المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: أقوال المخافين - العرش للذهبي - جـ ١

[شمس الدين الذهبي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌القسم الأول: الدراسة الموضعية

- ‌الباب الأول: أقوال الناس في أسماء الله وصفاته

- ‌الفصل الأول: معتقد أهل السنة والجماعة

- ‌المبحث الأول: التعريف بأهل السنة والجماعة

- ‌المبحث الثاني: معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته

- ‌الفصل الثاني: أقوال المعطلة في أسماء الله وصفاته

- ‌المبحث الأول: التعريف بالمعطلة

- ‌المبحث الثاني: درجات تعطيلهم

- ‌الفصل الثالث: أقوال المشبهة في أسماء الله وصفاته

- ‌المبحث الأول: التعريف بالتمثيل والتشبيه

- ‌المبحث الثاني: التعريف بالتشبيه

- ‌الباب الثاني: الأقوال في صفتي العلو والإستواء

- ‌الفصل الأول: الأقوال في صفة العلو

- ‌المبحث الأول: قول أهل السنة والجماعة ومن وافقهم

- ‌المبحث الثاني: أقوال المخالفين

- ‌الفصل الثاني: الأقوال في صفة الاستواء

- ‌المبحث الأول: مذهب السلف في الاستواء

- ‌المبحث الثاني: أقوال المخافين

- ‌الفصل الثالث: مسائل متعلقة بالعلو والإستواء

- ‌المبحث الأول: خلو العرش حال النزول

- ‌المبحث الثاني: مسائل الحد والمماسة

- ‌الباب الثالث: العرش وما يتعلق به

- ‌الفصل الأول: تعريف العرش

- ‌المبحث الأول: المعنى اللغوي لكلمة العرش

- ‌المبحث الثاني: المذاهب في تعريف العرش

- ‌الفصل الثاني: الأدلة على إثبات العرش من الكتاب والسنة

- ‌المبحث الأول: الأدلة القرآنية على إثبات العرش

- ‌المبحث الثاني: الأدلة من السنة على إثبات العرش

- ‌الفصل الثالث: صفة العرش وخصائصه

- ‌المبحث الأول: خلق العرش وهيئته

- ‌المبحث الثاني: مكان العرش

- ‌المبحث الثالث: خصائص العرش

- ‌الفصل الرابع: الكلام على حملة العرش والكرسي

- ‌المبحث الأول: الكلام على حملة العرش

- ‌المبحث الثاني: الكلام على الكرسي

- ‌القسم الثاني: التعريف بالمؤلف والكتاب

- ‌الفصل الأول: التعريف بالمؤلف

- ‌الفصل الثاني: التعريف بالكتاب

الفصل: ‌المبحث الثاني: أقوال المخافين

‌المبحث الثاني: أقوال المخافين

المبحث الثاني: أقوال المخالفين

الفريق الأول: نفاة الاستواء

سبق أن ذكرنا أن المعطلة من الفلاسفة، والجهمية، والأشاعرة، والماتريدية، على الرغم من أن لكل واحد منهم منهجاً مستقلاً في مسألة الصفات يتفقون جميعاً على إنكار الصفات الاختيارية بما فيها صفة الاستواء، ويذهبون إلى تأويل الآيات القرآنية الواردة في إثباتها إلى ما أدت إليه عقولهم من المعاني الفاسدة التي يزعمون أن في ذلك تنزيهاً لله عن مشابهة المخلوقين.

وإن سبب ذلك التأويل الباطل هو اعتقاد هؤلاء المعطلة أنه ليس في نفس الأمر صفة دلت عليها النصوص، وذلك بسبب الشبهات الفاسدة التي شاركوا فيها إخوانهم من الفلاسفة، فلما اعتقدوا انتفاء الصفات في نفس الأمر -وكان مع ذلك لابد للنصوص من معنى- بقوا مترددين بين الإيمان باللفظ وتفويض المعنى، وهي التي يسميها هؤلاء المعطلة طريقة السلف، وبين صرف اللفظ إلى معان بنوع من التكلف، وهي التي يسمونها طريقة الخلف.

وبهذا يتبين لنا أن هذا الباطل الذي ذهب إليه هؤلاء المعطلة إنما هو مركب من فساد العقل والكفر بالسمع، وذلك لأنهم إنما اعتمدوا في نفي

ص: 195

تلك الصفات على شبه عقلية ظنوها بينات وهي في الحقيقة شبهات.

وبناء على المسلك الثاني الذي سلكه هؤلاء المعطلة من تأويل تلك النصوص، فقد تعددت أقوالهم واختلفت في المعنى الذي يجب أن يؤول إليه لفظ الاستواء الوارد في الآيات إلى عدة أقوال منها:

القول الأول:

من هؤلاء المعطلة من يؤول معنى الاستواء في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} على الاستيلاء والقهر والغلبة.

وهذا القول يذهب إليه كثير من الجهمية1، والمعتزلة2، والحرورية3، وكثير من متأخري الأشاعرة4، كسيف الدين الآمدي5،

والغزالي6، والبغدادي7، وغيرهم.

1 انظر مجموع الفتاوى (5/96) ، ومختصر الصواعق (2/144) .

2 متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار (1/73، 351) .

3 انظر مجموع الفتاوى (5/66) ، ومختصر الصواعق (2/144) .

4 انظر تحفة المريد على شرح جوهرة التوحيد (ص54) .

5 انظر غاية المرام (ص141) .

6 انظر الاقتصاد في الاعتقاد (ص104) .

7 شرح الأصول الخمسة (ص226) .

ص: 196

وقد استدل هؤلاء المعطلة على صحة زعمهم هذا بأن تأويل الاستواء بالاستيلاء أمر مشهور في لغة العرب من ذلك:

قول الشاعر:

قد استوى بشر على العراق

من غير سيف ولا دم مهراق

وقال الآخر:

هما استويا بفضلهما جميعاً

على عرش الملوك بغير زور

وقال الآخر:

فلما علونا واستوينا عليهم

تركناهم صرعى لنسر كاسر

وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر -رحمه الله تعالى- أن بعضهم قد احتج بما رواه عبد الله بن داود الواسطي عن إبراهيم بن عبد الصمد عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، قال:"استولى على جميع بريته فلا يخلو منه مكان"1.

1 التمهيد (7/132) .

وقد أجاب ابن عبد البر على استدلالهم هذا بقوله: ((إن هذا الحديث منكر على ابن عباس رضي الله عنهما، ونقلته مجهولون وضعفاء، فأما عبد الله بن داود الواسطي وعبد الوهاب بن مجاهد فضعيفان، وإبراهيم بن عبد الصمد مجهول لا يعرف، وهم لا يقبلون أخبار الآحاد العدول، فكيف يسوغ لهم الاحتجاج بمثل هذا الحديث لو عقلوا وأنصفوا)) ا. هـ.

ص: 197

ومن هؤلاء المعطلة من يبقي كلمة العرش الواردة في الآية على معناها الحقيقي الثابت، ويقول إنما خصص العرش بالذكر من بين جميع المخلوقات لكونه أعظم المخلوقات وأرفعها وأوسطها فخصص بالذكر تنبيهاً على ما دونه.

ومنهم من يؤول العرش الوارد في الآية بمعنى الملك1، ويزعم أن معنى الآية استولى واستعلى على الملك، ويقول أصحاب هذا القول إن الله قد عبر بالعرش كناية على الملك، لأنه يخاطب الناس على الوجه الذي ألفوه من ملوكهم، واستقر في قلوبهم، ذلك أن العرش في كلامهم هو السرير الذي يجلس عليه الملوك، فجعل العرش كناية عن نفس الملك. ويستدل هؤلاء بأن هذا الأمر مشهور في اللغة، وكذلك بقوله تعالى في سورة يونس {ثُم اسْتَوَى عَلَى العَرْش يُدَبِّرُ الأَمْرَ} ، فقالوا: إن قوله يدبر الأمر جرى مجرى التفسير لقوله: {َاسْتَوَى عَلَى العَرْش} 2.

1 انظر شرح الأصول الخمسة (ص226) ، تفسير الرازي (14/15) ، وأصول الدين للبغدادي (ص112) .

2 تفسير الرازي (14/115) .

ص: 198

الرد عليهم:

لقد أجمع السلف على أن هذا التأويل الذي ذهب إليه هؤلاء الجهمية، والمعتزلة، والخوارج، ومتأخرو الأشاعرة، هو تأويل باطل ترده نصوص القرآن والسنة وإجماع الأمة، وهو قول لا أصل له في لغة العرب، بل هو تفسير لكلام الله بالرأي المجرد، لم يذهب إليه صاحب ولا تابع، ولا قاله إمام من أئمة المسلمين، ولا أحد من أهل التفسير الذين يحكون قول السلف.

ولبيان فساد هذا القول على وجه التفصيل نقول:

أولاً: أنه من المعلوم أن لفظ الاستواء قد ورد في القرآن الكريم في سبعة مواضع، وهذه المواضع جميعها قد اطرد فيها لفظ الاستواء دون الاستيلاء، وكذلك الأمر بالنسبة لما ورد في السنة، فلو كان معناه استولى -كما يزعم هؤلاء- لكان استعماله في أكثر موارده كذلك، فإذا جاء في موضع أو موضعين بلفظ استوى حمل على معنى استولى لأنه المألوف المعهود.

أما أن يُؤتى إلى لفظ قد اطرد استعماله في جميع موارده على معنى واحد فيدعى صرفه في الجميع إلى معنى لم يعهد استعماله فيه، فهذا أمر في غاية الفساد ولم يقصده ويفعله من قصد البيان، هذا لو لم يكن في السياق ما يأبى حمله على غير معناه الذي اطرد استعماله فيه، فكيف وفي السياق

ص: 199

ما يأبى ذلك1.

ثانياً: ومما يرد هذا التأويل الباطل أن كلمة استوى قد جاءت بعد "ثم" التي حقها الترتيب والمهلة، فلو كان المعنى القدرة على العرش والاستيلاء عليه لم يتأخر ذلك إلى ما بعد خلق السموات والأرض، فإن العرش كان موجوداً قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف عام كما ثبت في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء"2.

وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء} .

وفي صحيح البخاري عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السموات والأرض"3.

فالآيات والحديثان يدلان دلالة واضحة على أن العرش كان موجوداً قبل خلق السموات والأرض فكيف يجوز أن يكون غير قادر ولا

1 انظر مختصر الصواعق المرسلة (2/128-129) .

2 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب القدر (8/51) .

3 سيأتي تخريجه في قسم التحقيق فقرة (120) .

ص: 200

مستولٍ على العرش إلى أن خلق السموات والأرض1.

ثالثاً: أن الاستيلاء سواء كان بمعنى القدرة أو القهر أو نحو ذلك عام في المخلوقات كالربوبية، والعرش وإن كان أعظم المخلوقات ونسبة الربوبية إليه لا تنفي نسبتها إلى غيره كما في قوله تعالى {قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} ، فلو كان استوى بمعنى استولى كما هو عام في المخلوقات كلها لجاز مع إضافته للعرش أن يقال: استوى على السماء وعلى الهواء وعلى البحار والأرض، وعليها ودونها ونحوها إذ هو مستو على العرش. فلما اتفق المسلمون على أن يقال: استوى على العرش، ولا يقال استوى على هذه الأشياء مع أنه يقال: استولى على العرش والأشياء، علم أن معنى استوى خاص بالعرش وليس عاما كعموم الأشياء2.

رابعاً: أنه إذا فسر الاستواء بالغلبة والقهر عاد معنى الآيات كلها إلى أن الله تعالى أعلم عباده بأنه خلق السموات والأرض ثم غلب على العرش بعد ذلك وقهره وحكم عليه! أفلا يستحي من الله من في قلبه أدنى وقار لله ولكلامه أن ينسب ذلك إليه وأنه أراد بقوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ

1 مجموع الفتاوى (5/145) .

2 المصدر السابق (5/144) .

ص: 201

اسْتَوَى} : أي اعلموا يا عبادي أني بعد فراغي من خلق السموات والأرض غلبت عرشي وقهرته واستوليت عليه1.

خامساً: إن ما يستند إليه هؤلاء المعطلة في زعمهم هذا من قولهم أن تفسير استوى باستولى أمر مشهور في اللغة، هو قول باطل مردود لأنه لم يثبت عند أحد من أهل اللغة أن لفظة استوى يصح استعمالها بمعنى استولى بل إن هذا القول منكر عند اللغويين.

فهذا ابن الأعرابي أحد علماء اللغة أتاه رجل فقال له: ما معنى قول الله عز وجل {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ؟ فقال: "هو كما أخبر عز وجل"، فقال: يا أبا عبد الله ليس هذا معناه، إنما معناه استولى، قال: "اسكت ما أنت وهذا، لا يقال استولى على الشيء إلا أن يكون له مضاداً فإذا غلب أحدهما قيل استولى، أما سمعت النابغة:

إلا لمثلك أو من أنت سابقة

سبق الجواد إذا استولى على الأمد 2

"وقد سئل الخليل بن أحمد: هل وجدت في اللغة استوى بمعنى استولى؟

فقال: (هذا ما لا تعرفه العرب ولا هو جائز في لغتها) .

1 مختصر الصواعق (2/140-141) .

2 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (2/399) .

ص: 202

والخليل إمام في اللغة على ما عرف من حاله، فحينئذ حمله على ما لا نعرف في اللغة هو قول باطل"1.

وكذلك فإنه قد روي عن جماعة من أهل اللغة قالوا: لا يجوز استوى بمعنى استولى إلا في حق من كان عاجزاً ثم ظهر، والله سبحانه لا يعجزه شيء والعرش لا يغالبه في حال، فامتنع أن يكون بمعنى استولى.

وقد روي عن أبي العباس ثعلب أنه قال: "استوى: أقبل عليه وإن لم يكن معوجاً، {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} [البقرة 29] ، و {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْش} : علا، واستوى الوجه: اتصل، واستوى القمر: امتلأ، واستوى زيد وعمرو: تشابها واستوى فعلاهما وإن لم تتشابه شخوصهما، هذا الذي نعرفه من كلام العرب"2.

فبما تقدم من أقوال علماء اللغة يتضح لنا فساد زعم هؤلاء المعطلة وكذب ادعائهم بأن هذا القول مشهور في اللغة.

وأما ما استدل به هؤلاء من أبيات، كقول الشاعر:

قد استوى بشر على العراق

من غير سيف ولا دم مهراق

وقول آخر:

1 مجموع الفتاوى (5/144، 149)

2 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (2/399-400) .

ص: 203

هما استويا بفضلهما جميعاً

على عرش الملوك بغير زور

فهذان البيتان لم يثبت نقل صحيح على أنهما شعر عربي، وكان غير واحد من أئمة اللغة أنكروهما.

قال ابن فارس: "هذان البيتان لا يعرف قائلهما"1.

فهما على هذا بيتان مصنوعان، ومعلوم أنه لو احتج بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحتاج إلى صحته، فكيف ببيت من الشعر لا يعرف إسناده وقد طعن فيه أئمة اللغة.

قال أبو عمر بن عبد البر: "وأما ادعائهم المجاز في الاستواء وقولهم في تأويل استوى: استولى، فلا معنى له لأنه غير ظاهر في اللغة، ومعنى الاستيلاء في اللغة المغالبة، والله لا يغالبه أحد ولا يعلوه أحد، وهو الواحد الصمد، ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز، إذ لا سبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا من ربنا إلا على ذلك، وإنما يوجه كلام الله إلى الأشهر والأظهر من وجوهه ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم. ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبارات، وجل الله عز وجل أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب في معهود مخاطبتها، مما يصح معناه عند السامعين، والاستواء معلوم في اللغة ومفهوم، وهو العلو والارتفاع على الشيء والاستقرار والتمكن فيه. قال

1 زاد المسير لابن الجوزي.

ص: 204

أبو عبيدة في قوله تعالى {اسْتَوَى} قال: وتقول العرب استويت فوق الدابة واستويت فوق البيت، وقال غيره: استوى: أي انتهى شبابه واستقر فلم يكن في شبابه مزيد"1.

وأما ما استدل به المعطلة من قول ابن عباس رضي الله عنهما فقد بين ابن عبد البر أنه مكذوب على ابن عباس ورواته مجهولون وضعفاء كما تقدم ذكره.

القول الثاني:

أن معنى استوى: أقبل على خلق العرش وعمد إلى خلقه كقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَان} [فصلت 11] ، أي عمد إلى خلق السماء.

وهذا هو قول بعض الجهمية2، وإليه ذهب الفراء3، والأشعري، وابن الضرير، واختاره الثعلبي4.

1 التمهيد (7/131) .

2 مختصر الصواعق (2/126) .

3 ستأتي ترجمته في قسم التحقيق.

4 انظر الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (2/8-9) .

ص: 205

الرد عليهم:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهذا الوجه من أضعف الوجوه، فإنه قد أخبر أن العرش على الماء قبل خلق السموات والأرض.

وكذلك ثبت في صحيح البخاري عن عمران عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء

" فإذا كان العرش مخلوقاً قبل خلق السموات والأرض، فكيف يكون استواؤه عمده إلى خلقه له؟!

هذا لو كان يعرف في اللغة أن استوى على كذا، بمعنى أنه عمد إلى فعله، فكيف إذا كان لا يعرف قط في اللغة لا حقيقة ولا مجازاً ولا في نظم ولا في نثر.

ومن قال استوى بمعنى عمد ذكره في قوله {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَان} لأنه عدى بحرف الغاية، كما يقال: عمدت إلى كذا وقصدت إلى كذا، ولا يقال عمدت على كذا ولا قصدت عليه، مع أن ما ذكر في تلك الآية لا يعرف في اللغة أيضاً ولا هو قول أحد من مفسري السلف بل المفسرون من السلف بخلاف ذلك"1.

1 مجموع الفتاوى (5/520-521) .

ص: 206

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: "إن قولهم هذا يتضمن أن يكون خلقه بعد خلق السموات والأرض، وهذا بخلاف إجماع الأمة، وخلاف ما دل عليه القرآن والسنة، وإن ادعى بعض الجهمية المتأخرين أنه خلق بعد خلق السموات والأرض وادعى الإجماع على ذلك، وليس العجيب من جهله، بل من إقدامه على حكاية الإجماع على ما لم يقله مسلم"1.

القول الثالث:

أن استوى بمعنى علا في هذه الآية، ولكن ليس المراد علو المسافة والمكان، وإنما المراد علو المكانة والقهر، وقد ذهب إلى هذا القول جماعة من الأشاعرة منهم أبو بكر بن فورك2، وهم بهذا القول جعلوا الاستواء صفة ذات وليست صفة فعل.

الرد عليهم:

أن الآيات والأحاديث قد أثبتت استواء الله على العرش حقيقة، ولو كان معنى الاستواء ههنا المراد به علو المكانة فإن الله لم يزل متعالياً على الأشياء قبل خلق العرش، فلما أضاف الاستواء على العرش فيجب على

1 مختصر الصواعق المرسلة (2/143) .

2 كتاب مشكل الحديث لابن فورك (ص193) ، والأسماء والصفات للبيهقي (ص518) .

ص: 207

ذلك أن يكون لهذا التخصيص فائدة1.

القول الرابع:

وهو قول من يثبت الاستواء على أنه صفة للعرش وليس صفة لله تعالى.

وأصحاب هذا القول يقولون: إن الاستواء فعل يفعله الرب في العرش بمعنى أنه يحدث في العرش قرباً فيصير مستوياً عليه من غير أن يقوم به -أي بالله- فعل اختياري.

وهذا القول هو ما يقول به ابن كلاب، والأشعري2، وأئمة أصحابه المتقدمين كالباقلاني وغيره، وهو أيضاً قول القلانسي، ومن وافق هؤلاء من أتباع الأئمة وغيرهم من أصحاب الإمام أحمد كالقاضي أبي يعلى وابن الزاغوني وابن عقيل في كثير من أقواله3.

والسبب الذي جعل هؤلاء القوم يمنعون جعل الاستواء صفة لله تعالى هو قولهم بنفي قيام الأفعال الاختيارية بذاته سبحانه وتعالى ولذلك

1 المعتمد في أصول الدين للقاضي أبي بعلى (ص54) .

2 هذا القول لأبي الحسن الأشعري قاله عندما كان على قول ابن كلاب من نفي الأفعال الاختيارية عن الله تعالى.

3 مجموع الفتاوى (5/386، 437، 466) ، (16/393) .

الأسماء والصفات (517) .

اجتماع الجيوش الإسلامية (ص64، 65) .

ص: 208

يجعلون أفعاله اللازمة لذاته –كالنزول والاستواء- كأفعاله المتعدية -كالخلق والإحسان-، وقولهم في نفي الأفعال الاختيارية راجع إلى قولهم في صفات الله.

وهم يقولون: "إن الله هو الموصوف بالصفات، لكن ليست الصفات أعراضاً، إذ هي قديمة أزلية"1.

وحجتهم في منع قيام الحوادث بذات الله تعالى أنهم يقولون: "إن كل ما صح قيامه بالباري تعالى فإما أن يكون صفة كمال أو لا يكون فإن كان صفة كمال استحال أن يكون حادثاً، وإلا كانت ذاته قبل اتصافه بتلك الصفة خالية من صفة الكمال، والخالي من الكمال الذي هو ممكن الاتصاف به ناقص، والنقص على الله محال بإجماع الأمة.

وإن لم يكن صفة كمال استحال اتصاف الباري بها لأن إجماع الأمة على أن صفات الباري بأسرها صفات كمال، فإثبات صفة لا من صفات الكمال خرق للإجماع وهو أمر غير جائز" 2.

الرد عليهم:

لقد اعتمد أصحاب هذا القول في منعهم كون الاستواء صفة لله تعالى على حجة منع قيام الحوادث بذاته تعالى، وهي حجة واهية وقد رد

1 مجموع الفتاوى (6/36) .

2 انظر كتاب ابن تيمية السلفي (ص130) .

ص: 209

عليها شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: "إن المقدمة التي اعتمد عليها هؤلاء وهي قولهم: إن الخالي من الكمال الذي يمكن الاتصاف به ناقص. فيقال لهم: معلوم أن الحوادث المتعاقبة لا يمكن الاتصاف بها في الأزل، كما لا يمكن وجودها في الأزل، وعلى هذا فالخلو عنه في الأزل لا يكون خلواً عما يمكن الاتصاف به في الأزل.

ثم إنه لم يثبت امتناع ما ذكر من النقص بدليل عقلي ولا بنص من كتاب ولا سنة، بل بما ادعوه من إجماع، وإذاً فمعلوم أن المنازعين في اتصافه بذلك هم من أهل الإجماع فكيف يحتج بالإجماع في مسألة النزاع.

وقولهم بإجماع الأمة على أن صفاته صفات كمال، فإن قصد بذلك صفاته اللازمة لم يكن في هذا حجة لهم، وإن قصد بذلك ما يحدث بمشيئته وقدرته لم يكن هذا إجماعاً فإن أهل الكلام يقولون أن صفة الفعل ليست صفة كمال ولا نقص والله موصوف بها بعد أن لم يكن موصوفاً.

ثم إن هذا الإجماع الذي ادعوه حجة عليهم فإنا إذا عرضنا على العقول موجودين: أحدهما يمكنه أن يتكلم ويفعل بمشيئته كلاماً وفعلاً، والآخر لا يمكنه ذلك، بل لا يكون كلامه إلا غير مقدور ولا مراد أو يكون بائناً عنه، لكانت العقول تقضي بأن الأول أكمل من الثاني.

وكذلك إذا عرضنا على العقول موجودين من المخلوقين أو مطلقاً أحدهما يقدر على الذهاب والمجيء والتصرف بنفسه والآخر لا يمكنه ذلك

ص: 210

لكانت العقول تقصي بأن الأول أكمل، فنفس ما به يعلم أن اتصافه بالحياة والقدرة صفات كمال، به يعلم أن اتصافه بالأفعال والأقوال الاختيارية التي تقوم به والتي يفعل بها المفعولات المباينة له صفات كمال"1.

وكذلك مما يرد به على هذا القول ما قاله ابن القيم: "إنه لو كان الاستواء عائداً على العرش لكانت القراءة برفع العرش، ولم تكن بخفضة، فلما كانت بخفض العرش دل على أن الاستواء عائد إلى الله تعالى"2.

الفريق الثاني: القول بالتفويض

ويذهب أصحاب هذا القول إلى إثبات لفظ الاستواء فقط مع التوقف في المعنى المراد، فهم يقولون: إن الاستواء ثابت في القرآن حيث إنه قد ورد في سبع آيات، وكذلك قد وردت به الأخبار الصحيحة وقبوله من جهة التوقف واجب، والبحث عنه وطلب الكيفية غير جائز وهو استواء لا نعلمه3.

1 الموافقة بين صريح العقل وصحيح النقل (2/73-175)، ط: دار الكتب.

2 انظر اجتماع الجيوش الإسلامية (ص64-65) .

3 الاعتقاد للبيهقي (ص115) .

ص: 211

وقد ذهب إلى هذا القول البيهقي في كتابه الاعتقاد1 وهو أحد قولي الرازي2.

وهؤلاء في الحقيقة ينفون صفة الاستواء ولكن يتوقفون في المعنى الذي على زعمهم يجب تأويل اللفظ إليه.

وقد زعم كثير من الأشاعرة أن القول بالتفويض هو قول السلف3.

ويستدلون على نسبة هذا القول إلى السلف بعبارات نقلت عن السلف ظنوا أنها ترمي إلى القول بالتفويض كقول الأوزاعي: "كنا والتابعون متوافرون نقول أن الله تعالى ذكره فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته جل وعلا".

وقول ربيعة بن عبد الرحمن، والإمام مالك:"الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، والإيمان به واجب".

والقول بالتفويض هو مقصود هؤلاء القوم في قولهم: (إن طريقة

1 المصدر السابق.

2 تلخيص المحصل (ص114) .

3 الاعتقاد للبيهقي (ص117) ، الإتقان في علوم القرآن (2/6) ، مناهل العرفان (2/183-183) ، تحفة المريد (ص91-92) ، شرح الخريدة البهية (ص75) ، الأسماء والصفات (ص517) .

ص: 212

السلف أسلم) ، حيث إنهم ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه لذلك، بمنزلة الأميين الذين قال الله فيهم:{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَاّ أَمَانِيََّ} [البقرة 78] .

الرد عليهم:

معلوم أن نسبة هذا القول إلى السلف إنما هي محض كذب وافتراء، ومن نسب هذا القول إلى السلف فإنما هو جاهل بطريقة السلف الذين لم يقولوا بهذا القول، ولم يرد عن واحد منهم أنه فوض معنى الاستواء، بل أن الوارد عنهم جميعاً أنهم يفسرون الاستواء بالمعنى المراد وهو العلو والارتفاع على العرش ويؤمنون بأن الله مستو على العرش حقيقة.

قال شيخ الإسلام: "وهذا القول على الإطلاق كذب صريح على السلف، أما في كثير من الصفات فقطعاً مثل أن الله فوق العرش فإن من تأمل كلام السلف المنقول عنهم علم بالاضطرار أن القوم كانوا مصرحين بأن الله فوق العرش حقيقة، وأنهم ما قصدوا خلاف هذا قط، وكثير منهم صرح في كثير من الصفات بمثل ذلك"1.

وقال في موضع آخر: "وقد فسر الإمام أحمد النصوص التي نسميها متشابهات فبين معانيها آية آية، وحديثاً حديثاً ولم يتوقف فيها هو والأئمة قبله مما يدل على أن التوقف عن بيان معاني آيات الصفات وصرف

1 الفتوى الحموية (ص64) .

ص: 213

الألفاظ عن ظواهرها لم يكن مذهباً لأهل السنة وهم أعرف بمذهب السلف، وإنما مذهب السلف إجراء معاني آيات الصفات على ظاهرها بإثبات الصفات له حقيقة، وعندهم قراءة الآية والحديث تفسيرها وتمر كما جاءت دالة على المعاني لا تحرف ولا يلحد فيها" 1.

ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "تنازع الناس في كثير من الأحكام ولم يتنازعوا في آيات الصفات وأخبارها في موضع واحد، بل اتفق الصحابة والتابعون على إقرارها وإمرارها مع فهم معانيها وإثبات حقائقها، أعني فهم أصل المعنى لا فهم الكنه والكيفية"2.

وأما بالنسبة إلى ما استدل به أصحاب هذا القول على أن القول بالتفويض هو مذهب السلف وذكرهم لقول الإمام مالك: (الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة) ، فليس المراد ههنا تفويض معنى الاستواء ولا نفي حقيقة الصفة، ولو كان المراد الإيمان بمجرد اللفظ من غير فهم على ما يليق بالله لما قال:(الكيف مجهول) ، لأنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى3.

والاستواء على هذا المعنى لا يكون معلوما بل هو مجهول بمنزلة

1 مجموع الفتاوى (17/414) .

2 مختصر الصواعق (1/15) .

3 الفتوى الحموية (ص25) .

ص: 214

حروف المعجم، لكن الأمر على عكس ذلك، فنفى علم الكيفية؛ لأنه أثبت الصفة وأراد بقوله الاستواء معلوم معناه في اللغة التي نزل بها القرآن فعلى هذا يكون معلوماً في القرآن.

ومعلوم أن ادعاء هؤلاء أن مذهب السلف إنما هو القول بالتفويض سببه اعتقاد هؤلاء أنه ليس في نفس الأمر صفة دلت عليها هذه النصوص، فلما اعتقدوا انتفاء الصفات في نفس الأمر -كان مع ذلك لا بد للنصوص من معنى- فبقوا مترددين بين الإيمان باللفظ وتفويض المعنى وبين صرف اللفظ إلى معان بنوع من التكلف. وهذا التردد هو الذي وقع فيه من قال بالتفويض من هؤلاء كالبيهقي والرازي، فهم لم يلتزموا بهذا القول مطلقاً بل غالباً ما يخالفونه كما فعل الرازي في تأسيسه حيث جنح إلى التأويل وترك القول بالتفويض.

الفريق الثالث: قول المشبهة

والمقصود بهم الهشامية1 من الروافض، والكرامية2، وغيرهم.

1 هم أصحاب هشام بن عبد الحكم الرافضي من الإمامية، وتنسب إليه وإلى هشام بن سالم الجواليقي أحيانا، من الإمامية المشبهة.

انظر المقالات (1/31-34) ، الملل والنحل (1/144-147) .

2 هم أصحاب محمد بن كرام وهم طوائف يبلغ عددهم اثنتي عشرة فرقة وأصولها ستة هي: العابدية، والنونية، والزرينية، والإسحاقية، والواحدية، وأقربهم الهيصمية.

انظر الملل والنحل (1/144-147) .

ص: 215

وهؤلاء يثبتون استواء الله وارتفاعه فوق عرشه، إلا أنهم تعمقوا في الكلام على كيفية ذلك الاستواء.

فالهشامية مثلاً يقولون: إن الله تعالى مماس لعرشه لا يفضل منه شيء في العرش ولا يفضل عن العرش شيء منه1.

وأما الكرامية فقد تعددت أقوالهم في كيفية استوائه:

فمنهم من يقول: إنه على بعض أجزاء العرش.

ومنهم من يقول: إن العرش مكان له وإن العرش امتلأ به.

ومنهم من يقول: إنه لو خلق بازاء العرش عروشاً موازية لعرشه لصارت العروش كلها مكاناً له لأنه أكبر منها كلها.

ومنهم من يقول: إن بينه وبين العرش من البعد والمسافة ما لو قدر مشغولا بالجواهر لاتصلت به2.

وقول هؤلاء المشبهة إنما هو نتيجة لازمة لأقوالهم في صفات الله وكلامهم في ذاته.

فالهشامية يقولون: "إن الله جسم ذو أبعاض له قدر من الأقدار، ولكن لا يشبه شيئاً من المخلوقات، ولا يشبهه شيء".

ونقل عنهم أنهم قالوا إنه سبعة أشبار بشبر نفسه، وإن له مكاناً

1 الملل والنحل (2/22) .

2 الملل والنحل (1/144-147) .

ص: 216

مخصوصاً ووجهة مخصوصة وإنه يتحرك وحركته فعله، وليست من مكان إلى مكان وهو متناه بالذات غير متناه بالقدرة، وإنه مماس لعرشه ولا يفضل منه شيء من العرش ولا يفضل عن العرش شيء منه"1.

وأما الكرامية فيقول ابن كرام: "إن معبوده مستقر على العرش استقراراً وإنه بجهة فوقَ ذاتاً وإنه أُحدي الذات أُحدي الجوهر وإنه مماس للعرش من الصفحة العليا".

ولهم في معنى العظم خلاف فقال بعضهم: "إنه مع وحدته على جميع أجزاء العرش والعرش تحته وهو فوقه كله على الوجه الذي هو فوق جزء منه".

وقال بعضهم: "أنه يلاقى مع وحدته من جهة واحدة أكثر من واحد، وهو يلاقى جميع أجزاء العرش وهو العلي العظيم".

وقالت المهاجرية منهم: إنه لا يزيد على عرشه في جهة المماسة ولا يفضل منه شيء على العرش، وهذا يقتضي أن يكون عرضه كعرض العرش.

وصار المتأخرون منهم إلى أنه تعالى بجهة فوق وأنه محاذ للعرش"2.

1 المصدر السابق (2/22) .

2 انظر كتاب التجسيم عند المسلمين (ص205) .

ص: 217

الرد عليهم:

هذا القول للمشبهة يتضمن حقاً وباطلاً.

فالحق فيه هو: اعترافهم بعلو الله واستوائه على عرشه وأنه بائن من خلقه والخلق بائنون عنه.

وأما الباطل فهو: كلامهم في ذات الله والتعرض لكيفية استوائه، وهو كلام باطل وفاسد ليس لهم به دليل من القرآن أو السنة، بل هو قول على الله بغير علم فالله سبحانه وتعالى لم يطلعنا على كيفية ذاته فأنّى لنا أن نعلم كيفية صفاته، وأمر الكيفية هو مما استأثر الله بعلمه قال تعالى:{وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَاّ بِمَا شَاء} [البقرة 255] .

ومما يدلنا على فساد هذا القول وعدم وجود دليل لأصحابه على ما يقولون هو اختلاف آرائهم وأقوالهم عند الحديث عن ذات الله وكيفية استواءه. فمن خلال عرض أقوالهم يتضح اختلافهم وتناقضهم، وما ذاك إلا لأنّهم يفترون على الله الكذب قال تعالى {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيراً} [النساء 82] .

والسؤال الذي ينبغي أن يوجه إلى هؤلاء المشبهة في هذا المقام هو: أين الدليل من الكتاب أو السنة على ما تزعمون؟

والجواب معروف وهو أنه لا دليل لهم على ذلك لا من القرآن ولا من السنة.

ص: 218

ومما ينبغي معرفته أن الكلام على كيفية ذات الله أو كيفية استوائه أو غيرها من الصفات هو أمر غير جائز عند السلف ويحرم الخوض فيه بل يبدعون السائل عن ذلك، ولذلك بدع الإمام مالك السائل الذي سأله عن كيفية استواء الباري عز وجل، حيث قال له:(الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، والإيمان به واجب، وما أراك إلا رجل سوء، وأمر بإخراجه) ، وما قاله الإمام مالك هو الذي جاءت به النصوص وهو الذي سار عليه السلف جميعاً.

ص: 219