المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفاء عاطفة سببية - آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني - جـ ٨

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

فهرس الكتاب

- ‌القسم الأول[فيما يتعلق بالقصة رواية ودراية]

- ‌ لم ينفرد ابن إسحاق بذكر ما يدل على عزم قريش أن لا يقاتلوا

- ‌ نجدة العرب وحميتهم

- ‌ قدوم أبرهة

- ‌أدلة على أن أهل مكة لم يقاتلوا أبرهة

- ‌الأمور التي نسبها المعلِّم إلى الفريق الأول:

- ‌ الأمور التي لخصها من الأشعار:

- ‌الجمع أو الترجيح فيما اختلفت فيه الروايات:

- ‌ استنتاج المعلم:

- ‌تحرير البحث:

- ‌(و)الباعث للمعلم ــ رحمه الله ــ على دعوى أن أهل مكة قاتلوا أهل الفيل أمران:

- ‌ الأمارة الأولى:

- ‌ الأمارة الثانية:

- ‌ الأمارة الثالثة:

- ‌ الأمارة الرابعة:

- ‌ الحكمة في عدم شرع الوقوف للدعاء عند جمرة العقبة

- ‌ القسم الثانيتفسير السورةوفيه: مقدمة وبابان

- ‌ الفاء عاطفة سببية

- ‌ الباب الثانيفي البحث مع المعلِّم رحمه الله تعالى في: {تَرْمِيهِمْ}

- ‌ فوائد وقواعد ينبني عليها البحث

- ‌النحاة إنّما يهتمّون بدفع الإلباس والإيهام

- ‌ لا حاجة بأهل السنّة إلى تعسّف الطعن في المجاز والتشكيك فيه

- ‌(5) الحال الذي هو زمن التكلم

- ‌(9) المصادر من حيث مدلولها على ضربين:

- ‌ 15] (10) الحال النحوية من شرطها الاقتران بعاملها في الزمن

- ‌ فصل

- ‌فهرس مراجع التحقيق

الفصل: ‌ الفاء عاطفة سببية

إن كانت كتابة فهي اسم من رمي بتلك الحصاة. وهذا حدس لا مستند له. والله أعلم.

[ص 112] 6 - تقدم في فصل (هـ) من القسم الأول ما جاء في تأثير الحجارة فيهم، وأن الراجح أنها كانت تجرح من أصابته جرحًا ما، فيتقرح ذلك الموضع، ويصيب صاحبه الجدري والحكة ونحو ذلك. ومن لم تصبه جُدر بالعدوى العادية، ففرّوا يتساقطون عند كل منهل.

* * * *

{فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)}

1 -

‌ الفاء عاطفة سببية

، أي فجعلهم الله بما أصابهم من الحجارة التي رمتهم بها الطير وما أحدثته فيهم من الآثار كعصف مأكول.

2 -

"العصف" في أكثر الروايات عن السلف هو التبن، وفي بعضها أنه ورق الزرع، وفي بعضها أنه الورق مطلقًا

(1)

. وكأنه مأخوذ من عصفت الريح، لأنها تعصف به، أي تذهب به.

3 -

اختلف في قوله: {مَأْكُولٍ} قيل: إن المراد: أصابه الأُكال، أي أكلته الدود، فالمعنى: كورق الزرع الذي أكلته الدود، فتفرق وتمزق، وعصفت به الريح، فذهب شذر مذر.

وقيل: المراد: أكلته البهائم، أي أكلت منه، وداسته، فهو فضلة ما أكلته، فإنه أشد هوانًا له على الناس.

وقيل: المراد: أكلته البهائم فراثته، ولكن القرآن ترفَّع عن التصريح.

(1)

راجع تفسير ابن جرير (27/ 64) و (30/ 169). [المؤلف].

ص: 139

وقيل: كعصف أكل حبه، فإن ورق الزرع ما دام على حبه لا يتفرق، ولا يهون على الناس.

والقول الثالث هو الظاهر. والثاني قوي، والنفس إليه أميل. والله أعلم.

[ص 113] وقال المعلِّم رحمه الله (ص 3): "المأكول: ما من شأنه أن يؤكل، تسمية الشيء بما يؤول إليه. وهذا الأسلوب عام في الكلام، قال تعالى: {لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} [الأنفال: 42، 44] ".

قال عبد الرحمن: هذا التأويل يجعل الكلمة لغوًا، فإنه معلوم أن من شأن العصف أن يؤكل، فأي فائدة في وصفه بما لا يخفى، ولا ينكر، ولا مقتضى لتنزيله منزلة الخفي، أو المنكر.

فأما قوله تعالى: {لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} ، فالقضاء هنا بمعنى التنفيذ بالفعل، فيما يظهر. كان ذلك الأمر مفعولًا: مقدرًا في علم الله أنه سيفعل، فقضاه، أي نفذه ونجزه ذلك اليوم، أي يوم بدر.

لا يقال: إن كل ما قضاه الله تعالى بالفعل، فمعلوم أنه كان مقدرًا فعله في علمه، وهذا يشبه ما اعترضت به قول المعلِّم في "مأكول". لأني أقول: لا يستحضر كل إنسان ولا يصدق كل أحد بأن كل ما يقع فقد سبق في علم الله أنه واقع. فتدبر!

4 ــ قال المعلِّم رحمه الله (ص 3): "إنما شبه أصحاب الفيل بالعصف المأكول لما أنهم هُزموا وكُسروا ومُزِّقوا كلَّ ممزَّق، وذهبت سلطنتهم بعيد ذلك. وهذا تشبيه معروف، قال عدي بن زيد في قصيدته المشهورة

(1)

:

(1)

ديوان عدي (90).

ص: 140

ثم صاروا كأنهم ورقٌ جَفْـ

ـفَ فألوَتْ به الصَّبا والدَّبورُ

وهكذا في القرآن {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ [ص 114] نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} [الكهف: 45] أي: جعلهم كهباء منثور

ثم زاد هذا التشبيه حسنا أن أصحاب الفيل تناثرت أعضاؤهم، وأكلتهم سباع الطير ــ كما سيأتيك بيانه ــ فصدق عليهم صورة ومعنى أنهم صاروا كعصف مأكول".

قال عبد الرحمن: التشبيه يعطي ثلاثة أمور:

الأول: الهلاك، وقد جاء نحوه في قصة ثمود، قال تعالى:{إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} [القمر: 31].

الثاني: الهوان على الناس، فإن ما تُسْئِره الدواب من العصف أو تروثه لا يلتفت إليه أحد، ولاسيَّما إذا تفرق، وقد يأتي نحو هذا في {كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} .

الثالث: التفرق، وذلك من شأن العصف الملقى أن تذهب به الرياح شذر مذر.

يظهر أن اختيار كلمة "عصف" يشير إلى ذلك، فإنها مأخوذة من عصفت الريح، كما مر.

فإن قيل: فقد تقدم أن القوم لم يهلكوا جميعًا، بل نجا بعضهم.

قلت: يكفي في صدق التشبيه هلاك أكثرهم، فإن من نجا منهم إنما نجا مصابًا، كالأعميين المقعدين اللذين أدركتهما عائشة بمكة، وذلك ضرب من الهلاك، قد يكون أشد من الموت. ومن لم يصب منهم ــ إن كان ــ فإنه رجع

ص: 141

خاسئًا ذليلًا، وذاك ضرب آخر من الهلاك.

على أن حكاية القصص والوقائع لا يجب أن تدقق فيها العبارة تدقيقها في العقائد والأحكام، فقد يطلق فيها العام مرادًا به الخاص، اكتفاءً بقرينة ليست بغاية القوة، كأن يكون اكتفى ههنا بمشاهدة العرب، ونقلهم [ص 115] أن بعض أفراد ذلك الجيش نجوا، والله أعلم.

ويكفي في صحة الوجه الثالث ــ وهو التفرق ــ تفرق أفرادهم، كما في القصة أنهم ذهبوا يتساقطون عند كل منهل؛ إذ لا يلزم من تشبيه شيء بشيء مساواته به من كل وجه. كيف، ولو قلنا بتساقط أعضائهم، وأكل الطير لحومهم لبقيت عظامهم، فهل يلزم أن يدعى أن عظامهم تهشمت حتى صارت في قدر العصف؟

فأما ما جاء من تساقط أعضائهم بالداء الذي أصابهم، فلعله كان ذلك في بعضهم، فقد جاء أن أبرهة جرى له كذلك. ويمكن أن يكون أصاب عتاة أصحابه مثل ما أصابه. وأما أكل الطير فقد تقدم البحث فيه مستوفى في القسم الأول. والله أعلم.

فانظر إلى هذا النظام البديع في هذه السورة:

الآية الأولى: أجملت ما فعل الرب بأصحاب الفيل، وشوقت إلى معرفته.

والآية الثانية: بيّنت أول ما فعله الربُّ بهم، وهو تضليله كيدهم.

والثالثة: بينت مقدمة العذاب، والواسطة فيه.

والرابعة: بينت صفة العذاب.

والخامسة: بينت ما ختمت به الواقعة، وهو هلاك القوم.

ص: 142