المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أ - مجالس النبي صلى الله عليه وسلم العلمية: - السنة النبوية وحي - شيخة بنت مفرج

[شيخة بنت مفرج المفرج]

الفصل: ‌أ - مجالس النبي صلى الله عليه وسلم العلمية:

‌أ - مجالس النبي صلى الله عليه وسلم العلمية:

لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم مدرسة مشيدة ولا معهد للتعليم يجلس فيه إلى أصحابه، بل كانت مجالسه العلمية كيفما اتفق فهو في الجيش معلم وواعظ يلهب القلوب بوعظه ويحمس الجنود بقوله وهو في السفر مرشد وهاد وهو في البيت يعلم أهله، وهو في المسجد مدرس وخطيب وقاض ومفت، وهو في الطريق يستوقفه أضعف الناس ليسأله عن أمر دينه فيقف، وهو على كل أحواله مرشد وناصح ومعلم، إلا أنه كثيراً ما يعقد لأصحابه المجالس العلمية بالمسجد حيث يجتمعون فيه في أغلب الأوقات لأداء فريضة الصلاة فكان يتخولهم بالموعظة والدرس تلو الدرس حتى لا يملوا ويسأموا، فعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال "كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا"(1) . وفي هذه المجالس كان صلى الله عليه وسلم يفيض على أصحابه من الكلم الطيب والعلم النافع والهدى الرشيد ما يشرح صدورهم ويفعم قلوبهم، وكانوا يحضرون أولادهم مجالس الرسول صلى الله عليه وسلم لسماع حديثه والتأدب بآدابه وكان عليه السلام كثيراً ما يستفتى فيفتي، أو يسأل فيجيب، أو تقع أمامه الحادثة فيكشف عن حكم الله فيها، أو تنزل عليه الآية من القرآن فيفصح عن مراد الله منها، أو يقع من بعض الصحابة عمل لم يكن يعرف حكمه فيسكت إيذاناً منه بأنه جائز في الدين.

(1) أخرجه البخاري كما في الفتح 1/162، كتاب العلم، باب ما كان النبيصلى الله عليه وسلميتخولهم بالموعظة

إلخ، وأخرجه مسلم 4/2172 كتاب صفات المنافقين، باب الاقتصاد في الموعظة ح 82 (2821) .

ص: 22

ولاتظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ملكاً محجوباً عن رعيته أو سلطاناً مترفعاً عن الاختلاط بأفراد أمته، بل كان على عكس ذلك متقلباً بين ظهرانيهم يبلغ رسالة ربه ويعود مرضاهم ويشيع موتاهم ويفصل في قضاياهم ويفض منازعاتهم ويقضي على اختلافاتهم وهم في كل ذلك مقبلون عليه بآذان صاغية وقلوب واعية.

هذا ولم يكن الصحابة رضي الله عنهم في حضور مجالسه العلمية سواء، بل كان منهم من يلازمه ولا يتخلف عنه في الحضر ولا في السفر كما كان من أبى بكر وأبى هريرة رضي الله عنهما. وكان منهم من يتخلف عنه في بعض الأوقات لقضاء مصالحه المعيشية كزراعة أو تجارة أو نحوها أو الخروج في سرية إلى غير ذلك، ومع ذلك فكانوا حريصين على ما فاتهم من دروس النبي صلى الله عليه وسلم فإذا ما حضروا سألوا واستفسروا.

وكان من الصحابة من يشتد به الحرص على حديث رسول صلى الله عليه وسلم فيتناوب حضور مجالسه مع جار له يحضر هذا يوما وهذا يوما ثم يخبر كل منهما صاحبه عما سمعه في يومه فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه "أنه كان هو وجارٌ له من الأنصار يتناوبان مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبر كل منهما صاحبه بما رآه أو سمعه"(1) ، أما من بعدت عليهم الشُّقة فكانوا إذا نزلت بهم نازلة وأشكل عليهم حلها، فإنهم يضربون أكباد الإبل إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقفوا على حكم الله فيما عرض لهم من الحوادث وربما مكثوا في أسفارهم الأيام والليالي ذوات العدد.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح 1/185، كتاب العلم باب التناوب في العلم ح 89.

ص: 23

فعن عقبة بن الحارث أنه أخبرته امرأة بأنها أرضعته هو وزوجه فركب من فوره - وكان بمكة - قاصداً المدينة حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن حكم الله فيمن يتزوج امرأة لا يعلم أنها أخته من الرضاع ثم أخبرته بذلك من أرضعتهما فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "كيف وقد قيل"(1) ففارق زوجته لوقته.

علم النبي صلى الله عليه وسلم أن أصحابه سيخلفونه من بعده وسيقع على كاهلهم أمر الإرشاد والتعليم فأتى في دروسه التعليمية بأمور كان لها أكبر الأثر في توجيه الصحابة وتعليمهم كيف يضطلعون بمهمة التعليم فيما بعد، ولنذكر لك أمثلة من هديه التعليمي الذي كان مناراً اهتدى به أصحابه رضي الله عنهم.

كان من هديه التعليمي عليه السلام أنه إذا سئل عما لا يعلم يسكت منتظرا الوحي من الله بذلك، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه إذا قال كلمة أعادها ثلاثا حتى تفهم عنه وكان من هديه عليه السلام أنه ربما طرح المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم من العلم وليشحذ أذهانهم للفهم، وكان إذا سئل عن مسألة فأجاب عنها فإنه قد يفيض في مسائل أخرى لها مناسبة بالمقام أو صلة بالجواب فيستطرد بها ليفيد السائل والحاضرين علما جديداً.

وكان يتخولهم بالموعظة كراهة الملل حتى إن أصحاب ابن مسعود

(1) أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح 1/184، كتاب العلم، باب الرحلة في المسألة النازلة وتعليم أهله، ح 88.

ص: 24

طلبوا منه أن يحدثهم كل يوم فأبى وقال إنما نتخولكم بالموعظة كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا كراهة السآمة علينا. وكان صلى الله عليه وسلم يخص بعض أصحابه بالعلم دون بعض مخافة ألا يفهموا فيفتنوا. إلى غير ذلك من الأمثلة التي إذا تتبعناها في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلعنا منه على

خطة حكيمة في توجيه الصحابة حتى كانوا أساتذة في التعليم أمناء على أحكام الدين.

ص: 25