الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يبلغ من هو أوعى له منه" (1) فدخول اللام على الفعل المضارع (يبلغ) يفيد الأمر، وهذا الأمر منه صلى الله عليه وسلم إنما كان حماية لهذا المصدر المهم من الضياع أو التحريف.
ج) ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: " بلغوا عني ولو آية"(2) ولم يقل عليه السلام حديثاً؛ لأن الأمر بتبليغ الحديث يفهم منه بطريقة الأولية، لأن السنة بيان وتفسير للقرآن (3) .
د) ومما يدل على حجية السنة بطريق التلميح والإشارة قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته، يأتيه الأمر من أمري، مما نهيت عنه أو أمرت به فيقول: لا ندري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه"(4) .
يقول الإمام الشافعي مؤكداً ذلك: وفي هذا تثبيت الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإعلامهم أنه لازم لهم، وإن لم يجدوا له نفس حكم في كتاب الله لأنه شرع (5) .
(1) رواه الإمام البخاري (67) في كتاب العلم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: رُبّ مبلغ أوعى من سامع. والإمام مسلم (1679) في كتاب القسامة، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض.
(2)
رواه الإمام البخاري (3641) في كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل.
(3)
انظر: مكانة السنة في التشريع الإسلامي / د. محمد لقمان (ص 76، 77) .
(4)
حديث صحيح. رواه الإمام أحمد (1/17) ، وأبو داود (4605) في كتاب السنة باب في لزوم السنة، والترمذي (2663) في كتاب العلم، باب ما نهي عنه أن يقال في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: حسن صحيح، وصححه ابن حبان برقم (13) .
(5)
انظر الرسالة / للإمام الشافعي (ص 217) .
المطلب الثالث: ثبوت حجية السنة بإجماع الآمة
…
المطلب الثالث: إثبات حجية السنة بالإجماع
أجمع المسلمون من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الآن على حجية السنة، وعدِّها مصدراً من مصادر التشريع الإسلامي، ولم يخالف في ذلك إلا من
اتبع سبيل غير المؤمنين. وقد نقل هذا الإجماع جمع كثير من أهل العلم المحققين (1)، فعلى سبيل المثال يقول العلامة القاسمي:((انتهى العلماء المحققون إلى أن الحديث الصحيح حجة على جميع الأمة، وأيدوا رأيهم هذا بالآيات القرآنية التي تفرض على المؤمنين اتباع الرسول عليه السلام، والتسليم لحكمه، ورأوا مَنْ يحكي خلاف هذا المذهب غيرَ خليقٍ بالانتساب إلى العلم وأهله، وإن نسب نفسه أو نَسَبَتْه العامة إلى سعة المعرفة والتفقه في الدين)) (2) .
ويحسن بنا أن ننقل هذا الإجماع مفصلاً عن الصحابة والتابعين والأئمة والفقهاء وذلك من خلال ما يلي:
أولاً: نصوص في وقوع الإجماع من الصحابة رضوان الله عليهم تثبت حجية السنة النبوية:
كان الصحابة رضوان الله عليهم في حياته صلى الله عليه وسلم يتبعون كل ما صدر منه في الأحكام الشرعية، لا يختلف في ذلك واحد منهم، فيقبلون بتسليم عام بأقواله، واتباع كامل لأفعاله (3)،ومن أمثلة ذلك:
(1) انظر: إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول / للإمام الشوكاني (ص 33) ط. الحلبي وشركاه 1356?. والإحكام في أصول الإحكام (ص 87) وعلوم الحديث ومصطلحه / د. صبحي الصالح (ص 291) دار العلم للملايين - بيروت ط. الأولى 1378?، وأصول الأحكام الإسلامية د. أبو السعود عبد العزيز موسى (ص 101) ط 1413? ومكانة السنة في التشريع الإسلامي / د. محمد لقمان (ص 97) .
(2)
انظر: قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث/ للعلامة القاسمي (ص263) مطبعة ابن زيدون- دمشق 1353 ?.
(3)
انظر: تفسير الطبري / للإمام محمد بن جرير الطبري (4/150) بيروت. وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (2/190) المكتبة العلمية – المدينة المنورة.
أ) اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتماً من ذهب - أو فضة - وجعل فصّه مما يلي كفه، ونقش فيه: محمد رسول الله، فاتخذ النّاس مثله، فلمّا رآهم قد اتخذوها رمى به، وقال: لا ألبسه أبداً. ثم اتخذ خاتماً من فضة فاتخذ الناس خواتيم الفضة. (1)
ب) ومما يدلُّ على حجية السنة بإجماع الصحابة في حياته صلى الله عليه وسلم ما رواه البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قبل بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر، وصلى معه قوم. فخرج رجل ممن صلى معه، فمرّ على أهل مسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبلَ مكة، فداروا كما هم قِبلَ البيت (2) .
ج) ومما يدلُّ على وقوع الإجماع من الصحابة رضوان الله عليهم، رجوع الصدِّيق أبي بكر رضي الله عنه في ميراث الجدة إلى السنة النبوية (3) .
د) رجوع الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه في دية العاقلة إلى السنة النبوية (4) . وكان رضي الله عنه يقول: ((سيأتي قوم يجادلوكم
(1) إشارة إلى حديث رواه الإمام البخاري (5866) في كتاب اللباس، باب خاتم الفضة.
(2)
رواه الإمام البخاري (41) في كتاب الإيمان، باب الصلاة من الإيمان.
(3)
انظر: موطأ الإمام مالك (2/513) كتاب الفرائض، باب ميراث الجدة، وسنن أبي داود (2894) كتاب الفرائض، باب ميراث الجدة، وسنن الترمذي (2101) كتاب الفرائض، باب ما جاء في ميراث الجدة والحديث صححه ابن حبان برقم (6031)، وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص 3/82: إسناده صحيح لثقة رجاله، إلا أنه صورته مرسل. انظر: النص كاملاً في هذا المبحث (صـ 33) .
(4)
انظر: مسند أحمد (3/452) ، وسنن أبي داود (2927) كتاب الفرائض، باب في المرأة ترث من دية زوجها، وسنن الترمذي (1415) كتاب الديات باب ما جاء في المرأة هل ترث من دية زوجها (2110) وكتاب الفرائض، باب، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم..
بشبهات القرآن فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله)) (1) .
?) قضاء عثمان بن عفان رضي الله عنه بالسنة النبوية، في بيان مكان مكوث المرأة المتوفى عنها زوجها، أثناء العدة (2) .
ثانياً: وقوع الإجماع من التابعين:
سلك التابعون مسلك الصحابة - رضوان الله عليهم - في لزوم سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فعلى سبيل المثال:
أ) يقول الإمام مطرف بن عبد الله بن الشخير: والله ما نريد بالقرآن بدلاً ولكن نريد من هو أعلم بالقرآن منا (3) . يقصد به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ب) وكان الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يقول: إن رأس القضاء اتِّباعُ ما في كتاب الله، ثم القضاء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (4) .
ج) أما الإمام إسحاق بن راهويه فكان يقول: مَنْ بلغه عن رسول الله
(1) رواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/122 رقم (203)، وانظر: جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (2/231) .
(2)
رواه الإمام مالك في الموطأ 1/591 في كتاب الطلاق، باب مقام المتوفى عنها زوجها في بيتها حتى تحل، ومن طريقه رواه الإمام أحمد 2/53-54، وأبو داود (2300) في كتاب الطلاق، باب في المتوفى عنها زوجها، والترمذي (1204) في كتاب الطلاق، باب ما جاء أين تعتد المتوفى عنها زوجها؟ وصححه ابن حبان (4292) ، والحاكم في المستدرك 2/208 ووافقه الذهبي.
(3)
انظر: جامع بيان العلم (2/30) .
(4)
انظر: مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة / للإمام السيوطي (ص 21) دار السلام، ط. الأولى.