المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أدلة على أن أهل مكة لم يقاتلوا أبرهة - آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني - جـ ٨

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

فهرس الكتاب

- ‌القسم الأول[فيما يتعلق بالقصة رواية ودراية]

- ‌ لم ينفرد ابن إسحاق بذكر ما يدل على عزم قريش أن لا يقاتلوا

- ‌ نجدة العرب وحميتهم

- ‌ قدوم أبرهة

- ‌أدلة على أن أهل مكة لم يقاتلوا أبرهة

- ‌الأمور التي نسبها المعلِّم إلى الفريق الأول:

- ‌ الأمور التي لخصها من الأشعار:

- ‌الجمع أو الترجيح فيما اختلفت فيه الروايات:

- ‌ استنتاج المعلم:

- ‌تحرير البحث:

- ‌(و)الباعث للمعلم ــ رحمه الله ــ على دعوى أن أهل مكة قاتلوا أهل الفيل أمران:

- ‌ الأمارة الأولى:

- ‌ الأمارة الثانية:

- ‌ الأمارة الثالثة:

- ‌ الأمارة الرابعة:

- ‌ الحكمة في عدم شرع الوقوف للدعاء عند جمرة العقبة

- ‌ القسم الثانيتفسير السورةوفيه: مقدمة وبابان

- ‌ الفاء عاطفة سببية

- ‌ الباب الثانيفي البحث مع المعلِّم رحمه الله تعالى في: {تَرْمِيهِمْ}

- ‌ فوائد وقواعد ينبني عليها البحث

- ‌النحاة إنّما يهتمّون بدفع الإلباس والإيهام

- ‌ لا حاجة بأهل السنّة إلى تعسّف الطعن في المجاز والتشكيك فيه

- ‌(5) الحال الذي هو زمن التكلم

- ‌(9) المصادر من حيث مدلولها على ضربين:

- ‌ 15] (10) الحال النحوية من شرطها الاقتران بعاملها في الزمن

- ‌ فصل

- ‌فهرس مراجع التحقيق

الفصل: ‌أدلة على أن أهل مكة لم يقاتلوا أبرهة

الحرب متواصلة بين نزار واليمن، قد يكون أحد الأباره قتل في بعضها، وقدم العهد، فلم يصل إلينا من خبر القصة إلا بيت ذي الرمة. وقد لا يكون قتل، وإنما أصابته طعنة، وقد يكون المقتول أو المطعون آخر، فأشيع أنه أبرهة، ووصلت هذه الإشاعة [ص 21] إلى ذي الرمة.

هذا، ومن ال‌

‌أدلة على أن أهل مكة لم يقاتلوا أبرهة

الروايات الثابتة عن علماء الأخبار كابن إسحاق، والواقدي، وابن الكلبي، وغيرهم. معها رواية ابن عباس التي تقدمت عن "المستدرك" وصححها الحاكم والذهبي، وروايته الأخرى التي رواها ابن مردويه وحسنها ابن حجر في "شرح البخاري"، وستأتي.

ومنها: أن كل من له إلمام بأخبار العرب يعرف شدة حرصهم على رواية أخبار أيامهم، وحفظها، وتردادها في الأسمار، وتقييدها بالأشعار. ولا يكاد يقتل رجل منهم قتيلًا إلا قال في ذلك شعرًا، وإلا افتخرت به قبيلته في أشعارها. ولا يكاد يُقتَل منهم قتيل إلا يُرثى بعدَّة مراثٍ.

وبين أيدينا أخبارهم في حرب البسوس، وحرب داحس، وغير ذلك. نجدها مروية بتفصيل بأسماء فرسانهم وخيلهم، وقاتلهم ومقتولهم، وكيف كان القتال، وكم استمر، إلى غير ذلك من الجزئيات.

وإن شئت فراجع قصة يوم شِعْب جَبَلَة في "الأغاني"، فإنك ترى العجب من التفصيل الذي يخيل إليك أن القصة كتبت في ذلك اليوم، وقد كانت تلك الحرب قبل المولد النبوي بتسع عشرة سنة على ما في "الأغاني"

(1)

.

(1)

(10/ 33 - 45). [المؤلف]. ط الثقافة (11/ 125 - 152).

ص: 30

نعم، إن العصبية قد تلاعبت بكثير من الأخبار، ولكن سلطانها على بعض الجزئيات، كالاختلاف فيمن أشار بدخول الشعب، وفيمن قتل لَقيط بن زُرارة، ونحو ذلك. وأصل القصة وأكثر جزئياتها متفق عليها. وترى في تلك القصة نموذجًا من [ص 22] أشعارها في وقائعهم.

فكيف يعقل مع هذا أن يكونوا قاتلوا أبرهة، وقتلوه في المعركة، ثم لا يوجد لذلك في أخبارهم وأشعارهم أثرٌ؟ مع أن ذلك لو وقع لكان أعظم واقعة تعهدها العرب في أرضها، فإنه لا يعهد في أيامها قبل الإسلام ملك أجنبي غزاها في قلب بلادها بجيش عظيم، وفيلة عديدة، فقاتلوه، وقتلوه في المعركة، وهزموا جنده. فلو وقع ذلك لكان أحق الوقائع بأن تتواتر أخباره، وتكثر أشعارهم فيه، وافتخارهم به، وتنازعهم في القاتل من هو، ورثاء قتلاهم، وغير ذلك.

ومن الأدلة أن جماعة من التابعين وأتباعهم حكوا القصة، وأعلنوا بها، مصرّحين بأن أهل مكة أحجموا عن القتال، وتحرزوا بشَعَف الجبال، ولم يقع قتال ألبتة، فلا يقوم أحد من العرب يرد عليهم، ويبين خلاف ما قالوه. فهب أن العرب تركوا عادتهم في نقل الأخبار، وتقييدها بالأشعار، وكثرة الافتخار؛ أفلم يكن لهم من غيرتهم وحميتهم، والحرص على ردِّ الباطل عنهم، ما يحملهم على أن يصرخوا في وجوه الحاكين لما تقدم عندهم، قائلين: كذبتم، بل قاتل العرب أبرهة، وقتلوه في المعركة، وجرى كيت وكيت.

ومن الأدلة: أن تجارة قريش إلى اليمن والحبشة لم تزل مستمرة، ولو كانوا قاتلوا أبرهة، وقتلوه، لانقطع متجرهم إلى اليمن والحبشة.

ص: 31

ومن الأدلة: أنهم قد قالوا أشعارًا في الواقعة، ترى طرفًا منها في سيرة ابن هشام، [ص 23] وليس فيها أمر القتال ولا قتل، بل كلها ثناء على الله عز وجل في حمايته بيته ومنها قول طالب بن أبي طالب:

ألم تعلموا ما كان في حرب داحسٍ

وجيشُ أبي يكسومَ إذ ملؤوا الشِّعْبا

فلولا دفاعُ الله لا شيءَ غيرُه

لأصبحتمُ لا تمنعون لكم سِرْبا

(1)

ومن الأشعار طرف في "المنمق" لابن حبيب، وليس فيها أثر للقتال.

(هـ)

ذهب المعلِّم ــ عفا الله عنه ــ إلى أن الطير لم ترم أصحاب الفيل، وإنما أرسلها الله عز وجل لأكل جثث موتاهم؛ كيلا يتغير الهواء بجيفهم. واضطرّه ذلك إلى دعوى أن قول الله تعالى في السورة:{تَرْمِيهِمْ} خطابٌ، أي ترميهم أيها المكي. وتصرّف في الروايات المصرحة برمي الطير بردّ بعضها، وتغليط بعضها، وحاول الاحتجاج على أن لم ترمهم، وعلى أنها أكلت جثثهم.

فأما الكلام على قول الله سبحانه: {تَرْمِيهِمْ} فسيأتي في تفسير السورة.

وأما الروايات، فزعم أن الرواة فريقان مختلفان: فريق في روايته ستة أمور، وفريق في روايته خمسة أمور. ورجح ما نسبه إلى الفريق الأول، ثم ساق بعض الروايات من "تفسير ابن جرير"، ثم ذكر أشعارًا للجاهليين تتعلق بالقصة، واستخلص منها أربعة أمور، يؤيد بها ما نسبه إلى الفريق الأول.

(1)

سيرة ابن هشام (1/ 59)، (2/ 26).

ص: 32