الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ وجُوبِ الْإِيمَانِ بِالشَّفَاعَةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: اعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ ، أَنَّ الْمُنْكِرَ لِلشَّفَاعَةِ يَزْعُمُ أَنَّ مَنْ دَخَلَ النَّارَ فَلَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ يُكَذِّبُونَ بِهَا ، وَبِأَشْيَاءَ سَنَذْكُرُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، مِمَّا لَهَا أَصْلٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل ، وَسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ، وَسُنَنِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ ، وَقَوْلِ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَالْمُعْتَزِلَةُ يُخَالِفُونَ هَذَا كُلَّهُ ، لَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَلَا إِلَى سُنَنِ أَصْحَابِهِ رضي الله عنهم وَإِنَّمَا يُعَارِضُونَ بِمُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ ، وَبِمَا أَرَاهُمُ الْعَقْلُ عِنْدَهُمْ ، وَلَيْسَ هَذَا طَرِيقُ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا هَذَا طَرِيقُ مَنْ قَدْ زَاغَ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ وَقَدْ لَعِبِ بِهِ الشَّيْطَانُ ، وَقَدْ حَذَّرَنَا اللَّهُ عز وجل مِمَّنْ هَذِهِ صِفَتِهِ ، وَحَذَّرَنَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَحَذَّرَنَاهُمْ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا ، فَأَمَّا مَا حَذَّرَنَاهُمُ اللَّهُ عز وجل وَأَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَحَذَّرَنَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل قَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ ، هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٍ} [آل عمران: 7] إِلَى قَوْلِهِ: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}
769 -
حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ هَارُونُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْعَدَنِيُّ قَالَ: أَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} [آل عمران: 7] الْآيَةَ فَقَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيهِ فَهُمُ الَّذِينَ عَنَى اللَّهُ عز وجل فَاحْذَرُوهُمْ»
770 -
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: نا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: نا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ: أَنْبَأَنَا حَمَّادٌ يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ عَائِشَةَ رَحِمَهَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَتْ: تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الْآيَةَ {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمران: 7] إِلَى قَوْلِهِ عز وجل: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ} [آل عمران: 7] مِنْهُ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «قَدْ سَمَّاهُمُ اللَّهُ عز وجل لَكُمْ ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَاحْذَرُوهُمْ» قَالَهَا ثَلَاثًا
771 -
وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ قَالَ: نا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: " نَزَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِهَذِهِ الْآيَةِ {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ} [آل عمران: 7] مِنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «قَدْ حَذَّرَكُمْ اللَّهُ عز وجل فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَاحْذَرُوهُمْ»
772 -
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ ابْنُ عَلَوَيْهِ الْقَطَّانُ قَالَ: نا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: «إِنَّ نَاسًا يُجَادِلُونَكُمْ بِشِبْهِ الْقُرْآنِ ، فَخُذُوهُمْ بِالسُّنَنِ ، فَإِنَّ أَصْحَابَ السُّنَنِ أَعْلَمُ
⦗ص: 1201⦘
بِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل»
773 -
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عُبَيْدٍ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ حَرْبٍ الْقَاضِي قَالَ: نا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: نا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ: نا يَزِيدُ الْفَقِيرُ قَالَ: كُنَّا بِمَكَّةَ مِنْ قُطَّانِهَا ، وَكَانَ مَعِي أَخٌ لِي يُقَالُ لَهُ: طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ ، وَكُنَّا نَرَى رَأْيَ الْحَرُورِيَّةِ ، فَبَلَغَنَا أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ قَدِمَ ، وَكَانَ يَلْزَمُ فِي كُلِّ مَوْسِمٍ ، فَأَتَيْنَاهُ فَقُلْنَا لَهُ: بَلَغَنَا عَنْكَ قَوْلٌ فِي الشَّفَاعَةِ ، وَقَوْلُ اللَّهِ عز وجل
⦗ص: 1202⦘
يُخَالِفُكَ ، فَنَظَرَ فِي وُجُوهِنَا ، وَقَالَ: مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ أَنْتُمْ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ ، قَالَ: فَتَبَسَّمَ أَوْ ضَحِكَ ، وَقَالَ: أَيْنَ تَجِدُونَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل؟ قُلْنَا: حَيْثُ يَقُولُ رَبُّنَا عز وجل فِي كِتَابِهِ: {رَبَّنَا إِنَّكَ مِنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [آل عمران: 192] وَقَالَ عز وجل: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا} [المائدة: 37] وَقَوْلُهُ عز وجل {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا} [الحج: 22] ، وَأَشْبَاهُ هَذَا مِنَ الْقُرْآنِ ، فَقَالَ: أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل أَمْ أَنَا؟ فَقُلْنَا: بَلْ أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا ، قَالَ: فَوَاللَّهِ لَقَدْ شَهِدْتُ تَنْزِيلَ هَذَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَلَقَدْ شَهِدْتُ تَأْوِيلَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَأَنَّ الشَّفَاعَةَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل لِمَنْ عَقَلَ قَالَ: قُلْنَا: وَأَيْنَ الشَّفَاعَةُ؟ قَالَ: فِي سُورَةِ الْمُدَّثِّرِ قَالَ: فَقَرَأَ عَلَيْنَا {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ
⦗ص: 1203⦘
فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: 43] ثُمَّ قَالَ: أَلَا تَرَوْنَهَا حَلَّتْ لِمَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ عز وجل شَيْئًا ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:" إِنَّ اللَّهَ عز وجل خَلَقَ الْخَلْقَ وَلَمْ يَسْتَعِنْ عَلَى ذَلِكَ أَحَدًا ، وَلَمْ يُشَاوِرْ فِيهِ أَحَدًا ثُمَّ أَمَاتَهُمْ ، وَلَمْ يَسْتَعِنْ عَلَى ذَلِكَ أَحَدًا ، وَلَمْ يُشَاوِرْ فِيهِ أَحَدًا ، ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ، وَلَمْ يَسْتَعِنْ عَلَى ذَلِكَ أَحَدًا ، وَلَمْ يُشَاوِرْ فِيهِ أَحَدًا ، فَأَدْخَلَ مَنْ شَاءَ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ ، وَأَدْخَلَ مَنْ شَاءَ النَّارَ بِذَنْبِهِ ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عز وجل تَحَنَّنَ عَلَى الْمُوَحِّدِينَ فَبَعَثَ بِمَلَكٍ مِنْ قِبَلِهِ بِمَاءٍ وَنُورٍ: فَدَخَلَ النَّارَ فَلَمْ يُصِبْ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَمْ يُصِبْ إِلَّا مَنْ خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا وَلَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا ، فَأَخْرَجَهُمْ حَتَّى جَعَلَهُمْ بِفِنَاءِ الْجَنَّةِ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ عز وجل: فَأَمَدَّهُ بِمَاءٍ وَنُورٍ فَنَضَحَ وَلَمْ يُصِبْ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَمْ يُصِبْ إِلَّا مَنْ خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا وَلَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا ، إِلَّا أَصَابَهُ ذَلِكَ النَّضْحُ ، فَأَخْرَجَهُمْ حَتَّى جَعَلَهُمْ بِفِنَاءِ الْجَنَّةِ ، ثُمَّ أَذِنَ لِلشُّفَعَاءِ فَشَفَعُوا لَهُمْ فَأَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ وَشَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ "
774 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ
⦗ص: 1204⦘
قَالَ: نا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخٍ قَالَ: نا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ: نا يَزِيدُ بْنُ صُهَيْبٍ قَالَ: مَرَرْتُ بِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَهُوَ فِي حَلْقَةٍ يُحَدِّثُ أُنَاسًا ، فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ ، فَسَمِعْتُهُ يَذْكُرُ أُنَاسًا يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ قَالَ: وَكُنْتُ يَوْمَئِذٍ أُنْكِرُ ذَلِكَ قَالَ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا أَعْجَبُ مِنَ النَّاسِ ، وَلَكِنْ أَعْجَبُ مِنْكُمْ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، يَقُولُ اللَّهُ عز وجل:{يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا ، وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [المائدة: 37] فَانْتَهَرَنِي أَصْحَابُهُ وَكَانَ أَحْلَمَهُمْ ، فَقَالَ: دَعُوا الرَّجُلَ ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمُ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [المائدة: 37] قَالَ: وَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل عَذَّبَ قَوْمًا بِخَطَايَاهُمْ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُخْرِجَهُمْ
⦗ص: 1205⦘
أَخْرَجَهُمْ قَالَ: فَلَمْ أُكَذِّبْ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الْمُكَذِّبَ بِالشَّفَاعَةِ أَخْطَأَ فِي تَأْوِيلِهِ خَطَأً فَاحِشًا خَرَجَ بِهِ عَنِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ عَمَدَ إِلَى آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكُفْرِ ، أَخْبَرَ اللَّهُ عز وجل: أَنَّهُمْ إِذَا دَخَلُوا النَّارَ أَنَّهُمْ غَيْرُ خَارِجَيْنَ مِنْهَا ، فَجَعَلَهَا الْمُكَذِّبُ بِالشَّفَاعَةِ فِي الْمُوَحِّدِينَ ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى أَخْبَارِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي إِثْبَاتِ الشَّفَاعَةِ أَنَّهَا إِنَّمَا هِيَ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ ، وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا ، فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ السُّوءِ عَنْ جُمْلَةِ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْأَيْمَانِ ، وَاتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِهِمْ قَالَ اللَّهُ عز وجل:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115] قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رحمه الله: فَكُلُّ مَنْ رَدَّ سُنَنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسُنَنَ أَصْحَابِهِ فَهُوَ مِمَّنْ شَاقَقَ الرَّسُولَ وَعَصَاهُ ، وَعَصَى اللَّهَ تَعَالَى بِتَرْكِهِ قَبُولَ السُّنَنِ ، وَلَوْ عَقَلَ هَذَا الْمُلْحِدُ وَأَنْصَفَ مِنْ نَفْسِهِ ، عَلِمَ أَنَّ أَحْكَامَ اللَّهِ عز وجل وَجَمِيعَ مَا تَعَبَّدَ بِهِ خَلْقَهُ إِنَّمَا تُؤْخَذُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ عز وجل نَبِيَّهُ عليه السلام: أَنْ يُبَيِّنَ لِخَلْقِهِ مَا أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ مِمَّا تَعَبَّدَهُمْ بِهِ ، فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ
⦗ص: 1206⦘
: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44] وَقَدْ بَيَّنَ صلى الله عليه وسلم لِأُمَّتِهِ جَمِيعَ مَا فَرَضَ اللَّهُ عز وجل عَلَيْهِمْ مِنْ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ وَبَيَّنَ لَهُمْ أَمْرَ الدُّنْيَا وَأَمْرَ الْآخِرَةِ وَجَمِيعَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ وَلَمْ يَدَعْهُمْ جَهَلَةً لَا يَعْلَمُونَ حَتَّى أَعْلَمَهُمْ أَمْرَ الْمَوْتِ وَالْقَبْرِ وَمَا يَلْقَى الْمُؤْمِنُ ، وَمَا يَلْقَى الْكَافِرُ ، وَأَمْرَ الْمَحْشَرِ وَالْوُقُوفَ وَأَمْرَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ حَالًا بَعْدَ حَالٍ يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْحَقِّ ، وَسَنَذْكُرُ كُلَّ بَابٍ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، اعْلَمُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ: أَنَّ أَهْلَ الْكُفْرِ إِذَا دَخَلُوا النَّارَ وَرَأَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ وَأَصَابَهُمُ الْهَوَانُ الشَّدِيدُ نَظَرُوا إِلَى قَوْمٍ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ مَعَهُمْ فِي النَّارِ فَعَيَّرُوهُمْ بِذَلِكَ وَقَالُوا: مَا أَغْنَى عَنْكُمْ إِسْلَامُكُمْ فِي الدُّنْيَا وَأَنْتُمْ مَعَنَا فِي النَّارِ؟ فَزَادَ أَهْلَ التَّوْحِيدِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حُزْنًا وَغَمًّا ، فَاطَّلَعَ اللَّهُ عز وجل عَلَى مَا نَالَهُمْ مِنَ الْغَمِّ بِتَعْيِيرِ أَهْلِ الْكُفْرِ لَهُمْ فَأَذِنَ فِي الشَّفَاعَةِ فَيَشْفَعُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمَلَائِكَةُ وَالشُّهَدَاءُ وَالْعُلَمَاءُ وَالْمُؤْمِنُونَ فِيمَنْ دَخَلَ النَّارَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَأُخْرِجُوا مِنْهَا عَلَى حَسَبِ مَا أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى طَبَقَاتٍ شَتَّى فَدَخَلُوا الْجَنَّةَ ، فَلَمَّا فَقَدَهُمْ أَهْلُ الْكُفْرِ وَدُّوا حِينَئِذٍ لَوْ كَانَ مُسْلِمَيْنَ وَأَيْقَنُوا أَنَّهُ لَيْسَ شَافِعٌ يَشْفَعُ لَهُمْ ، وَلَا صَدِيقٌ حَمِيمٌ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنْ
⦗ص: 1207⦘
عَذَابِهِمْ شَيْئًا قَالَ اللَّهُ عز وجل فِي أَهْلِ الْكُفْرِ لَمَّا نَضَجُوا بِالْعَذَابِ وَعَلِمُوا أَنَّ الشَّفَاعَةَ لِغَيْرِهِمْ قَالُوا: {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلُ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [الأعراف: 53] الْآيَةَ ، وَقَالَ عز وجل:{فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ} [الشعراء: 94]، {وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ} [الشعراء: 95] ، {قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ} [الشعراء: 96] ، {تَالَلَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الشعراء: 97] ، {إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 98] ، {وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ} [الشعراء: 99] ، {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ} [الشعراء: 100] ، {وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء: 101] وَقَالَ عز وجل فِي سُورَةِ الْمُدَّثِّرِ وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ قَالَتْ لِأَهْلِ الْكُفْرِ: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر: 42]، {قَالُوا: لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [المدثر: 43]، {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} [المدثر: 45] ، {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} [المدثر: 46] ، {حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} [المدثر: 47] ، {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: 48] قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذِهِ كُلُّهَا أَخْلَاقُ الْكُفَّارِ فَقَالَ عز وجل: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: 48] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لَابُدَّ مِنْ شَفَاعَةٍ وَأَنَّ الشَّفَاعَةَ لِغَيْرِهِمْ لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ خَاصَّةً ،
⦗ص: 1208⦘
وَقَالَ اللَّهُ عز وجل: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ} [الحجر: 1]، {رُبَّمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر: 2] قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِنَّمَا يَوَدُّ الْكُفَّارُ أَنْ لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ عِنْدَمَا رَأَوْا مَعَهُمْ فِي النَّارِ قَوْمًا مِنَ الْمُوَحِّدِينَ فَعَيَّرُوهُمْ وَقَالُوا: مَا أَغْنَى عَنْكُمْ إِسْلَامُكُمْ وَأَنْتُمْ مَعَنَا فِي النَّارِ فَحَزِنُوا مِنْ ذَلِكَ فَأَمَرَ اللَّهُ عز وجل الْمَلَائِكَةَ وَالْأَنْبِيَاءَ وَمِنْ سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَشْفَعُوا فِيهِمْ فَشَفَعُوا فَأُخْرِجَ مَنْ فِي النَّارِ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ فَفَقَدَهُمْ أَهْلُ الْكُفْرِ فَسَأَلُوا عَنْهُمْ فَقِيلَ: شَفَعَ فِيهِمُ الشَّافِعُونَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ، فَعِنْدَهَا وَدُّوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ حَتَّى تَلْحَقَهُمُ الشَّفَاعَةُ
775 -
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ قَالَ: سَأَلْتُ إِبْرَاهِيمَ: عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {رُبَّمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر: 2] قَالَ: " حُدِّثْتُ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِمَنْ دَخَلَ النَّارَ: مَا أَغْنَى عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَغْضَبُ اللَّهُ عز وجل لَهُمْ ، فَيَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ: اشْفَعُوا ، فَيَشْفَعُونَ فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ ، حَتَّى إِنَّ إِبْلِيسَ لَيَتَطَاوَلُ رَجَاءَ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُمْ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ
776 -
وَأَنْبَأَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ عز وجل:{رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر: 2] قَالَ: " لَا تَزَالُ الرَّحْمَةُ وَالشَّفَاعَةُ حَتَّى يُقَالَ: لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ كُلُّ مُسْلِمٍ قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ " قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: بَطَلَتْ حُجَّةُ مَنْ كَذَّبَ بِالشَّفَاعَةِ ، الْوَيْلُ لَهُ إِنْ لَمْ يَتُبْ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَنْ كَذَّبَ بِالشَّفَاعَةِ فَلَيْسَ لَهُ فِيهَا نَصِيبٌ
777 -
أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ ذَرِيحٍ الْعُكْبَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:«مَنْ كَذَّبَ بِالشَّفَاعَةِ فَلَيْسَ لَهُ فِيهَا نَصِيبٌ»