الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَقَدْ أُمِرُوا بِاتِّبَاعِهِ فِي كُتُبِهِمْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رحمه الله: قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ، وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ، وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} [الأعراف: 157] الْآيَةَ ، وَقَالَ عز وجل:{وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} [الصف: 6] قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رحمه الله: قَدْ عَلِمَتِ الْيَهُودُ: أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم نَبِيٌّ ، وَأَنَّهُ مُرْسَلٌ ، وَأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِمُ اتِّبَاعُهُ ، وَتَرْكُ دِينِهِمْ لِدِينِهِ ، وَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ بَيَانَ نُبُوَّتِهِ لِمَنْ لَا كِتَابَ عِنْدَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، وَكَانُوا قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُقَاتِلُونَ الْعَرَبَ ،
فَكَانَتِ الْعَرَبُ تَهْزِمُ الْيَهُودَ ، فَقَالَتِ الْيَهُودُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَعَالَوْا حَتَّى نَسْتَفْتِحَ قِتَالَنَا لِلْعَرَبِ بِمُحَمَّدٍ ، الَّذِي نَجِدُهُ مَكْتُوبًا عِنْدَنَا أَنَّهُ يَخْرُجُ نَبِيًّا مِنَ الْعَرَبِ ، وَكَانُوا إِذَا الْتَقَوْا قَالُوا: اللَّهُمَّ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي وَعَدْتَنَا أَنَّكَ تُخْرِجُهُ إِلَّا نَصَرْتَنَا عَلَيْهِمْ ، فَأَجَابَهُمُ اللَّهُ عز وجل فَنَصَرَ الْيَهُودَ عَلَى الْعَرَبِ ، فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَفَرُوا بِهِ حَسَدًا مِنْهُمْ لَهُ عَلَى عِلْمٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ نَبِيٌّ حَقٌّ ، لَا شَكَّ فِيهِ عِنْدَهُمْ ، فَلَعَنَهُمُ اللَّهُ عز وجل ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89]
978 -
أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الْجَوْزِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " كَانَتْ يَهُودُ خَيْبَرَ تُقَاتِلُ غَطَفَانَ ، فَكُلَّمَا الْتَقَوْا هُزِمَتِ الْيَهُودُ فَعَادَ الْيَهُودُ يَوْمًا فِي الدُّنْيَا ، فَقَالُوا: اللَّهُمَّ نَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ
⦗ص: 1453⦘
الْأُمِّيِّ ، الَّذِي وَعَدْتَنَا أَنَّكَ تُخْرِجُهُ لَنَا فِي آخِرِ الزَّمَانِ إِلَّا نَصَرْتَنَا عَلَيْهِمْ قَالَ: فَكَانُوا إِذَا الْتَقَوْا دَعَوْا بِهَذَا الدُّعَاءِ ، فَهَزَمُوا غَطَفَانَ ، فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، كَفَرُوا بِهِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89] "
979 -
وَأَنْبَأَنَا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ حَرْبٍ الْقَاضِي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْعَثِ أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ
⦗ص: 1454⦘
إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ قَالَ: كَانَ بَيْنَ أَبْيَاتِنَا رَجُلٌ يَهُودِيٌّ ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا ذَاتَ غَدَاةٍ ضُحًى ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ فِي نَادِيهِمْ ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ شَابٌّ ، عَلَى بُرْدَةٍ لِي ، مُضْطَجِعٌ بِفِنَاءِ أَهْلِي ، فَأَقْبَلَ الْيَهُودِيُّ فَذَكَرَ الْبَعْثَ وَالْقِيَامَةَ ، وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ ، وَكَانَ الْقَوْمُ أَصْحَابَ وَثَنٍ لَا يَرَوْنَ حَيَاةً تَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ ، فَقَالُوا: وَيْحَكَ يَا فُلَانُ ، أَتَرَى هَذَا كَائِنًا: أَنَّ اللَّهَ عز وجل يَبْعَثُ الْعِبَادَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ ، إِذَا صَارُوا تُرَابًا وَعِظَامًا؟ وَأَنَّ غَيْرَ هَذِهِ الدَّارِ يُجْزَوْنَ فِيهَا بِحُسْنِ أَعْمَالِهِمْ ، ثُمَّ يَصِيرُونَ إِلَى جَنَّةٍ وَنَارٍ؟ قَالَ: نَعَمْ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، وَايْمُ اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ حَظِّيَ مِنْ تِلْكَ النَّارِ أَنْ أَنْجُوَ مِنْهَا: أَنْ يُسْجَرَ لِي تَنُّورٌ فِي دَارِكُمْ ، ثُمَّ أُجْعَلُ فِيهِ ،
⦗ص: 1455⦘
ثُمَّ يُطْبَقُ عَلَيَّ ، قَالُوا لَهُ: وَمَا عَلَامَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَبِيٌّ يُبْعَثُ الْآنَ قَدْ أَظَلَّكُمْ زَمَانُهُ وَيَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الْبِلَادِ وَأَشَارَ إِلَى مَكَّةَ ، قَالُوا: وَمَتَى يَكُونُ ذَلِكَ الزَّمَانُ؟ قَالَ: إِنْ يَسْتَنْفِدَ هَذَا الْغُلَامُ عُمْرَهُ يُدْرِكُهُ قَالَ سَلَمَةُ: فَمَا ذَهَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم ، وَإِنَّ الْيَهُودِيَّ لَحَيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا ، فَآمَنَّا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَصَدَّقْنَاهُ ، وَكَفَرَ بِهِ الْيَهُودِيُّ وَكَذَّبَهُ ، فَكُنَّا نَقُولُ لَهُ: وَيْلَكَ يَا فُلَانُ أَيْنَ مَا كُنْتَ تَقُولُ؟ فَيَقُولُ: إِنَّهُ «لَيْسَ بِهِ ، بَغْيًا وَحَسَدًا» قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رحمه الله: فَأَكْثَرُ الْيَهُودِ كَفَرُوا ، وَالْقَلِيلُ مِنْهُمْ آمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، مِثْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ ، وَبَعْدَهُ كَعْبُ الْأَحْبَارِ
980 -
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ جَدِّي ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالِ بْنِ أُسَامَةَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّا
⦗ص: 1456⦘
لَنَجِدُ صِفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي ، سَمَّيْتُهُ الْمُتَوَكِّلَ ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ مِثْلَهَا ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَتَجَاوَزُ ، لَنْ أَقْبِضَهُ حَتَّى يُقِيمَ اللَّهُ الْأَلْسِنَةَ الْمُتَعَوِّجَةَ ، بِأَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، يَفْتَحُ اللَّهُ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا ، وَآذَانًا صُمًّا ، وَقُلُوبًا غُلْفًا قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ: أَنَّهُ سَمِعَ كَعْبَ الْأَحْبَارِ يَقُولُ: مَا قَالَ ابْنُ سَلَامٍ قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رحمه الله: وَأَمَّا النَّصَارَى ، فَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ عز وجل عَلَى مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ، لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ ، فَأَثْنَى عَلَيْهِمْ عز وجل بِأَحْسَنِ مَا يَكُونُ مِنَ الثَّنَاءِ
981 -
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ الْقَرَاطِيسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّا نَصَارَى} [المائدة: 82] قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَهُوَ بِمَكَّةَ ، يَخَافُ عَلَى أَصْحَابِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه وَابْنَ مَسْعُودٍ ، وَعُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ فِي رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى النَّجَاشِيِّ مَلِكِ الْحَبَشَةِ ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمُشْرِكِينَ ، بَعَثُوا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فِي رَهْطٍ مِنْهُمْ ، ذَكَرَ أَنَّهُمْ سَبَقُوا أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى النَّجَاشِيِّ ، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّهُ قَدْ خَرَجَ فِينَا رَجُلٌ سَفَّهَ عُقُولَ قُرَيْشٍ وَأَحْلَامَهَا ، زَعَمَ أَنَّهُ نَبِيٌّ ، وَأَنَّهُ بَعَثَ إِلَيْكَ رَهْطًا لِيُفْسِدُوا عَلَيْكَ قَوْمَكَ ، فَأَحْبَبْنَا أَنْ نَأْتِيَكَ وَنُخْبِرَكَ خَبَرَهُمْ ، فَقَالَ: إِنْ جَاءُونِي نَظَرْتُ فِيمَا يَقُولُونَ ، فَقَدِمَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَأَتَوْا إِلَى بَابِ النَّجَاشِيِّ فَقَالُوا: اسْتَأْذِنْ لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ ، فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُمْ ، فَمَرْحَبًا بِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ سَلَّمُوا ، فَقَالَ لَهُ الرَّهْطُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: أَلَا تَرَى أَيُّهَا الْمَلِكُ أَنَّا صَدَقْنَاكَ ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يُحَيُّوكَ بِتَحِيَّتِكَ الَّتِي تُحَيَّى بِهَا؟ فَقَالَ
⦗ص: 1458⦘
لَهُمْ: مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تُحَيُّونِي بِتَحِيَّتِي؟ فَقَالُوا: حَيَّيْنَاكَ بِتَحِيَّةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَتَحِيَّةِ الْمَلَائِكَةِ ، فَقَالَ لَهُمْ: مَا يَقُولُ صَاحِبُكُمْ فِي عِيسَى وَأُمِّهِ؟ قَالُوا: يَقُولُ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَكَلِمَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرُوحٌ مِنْهُ ، أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ، وَيَقُولُ فِي مَرْيَمَ إِنَّهَا الْعَذْرَاءُ الطَّيِّبَةُ الْبَتُولُ قَالَ: فَأَخَذَ عُودًا مِنَ الْأَرْضِ فَقَالَ: مَا زَادَ عِيسَى وَأُمُّهُ عَلَى مَا قَالَ صَاحِبُكُمْ فَوْقَ هَذَا الْعُودِ فَكَرِهَ الْمُشْرِكُونَ قَوْلَهُ ، وَتَغَيَّرَتْ لَهُ وُجُوهُهُمْ ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ شَيْئًا مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: اقْرَءُوا ، فَقَرَءُوا وَحَوْلَهُ الْقِسِّيسُونَ وَالرُّهْبَانُ كُلَّمَا قَرَءُوا انْحَدَرَتْ دُمُوعُهُمْ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ قَالَ اللَّهُ عز وجل {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا ، وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة: 83] مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأُمَّتُهُ "
982 -
وَأَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الْجَوْزِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حُمْرَانَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل:{وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ} [المائدة: 82] إِلَى قَوْلِهِ عز وجل: {فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة: 83] قَالَ: " أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ كَانُوا عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْحَقِّ مِمَّا جَاءِ بِهِ عِيسَى عليه الصلاة والسلام ، يُؤْمِنُونَ بِهِ ، وَيَنْتَهُونَ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ عز وجل مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم ، صَدَّقُوهُ وَآمَنُوا بِهِ ، وَعَرَفُوا أَنَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْحَقُّ مِنَ اللَّهِ عز وجل ، فَأَثْنَى اللَّهُ عز وجل عَلَيْهِمْ بِمَا تَسْمَعُونَ
983 -
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ الْبَصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْجُبَيْرِيُّ مِنْ وَلَدِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ عُثْمَانَ بِنْتُ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، عَنْ أَبِيهَا ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ يَقُولُ: " لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ عز وجل نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم ، وَظَهَرَ أَمْرُهُ بِمَكَّةَ خَرَجْتُ إِلَى الشَّامِ ، فَلَمَّا كُنْتُ بِبُصْرَى أَتَانَا جَمَاعَةٌ مِنَ النَّصَارَى فَقَالُوا: أَمِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ أَنْتَ؟
⦗ص: 1460⦘
قُلْتُ: نَعَمْ ، قَالُوا: أَتَعْرِفُ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي تَنَبَّأَ قِبَلَكُمْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ ، فَأَدْخَلُونِي دَيْرًا لَهُمْ ، وَفِيهِ تَمَاثِيلُ وَصُوَرٌ فَقَالُوا: انْظُرْ ، هَلْ تَرَى صُورَةَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَقُلْتُ: لَا أَرَى صُورَتَهُ ، فَأَدْخَلُونِي دَيْرًا لَهُمْ هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْرِ ، فَقَالُوا: هَلْ تَرَى صُورَتَهُ؟ فَرَأَيْتُ ، فَقُلْتُ: لَا أُخْبِرُكُمْ حَتَّى تُخْبِرُونِي ، فَإِذَا أَنَا بِصِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصُورَتِهِ ، وَصِفَةِ أَبِي بَكْرِ وَصُورَتِهِ وَهُوَ آخِذٌ بِعَقِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
⦗ص: 1461⦘
فَقَالُوا: هَلْ تَرَى صُورَتَهُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ ، قُلْتُ: لَا أُخْبِرُكُمْ حَتَّى أَعْرِفَ مَا تَقُولُونَ ، قَالُوا: أَهُوَ هَذَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ ، قَالُوا: أَتَعْرِفُ هَذَا الَّذِي قَدْ أَخَذَ بِعَقِبِهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا صَاحِبُكَ وَأَنَّ هَذَا الْخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رحمه الله: وَقَدْ ذَكَرْتُ قِصَّةَ هِرَقْلَ مَلِكِ الرُّومِ ، وَمُسَاءَلَتِهِ لِأَبِي سُفْيَانَ رحمه الله ، عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَعَلِمَ أَنَّهُ حَقٌّ ، وَقِصَّةَ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ لَمَّا بَعَثَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، إِلَى قَيْصَرَ صَاحِبِ الرُّومِ ، ثُمَّ أُحْضِرَ لَهُ أُسْقُفُّ مِنْ عُظَمَاءِ النَّصَارَى ، فَلَمَّا وَصَفَهُ دِحْيَةُ: آمَنَ بِهِ الْقِسُّ ، وَعَلِمَ
⦗ص: 1462⦘
أَنَّهُ النَّبِيُّ ، الَّذِي يَجِدُونَهُ فِي الْإِنْجِيلِ ، فَقَتَلَتْهُ النَّصَارَى ، وَعَلِمَ قَيْصَرُ أَنَّهُ النَّبِيُّ فَجَشَعَتْ نَفْسُهُ مِنَ الْقَتْلِ ، فَقَالَ لِدِحْيَةَ: أَبْلِغْ صَاحِبَكَ أَنَّهُ نَبِيٌّ ، وَلَكِنْ لَا أَتْرُكُ مُلْكِي وَقَدْ ذَكَرْتُ قِصَّةَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ ، رحمه الله وَخِدْمَتَهُ لِلرُّهْبَانِ ، وَقِصَّةَ الرَّاهِبِ الَّذِي عَرَّفَهُ صِفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، أَنَّهُ يُبْعَثُ مِنْ مَكَّةَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَتْبَعَهُ ، فَكَانَ كَذَلِكَ ثُمَّ أَسْلَمَ سَلْمَانُ رحمه الله وَقَدْ ذَكَرْتُ جَمِيعَ ذَلِكَ فِي فَضَائِلِهِ صلى الله عليه وسلم ، وَقَدْ ذَكَرْتُ تَصْدِيقَ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ ، وَإِخْبَارَهُمْ لِأَوْلِيَائِهِمْ مِنَ الْإِنْسِ بِمَبْعَثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَآمَنَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعَرَبِ ، وَهَجَرُوا الْأَصْنَامَ ، وَحَسُنَ إِسْلَامُهُمْ