المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وقرر الحافظ أبو عمرو النصري هذا الدليل بما لا يسلم معه من الاعتراض وورود النقض فإنه قال ومن الحجة - السنن الأبين

[ابن رشيد السبتي]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم صلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَسلم تَسْلِيمًا

- ‌الْمُقدمَة

- ‌ الْبَاب الأول

- ‌وَقرر الْحَافِظ أَبُو عَمْرو النصري هَذَا الدَّلِيل بِمَا لَا يسلم مَعَه من الِاعْتِرَاض وورود النَّقْض فَإِنَّهُ قَالَ وَمن الْحجَّة

- ‌كتاب ألفته لِابْنِ لَهُ فَكتبت الْكتاب لَهُ وَوَقعت عَلَيْهِ

- ‌فَانْظُر عنايته بِأَن الْإِخْبَار الْجملِي يتَضَمَّن الْإِخْبَار التفصيلي وَأَن الْقيَاس الْجَلِيّ يَقْتَضِي ذَلِك فَفِيهِ إِشَارَة إِلَى جَوَاز الْإِجَازَة الْمُطلقَة

- ‌ الْبَاب الثَّانِي

- ‌ جَامعه سَمِعت مُحَمَّدًا يَعْنِي البُخَارِيّ يَقُول صَالح بن حسان مُنكر الحَدِيث وَصَالح بن أبي حسان الَّذِي روى عَنهُ ابْن أبي ذِئْب

- ‌ الطَّبَقَات

- ‌ أَبُو بكر عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن عبيد الله عَن أبي الزبير عَن جَابر الْقِصَّة بِطُولِهَا فَقَرَأَ عَلَيْهِ إِنْسَان حَدِيث حجاج بن مُحَمَّد عَن ابْن جريح عَن مُوسَى بن عقبَة نَا سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ

- ‌ من غير وجود قطع فِي سندها وَلَا ثُبُوت جرح فِي نَاقِلِيهَا مَا نَصه إِذا صَحَّ عِنْدِي خبر من رِوَايَة

الفصل: ‌وقرر الحافظ أبو عمرو النصري هذا الدليل بما لا يسلم معه من الاعتراض وورود النقض فإنه قال ومن الحجة

وَأما المعاصر غير الملاقي إِذا أطلق عَن فالضاهر لظَاهِر أَنه لَا يعد مدلسا بل هُوَ أبعد عَن التَّدْلِيس لِأَنَّهُ لم يعرف لَهُ لِقَاء وَلَا سَماع بِخِلَاف من علم لَهُ لِقَاء أَو سَماع

وَبِالْجُمْلَةِ فلولا مَا فهم قصد الْإِيهَام بالإفهام من جمَاعَة من الْأَعْلَام مَا جَازَ أَن ينسبوا إِلَى ذَلِك ولعدوا مرسلين كَمَا عد من تحقق مِنْهُ أَنه لَا يُدَلس إِذا أرسل ورحم الله إِمَام الْأَئِمَّة وعالم الْمَدِينَة أَبَا عبد الله مَالك ابْن أنس حَيْثُ اسْتعْمل لفظ الْبَلَاغ وجانب الْأَلْفَاظ الموهمة فَللَّه دره مَا أجمل مقاصده وأرضى مذاهبه

هَذَا تَقْرِير دَلِيل هَذَا الْمَذْهَب وتحريره وَهُوَ أرجح الْمذَاهب وأوسطها

فَلَا تغل فِي شَيْء من الْأَمر واقتصد

كلا طرفِي قصد الْأُمُور ذميم

‌وَقرر الْحَافِظ أَبُو عَمْرو النصري هَذَا الدَّلِيل بِمَا لَا يسلم مَعَه من الِاعْتِرَاض وورود النَّقْض فَإِنَّهُ قَالَ وَمن الْحجَّة

فِي ذَلِك أَنه لَو لم يكن قد سَمعه مِنْهُ لَكَانَ بِإِطْلَاقِهِ الرِّوَايَة عَنهُ من غير ذكر الْوَاسِطَة بَينه وَبَينه مدلسا وَالظَّاهِر السَّلامَة من وصمة التَّدْلِيس وَالْكَلَام فِيمَن لم يعرف بالتدليس انْتهى

وَهَذَا الَّذِي قَرَّرَهُ ينْتَقض بِأَقْوَام عنعنوا مرسلين وَلم يعدوا مدلسين

ص: 65

كَمَا ذكر مُسلم رحمه الله من أَن الْأَئِمَّة الَّذين نقلوا الْأَخْبَار كَانَت لَهُم تارات يرسلون فِيهَا الحَدِيث إرْسَالًا وَلَا يذكرُونَ من سَمِعُوهُ مِنْهُ وَتارَة ينشطون فِيهَا فيسندون الْخَبَر على هَيْئَة مَا سمعُوا فيخبرون بالنزول فِيهِ إِن نزلُوا وبالصعود إِن صعدوا

فَإِذا قرر هَذَا الدَّلِيل كَمَا قَرَّرْنَاهُ نَحن انزاح قَول من قَالَ إِنَّه لَا يقبل إِلَّا مَا نَص فِيهِ على السماع رجلا رجلا وحديثا حَدِيثا محتجا بِأَنَّهُم يأْتونَ ب عَن فِي مَوضِع الْإِرْسَال والانقطاع واضمحلت شبهته بِمَا بَيناهُ من أَن غير المدلس إِنَّمَا يَفْعَله حَيْثُ يعلم مِنْهُ أَو يفهم عَنهُ أَنه بَلَاغ لَا سَماع وَمَتى أبهم فأوهم قصدا مِنْهُ لذَلِك عد مدلسا

وَلَا يخلص الإِمَام أَبَا عَمْرو النصري من النَّقْض الاحتراس بقوله وَالْكَلَام فِيمَن لم يعرف بالتدليس لأَنا نقُول وَكَذَلِكَ فَرضنَا نَحن الْكَلَام إِنَّمَا هُوَ فِيمَن لم يعرف بالتدليس أما من عرف بالتدليس فمعرفته بذلك كَافِيَة فِي التَّوَقُّف فِي حَدِيثه حَتَّى يتَبَيَّن الْأَمر وَإِنَّمَا اعترضنا قَوْله لِأَنَّهُ لَو لم يكن قد سَمعه مِنْهُ لَكَانَ بِإِطْلَاقِهِ الرِّوَايَة عَنهُ من غير ذكر الْوَاسِطَة بَينهمَا مدلسا فَإِن هَذَا لَا يلْزم لِإِمْكَان وسط بَينهمَا وَهُوَ كَونه مُرْسلا فَلَيْسَ بِمُجَرَّد العنعنة من غير ذكر الْوَاسِطَة يعد مدلسا بل بِقصد

ص: 66

إِيهَام السماع فِيمَا لم يسمع وَكَأن الإِمَام أَبَا عَمْرو استشعر النَّقْض فرام الاحتراس مِنْهُ بقوله وَالْكَلَام فِيمَن لم يعرف بالتدليس وَمَعَ ذَلِك فَيصح أَن يُقَال لَا يلْزم من قَوْله لم يعرف بالتدليس أَن يعرف بالسلامة مِنْهُ بل الْأَمر مُحْتَمل لَكِن حمل على السَّلامَة لِأَنَّهَا الْغَالِب وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ الإِمَام أَبُو عَمْرو بقوله وَالظَّاهِر السَّلامَة من وصمة التَّدْلِيس

هَذَا هُوَ الفيصل فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَهَذِه نُكْتَة نفيسة تكشف لَك حجاب الْإِشْكَال وتوضح الْفرق بَين من عنعن فعد مُرْسلا وَمن عنعن فعد مدلسا وَقد أَتَى مُسلم رحمه الله بأمثلة من ذَلِك نتكلم عَلَيْهَا بعد إِن شَاءَ الله فِي الدَّلِيل الثَّانِي من الْبَاب الثَّانِي بِمَا يفتح الله تَعَالَى بِهِ فَهُوَ الفتاح الْعَلِيم

الْمَذْهَب الرَّابِع

أَنه لَا يشْتَرط فِي الحكم بالاتصال فِي الْإِسْنَاد المعنعن إِلَّا المعاصرة فَقَط والسلامة من التَّدْلِيس علم السماع أَو لم يعلم إِلَّا أَن يَأْتِي مَا

ص: 67

يُعَارض ذَلِك مثل أَن يعلم أَنه لم يسمع أَو لم يلق الْمَنْقُول عَنهُ وَلَا شَاهده أَو تكون سنه لَا تَقْتَضِي ذَلِك

وَهَذَا الْمَذْهَب الرَّابِع هُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ أَبُو الْحُسَيْن مُسلم بن الْحجَّاج رحمه الله فِي مُقَدّمَة كِتَابه الْمسند الصَّحِيح

وَقد تقدم لَفظه فِي ذَلِك حَيْثُ دَعَا إِلَيْهِ سِيَاق الْكَلَام فِي تضاعيف الْمَذْهَب الثَّالِث فأغنى عَن إِعَادَته وَهُوَ الْمَذْهَب الَّذِي اسْتدلَّ عَلَيْهِ وَادّعى فِيهِ الْإِجْمَاع وَعرف الْمُحدثين وَأنكر قَول من خَالفه إنكارا شَدِيدا بِأَلْفَاظ مخشوشنة وَمَعَان مستوبلة وَجعل الْقَائِل بِهِ خارقا للْإِجْمَاع ظنا مِنْهُ رحمه الله أَنه خلاف فِي مَوضِع الْإِجْمَاع

وَمَوْضِع الْإِجْمَاع لَا يسلم لَهُ إِنَّه يتَنَاوَل مَحل النزاع حَسْبَمَا

ص: 68

يتَبَيَّن بعد إِن شَاءَ الله فِي الْبَاب الثَّانِي

قَالَ الإِمَام أَبُو عَمْرو النصري وَأنكر مُسلم بن الْحجَّاج فِي خطْبَة صَحِيحَة على بعض أهل عصره حَيْثُ اشْترط فِي العنعنة ثُبُوت اللِّقَاء والاجتماع وَادّعى انه قَول مخترع لم يسْبق قَائِله إِلَيْهِ وَأَن القَوْل

ص: 69

الشَّائِع الْمُتَّفق عَلَيْهِ بَين أهل الْعلم بالأخبار قَدِيما وحديثا أَنه يَكْفِي فِي ذَلِك أَن يثبت كَونهمَا فِي عصر وَاحِد وَإِن لم يَأْتِ فِي خبر قطّ أَنَّهُمَا اجْتمعَا أَو تشافها قَالَ وَفِيمَا قَالَه مُسلم نظر ثمَّ قَالَ وَقد قيل إِن القَوْل الَّذِي رده مُسلم هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّة هَذَا الْعلم عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَالْبُخَارِيّ وَغَيرهمَا انْتهى

قلت قد بَينا قبل أَنه مَذْهَب البُخَارِيّ وَعلي بن الْمَدِينِيّ حَسْبَمَا حَكَاهُ القَاضِي عِيَاض رحمه الله عَنْهُمَا وَقد تبع مُسلما على مذْهبه فرقة من الْمُحدثين وَفرْقَة من الأصليين مِنْهُم القَاضِي الإِمَام أَبُو بكر ابْن الطّيب الباقلاني الْمَالِكِي فِيمَا حَكَاهُ القَاضِي أَبُو الْفضل عَنهُ وَأَبُو بكر الشَّافِعِي الصَّيْرَفِي فِيمَا حكى ابْن الصّلاح عَنهُ أَنه قَالَ كل من علم لَهُ سَماع من إِنْسَان فَحدث مِنْهُ فَهُوَ على السماع حَتَّى يعلم أَنه لم يسمع مِنْهُ مَا حَكَاهُ وكل من علم لَهُ لِقَاء إِنْسَان فَحدث عَنهُ فَحكمه هَذَا الحكم قَالَ وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا فِيمَن لم يظْهر تدليسه

قلت ولاشك أَنه مَذْهَب متساهل فِيهِ نعم لَو علمنَا من كل وَاحِد وَاحِد من رُوَاة ذَلِك الحَدِيث أَنه لَا يُطلق عَن إِلَّا فِي مَوضِع

ص: 70

الِاتِّصَال وَلَا يُجِيز غير ذَلِك أَو صَحَّ فِيهِ إِجْمَاع من الروَاة كلهم وَعرف لَا ينخرم ضَبطه وَلَكِن ذَلِك لم يثبت نعم قد يسلم الْمنصف أَنه كثير وَلَا يلْزم من كثرته الحكم بِهِ مُطلقًا لوُجُود الإحتمال

الْمَذْهَب الْخَامِس

اصْطِلَاح حدث عِنْد الْمُتَأَخِّرين قَالَ الإِمَام أَبُو عَمْرو النصري وَكثر فِي عصرنا وَمَا قاربه بَين المنتسبين إِلَى الحَدِيث اسْتِعْمَال عَن فِي الْإِجَازَة فَإِذا قَالَ أحدهم قَرَأت على فلَان عَن فلَان أَو نَحْو ذَلِك فَظن بِهِ أَنه رَوَاهُ عَنهُ بِالْإِجَازَةِ قَالَ وَلَا يُخرجهُ ذَلِك من قبيل الِاتِّصَال على مَا لَا يخفى

قلت وَهَذَا اصْطِلَاح تواضع عَلَيْهِ قوم فَلَا نحتاج لَهُ إِلَى تكلّف احتجاج وَكَأن هَؤُلَاءِ استشعروا أَن الْإِجَازَة آخذة بشوب من الِانْقِطَاع إِذْ لابد فِي الْإِجَازَة الْمُجَرَّدَة عَن المناولة لذَلِك الشَّيْء بِعَيْنِه أَو كتبته بِعَيْنِه من الِاعْتِمَاد على الوجادة أَو بُلُوغ ذَلِك إِلَيْهِ بِنَقْل الْآحَاد الْعُدُول أَو الاستفاضة أَو التَّوَاتُر فكأنهم رَأَوْا أَن إِلْغَاء الْمبلغ يدْخلهُ شوبا من الْإِرْسَال فَلذَلِك استعملوا فِيهَا عَن الَّتِي قد تسْتَعْمل فِي الْإِرْسَال على أَن الإِمَام أَبَا عَمْرو ابْن الصّلاح أَبى أَن يكون فِي الْإِجَازَة انْقِطَاع وَقَالَ لَيْسَ فِي

ص: 71

الْإِجَازَة مَا يقْدَح فِي اتِّصَال الْمَنْقُول بهَا وَفِي الثِّقَة بِهِ

وَمَا اخْتَارَهُ هُوَ الَّذِي لَا يتَّجه غَيره عِنْد مجيزي الْإِجَازَة الْمُطلقَة وجاعليها إِخْبَارًا فِي الْجُمْلَة وَهُوَ الَّذِي اعْتَمدهُ الْحَافِظ أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ فَإِنَّهُ يَقُول فِيمَا يروي بِالْإِجَازَةِ أخبرنَا مُطلقًا من غير ذكر إجَازَة لِأَنَّهُ يَرَاهَا إِخْبَارًا فِي الْجُمْلَة زمن الْإِجَازَة ثمَّ يحصل الْعلم لَهُ بالتفصيل فِي ثَانِي حَال

وَمَا ذهب إِلَيْهِ الْحَافِظ أَبُو الْحسن عَليّ بن الْمفضل الْمَقْدِسِي حَاكم الْإسْكَنْدَريَّة من خلاف ذَلِك لَيْسَ بِصَحِيح حَيْثُ قَالَ أثْنَاء كَلَام لَهُ فِي جُزْء سَمَّاهُ تَحْقِيق الْجَواب عَمَّن أُجِيز لَهُ مَا فَاتَهُ من الْكتاب لما تكلم على الطّرق المحصلة الْعلم عِنْد الْمجَاز بِأَن هَذَا من حَدِيث الْمُجِيز لَهُ قَالَ فِيهِ إِلَّا أَنه إِذا لم يسم من أخبرهُ عَمَّن أجَاز لَهُ فَهُوَ مُرْسل لَا محَالة

قلت وَهَذَا سد لباب الْإِجَازَة الْمُطلقَة وَلم يعْتَبر أحد مِمَّن يعْتَبر عِنْد علمه بتفصيل الْمجَاز لَهُ إِعْمَال هَذِه الْوَاسِطَة بل اعتمدوا إلغاؤها وعَلى ذَلِك اسْتمرّ عَمَلهم قَدِيما وحديثا وَإِن ذكرهَا ذَاكر من أهل التشدد قَائِلا أَنا فلَان إجَازَة وأفادنا أَن ذَلِك من حَدِيثه فلَان فطلبا للأكمل وتحريا لبَيَان الْحَالة كَيفَ وَقعت وخروجا عَن الْعهْدَة لَا سِيمَا

ص: 72

حَيْثُ يكون الْمجَاز مِمَّن لَا يعرف الْأَسَانِيد والطرق فَيرى الْبَرَاءَة من الْعهْدَة وإلزاقها بالمخبر لَهُ وَمَا بَيناهُ لَك من أَنه لَا بُد فِيهَا من الِاعْتِمَاد على الوجادة أَو الْبَلَاغ

والوجادة وَإِن أخذت بِطرف من الِاتِّصَال إِذا انْفَرَدت فَلَا يخفى مَا فِيهَا من الِانْقِطَاع لَكِنَّهَا إِذا ازدوجت مَعَ الْإِجَارَة قوى فِيهَا جَانب الإتصال بل صَارَت مُتَّصِلَة وَصَارَ ذَلِك الإنقطاع ملغى عِنْد وجادة الْمجَاز والاطلاع عَلَيْهِ تَفْصِيلًا مَعَ تقدم الْإِجَازَة المفهمة الْإِخْبَار إِجْمَالا فتحقق حكم الِاتِّصَال فِي ثَانِي حَال كَحكم الْكتاب إِذا وصل إِلَى الْمَكْتُوب إِلَيْهِ فَعرف خطّ كَاتبه أَو خَتمه بِأَيّ وَجه عرف ذَلِك ألغى الْوَاسِطَة المبلغة وَثَبت الِاتِّصَال على مَا هُوَ المتقرر الْمَشْهُور من عمل الْأَئِمَّة الماضين من الصَّحَابَة فِي زمن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَبعده وَالتَّابِعِينَ بعدهمْ كَمَا روينَاهُ سَمَاعا بِإِسْنَادِهِ الْمُتَقَدّم إِلَى أبي مُحَمَّد الرامَهُرْمُزِي قَالَ حَدثنِي الْعَبَّاس بن الْحسن قَالَ نَا أَحْمد بن عبد الله بن بكر النَّيْسَابُورِي قَالَ نَا يحيى بن عُثْمَان قَالَ نَا بَقِيَّة قَالَ سَمِعت شُعْبَة يَقُول كتب إِلَيّ مَنْصُور بِأَحَادِيث فَقلت أَقُول حَدثنِي قَالَ نعم إِذا كتبت إِلَيْك فقد حدثتك قَالَ شُعْبَة فَسَأَلت أَيُّوب عَن ذَلِك فَقَالَ صدق إِذا كتب إِلَيْك إِذا حَدثَك

ص: 73

فَهَؤُلَاءِ أَئِمَّة ثَلَاثَة رَأَوْا ذَلِك

قَالَ القَاضِي عِيَاض أَبُو الْفضل وَأَجْمعُوا على الْعَمَل بِمُقْتَضى هَذَا الحَدِيث وعدوه فِي الْمسند بِغَيْر خلاف يعرف فِي ذَلِك وَهُوَ مَوْجُود فِي الْأَسَانِيد كثير

قلت وَوَجهه وضاح الأسرة وَقد سفر عَنهُ الإِمَام أَبُو مُحَمَّد الرامَهُرْمُزِي فِيمَا روينَاهُ عَنهُ بإسنادنا إِلَيْهِ فَقَالَ لِأَن الْغَرَض من القَوْل بِاللِّسَانِ فِيمَا تقع الْعبارَة فِيهِ بِاللَّفْظِ إِنَّمَا هُوَ تَعْبِير اللِّسَان عَن ضمير الْقلب فَإِذا وَقعت الْعبارَة عَن الضَّمِير بِأَيّ سَبَب كَانَ من أَسبَاب الْعبارَة إِمَّا بِكِتَاب وَإِمَّا بِإِشَارَة وَإِمَّا بِغَيْر ذَلِك مِمَّا يقوم مقَامه كَانَ ذَلِك سَوَاء انْتهى

ص: 74

قلت وَإِنَّمَا اعْتمد النَّاس مُنْذُ مُدَّة مُتَقَدّمَة على الْإِجَازَة الْمُطلقَة وَالْكِتَابَة الْمُطلقَة توسعة لباب النَّقْل وترحيبا لمجال الْإِسْنَاد لعزة وجود السماع على وَجهه فِي هَذِه الْأَعْصَار بل قبلهَا بِكَثِير وَتعذر الرحل فِي الْأَكْثَر من الْأَحْوَال واعتمادا على أَن الْأَحَادِيث لما صَارَت فِي دفاتر محصورة وأمات مصنفات مَشْهُورَة ومرويات الشُّيُوخ فِي فهارس مفهرسة قَامَ ذَلِك عِنْدهم مقَام التَّعْيِين الَّذِي كَانَ من مضى من السّلف يَفْعَله فَاكْتفى المجيزون بالإخبار الْجملِي واعتمدوا فِي الْبَحْث عَن التَّفْصِيل على الْمجَاز إِذا تأهل لذَلِك فَكَانَت رخصَة أَخذ بهَا جَمَاهِير أهل الْعلم إبْقَاء لسلسلة الْإِسْنَاد الَّتِي خصت بهَا هَذِه الْأمة وَللَّه الْحَمد والْمنَّة وَإِن كَانَت هَذِه لَيست الْإِجَازَة المتعارفة عِنْد التَّابِعين وتابعيهم كالحسن بن أبي الْحسن الْبَصْرِيّ وَنَافِع مولى عبد الله بن عمر وَأبي بكر بن عبد الرَّحْمَن أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة وَمُجاهد بن جبر وعلقمة بن قيس وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ وَشعْبَة بن الْحجَّاج وَغَيرهم مِمَّن لَا يُحْصى كَثْرَة فَإِنَّمَا كَانَت تِلْكَ فِي الشَّيْء الْمعِين يعرفهُ الْمُجِيز وَالْمجَاز لَهُ أَو مَعَ حُضُور الشَّيْء الْمجَاز فِيهِ

كَمَا أَنا بكتابه غير مرّة مُحَمَّد بن عبد الْخَالِق الْأمَوِي قَالَ أَنا أَبُو الْحسن ابْن الْمفضل إجَازَة إِن لم يكن سَمَاعا قَالَ أَنا القَاضِي أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن يحيى العثماني بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَنا أَبُو الْفضل جَعْفَر بن إِسْمَاعِيل بن خلف الْأنْصَارِيّ أَنا أبي أَنا أَبُو ذَر عبد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله الْهَرَوِيّ نَا أَبُو الْعَبَّاس الْوَلِيد بن بكر ابْن مخلد الأندلسي نَا تَمِيم بن مُحَمَّد نَا أَبُو الْغُصْن السُّوسِي نَا عون ابْن يُوسُف نَا ابْن وهب قَالَ كنت عِنْد مَالك فَجَاءَهُ رجل يحمل

ص: 75

الْمُوَطَّأ فِي كسائه فَقَالَ يَا أَبَا عبد الله هَذَا موطؤك قد كتبته وقابلته فأجزه لي

قَالَ قد فعلت قَالَ فَكيف أَقُول نَا مَالك أَو أخبرنَا قَالَ قل أَيهمَا شِئْت

قَالَ ابْن الْمفضل أَنا بهَا عَالِيا أَبُو طَاهِر السلَفِي قَالَ أَنبأَنَا أَبُو مَكْتُوم عِيسَى بن أبي ذَر الْهَرَوِيّ عَن أَبِيه بِإِسْنَادِهِ الْمُتَقَدّم وَتَمِيم هَذَا الْمَذْكُور فِي هَذَا الْإِسْنَاد هُوَ أَبُو الْعَبَّاس تَمِيم بن أبي الْعَرَب مُحَمَّد بن أَحْمد بن تَمِيم التَّمِيمِي القيرواني فَقِيه من أهل الْعلم والورع والزهد وَالْعِبَادَة والسخاء والمروءة مجمع على فَضله

وَأَبُو الْغُصْن هُوَ نَفِيس الغرابلي الإفْرِيقِي فَقِيه حَافظ ثِقَة

وَعون بن يُوسُف هُوَ أَبُو مُحَمَّد الْخُزَاعِيّ القيرواني فَقِيه ثِقَة حكى القَاضِي عِيَاض عَن عَوْف هَذَا أَنه تفقه بِابْن وهب قَالَ وَلَقَد حضرت ابْن وهب فَأَتَاهُ رجل بتليس فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا مُحَمَّد

ص: 76

هَذِه كتبك فَقَالَ لَهُ ابْن وهب صححت وقابلت فَقَالَ لَهُ نعم فَقَالَ لَهُ اذْهَبْ فَحدث بهَا فقد أجزتها لَك فَإِنِّي حضرت مَالِكًا فَقَالَ مثل ذَلِك

قلت والحكاية عَن مَالك صَحِيحَة ورجالها ثِقَات وَقد أَنا بهَا أَيْضا الإِمَام الْفَقِيه الْعَلامَة أَبُو الْحُسَيْن عبيد الله بن أبي الرّبيع الْقرشِي عَن الْفَقِيه القَاضِي أبي الْقَاسِم بن بَقِي عَن أبي الْحسن شُرَيْح بن مُحَمَّد كُله إجَازَة قَالَ أَنا أَبُو مُحَمَّد بن خزرج قَالَ قَالَ أَبُو مُحَمَّد قَاسم بن إِبْرَاهِيم بن قَاسم الخزرجي نَا أَبُو الْقَاسِم خلف بن يحيى بن غيث قَالَ نَا أَبُو جَعْفَر تَمِيم بن مُحَمَّد وَذكر الْإِسْنَاد سَوَاء والحكاية بمعناها

وَفِي هَذِه الْقِصَّة عَن مَالك فَائِدَة جليلة وَهِي تَصْدِيق الشَّيْخ للتلميذ أَن هَذَا من حَدِيثه وَأَنه كتبه وقابله فَيَأْذَن لَهُ فِي حمله عَنهُ على تَقْدِير صِحَة قَوْله إِنَّه نقل وقابل وَإِن لم يتصفح الشَّيْخ ذَلِك فتفهم هَذَا فَإِنَّهُ يتَخَرَّج مِنْهُ تسويغ الْإِجَازَة الْمُطلقَة فِي جَمِيع الْمَرْوِيّ ويعتمد الشَّيْخ فِي تعْيين ذَلِك على التلميذ وَهَذَا ابْن وهب قد تَابع مَالِكًا على ذَلِك وَهُوَ فَقِيه أهل مصر أَو فِيمَا ينسخه الشَّيْخ الْمُجِيز من حَدِيثه

ص: 77

أَو كِتَابه الَّذِي أَلفه وَيبْعَث بِهِ إِلَى الْمجَاز أَو بِغَيْر ذَلِك من الْوُجُوه الْبَيِّنَة والطرق الْمعينَة

كَمَا أَنا مُحَمَّد بن عبد الْخَالِق الْقرشِي الْأمَوِي سَمَاعا عَلَيْهِ أَنا أَحْمد بن عبد الله بن الْحُسَيْن الْكِنْدِيّ سَمَاعا عَلَيْهِ

أَنا أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد السلَفِي سَمَاعا عَلَيْهِ أَنا الْمُبَارك بن عبد الْجَبَّار الطيوري قِرَاءَة أَنا عَليّ بن أَحْمد الفالي بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَنا أَحْمد بن إِسْحَاق النهاوندي أَنا الْحسن بن عبد الرَّحْمَن بن خَلاد الرامَهُرْمُزِي القَاضِي نَا يُوسُف مشطاح قَالَ سَمِعت أَحْمد بن الْمِقْدَام أَبَا الْأَشْعَث الْعجلِيّ يَقُول كتب إِلَيّ جمَاعَة من أهل بغداذ يسألونني إجَازَة فَكتبت إِلَيْهِم

كتابي هَذَا فافهموه فَإِنَّهُ

كتابي إِلَيْكُم وَالْكتاب رَسُول

وَفِيه سَماع من رجال لقيتهم

لَهُم بصرفي علمهمْ وعقول

فَإِن شِئْتُم فارووه عني فَإِنَّكُم

تَقولُونَ مَا قد قلته وَأَقُول

أَلا فاحذروا التَّصْحِيف فِيهِ فَرُبمَا

تغير مَعْقُول لَهُ ومقول

ص: 78