المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر ارتجاس الايوان وسقوط الشرفات، وخمود النيران، ورؤيا الموبذان، وغير ذلك من الدلالات - السيرة النبوية من البداية والنهاية - ت عبد الواحد - جـ ١

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌تَقْدِيم

- ‌ذكر أَخْبَار الْعَرَب

- ‌ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُم (2)

- ‌ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ سَدَّ مَأْرِبَ كَانَ صَنْعَتَهُ أَنَّ الْمِيَاهَ تَجْرِي مِنْ بَيْنِ جَبَلَيْنِ، فَعَمَدُوا فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ فَسَدُّوا مَا بَيْنَهُمَا بِبَنَاءٍ مُحْكَمٍ جِدًّا، حَتَّى ارْتَفَعَ الْمَاءُ فَحَكَمَ عَلَى أَعَالِي الْجَبَلَيْنِ، وَغَرَسُوا فِيهِمَا الْبَسَاتِينَ وَالْأَشْجَارَ الْمُثْمِرَةَ الْأَنِيقَةَ، وَزَرَعُوا الزُّرُوعَ الْكَثِيرَةَ، وَيُقَالَ كَانَ أَوَّلُ مَنْ بَنَاهُ سَبَأَ بْنَ يَعْرُبَ وَسَلَّطَ إِلَيْهِ سَبْعِينَ وَادِيًا يَفِدُ إِلَيْهِ وَجَعَلَ لَهُ ثَلَاثِينَ فُرْضَةً يَخْرُجُ مِنْهَا الْمَاءُ، وَمَاتَ وَلَمْ يَكْمُلْ بِنَاؤُهُ، فَكَمَّلَتْهُ حِمْيَرُ بَعْدَهُ، وَكَانَ اتِّسَاعُهُ فرسخا فِي فَرسَخ، وَكَانُوا فِي غِبْطَةٍ عَظِيمَةٍ وَعَيْشٍ رَغِيدٍ وَأَيَّامٍ طَيِّبَةٍ، حَتَّى ذَكَرَ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ كَانَتْ تَمُرُّ بِالْمِكْتَلِ عَلَى رَأْسِهَا فَيَمْتَلِئُ مِنَ الثِّمَارِ مِمَّا يَتَسَاقَطُ فِيهِ مِنْ نُضْجِهِ وَكَثْرَتِهِ، وَذَكَرُوا أَنَّهُ لم يكن فِي بِلَادهمْ شئ مِنَ الْبَرَاغِيثِ وَلَا الدَّوَابِّ الْمُؤْذِيَةِ، لِصِحَّةِ هَوَائِهِمْ وَطِيبِ فِنَائِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى (لَقَدْ كَانَ لسبإ فِي مسكنهم آيَة جنتان عَن يَمِين وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ، وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَة طيبَة وَرب غَفُور) وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)

- ‌ذِكْرُ خُرُوجِ الْمُلْكِ بِالْيَمَنِ مِنْ حِمْيَرَ وَصَيْرُورَتِهِ إِلَى الْحَبَشَةِ السُّودَانِ كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ شِقٌّ وَسَطِيحٌ الْكَاهِنَانِ

- ‌ذِكْرُ خُرُوجِ أَبْرَهَةَ الْأَشْرَمِ عَلَى أَرْيَاطَ واختلافهما واقتتالهما وصيرورة ملك الْيمن إِلَى أَبْرَهَة بعد قَتله أرياط

- ‌ذِكْرُ سَبَبِ قَصْدِ أَبْرَهَةَ بِالْفِيلِ مَكَّةَ لِيُخَرِّبَ الْكَعْبَة فَأَهْلَكَهُ الله عَاجلا غير آجل

- ‌ذِكْرُ خُرُوجِ الْمُلْكِ عَنِ الْحَبَشَةِ وَرُجُوعِهِ إِلَى سيف بن ذى يزن الحميرى

- ‌ذِكْرُ مَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُ الْفُرْسِ بِالْيَمَنِ

- ‌بَاب ذكر بنى إِسْمَاعِيل وهم عرب الْحجاز

- ‌ذكر أصُول أَنْسَاب قبائل عَرَبِ الْحِجَازِ إِلَى عَدْنَانَ وَذَلِكَ لِأَنَّ عَدْنَانَ وُلِدَ لَهُ وَلَدَانِ مَعَدٌّ وَعَكٌّ

- ‌ذِكْرُ جُمَلٍ مِنَ الْأَحْدَاثِ الْوَاقِعَةِ فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ

- ‌بَاب ذكر جمَاعَة مشهورين كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ

- ‌ذِكْرُ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ أَحَدِ أَجْوَادِ الْجَاهِلِيَّةِ

- ‌ذكر شئ مِنْ أَخْبَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ

- ‌ذِكْرُ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ حُجْرٍ الْكِنْدِيِّ

- ‌ذكر شئ من أَخْبَار أُميَّة بن أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيِّ

- ‌ذكر قس بن سَاعِدَة الايادي

- ‌ذكر زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ رضي الله عنه

- ‌ذكر شئ مِمَّا وَقع مِنَ الَحَوَادِثِ فِي زَمَنِ الْفَتْرَةِ

- ‌ذِكْرُ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ

- ‌ذِكْرُ تَجْدِيدِ حَفْرِ زَمْزَمَ

- ‌ذِكْرُ نَذْرِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ذَبْحَ أَحَدِ وَلَدِهِ

- ‌ذِكْرُ تَزْوِيجِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ نَسَبِهِ الشَّرِيفِ وَطِيبِ أَصْلِهِ الْمُنِيفِ

- ‌بَابُ مَوْلِدِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر ارتجاس الايوان وَسُقُوطِ الشُّرُفَاتِ، وَخُمُودِ النِّيرَانِ، وَرُؤْيَا الْمُوبِذَانِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الدَّلَالَاتِ

- ‌ذِكْرُ حَوَاضِنِهِ وَمَرَاضِعِهِ عليه الصلاة والسلام

- ‌ذِكْرُ رَضَاعِهِ عليه الصلاة والسلام مِنْ حَلِيمَةَ بِنْتِ أَبِي ذُؤَيْبٍ السَّعْدِيَّةِ

- ‌ذِكْرُ شُهُودِهِ عليه الصلاة والسلام حَرْبَ الْفِجَارِ

- ‌ذِكْرُ أَخْبَارٍ غَرِيبَةٍ فِي ذَلِكَ

- ‌بَابٌ فِي هَوَاتِفِ الْجَانِّ

- ‌بَاب كَيْفيَّة بَدْء الْوَحْي

- ‌ذكر عمره عليه الصلاة والسلام وَقت بعثته وَتَارِيخِهَا

- ‌ذِكْرُ إِسْلَامِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه

- ‌ذِكْرُ إِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه

- ‌ذِكْرُ إِسْلَامِ ضِمَادٍ

- ‌بَاب أَمر الله رَسُوله عليه الصلاة والسلام بإبلاغ الرسَالَة إِلَى الْخَاص وَالْعَام

- ‌بَابُ مُجَادَلَةِ الْمُشْرِكِينَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌ذكر ارتجاس الايوان وسقوط الشرفات، وخمود النيران، ورؤيا الموبذان، وغير ذلك من الدلالات

‌ذكر ارتجاس الايوان وَسُقُوطِ الشُّرُفَاتِ، وَخُمُودِ النِّيرَانِ، وَرُؤْيَا الْمُوبِذَانِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الدَّلَالَاتِ

قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سَهْلٍ الْخَرَائِطِيُّ فِي كِتَابِ هَوَاتِفِ الْجَانِّ:

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوبَ يَعْلَى بْنُ عِمْرَانَ، مِنْ آلِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ، حَدَّثَنِي مَخْزُومُ بْنُ هَانِئٍ الْمَخْزُومِيُّ، عَنْ أَبِيهِ - وَأَتَتْ عَلَيْهِ خَمْسُونَ وَمِائَةُ سَنَةٍ - قَالَ: لَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَة الَّتِي ولد فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ارْتَجَسَ إِيوَانُ كِسْرَى، وَسَقَطَتْ مِنْهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ شُرْفَةً، وَخَمَدَتْ نَارُ فَارِسَ، وَلَمْ تُخْمَدْ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَلْفِ عَامٍ، وَغَاضَتْ بُحَيْرَةُ سَاوَةَ.

وَرَأَى الْمُوبِذَانِ إِبِلًا صِعَابًا تَقُودُ خَيْلًا عِرَابًا قَدْ قَطَعَتْ دِجْلَةَ وَانْتَشَرَتْ فِي بِلَادِهِمْ، فَلَمَّا أَصْبَحَ كِسْرَى أَفْزَعَهُ ذَلِكَ فَتَصَبَّرُ عَلَيْهِ تَشَجُّعًا، ثُمَّ رَأَى أَنَّهُ لَا يَدَّخِرُ ذَلِكَ عَنْ مَرَازِبَتِهِ، فَجَمَعَهُمْ وَلَبِسَ تَاجَهُ وَجَلَسَ عَلَى سَرِيرِهِ.

ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِمْ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا عِنْدَهُ.

قَالَ: أَتُدْرُونَ فِيمَ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ؟ قَالُوا: لَا إِلَّا أَنْ يُخْبِرَنَا الْمَلِكُ.

فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِك إِذْ ورد عَلَيْهِم كتاب خمود النِّيرَانِ فَازْدَادَ غَمًّا إِلَى غَمِّهِ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِمَا رَأَى وَمَا هَالَهُ.

فَقَالَ الْمُوبِذَانُ: وَأَنَا، أَصْلَحَ اللَّهُ الْمَلِكَ، قَدْ رَأَيْتُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ رُؤْيَا.

ثُمَّ قَصَّ عَلَيْهِ رُؤْيَاهُ فِي الابل.

فَقَالَ: أَي شئ يَكُونُ هَذَا يَا مُوبِذَانُ؟ قَالَ: حَدَثٌ يَكُونُ فِي نَاحِيَةِ الْعَرَبِ.

وَكَانَ أَعْلَمَهُمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.

فَكَتَبَ عِنْدَ ذَلِكَ: مِنْ كِسْرَى مَلِكِ الْمُلُوكِ إِلَى النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، أَمَّا بَعْدُ فَوَجِّهْ إِلَيَّ بِرَجُلٍ عَالِمٍ بِمَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْهُ.

فَوَجَّهَ إِلَيْهِ بِعَبْدِ الْمَسِيحِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَيَّانَ بْنِ بُقَيْلَةَ (1) .

الْغَسَّانِيِّ، فَلَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: أَلَكَ عِلْمٌ بِمَا أُرِيدُ أَن أَسأَلك عَنهُ؟ فَقَالَ: لتخبرنى أَو ليسلني الْمَلِكُ عَمَّا أَحَبَّ، فَإِنْ كَانَ عِنْدِي مِنْهُ علم وَإِلَّا أخْبرته بِمن يعلم.

فَأخْبرهُ بالذى

(1) المطبوعة: نفيلة وَهُوَ خطأ.

(*)

ص: 215

وَجَّهَ بِهِ إِلَيْهِ فِيهِ.

قَالَ: عِلْمُ ذَلِكَ عِنْدَ خَالٍ لِي يَسْكُنُ مَشَارِفَ الشَّامِ يُقَالَ لَهُ سَطِيحٌ.

قَالَ فَائْتِهِ فَاسْأَلْهُ عَمَّا سَأَلَتُكَ عَنهُ ثمَّ ائتنهى بِتَفْسِيرِهِ.

فَخَرَجَ عَبْدُ الْمَسِيحِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَطِيحٍ وَقَدْ أَشَفَى عَلَى الضَّرِيحِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَكَلَّمَهُ

فَلَمْ يَرُدَّ إِلَيْهِ سَطِيحٌ جَوَابًا فَأَنْشَأَ يَقُولُ: أَصُمَّ أَمْ يَسْمَعُ غِطْرِيفُ الْيَمَنْ * أَمْ فَادَ فَازْلَمَّ بِهِ شَأْوُ الْعَنَنْ (1) يَا فَاصِلَ الخطة أعيت من وَمن * أَتَاكَ شَيْخُ الْحَيِّ مَنْ آلِ سَنَنْ وَأُمُّهُ من آل ذِئْب بن حجن * أَزْرَق نهم النَّابِ صَرَّارُ الْأُذُنْ (2) أَبْيَضُ فَضْفَاضُ الرِّدَاءِ وَالْبَدَنْ * رَسُول قيل الْعَجم يسرى للوسن (3) تجوب بى الارض علنداة شزن * لَا يرهب الرَّعْد وَلَا ريب الزَّمن (4) تَرْفَعُنِي وَجْنًا وَتَهْوِي بِي وَجَنْ * حَتَّى أَتَى عارى الجآجى والقطن (5)

(1) فاد: مَاتَ.

قَالَ: رعى خَرَزَات الْملك عشْرين حجَّة * وَعشْرين حَتَّى فاد والشيب شَامِل وازلم: ذهب مسرعا.

والاصل فِيهِ ازلام فحذفت الْهمزَة تَخْفِيفًا.

وَقيل: أَصْلهَا ازلام، كاشهاب فحذفت الالف تَخْفِيفًا أَيْضا.

وشأو العنن: اعْتِرَاض الْمَوْت على الْخلق.

وَقيل: ازلم: قبض.

والعنن: الْمَوْت.

أَي عرض لَهُ الْمَوْت فَقَبضهُ.

وَقد تصحفت الرِّوَايَة فِي النِّهَايَة: أَن فار.

انْظُر النِّهَايَة 2 / 139.

(2)

صرار الاذن: ينصبها للاستماع.

(3)

وتروى: ينمى للوسن.

والوسن: أول النّوم.

(4)

العلنداة: القوية من النوق.

والشزن: الَّتِى تمشى من نشاطها على جَانب.

شزن فلَان إِذا نشط.

وَقيل: الشزن: المعي من الحفاء.

هَذَا وَالْمَشْهُور فِي رِوَايَة الْبَيْت: تجوب بى الارض علنداة شزن * ترفعني وجنا وتهوى بى وجن أما الشّطْر الثَّانِي هُنَا فيروى: رَسُول قيل الْعَجم ينمى للوسن * لَا يرهب الوغد وَلَا ريب الزَّمن (5) الوجن بِفَتْح فَسُكُون وبفتحتين: الارض الغليظة الصلبة.

ويروى بِالضَّمِّ جمع وجين.

والجآجى: جمع جؤجؤ، وَهُوَ عِظَام الصَّدْر.

والقطن بِفَتْح الطَّاء: أَسْفَل الظّهْر.

وَقيل: الصَّوَاب الْقطن بِكَسْر

الطَّاء جمع قطنة وهى مَا بَين الفخذين.

(*)

ص: 216

تَلُفُّهُ فِي الرِّيحِ بَوْغَاءُ الدِّمَنْ * كَأَنَّمَا حُثْحِثَ مِنْ حِضْنَيْ ثَكَنْ (1) قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ سَطِيحٌ شِعْرَهُ رَفَعَ رَأْسَهُ يَقُولُ: عَبْدُ الْمَسِيحِ، عَلَى جَمَلٍ مُشِيحْ، أَتَى سَطِيحْ، وَقَدْ أَوْفَى عَلَى الضَّرِيحْ، بَعَثَكَ مَلِكُ بَنِي سَاسَانْ، لِارْتِجَاسِ الْإِيوَانْ، وَخُمُودِ النِّيرَانْ، وَرُؤْيَا الْمُوبِذَانْ، رَأَى إِبِلًا صِعَابًا، تَقُودُ خَيْلًا عِرَابًا، قَدْ قَطَعَتْ دِجْلَةَ، وَانْتَشَرَتْ فِي بِلَادِهَا.

يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ إِذَا كَثُرَتِ التِّلَاوَهْ، وَظَهْرَ صَاحب الهراوة، وفاض وَادي السماوة، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نَار فَارس، فَلَيْسَ الشَّام لسطيح شاما.

يملك مِنْهُم مُلُوك وملكات، عَلَى عَدَدِ الشُّرُفَاتْ وَكُلَّمَا هُوَ آتٍ آتْ.

ثُمَّ قَضَىَ سَطِيحٌ مَكَانَهُ.

فَنَهَضَ عَبْدُ الْمَسِيحِ إِلَى رَاحِلَتِهِ وَهُوَ يَقُولُ: شَمِّرْ فَإِنَّكَ مَاضِي الْعَزْمِ شِمِّيرُ * لَا يُفْزِعَنَّكَ تَفْرِيقٌ وَتَغْيِيرُ إِنْ يُمْسِ مُلْكُ بَنِي سَاسَانَ أَفْرَطَهُمْ * فَإِنَّ ذَا الدَّهْرَ أَطْوَارٌ دَهَارِيرُ فَرُبَّمَا رُبَّمَا أَضْحَوْا بِمَنْزِلَةٍ * يَخَافُ صَوْلَهُمُ الْأُسْدُ الْمَهَاصِيرُ مِنْهُمْ أَخُو الصَّرْحِ بهْرَام وَإِخْوَته * والهرمزان وسابور وَسَابُورُ وَالنَّاسُ أَوْلَادُ عَلَّاتٍ فَمَنْ عَلِمُوا * أَنْ قَدْ أَقَلَّ فَمَحْقُورٌ وَمَهْجُورُ وَرُبَّ قَوْمٍ لَهُمْ صُحْبَانُ ذِي أُذُنٍ * بَدَتْ تُلَهِّيهِمُ فِيهِ الْمَزَامِيرُ وَهُمْ بَنُو الْأُمِّ إِمَّا إِنْ رَأَوْا نَشَبًا * فَذَاك بِالْغَيْبِ مَحْفُوظ وَمَنْصُور

(1) البوغاء: التُّرَاب الناعم.

والدمن: مَا تدمن مِنْهُ، أَي تجمع وَتَلَبَّدَ.

وَتشهد لَهُ الرِّوَايَة الاخرى: * تلفحه الرّيح ببوغاء الدمن * وحثحث: حرك.

والثكن: جبل.

وَقد وَردت هَذِه الْقِصَّة فِي لِسَان الْعَرَب 3 / 312، وفى الاكتفا للكلاعي بتحقيقي باخْتلَاف وَزِيَادَة وَنقص قَالَ الازهرى وَهُوَ حَدِيث حسن غَرِيب.

(*)

ص: 217

وَالْخَيرُ وَالشَّرُّ مَقْرُونَانِ فِي قَرْنٍ * فَالْخَيرُ مُتَّبَعٌ وَالشَّرُّ مَحْذُورُ قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ الْمَسِيحِ على كسْرَى أخبرهُ بِمَا قَالَ لَهُ سَطِيحٌ، فَقَالَ كِسْرَى: إِلَى أَنْ يَمْلِكَ مِنَّا أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَلِكًا كَانَتْ أُمُورٌ وَأُمُورٌ! فَمَلَكَ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ فِي أَرْبَعِ سِنِينَ، وَمَلَكَ الْبَاقُونَ إِلَى خِلَافَةِ عُثْمَانَ رضي الله عنه.

وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ الْمَوْصِلِيِّ بِنَحْوِهِ.

قُلْتُ: كَانَ آخِرَ مُلُوكِهِمْ - الَّذِي سُلِبَ مِنْهُ الْمُلْكُ يَزْدَجِرْدُ بْنُ شَهْرَيَارَ بْنِ أَبْرَوِيزَ بْنِ هُرْمُزَ بْنِ أَنُوشِرْوانَ وَهُوَ الَّذِي انْشَقَّ الْإِيوَانُ فِي زَمَانِهِ.

وَكَانَ لِأَسْلَافِهِ فِي الْمُلْكِ ثَلَاثَةُ آلَافِ سَنَةٍ وَمِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ سنة.

وَكَانَ أول مُلُوكهمْ جيومرت (1) بْنُ أَمِيمَ بْنِ لَاوَذَ بْنِ سَامِ بْنِ نوح [وَقد تقدم تَرْجَمَة شقّ وسطيح فِي أَخْبَار أهل الْيمن](2) .

أَمَّا سَطِيحٌ هَذَا فَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ: هُوَ الرَّبِيعُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مَسْعُود ابْن مَازِنِ بْنِ ذِئْبِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ مَازِنِ بْنِ الْأَزْدِ.

وَيُقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ مَسْعُودٍ وَأُمُّهُ رَدْعَا بِنْتُ سَعْدِ بْنِ الْحَارِثِ الْحَجُورِيِّ.

وَذُكِرَ غَيْرُ ذَلِكَ فِي نَسَبِهِ.

قَالَ: وَكَانَ يَسْكُنُ الْجَابِيَةَ.

ثُمَّ رَوَى عَنْ أَبِي حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ الْمَشْيَخَةَ مِنْهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ قَالُوا: وَكَانَ مِنْ بَعْدِ لُقْمَانَ بْنِ عَادٍ.

وُلِدَ فِي زَمَنِ سَيْلِ الْعَرِمِ وَعَاشَ إِلَى مُلْكِ ذِي نُوَاسٍ وَذَلِكَ نَحْوٌ مَنْ ثَلَاثِينَ قَرْنًا، وَكَانَ مَسْكَنُهُ الْبَحْرَيْنِ وَزَعَمَتْ عَبْدُ الْقَيْسِ أَنَّهُ مِنْهُمْ وَتَزْعُمُ الْأَزْدُ أَنَّهُ مِنْهُمْ وَأَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ يَقُولُونَ هُوَ مِنَ الْأَزْدِ وَلَا نَدْرِي مِمَّنْ هُوَ غَيْرَ أَنَّ وَلَدَهُ يَقُولُونَ إِنَّهُ من الازد.

(1) وَيُقَال لَهُ: كيومرث.

؟ فِي ط: خيومرث (2) من المخطوطة ا.

(3)

من هُنَا إِلَى قَوْله وَقَالَ أَبُو نعيم مَكْتُوب بحاشية الحلبية لم يرد فِي النُّسْخَة اواكتفى بقوله: وَقد تقدم.. (*)

ص: 218

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يكن شئ مِنْ بَنِي آدَمَ يُشْبِهُ سَطِيحًا، إِنَّمَا كَانَ لَحْمًا عَلَى وَضَمٍ لَيْسَ فِيهِ عَظْمٌ وَلَا عَصَبٌ إِلَّا فِي رَأْسِهِ وَعَيْنَيْهِ وَكَفَّيْهِ، وَكَانَ يُطْوَى كَمَا يُطْوَى الثَّوْبُ مِنْ رِجْلَيْهِ إِلَى عُنُقه، وَلم يكن فِيهِ شئ يَتَحَرَّكُ إِلَّا لِسَانُهُ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّهُ كَانَ إِذَا غَضِبَ انْتَفَخَ وَجَلَسَ.

ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَدِمَ مَكَّةَ فَتَلَقَّاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ مِنْهُمْ عَبْدُ شَمْسٍ وَعَبْدُ مَنَافٍ أَبْنَاءُ قُصَيٍّ، فَامْتَحَنُوهُ فِي أَشْيَاءَ فَأَجَابَهُمْ فِيهَا بِالصِّدْقِ، فَسَأَلُوهُ عَمَّا يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، فَقَالَ: خُذُوا مني وَمن إلهام الله إيَّايَ: أَنْتُم الْآنَ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ فِي زَمَانِ الْهَرَمْ، سَوَاء بصائركم وبصائر الْعَجم، لَا علم عنْدكُمْ وَلَا فهم، وينشو من عقبكم ذَوُو فهم، يطْلبُونَ أَنْوَاع الْعلم فيكسرون الصَّنَم، ويتبعون الرَّدْم، وَيقْتلُونَ الْعَجم، يطْلبُونَ الْغَنَمْ.

ثُمَّ قَالَ: وَالْبَاقِي الْأَبَدْ، وَالْبَالِغُ الْأَمَدْ لَيَخْرُجَنَّ مِنْ ذَا الْبَلَدْ، نَبِيٌّ مُهْتَدْ، يَهْدِي إِلَى الرَّشَدْ، يَرْفُضُ يَغُوثَ وَالْفَنَدْ، يَبْرَأُ عَنْ عبَادَة الضِّدّ، يَعْبُدُ رَبًّا انْفَرَدْ، ثُمَّ يَتَوَفَّاهُ اللَّهُ بِخَيْرِ دَارٍ مَحْمُودًا، مِنَ الْأَرْضِ مَفْقُودًا، وَفِي السَّمَاءِ مَشْهُودًا، ثُمَّ يَلِي أَمْرَهُ الصِّدِّيقْ، إِذَا قَضَى صدق، وَفِي رد الْحُقُوق لَا خرق وَلَا نَزِقْ، ثُمَّ يَلِي أَمْرَهُ الْحَنِيفْ، مُجَرِّبٌ غِطْرِيفْ، قَدْ أَضَافَ الْمُضِيفْ، وَأَحْكَمَ التَّحْنِيفْ.

ثُمَّ ذَكَرَ عُثْمَانَ وَمَقْتَلَهُ وَمَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَيَّامِ بَنِي أُمَيَّةَ ثُمَّ بَنِي الْعَبَّاسِ.

وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ.

سَاقَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ بِسَنَدِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِطُولِهِ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا قَوْلَهُ لِرَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ مَلِكِ الْيَمَنِ حِينَ أَخْبَرَهُ بِرُؤْيَاهُ قَبْلَ أَنْ يُخْبِرَهُ بِهَا، ثُمَّ مَا يَكُونُ فِي بِلَادِ الْيَمَنِ مِنَ الْفِتَنِ وَتَغْيِيرِ الدُّوَلِ، حَتَّى يَعُودَ إِلَى سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ فَقَالَ لَهُ: أَفَيَدُومُ ذَلِكَ مِنْ سُلْطَانِهِ أَمْ يَنْقَطِعُ؟ قَالَ: بَلْ يَنْقَطِعُ.

قَالَ: وَمَنْ يَقْطَعُهُ؟ قَالَ نَبِيٌّ زَكِيٌّ

يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنْ قِبَلِ الْعَلِيِّ.

قَالَ: وَمِمَّنْ هَذَا النَّبِيُّ؟ قَالَ: مِنْ وَلَدِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ، بن مَالك

ص: 219

ابْن النَّضْرِ، يَكُونُ الْمُلْكُ فِي قَوْمِهِ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ.

قَالَ: وَهَلْ لِلدَّهْرِ مِنْ آخِرٍ؟ قَالَ: نعم، يَوْم يجمع فِيهِ الْأَولونَ وَالْآخرُونَ، يسْعد فِيهِ الْمُحْسِنُونَ وَيَشْقَى فِيهِ الْمُسِيئُونَ.

قَالَ أَحَقٌّ مَا تُخْبِرُنِي؟ قَالَ: نَعَمْ وَالشَّفَقِ وَالْغَسَقْ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقْ إِنَّ مَا أَنْبَأْتُكَ عَلَيْهِ لَحَقٌّ.

وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ شِقٌّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى كَمَا تَقَدَّمَ.

وَمِنْ شِعْرِ سَطِيحٍ قَوْلُهُ: عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْجَهْرِ * وَلَا تَلْبِسُوا صِدْقَ الْأَمَانَةِ بِالْغَدْرِ وُكُونُوا لِجَارِ الْجَنْبِ خصنا وَجُنَّةً * إِذَا مَا عَرَتْهُ النَّائِبَاتُ مِنَ الدَّهْرِ وَرَوَى ذَلِكَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ، ثُمَّ أَوْرَدَ ذَلِكَ الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا الْجَرِيرِيُّ فَقَالَ: وَأَخْبَارُ سَطِيحٍ كَثِيرَةٌ وَقَدْ جَمَعَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.

وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ كَانَ كَاهِنًا، وَقَدْ أَخْبَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ نَعْتِهِ وَمَبْعَثِهِ.

وَرُوِيَ لَنَا بِإِسْنَادٍ اللَّهُ بِهِ أَعْلَمُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ سَطِيحٍ فَقَالَ: " نَبِيٌّ ضَيَّعَهُ قَوْمُهُ ".

قُلْتُ: أَمَّا هَذَا الْحَدِيثُ فَلَا أَصْلَ لَهُ فِي شئ مِنْ كُتُبِ الْإِسْلَامِ الْمَعْهُودَةِ، وَلَمْ أَرَهُ بِإِسْنَادٍ أَصْلًا، وَيُرْوَى مِثْلُهُ فِي خَبَرِ خَالِدِ بْنِ سِنَانٍ الْعَبْسِيِّ وَلَا يَصِحُّ أَيْضًا.

وَظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ تَدُلُّ عَلَى عِلْمٍ جَيِّدٍ لِسَطِيحٍ، وَفِيهَا رَوَائِحُ التَّصْدِيقِ، لَكِنَّهُ لَمْ يُدْرِكِ الْإِسْلَامَ كَمَا قَالَ الْجَرِيرِيُّ.

فَإِنَّهُ قَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْأَثَرِ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ أُخْتِهِ: يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ إِذَا كَثُرَتِ التِّلَاوَهْ، وَظَهْرَ صَاحب الهراوة، وفاض وَادي السماوة، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نَار فَارس، فَلَيْسَ الشَّام لسطيح شاما، يملك مِنْهُمْ مُلُوكٌ وَمَلِكَاتْ، عَلَى عَدَدِ الشُّرُفَاتْ وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آتْ.

ثُمَّ قَضَى سَطِيحٌ مَكَانَهُ وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَهْرٍ - أَوْ شَيْعِهِ (1) - أَي أقل مِنْهُ.

*

(1) المطبوعة: أوشية.

وَهُوَ تَحْرِيف.

(*)

ص: 220

وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِأَطْرَافِ الشَّامِ مِمَّا يَلِي أَرْضَ الْعِرَاقِ.

فَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَمْرِهِ وَمَا صَارَ إِلَيْهِ.

وَذَكَرَ ابْنُ طَرَّارٍ الْجَرِيرِيُّ (1) أَنَّهُ عَاشَ سَبْعَمِائَةِ سَنَةٍ.

وَقَالَ غَيْرُهُ خَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ، وَقِيلَ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ أَنَّ مَلِكًا سَأَلَ سَطِيحًا عَنْ نَسَبِ غُلَامٍ اخْتُلِفَ فِيهِ، فَأَخْبَرَهُ عَلَى الْجَلِيَّةِ فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ مَلِيحٍ فَصِيحٍ.

فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ يَا سَطِيحُ أَلَا تُخْبِرُنِي عَنْ عِلْمِكَ هَذَا؟ فَقَالَ: إِن علمي هَذَا لَيْسَ منى وَلَا بجزم وَلَا بِظَنٍّ، وَلَكِنْ أَخَذْتُهُ عَنْ أَخٍ لِي قَدْ سَمِعَ الْوَحْيَ بِطُورِ سَيْنَاءَ.

فَقَالَ لَهُ أَرَأَيْتَ أَخَاكَ هَذَا الْجِنِّيَّ أَهْوَ مَعَكَ لَا يُفَارِقُكَ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ لَيَزُولَ حَيْثُ أَزُولْ، وَلَا أَنطلق إِلَّا بِمَا يَقُولْ.

وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ وُلِدَ هُوَ وَشِقُّ بْنُ مُصْعَبِ بْنِ يَشْكُرَ بْنِ رُهْمِ بْنِ بُسْرِ بْنِ عُقْبَةَ الْكَاهِنُ الْآخَرُ، وُلِدَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَحُمِلَا إِلَى الْكَاهِنَةِ طَرِيفَةَ بنت الْحُسَيْن الحميدية فَتَفَلَتْ فِي أَفْوَاهِهِمَا فَوَرِثَا مِنْهَا الْكِهَانَةَ، وَمَاتَتْ مِنْ يَوْمِهَا.

وَكَانَ نِصْفَ إِنْسَانٍ وَيُقَالَ إِنَّ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيَّ مِنْ سُلَالَتِهِ، وَقَدْ مَاتَ شِقٌّ قَبْلَ سَطِيحٍ بِدَهْرٍ.

وَأَمَّا عَبْدُ الْمَسِيحِ بْنُ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ بْنِ حَيَّانَ بْنِ بُقَيْلَةَ (2) الْغَسَّانِيُّ النَّصْرَانِيُّ فَكَانَ مِنِ المعمرين.

وَقد تَرْجمهُ الْحَافِظ بن عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ وَقَالَ هُوَ الَّذِي صَالَحَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَلَى [الْحِيرَةِ (3) ] وَذَكَرَ لَهُ مَعَهُ قِصَّةً طَوِيلَةً وَأَنَّهُ أَكَلَ مِنْ يَدِهِ سُمَّ سَاعَةٍ فَلَمْ يُصِبْهُ سُوءٌ، لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَهُ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ أَذًى.

ثمَّ أكله

(1) ابْن طرار الجريرى: هُوَ الامام الْمَشْهُور أَبُو الْفرج الْمعَافى بن زَكَرِيَّا الجريرى النهرواني.

وَقد ذكره ابْن كثير قَرِيبا باسمه.

اللّبَاب 1 / 224.

(2)

المطبوعة: نفيلة.

وَهُوَ خطأ.

(3)

سَقَطت من الاصل وهى من الِاشْتِقَاق لِابْنِ دُرَيْد 485.

(*)

ص: 221

فَعَلَتْهُ غَشْيَةٌ فَضَرَبَ بِيَدَيْهِ عَلَى صَدْرِهِ، ثُمَّ عَرِقَ وَأَفَاقَ رضي الله عنه وَذَكَرَ لِعَبْدِ الْمَسِيحِ أَشْعَارًا غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ (1) .

وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ، حَدَّثَنَا الْمُسَيَّبُ بْنُ شَرِيكٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شَرِيكٍ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَانَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ رَاهِبٌ مِنَ الرُّهْبَانِ يُدْعَى عِيصًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَكَانَ مُتَخَفِّرًا بِالْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، وَكَانَ اللَّهُ قَدْ آتَاهُ عِلْمًا كَثِيرًا وَجَعَلَ فِيهِ مَنَافِعَ كَثِيرَةً لِأَهْلِ مَكَّةَ مِنْ طِيبٍ وَرِفْقٍ وَعِلْمٍ.

وَكَانَ يَلْزَمُ صَوْمَعَةً لَهُ وَيَدْخُلُ مَكَّةَ فِي كُلِّ سَنَةٍ فَيَلْقَى النَّاس وَيَقُول: إِنَّه يُوشك أَن أَنْ يُولَدَ فِيكُمْ مَوْلُودٌ يَا أَهْلَ مَكَّةَ يَدِينُ لَهُ الْعَرَبُ وَيَمْلِكُ الْعَجَمَ، هَذَا زَمَانُهُ، وَمَنْ أَدْرَكَهُ وَاتَّبَعَهُ أَصَابَ حَاجَتَهُ، وَمَنْ أَدْرَكَهُ فخالفه أَخطَأ حَاجته، وَبِاللَّهِ مَا تَرَكْتُ أَرْضَ الْخَمْرِ وَالْخَمِيرِ وَالْأَمْنِ وَلَا حَلَلْتُ بِأَرْضِ الْجُوعِ وَالْبُؤْسِ وَالْخَوْفِ إِلَّا فِي طلبه.

وَكَانَ لَا يُولد بِمَكَّة مولد إِلَّا يَسْأَلُ عَنْهُ، فَيَقُولُ مَا جَاءَ بَعْدُ.

فَيُقَالَ لَهُ: فَصِفْهُ.

فَيَقُولُ لَا.

وَيَكْتُمُ ذَلِكَ لِلَّذِي قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَاقٍ مِنْ قَوْمِهِ، مَخَافَةً عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ دَاعِيَةً إِلَى أَدْنَى مَا يَكُونُ إِلَيْهِ مِنَ الْأَذَى يَوْمًا.

وَلَمَّا كَانَ صَبِيحَةُ الْيَوْمِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عبد الله ابْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَتَّى أَتَى عِيصًا، فَوَقَفَ فِي أصل صومعته ثمَّ نَادَى: يَا عيصاه.

فَنَادَاهُ مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ.

فَأَشْرَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: كُنْ أَبَاهُ فَقَدْ وُلِدَ الْمَوْلُودُ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَيبْعَث يَوْم الِاثْنَيْنِ، وَيَمُوت الِاثْنَيْنِ.

(1) إِلَى هُنَا آخر الْحَاشِيَة الَّتِى أثبتتها المطبوعة عَن النُّسْخَة الحلبية (*)

ص: 222