الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
الْبَاب الأول
-
اعْلَم أَن الْإِسْنَاد المعنعن وَهُوَ مَا يُقَال فِيهِ فلَان عَن فلَان مثل قَوْلنَا مَالك عَن ابْن شهَاب عَن أنس بن مَالك عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْمَنْقُول فِيهِ عَن الْمُتَقَدِّمين أَرْبَعَة مَذَاهِب وَحدث للمتأخرين فِيهِ مصطلح خَامِس
فَالْمَذْهَب الأول
مَذْهَب أهل التَّشْدِيد وَهُوَ أَن لَا يعد مُتَّصِلا من الحَدِيث إِلَّا مَا نَص فِيهِ على السماع أَو حصل الْعلم بِهِ من طَرِيق آخر وَأَن مَا قيل فِيهِ
فلَان عَن فلَان فَهُوَ من قبيل الْمُرْسل أَو الْمُنْقَطع حَتَّى يتَبَيَّن اتِّصَاله بِغَيْرِهِ
حَكَاهُ الإِمَام أَبُو عَمْرو النصري الشهرزوري شهر بِابْن الصّلاح أحد الْأَئِمَّة الْمُتَأَخِّرين المعتمدين وَلم يسم قَائِله وَلَفظ مَا حَكَاهُ
فلَان عَن فلَان عده بعض النَّاس من قبيل الْمُرْسل والمنقطع حَتَّى يتَبَيَّن اتِّصَاله بِغَيْرِهِ
وَهَذَا الْمَذْهَب وَإِن قل الْقَائِل بِهِ بِحَيْثُ لَا يُسمى وَلَا يعلم فَهُوَ الأَصْل الَّذِي كَانَ يَقْتَضِيهِ الِاحْتِيَاط وحجته أَن عَن لَا تَقْتَضِي اتِّصَالًا لَا لُغَة وَلَا عرفا وَإِن توهم متوهم فِيهَا اتِّصَالًا لُغَة فَإِنَّمَا ذَلِك بِمحل الْمُجَاوزَة الْمَأْخُوذ عَنهُ
تَقول أَخذ هَذَا عَن فلَان فالأخذ حصل مُتَّصِلا بِالْمحل الْمَأْخُوذ عَنهُ وَلَيْسَ فِيهَا دَلِيل على اتِّصَال الرَّاوِي بالمروي عَنهُ وَمَا علم مِنْهُم أَنهم يأْتونَ بعن فِي مَوضِع الْإِرْسَال والانقطاع يخرم ادِّعَاء الْعرف
وَإِذا أشكل الْأَمر وَجب أَن يحكم بِالْإِرْسَال لِأَنَّهُ أدون الْحَالَات فَكَأَنَّهُ أَخذ بِأَقَلّ مَا يَصح حمل اللَّفْظ عَلَيْهِ
وَكَانَ يَنْبَغِي لصَاحب هَذَا الْمَذْهَب أَن لَا يَقُول بِالْإِرْسَال بل بالتوقف حَتَّى يتَبَيَّن لمَكَان الِاحْتِمَال
لَعَلَّ ذَلِك مُرَاده وَهُوَ الَّذِي نَقله مُسلم عَن أهل هَذَا الْمَذْهَب أَنهم يقفون الْخَبَر وَلَا يكون عِنْدهم مَوضِع حجَّة لِإِمْكَان الْإِرْسَال فِيهِ وَإِن هَذَا الْقَصْد ليلوح من قَول هَذَا الْقَائِل حَتَّى يتَبَيَّن اتِّصَاله بِغَيْرِهِ وَلَكِن صدر الْكَلَام يأباه لقَوْله عده بعض النَّاس من قبيل الْمُرْسل والمنقطع
وَكَأن فِي ربط الْعَجز بالصدر تنافرا مَا إِلَّا أَن هَذَا الْمَذْهَب رفضه جُمْهُور الْمُحدثين بل جَمِيعهم وَهُوَ الَّذِي لَا إِشْكَال فِي أَن أحدا من أَئِمَّة السّلف مِمَّن يسْتَعْمل الْأَخْبَار كَمَا قَالَ مُسلم رحمه الله ويتفقد صِحَة الْأَسَانِيد وسقمها مثل أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وَابْن عون وَمَالك وَشعْبَة بن الْحجَّاج وَمن سمى مَعَهم لَا يَشْتَرِطه وَلَا يبْحَث عَنهُ وَلَو اشْترط
ذَلِك لضاق الْأَمر جدا وَلم يتَحَصَّل من السّنة إِلَّا النزر الْيَسِير فَكَأَن الله تَعَالَى أتاح الْإِجْمَاع عصمَة لذَلِك وتوسعة علينا وَالْحَمْد لله
فَهَذَا الْمَذْهَب الْمَجْهُول قَائِله لَا يعرج عَلَيْهِ وَلَا يلْتَفت اللَّيْث إِلَيْهِ وَقد تولى الإِمَام أَبُو عَمْرو النصري رد هَذَا الْمَذْهَب الَّذِي حَكَاهُ وَقَالَ ان الصَّحِيح وَالَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَل أَنه من قبيل الْإِسْنَاد الْمُتَّصِل
قَالَ وَإِلَى هَذَا ذهب الجماهير من أَئِمَّة الحَدِيث وَغَيرهم وأودعه
المشترطون للصحيح فِي تصانيفهم فِيهِ وقبلوه
وَقد نقل أَيْضا هَذَا الْمَذْهَب مُبْهما لقائله أَبُو مُحَمَّد بن خَلاد فِي كتاب الْفَاصِل لَهُ
أَنا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الْخَالِق بن طرخان السخوي سَمَاعا عَلَيْهِ بثغر الْإسْكَنْدَريَّة قَالَ أَنا القَاضِي أَبُو طَالب أَحْمد بن عبد الله بن الْحُسَيْن بن عبد الْمجِيد الْكِنْدِيّ شهر بِابْن حَدِيد سَمَاعا عَلَيْهِ قَالَ أَنا الإِمَام أَبُو طَاهِر السلَفِي سَمَاعا عَلَيْهِ قَالَ أَنا أَبُو الْحُسَيْن الْمُبَارك بن عبد الْجَبَّار الصَّيْرَفِي بِبَغْدَاد قِرَاءَة قيل لَهُ أخْبركُم أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد بن عَليّ الفالي بِقِرَاءَتِك عَلَيْك فَأقر بِهِ قَالَ أَنا القَاضِي أَبُو عبد الله أَحْمد بن إِسْحَاق بن خربَان النهاوندي قَالَ أَنا القَاضِي أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن عبد الرَّحْمَن بن خَلاد الرامَهُرْمُزِي قَالَ قَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين من الْفُقَهَاء كل من روى من أَخْبَار النَّبِي صلى الله عليه وسلم خَبرا فَلم يقل فِيهِ سمعته وَلَا حَدثنَا وَلَا أَنبأَنَا وَلَا
أخبرنَا وَلَا لَفْظَة توجب صِحَة الرِّوَايَة إِمَّا بِسَمَاع أَو غَيره مِمَّا يقوم مقَامه فَغير وَاجِب أَن يحكم بِخَبَرِهِ
وَإِذا قَالَ نَا أَو أَنا فلَان عَن فلَان وَلم يقل نَا فلَان أَن فلَانا حَدثهُ وَلَا مَا يقوم مقَام هَذَا من الْأَلْفَاظ احْتمل أَن يكون بَين فلَان الَّذِي حَدثهُ وَبَين فلَان الثَّانِي رجل آخر لم يسمه لِأَنَّهُ لَيْسَ بمنكر أَن يَقُول قَائِل حَدثنَا عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِكَذَا وَكَذَا ووفلان حَدثنَا عَن مَالك وَالشَّافِعِيّ وَسَوَاء قيل ذَلِك مِمَّن علم أَن الْمُخَاطب لم يره أَو مِمَّن لم يعلم ذَلِك مِنْهُ لَان معنى قَوْله عَن إِنَّمَا هُوَ أَن رد الحَدِيث إِلَيْهِ وَهَذَا سَائِغ فِي اللُّغَة مُسْتَعْمل بَين النَّاس قَالَ وَهَذَا هُوَ الْعلَّة فِي المراسل قَالَ وَقد نظم هَذَا بعض الْمُتَأَخِّرين شعرًا فَقَالَ
يتَأَدَّى الي عَنْك مليح
من حَدِيث وبارع من بَيَان
…
فَلهَذَا اشتهت حَدِيثك أذناي
وَلَيْسَ الْإِخْبَار مثل العيان
…
بَين قَول الْفَقِيه حَدثنَا سفي
ان فرق وَبَين عَن سُفْيَان
انْتهى كَلَام ابْن خَلاد
وَقد رددنا هَذَا الْمَذْهَب بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة واذ بَان أَنه قَول لبَعض الْفُقَهَاء
الْمُتَأَخِّرين فَهُوَ مَسْبُوق بِإِجْمَاع عُلَمَاء الشَّأْن وَالله الْمُوفق
وَقد بَين ذَلِك أَبُو عمر بن عبد الْبر بِمَا حَكَاهُ من الْإِجْمَاع بعد أَن ذكر بِإِسْنَاد عَن وَكِيع قَالَ قَالَ شُعْبَة فلَان عَن فلَان لَيْسَ بِحَدِيث قَالَ وَكِيع وَقَالَ سُفْيَان هُوَ حَدِيث قَالَ أَبُو عمر ثمَّ إِن شُعْبَة انْصَرف عَن هَذَا إِلَى قَول سُفْيَان
قلت وَمَا نَقله مُسلم رحمه الله عَن الْعلمَاء الَّذين سمى وَمن جُمْلَتهمْ شُعْبَة من أَنهم لَا يتفقدون ذَلِك يدلك أَيْضا على رُجُوع شُعْبَة كَمَا ذكر أَبُو عمر
فقد بَان أَنه لَا يعلم لمتقدم فِيهِ خلاف إِذا جمع رُوَاته الْعَدَالَة واللقاء والبراءة من التَّدْلِيس وَأَن شُعْبَة رَجَعَ عَن قَوْله
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عَمْرو الْمقري وَمَا كَانَ من الْأَحَادِيث المعنعنة الَّتِي يَقُول فِيهَا ناقلوها عَن عَن فَهِيَ أَيْضا مُسندَة متصله بِإِجْمَاع أهل النَّقْل إِذا عرف أَن النَّاقِل أدْرك الْمَنْقُول عَنهُ إدراكا بَينا وَلم يكن مِمَّن عرف بالتدليس وان لم يذكر سَمَاعا
إِلَّا أَن قَوْله إدراكا بَينا فِيهِ إِجْمَال وسنستوفي الْكَلَام عَلَيْهِ فِي ذكر الْمَذْهَب الثَّالِث بحول الله
الْمَذْهَب الثَّانِي
وَهُوَ أَيْضا من مَذَاهِب أهل التَّشْدِيد إِلَّا أَنه أخف من الأول وَهُوَ مَا حَكَاهُ الإِمَام أَبُو عَمْرو النصري ابْن الصّلاح قَالَ وَذكر أَبُو المظفر السَّمْعَانِيّ فِي المعنعنة أَنه يشْتَرط طول الصُّحْبَة بَينهم
قلت وَهَذَا بِلَا ريب يتَضَمَّن السماع غَالِبا لجملة مَا عِنْد الْمُحدث أَو أَكْثَره وَلَا بُد مَعَ هَذَا أَن يكون سالما من وصمة التَّدْلِيس
وَحجَّة هَذَا الْمَذْهَب هِيَ الأولى بِعَينهَا وَلكنه خفف فِي اشْتِرَاك السماع تنصيصا فِي كل حَدِيث حَدِيث لتعذر ذَلِك ولوجود الْقَرَائِن المفهمة للإتصال من إِيرَاد الْإِسْنَاد وَإِرَادَة الرّفْع بَعضهم عَن بعض عِنْد قَوْلهم فلَان عَن فلَان مَعَ طول الصُّحْبَة
الْمَذْهَب الثَّالِث
وَهُوَ رَأْي كثير من الْمُحدثين مِنْهُم الإِمَام أَبُو عبد الله البُخَارِيّ وَشَيْخه أَبُو الْحسن عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَغَيرهمَا
نقل ذَلِك عَنْهُم القَاضِي أَبُو الْفضل عِيَاض وَغَيره
وَهُوَ مَذْهَب متوسط فِي اشْتِرَاط ثُبُوت السماع أَو اللِّقَاء فِي الْجُمْلَة لَا فِي حَدِيث حَدِيث
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح من مَذَاهِب الْمُحدثين وَهُوَ الَّذِي يعضده النّظر فَلَا يحمل مِنْهُ على الإتصال إِلَّا مَا كَانَ بَين متعاصرين يعلم أَنَّهُمَا قد التقيا من دهرهما مرّة فَصَاعِدا وَمَا لم يعرف ذَلِك فَلَا تقوم الْحجَّة مِنْهُ إِلَّا بِمَا شهد لَهُ لفظ السماع أَو التحديث أَو مَا أشبههما من الْأَلْفَاظ الصَّرِيحَة إِذا أخبر بهَا الْعدْل عَن الْعدْل
وَحجَّة هَذَا الْمَذْهَب أَيْضا مَا تقدم من إِجْمَاع جَمَاهِير النقلَة على
قبُول الْإِسْنَاد المعنعن وإيداعه فِي كتبهمْ الَّتِي اشترطوا فِيهَا إِيرَاد الصَّحِيح مَعَ مَا تقرر من مذاهبهم أَن الْمُرْسل لَا تقوم بِهِ حجَّة وَأَنَّهُمْ لَا يودعون فِيهَا إِلَّا مَا اعتقدوا أَنه مُسْند
قَالَ أَبُو عَمْرو ابْن عبد الْبر الْحَافِظ الإِمَام وجدت أَئِمَّة الحَدِيث أَجمعُوا على قبُول المعنعن لَا خلاف بَينهم فِي ذَلِك إِذا جمع شُرُوطًا ثَلَاثَة
عدالتهم
ولقاء بَعضهم لبَعض مجالسة ومشاهدة
وبراءتهم من التَّدْلِيس
قَالَ أَبُو عَمْرو ابْن الصّلاح الإِمَام النَّاقِد والإعتماد فِي الحكم بالإتصال على مَذْهَب الْجُمْهُور إِنَّمَا هُوَ على اللِّقَاء والإدراك قلت وَلَقَد كَانَ يَنْبَغِي من حَيْثُ الإحتياط أَن يشْتَرط تحقق السماع فِي الْجُمْلَة لَا مُطلق اللِّقَاء فكم من تَابع لَقِي صاحبا وَلم يسمع مِنْهُ وَكَذَلِكَ من بعدهمْ
وَيَنْبَغِي أَن يحمل قَول البُخَارِيّ وَابْن الْمَدِينِيّ على أَنَّهُمَا يُريدَان باللقاء السماع
وَهَذَا الْحَرْف لم نجد عَلَيْهِ تنصيصا يعْتَمد وَإِنَّمَا وجدت ظواهر مُحْتَملَة
أَن يحصل الإكتفاء عِنْدهم باللقاء الْمُحَقق وَإِن لم يذكر سَماع وَأَن لَا يحصل الإكتفاء إِلَّا بِالسَّمَاعِ وَأَنه الْأَلْيَق بتحريهما وَالْأَقْرَب إِلَى صوب الصَّوَاب فَيكون مرادهما باللقاء وَالسَّمَاع معنى وَاحِدًا
وَفِي قَول مُسلم حاكيا لِلْقَوْلِ الَّذِي تولى رده مَا يَقْتَضِي الإكتفاء بِمُجَرَّد اللِّقَاء حَيْثُ قَالَ فِي تضاعيف كَلَامه
وَلم نجد فِي شَيْء من الرِّوَايَات أَنَّهُمَا التقيا قطّ أَو تشافها بِحَدِيث الْفَصْل
فَظَاهر هَذَا الْكَلَام أَن أَحدهمَا بدل من الآخر وَأَن أَو للتقسيم لَا بِمَعْنى الْوَاو وَقد أَتَى بِهِ أَيْضا فِي أثْنَاء كَلَامه بِالْوَاو فَقَالَ وَإِن لم يَأْتِ فِي خبر قطّ أَنَّهُمَا اجْتمعَا وَلَا تشافها بِكَلَام وكرره أَيْضا بِالْوَاو فَقَالَ ثمَّ أدخلت فِيهِ الشَّرْط فَقلت حَتَّى
يعلم أَنَّهُمَا قد كَانَا قد التقيا مرّة فَصَاعِدا وَسمع مِنْهُ شَيْئا
وَهَذَا أبين أَلْفَاظه
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله بن البيع الْحَاكِم فِي كتاب معرفَة عُلُوم الحَدِيث لَهُ فِي النَّوْع الْحَادِي عشر مِنْهُ المعنعن بِغَيْر تَدْلِيس مُتَّصِل بِإِجْمَاع أهل النَّقْل على تورع رُوَاته عَن التَّدْلِيس
وَقَالَ الْفَقِيه الْمُحدث أَبُو الْحسن الْقَابِسِيّ وَكَذَلِكَ مَا قَالُوا فِيهِ عَن عَن فَهُوَ أَيْضا من الْمُتَّصِل إِذا عرف أَن ناقله أدْرك الْمَنْقُول عَنهُ إدراكا بَينا وَلم يكن مِمَّن عرف بالتدليس
قلت وقولهما مَعًا لَا يَخْلُو من إِجْمَال إِذْ لَا بُد أَن يكون مُرَاد الْحَاكِم ثُبُوت المعاصرة أَو السماع إِذْ لَا يقبل مُعَنْعَن من لم تصح لَهُ معاصرة فَلَا بُد من قيد وَكَأَنَّهُ اكْتفى عَنهُ بقوله على تورع رُوَاته عَن التَّدْلِيس
وَقد سبق لَهُ فِي كِتَابه هَذَا فِي النَّوْع الرَّابِع مِنْهُ فِي معرفَة المسانيد من الْأَحَادِيث تَقْيِيد ذَلِك بِمَا نَصه والمسند من الحَدِيث أَن يرويهِ الْمُحدث
عَن شيخ يظْهر سَمَاعه مِنْهُ بسن مُحْتَملَة وَكَذَلِكَ سَماع شَيْخه من شَيْخه إِلَى أَن يصل الْإِسْنَاد إِلَى صَحَابِيّ مَشْهُور إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
إِلَّا أَن هَذَا الْموضع من كتاب الْحَاكِم فِيهِ اضْطِرَاب بَين رُوَاته فَروِيَ كَمَا ذَكرْنَاهُ بسن مُحْتَملَة
وَعند ابْن سعدون بسن يحتملة
وَالْمعْنَى وَاحِد أَي أَنه يَكْتَفِي فِي ظُهُور السماع بِكَوْن السن تحْتَمل اللِّقَاء وَمعنى هَذَا يكْتَفى بالمعاصرة وَإِلَى هَذَا الْمَعْنى ذهب مُسلم رحمه الله حَيْثُ قَالَ وَذَلِكَ أَن القَوْل الشَّائِع الْمُتَّفق عَلَيْهِ بَين أهل الْعلم بالأخبار وَالرِّوَايَات قَدِيما وحديثا أَن كل رجل ثِقَة روى عَن مثله حَدِيثا وَجَائِز مُمكن لَهُ لقاؤه وَالسَّمَاع مِنْهُ لِكَوْنِهِمَا جَمِيعًا كَانَا فِي عصر وَاحِد وَإِن لم يَأْتِ فِي خبر قطّ أَنَّهُمَا اجْتمعَا وَلَا تشافها بِكَلَام فَالرِّوَايَة ثَابِتَة وَالْحجّة بهَا لَازِمَة إِلَّا أَن تكون هُنَاكَ دلَالَة بَيِّنَة أَن هَذَا الرَّاوِي لم يلق من روى عَنهُ أَو لم يسمع مِنْهُ شَيْئا فَأَما وَالْأَمر مُبْهَم على الْإِمْكَان الَّذِي فسرنا فَالرِّوَايَة على السماع أبدا حَتَّى تكون الدّلَالَة الَّتِي بَينا انْتهى
وَإِلَى هَذَا الْمَعْنى أَيْضا ذهب الْحَافِظ أَبُو عَمْرو المقريء الداني فِي جزيء لَهُ وَضعه فِي بَيَان الْمُتَّصِل والمرسل وَالْمَوْقُوف والمنقطع فَقَالَ الْمسند من الْآثَار الَّذِي لَا إِشْكَال فِي اتِّصَاله هُوَ مَا يرويهِ الْمُحدث عَن شيخ يظْهر سَمَاعه مِنْهُ بسن يحتملها وَكَذَلِكَ شَيْخه عَن شَيْخه إِلَى أَن يصل الْإِسْنَاد إِلَى الصَّحَابِيّ إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
فَهَذَا مُوَافق ظَاهره لهَذِهِ الرِّوَايَة وَقد يحْتَمل أَن يكون مُرَاده بقوله يظْهر سَمَاعه بسن تحتمله أَي أَنه يعلم السماع بقوله وَتَكون سنه تصدق ذَلِك وَالله أعلم
ويروى أَيْضا كَلَام الْحَاكِم يظْهر سَمَاعه مِنْهُ لَيْسَ يحْتَملهُ وَهَكَذَا قرأته بِخَط خلف بن مُدبر فِي أَصله وَذكر فِي صدر كِتَابه أَنه روى الْكتاب عَن الْبَاجِيّ والعذري وَهَذِه الرِّوَايَة عِنْدِي أظهر وَعَلَيْهَا يدل كَلَامه بعد عِنْد التَّمْثِيل وَظَاهر الْكَلَام أَيْضا مشْعر بذلك من حَيْثُ قرينَة الْمُطَابقَة حَيْثُ قَالَ يظْهر سَمَاعه فَهَذَا إِثْبَات لظُهُور السماع ثمَّ أكد ذَلِك بقوله لَيْسَ يحْتَملهُ فنفى أَن يكْتَفى بِمُجَرَّد الِاحْتِمَال من
حَيْثُ المعاصرة بل لَا بُد أَن يكون السماع ظَاهرا مَعْلُوما والتمثيل يدل على صِحَة هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ وَمِثَال ذَلِك مَا حَدثنَا أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن أَحْمد بن السماك بِبَغْدَاد
قَالَ نَا الْحسن بن مكرم قَالَ نَا عُثْمَان بن عمر قَالَ نَا يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن عبد الله بن كَعْب بن مَالك عَن أَبِيه أَنه تقاضى ابْن أبي حَدْرَد دينا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِد فارتفعت أصواتهما حَتَّى سَمعه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَخرج حَتَّى كشف سجف حجرته فَقَالَ يَا كَعْب ضع من دينك هَذَا وَأَشَارَ إِلَيْهِ أَي الشّطْر قَالَ نعم فقضاه
قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله وَبَيَان مِثَال مَا ذكرته أَن سَمَاعي من ابْن السماك ظَاهر وسماعه من الْحسن بن مكرم ظَاهر وَكَذَلِكَ سَماع الْحسن بن عُثْمَان بن عمر وَسَمَاع عُثْمَان من يُونُس بن يزِيد وَهُوَ عَال لعُثْمَان وَيُونُس مَعْرُوف بالزهري وَكَذَلِكَ الزُّهْرِيّ ببني كَعْب بن مَالك وَبَنُو كَعْب بأبيهم وَكَعب برَسُول الله صلى الله عليه وسلم وصحبته انْتهى مَا أردناه من كَلَام الْحَاكِم
وسندنا فِي كتاب معرفَة عُلُوم الحَدِيث لَهُ من طَرِيق ابْن سعدون
هُوَ مَا اُخْبُرْنَا بِهِ إجَازَة شَيخنَا الأديب الْكَاتِب أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن هَارُون الطَّائِي الْقُرْطُبِيّ قَالَ أَنا القَاضِي أَبُو الْقَاسِم أَحْمد بن يزِيد بن بَقِي إجَازَة قَالَ أَنا الراوية أَبُو الْقَاسِم خلف بن عبد الْملك بن بشكوال إجَازَة قَالَ قرأته على القَاضِي أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز ابْن أبي الْخَيْر وناولنيه أَبُو بَحر الْأَسدي قَالَا قرأناه على أبي عبد الله مُحَمَّد بن سعدون الْقَرَوِي قَالَ أَنا أَبُو بكر مُحَمَّد بن عَليّ المطوعي النَّيْسَابُورِي قَالَ أَنا مُؤَلفه
وسندنا فِيهِ من طَرِيق أبي الْوَلِيد الْبَاجِيّ مَا أجَازه لنا أَبُو الْحسن عَليّ ابْن أَحْمد بن عبد الْوَاحِد الْمَقْدِسِي عَن أبي طَاهِر بَرَكَات بن إِبْرَاهِيم بن طَاهِر الدِّمَشْقِي إجَازَة عَن الإِمَام أبي بكر الطرطوشي كِتَابَة عَن أبي الْوَلِيد الْبَاجِيّ قَالَ نَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن عَليّ المطوعي النَّيْسَابُورِي أَنا الْحَاكِم
وَقد روينَاهُ أَعلَى من هَذَا دَرَجَة على علوه وَلَكِن الْمُعَارضَة إِنَّمَا حصلت لنا بِهَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ فَلذَلِك اقتصرنا عَلَيْهِمَا
وَأما لفظ الْقَابِسِيّ فَيمكن أَن يُرِيد بِهِ ثُبُوت المعاصرة الْبَيِّنَة وَهُوَ أظهر احتماليه فِيهِ وَيُمكن أَن يُرِيد طول الصُّحْبَة فَيكون مُوَافقا لما ذكره أَبُو المظفر السَّمْعَانِيّ
وَحكى ابْن عبد الْبر عَن جُمْهُور أهل الْعلم أَنه لَا اعْتِبَار بالحروف والألفاظ وَإِنَّمَا هُوَ باللقاء والمجالسة والمشاهدة
قَالَ ابْن الصّلاح يَعْنِي مَعَ السَّلامَة من التَّدْلِيس
هَذَا مَا حَضَرنَا من النَّقْل عَن أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن
وَأما من حَيْثُ النّظر فَكَانَ الأَصْل كَمَا قدمنَا أَن لَا يقبل إِلَّا مَا علم فِيهِ السماع حَدِيثا حَدِيثا عِنْد من لَا يَقُول بالمرسل لاحْتِمَال الِانْفِصَال إِلَّا أَن عُلَمَاء الحَدِيث رَأَوْا ان تتبع طلب لفظ صَرِيح فِي الِاتِّصَال يعز وجوده وَأَنه إِذا ثَبت اللِّقَاء ظن مَعَه السماع غَالِبا وَأَن الْأَئِمَّة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وتابعهم فَمن بعدهمْ استغنوا كثيرا بِلَفْظ عَن فِي مَوضِع سَمِعت وَحدثنَا وَغَيرهمَا من الْأَلْفَاظ الصَّرِيحَة فِي الِاتِّصَال اختصارا وَلما عرف من عرفهم الْغَالِب فِي ذَلِك وَأَنه لَا يَضَعهَا فِي مَحل الِانْقِطَاع عَمَّن علم سَمَاعه مِنْهُ لغير ذَلِك الحَدِيث بِقصد الْإِيهَام إِلَّا مُدَلّس يُوهم انه سمع مَا لم يسمع أَنَفَة من النُّزُول أَو لغير ذَلِك من الْأَغْرَاض الَّتِي لَا يَخْلُو أَكْثَرهَا من كَرَاهَة فا نتهض ذَلِك مرجحا لقبُول المعنعن عِنْد ثُبُوت اللِّقَاء
لَا يُقَال إِن غير المدلس قد يَقُول عَن فِي مَحل الْإِرْسَال وَلَا يعد بذلك مدلسا لِأَنَّهُ قد علم من مذْهبه أَنه لَا يُدَلس لأَنا نقُول فِي الْجَواب إِن غير المدلس لَا يَفْعَله إِلَّا فِيمَا علم أَنه لم يسمعهُ لتحَقّق عدم المعاصرة كَمَا يَقُول التَّابِعِيّ أَو تَابعه أَو من بعدهمَا روينَا عَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَا فَهَذَا مَعْلُوم أَنه بَلَاغ فَلَا يُوهم ذَلِك سَمَاعا فَعدل عَن الْعرف إِلَى عَام اللُّغَة مكتفيا بِقَرِينَة عدم اللِّقَاء وَالسَّمَاع كَمَا عدل هُنَاكَ إِلَى خَاص الِاصْطِلَاح مكتفيا بِقَرِينَة معرفَة السماع
فَإِن قيل قد وجد الْإِرْسَال من الصَّحَابَة رضي الله عنهم وَمِمَّنْ بعدهمْ مِمَّن يعلم أَو يظنّ أَنه لَا يُدَلس عَمَّن لقِيه وَسمع مِنْهُ قُلْنَا أما حَال الصَّحَابَة رضي الله عنهم فِي ذَلِك الَّذين وَجَبت محاشاتهم عَن قصد التَّدْلِيس فتحتمل وُجُوهًا
مِنْهَا أَن يَكُونُوا فعلوا ذَلِك اعْتِمَادًا على عَدَالَة جَمِيعهم فالمخوف فِي الْإِرْسَال قد أَمن يدل على ذَلِك
مَا قَالَه أنس بن مَالك رضي الله عنه ذكر أَبُو بكر بن أبي خَيْثَمَة فِي تَارِيخه قَالَ نَا مُوسَى ابْن اسماعيل وهدبة قَالَا نَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن حميد أَن أنسا حَدثهمْ بِحَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ رجل أَنْت سمعته من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَغَضب غَضبا شَدِيدا وَقَالَ وَالله مَا كل مَا نحدثكم سمعنَا من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلَكِن كَانَ يحدث بَعْضنَا بَعْضًا وَلَا يتهم بَعْضنَا بَعْضًا
قلت وَلذَلِك قبل جُمْهُور الْمُحدثين بل جَمِيع الْمُتَقَدِّمين وَإِنَّمَا خَالف فِي ذَلِك بعض من تأصل من الْمُحدثين الْمُتَأَخِّرين مراسل الصَّحَابَة رضي الله عنهم وعَلى الْقبُول محققو الْفُقَهَاء والأصليين
وَمِنْهَا أَن يَكُونُوا أَتَوا بِلَفْظ قَالَ أَو عَن وَلَفظ قَالَ أظهر إِذْ هُوَ مهيع الْكَلَام قبل أَن يغلب الْعرف فِي استعمالهما للإتصال
وَمِنْهَا أَن يَكُونُوا فعلوا ذَلِك عِنْد حُصُول قرينَة مفهمة للإرسال مَعَ تحقق سَلامَة أغراضهم وإرتفاعهم عَن مَقَاصِد المدلسين وأغراضهم
وَمِنْهَا أَن يَكُونُوا أَتَوا بِلَفْظ مفهم لذَلِك فَاخْتَصَرَهُ من بعدهمْ لثقة جَمِيعهم وَلَعَلَّ قَول كثير من التَّابِعين عَمَّن يروون عَنهُ من الصَّحَابَة ينمي الحَدِيث إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَو يبلغ بِهِ النَّبِي عليه السلام أَو يرفعهُ أَو مَا أشبه هَذَا من الْأَلْفَاظ عبارَة عَن ذَلِك
وَأما من سوى الصَّحَابَة فَإِنَّمَا فعل ذَلِك من فعله مِنْهُم بِقَرِينَة مفهمة للإرسال فِي ظَنّه وَإِلَّا عد مدلسا