الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم
-:
موضوع قديم، قتله العلماء بحثاً، ولم يترك الأوائل للأواخر بشأنه شيئاً، وخلاصته أنهم اختلفوا: فمنهم من لم يُجِزْ له صلى الله عليه وسلم الاجتهاد، واعتبر ما ورد من ذلك صورة اجتهاد، وليس اجتهاداً في الواقع والحقيقة؛ لأنَّ الله معه صلى الله عليه وسلم وهو مع الله؛ ولأنه في جُلِّ أوقاته صلى الله عليه وسلم يناجي مَنْ لا نُناجي، وإلهامه وحي ورؤيا منامه وحي، والقرآن يقول:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (1). ويفسِّرون ما ظاهره الرأي، وما ظاهره المشورة، وما ظاهره قبول رأي الآخرين، وما ظاهره الخطأ في الرأي والرجوع إلى قول الغير بأنَّ ذلك اجتهاد في الظاهر لتدريب الأمَّة على البحث والتفكير والاجتهاد في الأسباب والأخذ بالمشورة، وحقيقته: أنَّ الله يوحي إليه أنْ قُلْ كذا وسيقول لك فلان كذا فقُلْ له كذا وسنطبق هذا القول على الأمثلة التي ذكرها الباحث إنْ شاء الله.
وجمهور العلماء على أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يجوز له أنْ يجتهد، وأنه اجتهد فعلاً، وأنَّ اجتهاده في بعض الأحيان القليلة كان خلاف حكم الله، فجاء الوحي بتصحيح الحُكم، والإرشاد إلى ما ينبغي، كما في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (2).
أو جاء الوحي بإمضاء حكم اجتهاده مع التنبيه بما
(1)[النجم: 3، 4].
(2)
[التحريم: 1، 2].
ينبغي. كما في قوله تعالى عن أسارى بدر: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (1).
نعم نقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن له بالاجتهاد واجتهد ونعم نقول: إنَّ بعض اجتهاداته لم تصادف الصواب، لكن أين حكم الله تعالى في الأمر الذي اجتهد فيه محمد صلى الله عليه وسلم ولم يصب؟
الاحتمالات العقلية أربعة:
1 -
أما ألَاّ يكون الله تعالى حكم فيه أصلاً. وهذا باطل، فكل شيء عنده بمقدار، و {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} (2).
2 -
أنْ يكون لله تعالى فيه حكم مخالف لما حكم به محمد صلى الله عليه وسلم، فيترك - جَلَّ شَأْنُهُ - حكم محمد صلى الله عليه وسلم سارياً على الأُمَّة ويوقف حكم نفسه سبحانه وتعالى، وهذا واضح البطلان، لأنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم في هذه الحالة يكون مُشَرِّعاً غير شرع الله.
3 -
أنْ يكون لله تعالى حُكم مخالف لما حكم به محمد صلى الله عليه وسلم باجتهاده، فيعدل سبحانه حكم محمد صلى الله عليه وسلم ليوافق حكم الله.
4 -
أنْ يكون لله تعالى حكم موافق لما حكم به محمد صلى الله عليه وسلم باجتهاده، أو بعبارة أدق: أنْ يكون حكم محمد صلى الله عليه وسلم موافقاً لحكم الله، ومثل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ حين حُكِّمَ في بني قريظة فَحَكَمَ حُكمَهُ المشهور، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ» (3).
والحاصل الذي يجب الإيمان به أنَّ لله تعالى حُكماً في العباد، هو شريعته في أرضه.
(1)[الأنفال: 67].
(2)
[يوسف: 40].
(3)
رواه البخاري.