الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان إياها لكان السافي هو الحاصب، فهو جند واحد سافٍ حاصب، فلا معنى لجعله جندين، أو جنودًا.
والمعلِّم رحمه الله تعالى يحاول تفسير الحاصب برمي من الهواء بقدرة الله عز وجل بدون أن يكون هناك رامٍ محسوس. وهذا قد يحتمله اللفظ، ولكن قد تكاثرت الروايات برمي الطير، وهو ثابت بظاهر القرآن إن لم نقل بنصّه، واتفق عليه الناس قبل المعلم، فالحمل عليه هو المتعين.
وقد تقدم عن "المحبّر"
(1)
في قصيدة نفيل بن حبيب الذي شهد الواقعة قوله:
حتى رأينا شعاعَ الشمس يستُره
…
طيرٌ كرَجْلِ جَرادٍ طار منتشرِ
يرميننا مقبلاتٍ ثم مدبرةً
…
بحاصبٍ من سواء الأفق كالمطر
3 -
"ثم إنهم نسبوه إلى سافٍ، ومحال أن يحمل هذا اللفظ على الطير
…
".
في هذا إشارة إلى صحة حمل الحاصب على الطير، وهو المتعين كما مر. فأما السافي فظاهر أنه الريح التي تسفي التراب. [ص 34] ولا مانع من اجتماع رمي الطير وسفي الريح كما ذكر في بعض الروايات والأشعار.
الجمع أو الترجيح فيما اختلفت فيه الروايات:
1 -
اختلفت الروايات في صفة الطيرو لونها. وقد جمع بعض أهل العلم بين ذلك. قال الخازن: "ووجه الجمع بين هذه الأقاويل في اختلاف أجناس هذه الطير أنه كانت فيها هذه الصفات كلها. فبعضها على ما حكاه
(1)
سهو، والمقصود: المنمَّق.
ابن عباس، وبعضها على ما حكاه غيره، فأخبر كلُّ واحد بما بلغه من صفاتها"
(1)
.
وإيضاح ذلك أن الطير كانت كما قال الله عز وجل: {أَبَابِيلَ} ، وفسّرها أهل العلم بأنها كانت جماعات. فعن ابن مسعود قال:"فِرَق"، وعن أبي سلمة:"الزُّمَر"، وعن إسحاق بن عبد الله:"الأقاطيع"، وعن مجاهد:"شتّى متتابعة مجتمعة"، وعن ابن زيد:"المختلفة تأتي من هاهنا، وتأتي من هاهنا، أتتهم من كل مكان"
(2)
. فوصف كلُّ رجل الفرقة التي جاءت من ناحيته، وحكى كلُّ من الرواة ما سمعه.
ومع إمكان الجمع لا محلّ للترجيح، على أننا إن رجّحنا رواية ابن عباس:"لها خراطيم كخراطيم الطير، وأكفّ كأكفّ الكلاب"، مع قول عكرمة:"لها رؤوس السباع"، لم يلزم من ذلك أنها من جوارح الطير، لوجهين: الأول أن جوارح الطير المعروفة كالعقبان والنسور معروفة عند العرب، فلو كانت منها لما احتاج العرب أن ينعتوها، بل كانوا [ص 35] يذكرونها باسمها المعروف.
الثاني: أن الراجح في اللون قول عكرمة وسعيد بن جبير ــ وروايتهما من الروايات التي يرجحها المعلِّم ــ إنّها كانت خُضْرًا، وليس في سباع الطير وجوارحها ما لونه أخضر.
(1)
تفسير الخازن (7/ 246). [المؤلف].
(2)
راجع لأسانيد هذه الآثار مع آثار أخرى: تفسير ابن جرير (30/ 164 - 165). [المؤلف].
وبهذا تعلم سقوط قول المعلِّم رحمه الله (ص 27): "فجلب العقبان والرخم والقشاعم من صحارى إفريقية".
2 -
في رواية عكرمة، والحارث بن يعقوب، ويعقوب بن عتبة وما يوافقها ــ كما تقدّم في الأمر الخامس من أمور الفريق الأول ــ أن الحجارة أثّرت في أصحاب الفيل الجدريَّ ونحوه. وقد يوافقها أثر عائشة الذي تقدم في الأمر السادس أنها رأت قائد الفيل وسائسه بمكة أعميين، فإنّ العمى كثيرًا ما يكون عن الجدري.
وفي رواية عكرمة عن ابن عباس التي تقدمت في الأمر الخامس من أمور الفريق الأول أنها أصابتهم الحكّة: "فكان لا يحكّ أحد منهم جلده إلا تساقط لحمه". والجمع بينه وبين ما تقدم أنه أصابهم الجدري والحصبة والحكّة، فكل منهم ابتلي بداء من الأدواء الجلدية.
وفي رواية قتادة: "لا يصيب شيئًا إلا هشمه"، وفي رواية ابن سعد عن الواقدي عن أشياخه، وهي ملفّقة من رواياتهم:"لا تصيب شيئًا إلا هشمته، وإلا نفط ذلك الموضع".
وفي الروايات التي ذكرناها في الأمر الثالث من أمور الفريق الثاني أن الحجارة كانت إذا أصابت موضعًا من الجسد نفذت من الجانب الآخر.
قال عبد الرحمن: رواية التجدير وما في معناه من الحصبة والحكّة والنفط أرجح. والجمع بينها وبين الهشم ممكن بأن يقال إنها كانت لشدّة وقعها تجرح الموضع الذي تقع فيه، فإن وقعت على الرأس هشمت، ثم يتقرّح ذلك الموضع، ويكون الجدري ونحوه، وهذا موافق للعادة في تلقيح الجدري ونحوه. فيقرب في النظر أن تكون تلك الحجارة ملطخة بمادة
مَرَضيّة قوية، فكانت الحجارة تجرح، فتتصل المادة [ص 36] بالدم، فينشأ المرض. والله أعلم.
فأما روايات النفوذ ففيها مقال كما تقدم، ومع ذلك فالجمع ممكن، فيقال: منهم من أصابه الحجر في رأسه فنفذ من الجانب الآخر، فأقعصه. ومنهم من أصابه في ذراعه، أو كفه، أوقدمه، ونحو ذلك، فنفذ من الجانب الآخر. ولا يلزم من ذلك الموت حالا، ولكن تقرح مدخل الحجر ومخرجه فكان الجدري ونحوه. ولعل منهم من لم يصبه حجر، ولكن جُدِر بالعدوى العادية. ولعل بعضهم سلم فنجا، وبعض من جُدِر لم يمت، كالرجلين اللذين رأتهما أم المؤمنين بمكة.
3 -
عامة الروايات التي وصفت الحجارة بيّنت أنها كانت حصىً صغارًا نحو الحمص.
وشذّت رواية ذكرها الألوسي في تفسيره أنها كانت كبارًا، منها ما هو كالإبل البوارك
(1)
. وهذه الرواية غلط، كأن راويها سمع من ينعت {حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} [هود: 82، الحجر: 74] في قصة قوم لوط، فتوهم أن ذلك في قصة أصحاب الفيل، أو توهم أن ذلك الكبر لازم لكل حجارة من سجيل.
وذكر ابن إسحاق
(2)
قصيدة لامرأة تعظ ابنها، وفيها:
والفيلُ أُهلِكَ جيشُه
…
يُرمَون فيها بالصخورْ
(1)
روح المعاني (9/). [المؤلف]. ط دار إحياء التراث (30/ 237).
(2)
سيرة ابن هشام. [المؤلف]. ط السقا (1/ 26).