المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر تجديد حفر زمزم - السيرة النبوية من البداية والنهاية - ت عبد الواحد - جـ ١

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌تَقْدِيم

- ‌ذكر أَخْبَار الْعَرَب

- ‌ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُم (2)

- ‌ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ سَدَّ مَأْرِبَ كَانَ صَنْعَتَهُ أَنَّ الْمِيَاهَ تَجْرِي مِنْ بَيْنِ جَبَلَيْنِ، فَعَمَدُوا فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ فَسَدُّوا مَا بَيْنَهُمَا بِبَنَاءٍ مُحْكَمٍ جِدًّا، حَتَّى ارْتَفَعَ الْمَاءُ فَحَكَمَ عَلَى أَعَالِي الْجَبَلَيْنِ، وَغَرَسُوا فِيهِمَا الْبَسَاتِينَ وَالْأَشْجَارَ الْمُثْمِرَةَ الْأَنِيقَةَ، وَزَرَعُوا الزُّرُوعَ الْكَثِيرَةَ، وَيُقَالَ كَانَ أَوَّلُ مَنْ بَنَاهُ سَبَأَ بْنَ يَعْرُبَ وَسَلَّطَ إِلَيْهِ سَبْعِينَ وَادِيًا يَفِدُ إِلَيْهِ وَجَعَلَ لَهُ ثَلَاثِينَ فُرْضَةً يَخْرُجُ مِنْهَا الْمَاءُ، وَمَاتَ وَلَمْ يَكْمُلْ بِنَاؤُهُ، فَكَمَّلَتْهُ حِمْيَرُ بَعْدَهُ، وَكَانَ اتِّسَاعُهُ فرسخا فِي فَرسَخ، وَكَانُوا فِي غِبْطَةٍ عَظِيمَةٍ وَعَيْشٍ رَغِيدٍ وَأَيَّامٍ طَيِّبَةٍ، حَتَّى ذَكَرَ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ كَانَتْ تَمُرُّ بِالْمِكْتَلِ عَلَى رَأْسِهَا فَيَمْتَلِئُ مِنَ الثِّمَارِ مِمَّا يَتَسَاقَطُ فِيهِ مِنْ نُضْجِهِ وَكَثْرَتِهِ، وَذَكَرُوا أَنَّهُ لم يكن فِي بِلَادهمْ شئ مِنَ الْبَرَاغِيثِ وَلَا الدَّوَابِّ الْمُؤْذِيَةِ، لِصِحَّةِ هَوَائِهِمْ وَطِيبِ فِنَائِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى (لَقَدْ كَانَ لسبإ فِي مسكنهم آيَة جنتان عَن يَمِين وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ، وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَة طيبَة وَرب غَفُور) وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)

- ‌ذِكْرُ خُرُوجِ الْمُلْكِ بِالْيَمَنِ مِنْ حِمْيَرَ وَصَيْرُورَتِهِ إِلَى الْحَبَشَةِ السُّودَانِ كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ شِقٌّ وَسَطِيحٌ الْكَاهِنَانِ

- ‌ذِكْرُ خُرُوجِ أَبْرَهَةَ الْأَشْرَمِ عَلَى أَرْيَاطَ واختلافهما واقتتالهما وصيرورة ملك الْيمن إِلَى أَبْرَهَة بعد قَتله أرياط

- ‌ذِكْرُ سَبَبِ قَصْدِ أَبْرَهَةَ بِالْفِيلِ مَكَّةَ لِيُخَرِّبَ الْكَعْبَة فَأَهْلَكَهُ الله عَاجلا غير آجل

- ‌ذِكْرُ خُرُوجِ الْمُلْكِ عَنِ الْحَبَشَةِ وَرُجُوعِهِ إِلَى سيف بن ذى يزن الحميرى

- ‌ذِكْرُ مَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُ الْفُرْسِ بِالْيَمَنِ

- ‌بَاب ذكر بنى إِسْمَاعِيل وهم عرب الْحجاز

- ‌ذكر أصُول أَنْسَاب قبائل عَرَبِ الْحِجَازِ إِلَى عَدْنَانَ وَذَلِكَ لِأَنَّ عَدْنَانَ وُلِدَ لَهُ وَلَدَانِ مَعَدٌّ وَعَكٌّ

- ‌ذِكْرُ جُمَلٍ مِنَ الْأَحْدَاثِ الْوَاقِعَةِ فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ

- ‌بَاب ذكر جمَاعَة مشهورين كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ

- ‌ذِكْرُ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ أَحَدِ أَجْوَادِ الْجَاهِلِيَّةِ

- ‌ذكر شئ مِنْ أَخْبَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ

- ‌ذِكْرُ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ حُجْرٍ الْكِنْدِيِّ

- ‌ذكر شئ من أَخْبَار أُميَّة بن أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيِّ

- ‌ذكر قس بن سَاعِدَة الايادي

- ‌ذكر زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ رضي الله عنه

- ‌ذكر شئ مِمَّا وَقع مِنَ الَحَوَادِثِ فِي زَمَنِ الْفَتْرَةِ

- ‌ذِكْرُ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ

- ‌ذِكْرُ تَجْدِيدِ حَفْرِ زَمْزَمَ

- ‌ذِكْرُ نَذْرِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ذَبْحَ أَحَدِ وَلَدِهِ

- ‌ذِكْرُ تَزْوِيجِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ نَسَبِهِ الشَّرِيفِ وَطِيبِ أَصْلِهِ الْمُنِيفِ

- ‌بَابُ مَوْلِدِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر ارتجاس الايوان وَسُقُوطِ الشُّرُفَاتِ، وَخُمُودِ النِّيرَانِ، وَرُؤْيَا الْمُوبِذَانِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الدَّلَالَاتِ

- ‌ذِكْرُ حَوَاضِنِهِ وَمَرَاضِعِهِ عليه الصلاة والسلام

- ‌ذِكْرُ رَضَاعِهِ عليه الصلاة والسلام مِنْ حَلِيمَةَ بِنْتِ أَبِي ذُؤَيْبٍ السَّعْدِيَّةِ

- ‌ذِكْرُ شُهُودِهِ عليه الصلاة والسلام حَرْبَ الْفِجَارِ

- ‌ذِكْرُ أَخْبَارٍ غَرِيبَةٍ فِي ذَلِكَ

- ‌بَابٌ فِي هَوَاتِفِ الْجَانِّ

- ‌بَاب كَيْفيَّة بَدْء الْوَحْي

- ‌ذكر عمره عليه الصلاة والسلام وَقت بعثته وَتَارِيخِهَا

- ‌ذِكْرُ إِسْلَامِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه

- ‌ذِكْرُ إِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه

- ‌ذِكْرُ إِسْلَامِ ضِمَادٍ

- ‌بَاب أَمر الله رَسُوله عليه الصلاة والسلام بإبلاغ الرسَالَة إِلَى الْخَاص وَالْعَام

- ‌بَابُ مُجَادَلَةِ الْمُشْرِكِينَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌ذكر تجديد حفر زمزم

أَوْ مَيِّتٍ نُشِرَ؟ الدَّارُ أَمَامَكُمْ، وَالظَّنُّ غَيْرُ مَا تَقُولُونَ، حَرَمُكُمْ زَيِّنُوهُ وَعَظِّمُوهُ وَتَمَسَّكُوا بِهِ، فَسَيَأْتِي لَهُ نَبَأٌ عَظِيمٌ، وَسَيَخْرُجُ مِنْهُ نَبِيٌّ كَرِيمٌ ثُمَّ يَقُولُ: نَهَارٌ وَلَيْلٌ كُلَّ يَوْمٍ بحادث * سَوَاء علينا لَيْلهَا ونهارها يؤوبان بالاحداث حِين تَأَوَّبَا * وَبِالنِّعَمِ الضَّافِي عَلَيْنَا سُتُورُهَا عَلَى غَفْلَةٍ يَأْتِي النَّبِي مُحَمَّد * فيخبر أَخْبَارًا صَدُوق خَبِيرُهَا ثُمَّ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَوْ كُنْتُ فِيهَا ذَا سَمْعٍ وَبَصَرٍ، وَيَدٍ وَرِجْلٍ، لَتَنَصَّبْتُ فِيهَا تنصب الْجمل، ولارقلت فِيهَا إرقال الْفَحْل (1) .

ثمَّ يَقُول: يَا ليتنى شَاهدا فحواء (2) دَعْوَتِهِ * حِينَ الْعَشِيرةُ تَبْغِي الْحَقَّ خِذْلَانًا قَالَ: وَكَانَ بَيْنَ مَوْتِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ وَمَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَمْسُمِائَةِ عَامٍ وَسِتُّونَ سَنَةً.

‌ذِكْرُ تَجْدِيدِ حَفْرِ زَمْزَمَ

عَلَى يَدَيْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ الَّتِي كَانَ قَدْ دَرَسَ رَسْمُهَا بَعْدَ طَمِّ جُرْهُمٍ لَهَا إِلَى زَمَانِهِ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بَيْنَمَا هُوَ نَائِمٌ فِي الْحِجْرِ [إِذْ أُتِيَ فَأُمِرَ بِحَفْرِ زَمْزَمَ](3) وَكَانَ أول مَا ابتدى بِهِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ مِنْ حَفْرِهَا، كَمَا حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ الْمِصْرِيُّ عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ (4) ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن ذرير (5) الفافقى أَنه سمع

(1) الْعجل.

وَهُوَ خطأ.

(2)

نجواء.

وَهُوَ خطأ.

(3)

مَا بَين القوسين سَاقِط من المطبوعة.

(4)

المطبوعة: الْمُزنِيّ، وَهُوَ تَحْرِيف:(5) المطبوعة: رزين، وَهُوَ تَحْرِيف.

(*)

ص: 167

عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه يُحَدِّثُ حَدِيثَ زَمْزَمَ حِينَ أُمِرَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بِحَفْرِهَا قَالَ: قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: إِنِّي لَنَائِمٌ فِي الْحِجْرِ إِذْ أَتَانِي آتٍ فَقَالَ لِي: احْفِرْ طِيبَةَ.

قَالَ: قُلْتُ وَمَا طِيبَةُ؟ قَالَ: ثمَّ ذهب عَنى.

قَالَ: فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ رَجَعْتُ إِلَى مَضْجَعِي فَنِمْتُ فِيهِ، فَجَاءَنِي فَقَالَ: احْفِرْ بَرَّةَ.

قَالَ: قُلْتُ وَمَا بَرَّةُ؟ قَالَ: ثُمَّ ذَهَبَ عَنِّي.

فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ رَجَعْتُ إِلَى مَضْجَعِي فَنِمْتُ فِيهِ، فَجَاءَنِي فَقَالَ: احْفِرِ الْمَضْنُونَةَ.

قَالَ قُلْتُ: وَمَا الْمَضْنُونَةُ؟ قَالَ ثُمَّ ذَهَبَ عَنِّي.

فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ رجعت إِلَى مضجعي فَنمت فِيهِ، فَجَاءَنِي فَقَالَ: احْفِرْ زَمْزَمَ.

قَالَ: قُلْتُ وَمَا زَمْزَمُ؟ قَالَ: لَا تنزف أبدا وَلَا تذم (1) ، تَسْقِي الحجيج الْأَعْظَمَ، وَهِيَ بَيْنَ الْفَرْثِ وَالدَّمِ، عِنْدَ نُقْرَةِ الْغُرَابِ الْأَعْصَمِ، عِنْدَ قَرْيَةِ النَّمْلِ (2) .

قَالَ: فَلَمَّا بَين لَهُ (3) شَأْنَهَا وَدَلَّ عَلَى مَوْضِعِهَا، وَعَرَفَ أَنَّهُ قَدْ صُدِقَ، غَدًا بِمِعْوَلِهِ وَمَعَهُ ابْنُهُ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَلَيْسَ لَهُ يَوْمئِذٍ وَلَدٌ غَيْرُهُ، فحفر فِيهَا، فَلَمَّا بَدَا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ الطَّيُّ (4) كَبَّرَ، فَعَرَفَتْ قُرَيْشٌ أَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ حَاجَتَهُ، فَقَامُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا:

يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ إِنَّهَا بِئْرُ أَبِينَا إِسْمَاعِيلَ، وَإِنَّ لَنَا فِيهَا حَقًّا فَأَشْرِكْنَا مَعَكَ فِيهَا.

قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ قَدْ خُصِصْتُ بِهِ دُونَكُمْ وَأُعْطِيتُهُ مِنْ بَيْنِكُمْ.

قَالُوا لَهُ: فَأَنْصِفْنَا فَإِنَّا غَيْرُ تَارِكِيكَ حَتَّى نُخَاصِمَكَ فِيهَا.

قَالَ: فَاجْعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مَنْ شِئْتُمْ أُحَاكِمْكُمْ إِلَيْهِ.

قَالُوا: كَاهِنَةُ بَنِي سَعْدِ بْنِ هُذَيْمٍ (5) قَالَ: نَعَمْ.

وَكَانَتْ بِأَشْرَافِ الشَّام.

(1) بِئْر ذمَّة وذميم وذميمة: قَليلَة المَاء.

فَهُوَ من أذممت الْبِئْر، أَي وَجدتهَا ذمَّة، كَمَا تَقول: أجبنت الرجل إِذا وجدته جَبَانًا.

وفى المطبوعة: تزم، وَهُوَ تَحْرِيف.

(2)

ذكر السُّهيْلي عللا لهَذِهِ العلامات من أَحْوَال زَمْزَم.

(3)

المطبوعة: لى، وَهُوَ خطأ.

(4)

الطى: مَا طوى بِهِ الْبِئْر من الْحِجَارَة.

وفى المطبوعة: الطمى وَهُوَ تَحْرِيف.

(5)

الطَّبَرِيّ: سعد هذيم.

وَهُوَ الصَّوَاب.

(*)

ص: 168

فَرَكِبَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنَ بَنِي أُمَيَّةَ، وَرَكِبَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ نَفَرٌ.

فَخَرَجُوا وَالْأَرْضُ إِذْ ذَاكَ مَفَاوِزُ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِهَا نَفَدَ مَاءُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَصْحَابُهُ، فَعَطِشُوا حَتَّى اسْتَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ، فَاسْتَسْقَوْا مَنْ مَعَهُمْ فَأَبَوْا عَلَيْهِمْ وَقَالُوا: إِنَّا بِمَفَازَةٍ وَإِنَّا نَخْشَى عَلَى أَنْفُسِنَا مِثْلَ مَا أَصَابَكُمْ.

فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: إِنِّي أَرَى أَنْ يَحْفِرَ كُلُّ رجل مِنْكُم حفرته لنَفسِهِ بِمَا لكم الْآنَ مِنَ الَقُوَّةِ، فَكُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ دَفَعَهُ أَصْحَابُهُ فِي حُفْرَتِهِ ثُمَّ وَارَوْهُ، حَتَّى يَكُونَ آخِرُهُمْ رَجُلًا وَاحِدًا فَضَيْعَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَيْسَرُ من ضَيْعَة ركب جَمِيعه.

فَقَالُوا: نِعْمَ مَا أَمَرْتَ بِهِ.

فَحَفَرَ كُلُّ رَجُلٍ لِنَفْسِهِ حُفْرَةً ثُمَّ قَعَدُوا يَنْتَظِرُونَ الْمَوْتَ عطشا.

ثمَّ إِن عبد الْمطلب قَالَ لاصحابه: وَالله إِنَّ إِلْقَاءَنَا (1) بِأَيْدِينَا هَكَذَا لِلْمَوْتِ لَا نَضْرِبُ فِي الارض وَلَا نبتغى لانفسنا لعجز، فَعَسَى الله أَن يرزقنا مَاء بِبَعْض الْبِلَاد، ارتحلوا.

فَارْتَحَلُوا، حَتَّى إِذَا بَعَثَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ رَاحِلَتَهُ انْفَجَرَتْ مِنْ تَحْتِ خُفِّهَا عَيْنُ مَاءٍ عَذْبٍ، فَكَبَّرَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَكَبَّرَ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ نَزَلَ فَشرب وَشرب أَصْحَابه واستسقوا حَتَّى ملاوا أَسْقِيَتَهُمْ

ثُمَّ دَعَا قَبَائِلَ قُرَيْشٍ وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ فَقَالَ: هَلُمُّوا إِلَى الْمَاءِ فَقَدْ سَقَانَا اللَّهُ.

فَجَاءُوا فَشَرِبُوا واستقوا كلهم، ثمَّ قَالُوا: قَدْ وَاللَّهِ قُضِيَ لَكَ عَلَيْنَا، وَاللَّهِ مَا نُخَاصِمُكَ فِي زَمْزَمَ أَبَدًا، إِنَّ الَّذِي سَقَاكَ هَذَا المَاء بِهَذِهِ الفلاوة هُوَ الَّذِي سَقَاكَ زَمْزَمَ، فَارْجِعْ إِلَى سِقَايَتِكَ رَاشِدًا.

فَرَجَعَ وَرَجَعُوا مَعَهُ، وَلَمْ يَصِلُوا إِلَى الْكَاهِنَةِ، وَخَلُّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَمْزَمَ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَهَذَا مَا بَلَغَنِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي زَمْزَمَ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ سَمِعْتُ مَنْ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ قيل لَهُ حِين أَمر بِحَفر زَمْزَم:

(1) ط خَ: قَالَ لاصحابه: ألقينا بِأَيْدِينَا الخ.

وَهُوَ تَحْرِيف - وَمَا أثْبته عَن ابْن هِشَام.

(*)

ص: 169

ثمَّ ادْع باالماء الرِّوَى غَيْرِ الْكَدِرْ * يَسْقِي حَجِيجَ اللَّهِ فِي كل مبر (1) لَيْسَ يخَاف مِنْهُ شئ مَا عَمَرْ قَالَ: فَخَرَجَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ حِينَ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ إِلَى قُرَيْشٍ، فَقَالَ: تَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَحْفِرَ زَمْزَمَ.

قَالُوا: فَهَلْ بُيِّنَ لَكَ أَيْنَ هِيَ؟ قَالَ: لَا.

قَالُوا: فَارْجِعْ إِلَى مَضْجَعِكَ الَّذِي رَأَيْتَ فِيهِ مَا رَأَيْتَ، فَإِنْ يَكْ حَقًّا مِنَ اللَّهِ يُبَيِّنْ لَكَ، وَإِنْ يَكُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَلَنْ يَعُودَ إِلَيْكَ.

فَرَجَعَ وَنَامَ فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: احْفِرْ زَمْزَم، وَإنَّك إِنْ حَفَرْتَهَا لَنْ تَنْدَمْ، وَهِيَ تُرَاثٌ مِنْ أَبِيكَ الْأَعْظَمْ، لَا تَنْزِفُ أَبَدًا وَلَا تُذِمْ، تسقى الحجيج الاعظم، مثل نعام جافل (2) لم يقسم، ينذر فِيهَا نَاذِرٌ لِمُنْعِمْ (3) .

تَكُونُ مِيرَاثًا وَعَقْدًا مُحْكَمْ.

لَيْسَتْ كَبَعْضِ (4) مَا قَدْ تَعْلَمْ، وَهِيَ بَيْنَ الْفَرْثِ وَالدَّمْ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَزَعَمُوا أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ حِينَ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ: وَأَيْنَ هِيَ؟ قِيلَ لَهُ عِنْدَ قَرْيَةِ النَّمْلِ حَيْثُ يَنْقُرُ الْغُرَابُ غَدًا.

فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ.

قَالَ: فَغَدَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَمَعَهُ ابْنُهُ الْحَارِثُ، وَلَيْسَ لَهُ يَوْمئِذٍ وَلَدٌ غَيْرُهُ.

زَادَ الْأُمَوِيُّ: وَمَوْلَاهُ أَصْرَمُ.

فَوَجَدَ قَرْيَةَ النَّمْلِ، وَوَجَدَ الْغُرَابَ يَنْقُرُ عِنْدَهَا بَيْنَ الْوَثَنَيْنِ إِسَافٍ ونائلن اللَّذَيْنِ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَنْحَرُ عِنْدَهُمَا، فَجَاءَ بِالْمِعْوَلِ وَقَامَ لِيَحْفِرَ حَيْثُ أُمِرَ، فَقَامَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ وَقَالَت: وَاللَّهِ لَا نَتْرُكُكَ تَحْفِرُ بَيْنَ وَثَنَيْنَا اللَّذَيْنِ نَنْحَرُ عِنْدَهُمَا.

فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لِابْنِهِ الْحَارِثِ: ذد عَنى حَتَّى أحفر، فو الله لَأَمْضِيَنَّ لِمَا أُمِرْتُ بِهِ.

فَلَمَّا عَرَفُوا أَنَّهُ غَيْرُ نَازِعٍ خَلُّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَفْرِ وَكَفُّوا عَنْهُ، فَلَمْ يَحْفِرْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى بَدَا لَهُ الطى فَكبر

(1) مبر: مفعل من الْبر، أَي مَنَاسِك الْحَج ومواضع الطَّاعَة.

(2)

الجافل: من جفلت الْغنم إِذا انقلعت بجملتها.

وَلم يقسم: لم يتوزع وَلم يتفرق.

(3)

المطبوعة: بمنعم.

وَهُوَ خطأ.

(4)

المطبوعة: لبَعض، وَهُوَ خطأ.

(*)

ص: 170

وَعَرَفَ أَنَّهُ قَدْ صُدِقَ، فَلَمَّا تَمَادَى بِهِ الْحفر وجد فِيهَا غزالين من ذهب اللَّذين كَانَتْ جُرْهُمٌ قَدْ دَفَنَتْهُمَا، وَوَجَدَ فِيهَا أَسْيَافًا قَلْعِيَّةً وَأَدْرَاعَا.

فَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ: يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ لَنَا مَعَكَ فِي هَذَا شِرْكٌ وَحَقٌّ.

قَالَ: لَا، وَلَكِنْ هَلُمَّ إِلَى أَمْرٍ نِصْفٍ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، نَضْرِبُ عَلَيْهَا بِالْقِدَاحِ.

قَالُوا: وَكَيْفَ نَصْنَعُ؟ قَالَ: أَجْعَلُ لِلْكَعْبَةِ قَدَحَيْنِ وَلِي قَدَحَيْنِ وَلكم قدحين، فَمن خرج قدحاه على شئ كَانَ لَهُ، وَمن تخلف قدحاه فَلَا شئ لَهُ.

قَالُوا: أَنْصَفْتَ.

فَجَعَلَ لِلْكَعْبَةِ قَدَحَيْنِ أَصْفَرَيْنِ وَلَهُ أَسْوَدَيْنِ وَلَهُمْ أَبْيَضَيْنِ، ثُمَّ أَعْطَوُا الْقِدَاحَ لِلَّذِي يَضْرِبُ عِنْدَ هُبَلَ - وَهُبَلُ أَكْبَرُ أَصْنَامِهِمْ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَوْمَ أُحُدٍ: اعْلُ هُبَلُ.

يَعْنِي هَذَا الصَّنَمَ - وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ.

وَذَكَرَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ جَعَلَ يَقُول: اللَّهُمَّ أَنْت الْملك الْمَحْمُود * ربى أَنْت الْمُبْدِئُ الْمُعيِدْ وَمُمْسِكُ الرَّاسِيَةِ الْجُلْمُودْ * مِنْ عَنْدِكَ الطَّارِفُ وَالتَّلِيدْ إِنْ شِئْتَ أَلْهَمْتَ كَمَا تُرِيدْ * لِمَوْضِعِ الْحِلْيَةِ وَالْحَدِيدْ

فَبَيِّنِ الْيَوْمَ لِمَا تُرِيدْ * إنى نذرت العاهد الْمَعْهُود اجْعَلْهُ رب لى فَلَا أَعُودْ قَالَ وَضَرَبَ صَاحِبُ الْقِدَاحِ، فَخَرَجَ الاصفران على الغزالين لِلْكَعْبَةِ، وَخَرَجَ الْأَسْوَدَانِ عَلَى الْأَسْيَافِ وَالْأَدْرَاعِ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَتَخَلَّفَ قَدَحَا قُرَيْشٍ.

فَضَرَبَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ الاسياف بَابا للكعبة، وَضرب فِي الْبَاب الغزالين مِنْ ذَهَبٍ، فَكَانَ أَوَّلَ ذَهَبٍ حُلِّيَتْهُ الْكَعْبَةُ (1) فِيمَا يَزَعُمُونَ.

ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ أَقَامَ سِقَايَةَ زَمْزَمَ لِلْحَاجِّ وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ أَن مَكَّة كَانَ

(1) المطبوعة: حلية للكعبة، وَهُوَ تَحْرِيف.

(*)

ص: 171

فِيهَا بئار كَثِيرَةٌ قَبْلَ ظُهُورِ زَمْزَمَ فِي زَمَنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، ثُمَّ عَدَّدَهَا ابْنُ إِسْحَاقَ وَسَمَّاهَا وَذَكَرَ أَمَاكِنَهَا مِنْ مَكَّةَ وَحَافِرِيهَا، إِلَى أَنْ قَالَ: فَعَفَتْ زَمْزَمُ عَلَى الْبِئَارِ كُلِّهَا وَانْصَرَفَ النَّاسُ كُلُّهُمْ إِلَيْهَا لِمَكَانِهَا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَلِفَضْلِهَا عَلَى مَا سِوَاهَا مِنَ الْمِيَاهِ، وَلِأَنَّهَا بِئْرُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَافْتَخَرَتْ بِهَا بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى قُرَيْشٍ كُلِّهَا وَعَلَى سَائِرِ الْعَرَبِ.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ إِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي زَمْزَمَ: " إِنَّهَا لَطَعَامُ طُعْمٍ.

وَشِفَاءُ سُقْمٍ ".

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُؤَمَّلِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" مَاءُ زَمْزَمَ لما شرب مِنْهُ ".

وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُؤَمَّلِ، وَقَدْ تَكَلَّمُوا فِيهِ وَلَفْظُهُ:" مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ ".

وَرَوَاهُ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَن عبد الرَّحْمَن بن أَبى الموالى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ " وَلَكِنْ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ ضَعِيفٌ.

وَالْمَحْفُوظُ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُؤَمَّلِ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَقَدْ رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا " مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ " وَفِيهِ نَظَرٌ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَهَكَذَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا وَالْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ: إِذَا شَرِبْتَ مِنْ زَمْزَمَ فَاسْتَقْبِلِ الْكَعْبَةَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ وَتَنَفَّسْ ثَلَاثًا وَتَضَلَّعْ مِنْهَا، فَإِذَا فَرَغْتَ فَاحْمَدِ اللَّهَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" إِنَّ آيَةَ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ لَا يَتَضَلَّعُونَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ ".

ص: 172

وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أُحِلُّهَا لِمُغْتَسِلٍ، وَهِيَ لِشَارِبٍ حِلٌّ وَبِلٌّ.

وَقَدْ ذَكَرَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي جَدَّدَ حَفْرَ زَمْزَمَ كَمَا قَدَّمْنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ قَالَ الْأُمَوِيُّ فِي مَغَازِيهِ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ، سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يُحَدِّثُ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنَ هَاشِمٍ حِينَ احْتَفَرَ زَمْزَمَ.

قَالَ: لَا أُحِلُّهَا لِمُغْتَسِلٍ وَهِيَ لِشَارِبٍ حل وبل.

وَذَلِكَ أَنه جعل لَهَا حوضتين حَوْضًا لِلشُّرْبِ، وَحَوْضًا لِلْوُضُوءِ.

فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ: لَا أُحِلُّهَا لِمُغْتَسِلٍ، لِيُنَزِّهَ الْمَسْجِدَ عَنْ أَنْ يُغْتَسَلَ فِيهِ.

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: قَوْلُهُ " وَبِلٌّ " إِتْبَاعٌ.

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْإِتْبَاعُ لَا بِكَوْن بِوَاوِ الْعَطْفِ، وَإِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ إِنَّ " بِلَّ " بِلُغَةِ حِمْيَرَ: مُبَاحٌ.

ثُمَّ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النجُود، أَنه سمع زرا أَنَّهُ سَمِعَ الْعَبَّاسَ يَقُولُ: لَا أُحِلُّهَا لِمُغْتَسِلٍ، وَهِيَ لِشَارِبٍ حِلٌّ وَبِلٌّ.

وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْن مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلْقَمَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ ذَلِكَ.

وَهَذَا صَحِيح إِلَيْهِمَا، وكأنهما يَقُولَانِ ذَلِكَ فِي أَيَّامِهِمَا عَلَى سَبِيلِ التَّبْلِيغِ وَالْإِعْلَامِ بِمَا اشْتَرَطَهُ

عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ حَفْرِهِ لَهَا، فَلَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ كَانَتِ السِّقَايَةُ إِلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَيَّامَ حَيَاتِهِ، ثُمَّ صَارَتْ إِلَى ابْنِهِ أَبِي طَالِبٍ مُدَّةً، ثُمَّ اتُّفِقَ أَنَّهُ أَمْلَقَ فِي بَعْضِ السِّنِينَ فَاسْتَدَانَ مِنْ أَخِيهِ الْعَبَّاسِ عَشَرَةَ آلَافٍ إِلَى الْمَوْسِمِ الْآخَرِ، وَصَرَفَهَا أَبُو طَالِبٍ فِي الْحَجِيجِ فِي عَامِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالسِّقَايَةِ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ لَمْ يَكُنْ مَعَ أَبِي طَالب شئ، فَقَالَ لِأَخِيهِ الْعَبَّاسِ: أَسْلِفْنِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا أَيْضًا إِلَى الْعَامِ الْمُقْبِلِ أُعْطِيكَ جَمِيعَ مَالِكَ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: بِشَرْطِ إِنْ لَمْ تُعْطِنِي تَتْرُكِ السِّقَايَةَ لِي أَكْفِكَهَا.

فَقَالَ: نَعَمْ.

ص: 173