المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر تزويج عبد المطلب ابنه عبد الله - السيرة النبوية من البداية والنهاية - ت عبد الواحد - جـ ١

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌تَقْدِيم

- ‌ذكر أَخْبَار الْعَرَب

- ‌ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُم (2)

- ‌ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ سَدَّ مَأْرِبَ كَانَ صَنْعَتَهُ أَنَّ الْمِيَاهَ تَجْرِي مِنْ بَيْنِ جَبَلَيْنِ، فَعَمَدُوا فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ فَسَدُّوا مَا بَيْنَهُمَا بِبَنَاءٍ مُحْكَمٍ جِدًّا، حَتَّى ارْتَفَعَ الْمَاءُ فَحَكَمَ عَلَى أَعَالِي الْجَبَلَيْنِ، وَغَرَسُوا فِيهِمَا الْبَسَاتِينَ وَالْأَشْجَارَ الْمُثْمِرَةَ الْأَنِيقَةَ، وَزَرَعُوا الزُّرُوعَ الْكَثِيرَةَ، وَيُقَالَ كَانَ أَوَّلُ مَنْ بَنَاهُ سَبَأَ بْنَ يَعْرُبَ وَسَلَّطَ إِلَيْهِ سَبْعِينَ وَادِيًا يَفِدُ إِلَيْهِ وَجَعَلَ لَهُ ثَلَاثِينَ فُرْضَةً يَخْرُجُ مِنْهَا الْمَاءُ، وَمَاتَ وَلَمْ يَكْمُلْ بِنَاؤُهُ، فَكَمَّلَتْهُ حِمْيَرُ بَعْدَهُ، وَكَانَ اتِّسَاعُهُ فرسخا فِي فَرسَخ، وَكَانُوا فِي غِبْطَةٍ عَظِيمَةٍ وَعَيْشٍ رَغِيدٍ وَأَيَّامٍ طَيِّبَةٍ، حَتَّى ذَكَرَ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ كَانَتْ تَمُرُّ بِالْمِكْتَلِ عَلَى رَأْسِهَا فَيَمْتَلِئُ مِنَ الثِّمَارِ مِمَّا يَتَسَاقَطُ فِيهِ مِنْ نُضْجِهِ وَكَثْرَتِهِ، وَذَكَرُوا أَنَّهُ لم يكن فِي بِلَادهمْ شئ مِنَ الْبَرَاغِيثِ وَلَا الدَّوَابِّ الْمُؤْذِيَةِ، لِصِحَّةِ هَوَائِهِمْ وَطِيبِ فِنَائِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى (لَقَدْ كَانَ لسبإ فِي مسكنهم آيَة جنتان عَن يَمِين وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ، وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَة طيبَة وَرب غَفُور) وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)

- ‌ذِكْرُ خُرُوجِ الْمُلْكِ بِالْيَمَنِ مِنْ حِمْيَرَ وَصَيْرُورَتِهِ إِلَى الْحَبَشَةِ السُّودَانِ كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ شِقٌّ وَسَطِيحٌ الْكَاهِنَانِ

- ‌ذِكْرُ خُرُوجِ أَبْرَهَةَ الْأَشْرَمِ عَلَى أَرْيَاطَ واختلافهما واقتتالهما وصيرورة ملك الْيمن إِلَى أَبْرَهَة بعد قَتله أرياط

- ‌ذِكْرُ سَبَبِ قَصْدِ أَبْرَهَةَ بِالْفِيلِ مَكَّةَ لِيُخَرِّبَ الْكَعْبَة فَأَهْلَكَهُ الله عَاجلا غير آجل

- ‌ذِكْرُ خُرُوجِ الْمُلْكِ عَنِ الْحَبَشَةِ وَرُجُوعِهِ إِلَى سيف بن ذى يزن الحميرى

- ‌ذِكْرُ مَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُ الْفُرْسِ بِالْيَمَنِ

- ‌بَاب ذكر بنى إِسْمَاعِيل وهم عرب الْحجاز

- ‌ذكر أصُول أَنْسَاب قبائل عَرَبِ الْحِجَازِ إِلَى عَدْنَانَ وَذَلِكَ لِأَنَّ عَدْنَانَ وُلِدَ لَهُ وَلَدَانِ مَعَدٌّ وَعَكٌّ

- ‌ذِكْرُ جُمَلٍ مِنَ الْأَحْدَاثِ الْوَاقِعَةِ فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ

- ‌بَاب ذكر جمَاعَة مشهورين كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ

- ‌ذِكْرُ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ أَحَدِ أَجْوَادِ الْجَاهِلِيَّةِ

- ‌ذكر شئ مِنْ أَخْبَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ

- ‌ذِكْرُ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ حُجْرٍ الْكِنْدِيِّ

- ‌ذكر شئ من أَخْبَار أُميَّة بن أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيِّ

- ‌ذكر قس بن سَاعِدَة الايادي

- ‌ذكر زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ رضي الله عنه

- ‌ذكر شئ مِمَّا وَقع مِنَ الَحَوَادِثِ فِي زَمَنِ الْفَتْرَةِ

- ‌ذِكْرُ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ

- ‌ذِكْرُ تَجْدِيدِ حَفْرِ زَمْزَمَ

- ‌ذِكْرُ نَذْرِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ذَبْحَ أَحَدِ وَلَدِهِ

- ‌ذِكْرُ تَزْوِيجِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ نَسَبِهِ الشَّرِيفِ وَطِيبِ أَصْلِهِ الْمُنِيفِ

- ‌بَابُ مَوْلِدِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر ارتجاس الايوان وَسُقُوطِ الشُّرُفَاتِ، وَخُمُودِ النِّيرَانِ، وَرُؤْيَا الْمُوبِذَانِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الدَّلَالَاتِ

- ‌ذِكْرُ حَوَاضِنِهِ وَمَرَاضِعِهِ عليه الصلاة والسلام

- ‌ذِكْرُ رَضَاعِهِ عليه الصلاة والسلام مِنْ حَلِيمَةَ بِنْتِ أَبِي ذُؤَيْبٍ السَّعْدِيَّةِ

- ‌ذِكْرُ شُهُودِهِ عليه الصلاة والسلام حَرْبَ الْفِجَارِ

- ‌ذِكْرُ أَخْبَارٍ غَرِيبَةٍ فِي ذَلِكَ

- ‌بَابٌ فِي هَوَاتِفِ الْجَانِّ

- ‌بَاب كَيْفيَّة بَدْء الْوَحْي

- ‌ذكر عمره عليه الصلاة والسلام وَقت بعثته وَتَارِيخِهَا

- ‌ذِكْرُ إِسْلَامِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه

- ‌ذِكْرُ إِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه

- ‌ذِكْرُ إِسْلَامِ ضِمَادٍ

- ‌بَاب أَمر الله رَسُوله عليه الصلاة والسلام بإبلاغ الرسَالَة إِلَى الْخَاص وَالْعَام

- ‌بَابُ مُجَادَلَةِ الْمُشْرِكِينَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌ذكر تزويج عبد المطلب ابنه عبد الله

فَقَالَتْ عِنْدَ ذَلِكَ قُرَيْشٌ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهُوَ قَائِمٌ عِنْدَ هُبَلَ يَدْعُو اللَّهَ: قَدِ انْتَهَى رضى رَبك يَا عبد الْمطلب.

فَعندهَا زَعَمُوا أَنَّهُ قَالَ: لَا حَتَّى أَضْرِبَ عَلَيْهَا بِالْقِدَاحِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.

فَضَرَبُوا ثَلَاثًا وَيَقَعُ الْقِدْحُ فِيهَا عَلَى الْإِبِلِ، فَنُحِرَتْ ثُمَّ تُرِكَتْ لَا يُصَدُّ عَنْهَا إِنْسَانٌ وَلَا يُمْنَعُ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَيُقَال: وَلَا سبع.

وَقد روى أَنه لما بلغت الابل مائَة خرج الْقدح عَلَى عَبْدِ اللَّهِ أَيْضًا، فَزَادُوا مِائَةً أُخْرَى حَتَّى بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَزَادُوا مِائَةً أُخْرَى فَصَارَتِ الْإِبِلُ ثَلَاثَمِائَةٍ، ثُمَّ ضَرَبُوا فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى الْإِبِلِ فَنَحَرَهَا عِنْدَ ذَلِكَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ.

وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سَأَلَتْهُ امْرَأَةٌ أَنَّهَا نَذَرَتْ ذَبْحَ وَلَدِهَا عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَأَمَرَهَا بِذَبْحِ مِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ وَذَكَرَ لَهَا هَذِهِ الْقِصَّةَ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.

وَسَأَلَتْ عَبْدَ اللَّهِ بن عمر فَلم يفتها بشئ بَلْ تَوَقَّفَ.

فَبَلَغَ ذَلِكَ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ، وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: إِنَّهُمَا لَمْ يُصِيبَا الْفُتْيَا.

ثُمَّ أَمَرَ الْمَرْأَةَ أَنْ تَعْمَلَ مَا استطاعت من خير، وَنَهَاهَا عَنْ ذَبْحِ وَلَدِهَا وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِذَبْحِ الْإِبِلِ، وَأَخَذَ النَّاسُ بِقَوْلِ مَرْوَانَ بِذَلِكَ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌ذِكْرُ تَزْوِيجِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ

مِنْ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ الزُّهْرِيَّةِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ انْصَرَفَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ آخِذًا بِيَدِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ، فَمَرَّ بِهِ، فِيمَا يَزْعُمُونَ، عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ، وهى أم قتال أُخْتُ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ وَهِيَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَنَظَرَتْ إِلَى وَجْهِهِ فَقَالَتْ: أَيْنَ تَذْهَبُ

ص: 176

يَا عَبْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَعَ أَبِي.

قَالَتْ: لَكَ مِثْلُ الْإِبِلِ الَّتِي نُحِرَتْ عَنْكَ وَقَعْ عَلَيَّ الْآنَ.

قَالَ: أَنَا مَعَ أَبِي وَلَا أَسْتَطِيعُ خِلَافَهُ وَلَا فِرَاقَهُ.

فَخَرَجَ بِهِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ حَتَّى أَتَى وَهْبَ بْنَ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالب بن فهر، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ بَنِي زُهْرَةَ سِنًّا وَشَرَفًا، فَزَوَّجَهُ ابْنَتَهُ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ، وَهِيَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدَةُ نِسَاءِ قَوْمِهَا.

فَزَعَمُوا أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهَا حِينَ أُمْلِكَهَا مَكَانَهُ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَحَمَلَتْ مِنْهُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا فَأَتَى الْمَرْأَةَ الَّتِي عَرَضَتْ عَلَيْهِ مَا عرضت، فَقَالَ لَهَا: مَالك لَا تَعْرِضِينَ عَلَيَّ الْيَوْمَ مَا كُنْتِ عَرَضْتِ بِالْأَمْسِ؟ قَالَتْ لَهُ: فَارَقَكَ النُّورُ الَّذِي كَانَ مَعَك بالامس فَلَيْسَ لى بك حَاجَة (1) وَكَانَت تَسْمَعُ مِنْ أَخِيهَا وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، وَكَانَ قَدْ تَنَصَّرَ وَاتَّبَعَ الْكُتُبَ، أَنَّهُ كَائِنٌ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ نَبِيٌّ، فَطَمِعَتْ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا، فَجَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَشْرَفِ عُنْصُرٍ وَأَكْرَمِ مَحْتَدٍ وَأَطْيَبِ أَصْلٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى " اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رسَالَته " وَسَنذكر المولد مفصلا.

وَمِمَّا قَالَت أم قتال بِنْتُ نَوْفَلٍ مِنَ الشِّعْرِ، تَتَأَسَّفُ عَلَى مَا فَاتَهَا مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي رَامَتْهُ، وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ رحمه الله: عَلَيْكَ بَآلِ زُهْرَةَ حَيْثُ كَانُوا * وَآمِنَةَ الَّتِي حَمَلَتْ غُلَامَا تَرَى الْمَهْدِيَّ حِينَ نَزَا عَلَيْهَا * وَنُورًا قد تقدمه أماما

(1) الْوَاضِح من الرِّوَايَة أَنَّهَا طلبت من عبد الله الْفَاحِشَة فَأبى، وفى الْيَوْم التالى عرض هُوَ عَلَيْهَا فَأَبت،

وعللت إباءها بِأَن النُّور الذى كَانَ فِي وَجهه قد زَالَ، وفى هَذَا اتهام لعبد الله، وفلسفة للفاحشة بِأَنَّهَا كَانَت رَغْبَة فِي النُّور..! وَلَيْسَ نور النُّبُوَّة إِفْرَاز عُضْو وَلَا إشراقة وَجه، وَالرِّوَايَة ظَاهِرَة الاختلاق، وهى ذمّ فِي صُورَة مدح! هَذَا وَقد جَاءَ بعد أَنَّهَا طلبت مِنْهُ الزواج.

(*)

ص: 177

[إِلَى أَنْ قَالَتْ] : فَكُلُّ الْخَلْقِ يَرْجُوهُ جَمِيعًا * يَسُودُ النَّاسَ مُهْتَدِيًا إِمَامَا بَرَاهُ اللَّهُ مِنْ نور صفاه * فَأَذْهَبَ نُورُهُ عَنَّا الظَّلَامَا وَذَلِكَ صُنْعُ رَبِّكَ إِذْ حَبَاهُ * إِذَا مَا سَارَ يَوْمًا أَوْ أَقَامَا فَيَهْدِي أَهْلَ مَكَّةَ بَعْدَ كُفْرٍ * وَيَفْرِضُ بعد ذَلِكُم الصبياما (1) وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سَهْلٍ الْخَرَائِطِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد ابْن عُمَارَةَ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا انْطَلَقَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بِابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ لِيُزَوِّجَهُ مَرَّ بِهِ عَلَى كَاهِنَةٍ مِنْ أَهْلِ تَبَالَةَ مُتَهَوِّدَةٍ قَدْ قَرَأَتِ الْكُتُبَ، يُقَالَ لَهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ مُرٍّ الْخَثْعَمِيَّةُ، فَرَأَتْ نُورَ النُّبُوَّةِ فِي وَجْهِ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَتْ يَا فَتَى هَلْ لَكَ أَنْ تَقَعَ عَلَيَّ الْآنَ وَأُعْطِيكَ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَمَّا الْحَرَامُ فَالْمَمَاتُ دُونَهْ * وَالْحِلُّ لَا حِلٌّ فَأَسْتَبِينَهْ فَكَيْفَ بِالْأَمْرِ الذى تبغينه ثُمَّ مَضَى مَعَ أَبِيهِ فَزَوَّجَهُ آمِنَةَ بَنْتَ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، فَأَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا.

ثُمَّ إِنَّ نَفْسَهُ دَعَتْهُ إِلَى مَا دَعَتْهُ إِلَيْهِ الْكَاهِنَةُ فَأَتَاهَا فَقَالَتْ: مَا صَنَعْتَ بَعْدِي؟ فَأَخْبَرَهَا.

فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَنَا بِصَاحِبَةِ رِيبَةٍ، وَلَكِنِّي رَأَيْتُ فِي وَجْهِكَ نُورًا فَأَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ فِيَّ، وَأَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ حَيْثُ أَرَادَ.

ثُمَّ أَنْشَأَتْ فَاطِمَةُ تَقُولُ: إِنِّي رَأَيْتُ مُخِيلَةً لَمَعَتْ * فَتَلَأْلَأَتْ بِحَنَاتِمِ (2) الْقطر

(1) هَذَا أَيْضا ظَاهر الاختلاق، وَعَلِيهِ ركاكة الصنع وتفاهة الْوَضع، وَلَا أدرى لم خص الصّيام من بَين شَعَائِر الاسلام! !.

(2)

الحناتم: السحائب السود.

(*)

ص: 178

فلمأتها (1) نورا يضئ لَهُ * مَا حَوْلَهُ كَإِضَاءَةِ الْبَدْرِ وَرَجَوْتُهَا فَخْرًا أَبُوءُ بِهِ * مَا كُلُّ قَادِحِ زَنْدِهِ يُورِي لَلَّهِ مَا زُهْرِيَّةٌ سَلَبَتْ * ثَوْبَيْكَ مَا اسْتَلَبَتْ وَمَا تَدْرِي وَقَالَتْ فَاطِمَةُ أَيْضًا: بَنِي هَاشِمٍ قَدْ غَادَرَتْ مِنْ أَخِيكُمْ * أَمِينَةُ إِذْ لِلْبَاهِ يَعْتَرِكَانِ كَمَا غَادَرَ الْمِصْبَاحَ عِنْدَ خُمُودِهِ * فَتَائِلُ قَدْ مِيثَتْ (2) لَهُ بِدِهَانِ وَمَا كُلُّ مَا يَحْوِي الْفَتَى مِنْ تِلَادِهِ * بَحَزْمٍ وَلَا مَا فَاتَهُ لِتَوَانِي فَأَجْمِلْ إِذَا طَالَبْتَ أَمْرًا فَإِنَّهُ * سَيَكْفِيكَهُ جِدَّانِ يَعْتَلِجَانِ سَيَكْفِيكَهُ إِمَّا يِدٌ مُقْفَعِلَّةٌ (3) * وَإِمَّا يَدٌ مَبْسُوطَةٌ بِبَنَانِ وَلَمَّا حَوَتْ مِنْهُ أَمِينَةُ مَا حَوَتْ * حَوَتْ مِنْهُ فَخْرًا مَا لذَلِك ثَان وروى الامام أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ فِي كِتَابِ " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ " مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنِ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عِمْرَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس قَالَ: إِن عبد الملب قَدِمَ الْيَمَنَ فِي رِحْلَةِ الشِّتَاءِ، فَنَزَلَ عَلَى حَبْرٍ مِنَ الْيَهُودِ.

قَالَ: فَقَالَ لِي رَجُلٌ من أهل الديور - يَعْنِي أَهْلَ الْكِتَابِ -: يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى بَعْضِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَوْرَةً.

قَالَ: فَفَتَحَ إِحْدَى مَنْخَرَيَّ فَنَظَرَ فِيهِ ثُمَّ نَظَرَ فِي الْآخَرِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ فِي إِحْدَى يَدَيْكَ مُلْكًا وَفِي الْأُخْرَى نُبُوَّةً، وَإِنَّا نَجِدُ ذَلِكَ فِي بَنِي زُهْرَةَ فَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي.

قَالَ:

(1) رِوَايَة أَبى نعيم: فَلَمَّا بهَا نور.

وتروى: فلمائها نور.

وَمعنى لمأتها: لمحتها (2) ميثت: خلطت.

وَرِوَايَة أَبى نعيم: مئنت بدهان.

(3)

مقفعلة: متشنجة متقبضة (*)

ص: 179

هَلْ لَكَ مِنْ شَاعَةٍ؟ قُلْتُ وَمَا الشَّاعَةُ؟ قَالَ: زَوْجَةٌ.

قُلْتُ: أَمَّا الْيَوْمُ فَلَا.

قَالَ: فَإِذَا رَجَعْتَ فَتَزَوَّجْ فِيهِمْ.

فَرَجَعَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَتزَوج هَالة بنت وهب بن عبد منَاف بن زهرَة، فَوَلَدَتْ حَمْزَةَ وَصْفِيَّةَ، ثُمَّ تَزَوَّجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ فَوَلَدَتْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ حِينَ تَزَوَّجَ عَبْدُ اللَّهِ بِآمِنَةَ: فَلَجَ، أَيْ فَازَ وَغَلَبَ، عَبْدُ اللَّهِ عَلَى أَبِيهِ عبد الْمطلب.

ص: 180

كِتَابُ سِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذِكْرُ أَيَّامِهِ وَغَزَوَاتِهِ وَسَرَايَاهُ وَالْوُفُودِ إِلَيْهِ وَشَمَائِلِهِ وَفَضَائِلِهِ وَدَلَائِلِهِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ

ص: 181