الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منها: أن يكون خبرًا لكان أو غيرها من النواسخ، فالحالية هنا هي بالنظر إلى زمن الكون.
ومنها: أن يكون حالًا نحوية، أو في جملة حالية، فالحالية المضارعية هنا هي بالنظر إلى زمن العامل.
ومنها: أن يكون نعتًا ولا صارف، فإن حاليّة الفعل تكون بالنسبة إلى العامل في المنعوت. هذا هو الظاهر فيه، وإن لم يلزم. ومثله كونه مفعولًا ثانيًا لنحو جعل. والله أعلم.
[ص 7]
(5) الحال الذي هو زمن التكلم
هي اللحظة التي تسع الخبر، والخبر يدل على بقاء الفعل ثلاث لحظات: لحظةً قبل الخبر لأنك قبل أن ترى زيدًا مشتغلًا بالكتابة لا تخبر عنه بقولك: " زيد يكتب". فهذه لحظة تسع رؤيتك إياه آخذًا في الكتابة. ولحظةً أخرى تسع الخبر؛ لأن الظاهر أنك لو شرعت في الخبر فرأيته قَطَعَ الكتابة أن تقطع كلامك إن أردت الحقيقة. ولحظةً ثالثةً بعد الخبر، إذ قلّما يتفق أن ينتهي الفعل مع انتهاء الخبر.
(6)
من الأفعال ما يسع الفرد الواحد منه هذه اللحظات الثلاث، ومنها ما أسرع من ذلك كطرف العين، ومنها ما يقصر تارة ويطول أخرى كالنفخ، ومنها ما يستغرق مدّة أكثر من ذلك كالصلاة. وعلى كل حال فلا بد من دوام الفعل تلك اللحظات كما مرّ. فإن كان الفرد الواحد منه أقصر أفهَمَ الكلامُ التكرار كقولك: عينُ زيدٍ تَطْرَف، وإن كان قد يطول وقد يقصر كان الكلام محتملًا للامتداد والتكرار. وإن كان أطول من ذلك فإنما يفهم من الكلام أنه كان مشتغلًا به تلك اللحظات الثلاث، كما في قولك: زيد يصلّي، لابدّ أن يكون قد شرع في الصلاة قبل لحظة من الخبر، ثم استمرّ إلى عقب انتهاء
الخبر. وأما ما قبل هذه اللحظات وما بعدها فالخبر ساكت عنه.
فأما إذا كانت الحالية بالنسبة إلى العامل، فقد يفهم امتداد الفعل أطول مما ذكر، كقولك: جاءنا زيد يمشي، فإن ظاهر هذا أنه استمرّ على المشي منذ خروجه عامدًا إليكم إلى أن وصل.
(7)
كثيرًا ما يستعمل المضارع للدلالة على الاستمرار من الماضي البعيد إلى المستقبل البعيد، إمّا دواميًّا نحو "زيد يحبُّنا"، وإمَّا تجدُّديًّا نحو "زيد يزورنا".
[ص 8] ولما كان الاستمرار من الماضي إلى المستقبل كان حكم هذا المضارع في الحالية على ما تقدم. تقول: "زيد يحبّنا" ما دام مستمرًّا على محبتكم، قد ثبت عليها إلى الحال ويتوقع ثبوته عليها في المستقبل.
فإذا كان خبرًا لـ"كان" كانت حاليته بحسبها. تقول بعد موت زيد بزمان: "كان زيد يحبّنا، وكان يزورنا".
وكذلك إذا كان جملة حالية أو في جملة حالية فبحسب العامل. تقول بعد موت زيد: مكث زيد بالمدينة عشر سنين يطلب العلم، أو وهو يطلب العلم. وكذلك إذا كان مفعولًا ثانيًا لنحو جعل.
ولما كان من مدلوله التكرار في الماضي قطعًا، وأما في المستقبل فلعله إنما يكون ظنًّا، ولا يلزم حصول فرد منه في الحال، وذلك في قولك:"زيد يزورنا" المتحقق أنه قد زاركم مرارًا، ولا يلزم أن يكون فرد من الزيارة حاصلًا حال التكلم بالفعل، وإن كان كالحاصل بالقوة لثبوت أن الزيارة عادة له وخلق؛ وأما في المستقبل فذلك متوقع على سبيل الظن= لما كان الأمر كذلك أطلق بعضهم أنه للماضي.
قال سيبويه: "قد تقع (نفعل) موضع (فعلنا) في بعض المواضع، ومثل ذلك قوله لرجل من بني سلول [ص 9]:
ولقد أمرُّ على اللئيم يسبُّني
…
فمضيتُ ثُمَّتَ قلتُ لا يَعْنيني
واعلم أن (أسير) بمعنى (سرت)
(1)
إذا أردت بـ (أسير) معنى (سرت) "
(2)
.
وبالهامش: "قوله: واعلم أن أسير بمعنى سرت الخ. قال أبو سعيد (السيرافي): إنما يستعمل ذلك إذا كان الفاعل قد عرف منه ذلك الفعل خلقًا وطبعًا، ولا ينكر منه في المضي والاستقبال، ولا يكون لفعل فَعَلَه مرّةً من الدهر".
قال عبد الرحمن: والاستمرار في كل شيء بحسبه، فقد يكون دواميًّا كقولك:"زيد يحبّنا"، وقد يكون تجدّديًّا كقولك:"زيد يزورنا"، ولا بدّ أن يكون تكرَّر في الماضي تكرُّرًا صار به عادة. وذلك يختلف، فالزيارة تحتاج إلى مرار عديدة، وأما في نحو قولك:"زيد يبارز الأسد" فيكفي أن يكون قد وقع منه مرتين فصاعدًا لأن العادة في مثل هذا تثبت بذلك.
(8)
يأتي المضارع للتكرار بعد (ربما) كقوله:
ربّما تجزع النفوسُ من الأمـ
…
ـرِ له فَرْجَةٌ كحلِّ العِقالِ
(3)
(1)
في طبعة هارون: "بمنزلة (سرت) ".
(2)
كتاب سيبويه (1/ 416). [المؤلف]. ط هارون (3/ 24).
(3)
من شواهد سيبويه (2/ 109، 315)، وينسب إلى أمية بن أبي الصلت وغيره. انظر ديوانه (444، 586).
وقال الأعشى:
ثم أذهلتُ عقلَها ربما يُذْ
…
هَلُ عقلُ الفتاةِ شبهِ الهلالِ
(1)
وكذلك بعد (قد)، وهو كثير جدًّا. ومنه قول عمرو بن معد يكرب:
ولقد أجمع رِجلَيَّ بها
…
حذَرَ الموتِ وإنّي لَفَرورُ
ولقد أعطفُها كارهةً
…
حين للنفس من الموت هريرُ
كلُّ ما ذلك منّي خُلُقٌ
…
وبكُلٍّ أنا في الرَّوعِ جديرُ
(2)
[ص 10] وينظر في دلالة الفعل هنا على التكرار، أبسبب (ربما) و (قد) أم من نفس الفعل، كما تقدم في نحو "زيد يزورنا"؟ الذي يلوح لي في (ربما) أنها هي المفيدة للتكرار لأنها تفيده مع الماضي كقول جَذِيمة:
رُبّما أوفيتُ في عَلَمٍ
…
ترفعَنْ ثَوبي شَمَالاتُ
(3)
وتفيده (ربّ) بدون (ما) كقول الأعشى:
رُبَّ رَفْدٍ هَرَقْتَه ذلك اليو
…
مَ وأسْرَى من معشرٍ أقْتالِ
(4)
(1)
في جمهرة أشعار العرب ط الهاشمي (1/ 342): "ربما أذهلت". والبيت ليس في الديوان، وهو من الأبيات الزائدة التي ذكر في إحدى نسخ الجمهرة أن أبا عبيدة قال: إنها لعمرو بن سرية المرادي. انظر: الجمهرة (1/ 341) الحاشية 3.
(2)
حماسة أبي تمام مع شرح التبريزي (1/ 93 - 94). [المؤلف]. وانظر: شرح المرزوقي (1/ 181 - 182) وشعر عمرو (117).
(3)
طبقات فحول الشعراء (1/ 38).
(4)
جمهرة أشعار العرب ص (133). [المؤلف]. وانظر: ط الهاشمي (1/ 338)، وديوان الأعشى (63).
وقوله:
رُبَّ حَيٍّ سقيتَهم جُرَعَ المو
…
تِ وحيٍّ سقيتَهم بسجالِ
(1)
إلّا أنّها مع الماضي تفيد التكرر في الماضي، وأمّا مع المضارع فتفيد التكرر في الماضي والمستقبل لأنّ أصل المضارع للحال.
وأما (قد) فيلوح لي أن التكرار معها من الفعل. فإن أصل معنى (قد) أن تكون للتحقيق مع الماضي كقولك: "قد خرج زيد". وتفيد التوقّع على شكٍّ مع المضارع، كقولك:"قد يقدم زيد غدًا". فإذا استعملت مع المضارع للتكرار فقد تكون للتقليل. ومن أمثالهم: "قد يَبلغُ القَطوفُ الوَساعَ، قد يُبْلَغُ الخَضْمُ بالقَضْمِ، قد تَقْطَع الدَّوِّيَّةَ النَّابُ، قد يُؤتَى على يَدَي الحريصِ، قد يُدْرِك المُبطِئُ من حَظِّه"
(2)
.
وقد تكون للتكثير كبيت العروض:
قد أشهدُ الغارةَ الشَّعواءَ تَحمِلُني
…
جَرْداءُ معروقةُ اللَّحْيَيْنِ سُرْحُوبُ
(3)
[ص 11] فكأن التي للتقليل هي التي للتوقع في المستقبل، دخلت على المضارع الاستمراري فأفادت أنه لا يزال متوقَّعًا على شكٍّ، فجاء التقليل، وتحقق الوقوع في الماضي مع التوقع في المستقبل. وذلك أنه لو لم يقع البتة أو
(1)
جمهرة أشعار العرب ص (133). [المؤلف]. وانظر ط الهاشمي (1/ 339)، وديوان الأعشى (59) وروايته:
…
رُبّ حيٍّ أشقاهُمُ آخر الدَّهْـ
…
ـرِ وحَيٍّ سقاهُمُ بِسِجالِ
(2)
انظر: مجمع الأمثال (2/ 478، 497، 505، 506).
(3)
لامرئ القيس في ديوانه (225)، ويقال: إنها لإبراهيم بن بشير الأنصاري.