المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌اللفظ والمراد منه: - السنة والتشريع - موسى شاهين لاشين

[موسى شاهين لاشين]

الفصل: ‌اللفظ والمراد منه:

وأنَّ اجتهاد محمد صلى الله عليه وسلم إنْ وافق حُكم الله فهو حُكم الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، وإنْ لم يوافق حُكم الله عدله إلى حكمه - جَلَّ شَأْنُهُ -. وإذن تصبح الأحكام الدينية التي حكم بها محمد صلى الله عليه وسلم أحكام الله في النهاية. وقبل لقائه الرفيق الأعلى صلى الله عليه وسلم.

‌اللفظ والمراد منه:

نعم قد يكون النص الشرعي عاماً مراداً به الخصوص، وهناك قرائن حال، وقرائن ألفاظ تمنع من العموم وتحدِّدُ المراد من المخصوص:

ففي تخصيص عموم الأمكنة مثلاً قوله صلى الله عليه وسلم: «جُعِلَتْ لِيَ الأَرَضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» (1) خصَّصَ هذا العموم بغير الأماكن النجسة.

وفي تخصيص عموم الأزمنة ما صحَّ في " البخاري " أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم في عام قحط وجدب قال لأصحابه: «مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلَا يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَفِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» فأكل الصحابة وتصدَّقُوا بأضحيتهم قبل ثالث ليلة، وفي العام القابل - وكان عام رخاء - قهم الصحابة أنَّ الطلب السابق كان خاصاً بزمن، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: نفعل بأضحيتنا كما فعلنا العام الماضي؟ وكان ما توقَّعُوا. قال صلى الله عليه وسلم: «كُلُوا، وَأَطْعِمُوا، وَادَّخِرُوا، فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ فَأَرَدْتُ أَنْ تُعِينُوا فِيهِ» .

وفي تخصيص الأفراد قال صلى الله عليه وسلم: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَاّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ» (2)، ولم يكن المقصود بالأحد عموم

(1) رواه البخاري.

(2)

رواه البخاري بمعناه.

ص: 20

المسلمين، حتى يشمل الضعفاء والمرضى والأطفال والنساء، وإنما كان المقصود خصوص المقاتلين الذين عادوا من غزو الخندق.

ومن هذا القبيل قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ سَلْبُهُ» (1)، فعموم القتيل غير مراد، لئلا يشمل القتيل ظلماً من المسلمين، وإنما المراد به قتيل الكفار المحاربين. كذلك عموم «مَنْ قَتَلَ» ليس المقصود به كل من قاتل وقتل إلى آخر الزمان، وإنما المراد العصر الأول الذي تَطَلَّبَ تشجيع الغزو والجهاد، وكذا كل عصر يشبهه إذا رأى حاكم المسلمين ذلك.

أما الأحكام العامة في المعاملات وغيرها والتي لم يدخلها تخصيص بالأفراد ولا بالأماكن ولا بالأزمنة، فهي باقية على عمومها صالحة لكل زمان ومكان إلى يوم القيامة، والجهل بالمصلحة فيها، وظن المصلحة في غيرها، لا يمنع من الالتزام بها، فما أكثر ما يجهل الإنسان مصلحة نفسه، فضلاً عن مصلحة غيره.

وفي الشرع مصالح العباد بالتحقيق، فالمُشَرِّعُ هو الخالق الذي يعلم من خلق ويعلم ما يصلحه، وفي كل طلب للمصلحة من غير الشرع طلب للماء من السراب:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ، أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} (2).

يقول الإمام ابن القيم: «إنَّ شريعة الله مبناها وأساسها

(1) رواه البخاري.

(2)

[النور: 39، 40].

ص: 21