من الرخصة بالتمتع وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه: فيقول ناس لابن عمر: كيف تخالف أباك؟ وقد نهى عن ذلك، فيقول لهم عبد الله: ويلكم ألا تتقون الله. إن كان عمر نهى عن ذلك فيبتغي فيه الخير، يلتمس به تمام العمرة، فلم تحرمون ذلك؟ وقد أحلَّه الله وعمل به

(1) أخرجه مسلم 4/2059 ،كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة ح 15 (1017) .

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح 12/210 كتاب الديات، باب من طلب دم امرئ بغير حق ،ح 6882.

ص: 6

رسول الله صلى الله عليه وسلم. أفرسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبعوا سنته أم سنة عمر؟ " (1)

في ضوء هذه النصوص يمكن القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل كلمة «السنة» بمعناها اللغوي أي الطريقة.

ونجد في دواوين السنة عشرات النصوص وردت فيها كلمة السنة وهي في معناها لا تخرج عن الطريقة والسيرة المتبعة.

قال ابن الأثير في النهاية: قد تكرر في الحديث ذكر «السنة» وما تصرف منها.

والأصل فيها الطريقة والسيرة، وإذا أطلقت في الشرع فإنما يراد بها ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ونهى عنه وندب إليه قولا وفعلا، مما لم ينطق به الكتاب العزيز ولهذا يقال في أدلة الشرع: الكتاب، والسنة، أي: القرآن والحديث. (2)

كلمة السنة في دواوين العرب:

1-

قال خالد بن عتبة الهذلي:

فلا تجزعن من سنة أنت سرتها

وأول راض سنة من يسيرها

فإن التي فينا زعمت ومثلها

لفيك، ولكني أراك تجورها

2-

وقال لبيد (أحد أصحاب المعلقات) :

من معشر سنت لهم آباؤهم

ولكل قوم سنة وإمامها

(1) أخرجه أحمد بن حنبل في المسند 2: 95 مسند عبد الله بن عمر، قال أحمد شاكر في تحقيقه للمسند ح5700: إسناده صحيح.

(2)

النهاية 2: 409، مادة (سنن) .

ص: 7

3-

وقال حسان بن ثابت:

إن الذوائب من فهر وإخوتهم

قد بينوا سنة للناس تتبع

4-

وقال الفرزدق:

فجاء بسنة العمرين فيها

شفاء للصدور من السقام

في ضوء النصوص السابقة، يمكننا أن نقول: أن كلمة السنة استعملها الشعراء في الجاهلية والإسلام بمعناها اللغوي، أي الطريقة المتبعة سواء كانت حسنة أو قبيحة.

خلاصة القول:

لقد استعمل الجاهليون كلمة السنة في قصائدهم بمعنى الطريقة

واستعملت في القرآن بمعنى الطريقة والعادة، والمعنى كما رأينا راجع إلى الأول. واستعملها الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى كما رأينا في حديث ابن عمر.

ونقلت الكلمة من عمومها هذا إلى المعنى الاصطلاحي الآتي ذكره عند المسلمين وأضيف إليها (أل التعريف) أي طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته. وليس معنى هذا أن معناها اللغوي قد بطل أو انعدم، بل بقي استعمالها ولكن في نطاق ضيق (1) .

(1) تم جمع مادة المعنى اللغوي بتصرف من كتاب: دراسات في الحديث النبوي للأعظمي، وكتاب: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي للسباعي.

ص: 8

ب- السنة اصطلاحاً:

يختلف معنى السنة في اصطلاح أهل الشرع حسب اختلاف فنونهم وأغراضهم، فهي عند الأصوليين غيرها عند المحدثين والفقهاء. ولذلك نرى مدلول معناها من خلال أبحاثهم.

(1)

فعلماء الحديث إنما بحثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الإمام الهادي، الذي أخبر عنه أنه أسوة لنا وقدوة، فنقلوا كل ما يتصل به من سيرة، وخلق، وشمائل، وأخبار، وأقوال، وأفعال، سواء أثبت ذلك حكما شرعيا أم لا.

إذاً السنة في اصطلاح المحدثين هي:

كل ما أُثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة خَلْقية أو خُلُقية، أو سيرة سواء أكان ذلك قبل البعثة كتحنثه في غار حراء، أم بعدها. والسنة بهذا المعنى مرادفة للحديث النبوي.

(2)

وعلماء الأصول إنما بحثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المشرع الذي يضع القواعد للمجتهدين من بعده، ويبين للناس دستور الحياة، ولذلك عنوا بأقواله، وأفعاله، وتقريراته التي تثبت الأحكام وتقررها.

إذاً السنة في اصطلاح الأصوليين هي:

ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير.

فمثال القول:

ما تحدث به النبي صلى الله عليه وسلم في مختلف المناسبات مما يتعلق بتشريع الأحكام

ص: 9

كقوله عليه الصلاة والسلام "إنما الأعمال بالنيات"(1) . وقوله: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا"(2) .

ومثال الفعل:

ما نقله الصحابة من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في شؤون العبادة وغيرها، كأداء الصلوات، ومناسك الحج، وآداب الصيام، وقضائه بالشاهد واليمين.

ومثال التقرير:

ما أقره الرسول صلى الله عليه وسلم من أفعال صدرت عن بعض أصحابه بسكوت منه مع دلالة الرضا، أو بإظهار استحسان وتأييد.

فمن الأول، إقراره عليه الصلاة والسلام لاجتهاد الصحابة في أمر صلاة العصر في غزوة بني قريظة حين قال لهم "لا يُصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة"(3) فقد فهم بعضهم هذا النهي على حقيقته فأخرها إلى ما بعد المغرب، وفهمه بعضهم على أن المقصود حث

(1) أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح1/9، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ح1 وأخرجه مسلم 3/1515، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنية".... الخ، ح 155 (1907) .

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح 4/328، كتاب البيوع باب البيعان بالخيار مالم يتفرقا،ح 2110، وأخرجه مسلم 3/1164، كتاب البيوع، باب الصدق في البيع والبيان، ح 47 (1532) .

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح 7/407، وكتاب المغازي، باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلممن الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته إياهم، ح 4119، وأخرجه مسلم 3/1391، كتاب الجهاد والسير، باب المبادرة بالغزو....إلخ ح 69 (1770) .

ص: 10

الصحابة على الإسراع فصلاها في وقتها، وبلغ النبي ما فعل الفريقان فأقرهما ولم ينكر عليهما.

ومن الثاني: ما روي أن خالد بن الوليد رضي الله عنه أكل ضباً قُدِّم إلى النبي صلى الله عليه وسلم دون أن يأكله، فقال له بعض الصحابة: أوَيحرم أكله يا رسول الله؟ فقال: "لا، ولكنه ليس في أرض قومي فأجدني أعافه"(1) .

وقد تطلق السنة عندهم على ما دل عليه دليل شرعي، سواء كان ذلك في الكتاب العزيز، أو عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو اجتهد فيه الصحابة، كجمع المصحف وحمل الناس على القراءة بحرف واحد، وتدوين الدواوين، ويقابل ذلك «البدعة» ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي"(2) .

(3)

وعلماء الفقه إنما بحثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي تدل أفعاله على حكم شرعي، وهم يبحثون عن حكم الشرع في أفعال العباد وجوبا، أو حرمة، أو إباحة، أو غير ذلك. إذاً فالسنة في اصطلاح الفقهاء: هي ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير افتراض ولا وجوب، وتقابل الواجب وغيره من الأحكام الخمسة، وقد تطلق عندهم على ما يقابل البدعة، ومنه قولهم: طلاق السنة كذا، وطلاق البدعة كذا.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح 9/663، كتاب الذبائح والصيد، باب الضب، ح 5537 وأخرجه مسلم 3/1543، كتاب الصيد والذبائح، باب إباحة الضب، ح 43 (1945) .

(2)

أخرجه أبو داود 5/13 كتاب السنة، باب في لزوم السنة،ح 4607 والترمذي 5/44 كتاب العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة، واجتناب البِدع، ح 2676.

ص: 11

ومرد هذا الاختلاف في الاصطلاح إلى اختلافهم في الأغراض التي يُعنى بها كل فئة من أهل العلم.

فعلماء الحديث إنما بحثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الإمام الهادي الذي أخبر الله عنه أنه أسوة لنا وقدوة، فنقلوا كل ما يتصل به من سيرة وخلق وشمائل وأخبار وأقوال وأفعال، سواء أثبت ذلك حكماً شرعياً أم لا.

وعلماء الأصول إنما بحثوا عن رسول الله الذي يضع القواعد للمجتهدين من بعده، ويبين للناس دستور الحياة، فعنوا بأقواله وأفعاله وتقريراته التي تثبت الأحكام وتقررها.

وعلماء الفقه إنما بحثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لاتخرج أفعاله عن الدلالة على حكم شرعي، وهم يبحثون عن حكم الشرع على أفعال العباد وجوباً أو حرمةً أو إباحةً أو غير ذلك.

ونحن هنا نريد بالسنة ما عناه الأصوليون، لأنها - بتعريفهم - هي التي يبحث عن حجيتها ومكانتها في التشريع (1) .

(1) مادة التعريف الشرعي للسنة أخذت بتصرف من كتاب: السنة قبل التدوين للخطيب، وكتاب السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي للسباعي.

ص: 12