المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: مكان العرش - العرش للذهبي - جـ ١

[شمس الدين الذهبي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌القسم الأول: الدراسة الموضعية

- ‌الباب الأول: أقوال الناس في أسماء الله وصفاته

- ‌الفصل الأول: معتقد أهل السنة والجماعة

- ‌المبحث الأول: التعريف بأهل السنة والجماعة

- ‌المبحث الثاني: معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته

- ‌الفصل الثاني: أقوال المعطلة في أسماء الله وصفاته

- ‌المبحث الأول: التعريف بالمعطلة

- ‌المبحث الثاني: درجات تعطيلهم

- ‌الفصل الثالث: أقوال المشبهة في أسماء الله وصفاته

- ‌المبحث الأول: التعريف بالتمثيل والتشبيه

- ‌المبحث الثاني: التعريف بالتشبيه

- ‌الباب الثاني: الأقوال في صفتي العلو والإستواء

- ‌الفصل الأول: الأقوال في صفة العلو

- ‌المبحث الأول: قول أهل السنة والجماعة ومن وافقهم

- ‌المبحث الثاني: أقوال المخالفين

- ‌الفصل الثاني: الأقوال في صفة الاستواء

- ‌المبحث الأول: مذهب السلف في الاستواء

- ‌المبحث الثاني: أقوال المخافين

- ‌الفصل الثالث: مسائل متعلقة بالعلو والإستواء

- ‌المبحث الأول: خلو العرش حال النزول

- ‌المبحث الثاني: مسائل الحد والمماسة

- ‌الباب الثالث: العرش وما يتعلق به

- ‌الفصل الأول: تعريف العرش

- ‌المبحث الأول: المعنى اللغوي لكلمة العرش

- ‌المبحث الثاني: المذاهب في تعريف العرش

- ‌الفصل الثاني: الأدلة على إثبات العرش من الكتاب والسنة

- ‌المبحث الأول: الأدلة القرآنية على إثبات العرش

- ‌المبحث الثاني: الأدلة من السنة على إثبات العرش

- ‌الفصل الثالث: صفة العرش وخصائصه

- ‌المبحث الأول: خلق العرش وهيئته

- ‌المبحث الثاني: مكان العرش

- ‌المبحث الثالث: خصائص العرش

- ‌الفصل الرابع: الكلام على حملة العرش والكرسي

- ‌المبحث الأول: الكلام على حملة العرش

- ‌المبحث الثاني: الكلام على الكرسي

- ‌القسم الثاني: التعريف بالمؤلف والكتاب

- ‌الفصل الأول: التعريف بالمؤلف

- ‌الفصل الثاني: التعريف بالكتاب

الفصل: ‌المبحث الثاني: مكان العرش

‌المبحث الثاني: مكان العرش

إن الآيات والأحاديث التي جاء فيها ذكر عرش الرحمن تبارك وتعالى لتدل دلالة واضحة على أن لعرش الرحمن مكاناً قبل وجود السموات والأرض وبعد خلقهما، فأما مكانه قبل خلق السموات والأرض فالآيات والأحاديث تبين لنا أن مكانه على الماء، فالله سبحانه يقول في كتابه الكريم {وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء} . [هود:7]

قال الطبري في تفسير هذه الآية: "وقوله {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء} يقول وكان عرشه على الماء قبل أن يخلق السموات والأرض وما فيهن، وعن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء} قبل أن يخلق شيئاً"1.

وأما الأدلة من السنة على ذلك فكثيرة منها حديث عمران بن حصين الذي جاء فيه: "كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على

1 تفسير الطبري (12/4) .

ص: 317

الماء، وكتب في الذكر كل شيء، ثم خلق السموات والأرض".

وكذلك ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء".

وكذلك حديث أبي رزين العقيلي قال: قلت يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: "كان في عما ما تحته هواء وما فوقه هواء ثم خلق عرشه على الماء".

فكل من الآية والأحاديث تدل دلالة قاطعة على أن مكان العرش منذ خلقه على الماء، وليس مراد بالماء هنا ماء البحر لأن ماء البحر إنما وجد بعد خلق السموات والأرض، وإنما الماء المذكور هنا ماء آخر تحت العرش على ما شاء الله تعالى 1.

وقد سئل حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن قوله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء} على أي شيء كان الماء؟ قال: "كان على متن الريح"2.

1 فتح الباري (13/411) .

2 أخرجه ابن جرير في تفسيره (15/249) . والدارمي في الرد على بشر المريسي (ص445) . وابن أبي عاصم في السنة (1/258) . والحاكم في المستدرك (2/341) . والبيهقي في الأسماء والصفات (2/237، رقم802) .

كلهم بإسنادهم عن سفيان عن الأعمش بنحوه.

قال الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) ووافقه الذهبي.

وإسناده جيد موقوف.

ص: 318

وعن سليمان التيمي أنه قال: "ولو سئلت أين الله؟ لقلت: في السماء، فإن قال: فأين كان عرشه قبل السماء؟ لقلت: على الماء، فإن قال: فأين كان عرشه قبل الماء؟ لقلت: لا أعلم، قال أبو عبد الله: وذلك لقوله تعالى {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَاّ بِمَا شَاء} [البقرة 255] "1.

هذا مكان العرش قبل خلق هذا الكون الذي هو عبارة عن السموات والأرض، أما مكانه بعد خلق السموات والأرض فالحديث عنه من جانبين:

الجانب الأول: مكانه بالنسبة إلى الله تعالى مع غيره من المخلوقات.

والجانب الثاني: مكانه بالنسبة إلى السموات والأرض بعد خلقهما.

أما مكان العرش بالنسبة إلى الله تعالى مع غيره من المخلوقات فهو أقربها إليه سبحانه، وذلك لأن الله سبحانه قد أخبر أنه مستو على عرشه في أكثر في موضع في القرآن الكريم، قال تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ففي إثبات الاستواء على العرش دليل على قربه إليه لأنه سبحانه

1 خلق أفعال العباد (127) .

ص: 319

مستو على أعلى مخلوقاته وأقربها إليه، وهذه ميزة امتاز بها العرش على ما سواه.

ومما يؤيد كون العرش أقرب المخلوقات إلى الله ما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولكن ربنا تبارك وتعالى اسمه إذا قضى أمراً سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا، ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم ماذا قال"1.

فالحديث يدل على أن حملة العرش هم أول من يتلقى أمر الله، ثم يبلغونه للذين يلونهم من أهل السموات، فكونهم أقرب الخلق إلى الله دليل على أن العرش أقرب منهم إليه سبحانه لأنهم إنما يحملونه.

1 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان، (14/225) . والترمذي في سننه، كتاب التفسير، باب سورة سبأ، (5/362 رقم 2324) . والإمام أحمد في مسنده (1/218) . والدارمي في الرد على الجهمية (ص78) . وابن منده في التوحيد (ق16/ب) . والبيهقي في الأسماء والصفات (1/512-513، رقم436) . والطحاوي في المشكل (3/113) . وأبو نعيم في الحلية (3/ 143) .

كلهم بإسنادهم عن الزهري عن علي بن الحسين به، وبألفاظ متقاربة.

وقال الترمذي: (هذا حديث حسن صحيح) .

ص: 320

أما مكان العرش بالنسبة للسموات والأرض بعد خلقهما، وهل مازال على الماء؟

فالجواب ما يلي: إن العرش ما يزال على الماء المذكور في الآية والأحاديث بدليل ما جاء في أحاديث الأوعال، لقوله صلى الله عليه وسلم:"ثم فوق السماء السابعة بحر بين أعلاه وأسفله مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ذلك كله ثمانية أملاك أوعال ما بين أظلافهم إلى ركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ظهورهم العرش".

فالحديث يُشير كما أسلفنا إلى وجود ذلك الماء الذي تحت العرش، وإلى أنه ما زال موجوداً إلى ما بعد خلق السموات والأرض.

أما مكان العرش بالنسبة إلى السموات والأرض فهو أعلى منها وفوقها، وهو كالقبة عليها كما جاء في الحديث:"إن عرشه على سمواته وأراضيه هكذا" وأشار بأصابعه مثل القبة.

وكذلك ما جاء في حديث العباس بن عبد المطلب الذي يسمى بحديث الأوعال، فكلا الحديثين يدلان على أن العرش فوق السموات والأرض وأعلى منهما وهو كالسقف عليهما، بل هو سقف للجنة كما في حديث: "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فسلوه

ص: 321

الفردوس، فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن"1.

فمكان العرش فوق السموات والأرض وفوق الجنة وهو أعلى المخلوقات وأرفعها، وجميع المخلوقات دونه في العلو والارتفاع. والله أعلم.

1 تقدم تخريجه ص 245.

ص: 322