الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ التَّحْذِيرِ مِنْ مَذَاهِبِ الْحُلُولِيَّةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رحمه الله: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمْ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُحَذِّرُ إِخْوَانِي الْمُؤْمِنِينَ مَذْهَبَ الْحُلُولِيَّةِ الَّذِينَ لَعِبَ بِهِمُ الشَّيْطانُ فَخَرَجُوا بِسُوءِ مَذْهَبِهِمْ عَنْ طَرِيقِ أَهْلِ
الْعِلْمِ ، مَذَاهِبُهُمْ قَبِيحَةٌ ، لَا يَكُونُ إِلَا فِي كُلِّ مَفْتُونٍ هَالِكٍ ، زَعَمُوا أَنَّ اللَّهَ عز وجل حَالٌّ فِي كُلِّ شَيْءٍ ، حَتَّى أَخْرَجَهُمْ سُوءُ مَذْهَبِهِمْ إِلَى أَنْ تَكَلَّمُوا فِي اللَّهِ عز وجل بِمَا يُنْكِرُهُ الْعُلَمَاءُ الْعُقَلَاءُ ، لَا يُوَافِقُ قَوْلَهُمْ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا قَوْلُ الصَّحَابَةِ وَلَا قَوْلُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَإِنِّي لَأَسْتَوْحِشُ أَنْ أَذْكُرَ قَبِيحَ أَفْعَالِهِمْ تَنْزِيهًا مِنِّي لِجَلَالِ اللَّهِ عز وجل وَعَظَمَتِهِ ، كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ رحمه الله: " إِنَّا لَنَسْتَطِيعُ أَنْ نَحْكِيَ كَلَامَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، وَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَحْكِيَ كَلَامَ الْجَهْمِيَّةِ ثُمَّ إِنَّهُمْ إِذَا أُنْكِرَ عَلَيْهِمْ سُوءُ مَذْهَبِهِمْ قَالُوا: لَنَا حُجَّةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: مَا الْحُجَّةُ؟ قَالُوا: قَالَ اللَّهُ عز وجل: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة: 7] وَبِقَوْلِهِ عز وجل: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد: 3] إِلَى قَوْلِهِ: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4] فَلَبَّسُوا عَلَى السَّامِعِ مِنْهُمْ بِمَا تَأَوَّلُوا ، وَفَسَّرُوا الْقُرْآنَ عَلَى مَا تَهْوَى نُفُوسُهُمْ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ، فَمَنْ سَمِعَهُمْ مِمَّنْ جَهِلَ الْعِلْمَ ظَنَّ أَنَّ الْقَوْلَ كَمَا قَالُوهُ ، وَلَيْسَ هُوَ كَمَا تَأَوَّلُوهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالَّذِي يَذْهَبُ إِلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ: أَنَّ اللَّهَ عز وجل سُبْحَانَهُ عَلَى عَرْشِهِ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ ، وَعِلْمُهُ مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ ، قَدْ أَحَاطَ عِلْمُهُ بِجَمِيعِ مَا خَلَقَ فِي السَّمَاوَاتِ الْعُلَا ، وَبِجَمِيعِ مَا فِي سَبْعِ أَرَضِينَ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ، يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ، وَيَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ، وَيَعْلَمُ الْخَطْرَةَ وَالْهَمَّةَ ، وَيَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ النُّفُوسُ يَسْمَعُ وَيَرَى ، وَلَا يَعْزُبُ عَنِ اللَّهِ عز وجل مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ وَمَا بَيْنَهُنَّ ، إِلَا وَقَدْ أَحَاطَ عِلْمُهُ بِهِ فَهُوَ عَلَى عَرْشِهِ سُبْحَانَهُ الْعَلِيُّ الْأَعْلَى تُرْفَعُ إِلَيْهِ أَعْمَالُ الْعِبَادِ ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يَرْفَعُونَهَا بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِيشْ مَعْنَى قَوْلِهِ: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَا هُوَ سَادِسُهُمْ} [المجادلة: 7] الْآيَةُ الَّتِي بِهَا يَحْتَجُّونَ؟ قِيلَ لَهُ: عِلْمُهُ عز وجل وَاللَّهُ عَلَى عَرْشِهِ ، وَعِلْمُهُ مُحِيطٌ بِهِمْ ، وَبِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ ، كَذَا فَسَّرَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْآيَةُ يَدُلُّ أَوَّلُهَا وَآخِرُهَا عَلَى أَنَّهُ الْعِلْمُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ؟ قِيلَ: قَالَ اللَّهُ عز وجل: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَا هُوَ رَابِعُهُمْ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ {ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة: 7] وَابْتَدَأَ اللَّهُ عز وجل الْآيَةَ بِالْعِلْمِ ، وَخَتَمَهَا بِالْعِلْمِ ، فَعِلْمُهُ عز وجل مُحِيطٌ بِجَمِيعِ خَلْقِهِ ، وَهُوَ عَلَى عَرْشِهِ ، وَهَذَا قَوْلُ الْمُسْلِمِينَ
652 -
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْعَطَّارُ قَالَ: نا أَبُو
⦗ص: 1077⦘
دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ رحمه الله: «اللَّهُ عز وجل فِي السَّمَاءِ ، وَعِلْمُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ ، لَا يَخْلُو مِنْ عَلِمِهِ مَكَانٌ»
653 -
وَحَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّنْدَلِيُّ قَالَ: نا الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: «اللَّهُ عز وجل فِي السَّمَاءِ وَعِلْمُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ لَا يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ» فَقُلْتُ: مَنْ أَخْبَرَكَ عَنْ مَالِكٍ بِهَذَا؟ فَقَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْ سُرَيْجِ بْنِ النُّعْمَانِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ
654 -
وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْوَاسِطِيُّ
⦗ص: 1078⦘
قَالَ: نا النَّضْرُ بْنُ سَلَمَةَ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: نا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ قَالَ: سَأَلْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ} ؟ قَالَ: «عِلْمُهُ»
655 -
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّنْدَلِيُّ قَالَ: نا
⦗ص: 1079⦘
الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: نا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رحمه الله قَالَ: نا نُوحُ بْنُ مَيْمُونٍ قَالَ: نا بُكَيْرُ بْنُ مَعْرُوفٍ ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ ، عَنِ الضَّحَّاكِ:{مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: 7] قَالَ: «هُوَ عَلَى الْعَرْشِ ، وَعِلْمُهُ مَعَهُمْ» قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رحمه الله: وَفِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل آيَاتٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى فِي السَّمَاءِ عَلَى عَرْشِهِ ، وَعِلْمُهُ مُحِيطٌ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ قَالَ اللَّهُ عز وجل:{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} [الملك: 17]
⦗ص: 1080⦘
وَقَالَ عز وجل: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] وَقَالَ تَعَالَى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] وَقَالَ عز وجل لِعِيسَى عليه السلام: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55] وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 157] وَقَالَ عز وجل: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: 12]