الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعاملات حلال وحرام وتشريع من لله:
كأنَّ الباحث لا يجعل المعاملات من قبيل التحريم والتحليل، وهذا فهم عجيب.
هل النهي عن مُطْلِ الغَنِيِّ ليس التحريم؟
هل النهي عن النَّجَشِ (1) ليس التحريم؟ هل النهي عن بيع المصراة (2) ليس للتحريم؟ هل النهي عن البيع على البيع ليس للتحريم؟
هل من فعل شيئاً من ذلك لا يعاقب من الله؟
(1) النجش: الزيادة في ثمن السلعة - أو في المهر - ليسمع بذلك فيزداد فيه.
(2)
المصراة: هي الحلوب التي يترك لبَنُها في ضرعها فيعظم فتُعرض للبيع.
أنا لا أفهم المعاملات إلَاّ أنها تحليل أو تحريم، واجبة أو مندوبة أو مباحة، أو مُحرَّمة أو مكروهة، ولها أو عليها ثواب أو عقاب حتى معاملة الرجل لزوجه وقضاء مأربه منها يحكمها الحلال والحرام:«وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، يَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟». الحديث أخرجه مسلم في كتاب الزكاة.
إنَّ الميزة الكبرى التي امتاز بها الإسلام عن غيره من الديانات تظهر بشكل واضح في تنظيمه المعاملات بين الناس من بيع وشراء ورهن وإجارة وقراض ومزارعة ومساقاة ولقطة وشركة ووكالة وشُفعة وحوالة واستقراض وربا وكفالة وهِبَة ونكاح وخصومات وشهادات وصُلح وشروط ووصايا وغير ذلك، حتى الخدمات العامة عنى بها الإسلام، فجعل إزالة الشوكة من الطريق شُعبة مِنْ شُعَبِ الإيمان.
إنَّ الإسلام ارتفع بالمعاملات إلى السماحة والرفق والإحسان، بعد أنْ ثبت أركان الحقوق وحذَّر من المظالم، تدبر معي هذه الحادثة:
خصمان ترتفع أصواتهما على بابه صلى الله عليه وسلم وهما في الطريق. دائن ومدين، دائن حلَّ ميعاد دَيْنِهِ، فأجَّلَ المَدِينُ غير القادر مرَّةً ومرَّةً، ومدين يعتذر للدائن ويسترفقه، ويطلب منه أنْ يَحُطَّ عنه بعض الدَيْنِ أو يؤجله مرة أخرى، والدائن يقسم ألَاّ يفعل.
يخرج صلى الله عليه وسلم ويقول: «أَيْنَ الْمُتَأَلِّى عَلَى اللَّهِ ألَاّ يَفْعَلُ الْمَعْرُوفَ؟» . فيقول الدائن: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا فَلَهُ أَىُّ ذَلِكَ أَحَبَّ (1).
طاعة رائعة في المعاملات لمجرد الإشارة، لم يقل الدائن: حقي أتمسَّك به، ولم يرفض عرض التسامح، ولو أنه فعل - كما فعل أبو لبابة في الواقعة الآتية - لم يكن آثماً، وإنما استحباب للتنازل عن الحق للغير طلباً للأجر عند الله الذي وعد به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نعم كان بعض المسلمين يتمسك بحقه، فليس كل الناس يرقى، ولكنهم كانوا لا يظلمون، وهذا هو الحد الأدنى في المعاملات، ولئن وجد بعض المتمسِّكين بحقوقهم فإنه يوجد بجوارهم من يؤثر ويُضَحِّي ويشتري الآخرة بالأولى.
تخاصم يتيم وأبو لبابة في نخلة، ولم يكن مع اليتيم بيِّنَة، فحكم النبي صلى الله عليه وسلم بالنخلة لأبي لبابة، فبكى اليتيم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي لبابة:«أعطه النخلة ولك بها نخلة في الجنة» . فقال أبو لبابة: لا. فسمع بذلك أبو الدحداح، فاشترى النخلة من أبي لبابة بعد أن أخذ يزيده في ثمنها حتى قبِلَ بدلها حديقة كاملة، ثم قال أبو الدحداح للنبي صلى الله عليه وسلم: ألِي نخلة في الجنة إنْ أعطيتها اليتيم؟ قال صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ» . فأعطاها اليتيم .. فلما مات أبو الدحداح شيَّعَهُ صلى الله عليه وسلم إلى قبره، ثم قال للمُشَيِّعِين:«كَمْ مِنْ عِذْقٍ مُعَلَّقٍ فِي الْجَنَّةِ لأَبِي الدَّحْدَاحِ» (2).
هل يقال بعد ذلك:
إنَّ المعاملات ليست من الحلال والحرام؟ هل يقال بعد
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلح.
(2)
معنى حديث أخرجه مسلم.