الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كالغسل والحيض والجماع ونحوها يلجؤون إلى أمهات المؤمنين ويرجعون إلى أقوالهن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبذلك يزول ما بينهم من خلاف.
هذا ولا ريب في أن نساءه صلى الله عليه وسلم كن على جانب عظيم من العلم فقد أمرهن الله تعالى بالاستقرار في بيوتهن ومُدَارسة القرآن والسنة في قوله: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33] إلى أن قال: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب:34]
لذا كان لأمهات المؤمنين أثر فعال في نشر السنة، ولولاهن لضاعت أحاديث وأحكام ما كنا لنطلع عليها من غيرهن ولاسيما الأفعال التي تقع بين النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه مما لا يمكن لأحد الاطلاع عليها والوقوف على أحكامها.
هـ- البعوث والوفود وأثرها في انتشار:
الحديث النبوي
1-
بعوثه صلى الله عليه وسلم وأثرها في نشر الحديث:-
بدأت الدعوة المحمدية سراً واستمرت على ذلك ثلاث سنوات، ثم أمر الله نبيه بأن يجهر بها بعد أن تكونت نواة صالحة من المسلمين، فما كان من قريش إلا أن ناصبوه العداء واستمر الأمر على ذلك حيناً من الزمن حتى دخل في الإسلام كثير من أهل المدينة فأمر الله نبيه بالهجرة إليها فانتقل إليها مع أصحابه وأصبحت المدينة من ذلك الوقت مهبط الوحي وقاعدة الإسلام. غزا منها النبي صلى الله عليه وسلم أعداء الدين وحدث
بها أكثر حديثه، إلا أن القتال كان حائلاً دون دخول كثير من القبائل في الإسلام كما كان مانعاً من وصول الدعوة إلى أطراف الجزيرة، فما أن وقع صلح الحديبية بين النبي صلى الله عليه وسلم وأهل مكة حتى أمن الناس بعضهم بعضا، وجالس بعضهم بعضا وتحدثوا في شأن هذا الدين الجديد، وفي ظل هذه الهدنة المباركة دخل كثير من العرب في الإسلام وبعث النبي صلى الله عليه وسلم بعوثه إلى القبائل المسلمة لتعليمهم السنن والأحكام، فبعث منهم إلى اليمن وإلى البحرين وإلى حضرموت وإلى عمان وغير ذلك من بلاد العرب.
كانت هذه البعوث رسل رحمة وهداية للناس بما حملوه إليهم من القرآن والسنة اللذين هما حياة النفوس والأرواح كما كانت هذه البعوث عاملاً مهماً في نشر حديث النبي صلى الله عليه وسلم بين المسلمين في أنحاء الجزيرة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخير لهذه المهمة من كان على جانب عظيم في العلم بالقرآن والسنن وكان يزودهم بحديثه الشريف وإرشاده الحكيم ويعلمهم كيف يدعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، انظر إلى قوله لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن:"إنك تأتي قوماً أهل كتاب فقل لهم إن الله فرض عليكم في اليوم والليلة خمس صلوات فإن هم أطاعوك فقل: إن الله فرض عليكم في السنة صوم شهر رمضان، فإن هم أطاعوك فقل: إن الله فرض عليكم حج البيت من استطاع إليه سبيلا، فإن أطاعوك فقل: إن الله فرض عليكم في أموالكم صدقة تؤخذ من أغنيائكم فترد في فقرائكم"(1) إلخ، وبطبيعة الحال كان المبعوث يبين أحكام كل ذلك بما سمعه من حديث
(1) أخرجه مسلم 1/50، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام ح 29 (19) .
النبي صلى الله عليه وسلم، وبسبب هذا الهدي النبوي آتت هذه البعوث ثمرتها الطيبة في نشر الحديث الشريف بين ربوع المسلمين.
2-
وفود القبائل إليه صلى الله عليه وسلم وأثر ذلك في نشر الحديث:-
لما تم لرسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الانتصارات الباهرة والفتوح المتكاثرة وفرغ من غزوة تبوك جاءته الوفود من أطراف الجزيرة العربية تضرب إليه أكباد الإبل يحفزها الشوق إلى لقاء هذا النبي الأمين ليأخذوا الدين من منبعه الأول، فقد عرفت هذه القبائل أنه لا طاقة لها بحرب محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن انضوت قريش تحت لواء الإسلام، وقريش هي في نظرهم لها لواء الإمامة والسيادة فدخلت هذه القبائل في الدين أفواجاً ووفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم زرافات ووحداناً مصداقاً لقوله تعالى:
جاءت الوفود تترى إلى رسول الله كما جاءته الكتب والرسل من الملوك تخبره بإسلامهم ومفارقتهم للشرك وأهله وكلما جاء وفد أكرمهم صلى الله عليه وسلم وأرشدهم وعرفهم أمر دينهم، وبشرهم إِنْ هم أطاعوه وحذرهم إن هم عصوه، وأفهمهم بما لهم وما عليهم، وكان قدوم الوفود سنة تسع من الهجرة، حتى سميت هذه السنة بسنة الوفود، ولم تكن هذه الوفود تأتي لنيل عطاء وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرمهم ويعطيهم من مال الله الذي آتاه، بل يأتون إليه فيسألون عن أحكام الإسلام، أصوله وفروعه وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتحدث إليهم في كل ذلك ويجيبهم عن أسئلتهم ويخطب فيهم ويرشدهم ويعلمهم ويوصيهم بتقوى الله والسمع والطاعة.
وإن من يقرأ السيرة النبوية يجد أن وفوداً كثيرة جداً أقبلت عليه صلى الله عليه وسلم
حتى كأنه لم تبق قبيلة من قبائل العرب إلا قدم منها وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد عرف الصحابة رضي الله عنهم تلك الوفود وفداً وفدا وحفظوا ما حدثهم به النبي صلى الله عليه وسلم من حديث وما خطبهم من خطب وما بثه فيهم من مواعظ ونصائح وأحكام وسنن حتى إنك لتجد كتب الحديث والسير والمغازي مملوءة بذكر هذه الوفود وما كان لها من أثر عظيم في نشر الدين والسنن سواء ما كان من هذه الوفود في سنة تسع وما كان قبلها. وهاك بعض الوفود التي أقبلت عليه صلى الله عليه وسلم:-
1-
وفد بني سعد بن بكر- وكان وافدهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم هو ضمام بن ثعلبة وفد على رسول الله سنة تسع من الهجرة ولما قدم المدينة وجد النبي صلى الله عليه وسلم جالساً بين أصحابه ولا يعرفه، فقال: أيكم ابن عبد المطلب؟ فأشاروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدنا منه وقال: "إني سائلك فمشدد عليك في المسألة، قال: سل عما بدا لك، فقال: يا محمد جاءنا رسولك فذكر لنا أنك تزعم أن الله أرسلك، قال: صدق، فقال أنشدك برب من قبلك وبرب من بعدك، قال: اللهم نعم، أنشدك بالله آلله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟، قال اللهم نعم، قال: وأنشدك بالله آلله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة؟، قال: اللهم نعم، قال: وأنشدك بالله آلله أمرك أن تأخد هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم نعم، فقال الرجل: آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي، وأنا ضمام بن ثعلبة"(1) ثم رجع ضمام إلى قومه فأسلموا جميعاً.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح 1/ 148، كتاب العلم، باب ما جاء في العلم، ح 63.
2-
وفد عبد القيس - لما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام وبيننا وبينك هذا الحي من مضر فمرنا بأمر فصل نُخبر به من وراءنا وندخل به الجنة وسألوه عن الأشربة فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع، أمرهم بالإيمان بالله وحده، قال: أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: شهادة أنَّ لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وأن تعطوا من المَغنم الخمس، ونهاهم عن أربع عن الحنتم والدباء والنقير والمزفت، وقال احفظوهن وأخبروا بهن من وراءكم" (1) .
من هذا ترى أن الوفود كانت تقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم لتنهل من معين العلم ولتتفقه في دين الله وتقف على أحكام الإسلام، ثم يرجعوا إلى أوطانهم يعلمون من وراءهم من قبائلهم وعشائرهم، فهذه الوفود إلى جانب البعوث التي كان يرسلها النبي صلى الله عليه وسلم إلى القبائل والملوك كان لها أكبر الأثر في نشر السنة النبوية في أنحاء الجزيرة العربية.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح 1/183، كتاب العلم، باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم وفد عبد القيس....إلخ ح 87.