الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ صِفَةِ خَلْقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَخْلَاقِهِ الْحَمِيدَةِ الْجَمِيلَةِ الَّتِي خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا
1016 -
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا الْمُطَرِّزُ قَالَ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: أَنْبَأَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ الْحُدَّانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خَالِدٍ ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَازِنٍ ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ انْعَتْ لَنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، صِفْهُ لَنَا قَالَ: «كَانَ لَيْسَ بِالذَّاهِبِ طُولًا ، وَفَوْقَ
⦗ص: 1494⦘
الرَّبْعَةِ ، إِذَا جَاءَ مَعَ الْقَوْمِ غَمَرَهُمْ ، أَبْيَضَ شَدِيدَ الْوَضَحِ ، ضَخْمَ الْهَامَةِ ، أَغَرَّ أَبْلَجَ ، أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ ، وَإِذَا مَشَى يَتَقَلَّعُ كَأَنَّمَا يَنْحَدِرُ فِي صَبَبٍ ، كَأَنَّ الْعَرَقَ فِي وَجْهِهِ اللُّؤْلُؤُ ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ صلى الله عليه وسلم»
1017 -
وحَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ شُعَيْبٍ الْبَلْخِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ وَصَفَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ: " كَانَ عَظِيمَ الْهَامَةِ أَبْيَضَ مُشْرَبًا حُمْرَةً ، عَظِيمَ اللِّحْيَةِ ، ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ ، شَثْنَ
⦗ص: 1495⦘
الْكَفَّيْنِ ، طَوِيلَ الْمَسْرُبَةِ ، كَثِيرَ شَعْرِ الرَّأْسِ رَجْلَهُ ، يَتَكَفَّأُ فِي مِشْيَتِهِ كَأَنَّمَا يَنْحَدِرُ فِي صَبَبٍ ، لَا طَوِيلٌ وَلَا قَصِيرٌ ، لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
1018 -
وحَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا الْمُطَرِّزُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ ، وَسَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: «مَا رَأَيْتُ مِنْ ذِي لِمَّةٍ أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ ، لَهُ شَعْرٌ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ ، بَعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ ، لَيْسَ بِالْقَصِيرِ وَلَا بِالطَّوِيلِ صلى الله عليه وسلم»
1019 -
حَدَّثَنِي أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ أَيُّوبَ السَّقَطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ النَّرْسِيُّ قَالَ: الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ قَوَامًا ، وَأَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا ، وَأَحْسَنَ النَّاسِ لَوْنًا ، وَأَطْيَبَ النَّاسِ رِيحًا ، وَأَلْيَنَ النَّاسِ كَفًّا ، مَا شَمَمْتُ رَائِحَةً قَطُّ مِسْكَةً وَلَا عَنْبَرَةً أَطْيَبَ مِنْهُ ، وَلَا مَسِسْتُ خَزَّةً وَلَا حَرِيرَةً ، أَلْيَنَ مِنْ كَفِّهِ ، وَكَانَ رَبْعَةً ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ ، وَلَا الْجَعْدِ وَلَا السَّبْطِ ، إِذَا مَشَى أَظُنُّهُ قَالَ: يَتَكَفَّأُ صلى الله عليه وسلم "
1020 -
حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ هَارُونُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ زِيَادٍ التَّاجِرُ قَالَ
⦗ص: 1497⦘
: حَدَّثَنَا مُكْرَمُ بْنُ مُحْرِزِ بْنِ الْمَهْدِيِّ نِسْبَتُهُ إِلَى الْأَزْدِ وَيُكَّنَى مُكْرَمٌ: بِأَبِي الْقَاسِمِ ، حَدَّثَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي سُوقِ قُدَيْدٍ قَالَ مُكْرَمٌ: حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ حِزَامِ بْنِ هِشَامِ بْنِ حُبَيْشٍ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، قَتِيلِ الْبَطْحَاءِ يَوْمَ الْفَتْحِ ، حِزَامٌ الْمُحَدِّثُ ، عَنْ حُبَيْشِ بْنِ خَالِدٍ وَهُوَ أَخُو عَاتِكَةَ بِنْتِ خَالِدٍ الَّتِي كُنْيَتُهَا أُمُّ مَعْبَدٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ حِينَ أُخْرِجَ مِنْ مَكَّةَ: خَرَجَ مِنْهَا مُهَاجِرًا إِلَى الْمَدِينَةِ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه ، وَمَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ ، وَدَلِيلُهُمَا اللَّيْثِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُرَيْقِطٍ ، مَرُّوا عَلَى خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيَّةِ ، فَسَأَلُوهَا لَحْمًا وَتَمْرًا لِيَشْتَرُوهُ مِنْهَا فَلَمْ يُصِيبُوا عِنْدَهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ، وَكَانَ
⦗ص: 1498⦘
الْقَوْمُ مُرْمِلِينَ مُسْنِتِينَ ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَاةً فِي كِسْرِ الْخَيْمَةِ ، فَقَالَ:" مَا هَذِهِ الشَّاةُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ؟ قَالَتْ: شَاةٌ خَلَّفَهَا الْجَهْدُ عَنِ الْغَنَمِ قَالَ: " هَلْ بِهَا مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَتْ: هِيَ أَجْهَدُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: أَتَأْذَنِينَ لِي أَنْ أَحْلِبَهَا؟ قَالَتْ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي نَعَمْ إِنْ رَأَيْتَ بِهَا لَبَنًا فَاحْلُبْهَا ، فَدَعَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَمَسَحَ بِيَدِهِ ضَرْعَهَا ، وَسَمَّى اللَّهَ عز وجل وَدَعَا لَهَا فِي شَاتِهَا ، فَتَفَاجَّتْ عَلَيْهِ ،
⦗ص: 1499⦘
وَدَرَّتْ ، وَاجْتَرَّتْ ، وَدَعَا بِإِنَاءٍ يَرْبِضُ الرَّهْطَ ، فَحَلَبَ فِيهِ ثَجًّا حَتَّى عَلَاهُ الْبَهَاءُ ، ثُمَّ سَقَاهَا حَتَّى رَوِيَتْ ، وَسَقَى أَصْحَابَهُ ، حَتَّى رَوَوْا ، ثُمَّ شَرِبَ آخِرَهُمْ صلى الله عليه وسلم ، ثُمَّ أَرَاضُوا ، ثُمَّ حَلَبَ فِيهِ ثَانِيًا بَعْدَ بَدْءٍ ، حَتَّى مَلَأَ الْإِنَاءَ ثُمَّ غَادَرَهُ عِنْدَهَا ، تَابَعَهَا وَارْتَحَلُوا عَنْهَا ، فَقَلَّ مَا لَبِثَتْ أَنْ جَاءَ زَوْجُهَا أَبُو مَعْبَدٍ ، يَسُوقُ أَعْنُزًا عِجَافًا يَتَشَارَكْنَ هَزْلَى مُخُّهُنَّ قَلِيلٌ ، فَلَمَّا رَأَى أَبُو مَعْبَدٍ ، اللَّبَنَ عَجِبَ ، وَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكِ هَذَا اللَّبَنُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ ، وَالشَّاءُ عَازِبٌ حِيَالٌ وَلَا حَلُوبَ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَتْ: لَا وَاللَّهِ ، إِلَّا أَنَّهُ مَرَّ بِنَا رَجُلٌ مُبَارَكٌ ، مِنْ حَالِهِ كَذَا وَكَذَا قَالَ: صِفِيهِ لِي يَا أُمَّ مَعْبَدٍ قَالَتْ: رَأَيْتُ رَجُلًا ظَاهَرَ الْوَضَاءَةِ أَبْلَجَ
⦗ص: 1500⦘
الْوَجْهِ ، حَسَنَ الْخَلْقِ ، لَمْ تَعِبْهُ نُحْلَةٌ ، وَلَمْ يُزْرِهِ صُقْلَةٌ ، وَسِيمًا قَسِيمًا ، فِي عَيْنَيْهِ دَعَجٌ ، وَفِي أَشْفَارِهِ غَطَفٌ ، وَفِي صَوْتِهِ صَحَلٌ ، وَفِي عُنُقِهِ سَطَعٌ ، وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَاثَةٌ ، أَزَجُّ أَقْرَنُ ، إِنْ صَمَتَ فَعَلَيْهِ الْوَقَارُ ، وَإِنْ تَكَلَّمَ سَمَا وَعَلَاهُ الْبَهَاءُ ، أَجْمَلُ النَّاسِ مِنْ بَعِيدٍ ، وَأَحْلَاهُ وَأَحْسَنُهُ مِنْ قَرِيبٍ ، حُلْوُ الْمَنْطِقِ ، فَصْلٌ ، لَا نَزْرٌ وَلَا هَذَرٌ ، كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ يَنْحَدِرْنَ ، رَبْعَةً ، لَا بَايِسَ مِنْ طُولٍ ، وَلَا تَقْتَحِمْهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ ، غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ ، فَهُوَ أَنْظَرُ الثَّلَاثَةِ مَنْظَرًا وَأَحْسَنُهُمْ قَدْرًا ، لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَهُ ، إِنْ قَالَ أَنْصَتُوا لِقَوْلِهِ ، وَإِنْ أَمَرَ تَبَادَرُوا إِلَى أَمْرِهِ ، مَحْفُودٌ مَحْشُودٌ ، لَا عَابِسٌ وَلَا مُعْتَدٍ قَالَ أَبُو مَعْبَدٍ: هُوَ وَاللَّهِ صَاحِبُ قُرَيْشٍ الَّذِي ذُكِرَ لَنَا مِنْ أَمْرِهِ مَا ذُكِرَ بِمَكَّةَ ، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَصْحَبَهُ ، وَلَأَفْعَلَنَّ إِنْ وَجَدْتُ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا فَأَصْبَحَ صَوْتٌ بِمَكَّةَ عَالِيًا ، يَسْمَعُونَ وَلَا يَدْرُونَ مَنْ صَاحِبُهُ؟ وَهُوَ يَقُولُ:
[البحر الطويل]
⦗ص: 1501⦘
جَزَى اللَّهُ رَبُّ النَّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ
…
رَفِيقَيْنِ قَالَا خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدِ
هُمَا نَزَلَاهَا بِالْهُدَى ، فَاهْتَدَتْ بِهِ
…
فَقَدْ فَازَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمَّدِ صلى الله عليه وسلم
فَيَا لِقُصَيٍّ ، مَا زَوَى اللَّهُ عَنْكُمْ
…
بِهِ مِنْ فَعَالٍ لَا يُجَازَى وَسُؤْدَدِ
لِيَهْنِ بَنِي كَعْبٍ مَقَامَ فَتَاتِهِمْ
…
وَمَقْعَدَهَا لِلْمُؤْمِنِينَ بِمَرْصَدِ
سَلُوا أُخْتَكُمْ عَنْ شَاتِهَا وَإِنَائِهَا
…
فَإِنَّكُمْ إِنْ تَسْأَلُوا الشَّاةَ تَشْهَدِ
دَعَاهَا بِشَاةٍ حَائِلٍ فَتَحَلَّبَتْ
…
عَلَيْهَا صَرِيحًا ضَرَّةُ الشَّاةِ مُزْبِدِ
فَغَادَرَهَا رَهْنًا لَدَيْهَا لِحَالِبٍ
…
يُرَدِّدُهَا فِي مَصْدَرٍ ثُمَّ مَوْرِدٍ
قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ رضي الله عنه شَاعِرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، بَهَتْفِ الْهَاتِفِ ، شَبَّبَ بِجَوَابِ الْهَاتِفِ ، وَهُوَ يَقُولُ:
[البحر الطويل]
لَقَدْ خَابَ قَوْمٌ زَالَ عَنْهُمْ نَبِيُّهُمْ
…
وَقُدِّسَ مَنْ يَسْرِي إِلَيْهِمْ وَيَعْتَدِ
⦗ص: 1502⦘
تَرَحَّلَ عَنْ قَوْمٍ ، فَضَلَّتْ عُقُولُهُمْ
…
وَحَلَّ عَلَى قَوْمٍ بِنُورٍ مُجَدَّدِ
هَدَاهُمْ بِهِ بَعْدَ الضَّلَالَةِ رَبُّهُمْ
…
وَأَرْشَدَهُمْ ، مَنْ يَتْبَعِ الْحَقَّ يَرْشُدِ
وَهَلْ يَسْتَوِي ضُلَّالُ قَوْمٍ تَسَفَّهُوا
…
عَمَايَتُهُمْ هَادٍ بِهِ كُلَّ مُهْتَدِي
وَقَدْ نَزَلَتْ مِنْهُ عَلَى أَهْلِ يَثْرِبٍ
…
رِكَابُ هُدًى ، حَلَّتْ عَلَيْهِمْ بِأَسْعَدِ
نَبِيٌّ يَرَى مَا لَا يَرَى النَّاسُ حَوْلَهُ
…
وَيَتْلُو كِتَابَ اللَّهِ فِي كُلِّ مَسْجِدِ
وَإِنْ قَالَ فِي يَوْمٍ مَقَالَةَ غَائِبٍ
…
فَتَصْدِيقُهَا فِي الْيَوْمِ أَوْ فِي ضُحَى الْغَدِ
لِيَهْنِ أَبَا بَكْرٍ سَعَادَةَ جَدِّهِ
…
بِصُحْبَتِهِ ، مَنْ يُسْعِدِ اللَّهُ يَسْعَدِ
لِيَهْنِ بَنِي كَعْبٍ مَقَامَ فَتَاتِهِمْ
…
وَمَقْعَدَهَا لِلْمُؤْمِنِينَ بِمَرْصَدِ
قَالَ مُكْرَمٌ: مَعْنَى قَوْلِهَا: يَرْبِضُ الرَّهْطَ: يَرْوِيهِمْ ، وَالْعَازِبُ: الْغَائِبُ عَنْ أَهْلِهِ ، وَالْحِيَالُ: الَّتِي قَدْ مَرَّ لَهَا حَوْلٌ وَلَيْسَ بِهَا لَبَنٌ وَلَمْ يَقْرَبْهَا فَحَلٌّ ، وَقَوْلُهُ: ثُمَّ أَرَاضُوا: أَرَاحُوا ، وَالصَّقْلُ: هُوَ اللَّوْنُ الْحَسَنُ ، وَالْوَسِيمُ الصَّبِيحُ ، وَالْقَسِيمُ النَّصَفُ ، الصَّحَلُ: صِحَّةُ
⦗ص: 1503⦘
الصَّوْتِ وَصَلَابَتُهُ ، وَالسَّطَعُ: طُولُ الْعُنُقِ ، وَالْكَثَاثَةُ: الْغِلَظُ ، أَزَجُّ: طَوِيلُ الْحَاجِبَيْنِ ، وَالْأَقْرَنُ: الْمُسْتِجْمِعُ شَعْرَ الْحَاجِبَيْنِ ، وَالنَّزْرُ: الْقَلِيلُ ، وَالْهَذْرُ: الَّذِي يَهْذِرُ بِالْكَلَامِ كَثْرَةً
1021 -
وَحَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ أَيْضًا قَالَ: حَدَّثَنَا مُكْرَمٌ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ قُرَّةَ الْخُزَاعِيُّ ثُمَّ الْكَعْبِيُّ قَالَ يَحْيَى: لَمَّا أَنْ هَتَفَ الْهَاتِفُ بِمَكَّةَ بِمَخْرَجِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، لَمْ يَبْقَ بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِ الْمُشْرِكِينَ ، إِلَّا انْتَبَهَ بَهَتْفِ الْهَاتِفِ وَاسْتَيْقَظُوا ، فَلَمَّا أَنْ أَصْبَحُوا اجْتَمَعُوا ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِهِمْ: سَمِعْتُمْ مَا كَانَ الْبَارِحَةَ؟ قَالُوا: نَعَمْ ، سَمِعْنَا ، قَالُوا: قَدْ بَانَ لَكُمْ مَخْرَجُ صَاحِبِكُمْ عَلَى طَرِيقِ الشَّامِ مِنْ حَيْثِ تَأْتِيكُمُ الْمِيرَةُ عَلَى خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ ، بِقُدَيْدٍ وَاطْلُبُوهُ ، فَرُدُّوهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَسْتَعِينَ عَلَيْكُمْ بِكِلْبَانِ الْعَرَبِ ، فَجَمَعُوا سَرِيَّةً مِنْ خَيْلٍ ضَخْمَةٍ ، فَخَرَجَتْ فِي طَلَبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، حَتَّى نَزَلُوا بِأُمِّ مَعْبَدٍ ، وَقَدْ أَسْلَمَتْ وَحَسُنَ إِسْلَامُهَا فَسَأَلُوهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَأَشْفَقَتْ عَلَيْهِ مِنْهُمْ وَتَعَاجَمَتْ وَقَالَتْ: إِنَّكُمْ لَتَسْأَلُونَ عَنْ أَمْرٍ مَا سَمِعْتُ بِهِ قَبْلَ عَامِي هَذَا ، وَهِيَ صَادِقَةٌ لَمْ تَسْمَعْهُ إِلَّا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، تُخْبِرُونِي أَنَّ رَجُلًا يُخْبِرُكُمْ بِمَا فِي السَّمَاءِ؟ إِنَّى لَأَسْتَوْحِشُ مِنْكُمْ ، وَلَإِنْ لَمْ تَنْصَرِفُوا عَنِّي لَأَصِيحَنَّ فِي قَوْمِي عَلَيْكُمْ ،
⦗ص: 1504⦘
فَانْصَرَفُوا ، وَلَمْ يَعْلَمُوا أَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَجَّهَ ، وَلَوْ قَضَى اللَّهُ الْكَرِيمُ: أَنْ يَسْأَلُوا الشَّاةَ مَنْ حَلَبَكِ؟ لَقَالَتْ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَذَلِكَ أَنَّهَا جُعِلَتْ شَاهِدَةً ، فَعَمَّى اللَّهُ الْكَرِيمُ عَلَيْهِمْ مُسَاءَلَةَ الشَّاةِ ، وَسَأَلُوا أُمَّ مَعْبَدٍ ، فَكَتَمَتْهُمْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رحمه الله: قَدْ حَدَّثَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ ابْنُ صَاعِدٍ فِي كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ ، عَنْ مُكْرَمٍ وَغَيْرِهِ ، مِنْ طَرَفٍ مُخْتَصَرٍ فِي بَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدْ تَكَلَّمَ أَبُو عُبَيْدٍ ، وَغَيْرُهُ فِي غَرِيبِ حَدِيثِ أُمِّ مَعْبَدٍ ، فَأَنَا أَذْكُرُهُ فَإِنَّهُ حَسَنٌ يَزِيدُ النَّاظِرَ فِيهِ عِلْمًا وَمَعْرِفَةً قَوْلُهُ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ: وَكَانَ الْقَوْمُ مُرْمِلِينَ مُشَتِّينَ يَعْنِي مُرْمِلِينَ: قَدْ نَفِدَ زَادُهُمْ وَقَوْلُهُ مُشَتِّينَ: يَعْنِي دَائِبِينَ فِي الشِّتَاءِ وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْجَدْبُ وَضِيقُ الْأَمْرِ عَلَى الْأَعْرَابِ وَقَوْلُهُ فِي الشَّاةِ: فَتَفَاجَّتْ عَلَيْهِ: يَعْنِي فَتَحَتْ مَا بَيْنَ رِجْلَيْهَا لِلْحَلْبِ ،
⦗ص: 1505⦘
وَقَوْلُهُ: دَعَا بِإِنَاءٍ يَرْبِضُ الرَّهْطَ: أَيْ يَرْوِيهِمْ ، حَتَّى يَثْقُلُوا فَيَرْبِضُوا وَالرَّهْطُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ ، وَقَوْلُهُ: فَحَلَبَ فِيهِ ثَجًّا: الثَّجُّ: السَّيَلَانُ قَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا} [النبأ: 14] أَيْ سَيَّالًا وَقَوْلُهُ: حَتَّى عَلَاهُ الْبَهَاءُ: تُرِيدُ عَلَا الْإِنَاءَ بَهَاءُ اللَّبَنِ ، وَهُوَ وَبِيصُ رَغْوَتِهِ: تُرِيدُ أَنَّهُ مَلَأَهُ ، وَقَوْلُهُ: فَسَقَى أَصْحَابَهُ حَتَّى أَرَاضُوا: يَعْنِي حَتَّى رَوَوْا ، حَتَّى تَقَعُوا بِالرِّيِّ ، وَقَوْلُهُ فِي الْأَعْنُزِ: يَتَشَارَكْنَ هَزْلًا: يَعْنِي قَدْ عَمَّهُنَّ الْهُزَالُ فَلَيْسَ فِيهِنَّ مَنْفَعَةٌ وَلَا ذَاتُ طَرْقٍ وَهُوَ مِنَ الِاشْتِرَاكِ يَعْنِي أَنَّهُنَّ اشْتَرَكْنَ: فَصَارَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ حَظٌّ ، وَقَوْلُهُ: وَالشَّاءُ عَازِبٌ: أَيْ بَعِيدٌ فِي الْمَرْعَى ، يُقَالُ عَزَبَ عَنَّا: إِذَا بَعُدَ وَيُقَالُ لِلشَّىْءِ إِذَا انْفَرَدَ: عَزَبَ ، ثُمَّ وَصَفَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لِزَوْجِهَا أَبِي مَعْبَدٍ قَالَ: صِفِيهِ لِي ، فَقَالَتْ: رَأَيْتُ رَجُلًا ظَاهِرَ الْوَضَاءَةِ ، أَبْلَجَ الْوَجْهِ ، حَسَنَ الْخَلْقِ ، لَمْ تَعِبْهُ نُحْلَةٌ وَلَمْ تُزْرِيهِ صُقْلَةٌ ، وَسِيمًا قَسِيمًا ، فِي عَيْنَيْهِ دَعَجٌ ، وَفِي أَشْفَارِهِ غَطَفٌ ، وَفِي صَوْتِهِ صَحَلٌ ، وَفِي عُنُقِهِ سَطَعٌ ، وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَاثَةٌ ، أَزَجُّ أَقْرَنُ ، إِنْ صَمَتَ فَعَلَيْهِ الْوَقَارُ ، وَإِنْ
⦗ص: 1506⦘
تَكَلَّمَ سَمَا وَعَلَاهُ الْبَهَاءُ ، أَجْمَلُ النَّاسِ وَأَبْهَاهُ مِنْ بَعِيدٍ ، وَأَحْسَنُهُ وَأَحْلَاهُ مِنْ قَرِيبٍ ، حُلْوُ الْمَنْطِقِ ، لَا نَزْرٌ وَلَا هَذْرٌ ، كَأَنَّمَا مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ يَنْحَدِرْنَ ، رَبْعَةً ، لَا بَايِسَ مِنْ طُولٍ ، وَلَا تَقْتَحِمْهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ ، غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ ، فَهُوَ أَنْظَرُ الثَّلَاثَةِ مَنْظَرًا وَأَحْسَنُهُمْ قَدْرًا ، لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَهُ ، إِنْ قَالَ أَنْصَتُوا ، وَإِذَا أَمَرَ تَبَادَرُوا إِلَى أَمْرِهِ مَحْفُودٌ مَحْشُودٌ ، لَا عَابِسٌ ، وَلَا مُعْتَدٍ. قَوْلُهَا: أَبْلَجُ الْوَجْهِ: تُرِيدُ مُشْرِقُ الْوَجْهِ ، وَقَوْلُهَا: لَمْ تَعِبْهُ نُحْلَةٌ: وَالنُّحْلَةُ: الدِّقَّةُ ، وَقَوْلُهَا: لَمْ تُزْرِيهِ صُقْلَةٌ ، وَالصَّقْلُ: أَيْ وَلَا تَأْخُذُ الْخَاصِرَةَ ، وَقَوْلُهَا: وَسِيمٌ الْحَسَنُ الْوَضِيءُ: يُقَالُ: وَسِيمٌ بَيِّنُ الْوَسَامَةِ وَعَلَيْهِ مِيسَمُ الْحُسْنِ ، وَالْقَسِيمُ: الْحَسَنُ ، وَالْقَسَامَةُ: الْحُسْنُ ، وَالدَّعَجُ: السَّوَادُ فِي الْعَيْنِ ، وَقَوْلُهَا: وَفِي أَشْفَارِهِ عَطَفٌ بِالْعَيْنِ عِنْدَهُمْ أَشْبَهُ وَهُوَ أَنْ تَطُولَ الْأَشْفَارُ ثُمَّ تَنْعَطِفُ إِذَا كَانَ بِالْغَيْنِ كَأَنَّهُ يُقَالُ: غَطَفٌ وَمَنْ قَالَ: بِالْعَيْنِ قَالَ
⦗ص: 1507⦘
: هُوَ فِي الْأُذُنِ وَهُوَ أَنْ يُدْبِرَ إِلَى الرَّأْسِ وَيَنْكَسِرَ طَرَفُهَا ، وَقَوْلُهَا: وَفِي صَوْتِهِ صَحَلٌ: تُرِيدُ فِي صَوْتِهِ كَالْبَحَّةِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ حَادًا وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ حَتَّى يَصْحَلَ صَوْتُهُ بِالتَّلْبِيَةِ يَعْنِي بَحَّ صَوْتُهُ ، قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الوافر]
وَقَدْ صَحِلَتْ مِنَ النَّوْحِ الْحُلُوقُ
قَوْلُهَا: فِي عُنُقِهِ سَطَعٌ: أَيْ طُولٌ: يُقَالُ: فِي الْفَرَسِ عُنُقٌ سَطْعَاءُ إِذَا طَالَتْ عُنُقُهَا وَانْتَصَبَتْ وَقَوْلُهَا: أَقْرَنُ: يَعْنِي أَزَجَّ الْحَوَاجِبِ ، وَالزَّجَجُ طُولُ الْحَاجِبَيْنِ وَدِقَّتُهُمَا ، وَالْقَرْنُ: أَنْ يَطُولَ الْحَاجِبَانِ حَتَّى يَلْتَقِيَ طَرَفَاهُمَا وَيُقَالُ: الْأَبْلَجُ هُوَ أَنْ يَنْقَطِعَ الْحَاجِبَانِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نَقِيًّا ، وَقَوْلُهَا إِذَا تَكَلَّمَ سَمَا: تُرِيدُ عَلَا بِرَأْسِهِ أَوْ يَدِهِ ، وَقَوْلُهَا فِي وَصْفِ مَنْطِقِهِ: فَصْلٌ ، لَا نَزْرَ وَلَا هَذْرَ: أَيْ إِنَّهُ وَسَطٌ ، لَيْسَ بِقَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ ،
⦗ص: 1508⦘
وَقَوْلُهَا: مُعْتَدِلُ الْقَامَةِ: كَأَنَّهَا تَقُولُ: مُعْتَدِلُ الْقَامَةِ كَمَا رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، لَيْسَ بِالْقَصِيرِ ، وَلَا بِالطَّوِيلِ ، قَوْلُهَا: وَلَا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ: أَيْ لَا تَحْتَقِرُهُ وَلَا تَزْدَرِيهِ ، قَوْلُهَا: مَحْفُودٌ: أَيْ مَخْدُودٌ ، يُقَالُ: الْحَفَدَةُ: الْأَعْوَانُ يَخْدِمُونَهُ ، قَوْلُهَا: مَحْشُودٌ: هُوَ مِنْ قَوْلِكَ: حَشَدْتُ لِفُلَانٍ فِي كَذَا ، إِذَا أَرَدْتَ أَنَّكَ اعْتَدَدْتَ لَهُ ، وَصَنَعَتْ لَهُ ، وَقَوْلُهَا: لَا عَابِسٌ: يَعْنِي: لَا عَابِسُ الْوَجْهِ مِنَ الْعُبُوسِ ، وَلَا مُعْتَدٍ: يَعْنِي بِالْمِعْتَدِي الظَّالِمَ ، لَيْسَ بِظَالِمٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
1022 -
وَحَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ أَبُو مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَمِيعُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ
⦗ص: 1509⦘
عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو جَعْفَرٍ الْعِجْلِيُّ ، أَمْلَاهُ عَلَيْنَا مِنْ كِتَابِهِ قَالَ: حَدَّثَنِي: رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ ، مِنْ وَلَدِ أَبِي هَالَةَ زَوْجِ أُخْتِ خَدِيجَةَ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنٍ لِأَبِي هَالَةَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما قَالَ سَأَلْتُ خَالِي هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ وَكَانَ وَصَّافًا عَنْ حِلْيَةِ صلى الله عليه وسلم ، وَأَنَا اشْتَهِي أَنْ يَصِفَ لِي مِنْهَا شَيْئًا أَتَعَلَّقُ بِهِ ، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، «فَخْمًا فَخْمًا ، يَتَلَأْلَأُ وَجْهُهُ تَلَأْلُؤَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، أَطْوَلَ مِنَ الْمَرْبُوعِ ، وَأَقْصَرَ مِنَ الْمُشَذَّبِ ، عَظِيمَ الْهَامَةِ ، رَجِلَ الشَّعْرِ إِنِ انْفَرَقَتْ عَقِيقَتُهُ فَرَقَ ، وَإِلَّا فَلَا يُجَاوِزُ شَعْرُهُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ ، إِذَا هُوَ وَفْرَةٌ ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ ، وَاسِعَ الْجَبِينِ ، أَزَجَّ الْحَوَاجِبِ ، سَوَابِغَ فِي غَيْرِ قَرَنٍ بَيْنَهُمْ ، عِرْقٌ يُدِرُّهُ الْغَضَبُ ، أَقْنَى الْعِرْنِينِ ، لَهُ نُورٌ يَعْلُوهُ ، يَحْسَبُهُ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْهُ أَشَمَّ كَثَّ اللِّحْيَةِ ، سَهْلَ الْخَدَّيْنِ ، ضَلِيعَ الْفَمِ ، أَشْنَبَ مُفَلَّجَ الْأَسْنَانِ ، دَقِيقَ الْمَسْرُبَةِ ، كَأَنَّ
⦗ص: 1510⦘
عُنُقَهُ جِيدُ دُمْيَةٍ فِي صَفَاءِ الْفِضَّةِ ، مُعْتَدِلَ الْخَلْقِ ، بَادِنًا مُتَمَاسِكًا ، سَوَاءَ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ ، عَرِيضَ الصَّدْرِ ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ ، ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ ، أَنْوَرَ الْمُتَجَرِّدِ ، مَوْصُولَ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَالسُّرَّةِ بِشَعْرٍ يَجْرِي كَالْخَطِّ ، عَارِيَ الثَّدْيَيْنِ وَالْبَطْنِ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ ، أَشْعَرَ الذِّرَاعَيْنِ ، وَالْمَنْكِبَيْنِ وَأَعَالِيَ الصَّدْرِ ، طَوِيلَ الزَّنْدَيْنِ ، رَحْبَ الرَّاحَةِ ، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ ، سَائِرَ أَوْ سَائِلَ يَعْنِي الْأَطْرَافَ سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ ، يَشُكُّ خَمْصَانَ الْأَخْمَصَيْنِ ، مَسِيحَ الْقَدَمَيْنِ يَنْبُو عَنْهُمَا الْمَاءُ ، إِذَا زَالَ قَلْعًا ، يَخْطُو تَكَفُّؤًا وَيَمْشِي هَوْنًا إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا ، خَافِضَ الطَّرْفِ ، نَظَرُهُ إِلَى الْأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ ، جُلَّ نَظَرِهِ الْمُلَاحَظَةُ ، يَسُوقُ أَصْحَابَهُ ، يَبْدُرُ مَنْ لَقِيَ بِالسَّلَامِ» قَالَ: قُلْتُ: صِفْ لِي مَنْطِقَهُ؟ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، «مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ ، دَائِمَ الْفِكْرِ ، لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ ، طَوِيلَ السَّكْتِ ، لَا يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ ، يَفْتَتِحُ الْكَلَامَ وَيَخْتِمُهُ بِأَشْدَاقِهِ ، وَيَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ ، فَضُولَ ، لَا فَصُولَ وَلَا تَقْصِيرَ ، دَمِثَ ، لَيْسَ بِالْجَافِي وَلَا الْمُهِينِ ، يُعَظِّمُ النِّعْمَةَ ، وَإِنْ دَقَّتْ ، لَايَذُمٌّ مِنْهَا شَيْئًا ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَذُمُّ ذَوَاقًا وَلَا
⦗ص: 1511⦘
يَمْدَحُهُ ، لَا تُغْضِبُهُ الدُّنْيَا ، وَلَا مَا كَانَ لَهَا ، فَإِذَا تُعُدِّيَ الْحَقُّ ، لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ وَلَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ ، حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ ، وَلَا يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَنْتَصِرُ لَهَا ، إِذَا أَشَارَ أَشَارَ بِكَفِّهِ كُلِّهَا ، وَإِذَا تَعْجَّبَ قَلَبَهَا ، وَإِذَا تَحَدَّثَ اتَّصَلَ بِهَا يَضْرِبُ بِرَاحَتِهِ الْيُمْنَى بَاطِنَ كَفِّهِ الْيُسْرَى ، وَإِذَا غَضِبَ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ ، وَإِذَا فَرِحَ غَضَّ ، جُلُّ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمُ وَيَفْتَرُّ عَنْ مِثْلِ حَبِّ الْغَمَامِ صلى الله عليه وسلم» ، قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رضي الله عنهما: فَكَتَمْتُهَا الْحُسَيْنَ زَمَانًا ، ثُمَّ حَدَّثْتُهُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ ، فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ ، وَوَجَدْتُهُ قَدْ سَأَلَ أَبَاهُ رضي الله عنه ، عَنْ مَدْخَلِهِ وَمَخْرَجِهِ وَشَكْلِهِ ، فَلَمْ يَدَعْ مِنْهُ شَيْئًا قَالَ الْحُسَيْنُ رضي الله عنه: فَسَأَلْتُ أَبِي عَنْ دُخُولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: " كَانَ دُخُولُهُ لِنَفْسِهِ مَأْذُونًا لَهُ فِي ذَلِكَ ، فَكَانَ إِذَا أَوَى إِلَى مَنْزِلِهِ جَزَّأَ دُخُولَهُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ: جُزْءًا لِلَّهِ عز وجل وَجُزْءًا لِأَهْلِهِ ، وَجُزْءًا لِنَفْسِهِ ، ثُمَّ جَزَّأَ جُزْأَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ فَيَرُدُّ ذَلِكَ بِالْخَاصَّةِ عَلَى الْعَامَّةِ وَلَا يَدَّخِرُ عَنْهُمْ شَيْئًا ، وَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِ فِي جُزْءِ الْأُمَّةِ إيثارُ أَهْلِ الْفَضْلِ بِإِذْنِهِ ، وَقَسْمِهِ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي الدِّينِ ، فَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَةِ وَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَتَيْنِ وَمِنْهُمْ ذُو الْحَوَائِجِ ، فَيَتَشَاغَلُ بِهِمْ وَيَشْغَلُهُمْ فِيمَا أَصْلَحَهُمْ وَالْأُمَّةُ كَذَا مِنْ مَسْأَلَتِهِ عَنْهُمْ وَإِيثَارِهِ بِالَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ وَيَقُولُ: لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ وَأَبْلِغُونِي حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا ،
⦗ص: 1512⦘
فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ سُلْطَانًا حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، لَا يَذْكُرُ عِنْدَهُ إِلَّا ذَلِكَ وَلَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرِهِ يَدْخُلُونَ رُوَّادًا وَلَا يَفْتَرِقُونَ إِلَّا عَنْ ذَوَاقٍ وَيَخْرُجُونَ أَدِلَّةً ، يَعْنِي عَلَى الْخَيْرِ " ، قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ مَخْرَجِهِ ، كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ؟ فَقَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، يَخْزِنُ لِسَانَهُ إِلَّا مِمَّا يَعْنِيهِ ، وَيُؤَلِّفُهُمْ وَلَا يُنَفِّرُهُمْ ، وَيُكْرِمُ كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ وَيُوَلِّيهِ عَلَيْهِمْ ، وَيَحْذَرُ النَّاسَ وَيَحْتَرِسُ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْوِيَ عَنْ أَحَدٍ بِشْرَهُ ، وَلَا خُلُقَهُ وَيَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ ، وَيَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا فِي النَّاسِ ، وَيُحَسِّنُ الْحَسَنَ وَيُقَوِّيهِ ، وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ وَيُوهِنُهُ ، مُعْتَدِلُ الْأَمْرِ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ ، لَا يَغْفُلُ مَخَافَةَ أَنْ يَغْفُلُوا أَوْ يَمَلُّوا ، لِكُلِّ حَالٍ عِنْدَهُ عَتَادٌ ، لَا يَقْصُرُ عَنِ الْحَقِّ وَلَا يُجَاوِزُهُ ، الَّذِينَ يَلُونَهُ مِنَ النَّاسِ خِيَارُهُمْ أَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُ نَصِيحَةً وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً وَأَحْسَنُهُمْ مُوَاسَاةً وَمُؤَازَرَةً» ، قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ مَجْلِسِهِ كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ؟ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، لَا يَقُومُ وَلَا يَجْلِسُ إِلَّا عَلَى ذِكْرٍ ، وَلَا يُوَطِّنُ
⦗ص: 1513⦘
الْأَمَاكِنَ ، وَيَنْهَى عَنْ إِيطَانِهَا ، وَإِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْمٍ جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ ، وَيَأْمُرُ بِذَلِكَ ، يُعْطِي كُلَّ جُلَسَائِهِ بِنَصِيبٍ ، لَا يَحْسَبُ جَلِيسُهُ أَنَّ أَحَدًا أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنْهُ ، مَنْ جَالَسَهُ أَوْ قَاوَمَهُ لِحَاجَةٍ صَابَرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُنْصَرِفَ ، وَمَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً لَمْ يَرُدَّهُ إِلَّا بِهَا أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقَوْلِ قَدْ وَسِعَ النَّاسَ مِنْهُ بَسْطُهُ وَخُلُقُهُ ، فَصَارَ لَهُمْ أَبًا وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءً ، مَجْلِسُهُ مَجْلِسُ حِلْمٍ وَحَيَاءٍ وَصَبْرٍ وَأَمَانَةٍ ، لَا تُرْفَعُ فِيهِ الْأَصْوَاتُ وَلَا تُؤَبَّنُ فِيهِ الْحُرُمُ ، وَلَا تُثَنَّى فَلَتَاتُهُ ، مُتَعَادِلِينَ يِتَفَاضَلُونَ فِيهِ بِالتَّقْوَى مُتَوَاضِعِينَ ، يُوَقِّرُونَ الْكَبِيرَ وَيَرْحَمُونَ الصَّغِيرَ ، وَيُؤْثِرُونَ ذَا الْحَاجَةِ ، وَيَحْفَظُونَ الْغَرِيبَ» ، قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ سِيرَتِهِ فِي جُلَسَائِهِ؟ فَقَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، دَائِمَ الْبِشْرِ ، سَهْلَ الْخُلُقِ لِيِّنَ الْجَانِبِ ، لَيْسَ بِفَظٍّ ، وَلَا غَلِيظٍ ، وَلَا سَخَّابٍ ، وَلَا عَيَّابٍ ، وَلَا مَدَّاحٍ يَتَغَافَلُ عَنْ مَا لَا يُشْتَهَى فَلَا يُؤْسَ مِنْهُ وَلَا يَخِيبُ فِيهِ ، قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلَاثٍ: الْمِرَاءِ ، وَالْإِكْثَارِ وَمَا لَا يَعْنِيهِ ، وَتَرَكَ النَّاسَ مِنْ ثَلَاثٍ: كَانَ لَا يَذُمُّ أَحَدًا وَلَايُعَيِّرُهُ ، وَلَا يَطْلُبُ عَوْرَتَهُ ، لَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا فِيمَا رَجَا ثَوَابَهُ ، إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرَ ، فَإِذَا سَكَتَ تَكَلَّمُوا ، وَلَا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ الْحَدِيثَ ، مَنْ تَكَلَّمَ أَنْصَتُوا لَهُ حَتَّى يَفْرُغَ ، حَدِيثُهُمْ عِنْدَهُ حَدِيثُ أَوَّلِهِمْ ، يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ ، وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ فِي مَنْطِقِهِ وَمَسْأَلَتِهِ ، حَتَّى إِنْ
⦗ص: 1514⦘
كَانَ أَصْحَابُهُ يَسْتَجْلِبُونَهُمْ وَيَقُولُ: «إِذَا رَأَيْتُمْ طَالِبَ حَاجَةٍ يَطْلُبُهَا فَأَرْفِدُوهُ» وَلَا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلَّا عَنْ مُكَافِئٍ ، وَلَا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ حَتَّى يَجُولَ ، فَيَقْطَعَهُ بِنَهْيٍ أَوْ قِيَامٍ " ، وَسَأَلْتُهُ كَيْفَ كَانَ سُكُوتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: عَلَى أَرْبَعٍ: عَلَى الْحِلْمِ ، وَالْحَذَرِ ، وَالتَّقْدِيرِ ، وَالتَّفْكِيرِ ، فَأَمَّا تَقْدِيرُهُ فَفِي تَسْوِيَةِ النَّظَرِ وَالِاسْتِمَاعِ بَيْنَ النَّاسِ ، وَأَمَّا تَفَكُّرُهُ فَفِيمَا يَفْنَى وَيَبْقَى ، وَجُمِعَ لَهُ الْحِلْمُ فِي الصَّبْرِ ، فَكَانَ لَا يُغْضِبُهُ شَيْءٌ وَلَا يَسْتَفِزُّهُ أَحَدٌ ، جُمِعَ لَهُ الْحَذَرُ فِي أَرْبَعٍ: أَخْذُهُ بِالْحَسَنِ لِيُقْتَدَى بِهِ ، وَتَرْكُهُ الْقَبِيحَ لِيُنْتَهَى عَنْهُ ، وَاجْتِهَادُهُ الرَّأْيَ فِيمَا أَصْلَحَ أُمَّتَهُ ، وَالْقِيَامُ فِيهَا ، وَجَمَعَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ صلى الله عليه وسلم ، تَسْلِيمًا كَثِيرًا " قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رحمه الله: قَدْ ذَكَرْتُ مِنْ صِفَةِ خَلْقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّىاللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَحُسْنِ صُورَتِهِ الَّتِي أَكْرَمَهُ اللَّهُ عز وجل بِهَا وَصِفَةِ أَخْلَاقِهِ الشَّرِيفَةِ الَّتِي خَصَّهُ اللَّهُ الْكَرِيمُ بِهَا مَا فِيهِ كِفَايَةٌ لِمَنْ تَعَلَّقَ مِنْ أُمَّتِهِ بِطَرَفٍ مِنْهَا ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ مَوْلَانَا الْكَرِيمَ الْمَعُونَةَ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِشَرَائِعِ نَبِيِّهِ ، وَلَنْ يَسْتَطِيعَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَتَخَلَّقَ بِأَخَلَاقِهِ إِلَّا مَنِ اخْتَصَّهُ اللَّهُ الْكَرِيمُ
⦗ص: 1515⦘
مِمَّنْ أَحَبَّ مِنْ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَصَحَابَتِهِ ، وَإِلَّا فَمَنْ دُونَهُمْ يَعْجِزُ عَنْ ذَلِكَ ، وَلَكِنْ مَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ وَمُرَادُهُ فِي طَلَبِ التَّعَلُّقِ بِأَخْلَاقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، رَجَوْتُ لَهُ مِنَ اللَّهِ الْكَرِيمِ أَنْ يُثِيبَهُ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ وَمُرَادِهِ وَإِنْ ضَعُفَ عَنْهَا عَمَلُهُ ، كَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ وَصَفَ الْمُؤْمِنَ بِأَخْلَاقٍ كَرِيمَةٍ شَرِيفَةٍ ، فَقَالَ فِيمَا وَصَفَهُ بِهِ: إِنْ سَكَتَ تَفَكَّرَ ، وَإِنْ تَكَلَّمَ ذَكَرَ ، وَإِذَا نَظَرَ اعْتَبَرَ ، وَإِذَا اسْتَغْنَى شَكَرَ ، وَإِذَا ابْتُلِيَ صَبَرَ ، نِيَّتُهُ تَبْلُغُ ، وَقُوَّتُهُ تَضْعُفُ ، يَنْوِي كَثِيرًا مِنَ الْعَمَلِ ، يَعْمَلُ بِطَاقَتِهِ مِنْهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رحمه الله: أَلَمْ تَسْمَعُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ إِلَى قَوْلِ اللَّهِ عز وجل لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ، {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] يُقَالُ: عَلَى أَدَبِ الْقُرْآنِ ، فَمَنْ كَانَ اللَّهُ عز وجل مُتَوَلِّيَهُ بِالْأَخْلَاقِ الشَّرِيفَةِ ، فَلَيْسَ بَعْدَهُ وَلَا قَبْلَهُ مِثْلُهُ فِي شَرَفِ الْأَخْلَاقِ
1023 -
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ: أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها: مَا كَانَ خُلُقُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَتْ: قَالَ اللَّهُ عز وجل
⦗ص: 1516⦘
: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] فَخُلُقُهُ الْقُرْآنُ
1024 -
وَحَدَّثَنَا ابْنُ صَاعِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: أَنْبَأَنَا الْفَضْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] قَالَ: أَدَبُ الْقُرْآنِ "
1025 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَطَشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا
⦗ص: 1517⦘
أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مَالِكٍ السُّوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدَ بْنُ الْمُحَبَّرِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: قَرَأْتُ أَحَدًا وَسَبْعِينَ كِتَابًا ، فَوَجَدْتُ فِي جَمِيعِهَا أَنَّ اللَّهَ عز وجل لَمْ يُعْطِ جَمِيعَ النَّاسِ ، مِنْ بَدْءِ الدُّنْيَا إِلَى انْقِضَائِهَا مِنَ الْعَقْلِ فِي جَنْبِ عَقْلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ، إِلَّا كَحَبَّةِ رَمْلٍ مِنْ بَيْنَ جَمِيعِ رِمَالِ الدُّنْيَا ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم أَرْجَحُ النَّاسِ عَقْلًا وَأَفْضُلُهُمْ رَأْيًا" قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رحمه الله: وَأَنَا أُبَيِّنُ مِنَ غَرِيبِ حَدِيثِ أَبِي هَالَةَ ، الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَلَى مَا بَيَّنَهُ مَنْ تَقَدَّمَ
⦗ص: 1518⦘
مِنَ الْعُلَمَاءِ مِثْلِ: أَبِي عُبَيْدٍ ، وَغَيْرِهِ ، فَإِنَّهُ عِلْمٌ حَسَنٌ لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَغَيْرِهِمْ ، قَوْلُهُ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَخْمًا مُفَخَّمًا يَتَلَأْلَأُ وَجْهُهُ تَلَأْلُؤَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ: مَعْنَاهُ: عَظِيمًا ، مُعَظَّمًا ، يُقَالُ: فَخْمٌ بَيِّنُ الْفَخَامَةِ وَيُقَالُ: أَتَيْنَا فُلَانًا فَفَخَّمْنَاهُ ، أَيْ عَظَّمْنَاهُ وَرَفَعْنَا مِنْ شَأْنِهِ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الرجز]
نَحْمَدُ مَوْلَانَا الْأَجَلَّ الْأَفْخَمَا
وَقَوْلُهُ: أَقْصَرَ مِنَ الْمُشَذَّبِ: الْمُشَذَّبُ: الطَّوِيلُ الْبَائِنُ ، وَأَصْلُ التَّشْذِيبِ التَّفْرِيقُ يُقَالُ: شَذَّبْتُ الْمَالَ إِذَا فَرَّقْتُهُ ، فَكَانَ الْمُفْرِطَ الطَّوِيلَ خَلْقُهُ وَلَمْ يُجْمَعْ ، يُرِيدُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، لَمْ يَكُنْ مُفْرِطَ الطُّولِ وَلَكِنَّهُ بَيْنَ الرَّبْعَةِ وَبَيْنَ الْمُشَذَّبِ ، وَقَوْلُهُ: إِنِ انْفَرَقَتْ عَقِيقَتُهُ فَرَقَ: يُرِيدُ شَعْرَهُ ، يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَفْرِقُ شَعْرَهُ إِلَّا أَنْ يَفْتَرِقَ الشَّعْرُ مِنْ قِبَلِهِ ، وَيُقَالُ: كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ، ثُمَّ فَرَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَقَوْلُهُ: أَزْهَرُ اللَّوْنِ: يُرِيدُ أَبْيَضَ اللَّوْنِ مُشْرِقًا ، مِثْلُ قَوْلِهِمْ: سِرَاجٌ
⦗ص: 1519⦘
يُزْهِرُ ، أَيْ يُضِيءُ ، وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الزَّهْرَةُ لِشِدَّةِ ضَوْئِهَا ، فَأَمَّا الْأَبْيَضُ غَيْرُ الْمُشْرِقِ فَهُوَ الْأَمْهَقُ ، وَقَوْلُهُ: أَزَجُّ الْحَوَاجِبِ: يَعْنِي طُولَ الْحَاجِبَيْنِ وَدِقَّتَهُمَا ، وَسُبُوغَهُمَا إِلَى مُؤَخَّرِ الْعَيْنَيْنِ ثُمَّ وَصَفَ الْحَوَاجِبَ فَقَالَ: سَوَابِغُ فِي غَيْرِ قَرَنٍ ، وَالْقَرَنُ أَنْ يَطُولَ الْحَاجِبَانِ حَتَّى يَلْتَقِيَ طَرَفَاهُمَا قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: كَانَتِ الْعَرَبُ تَكْرَهُ الْقَرَنَ ، وَيُسْتَحَبُّ الْبَلَجُ ، وَالْبَلَجُ أَنْ يَنْقَطِعَ الْحَاجِبَانِ فَيَكُونُ مَا بَيْنَهُمَا نَقِيًّا ، وَقَوْلُهُ: أَقْنَى الْعِرْنِينِ: يَعْنِي الْمِعْطَسَ وَهُوَ الْمَرْسِنُ وَالْقَنَا فِيهِ ، طُولُهُ وَدِقَّةُ أَرْنَبَتِهِ وَحَدَبٌ فِي وَسَطِهِ ، وَقَوْلُهُ: يَحْسَبُهُ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْهُ أَشَمَّ: يَعْنِي ارْتِفَاعَ الْقَصَبَةِ وَحُسْنَهَا وَاسْتِوَاءَ أَعْلَاهَا ، وَإِشْرَافَ الْأَرْنَبَةِ قَلِيلًا ، يَقُولُ: يَحْسُنُ قَنَا أَنْفِهِ اعْتِدَالٌ يَحْسَبُهُ قَبْلَ التَّأَمُّلِ أَشَمَّهُ ، وَقَوْلُهُ: ضَلِيعَ الْفَمِ: يَعْنِي عَظِيمَهُ ، يُقَالُ: ضَلِيعٌ بَيِّنُ الضَّلَاعَةِ ، وَمِنْهُ
⦗ص: 1520⦘
قَوْلُ الْجِنِّيِّ لِعُمَرَ رضي الله عنه ، إِنِّي مِنْهُمْ لَضَلِيعٌ وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَحْمَدُ ذَلِكَ وَتَذُمُّ صِغَرَ الْفَمِ ، قَوْلُهُ: دَقِيقُ الْمَسْرُبَةِ: وَالْمَسْرُبَةُ الشَّعْرُ الْمُسْتَرَقُ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ إِلَى السُّرَّةِ قَوْلُهُ: كَأَنَّ عُنُقَهُ جِيدُ دُمْيَةٍ فِي صَفَاءِ الْفِضَّةِ: يَعْنِي الْجِيدَ الْعُنُقَ ، وَالدُّمْيَةَ الصُّورَةَ وَشِبَّهَهَا فِي بَيَاضِهَا بِالْفِضَّةِ ، وَقَوْلُهُ: بِادِنٌ مُتَمَاسِكٌ: وَالْبَادِنُ: الضَّخْمُ ، يُقَالُ: بَدَنَ الرَّجُلُ ، وَبَدَّنَ بِالتَّشْدِيدِ إِذَا أَسَنَّ ، وَمَعْنَى قَوْلُهُ: مُتَمَاسِكٌ: يُرِيدُ أَنَّهُ مَعَ بَدَانَتِهِ مُتَمَاسِكُ اللَّحْمِ ، لَيْسَ بِمَسْتَرْخِيهِ ، وَقَوْلُهُ: سَوَاءَ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ: يَعْنِي أَنَّ بَطْنَهُ غَيْرُ مُسْتَفِيضٍ فَهُوَ مُسَاوٍ لِصَدْرِهِ وَأَنَّ صَدْرَهُ عَرِيضٌ فَهُوَ مُسَاوٍ لِبَطْنِهِ وَقَوْلُهُ: ضَخْمُ الْكَرَادِيسِ: يَعْنِي الْأَعْضَاءَ هُوَ فِي وَصْفِ عَلِيٍّ
⦗ص: 1521⦘
رضي الله عنه لَهُ أَنَّهُ كَانَ جَلِيلَ الْمُشَاشِ أَيْ عَظِيمَ رُءُوسِ الْعِظَامِ مِثْلِ الرُّكْبَتَيْنِ وَالْمِرْفَقَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ ، وَقَوْلُهُ: أَنْوَرُ الْمُتَجَرَّدِ: يَعْنِي مَا جُرِّدَ عَنْهُ الثَّوْبُ مِنْ بَدَنِهِ ، وَهُوَ أَنْوَرُ مِنَ النُّورِ ، يُرِيدُ شِدَّةَ بَيَاضِهِ ، وَقَوْلُهُ: طَوِيلُ الزَّنْدَيْنِ: وَالزَّنْدُ مِنَ الذِّرَاعِ مَا انْحَسَرَ عَنْهُ اللَّحْمُ ، وَلِلزَّنْدِ رَأْسَانِ: الْكُوعُ ، وَالْكُرْسُوعُ ، فَالْكُرْسُوعُ رَأْسُ الزَّنْدِ الَّذِي يَلِي الْخِنْصَرَ ، وَالْكُوعُ رَأْسُ الزَّنْدِ الَّذِي يَلِي الْإِبْهَامَ يُقَالُ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّهُ كَانَ عَرِيضَ زَنْدِهِ شِبْرًا ، وَقَوْلُهُ: رَحْبُ الرَّاحَةِ: يُرِيدُ أَنَّهُ وَاسِعُ الرَّاحَةِ ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَحْمَدُ ذَلِكَ وَتَمْدَحُ بِهِ وَتَذُمُّ صِغَرَ الْكَفَّ وَضِيقَ الرَّاحَةِ ، قَوْلُهُ: شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ: يَعْنِي أَنَّهُمَا إِلَى الْغِلَظِ وَالْقِصَرِ ، قَوْلُهُ: سَائِلُ الْأَطْرَافِ: يَعْنِي الْأَصَابِعَ ، أَنَّهَا طُوَالٌ لَيْسَتْ بِمُتَعَقِّدَةٍ وَلَا
⦗ص: 1522⦘
مُنْقَبِضَةٍ ، وَقَوْلُهُ: خُمْصَانَ الْأَخْمَصَيْنِ: يَعْنِي الْأَخْمَصَ فِي الْقَدَمِ مِنْ تَحْتِهَا وَهُوَ مَا ارْتَفَعَ عَنِ الْأَرْضِ فِي وَسَطِهَا ، أَرَادَ بِقَوْلِهِ خُمْصَانَ الْأَخْمَصَيْنِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُمَا مُرْتَفِعٌ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِأَرَحَّ وَالْأَرَحُّ هُوَ الَّذِي يَسْتَوِي بَاطِنُ قَدَمِهِ حَتَّى يَمَسَّ جَمِيعُهُ الْأَرْضَ وَيُقَالُ لِلْمَرْأَةِ الضَّامِرَةِ الْبَطْنِ خُمْصَانَةٌ ، قَوْلُهُ: مَسِيحُ الْقَدَمَيْنِ: يَعْنِي أَنَّهُ مَمْسُوحُ الْقَدَمَيْنِ فَالْمَاءُ إِذَا صُبَّ عَلَيْهِمَا مَرَّ عَلَيْهِمَا مَرًّا سَرِيعًا لِاسْتِوَائِهِمَا ، قَوْلُهُ: إِذَا زَالَ زَالَ تَقَلُّعًا: هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا وَصَفَ عَلِيٌّ رضي الله عنه إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ ، وَقَوْلُهُ: يَخْطُو تَكَفُّؤًا وَيَمْشِي هَوْنًا: يَعْنِي أَنَّهُ يَمْتَدُّ إِذَا خَطَا وَيَمْشِي فِي رِفْقٍ غَيْرَ مُخْتَالٍ ، لَا يَضْرِبُ غَطْفًا ، وَالْهَوْنُ بِفَتْحِ الْهَاءَ الرِّفْقُ قَالَ اللَّهُ عز وجل:{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: 63] فَإِذَا ضَمَمْتَ الْهَاءَ فَهُوَ الْهَوَانُ قَالَ اللَّهُ عز وجل: {عَذَابَ الْهُونِ} [الأنعام: 93] قَوْلُهُ: ذَرِيعُ الْمِشْيَةِ: يُرِيدُ أَنَّهُ مَعَ هَذَا الْمَشْيِ سَرِيعُ الْمِشْيَةِ ، يُقَالُ: فَرَسٌ ذَرِيعٌ بَيِّنُ الذَّرَاعَةِ ، إِذَا كَانَ سَرِيعًا ، وَامْرَأَةٌ تَذْرَاعُ إِذَا كَانَتْ سَرِيعَةَ الْغَزْلِ ،
⦗ص: 1523⦘
قَوْلُهُ: إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ: مَعْنَى الصَّبُّ الِانْحِدَارُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ ، رحمه الله: فَهَذِهِ صِفَاتُ خَلْقِهِ ، وَأَمَّا صِفَاتُ أَخْلَاقِهِ صلى الله عليه وسلم ، قَوْلُهُ: يَسُوقُ أَصْحَابَهُ: يُرِيدُ أَنَّهُ إِذَا مَشَى مَعَ أَصْحَابِهِ قَدَّمَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمَشَى وَرَاءَهُمْ ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: يَبْسُرُ أَصْحَابَهُ: وَالْبَسْرُ السَّوْقُ ، قَوْلُهُ: دَمِثًا: وَالدَّمِثُ مِنَ الرِّجَالِ السَّهْلُ اللَّيِّنُ ، قَوْلُهُ: لَيْسَ بِالْجَافِي وَلَا الْمُهِينِ: يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَحْقِرُ النَّاسَ وَلَا يُهِينُهُمْ وَلَيْسَ بِالْجَافِي الْغَلِيظِ الْفَظِّ وَلَا الْحَقِيرِ الضَّعِيفِ ، قَوْلُهُ: يُعَظِّمُ النِّعْمَةَ وَإِنْ دَقَّتْ: يَقُولُ: إِنَّهُ لَا يَسْتَصْغِرُ شَيْئًا أُوتِيَهُ ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا ، وَلَا يَحْقِرُهُ ، وَقَوْلُهُ: وَلَا يَذُمُّ ذَوَاقًا وَلَا يَمْدَحُهُ: يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ لَا يَصِفُ الطَّعَامَ بِطَيِّبٍ وَلَا فَسَادٍ إِنْ كَانَ فِيهِ ، وَقَوْلُهُ: إِذَا غَضِبَ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ: مَعْنَى أَعْرَضَ عَدَلَ بِوَجْهِهِ وَذَلِكَ فِعْلُ الْحَذِرِ مِنَ الشَّيْءِ وَالْكَارِهِ لِلْأَمْرِ ، وَأَشَاحَ ، الْإِشَاحَةُ تَكُونُ بِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْجِدُّ فِي الْأَمْرِ وَالْإِعْرَاضُ بِالْوَجْهِ ، يُقَالُ: أَشَاحَ إِذَا عَدَلَ بِوَجْهِهِ وَهَذَا مَعْنَى الْحَرْفِ
⦗ص: 1524⦘
فِي هَذَا وَمِنْهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ ، أَيْ عَدَلَ بِوَجْهِهِ وَذَلِكَ فِعْلُ الْحَذِرِ مِنَ الشَّيْءِ وَالْكَارِهِ الْأَمْرَ وَقَوْلُهُ: يَفْتَرُّ: أَيْ يَبْتَسِمُ وَمِنْهُ يُقَالُ: فَرَرْتُ الدَّابَّةَ إِذَا نَظَرْتُ إِلَى سَنِّهَا ، وَقَوْلُهُ: عَنْ مِثْلِ حَبِّ الْغَمَامِ يَعْنِي: الْبَرَدَ شَبَّهَ ثَغْرَهُ بِهِ ، وَالْغَمَامُ السَّحَابُ ، وَقَوْلُهُ: فِي دُخُولِهِ: جَزَّأَ جُزْأَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ: وَيَرُدُّ ذَلِكَ بِالْخَاصَّةِ عَلَى الْعَامَّةِ: يَعْنِي أَنَّ الْعَامَّةَ كَانَتْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ فِي مَنْزِلِهِ كُلَّ وَقْتٍ وَلَكِنَّهُ كَانَ يُوَصِّلُ إِلَيْهَا حَقَّهَا مِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ بِالْخَاصَّةِ الَّتِي تَصِلُ إِلَيْهِ ، فَتُوَصِّلُهُ إِلَى الْعَامَّةِ ، وَقَوْلُهُ: يَدْخُلُونَ رُوَّادًا: هُوَ جَمْعُ رَائِدٍ وَالرَّائِدُ أَصْلُهُ الَّذِي يَبْعَثُ بِهِ الْقَوْمُ يَطْلُبُ لَهُمُ الْكَلَأَ وَمَسَاقِطَ الْغَيْثِ وَلَمْ يُرِدِ الْكَلَأَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَلَكِنَّهُ ضَرَبَهُ مَثَلًا لِمَا يَلْتَمِسُونَ عِنْدَهُ مِنَ الْعِلْمِ وَالنَّفْعِ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ ، وَقَوْلُهُ: لَا يَتَفَرَّقُونَ إِلَّا عَنْ ذَوَاقٍ: الذَّوَاقُ أَصْلُهُ الطَّعْمُ ، وَلَمْ يُرِدِ الطَّعْمَ هَا هُنَا ، وَلَكِنَّهُ ضَرَبَهُ مَثَلًا لِمَا يَنَالُونَهُ عِنْدَهُ مِنَ الْخَيْرِ ، وَقَوْلُهُ: يَخْرُجُونَ أَدِلَّةً: يَعْنِي يَخْرُجُونَ مِنْ عِنْدِهِ بِمَا قَدْ تَعَلَّمُوهُ ،
⦗ص: 1525⦘
فَيَدُلُّونَ عَلَيْهِ النَّاسَ وَيُنَبِّئُونَهُمْ بِهِ وَهُوَ جَمْعُ دَلِيلٍ ، مِثْلُ: شَحِيحٌ وَأَشِحَّةٌ ، وَسَرِيرٌ وَأَسِرَّةٌ ، وَقَوْلُهُ: وَذَكَرَ مَجْلِسَهُ: لَا تُؤَبَّنُ فِيهِ الْحُرُمُ: يَعْنِي لَا تُقْذَفُ فِيهِ ، يُقَالُ: أَبَّنْتُهُ بِكَذَا مِنَ الشَّرِّ ، إِذَا رَمَيْتُهُ وَمِنْهُ حَدِيثُ الْإِفْكِ: أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي أُنَاسٍ أَبَّنُوا أَهْلِي بِمَنْ وَاللَّهِ ، مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَطُّ وَمِنْهُ رَجُلٌ مَأْبُونٌ أَيْ: مَعْرُوفٌ بِخَلَّةِ سُوءٍ رُمِيَ بِهَا ، وَقَوْلُهُ: وَلَا تُثَنَّى فَلَتَاتُهُ: يَعْنِي أَيْ لَا يَتَحَدَّثُ بِهَفْوَةٍ أَوْ زَلَّةٍ إِنْ كَانَتْ فِي مَجْلِسِهِ مِنْ بَعْضِ الْقَوْمِ ، وَمِنْهُ يُقَالُ: ثَنَوْتُ الْحَدِيثَ إِذَا أَذَعْتُهُ ، وَالْفَلَتَاتُ جَمْعُ فَلْتَةٍ وَهَىَ هَا هُنَا الزَّلَّةُ وَالسَّقْطَةُ ، وَقَوْلُهُ: إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ ، كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرَ: يَعْنِي أَنَّهُمْ يَسْكُنُونَ ، فَلَا يَتَحَرَّكُونَ وَيَغُضُّونَ أَبْصَارَهُمْ ، وَالطَّيْرُ لَا تَسْقُطُ إِلَّا عَلَى سَاكِنٍ ، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا كَانَ حَلِيمًا وَقُورًا: إِنَّهُ لَسَاكِنُ الطَّائِرِ ، وَقَوْلُهُ: لَا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلَّا عَنْ مُكَافِئٍ: عَنَى إِذَا ابْتُدِئَ بِمَدْحٍ كَرِهَ ذَلِكَ فَإِذَا اصْطَنَعَ مَعْرُوفًا فَأَثْنَى عَلَيْهِ مُثْنٍ وَشَكَرَهُ قَبِلَ ثَنَاءَهُ