الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذا كان في إسناده من فيه مقال).
الحسن لذاته:
قال الحافظ: -[(فإن خف الضبط فالحسن لذاته).]-
وقال في "النزهة"(ص/78): (فإن خف الضبط؛ أي: قل - يقال: خف القوم خفوفا: قلوا والمراد مع بقية الشروط المتقدمة في حد الصحيح؛ فهو الحسن لذاته لا لشيء خارج، وهو الذي يكون حسنه بسبب الاعتضاد، نحو حديث المستور إذا تعددت طرقه. وخرج باشتراط باقي الأوصاف الضعيف. وهذا القسم من الحسن مشارك للصحيح في الاحتجاج به، وإن كان دونه، ومشابه له في انقسامه إلى مراتب بعضها فوق بعض).
وعليه فتعريف الحسن هو: (خبر الآحاد متصل السند بنقل العدل الذي خف ضبطه عن مثله أو أضبط منه إلى منتهاه ولم يكن معللا ولا شاذا).
الصحيح لغيره:
قال الحافظ: -[(وبكثرة طرقه يصحح).]-
وقال في النزهة (ص/78): (وبكثرة طرقه يصحح، وإنما نحكم له بالصحة عند تعدد الطرق؛ لأن للصورة المجموعة قوة تجبر القدر الذي قصر به ضبط راوي الحسن عن راوي الصحيح، ومن ثم تطلق الصحة على الإسناد الذي يكون حسنا لذاته لو تفرد إذا تعدد).
الأحكام المركبة:
قال الحافظ: -[(فإن جمعا فللتردد في الناقل حيث التفرد، وإلا فباعتبار إسنادين).]-
وقال في "النزهة"(ص/79): (فإن جمعا، أي الصحيح والحسن، في وصف واحد، كقول الترمذي وغيره:"حديث حسن صحيح"، فللتردد الحاصل من المجتهد في الناقل: هل اجتمعت فيه شروط الصحة أو قصر عنها، وهذا حيث يحصل منه التفرد بتلك الرواية.
وعرف بهذا جواب من استشكل الجمع بين الوصفين؛ فقال: الحسن قاصر عن الصحيح؛ ففي الجمع بين الوصفين إثبات لذلك القصور ونفيه!.
ومحصل الجواب: أن تردد أئمة الحديث في حال ناقله اقتضى للمجتهد أن لا يصفه بأحد الوصفين، فيقال فيه: حسن باعتبار وصفه عند قوم، صحيح باعتبار وصفه عند قوم، وغاية ما فيه أنه حذف منه حرف التردد؛ لأن حقه أن يقول:"حسن أو صحيح"، وهذا كما حذف حرف العطف من الذي بعده. وعلى هذا فما قيل فيه:"حسن صحيح" دون ما قيل فيه صحيح؛ لأن الجزم أقوى من التردد، وهذا حيث التفرد.
وإلا إذا لم يحصل التفرد فإطلاق الوصفين معا على الحديث يكون باعتبار إسنادين:
أحدهما صحيح، والآخر حسن.
وعلى هذا فما قيل فيه: "حسن صحيح" فوق ما قيل فيه: "صحيح" فقط -إذا كان فردا- لأن كثرة الطرق تقوي).
والوجه الثاني عند الحافظ وارد عليه إشكال فيما يقول فيه الترمذي: حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه. قال الحافظ الذهبي في "الموقظة"(ص: 29) فقال: (وقول الترمذي: (هذا حديث حسن، صحيح) عليه إشكال: بأن الحسن قاصر عن الصحيح، ففي الجمع بين السمتين لحديث واحد مجاذبة! وأجيب عن هذا بشيء لا ينهض أبدا، وهو أن ذلك راجع إلى الإسناد: فيكون قد روي بإسناد حسن، وبإسناد صحيح. وحينئذ لو قيل:(حسن، صحيح، لا نعرفه إلا من هذا الوجه)، لبطل هذا الجواب! وحقيقة ذلك - أن لو كان كذلك - أن يقال:(حديث حسن وصحيح). فكيف العمل في حديث يقول فيه: (حسن، صحيح، لا نعرفه إلا من هذا الوجه)؟ فهذا يبطل قول من قال: أن يكون ذلك بإسنادين).
واعلم أن اختلاف العلماء في بيان مراد الإمام الترمذي بهذه الاصطلاحات وهذا الاختلاف يرجع إلى عدة أمور منها:
1 -
أن الإمام الترمذي لم يفصح عن مراده من هذه الاصطلاحات إلا ما سبق ذكره من تعريفه للحديث الحسن، وأيضاً ما ذكر من أسباب استغراب العلماء للحديث.
2 -
صعوبة تحديد قول الترمذي في حكمه على الحديث، وذلك لكثرة اختلاف النسخ فتجد أن الترمذي يقول عن حديث (حسن صحيح) وفي نسخة (حسن) وفي نسخة (صحيح) وهكذا، وعليه فلتحقيق صحة نسبة حكم للترمذي على حديث لابد من مراجعة عدة أصول.
3 -
نظراً لأن الترمذي لم يفصح عن مقصوده من هذه الاصطلاحات فإنه يصعب الجزم بأن مقصوده من هذه الأحكام الحكم على الأسانيد، أم الحكم على المتن من أنه معمول به، كما قال عقب حديث:(المسلمون على شروطهم) حسن صحيح، مع أن في إسناده كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني قد أغلظ فيه العلماء القول حتى قال عنه الإمام الشافعي: أحد الكذابين أو أحد أركان الكذب.
4 -
أن كل من قام بتفسير أحكام الترمذي المركبة إنما أصدر أحكاماً أغلبية، صادرة عن تتبع واستقراء جزئي لبعض الأحاديث، لذلك فالمتأمل لكلام العلماء الذين خاضوا في
هذا الشأن دائماً يصرحون بأن أحكامهم أغلبية، ونجد كذلك أن التعقب عليهم يكون له وجه.
5 -
اختلاف العلماء في الحكم على الترمذي نفسه بالتشدد، أو التساهل في التصحيح
والتضعيف (1)، والصحيح عندي أن هذا الاختلاف ناتج عن عدم تحرير أحكام الترمذي، ومنهجه في الحكم على الأحاديث، فينبغي تحرير ذلك أولاً.
((لما سبق، ولغيره فإنني أرى الآتي:
عدم جدوى التفسير القاصر لأحكام الترمذي.
ضرورة سبر وتتبع أحكام الترمذي في سننه بالاستقراء التام حتى يكون الحكم كلي، لا أغلبي.
وبعد فإنني قد وقفت على جملاً كثيرة مما كتب العلماء، وطلاب العلم حول تفسير أحكام الترمذي المركبة، وأرى أن الأقرب في تفسير قول الترمذي:"حسن صحيح" من الناحية النظرية - إن كان لابد من ذلك - أن الطرق التي ذكرها تقوت وارتفعت لدرجة الصحة، فيكون كالمنزلة التي يقول عنها ابن حجر: صحيح لغيره، وهذا إنما يتجه على كلا الاحتمالين الذين قد سبق وأن ذكرتهما قريباً في تفسير قول الترمذي: لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب. فعلى كلام الحافظ ابن رجب فظاهر لدخول الراوي الثقة الذي يقل، أو يكثر في حديثه الغلط، وكذلك الراوي الصدوق. وعلى كلام الحافظ ابن حجر من اقتصاره على الرواة الذين فيهم ضعف محتمل دون الثقات، فيكون التقوي بالهيئة الاجتماعية.
وإنما يتأتى هنا إشكالاً- على كلام ابن حجر - فيما يقول فيه الترمذي: حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث فلان، أو من هذا الوجه، والجواب عندي على هذا الإشكال أن يقال: لعل التقوي هنا إنما يتجه للمتن، لا للإسناد، كأن يشهد لمتن الحديث ظاهر القرآن، أو كأن يكون عليه العمل عند العلماء، كما قال في حديث:(الظهر يركب إذا كان مرهونا ولبن الدر يشرب إذا كان مرهونا وعلى الذي يركب ويشرب نفقته) فقد ساقه مرفوعاً من طريق أبي كريب ويوسف بن عيسى قالا حدثنا وكيع عن زكريا عن عامر عن أبي
(1) انظر دفاع د. نور الدين عتر عن اتهام الترمذي بالتساهل في كتابه (الإمام الترمذي والموازنة بين جامعه والصحيحين)(237 - 265) فإنه قد أجاد فيه وأحسن الدفاع، واستقصى الكلام.