الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
روى عنه ذلك الحديث، كقوله ك (سمعت فلاناً) أو (سمعنا فلاناً) أو (حدثني فلان) أو (حدثنا) أو (قرأت عليه) أو (حدثني قراءة عليه) أو (حدثنا قراءة عليه) أو (أخبرني) أو (أخبرنا) أو (أنبأني) أو (أنبأنا) أو (قال لي) أو (قال لنا)، أو نحو ذلك من العبارات الدالة على أن الراوي قد لقي من فوقه، وأنه سمع منه ذلك الحديث.
2 -
عنعنة الراوي، إذا لم يكن مدلساً، أو مرسلاً، فتفيد عنعنته الاتصال، وأما إن كان الراوي المعنعن مدلساً، فعنعنته تحمل على الانقطاع لقوة احتمال تدليسه في الإسناد بإسقاط شيخه الذي سمع منه هذا الحديث.
وكذا الأمر إذا اختلف العلماء في سماع الراوي ممن فوقه عموماً، ولم يتبين الراجح في ذلك، فإن الحكم على الإسناد باتصاله حينئذ متوقف على ما يزول به احتمال الانقطاع، من القرائن
…
).
وسوف يأتي بإذن الله الكلام على الشاذ والمعلل.
رتب الصحيح:
قال الحافظ: -[(وتتفاوت رتبه، أي الصحيح، بسبب تفاوت هذه الأوصاف. ومن ثم قدم صحيحُ البخاري، ثم مسلم، ثم شرطُهُما).]-
وقال في "النزهة"(ص/71): (وتتفاوت رتبه؛ أي: الصحيح، بسبب تفاوت هذه الأوصاف المقتضية للتصحيح في القوة؛ فإنها لما كانت مفيدة لغلبة الظن الذي عليه مدار الصحة؛ اقتضت أن يكون لها درجات بعضها فوق بعض بحسب الأمور المقوية.
وإذا كان كذلك فما يكون رواته في الدرجة العليا من العدالة والضبط وسائر الصفات التي توجب الترجيح؛ كان أصح مما دونه.
فمن المرتبة العليا في ذلك ما أطلق عليه بعض الأئمة أنه أصح الأسانيد:
كالزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه.
وكمحمد بن سيرين عن عبيدة بن عمرو السلماني عن علي.
وكإبراهيم النخعي عن علقمة عن ابن مسعود.
ودونها في الرتبة: كرواية بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن جده عن أبيه أبي موسى.
وكحماد بن سلمة عن ثابت «البناني» عن أنس.
ودونها في الرتبة:
كسهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة.
وكالعلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة.
فإن الجميع يشملهم اسم العدالة والضبط؛ إلا أن للمرتبة الأولى من الصفات المرجحة ما يقتضي تقديم روايتهم على التي تليها، وفي التي تليها من قوة الضبط ما يقتضي تقديمها على الثالثة، وهي مقدمة على رواية من يعد ما ينفرد به حسنا؛ كمحمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر عن جابر، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
وقس على هذه المراتب ما يشبهها.
والمرتبة الأولي هي التي أطلق عليها بعض الأئمة أنها أصح الأسانيد، والمعتمد عدم الإطلاق لترجمة معينة منها.
نعم؛ يستفاد من مجموع ما أطلق الأئمة عليه ذلك أرجحيته على ما لم يطلقوه.
ويلتحق بهذا التفاضل ما اتفق الشيخان على تخريجه بالنسبة إلى ما انفرد به أحدهما، وما انفرد به البخاري بالنسبة إلى ما انفرد به مسلم؛ لاتفاق العلماء بعدهما على تلقي كتابيهما بالقبول، واختلاف بعضهم على أيهما أرجح، فما اتفقا عليه أرجح من هذه الحيثية مما لم يتفقا عليه.
وقد صرح الجمهور بتقديم «صحيح البخاري» في الصحة، ولم يوجد عن أحد التصريح بنقيضه.
وأما ما نقل عن أبي علي النيسابوري أنه قال: ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم؛ فلم يصرح بكونه أصح من صحيح البخاري؛ لأنه إنما نفى وجود كتاب أصح من كتاب مسلم؛ إذ المنفي إنما هو ما تقتضيه صيغة أفعل من زيادة صحة في كتاب شارك كتاب مسلم في الصحة، يمتاز بتلك الزيادة عليه، ولم ينف المساواة.
وكذلك ما نقل عن بعض المغاربة أنه فضل صحيح مسلم على صحيح البخاري؛ فذلك فيما يرجع إلى حسن السياق وجودة الوضع والترتيب.
ولم يفصح أحد منهم بأن ذلك راجع إلى الأصحية، ولو أفصحوا به لرده عليهم شاهد الوجود، فالصفات التي تدور عليها الصحة في كتاب البخاري أتم منها في كتاب مسلم وأشد، وشرطه فيها أقوى وأسد.
أما رجحانه من حيث الاتصال؛ فلاشتراطه أن يكون الراوي قد ثبت له لقاء من روى عنه ولو مرة، واكتفى مسلم بمطلق المعاصرة، وألزم البخاري بأنه يحتاج إلى أن لا يقبل العنعنة أصلا!
وما ألزمه به ليس بلازم؛ لأن الراوي إذا ثبت له اللقاء مرة؛ لا يجري في رواياته احتمال أن لا يكون «قد» سمع منه؛ لأنه يلزم من جريانه أن يكون مدلسا، والمسألة
مفروضة في غير المدلس.
وأما رجحانه من حيث العدالة والضبط؛ فلأن الرجال الذين تكلم فيهم من رجال مسلم أكثر عددا من الرجال الذين تكلم فيهم من رجال البخاري، مع أن البخاري لم يكثر من إخراج حديثهم، بل غالبهم من شيوخه الذين أخذ عنهم ومارس حديثهم، بخلاف مسلم في الأمرين.
وأما رجحانه من حيث عدم الشذوذ والإعلال؛ فلأن ما انتقد على البخاري من الأحاديث أقل عددا مما انتقد على مسلم، هذا مع اتفاق العلماء على أن البخاري كان أجل من مسلم في العلوم وأعرف بصناعة الحديث منه، وأن مسلما تلميذه وخريجه، ولم يزل يستفيد منه ويتتبع آثاره حتى «لقد» قال الدارقطني: لولا البخاري لما راح مسلم ولا جاء.
ومن ثم؛ أي: «و» من هذه الحيثية - وهي أرجحية شرط البخاري على غيره - قدم «صحيح البخاري» على غيره من الكتب المصنفة في الحديث.
ثم صحيح مسلم؛ لمشاركته للبخاري في اتفاق العلماء على تلقي كتابه بالقبول أيضا، سوى ما علل.
ثم يقدم في الأرجحية من حيث الأصحية ما وافقه شرطهما؛ لأن المراد به رواتهما مع باقي شروط الصحيح، ورواتهما قد حصل الاتفاق على القول بتعديلهم بطريق اللزوم، فهم مقدمون على غيرهم في رواياتهم، وهذا أصل لا يخرج عنه إلا بدليل.
فإن كان الخبر على شرطهما معا؛ كان دون ما أخرجه مسلم أو مثله.
وإن كان على شرط أحدهما؛ فيقدم شرط البخاري وحده على شرط مسلم وحده تبعا لأصل كل منهما.
فخرج لنا من هذا ستة أقسام تتفاوت درجاتها في الصحة.
وثمة قسم سابع، وهو ما ليس على شرطهما اجتماعا وانفرادا.
وهذا التفاوت إنما هو بالنظر إلى الحيثية المذكورة.
أما لو رجح قسم على ما «هو» فوقه بأمور أخرى تقتضي الترجيح؛ فإنه يقدم على ما فوقه - إذ قد يعرض للمفوق ما يجعله فائقا -.
كما لو كان الحديث عند مسلم مثلا، وهو مشهور قاصر عن درجة التواتر، لكن حفته قرينة صار بها يفيد العلم؛ فإنه يقدم «بها» على الحديث الذي يخرجه البخاري إذا كان فردا مطلقا. وكما لو كان الحديث الذي لم يخرجاه من ترجمة وصفت بكونها أصح الأسانيد كمالك عن نافع عن ابن عمر؛ فإنه يقدم على ما انفرد به أحدهما مثلا، لا سيما